لا يمكنك كمشاهد عادي لفيلم "البلديون" أو "السكان الأصليون" الذي يحتل نصيب الأسد من الاهتمام والمتابعة في كثير من مهرجانات العالم، إلا أن تحبس أنفاسك وأنت تتابع أحداثه بشغف، وتقارن بين ما تعرفه وتدركه وما يكشفه الشريط، وتتأثر بذاك التدفق الإنساني لتلك الشخصيات التي رسمت أحداثه ومن قبلها رسمت أحداثا تاريخية عالمية.

فالمشاهد "للبلديون" (فرنسي، وجزائري، ومغربي) أمام عمل سينمائي أقل ما يقال بحقه إنه أعاد رسم التاريخ، وصححه ساردا الحكاية التي نجهلها، ولم يحاول "الغرب" أن يمحوها فقط بل سطا عليها، كما هو الحال دائما؛ فـ"التاريخ لا يكتبه إلا الأقوياء" كما تقول العبارة الشهيرة.

لكن ومع فيلم المخرج الجزائري "رشيد بوشارب" يحق لنا أن نستدرك لنضيف على العبارة السابقة "والسينما أيضا"، وذلك عندما تسخر بوعي لتقلب صفحة مطوية معيدة قراءتها، مكثفة إمكانياتها لتمنح هذه المرة العرب والمسلمين جزءا من حقهم ودَينهم.

الكرة في الملعبين

قلنا في مقالنا عن "مهرجان القاهرة وأفلام نقد الذات" إن الفيلم يستحق قراءة عميقة في مقالة خاصة تفرد له، وها نحن نحاول أن نمنحه حقه، ليس في كونه قدم ما قدم من حقائق تاريخية نسيها أصحابها أو حرموا منها، بل في إعادة الاعتبار لدور السينما بتقديم صورة حقيقية، ولو كانت من الماضي هذه المرة، لكنها تأتي على طبق ساخن في سنوات مسكونة بهاجس الخوف من قِبَل العرب والمسلمين، وتناسب اللحظة التاريخية ولا تحتاج فيها للرمزية أبدا، فالإسقاط جاهز (على البطل والضحية والجاني أيضا)، والأمر لا يحتاج إلا لمشاهد يريد أن يعي، ومن ثم يفهم كي يعتبر ويغير (على أمل طبعا).

فمن تشوهه السينما (وتحديدا الأمريكية) صباح مساء وتنعته بأكثر من الإرهاب والعنف ها هو يتحول بيد "بوشارب" إلى حجر كبير يمنح الهجوم الشديد على العرب حراكا مختلفا، ليس دافعا وإنما هجوم تاريخي مضاد، فهو يعيد الاعتبار للشخصية المسلمة والعربية وأي اعتبار، إنه شرف تحرير فرنسا وبلاد أخرى من النازية الألمانية في سنوات الحرب العالمية الثانية.

على الطرف الثاني يقذف "بوشارب" الكرة في ملعب الآخر (الغربي) عموما، والفرنسي تحديدا، في سؤال عما وصل إليه من عنصرية وكره للشخص الذي أنقذه من النازية يوما ما، هذا أولا، وكيف تتعامل الدول الكبرى مع التاريخ ثانيا، وكيف تشوه الضعفاء والمقاتلين الحقيقيين فيما تمنح النياشين لمن لا يستحقها ثالثا، وكل ذلك يطرح القضايا الكبرى ويساعد على إعادة قراءة تلك الذاكرة التاريخية المشروخة.

إذًا الفيلم بما ذكر سابقا يعد مصدر جذب للجميع (عربا ومسلمين، وغربا) على مستوى الفكرة التي حفر المخرج لاستخراجها وأعاد طرحها وما يتبعها من قضايا وأسئلة تفرض وجوب تصحيح حقائق التاريخ. أو على مستوى الفنيات العالية التي تميز بها من إخراج أو تصوير أو تحريك جموع وتنفيذ معارك...إلخ.

فما قصة هذا الفيلم يا ترى؟

تصويب وردّ اعتبار

بدأت الفكرة من مشاعر الأسى والغيظ التي تلبست "بوشارب" مرارا عندما كان يشاهد أفلاما أمريكية كثيرة تقدم بطولاتهم وفضلهم في تحرير أوروبا من النازية فيما لا أحد يتحدث عن البطل الحقيقي ليغلب عليه شعور الواجب في أن يعرف العالم كله الحقيقة.

الفيلم باختصار يمثل رد اعتبار إلى قدماء المحاربين المسلمين والعرب المغاربة والأفارقة ممن قاتلوا تحت لواء فرنسا في سبيل تحريرها من النازية الألمانية هي وحلفائها خلال الحرب العالمية الثانية، وهو بذلك ينتصر للدور العربي والإسلامي في طرد النازية من فرنسا، وبالتحديد مسلمو شمال إفريقيا من الجزائر والمغرب العربي والسنغال.

فيتناول الفيلم المعارك التي خاضتها الفرق العربية التي تشكلت في المستعمرات الفرنسية للدفاع عن فرنسا وإيطاليا؛ عبر عرض ملحمة 4 جنود هم: عبد القادر، وياسر، وسيد، ومسعود الذين عرف عنهم قدراتهم على الاحتمال والشجاعة في القتال المباشر واستشعار الخطر، ولهذا أُرسلوا إلى الصف الأول في المعركة في رحلة مرورهم عبر الأراضي الفرنسية.

ويستعرض عبر ذلك أحلامهم المختلفة: "ياسر" انضم للجيش من أجل الغنيمة التي يتوقع جمعها، و"مسعود" فوجئ بالترحيب به من الفرنسيين ويأمل في الزواج والحياة في فرنسا بعيدًا عن التمييز ضده في الجزائر، و"سيد" يتمنى الفرار من الفقر في المغرب ويأمل أن يكون الجيش بديلا عن الأسرة. أما "عبد القادر" الذي يحارب من أجل الحرية والمساواة فيريد أن يحصل على الاعتراف بها من فرنسا وتحقيق العدالة بتحرير وطنه المستعمر بعد أن تنتهي الحرب.

نحن هنا أمام أربع شخصيات عربية هي نموذج لجيش كبير قامت فرنسا بإعداده في مستعمراتها بعد أن احتلت من ألمانيا، فبين عاميْ 1944 و1945 كان تحرير إيطاليا و"بروفانس" و"جبال الألب" و"وادي الرون" وغيرها من المناطق أمرا حيويا ليتحقق انتصار الحلفاء، وليتأكد دور فرنسا بينهم بعد معاهدة التحالف.

وفعلا يبدأ الفيلم من الجزائر حيث إعلان حالة التجنيد التي ينضم إليها كل قادر على حمل السلاح ووصولا إلى معسكرات التدريب الفرنسية، ثم الذهاب إلى ساحات المواجهة حيث المعارك الحربية التي حصدت مئات الآلاف منهم في معارك التحرير.

شارك في القتال حوالي 220 ألف جندي مسلم وعربي إضافة إلى 400 ألف آخرين من الذين كانوا على رأس المحاربين الذين حققوا النصر وحرروا الأرض بداية من "مونت كاسينو" في إيطاليا حتى الإلزاس على الحدود الفرنسية الألمانية.

خطان إنسانيان

قام الفيلم بتصحيح مجريات الكثير من الأمور في فرنسا وكشف عن عمق الأزمة التي تعيشها

كشف الفيلم بمستواه الأول القتالي الحربي عبر حكايات حقيقية تم جمعها لمقاتلين مسلمين قدامى نسجت سينمائيا شجاعة المحاربين وبطولاتهم وقدراتهم على القتال والتضحية، غير أن المستوى الثاني المتمثل في الشخصي والمعنوي يكشف جوانب إنسانية مضيئة للمحاربين؛ فالمغربي "سيد" (المعاق) ورغم أن قائده "مارتينيز" أهانه وضربه بقوة دون سبب، يحمله على ظهره بعد أن أصابه لغم أرضي رغم أنه بإمكانه تركه أو قتله، وذلك في أخطر المواقف وأصعبها من المعركة الأخيرة التي خاضاها، وفي آخر مشهد يأتي ليحمله ويهرب به من الجنود الألمان فتصيبهما قذيفة حارقة تقتلهما معا.

أما "مسعود" الذي التقى بالمرأة الفرنسية التي أحبها فظل مخلصا لها طوال الحرب، يكتب لها من أرض المعركة دون ملل أو كلل دون أن يصله رد منها، ونجد أن الرقابة العسكرية الفرنسية كانت تلقي برسائله في سلة المهملات عندما تدرك أنها من عربي مسلم، وكذلك تفعل مع رسائل حبيبته بعد أن تكتشف أنها موجهة لعربي مسلم.

كما أن "عبد القادر" ذاته المؤمن بقيم الحرية والعدل والمساواة يرفض منطق التمييز العنصري ضد السود من المقاتلين حتى لو خسر حياته.

أما "ياسر" فهو يمنع صديقه من سرقة كنيسة، وهو الذي كان لا يتورع عن سرقة جثث أعدائه وغيرهم من الفرنسيين الذين يقاتلون معه.

وهذا غيض من فيض الصور والقيم الإنسانية التي لم تطغ عليها المعارك الطاحنة التي عبدت طريق النصر بالجثث والدم، وهذا مما يحسب للمخرج الذي جعل عمله حافلا بصور إنسانية من جهة، وبروح بطولية قتالية عالية من جهة أخرى دون أن تطغى جهة على أخرى.

 أسئلة المشاهد واعترافات المخرج

سيتساءل المشاهد عندما يكتشف كل هذا الحماس من المقاتلين العرب والمسلمين للقتال إلى جانب فرنسا، وهي المحتلة التي تستعمر أراضيهم ليخيل له وكأنهم يحاربون لوطنهم الأم وذلك دون أن تشفع تلك الاختلافات التي ظهرت في الفيلم فيما يخص الأسباب الدافعة للمشاركة في وصول صورة كاملة، فمنهم من يشارك هربا من الفقر، ومنهم من يشارك من أجل النقود، ومنهم من يؤمن بقيم الحرية والعدل والمساواة.

ويعترف "بوشارب" في أحد حواراته أن هناك فعليا حالات إجبار على المشاركة في القتال لم يوردها بفيلمه لأنها كانت "ستضعف من قيمة الفيلم، وستقلل من بطولة المقاتلين".

كما سيتساءل المشاهد عن تلك الحفاوة التي تلقاها المقاتلون من الشعب الفرنسي عندما وصلوا إحدى المقاطعات الفرنسية، وسيقارن بين تصرف الأهالي وتصرف القيادة العسكرية التي كانت تبخسهم حقوقهم وتضعهم في مقدمة الجيش كرماة ودروع بشرية ليموتوا بقذائف الألمان في عنصرية مقيتة تتجلى في جميع المناحي، وسيستحضر المشاهد الحال اليوم، وكيف يعاني العرب والمسلمون في بلد كفرنسا، وحالة العداء التي تتزايد يوما عن يوم.

 قصة الطماطم

غير أن الفيلم الذي يصنف ضمن أفلام النقد الذاتي يطرح قضايا مختلفة من ضمنها العنصرية ضد العرب، وتجلى ذلك في "قصة الطماطم" التي كان يحرم منها المقاتلون السود، وفي أحد المشاهد يطلب جندي أسود حبة طماطم كجزء من وجبته لكنه يقابل بالرفض، فيصر "مسعود" على ذلك، وأمام إصرار الضابط الفرنسي يحمل مسعود صندوق الطماطم ويتلفه بقدمه قائدا إضرابا عن الطعام، وهو ما يضطر القيادة العسكرية إلى تعديل نظرتها فيما يتعلق بمكونات وجبات الطعام.

لكن التمييز وإن تم تجاوزه ميدانيا فيما يخص وجبات الطعام استمر وطال، فرواتب الجنود العرب أقل بأضعاف مضاعفة، كما أن تعويضاتهم كذلك، وهو الأمر الذي قام الفيلم بما أنجزه من حراك سياسي بتعديله.

فالضجة التي أحدثها الفيلم ليست على المستوى السينمائي فقط بل على المستوى السياسي والاجتماعي؛ فقد ساعد على العمل على دفع التعويضات إلى الجنود وأسرهم من جديد، والتي تبلغ مليارا وخمسة وثمانين ألف يورو بموجب الحكم الصادر عام 2001 و2003 الذي لم تنفذه الحكومة الفرنسية غداتها، واضطرت إلى ذلك بعد عرض الفيلم وما صاحبه من جدل ليستفيد منه ثمانون ألف محارب كانوا من أصل أربعمائة ألف محارب عربي ومسلم بعد عرض الفيلم. 

وليس ذلك فحسب، فقد فتح الفيلم في فرنسا الحديث عن المشاكل التي يواجهها المسلمون حاليا بما يحمل من أجواء معاصرة تعاني منها الجاليات المسلمة، فقد وضع الفرنسي أمام صورته وصورة الآخر الذي يعيش معه كونه مواطنا من الدرجة الثانية، ساعد ذلك كون الأبطال الأربعة فنانين معروفين ومقبولين للجمهور الفرنسي، الأمر الذي دفع أكثر من 3 ملايين مشاهد إلى متابعته حتى الآن.

 "الحرب" خلقت "الثورة"

غير أن الفيلم وإن كان قد انتقد سياسات فرنسا فهو بطريقة أو بأخرى ينتصر لها عبر تقديمه هؤلاء المقاتلين الذين ضحوا في سبيلها.

ففرنسا ظهرت جميلة متقدمة وحلم الكثيرين، وتستحق تلك التضحية والشجاعة التي يبذلها المحاربون، وتلك الروح القتالية العالية (رغم العنصرية الواضحة) لدرجة تجعل قضايا مثل الهوية المزدوجة لبعض المقاتلين والانسلاخ عن الذات لصالح فرنسا واضحة للعيان.

لكن وعلى الوجه الآخر نرى أن الحرب التي شارك فيها الجزائريون مثلا خلقت الثورة الجزائرية فيما بعد، فالبطل "عبد القادر" (في دور سامي أبو عجيلة) وهو الوحيد الذي عاش من بين الأبطال الأربعة هو رمز للقائد "بن بيلا" البطل الجزائري والرئيس السابق للجزائر. فـ"عبد القادر" يحمل تجربة حياته، ورغبته في التعلم، وإن انضمامه لتحرير فرنسا نابع من إيمانه بالحرية عموما من أجل الحصول بعد ذلك على استقلال الجزائر كما وعدتهم فرنسا.

الفيلم يعيد صفحة مطوية من التاريخ ليظهر الحقائق ساطعة كالنور، وفي ذلك يقدم نموذجا  يعلمنا كيف تعاد قراءة التاريخ، ومن ثم كتابته، وهو بالمناسبة ليس تاريخا مجردا، فالعمل هو تكريم من جيل جديد يمثله "بوشارب" وأبطال فيلمه (نالوا جائزة أفضل تمثيل جماعي في كان) الذين ينتمون لأسر شاركت في الحرب وإعادة التاريخ لجيل قديم بعضه ما زال حيا يعاني تهميش الماضي والمستقبل.

أخيرا نقول: إن أربع سنوات ونصف استغرقها الفيلم (وتكلف 12 مليون يورو أغلبها من جهات حكومية فرنسية) من جمع قصصه إلى كتابة السيناريو إلى تحضيرات التصوير، فالتصوير ليس كثيرا على عمل قام بتقديم ما عجزت عنه الحكومات العربية والإسلامية.

**ناقد فني ومحرر في نطاق ثقافة وفن في شبكة إسلام أون لاين.نت.

إسلام أنلاين في 26 ديسمبر 2006

 

في مهرجانها الدولي الأول

السينما المستقلة.. من الهامش إلى القلب

محمد ممدوح**  

تعامل الكثير مع موعد مهرجان السينما المستقلة الدولي الأول على أنه أول وأخطر عيوبه؛ فأن تقام فعالياته في نفس وقت مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تلك في نظرهم مصيبة، لكن بعد انتهاء المهرجان اتضح أن الموعد كان واحدا من أهم عوامل النجاح بناء على قاعدة "خالف تعرف" أولا للتأكيد على قدرته في أن يكون كيانا فنيا مستقلا له جمهوره ونقاده ليكون حاضرا في وسائل الإعلام وعلى أجندة الجمهور، وهذا عمل على تحقيق شخصية مستقلة للمبدعين الشباب ومنحهم فرصة ثمينة للوقوف وجها لوجه للمؤسسة الرسمية التي يمثلها مهرجان القاهرة.

أقيمت فعاليات المهرجان لمدة 5 أيام من أول ديسمبر وحتى الخامس منه، في مسرح "روابط" (المسرح كان سابقا جراجا للسيارات) التابع لفرقة "روابط المستقلة" وذلك بالتعاون مع 15 مركزا ثقافيا وفنيا.

وخلال أيام المهرجان الخمسة عرض 55 فيلما روائيا قصيرا ووثائقيا، بالإضافة إلى احتفالية خاصة عرض خلالها عدد من الأفلام التي قام بصناعتها الأطفال، وأخرى لأفلام "الموبايل" دون أي تسابق على جوائز، بل بدافع الحضور والمشاركة معا.

مشاركة متميزة

المهرجان عرض عددا من الأفلام المتميزة منها أفلام أثارت ضجة غداة عرضها، ومنها ما لم يكن له حظ في توفر نافذة عرض رغم عمق التجربة وجدية الطرح.

الأمثلة كثيرة؛ ففيلم "سنترال" لـ"محمد حماد" جاء كأول تجربة لصاحبه بعد أن كتب سيناريو "الجنيه الخامس" حاملا هاجس زيف بعض شرائح المجتمع التي تختبئ خلف عباءة الدين ليؤمن لها غطاء مناسبا لممارسة الفساد، وهي قضية يطرقها الفيلم بشكل أكثر وضوحا وجرأة وربما أكثر فجاجة.

والمتابع لفيلم "سنترال" باستطاعته أن يرصد واحدا من أهم ملامح السينما المستقلة في مصر وهي الحرية الشديدة فيما يخص التعامل مع بعض التابوهات الشائكة كالجنس والدين إلى حد الصدمة في بعض الأفلام حتى ولو على مستوى اللغة المكشوفة والواقعية بشدة والصريحة إلى حد الإغراق في بعض الأفلام.

على الجانب الآخر حلقت "عُلية البيلي" بفيلمها التجريبي "درب الهشيم" إلى آفاق مجردة لتعبر بصورة تجريدية بها الكثير من التجريد والاستفادة من الفنون الأخرى، خاصة الفنون الأدائية كالباليه والرقص الحديث، تستغل هذه العناصر لتعبر عن الذكريات، ما يعلق منها في حجرات الذاكرة وما يغادرها كالهشيم المتطاير.

أفلام تسجيلية

أما فيلم "شريف البنداري" التسجيلي "ست بنات" فقد تأمل فيه حال ست فتيات مغتربات يدرسن في القاهرة وقررن السكن مع بعضهن في شقة واحدة. يتحرى المخرج مشاعر كل فتاة تجاه الأخريات وتجاه التجربة كما يتناول السياق الاجتماعي المحيط وكيفية تعاطيه مع التجربة بعيدا عن رقابة العائلة.

أما فيلم "تامر عزت" التسجيلي "كل شيء هيبقى تمام" الحائز على جائزة الدولة التشجيعية فيفكك عددا من آراء وانطباعات المصريين القاطنين في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مركزا على الانفعالات الإنسانية وما يختلق الشخصيات من تناقضات.

وتميز فيلم "حسن الجرتلي" "مولد السيدة عائشة" بقدر كبير من العمق و"طزاجة" الرؤية على رغم نمطية الموضوع البادية؛ فالمخرج استطاع أن يرصد وجوها من الطقوس الاحتفالية والروح الكرنفالية للمولد ممثلة في المتطوعين الذين يقدمون لوحات تمثيلية تكاد تكون ثابتة فوق عربات "الكارو" كنوع من أنواع النذر أو التطوع للسيدة الجليلة في ذكرى مولدها.

نضج مبكر

وضمن الأفلام الروائية القصيرة الكثيرة جاءت 3 أفلام بمستوى يعكس نضجا مبكرا للمخرجين ورؤية خاصة لهم، هذه الأفلام هي "فابريكا" لمحمود فرج و"مش زي خروجه" ليافا جويلي و"حنين" لمحمد شوقي.

فـ"فابريكا" فيلم تجريبي مستوحى من ديوان شعري رسم لوحة تشكيلية دون جملة حوار واحدة عن مرور الزمن وتدفق نهر ذكريات بعض المهن وبعض الشخصيات التي كانت تمتهنها في عالم صناعة الملابس.

واستطاع فيلم "مش زي خروجه" للمخرجة "يافا جويلي" أن يقدم أنماطا مختلفة من الشخصيات النسائية في أحد حمامات السيدات العامة؛ فهناك النصابة التي تتاجر بجمالها وشبابها، والعجوز التي فارقها الشباب مصطحبا معه الجمال، وهي تحاول جاهدة أن تتمسك بأهداب هذا الجمال متحسرة عما تركه الزمن الغادر في أخاديد وجهها المجهد، والشابة التي لا تستطيع أن تتخلص من حبها لأحد الشباب مع أنها على يقين تام بأنه غير جاد في علاقته بها.

أما فيلم "حنين" فعبر سرد خطي كلاسيكي وإيقاع هادئ يحكي للمشاهد لقاء بين أحد رجال الأعمال القادم من مهجره بمدرسته القديمة في المنزل، لقاء سريعا ولكنه كان بمثابة الزاد الذي تزودا به على الغربة والوحدة والعزلة.

كما عرض فيلم المخرجة الشابة نيفين شلبي "القاهرة 38" الذي يقدم فكرة مبتكرة من خلال تقنية الفيلم داخل فيلم، حيث نرى بعض الأحداث في حاضرنا وهو عام 2006 وما نلبث في نهاية الفيلم أن نكتشف أن ما كنا نشاهده هو فيلم يشاهده بعض المشاهدين في القاهرة عام 1938.

"راجلها" صدم الجمهور

وعرض فيلم "أيتن أمين" "راجلها" الذي جاء صادما لأغلبية الحضور حيث احتوى الفيلم على مشهد يصور علاقة جنسية مثلية بين امرأتين هما زوجتان لنفس الرجل تستخدم الزوجة القديمة هذه العلاقة للإطاحة بالزوجة الشابة.

وفي آخر اليوم الخامس عرض فيلم "تامر عزت" الأشهر والحائز على العديد من الجوائز والتقديرات الدولية "مكان اسمه الوطن" الذي اعتبره الجميع فيلم العام بعد أن أصبح واحدا من تلك الأفلام التي تعتبر ممثلة للتيار التسجيلي المستقل، وأصبح نموذجا يؤثر في الكثير من صناع السينما التسجيلية اليوم ليحتذوا به.

وتتوفر في الفيلم عدد من السمات الأساسية والجوهرية لتيار السينما التسجيلية المستقلة، ربما أهم هذه السمات من وجهة نظري أن هذه السينما التي يمثلها الفيلم تهتم بالإنسان وهمومه وأحلامه وحياته، كما أنها سينما تعيد النظر وتفكك جميع الأفكار السائدة أو الثابتة وتعيد قراءتها وتضعها موضع التساؤل والتشكيك حتى لو أحاطت بها هالات التقديس وسكنت تحت لافتات ممنوع الاقتراب، مثلما حدث في الفيلم حيث يقوم صانعه بتفكيك مفهوم الوطن الذي تحول من مفهوم مقدس ومجوف لا يعني سوى عبارات رنانة يستمدها الشباب من الخطاب الإعلامي الرسمي.

كما عرض فيلم "رقم قومي" لمحمد محسن الذي حاز على الجائزة الأولى بمهرجان "أفينو" بفرنسا، والعمل طموح على مستوى الموضوع أو جماليات الصورة، والفيلم عبارة عن مجاز يمتد عبر دقائقه القليلة لتعبر عن حالة التلاشي والتضاؤل التي يشعر بها الإنسان عموما (أو الإنسان المصري تحديدا مع مراعاة المغزى السياسي) هذا التلاشي الذي يشعر به الإنسان في عالم لا ينتمي إليه حقا ويشعر تجاه تفاصيله باغتراب وبعدم ألفة.

أفلام "الموبايل"

أحد إنجازات المهرجان ومكاسبه الحقيقية هو عرض فيلمين من أفلام الموبايل وهما "ديفيل" و"انتحار" في يوم الختام، وربما لأول مرة في مصر تخصص تظاهرة كبيرة مساحة لعرض أفلام الموبايل.

وإذا كان التصوير بواسطة كاميرات الفيديو(الديجتال) قد منح صناع الأفلام المستقلة حرية كبيرة وقدرة حقيقية على صناعة الأفلام لسهولة التعامل بوسيط وانخفاض تكاليفه، فإن كاميرا المحمول أكثر سهولة وأكبر قدرة على اختراق الأماكن.

جدير بالذكر أن مهرجان "صاندانس" أكبر وأعرق مهرجانات السينما المستقلة قد خصص جائزة خاصة بأفلام المحمول.

غياب المفهوم

لا يشك المتابع لفعاليات المهرجان أن هناك خللا حقيقيا وتشوشا واضحا في مفهوم المنظمين حول ما تعنيه السينما المستقلة؛ فالمهرجان حفل بعدد من أفلام الطلاب التي صنعوها داخل المؤسسات التعليمية، سواء كانت مؤسسات حكومية مثل المعهد العالي للسينما، أو كلية إعلام جامعة 6 أكتوبر، أو حتى الورش التعليمية التابعة للجزويت، أو أكاديمية رأفت الميهي التعليمية.

ويبدو هذا الخلط مقبولا إلى حد ما، حيث إنه لا يزال هنالك خلاف حول المصطلح ذاته لينعكس على الأفلام المشاركة.

لكن من غرائب المهرجان اشتراك فيلم "صباح الفل" من إنتاج المركز القومي للسينما في المهرجان؛ فالفيلم من إنتاج إحدى المؤسسات التي يستقل شباب المستقلين عنها وعن معاييرها وشروطها المسبقة، وهي مؤسسة يراها المستقلون قاهرة لهم ومتجاهلة لأعمالهم.

من الهامش إلى القلب

ومن ناحية أخرى وعلى الرغم من إصرار إلحاق صفة الدولية باسم المهرجان فإن الأفلام الأجنبية القليلة التي شاركت في المهرجان (5 أفلام) جاءت ضعيفة جدا على المستوى الفني وكانت بمثابة نغمة "نشاز" في المهرجان الذي اعتبر احتفالية خاصة بالأفلام المستقلة المصرية ونافذة عريضة لتقديم إبداعاتها.

ومهما كانت طبيعة المهرجان فإنه يعد فرصة ثمينة لعرض أفلام "الهامش" التي حملت معاني ورموزا سياسية كثيرة، وتحديدا في فترة انسداد سياسي واقتصادي وفني تعتبر فيها المؤسسات الفنية المستقلة من أهم الظواهر الفنية في السنوات العشر الماضية.

فجل ما يميز الظاهرة هو الشباب الذين ضاقوا ذرعا بالإنتاج الحكومي وبرقابته، وقرروا الخروج عن وصايته وأن يعبروا عن أنفسهم وعن أجيالهم بأكبر قدر ممكن من الحرية. وإن كانوا اليوم على الهامش، فهم غدا في القلب من الحركة الفنية عموما والسينمائية تحديدا، وفي كيانات بديلة تنطق باسمهم وتعرض مشاريعهم.

**ناقد مصري.

إسلام أنلاين في 22 ديسمبر 2006

ألف وجه لألف عام - «العزبة الملعونة» لسدني بولاك:

الحب على خلفية الانهيار الاجتماعي

ابراهيم العريس  

كلهم تقريباً كانوا، في ذلك الحين، في بداياتهم، باستثناء تنيسي ويليامز وناتالي وود، ومن هنا كان يمكن أن يبدو «العزبة الملعونة» فليلماً أول، أو يشبه الفيلم الأول لكثر، منهم المخرج سدني بولاك، وكاتب السيناريو فرانسيس فورد كوبولا، والممثل روبرت ردفورد بين آخرين. لكن الذي حدث كان العكس تماماً: بدا الفيلم ناضجاً وكبيراً. بدا فيلماً يؤسس لنوع سينمائي جديد يمتزج فيه عنف العواطف بالرومنطيقية بالأبعاد الاجتماعية الخطرة. بدا فيلماً على حافة ما كان يمكن للسينما الكبيرة ان تكونه، وستكونه بالفعل خلال العقود التالية. وهذا ما يدفع بعض النقاد والمؤرخين الى اعتبار «العزبة الملعونة» إحدى البدايات الحقيقية لثورة هوليوود الجمالية والاخلاقية التي ستندلع خلال عقد سبعينات القرن العشرين. أما بالنسبة الى «العزبة الملعونة» فكنا لا نزال في العام 1966، يوم لم يكن مخضرم هوليوود الكبير الآن، سدني بولاك، قد حقق فيلماً واحداً... وخاض تجربته الثانية في الفيلم الذي نحن في صدده. هذا الفيلم أتى اقتباساً – كما نعرف – لمسرحية من فصل واحد كتبها تنيسي ويليامز من دون أن يزعم انها ستكون من أعماله الكبيرة. فهي ليست، بعد كل شيء، سوى حكاية حب عادية في الجنوب الأميركي على خلفية أوضاع اجتماعية بائسة، من النوع الذي كان في إمكان إيليا كازان، على سبيل المثال، أن يبني من حوله فيلماً متوسط القيمة من أفلامه. ومن النوع الذي كان يمكن فيه لناتالي وود ان تعيد لعب أدوار كان سبق لها ان لعبتها في أفلام لها سابقة، وبعضها من اخراج كازان نفسه. ولكن هنا، وإذ جعل كاتب السيناريو كوبولا والمخرج بولاك، قصة الحب ثانوية الأهمية أمام نتائجها وخلفياتها، كانت النتيجة فيلماً كبيراً.

> فيلم «العزبة الملعونة» إذاً، هو بالتأكيد فيلم كبير ذو نسغ شديد الوعي للواقع الأميركي، وتحديداً لواقع الجنوب الأميركي. ولعل أساس الفيلم أتى من قراءة كوبولا لعمق نص تنيسي ويليامز، لروح هذا النص وليس لأحداثه الخارجية، فيما أتت نظرة سدني بولاك لتعطي اللغة البصريـة دور المؤشـر البرّاني الى ما يعتمل في وجدانية الشخصيات، ولكن خصوصاً في جوّانية الأمكنة. ذلك ان المكان (الجنوب المتنوع) يلعب في هذا الفيلم دوراً أساسياً. وطالما اننا نتحدث هنا عن المكان – الجنوب، لا يعود مستغرباً أن ينتمي النص الى تنيسي ويليامز، الذي – على نسق مواطنه ويليام فوكنر – عرف كيف يجعل من مسرحه ونصوصه جميعاً، تعبيراً عن جنوب أميركي لم يعرف كيف ينسى، أبداً، هزيمته أمام الشمال المتطور والمصنّع، في معركة تحرير العبيد قبل ذلك بقرن وأكثر.

> تدور أحداث «العزبة الملعونة» في ولاية الميسيسيبي في ثلاثينات القرن العشرين. وهذه الأحداث تروى لنا هنا على لسان الصغيرة ويلي التي تحدثنا عن اختها الكبرى آلفا التي عاشت، بحسب ويلي، طفولة ومراهقة عاصفتين تحت سيطرة أمهما العنيفة هازيل ستار، التي كانت تدير ذلك النزل العائلي الذي يشكل محور الأحداث. في ذلك الحين، ودائماً بحسب رواية ويلي، كانت آلفا صبية مراهقة فائقة الحسن مقبلة على الحياة مفعمة بالحيوية، لكنها في الوقت نفسه تعيش توقاً غامضاً ودائماً الى البعيد والى الحب. صحيح ان كل الشبان والرجال في المنطقة – وهم في معظمهم من عمال ومستخدمي السكك الحديد – كانوا يلاحقون آلفا بحبهم ورغبتهم فيها معبرين في كل لحظة عن إعجاب مبرر لا ينضب. لكن آلفا لم تكن تعير أياً من هؤلاء أي اهتمام. فهي – من خلال توقها الى البعيد وتطلعها الى حياة مختلفة في مكان آخر – كانت في أعماق «حديقتها السرية» تنتظر مجيء فارس الأحلام، المميز الاستثنائي الذي سيطل ذات يوم، بحسب إيمانها، ليحبها ويكون جديراً بحبها ويأخذها الى البعيد. والحقيقة ان انتظار آلفا لم يطل... إذ ما أن ينقضي بعض الوقت على ازدهار حلمها وتألقه، حتى يصل ذلك الشاب الأنيق اللطيف الساحر، أوين ليغيت (روبرت ردفورد، مقابل ناتالي وود – آلفا -)، الذي ستغرم به ما ان تلتقيه منذ وصوله. والحقيقة ان كل هذا كان يمكنه أن يبدو منطقياً وسهلاً، لولا أن الآتي الغريب، إنما هو هنا ليقوم بمهمة غير مستحبة: فشركة السكك الحديد هي التي أرسلته الى المكان ليتولى ترتيب أمور صرف العمال والمستخدمين من الشركة، على خلفية الكارثة الاقتصادية التي أصابت كل الأعمال والأيام – إذ، اننا هنا في خضم ثلاثينات القرن العشرين، خلال السنوات التالية مباشرة لانهيار البورصة الذي رمى عشرات ملايين الأميركيين في الفقر والبطالة – وكان من الطبيعي لأهل المكان أن يحسوا على الفور ان اوين ليغيت هو عدوهم الذي أتى ليحرمهم من لقمة العيش. وإذ أغرمت آلفا بأوين، صارت العداوة مزدوجة. ومن هنا قوطع الرجل وحورب من قبل السكان جميعاً، بمن فيهم هازيل ستار، أم آلفا. غير ان هذه الأخيرة، لأنها من ناحية أحبت أوين حقاً، ولأنها من ناحية ثانية متمردة في طبيعتها، وكارهة للجو المحلي، عنفت عاطفياً في ارتباطها بأوين وعاشت حبها في تحد سافر مع كل الآخرين، وبالتالي في صراع عنيف مع أمها ومحيطها المباشر. في ذلك الصراع تنتصر الأم بداية، إذ في الوقت الذي يرسل أوين الى نيوأورليانز، بعيداً من المجتمع الذي لفظه، تتمكن الأم من إرغام ابنتها على الاقتران بشخص لم تكن لتبالي به على الإطلاق. وآلفا، بعد رضوخ أول، تستجيب بسرعة الى نداء قلبها وتهرب من النزل الملعون لتنضم الى حبيبها في نيوأورليانز، في اليوم التالي للعرس. وهنا يتدخل القدر على شكل مرض صدري يصيب آلفا ما إن حصلت على قسط من السعادة المزدوجة: الحب والانتقال الى المكان الآخر... الى البعيد. وهذا المرض العنيف سرعان ما يقضي على آلفا، فيما ينتج عن ذلك كله ان أسرتها تتفرق وينتهي الأمر، بينما تختتم ويلي الحكاية.

> إذاً، هذا الموضوع الذي يشبه اية حكاية حب عادية تنتهي بموت أحد طرفيها، تحول تحت يد الذين اشتغلوا عليه الى عمل اجتماعي – أخلاقي مهم، كما انه صار بالنسبة اليهم مدخلاً الى عالم السينما الكبيرة كما أشرنا، خصوصاً ان الفيلم حفل بالمشاهد الكبيرة التي تكشف نظرة الفنانين الكبار الى الحلم الأميركي وتعليقهم على انهيار حصتهم منه (في هذا المجال يفيد التذكير بالمشهد الرائع حين تتحدث آلفا عن حلمها الربيعي وهي جالسة وسط عربة قطار خربة صدئة). واللافت ان تنيسي ويليامز، الذي وقف مسانداً الفيلم منذ البداية، قال دائماً انه يعتبره الأنجح بين الأفلام التي اقتبست عن أعماله. وهو قول من الصعب أن نوافقه عليه، ويوافقه عليه من تتبع مسيرة علاقته بالسينما، إذ نعرف ان ثمة أعمالاً سينمائية كبيرة جداً عرفت كيف تقتبس نصوصه وتنسى أصولها المسرحية، وهي أعمال حملت تواقيع جوزف مانكفتش وإيليا كازان وجوزف لوزاي، وريتشارد بروكس بين آخرين.

> مهما يكن من أمر، يمكننا أن نؤكد هنا ان «العزبة الملعونة» عرف كيف يرفع مخرجه سدني بولاك، الذي كان يومها في الحادية والثلاثين من عمره، الى صفوف أولئك الأساتذة الكبار. فهو الذي تأسس أصلاً في العمل المسرحي والتلفزيوني، حقق من بعد «العزبة الملعونة»، سلسلة كبيرة من أفلام ربما تكون أساليبها كلاسيكية ولكن من الواضح انها واكبت بقوة، تلك الثورة الهوليوودية التي يصعب، على أية حال، ربطه بها عضوياًَ، بل يمكن ان يقال انه عاش وعمل حتى الآن، متأرجحاً بينها وبين كلاسيكية خاصة به. وبولاك، الذي يظهر ممثلاً بين الحين والآخر (تحت إخراج وودي آلن أو تسانلي كوبريك)، حقق أعمالاً عرف كل منها كيف يكون علامة في مجاله، من «الحياة التي عشناها» (1973) الى «الفارس الكهربائي» و «خارج أفريقيا» و «أيام الكوندور الثالثة»، ثم خصوصاً «جيريميا جونسون» الفيلم – الذي لعبه ردفورد أيضاً – والذي يعتبر من العلامات الهوليوودية الأساسية في مجال التصدي للتاريخ الأميركي بعيداً من الظلم الذي ألحقته السينما بالهنود الحمر، والظلم الذي ألحقه التاريخ بالطبيعة نفسها وسيرتها.

الحياة اللندنية في 26 ديسمبر 2006

 

"مقهى بغداد" عزلة ورثاثة وسحر منسي

حين يتحول المكان إلى بطل حيث اليوم يشبه البارحة!

لاهاي من صلاح حسن:  

تلقيت دعوة من مؤسسة (الفيلم هاوس) في مدينة لاهاي لمناسبة مرور ربع قرن على تأسيسها وفي طيات الدعوة إن المؤسسة سوف تعرض اربعة افلام في وقت واحد دون ان تقدم اية معلومة عن طبيعة الافلام التي سوف تعرض في هذه المناسبة - الاحتفالية. توزع الجمهور العريض على القاعات الاربع بموجب بطاقات وزعت للمدعوين وقبل بدء الفيلم قدمت مديرة المؤسسة شرحا قصيرا عن سبب عدم التعريف بالافلام التي سوف تعرض بأنها مفاجأة للجمهور لان الافلام ليست من انتاج حديث وسبق إن عرضت في هذه المؤسسة في السنوات الماضية وهي فرصة للجمهور الذي لم يشاهد هذه الافلام عند عروضها الاولى.

وقد كانت حقا مفاجأة كبيرة لي وللاخرين الذين حضروا معي عندما بدأ عرض فيلم ( مقهى بغداد ).قد يندهش القارئ العربي ألان عندما يعرف ان هناك مدينة امريكية اسمها بغداد بنيت في منتصف القرن المنصرم أو بعده بقليل بالقرب من صحراء لاس فيكاس ودزني لاند وهو المكان الذي تدور فيه قصة فيلم " مقهى بغداد ".كنت قد عرفت هذه المعلومة عند بدء الغزو الامريكي للعراق عن طريق محطة السي أن أن، وبالتحديد بعد القصف الجوي الامريكي لبغداد عاصمة العراق المنكوب.ففي النشرة الاولى للسي أن أن التي تلت القصف الجوي ظهر المذيع وهو يقدم فقرات النشرة بخبر ( بغداد تحترق ) وتلا ذلك تقرير مصور عن سكان مدينة بغداد الامريكية وهم يجوبون الشوارع بحثا عن الحرائق التي اشار اليها مقدم نشرة الاخبار والهلع باد على وجوههم، في حين إن الحرائق كانت تلتهم بغداد الاصيلة خلف المحيطات وليست بغداد المزعومة.

يبدأ الفيلم بظهور سائحين المانيين – رجل وزوجته – في صحراء لاس فيكاس يبدو انهما من طبقة برجوازية حيث يقودان سيارة امريكية حديثة مع اناقة مفرطة.بعد مشادة سريعة يترك الزوج امرأته وينطلق في سيارته الحديثة إلى مكان مجهول.تحاول الزوجة بحقيبتها المليئة البحث عن مكان تسترخي فيه وتجد بعد مسافة ليست قصيرة مقهى بغداد الذي يتوفر على نزل ايضا ومحطة مهجورة لتعبئة الوقود.ومن هذا المكان تبدأ القصة الحقيقية للفيلم حيث تستأجر غرفة رثة وتكتشف أنها حملت الحقيبة التي تعود لزوجها في مفارقة ستجعل كل ما تقوم به هذه المرأة الغريبة غريبا مثلها على الدوام.

يبدو مقهى بغداد مكانا مهجورا وقذرا أو مخزنا لاشياء قديمة عديمة الفائدة أكثر منه مقهى، والاكثر من ذلك عندما يكون مديرو هذا المقهى من الغرباء ( سود، امريكيون لا تينيون ) مع شخصية غريبة في حضورها هي رسام الديكور المتقاعد في هوليود جاك بالنس الذي يبدو حضوره في هذا المكان المهجور غامضا وملتبسا للغاية وتلك العاهرة التي تقدم خدمات سريعة للزوار الطارئين.اما الشاب ابن صاحبة المقهى الذي لا يفارق البيانو العتيق والذي يبدو مجنونا بموسيقى باخ فأن ياسمين ستمنحه دفقة حقيقية حينما تستمع اليه وحيدة بكل جوارحها .

 ولكي يضفي المخرج لمسة غرائبية اخرى على الفيلم جعل الشرطي المسؤول عن ( المدينة - المقهى ) هنديا احمر بضفائر طويلة تتدلى من تحت قبعته الرسمية.هذه هي حال المدن الامريكية التي يبنيها الغرباء دائما وتطردهم في نهاية الامر كما سيحدث مع ياسمينة حين يطالبها الشرطي ذو الضفائر بمغادرة البلاد لأن اقامتها انتهت.

الانحراف الحاد في مجريات الفيلم والذي سيقلب التوقعات رأسا على عقب حين تسأل المرأة الالمانية ياسمينة السائحة ( مارينا سيكبريخت ) صاحبة المقهى براندا عن مركز مدينة بغداد، حيث تتلقى جوابا صادما : ( ماذا تعنين بمركز المدينة ؟ هنا كل شيء ) ؟ من هنا يتحول المكان إلى بطل للحكاية الشائكة برغم الحيل السحرية التي ستقدمها السائحة بعد ذلك من اجل البقاء في هذا المكان بعد إن نفدت اموالها.وبرغم إن الالعاب السحرية التي تقدمها ياسمينة تلقى رواجا لدى اصحاب المقهى اولا وبالتالي لدى الزبائن الاخرين ما يجعل المقهى يزدهر، إلا ان الفيلم يكشف في النهاية ان السحر المزعوم الذي تقدمه ياسمينة ما هو سوى العلاقات الحميمة المفقودة بين هؤلاء الناس الغرباء الذين يتقاسمون هذا المكان والذين يشعرون بهذه العزلة القاتلة في هذه الرقعة النائية المعزولة تحت هذه الرثاثة والغبار والقذارة الداخلية التي تجلوها المرأة البرجوازية ياسمين حينما تشرع بتنظيف المكان دون ان يطلب منها احد كي تحدث الانقلاب الذي سيكون شاملا.

بالمقابل ينضم شاب طارئ جديد إلى المقهى – المدينة وهو غريب ايضا ويطلب من صاحبة المقهى ان تسمح له بنصب خيمته خلف المقهى حيث ستعمق مصائر هؤلاء الشخوص الطارئين من حجم العزلة وتكشف عنها في الوقت نفسه.بهذا الكادر القليل والبسيط للغاية استطاع المخرج الالماني الامريكي بيرسي ادلون ان يقدم حكايته التي استمرت ساعة ونصف في مكان لا تتجاوز مساحته كيلومترا واحدا خالقا الكثير من الزوايا المفتوحة لكاميرته التي جعلت من هذا المكان البائس محورا رئيسيا في الفيلم دون ان يشعر المشاهد بالرتابة .

من الفلم

وبرغم ان شخوص الفيلم تبدو سطحية ومباشرة باستثناء ياسمينة البرجوازية التي بدت قليلة الكلام، إلا إن اداء الممثلين الذي اتسم بحرية اقرب إلى العبث ساهم في عكس طبيعة المكان وتأثيره الضاغط على هؤلاء الشخوص المهمشين.فقد نجحت براندا المرأة السوداء صاحبة المقهى في جعلنا نشعر بالغضب من زوجها وابنائها المشغولين بأمورهم التافهة، فالزوج لا ينجح حتى في شراء ماكينة للقهوة التي هي كل شيء بالنسبة للمقهى.ثم البنت المراهقة العابثة مع الشبان من خارج المدينة، واخيرا الشاب الذي لا يغادر البيانو.

تدخل ياسمينة من هذه الثغرة وتقوم ببناء علاقة مع هؤلاء الناس كل على حدة وتنجح في ربط نسيج هذه العلاقات مع بعض لتجمع شمل الاسرة المعزولة.بعد ذلك يجيء دور رسام الديكورات المتقاعد جاك بالنس ليسهم في ذلك من خلال علاقة حب ستربطه بياسمينة التي سوف يرسم لها عددا من البروتريهات .. ياسمينة التي تتحول في نهاية الفيلم الى منقذة يتغير تحت يديها مصير كل هؤلاء الشخوص.بالاضافة إلى النجاح الاقتصادي الذي سوف ينعش المكان ويستقطب المزيد من الزوار بحيث تبقى المقهى على طول الوقت مليئة بالناس الذين سوف يقتلون هذه العزلة باللقاء الدائم .

يكمن نجاح الفيلم في انه يدور في رقعة جرداء لا تتجاوز الكيلومتر الواحد وتخليه عن الكثير من الديكورات وذلك الكادر القليل للغاية بحيث تحول المكان إلى البطل الحقيقي للفيلم دون ان يتسرب الملل إلى نفوس المشاهدين الذين تابعوه حتى النهاية.وقد ساهمت بعض الانقلابات الصغيرة فيه من تخليص الايقاع من الرتابة برغم انه يصور الرتابة هذه.ولو كان هناك مصطلح يمكن ان نختزل فيه هذا الفيلم لقلنا انه من نوع السينما الفقيرة على غرار المسرح الفقير.

موقع "إيلاف" في 1 يناير 2006

 

(أبيض ... أسود) إبداعٌ سوري جديد بأنامل كردية شابة

محمود عبدو عبدو 

- فيلم كرتوني سينمائي قصير –

 ( أبيض – أسود ) هو عنوان الفيلم السينمائي السوري القصير ( الكرتوني) الجديد المعتمد على تقنية الماكس ( ثلاثية الأبعاد) وهي من التجارب الحديثة والجديدة في مجال الرسوم ثلاثية الأبعاد عن المستوى السوري وباللهجة المحلية الشامية إذ عرض الفيلم في 30 /3 / 2006 على مسرح المدينة الجامعية بدمشق وفي لقاء مع بعض الحاضرين للفيلم أفادت الآنسة ندى عبدالرحمن طالبة صيدلة بأننها شعرت بالفخر من كون العمل معمولا كله بأنامل وابداعات الشباب وبهذا المستوى وأشارت الى قصة الفيلم الذي يحمل بصمة واضحة في نبذ العنصرية والتمييز والطبقية .

كما أثنت الآنسة جيان عجو " طالبة ترجمة " بأن العمل على الرغم من اعتماده لغة الحركة والحيوانات إلا أنها اوصلت رسالتها بكل شفافية ووضوح وخاصة بتوظيف عالم الاسماك الصافي والنقي في الفيلم ووجهت اللوم للمعنيين عن هكذا ابداعات لرفدهم بالامكانات والدعم اللازم وتوفير ما يحتاجه شبابنا لأنهم صراحة اكثر قوة ومقدرة مما نتصورهم عليه وشكرت مخرج العمل ومحرك الصور ودرجة دقة الصور والمستوى العالي للصوت وموائمتها للسرد الشفاهي البسيط وبلغة سلسة .

الشاب اسماعيل رسول " مدرس " اوضح نقطة مهمة ألا وهوالهدف من الفيلم وتوجيهه رسالة للكبار بضرورة الابتعاد عن العنصرية واقصاء الآخرين المختلفين لونيا وفكريا وإن العمل ناسب حتى الصغار ايضا بتناوله المسائل الكبرى بطرح بسيط من عوالم البحر وكما سيتم عرضه لاحقا في عدة دور وصالات سورية وعربية أخرى

يتناول الفيلم قصة سمكة سوداء تعاني من التمييز من لدن السمكات الأخرى البيضاء اللون , تبدأ بروح عميقة إذ الهبوط إلى القاع بصورة موحية غارقة في أنين الموج وصخب البحر تأخذك كلمات " كحول السمكة السوداء " نحو الجهات المختلفة إلى أن يلتقي بـ " دانا " صديقته السمكة البيضاء التي وسّعت البحر أمام ناظريه ووسّعت مداركه و فضاءاته و روح الدعابة التي تسيطر على كحول لإضحاك صديقته بحركات بهلوانية متقنة ولعبه ونفخه للهواء الصاعد والفقاعات ليجدا نظرة اسماك بيضاء أخرى يكرّهانه بلونه وينّعتانه بـ (تضرب بها اللون ) بينما تحاول صديقته " دانا " التخفيف عنه دائما وتزداد إشتعالاته وتراكمات الغضب بداخله عندما يرى انعكاس لونه في المرآة التي اكتشفتها دانا بالقرب من سفينة غارقة في القاع , عندها يكره نفسه ويعيب اسمه " كحول "ومن اسماه والآن أدرك سبب تسميته به , ويهرب حينها من هذا الواقع ويختبئ في مغارة تلائم لونه اكثر بعيدا عن مجتمع السمك الأبيض عندها تنتصر إرادة المساواة على التمييز والعنصرية عندما تخبره " دانا " بعد أن أخرجته من حالته تلك بحقيقة الظل الذي تعكسه رمال القاع من لون رمادي موحد انعكاس النور الذي يتخلل البحر على جسديهما لينعكس جسدا بلون واحد على رمل القاع عندها يبتسمان معا ويدرك حقيقة الأمر ويسموان بجسدهما نحو فضاء وشمس واحدة وينتهي الفيلم بعد أن يظهر لوناهما موحدا , و أوصلت الرسالة التي يريد المخرج والكاتب إيصالها للقارئ العبارة التي ضمتها اللقطة الأخيرة من الفيلم ( لظلالنا لون واحد 00 لأرواحنا لون واحد ) وعند سؤال المخرج والرسام الشاب الفنان عبدالعزيز عثمان الحاصل على الإجازة في كلية الفنون الجميلة اختصاص اتصالات بصرية عن العمل وتجربته الأولى أفاد بأن إتمام العمل استغرق فترة سنة كاملة من الجهد المتواصل , إذ بلغ تقريبا عدد الصور التي استخدمها ثمانية آلاف صورة تقريبا إضافة إلى أن تقنية ماكس ثلاثي الأبعاد تستلزم أجهزة عالية المواصفات وهذه الأجهزة غير متوفرة , مما يعيق سرعة هكذا أعمال وكذلك الكوادر التي تعمل على هذه التقنية وهكذا برامج معدودين وخاصة في مجال أفلام الكرتون

(( لقطة لكحول مع دانا وحوار الود))

مع شكري للكاتب وجهوده وكل من ساهم في هذا العمل وعن إخراجه للعمل قال : تقريبا حاولت أن تتكلم الصورة بنفسها كأبطال للعمل كالظل والمرآة والعتمة أو الظلمة وخروج السمكتين إلى النور وتشابه لونهما للدلالة على الإنسان يرقى بفكره عن التمييز والعنصرية إذ الألوان تتساوى وبعدها لا نميز بين الأبيض و الأسود , عملت على السمك كشخصيات حوارية لهذا العمل تقصدت العمل بهذه المخلوقات البسيطة والجميلة كي تعطي درسا للإنسان بضرورة إلغاء كافة حالات التمييز العنصري والعرقي والقومي

((السمكة دانا وهي تبتسم لكحول في لحظة ود وتعبير عن ألفة رغم تنافر لونيهما الظاهر))

وبخصوص اعتماد اللهجة السورية " الشامية " في الفيلم فكان لكونها قليلة الاستعمال في الرسوم المتحركة وهي لهجة أثبتت خارجيا حضورها الدرامي من خلال المسلسلات بأنها لهجة سلسة تلائم حتى بساطة الأطفال.

وعلى الرغم من توجه العمل للكبار فقد لوحظ تعلق للصغار الواضح به أيضا
من حيث الصورة الجميلة والحركة اللافتة و الموسيقا الأخاذة .

فالفكرة والدراما في العمل أخذت شكلها المنطقي البسيط بسلاسة , إذ الأسماك كانت تمارس براءتها لعباً و تتحاور حتى جاءت الأسماك الأخرى ( العنصرية ) البيضاء لتظهر اشمئزازها من اللون في مجتمع الأسماك البيضاء وهنا تكمن حبكة وفكرة العمل فكرة المرآة نفسها أعطت دفقا بان المرء الرائي نفسه يجد نفسه نكرة في مجتمع يرفضونه وهو تعبير عن حقيقة الشخص نفسه .

...
جدير ذكره بأن العمل :

فكرة وسيناريو وحوار سلام حسن

وإنتاج مؤسسة سما للثقافة والفنون

وأداء الأصوات حسام الشاه وروعة الخطيب

الإعداد الموسيقي محمد آل رشي

الرسوم والتحريك والإخراج عبدالعزيز عثمان

مدة الفيلم خمسة دقائق كما تم عرضه مؤخرا في تظاهرة ومهرجان شبابلك الثقافي الاول في دمشق في 12/12/2006 حيث لاقى حفاوة وإشادة واضحة بمستوى الفيلم إذ عرض في دار الأوبرا في دمشق

M_abdo4@hotmail.com

القصة العراقية في 1 يناير 2006

 

سينماتك

 

فيلم "البلديون": المسلمون حرروا فرنسا!

سعيد أبو معلا**

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك