عندما يموت مخرج بأهمية ومكانة روبرت أولتمان دون أن تجد فى صحافتنا السينمائية المصرية بضعة سطور قليلة عنه، فذلك دليل جديد على أن هناك أشياء عديدة فى حياتنا غلط، لأنه يشير إلى أننا نعيش فى حالة غيبوبة حقيقية عما يحدث فى العالم فى السينما وغيرها على السواء، مكتفين بذاتنا وأفلامنا وسينمائيينا وصحفيينا وسياسيينا، حيث المعارضة على مقاس الحكومة، والشعب يبدو على السطح كأنه قد أصابته حالة اللامبالاة أمام استهانة وتهاون الحكام حتى تحين لحظة الانفجار أو الانهيار، وخلال أقل من عقد من الزمن كان التدهور قد سار من محاكمة الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى حصار لفاروق حسنى، الأول بسبب قضية التأويل والآخر بسبب الحجاب، ورغم التباين الشاسع بين القضيتين كانت التهمة الجاهزة: إنكار ماهو معلوم من الدين بالضرورة، والله يرحم أيام كان المسلمون يتجادلون حول ما إذا كان القرآن قديماً أم مخلوقاً!! هل تستغرب إذن أن يسألك أحد: ومن هو روبرت أولتمان هذا حتى تعتبر تجاهلنا له أو جهلنا به على هذا القدر من الأهمية؟ والحقيقة أننى أعذر من يسأل هذا السؤال فى سياق تخلى فيه معظم النقاد عن دورهم، حتى بات معظمهم لا يقرأ كتاباً أو يشاهد فيلماً جديداً فمن أين يمكن له أن يأتى بكتابة جديدة؟ وإذا كان حال صناعة السينما على ماهى عليه فماذا يجدى أن تتحدث عن الفن، خاصة ذلك النوع المتمرد منه الذى يمثله أولتمان، وهو من القلة التى رفضت الانصياع لسطوة منتجى هوليوود حتى عندما انتهى به الحال إلى صنع أفلام قليلة التكاليف ودون دعاية كافية، أو اللجوء إلى عالم التليفزيون والمسرح بديلاً عن السينما. ومن هذا التمرد يمكن أن نتعلم من أولتمان شيئاً من بين أشياء عديدة، فهو التمرد الذى ينبعث من عشق حقيقى من الفنان تجاه السينما، وهو أيضاً التمرد الذى ينبعث من موقف سياسى فطرى ضد لا أخلاقية السياسة الأمريكية، وهو مادفع أولتمان للتصريح بأنه سوف يذهب إلى باريس إذا ما أعيد انتخاب بوش، وعندما سألوه لماذا لم ينفذ تهديده أجاب فى ذكاء إنه كان يقصد مدينة باريس الصغيرة فى ولاية تكساس التى لن يعود إليها بوش إذا ذهب إلى البيت الأبيض فى واشنطن! كان أولتمان محباً للحياة بقدر عشقه للسينما، وليس غريباً أن يكون واحدا من المخرجين الواقعيين القلائل فى بلد صناعة الأفلام الهروبية، أو أن تمتزج الحياة عنده بالفن على نحو فريد، فهو يعيش داخل الاستوديو مع الفنانين والفنيين كأنه وجد حياته الحقيقية، وأسلوبه وأفلامه يجعلها قطعة من الحياة، وهو الأسلوب ذو المسحة الأوروبية التى لاتجدها إلا نادراً فى السينما الأمريكية، لذلك تعتمد أفلامه دائما فى بنائها الدرامى على العديد من الخيوط التى تتوازى أو تلتقى أو تتباعد، معظمها لاينتهى - مثل الحياة تماماً- إلى نهايات حاسمة، ويصبح نسيج الحدوتة أو الحواديت كثيفا متعدد الدلالة، والشخصيات تضرب بجذورها فى هذا النسيج حتى أنه من السهل عليك أن تتخيل ماكانت تصنعه قبل أن تبدأ الأحداث أو ماذا سوف تصنع بعد أن تنتهى، وفى العادة فإنه يبدأ العمل بسيناريو مختصر لكى يطوره مع الممثلين الذين يتقمصون الشخصيات حتى أنه يترك لهم مساحة غير قليلة من الارتجال لهذا السبب أطلقوا عليه دائما ًمخرج الممثلين،لذلك فإن الحوار على شريط الصوت يشهد تداخلاً وتراكباً قد يجعل من الصعب أحياناً على المتفرج متابعته بدقة، لكن من المؤكد أنه سوف يشعر بعمق بالمزاج العاطفى الذى يسود المشهد. شهدت حياة أولتمان التى استمرت أكثر من ثمانين عاماً العديد من نقاط الصعود والهبوط، وهو الذى بدأ حياته فى الخمسينيات بصنع عشرات من الأفلام الوثائقية والدعائية القصيرة لإحدى الشركات الصناعية، لكنه اكتسب من خلالها المران على التقنيات والمعدات السينمائية، والتمرس على إنجاز الأفلام بميزانية محدودة مما ساعده كثيراً فى مقتبل حياته، ومن خلال فيلمه الأول كاتباً ومخرجاً مجرمون فى سن الأحداث 1955 الذى لم يحصل على نجاح كبير التقطته عينا ألفريد هتشكوك ليصنع بضع حلقات من السلسلة التليفزيونية ألفريد هيتشكوك يقدم، بالإضافة إلى بعض المسلسلات الأخرى كم من المخرجين يبدأون حياتهم الفنية ويختمونها هذه النقطة المتواضعة؟، لكن أولتمان لم يتوقف لحظة عن الحلم بأن يعود إلى عالم السينما، ليصطدم على أرض الواقع بخلافات مع أصحاب الشركات الكبرى، التى رفضت أحد سيناريوهاته لفترة طويلة لكن الفرصة جاءته فى النهاية، وكان ذلك هو فيلم ماش 1970 الذى حقق نجاحاً هائلاً نقدياً وتجارياً، ليصبح العلامة الفنية المسجلة لروبرت أولتمان، الذى يمزج السخرية بالمرارة، ويغوص فى عذابات الروح حتى وهو يضحك، ويقدم المتعة دون أن يهرب من الواقع، فقد كان الفيلم الذى يدور خلال الحرب الكورية سخرية جامحة من التورط الأمريكى العبثى فى فيتنام. مرة أخرى يتذكر كاتب هذه السطور كيف احتفى النقاد المصريون آنذاك بفيلم ماش، وكيف يتجاهل نقادنا اليوم صانعه وصانع أفلام تالية مهمة، كان بعضها ينتمى إلى الأنماط التقليدية لكنها كانت تتحول على يد أولتمان إلى عمل فنى فريد، مما جعله يستحق بالفعل أن تطلق على أفلامه سينما المؤلف، لأن بصمته وروحه ورؤيته كانت تتخللها جميعاً، لافرق فى ذلك بين ميلودراما ناشفيل، أو تشيكوفية طرق مختصرة، أو قصة حياة فان جوخ وعلاقته بأخيه فى فينسيت وثيو، أو السخرية السوداء من عالم صناعة السينما فى هوليوود فى اللاعب، وهو الفيلم الذى يبدأ بلقطة واحدة تستمر عشر دقائق كاملة دون انقطاع، يقدم فيها كل شخصيات الفيلم وعلاقاتها ويمهد لما يحدث لها، وأخيراً فى حديقة جوسفورد، الذى يبدو على السطح فيلماً بوليسياً، لكنه فى جوهره تأمل حاد النظرة للمجتمع الطبقى الإنجليزى خلال ثلاثينيات القرن العشرين. فى فيلمه قبل الأخير الفرقة،بدا أولتمان أقرب إلى الفنان التشكيلى الفرنسى إدجار ديجا، فى اقترابه الحميم من عالم راقصى الباليه، وهم يناضلون بالمعنى الحرفى للكلمة لصنع فنهم حيث كان يلتقط لحظات من حياتهم وكأنها لقطات مختلسة فى مشاهد طويلة زمنياً تترك انطباعاً عميقاً بالواقعية، وفى هذا الفيلم يبدو أن أولتمان كان يصور عشقه للحياة فى عالم صناعة الأفلام حيث يتخلق الفن والنظام من حالة عارمة من الفوضى، وراء الكاميرا أو فى غرفة المونتاج أو فى قاعة عرض نسخة العمل. وبرغم أن أولتمان كان مرشحاً للأوسكار خمس مرات إلا أنه لم يفز بها عن أى فيلم له ليحصل فقط على أوسكار تكريماً لمجمل أعماله ليلحق بمخرجين مهمين مثل هيتشكوك ومارتين سكورسيزى كان الأوسكار يتخطاهم دائماً، وهو مايؤكد أن هذه الجائزة ليست لها قيمة فنية حقيقية بقدر ماهى دعائية، ومن الطريف والمنطقى أن أولتمان كان ينظر إلى فيلم تايتانيك الحاصل على العديد من جوائز الأوسكار بوصفه أكثر الأفلام رداءة فى تاريخ السينما. إن أردت أن تجد أولتمان لايزال حيا فتأمل أفلام أجيال تالية فسوف تجد أثره الذى لا يمكن أن تخطئه، عند سوديربيرج ولينكليتر وشون بين وتيم روبينز وغيرهم، فى أفلام مثل ترافيك وكراش وبابل وقبل الشروق وقبل الغروب والوعد، ففيها جميعا تستطيع السينما الأمريكية فى لحظات نادرة أن تغوص فى الواقع وتمسك بجوهر الشعر فيه، فى رحلة لا تنتهى فى أعماق الروح الأمريكية المعذبة. العربي المصرية في 7 يناير 2007
مكسب جديد للفيلم التسجيلى والقصير
صفاء الليثى بدعم من الاتحاد الأوروبى برنامج اليوروميد المرئى المسموع أقامت سمات قافلة السينما التسجيلية والقصيرة بالإسكندرية فى الفترة من 17- 12 ديسمبر 2006 كارفان أوروبى عربى ركز على عرض نتاج الورشة الإبداعية التى أقيمت بمهرجان الإسماعيلية 15- 22 سبتمبر2006. عرض فى الافتتاح البنات دول لتهانى راشد الذى يتناول قضية الساعة عن بنات الشوارع ويعد وثيقة مهمة عنهن يحتاجها العمل الاجتماعى رغم الملاحظات الفنية على الفيلم. وفى الختام أنا التى تحمل الزهور إلى قبرها للسورية هالة العبد الله ومعها الشاب عمار البيك الذى أحببنا فيلمه الأول إنهم كانوا هنا وانتظرنا أعماله التالية بشغف، كما شاهدنا لهالة العبد الله فوق الرمل تحت الشمس مع محمد ملص، لماذا تتشارك هالة مع مخرج آخر؟ هل تنقصها الجسارة لتوقع منفردة على عمل يخصها؟ أول عنوان يصادف المشاهد فى أنا التى تحمل الزهور إلى قبرها عنوان فيلم لهالة العبد الله ثم إخراج هالة العبد الله وعمار البيك، أمر محير، والمحير أكثر أنه مروى بصوتها ويمثل فى جانب كبير منه سيرة ذاتية لها وذكرياتها ولقاءات مع صديقات لها يجمعهن تجربة الاعتقال السياسى، وجزء آخر بالفيلم عن زوجها الرسام الشهير بسام عبدلكي صوره وأخرجه عمار البيك، الفيلم متعدد الأساليب الفنية بين طريقة الفيلم الشخصى المروى على لسان صاحبه كأعمال عمر أميرلاى ومحمد ملص، وجزء آخر اقتربت فيه الكاميرا من وجه المناضلات وثبتت فى وضع ثابت يحكين لنا وسط عبرات تجربة الاعتقال والحياة، وجزء ثالث للرسام بأسلوب تصوير وأحجام لقطات مختلف تماما عن سابقيه بكاميرا غير مهتزة كما الكاميرا بمشاهد الطريق والبحر. فيلم تتزاحم فيه الأفكار وتحتار فى الإمساك بفكرة واحدة، أين عمار البيك، تنادى عليه المخرجة منذ المشهد الأول ضع الكاميرا هنا..، السيادة لها إنتاجيا وفنيا، لماذا قدما تجربة مشتركة؟ الفيلم لا يجيب، فالتجربة متراوحة بين كونها فيلم لهالة العبد الله التى تقرأ الشعر بصوتها أنا التى تحمل الزهور إلى قبرها وشرحت فى الندوة الإحساس بالوحدة وغيره من المشاعر، وبين كونه فيلما شارك فى إخراجه عمار البيك الذى شرح طريقة عملهما معا فى المونتاج الذى يجيده إبداعيا وتقنيا مثلما يجيد التصوير، فهو أقرب لصانع الفيلم المهيأ لوضع توقيعه منفردا على فيلم ليكون فيلما ل.. عمار البيك. يبقى الفيلم غنيا ومثيرا للاهتمام ولكنه يفتقد الوحدة شكلا وموضوعا. حاز الفيلم المهر البرونزى من مهرجان دبى السينمائى الدولي10 - 17 ديسمبر وفى حيثيات إعلان الجائزة أعلن محمد سويد رئيس لجنة التحكيم لاستقلاليته فى طريقة السرد، والمنحى الذاتى فى إخراجه، ولخوضه منطقة حرة للخلق والنفاذ... هل سيكرر المخرجان التجربة معا؟ أم سينفرد كل منهما بعمل ويساعده الآخر بما يجيده، أعتقد أن الصيغة الأوفق أن يوقع كل منهما منفردا على عمله وأن يتبادلا التعاون مثل تجربة مى مصرى وجان شمعون. خلافا لفيلمى الافتتاح المصرى والسورى قدمت سوسن دروزة عملا مجمعا من برنامج تليفزيونى أسمته هويات بذكاء قالت إنها تجربة تنتظر ردود فعل المتلقين، الكل لم يبخل برأيه حول العمل الذى جمع أربع شخصيات تسألهن سوسن عن هم الهوية الذى بدا همها هى فى المقام الأول وليس هما يخص الجميع باستثناء المغربية التى أنهت بها الفيلم والتى تشارك المخرجة سؤال الهوية وتنشغل به. ستعمل سوسن دروزة وهى منسقة الكارفان فى الأردن على الفكرة وتنميها فى عمل جديد ننتظر مشاهدته فى الإسماعيلية أو القاهرة عندما تعود القافلة لدورتها الجديدة. هذه المشاركة العربية أفلاما وحضورا دعمها وجود ماريان خورى كمنتجة مستقلة وماجدة واصف بخبرتها فى الإنتاج المشترك الموضوع الذى فرض سطوته على الكارفان وعلى مائدته المستديرة التى استمرت جلساتها ليوم كامل تحدث فيها منتج فرنسى أتى مع فيلمه لمخرجة من طاجاستان تعيش فى فرنسا عن موسيقيين شعبيين من قرية تركية. العولمة بجانبها الثقافى المشرق وضحت ليس فقط فى التجربة ولكن أيضا فيما ذكره المنتج فيليب أفريل من أن الإنتاج المشترك لابد أن يعبر عن الثقافتين وأن يكون نتاجا لتفاهم شمالى جنوبى على حد قوله، كما ذكر أن معرفة اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية أمر هام لتسهيل الإنتاج المشترك وضمان نجاحه وبهذه الصراحة أغلق الباب تماما على من ينفون شروط الإنتاج المشترك وسبل نجاحه. فى المائدة المستديرة التى دارت جلساتها فى يوم كامل تحدثت أولى شريدر نائب القسم التسجيلى بالمحطة الفرنسية الألمانية أرتي عن سياسة القناة التليفزيونية والفروق بين الجانبين الألمانى والفرنسى، وذكرت اهتمام الجانب الفرنسى بالنواحى الفنية والإبداعية بينما يركز الألمان على نوعية الموضوعات وطرق تناولها. أكد المحاضران الأجنبيان إيلى وفيليب على ضرورة التفاهم عبر اللقاء المباشر لنجاح المنتج المشترك. وقد عكس أهم فيلمين فى المهرجان كثيرا من هذه الأفكار، فيلم بوذا العظيم الذى يتناول رحلة بحث قامت بها ابنة عالم آثار أفغانى ثقافته فرنسية لعمل تحقيق شامل حول قضية تدمير تمثال بوذا العظيم أكبر عمل أثرى على مستوى العالم كما يذكر الفيلم، تعكس الصورة المرفقة بالمقال رؤية صانع الفيلم حيث نرى بوضوح فى منتصف الصورة الفراغ الذى حدث فى الأثر المحفور فى الصخور والذى كان به التمثال العظيم وعلى الجانب مؤذن يدعو للصلاة. هناك اتهام واضح من صناع الفيلم لطالبان المتسيدين للمشهد. وعلى الجانب الآخر يشرح تيسير علونى مراسل الجزيرة المعتقل حاليا فى جوانتانامو أن طالبان قاموا بتدمير التمثال احتجاجا على العالم الغربى الذى يقدس الحجارة ويهتم بسلامتها أكثر من اهتمامه بسلامة البشر من المسلمين. غير أن أهم ما فى الفيلم مشاهد صورت مع عالم الآثار الأفغانى، فرنسى الثقافة، الذى يستعين بعمال من الأفغان للتنقيب عن الآثار، ويجد منهم الكثيرين نظرا للحالة الاقتصادية للبلد، يحبس دموعه فى لقطة فائقة وهو يتذكر كيف دمروا الأثر الذى تم نحته منذ ألف وخمسمائة عام، فلا شك أن الفيلم مؤثر دراميا يعرض وجهات نظر مختلفة ولكنه بالتأكيد يدين تدمير الحضارات ورموزها تحت أى دعاوى. أما الفيلم الألمانى الفائزون والخاسرون فهو عمل شديد التكامل يطرح قضية ملحة عن تنامى التنين الصينى بالتركيز على شراء الصينيين لمصنع فحم ألمانى. يصحبنا المخرجان أولريك فرانك، مايكل لويكن لموقع المصنع حيث يتم تفكيك الآلات العملاقة بوجود فريق ألمانى يشرف على عملية التفكيك، وفى دعابات مثيرة للاهتمام تدور حوارات بين الألمان الذين يظهرهم الفيلم عنصريين ومتعالين، وبين الصينيين المتواضعين والواثقين من أنفسهم. لا يترك المخرجان أى جزئية دون تناولها، كيف يعيش الصينيون فى الغربة، حيث يقترب الفيلم من عدد من الشخصيات على الجانبين الصينى والألمانى بشكل إنسانى، الصينى الشاب الذى يريد شراء كمبيوتر وأن يعود ببعض المال ليتمكن من تعليم طفله، الألمانى يجمع أغراضه بعد انتهاء المهمة حابسا دموعه وذاكرا أنه قضى عمرا بأكمله فى المصنع. رؤية المخرجين الألمانيين نقدية واضحة للجانب الذى ينتميان له أنتم من فعلتم بأنفسكم هذا ولا أتصور أن أحدا اتهمهما بالإساءة إلى سمعة ألمانيا أو الصين، لأنهما ينبهان لتفاقم مشكلة تراجع التفوق الألمانى ذائع الصيت فى مجال الصناعة أمام التنين الصينى الصاعد. بناء الفيلم بالغ الروعة، غنى بتفاصيله العملية والإنسانية واضح الرؤية. الأهم أنه فى مسابقة كرفان التسجيلى والقصير حصلالفائزون والخاسرون على جائزته الكبرى، فمن المؤكد أن محبى السينما التسجيلية والقصيرة فازوا بمهرجان يمثل إضافة لمهرجان الإسماعيلية العريق خاصة أنه يقام بالإسكندرية مع جمهورها المثقف. والخاسرون هم شباب السينمائيين الذى دعتهم هالة جلال رئيس المهرجان والمدير الفنى لسمات للقاء المنتجة الألمانية والمنتج الفرنسى وماريان خورى وماجدة واصف ولم يحضر منهم أحد. ولكن ما أسعدنا بحق أننا اكتشفنا أن السينما التسجيلية مزدهرة فى العالم كله، ونتمنى أن نلحق بهذا الازدهار. العربي المصرية في 7 يناير 2007
مساحة سينمائية:
القاهرة ـ علاء طه على رغم الطقس الشديد البرودة والقسوة الذي يجتاح القاهرة.. فإن الأجواء في وسط البلد (منطقة دور السينما والترفيه والمحلات التجارية) وفي المولات الكبيرة ساخنة وملتهبة حيث توجد رائحة دخان لظاهرة اجتماعية جديدة تربط ما بين السينما كفعل للترفيه والمتعة وما بين كل الكوارث التي شهدتها مصر من التحرش الجنسي في الشوارع. المشهد الذي تخرج من رحمه هذه الظاهرة بدأ في وقفة عيد الأضحى يوم الجمعة الماضية واستمر في الأيام التالية والى اللحظة الراهنة، وقد يستمر إلي نهاية الشهر الحالي.. هو مرتبط بالعيد الكبير وأعياد الميلاد واجازة نصف العام، فللمرة الأولى تخرج العائلة المصرية كاملة العدد في الأعياد والاجازة إلى جهة واحدة فقط إلى وسط البلد والهدف هو الذهاب والتسلية فقط في دور السينما مع الأفلام الستة الجديدة التي تجمع ما بين الكوميديا والرومانسية والأكشن والمسخرة الشعبية. خرجت حشود المصريين إلى وسط القاهرة في مشهد نادر الحدوث لم يكن بمقدور احد أن يضع قدمه في الشوارع من الازدحام ومواكب السيارات تعطلت في الإشارات بالساعات والحالة الأمنية كانت في أعلى درجات التأهب بهدف الوقوف بشكل كامل أمام أي خروج في الشارع سواء فيما سمي بظاهرة التحرش الجنسي أو للقضاء على ظاهرة أطفال الشوارع، فلم يخل شارع من الدوريات الراكبة أو من ضباط وعساكر الانضباط، وأمام كل دور السينما وضعت حواجز أمنية مهمتها حفظ النظام. لكن الأهم أن كل المصريين تسابقوا علي دخول السينما أو اكتفوا بها، الطبقة الوسطى، أو بقاياها إن صح التعبير، وأولاد البلد وهم المنهكون بالغلاء وتكاليف التعليم والعلاج المرتفع بحثوا عن أرخص وسائل الترفيه والتسلية بالذهاب إلي السينما، وربما يكون هذا تحليلا متعجلا لما حدث فكل دور السينما علقت للمرة الأولى منذ أعوام طويلة لائحة 'الحفلة كاملة العدد' والطوابير أمام دور السينما امتدت لأكثر من 400 متر، وأبطال الأفلام فشلوا في الدخول لمشاهدة أفلامهم وهو أمر تحايل عليه المنتجون وأصحاب دور العرض بترتيب دخول الممثلين من أبواب السينما الخلفية التي يدخل منها العمال والسؤال لماذا اكتفى المصريون بالسينما في هذه الأيام السبعة؟ هل لأن السينما أرخص أماكن الترفيه؟ أو أنهم يهربون من إحباط الواقع إلى أحلام السينما؟ أو أن السينما صالحت الجمهور بأفلام تعبر عن واقعهم ومشاكلهم؟ أو أن السينما صارت أحد وسائل رفض الواقع؟ أو أرادت الجموع أن تطمئن إلى أن الهدوء والأمان سادا الشارع وأرادت أن تلمس أن التحرش الجنسي انتهي وأطفال الشوارع اختفوا؟ أو كان هذا انعكاس للتوتر الأمني الذي سبق الأعياد بالتنبيه على أصحاب دور العرض بعدم السماح أمامها في الشارع بالرقص والغناء لنجوم السينما؟ الاجابة عن هذه الاسئلة قد تحتاج الى دراسات علمية وأبحاث واستطلاعات رأي. إيرادات خيالية والمشهد السابق خال تماما من المبالغة والتهويل بل هو أقل كثيرا مما حدث، والدليل هو إيرادات السينما التي وصلت إلى أرقام فلكية وخيالية والتي لو حسبت في مقابل إيرادات الملاهي والحدائق ستكون السينما التهمت كل ميزانية المصريين في الأعياد بشكل مبالغ فيه.. وللدقة فان فيلم 'أيظن' البطولة الأولى لمي عز الدين، لم يحقق على مدى الأسبوع السابق للعيد سوى 400 ألف جنيه مصري لكنه في يوم الأحد الماضي فقط حقق مليونا ونصف المليون جنيه مصري ليكسر بذلك الرقم القياسي لإيرادات اليوم الواحد الذي لم يزد عن مليون جنيه لأفلام محمد سعد أو هنيدي أو الزعيم عادل إمام في موسم الصيف وهو الموسم الرئيسي للسينما، وفيلم كريم عبدالعزيز الجديد 'في محطة مصر' وصلت إيراداته في ثلاثة أيام إلى مليونين وربع المليون جنيه مصري، وفيلم 'مطب صناعي' لأحمد حلمي حقق مليونين ومائة ألف جنيه في ثلاثة أيام، ثم فيلم 'الرهينة' حقق مليونا وتسعمائة ألف جنيه، و'خيانة مشروعة' حقق مليونا وستمائة ألف جنيه، أما المفاجأة فهي فيلم سعد الصغير 'قصة الحي الشعبي' حيث لم يقبل عليه أحد فلم يحقق سوى 500 ألف جنيه.. ومدلول هذه الأرقام أن الأفلام الستة حققت عشرة ملايين جنيه في ثلاثة أيام فقط وهو رقم كبير جدا حيث إن إيرادات هذا الموسم الذي يمتد من نهاية ديسمبر إلى نهاية فبراير من واقع إيرادات غرفة صناعة السينما والموزعين لا تزيد سنويا عن 14 مليون جنيه مصري.. وهذا يفسر سر قلة الأفلام التي تعرض في هذا الموسم بعكس موسم الصيف الذي يشهد عرض أكثر من 18 فيلما.. والملايين ال 14 لهذا الموسم تحققت وأكثر في الأسبوع الذي سبق الأعياد والأيام الثلاثة في الأعياد حيث وصلت مجمل الإيرادات إلى 17 مليون جنيه مصري، ويتوقع السينمائيون أن تتضاعف الإيرادات في هذا الموسم إلى رقم قياسي قد يفوق موسم الصيف. الإيرادات محيرة ومعها ترتفع وتيرة التساؤلات عن سبب هذا في بلد يعاني اقتصاديا ومتعب اجتماعيا ومرهق سياسيا لكن ما حدث خلق حربا وتنافسا بين المنتجين وشركات التوزيع الكل غير مصدق ويريد أن يستفيد من الظاهرة إلي الدرجة القصوى فالمنتج محمد السبكي يقف بنفسه لجمع الإيرادات اليومية لفيلميه 'أيظن' و'قصة الحي الشعبي' ويتابع أفلام الجمهور، ولم يملك أي تحليل لما يحدث حيث قال ل 'القبس': هذا رزق من عند ربنا، بس السينما تحسنت وأكيد الجمهور متجاوب مع الأفلام. والشركة العربية التي تديرها وتملكها إسعاد يونس رفضت الحديث عن الإيرادات لكنها فاجأت الجميع ببيان صحفي وزع على الصحف القومية ووكالات الأنباء الأجنبية أعلنت فيه وجود عشوائية وفوضى تسيطر على السوق السينمائي المصري في الوقت الراهن، ووصفت ما يحدث بالمهزلة الممسرحة، وأعلنت عن تسيد أفلامها لإيرادات هذا الموسم وهي 'في محطة مصر' الذي أنتجته بنفسها، وفيلما 'أيظن' و'قصة الحي الشعبي' اللذان تقوم بتوزيعهما، وطالبت الجميع بالتزام الدقة في الكتابة عن الإيرادات وأرقامها الحقيقية وانها الشركة الوحيدة التي طلبت من وزير المالية إطلاع ذوي الشأن في صناعة السينما وأجهزة الإعلام على المبالغ التي تسدد يوميا من إيرادات السينما، ووصفت الأجواء بأنها ملبدة بالغيوم حيث ان الشركات الأخرى المتنافسة تضلل الرأي العام في الإيرادات للهروب من مصلحة الضرائب، وطلبت من الجميع عدم الزج باسمها في مهزلة الإيرادات الحالية في دور السينما، والأمر لا يحتاج إلى تعليق. الخلاصة أن ظاهرة جديدة لا يمكن تسميتها الآن تولد من رحم السينما وتتعلق بكل ما يجري في بر مصر وعلينا انتظار الإجابة حتى يكتمل الوليد! القبس الكويتية في 9 يناير 2007 |
فيThe Grudge 2 جرعات متزايدة من الرعب الهادئ والخيال المرعب عرض عماد النويري: الجزء الثاني من فيلم الرعب 'الضغينة' The Grudge 2 تصدر ايرادات الأفلام في أميركا الشمالية، محققا مبيعات بلغت نحو 22 مليون دولار، بعد أقل من ثلاثة أيام من عرضه في دور السينما الأمريكية اعتبارا من 13 أكتوبر 2006 وهو مقتبس من الفيلم الياباني JU-ON، ويقوم ببطولته سارة ميشيل غيللر، وأمبر تامبلين، ومن إخراج الياباني تاكاشي شيميزو. وكان الجزء الأول من الفيلم قد حقق نجاحا كبيرا بالولايات المتحدة، حيث بلغت إيراداته ما يقرب من 110 ملايين دولار. منتج ومخرج 'الرجل العنكبوت' سام ريمي اختار المخرج تاكاشي شيميزوز 23 سنة الذي أخرج فيلمين يابانيين فقط وكلفه باعادة اخراج فيلم الرعب الياباني 'الضغينة'. قال شيميزو: 'في البداية فكرت في رفض العرض لأنني لم أر مبررا لاعادة اخراج أحد أفلامي، ولكنني اردت أن أرى كيف يمكنني الاحتفاظ بطابعي الياباني وتقديم شيء مثير للاهتمام في الولايات المتحدة بممثلين اميركيين'. بطلة الفيلم بافي قاتلة مصاص الدماء سارة ميشيل غيللر تلعب دور متطوعة تعمل في اليابان وجاسون بهر من مسلسل 'روزوي' يلعب دور حبيبها، يكتشفان بيتا حلت عليه لعنة ولكن على خلاف افلام رعب كثيرة لا توجد بحور من الدماء وانهار من العرق بسبب التشويق وحبس الأنفاس وبحور من الاشلاء التى تتطاير من الجثث بمناسبة ومن دون مناسبة. غيللر تقول: أعتقد ان الرعب كلمة عامة جدا لا تنطبق على اخراج مثل هذا الفيلم. حوادث غريبة الأرواح المعذبة في فيلم The Grudge الجزء الاول لا تزال تتعذب. في الجزء الثاني وتلك الفتاة الميتة ذات الشعر الأسود المتشعث الطويل (تلعب الدور تاكالو فوجي) وشقيقها الأصغر في وضعه الجنيني الأبدي (اوهغا تاناكا) عادا في الفيلم الجديد، مثلما عاد تاكاشي شيموزو الذي أخرج الفيلم الأصلي الكاسح سنة 2004 اقتباسا من سلسلته الخاصة من أفلام الرعب اليابانية. هذه المرة يشرح ريمى وشيميوزو وغيللر أصل تلك اللعنة القابعة في ذلك المنزل المعزول المعقم. ولكن الآن يبدو أن المسكونين بالأرواح يملكون القدرة على التواجد في كل الأمكنة في الوقت نفسه: في غرفة تغيير ملابس الفتيات في طوكيو، وفي مغطس حمام في شيكاغو، وفي كابينة هاتف في مستشفى. ويبدو أنهم ينتقلون عبر الجدران ويستطيعون التحكم بالتيار الكهربائي وبالاتصالات الهاتفية الارضية والفضائية. وإذا كانوا يملكون كل هذه القدرات والمواهب والموارد، فطبيعي انهم يستطيعون أن يدركوا الشيء الذي يبحثون عنه فيرتاحون ويريحون. غير انهم لن يفعلوا ذلك الا عندما ينتقلون الى الجزء الثالث اوالرابع من الفيلم. الفتاة الميتة رأينا تقليدا ساخرا لها في فيلم Scary Movie 4 سارت في الممر بين المقاعد وهي ترتدي الثوب الأبيض وبالشعر الأسود نفسه، لكنها يبدو انها لم تعد تخيف احدا. وتؤدي أمبر تامبلين دور البطلة اليافعة الشجاعة التي تجد نفسها في مأزق، وفي الوقت ذاته وجدت شخصيات كثيرة أخرى نفسها بأنها ضحايا بالطريقة نفسها. هناك اليسون (ارييل كيبل ـ بعد أن صبغ شعرها الأشقر وأصبح أسود ليجعلها تبدو غريبة الأطوار)، وهي فتاة أميركية جاءت حديثا للانخراط في مدرسة ثانوية دولية في طوكيو، وعلى أمل التوافق مع الفتاتين الحقيرتين (تريزا بالمر وميساكو اونو) اللتين ترتديان مريولين مدرستين ذات تنورتين قصيرتين للغاية، توافق على مرافقتها إلى ذلك المنزل المسكون بالأرواح، حيث مات كل هؤلاء الأشخاص. وتقع سلسلة من الحوادث السيئة. وفي هذه الأثناء تبدأ سلسلة من الأشياء الغريبة في شيكاغو. وتبدأ الحوادث الغريبة في الليل، عندما تصل الشقيقة الأكبر سنا إلى المنزل متأخرة وهي ترتدي زي فتيات الكورس المشجع لتجد كل الأضواء المطفأة. وهنا قد ينتبه المشاهد إلى النقطة المهمة، وهي أنThe Grudge 2 لا يقصد الإخافة بقدر ما يرمي إلى الإثارة المخيفة. ربما الجميع أصبحوا مجانين، أو لعل الأرواح أصبحت أكثر مهارة انتعاش مفاجئ قال أطباء نفسيون وخبراء في صناعة السينما انه حتى في عصر الحرب والارهاب أو قد يكون بسببهما هناك عدد محدود من الاشياء التي يمكن أن تهدئ النفوس منها فيلم رعب من صنع هوليوود. في العام الماضى انتجت الاستديوهات ما لا يقل عن 12 فيلم رعب ونذكر منها 'منزل الشمع' و'التوتر الشديد' و'المياه المظلمة' و'مفتاح الهيكل العظمي' وغيرها وهذا العدد يزيد عن أي موسم في السنوات الاخيرة كما يقول متابعو شباك التذاكر. ويقول محللون ان الانتعاش المفاجئ في أفلام الرعب يعكس جزئيا رغبة الجمهور الاميركي في الهروب من عالم العنف الحقيقي في العراق وفي مناطق أخرى والذي يلقى تغطية مكثفة في عناوين الصحف وعلى شاشات التلفزيون. وبالطبع فان هوليوود يسرها أن تذعن لرغبات المشاهدين. الدكتور تشارلز غودستاين من المركز الطبي التابع لجامعة نيويورك والرئيس السابق لرابطة التحليل النفسي في نيويورك يقول 'انها تتيح خوض تجربة يمكن السيطرة عليها بطريقة أو بأخرى'، يقصد الافلام بالطبع ويضيف: 'بعد ذلك يكون من المنطقي أن تعمل مشاهدة فيلم رعب كنوع من االعوامل المهدئة.. انها تسمح بأن يكون هناك وضع مرعب للغاية بشكل مصغر ولكن يمكن الخروج منه على قيد الحياة وبخير بعد مغادرة دار العرض'. ومنذ ذلك الحين أصبح مصاصو الدماء ومن يقطعون جثث القتلى يجتذبون الجماهير التي بدأت تتحول عن النوعيات الاخرى من الافلام. ومن بين أنجح أفلام الرعب في 2004 فيلم 'الضغينة' الجزء الاول الذي بلغت تكلفته عشرة ملايين دولار وحقق 110 ملايين دولار كما ذكرنا. كما احتل فيلم 'الرعب في اميتيفيل' The Amityville Horror المركز الاول في اسبوعه الاول. ويشير اندرو دوغلاس مخرج فيلم 'الرعب في اميتيفيل' الى أن أفلام الرعب مجرد خيال وهي تقدم جرعة من الخيال أكبر من التي يتلقاها الناس في واقعهم. وذكر قاعدتين عامتين تجعل هوليوود راغبة في صنع تلك الافلام. فبصفة عامة تلك الافلام أقل تكلفة لأنها تستعين بعدد أقل من النجوم كما أن تسويقها أسهل بسبب القاعدة العريضة من عشاق تلك الافلام. القبس الكويتية في 9 يناير 2007
فيلم »بوسيدون« لصاحب »طروادة« حين لا يبقى من الأسطورة سوى شبح اسمها إبراهيم نصرالله تحتاج أربع صفحات كي تكتب عن فيلم (بوسيدون) للمخرج فولفغانغ بيترسون لكنك بحاجة لخمس وعشرين صفحة لكتابة أسماء العاملين في هذا الفيلم الذي ينتمي لأفلام التشويق بطريقة غير عادية. أكثر من ألف وستمائة شخص يشاركون في (بوسيدون) الذي غزا قاعات العرض العالمية هذا العام، من ممثلين وبدلاء وفنيين، وهو رقم هائل ومخيف بحد ذاته، لأن إدارة هذا العدد في إنتاج ضخم من هذا النوع يمثّل بحد ذاته عبقرية موازية لعبقرية الإخراج إن تحققت. ثمة جملة تستدعي الانتباه وتجبرك على مشاهدة هذا الفيلم الذي اختفت من ملصقه أسماء الممثلين واستبدلت بعبارة أكثر إثارة فعلا وهي: فيلم لمخرج (تروي ـ طروادة) و (عاصفة مثالية)، وهذه الجملة بحد ذاتها قابلة لأن تغري المشاهد، لأن فلميه المذكورين حملا لمسة مختلفة أنستنا أنه هو الذي أخرج فيلم (طائرة الرئيس) الذي يمجد بطولة رئيس أمريكي اختطفت طائرته واستطاع التصدي لعتاة المجرمين وإلحاق الهزيمة المرة بهم، كما لو أن الرئيس صورة من صور مواطنيه (ستالوني وبروس ويليس وشوارزنغر) وسواهم. لكن فيلم عاصفة مثالية جاء مختلفا تماما، حيث يسرد فيه حكاية التقاء ثلاث عواصف في نقطة واحدة لتطبق على أحد قوارب الصيد الصغيرة، إنه ملحمة إنسانية فعلا، وفيلم مختلف عن النمط السينمائي الأمريكي إلى حد بعيد، فالفيلم يرسم صورة لبشر عاديين، لحظات حبهم، كراهيتهم، امتحانهم لصداقاتهم وعداواتهم أيضا حين يواجهون الخطر، ودائما ينتصر الإنسان داخل الطيب وداخل الشرير، كما لو أن فولفغانغ كان يريد أن يقول: ليس هنالك مطلق شر في البشر. وبعيدا عن مجانية كثير من النهايات السعيدة ينتهي الفيلم بموت جميع أبطاله على يد الطبيعة العاتية، رغم كونهم لا يستحقون ذلك الموت، فهم متواضعون أمام البحر ومتواضعون أمام هشاشة وجودهم وهم يبحرون بعيدا بحثا عن أرزاقهم، على العكس من بذخ ركاب بوسيدون والثقة العمياء بقوة السفينة القادرة على إلحاق الهزيمة بالطبيعة في تايتنك. وفي فيلم (تروي) ذهب هذا المخرج بعيدا إلى حرب طروادة ليعيد بعثها في فيلم تاريخي نموذجي، جرى الحديث عن إسقاطات سياسية فيه حول الحرب على العراق، حيث يكون الانتقام لا بسبب هرب الفاتنة هيلين فعلا، بل بسبب المصالح الكبرى التي تحرك هذه الحرب، وما دمنا تحدثنا عن نهاية (عاصفة مثالية) فيمكن هنا أن نتحدث عن نهاية (تروي) وهي نهاية ملفتة أيضا وتدعو للتأمل، فكل الذين كانوا سببا في خوض غمار هذه الحرب على خلفية المصالح قتلوا، ولم ينج في النهاية سوى الحب والأمومة. يجيئ فيلم (بوسيدون) المأخوذ عن رواية (مغامرة بوسيدون) وهو فيلم ينتمي لأفلام الكوارث التي لم يزل بعضها ماثلا بقوة، سواء تخيلته السينما أو صاغته يد الأقدار كما في تايتنك الذي استحوذ على عقول الجماهير في مختلف دول العالم، ولايبدو (بوسيدون) بعيدا عن تايتنك، باستثناء شيء واحد هو مغامرة النجاة الناجحة التي يخوضها عدد من الأشخاص لبلوغ سطح البحر رافضين ذلك المصير الذي اختاره مئات ممن حوصروا داخل قاعة الرقص التي كانت تعج قبل دقائق بالأغاني بمناسبة رأس السنة الجديدة. لقد أخذ جيمس كاميرون في فيلمه تايتنك مساحة كبيرة من الزمن كي يقدم شخصيات فيلمه، بما يعادل ثلث الفيلم تقريبا، أو نصف مدة فيلم (بوسيدون) لكن فولفغانغ لا يفعل ذلك هنا أبدا، مجرد خمس إلى سبع دقائق وبعدها يمضي بالجميع إلى جحيمهم في هذا الفيلم الذي يحمل اسم باخرة أطلق عليها اسم إله البحر الإغريقي. لكن فيلما كهذا لا يمكن أن يكون بعيدا عن وجود قصة حب، ويوفرها المخرج هنا، فابنة عمدة نيويورك السابق واقعة في حب شاب لا يستلطفه العمدة تماما (كيرت راسل)، وهناك بالطبع البطل الخبير القوي الذي لابد أن يكون بطلا قبل هذه الحادثة، وهو هنا ذو أصول عسكرية، من قوات المارينز (جوش لوكاس)، وهناك الفتاة اللاتينية المتسللة على متن السفينة لأنها تريد الذهاب لرؤية أخيها المريض بأي وسيلة ممكنة (ميا مايسترو)، وهناك رجل الأعمال الذي يفكر في الانتحار وفي اللحظة التي يهم فيها بإلقاء نفسه في البحر يرى الموجة العملاقة تتجه للسفينة فيفر مذعورا هاربا بحياته إلى الداخل، ليقاتل فيما بعد قتالا مريرا لكي ينجو (ريتشارد درايفوس)، وهنالك الأم الجميلة وابنها، الأم التي يوحي لنا الفيلم بأنها واقعة في غرام بطل المارينز لابد كما أنه واقع في حبها أخيرا أيضا. تتلخص حكاية بوسيدون في حكاية هؤلاء، لأن الذين يحاولون الوصول إلى باب النجاة هم فعلا من يملكون حكاية في النهاية، أما الذين انتظروا فهم لا يملكون غير الصورة الساكنة لانتظارهم، فالحكايات دائما لمن حاولوا، أما سواهم فهم في الهامش، كما في هذا الفيلم، فهم ليسوا أكثر من صرخات حين تبدأ جدران القاعة بالانهيار بسبب ضغط الماء على جسم السفينة التي انقلبت رأسا على عقب. الصعود للقاع هو سبيل النجاة الوحيد، لكن السفينة عملاقة فعلا، ويصورها المخرج أكبر من تايتنك بكثير، فللحظة تعتقد أن التصوير يتم داخل برج ضخم فهناك المصاعد الداخلية التي لا تكفّ عن الحركة صعودا وهبوطا، وهناك القاعات وهناك الطوابق الكثيرة، إننا أمام مدينة مصغرة، ولذا يبدو الوصول إلى منفذ ما للوصول إلى القاع الطافي فوق البحر بالتالي هو سبيل النجاة الوحيد، وبين رحلة الدرجة الأولى المخصصة لكبار الأغنياء وذلك القاع تدور حوادث، أو مغامرات هذه المجموعة من الأفراد. تنجح الحبيبة مع الفتاة اللاتينية بإخراج الحبيب من تحت كتلة حديدية أطبقت على ساقه، وينجح المارينز بإنقاذ الطفل الوحيد حين حوصر خلف شبك معدني في غرفة أخرى، وينجح الأب في الوصول إلى مفتاح مراوح السفينة مضحيا بنفسه لكي تنجو ابنته وحبيبها بعد أن أقنعه الحبيب بأنه (بطل سباحة) ويستطيع الوصول إلى تلك المفاتيح بسبب صغر سنه وبسبب مهارته، إلا أن الأب في اللحظة التالية يغوص في الماء ويختفي، لكن الرحلة لابد من أن تشهد بعض المآسي ليكون ثمة معنى للنجاة، فاللاتينية الفقيرة تموت غرقا بعد أن علِقَتْ ملابسُها بأسلاك وهم يتنقلون من حجرة غارقة إلى أخرى أقل غرقا، والشخصية الوحيدة المغرورة تكون أول من يموت قبل هذه الفتاة، ثم يجيئ موت الأب، وسوى ذلك، ليس هناك غير الإصابات الصغيرة، التي لا تزيد عن خدوش. لا يعرف المرء كيف يمكن أن يغيب تراث أفلام البحر عن بال مخرج (تروي) و (عاصفة مثالية) في هذا الفيلم الذي ينتمي لفئة أفلام الإنتاج الضخم، فمن المرجّح أنه راهن على بطولة التشويق لا بطولة أفكار الفيلم وعمقها، ويستطيع أي مخرج بقليل من العمل على السيناريو أن يرفع مستوى ثقافة فيلمه، بعبارات أحيانا وبأحداث بسيطة أحيانا أخرى، بحيث يمكن أن يقول شيئا مختلفا أو يوهمنا بقول شيء مختلف من خلال هذه الحيلة الصغيرة التي تُغني الفيلم بالتأكيد. لكن فولفغانغ هنا يعود ليقدم صورة أخرى لفيلم (طائرة الرئيس) مستبدلا الماء هذه المرة بالفضاء ولا شيء أكثر، وإذا ما ذهبنا لقراءة الرموز فإن الفيلم لا يختلف هنا في رسالته عن فيلم (طائرة الرئيس) فهناك الرئيس (هاريسون فورد) وهنا رئيس البلدية (كيرت راسل) وهما وفي الفيلمين يلعبان دور البطولة المطلقة، لولا مسحة التضحية التي فرضتها عاطفة الأبوة في الفيلم الثاني. الذين يبحثون عن التشويق في السينما سيحبسون أنفاسهم تماما طيلة مدة عرض الفيلم الذي تقدم فيه تكنولوجيا المؤثرات البصرية واحدة من ذُرى إنجازاتها، أما أولئك الذين يبحثون عن عقولهم فسيجدونها في فيلم آخر بالتأكيد. يذهب فولفغانغ للأساطير اليونانية مرة أخرى، ولكنه لا يستعير منها سوى الاسم، ولذا يبقى فيلمه خارج أي معنى عميق لفكرة الأسطورة وقوة حضورها العابرة للأزمنة الأيام البحرينية في 8 يناير 2006
|
رحيله ليس نهاية المطاف لأسلوبه روبرت أولتمان.. مخرج متمرد على هوليوود أحمد يوسف |