لم تكن صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» الفرنسية بعيدة من الصواب حين أصدرت أواسط السنة المنتهية عدداً خاصاً جمعت فيه دراسات ومقالات عن السينما السياسية. مبشرة في مقدمته بعودة هذا النوع مدلية بالإشارات والبراهين الحسية التي تؤكد هذه العودة. أتى العدد الخاص حافلاً ومملوءاً أيضاً بـ ... الحنين. ذلك أن محرريه ذكروا بالكثير من الأفلام التي شهدها تاريخ السينما وأسست لما نعتبره اليوم سينما سياسية. لكن ما لم يبدو واضحاً على صفحات ذلك العدد، واقع ان السينما السياسية لم تغب أبداً، حتى يمكن الحديث عن عودة لها. فالسياسة في السينما ظلت حدثاً ماثلاً طوال القرن الأول من عمر هذا الفن السابع. وليس في العقد الأول من قرنه الثاني ما يشير الى غياب مقبل لها. بل ان السينما تنحو أكثر فأكثر لأن تكون المكان الأكثر تعبيراً – لكي لا نقول المكان الوحيد – الذي يعكس ضمير العالم وتأزمه أما/ صورة لهذا العالم تزداد قتامة.

وربما في هذا الازدياد النوعي – أو الكمي إذا شئتم – يكمن ما حاول ان يؤكده عدد «لوموند ديبلوماتيك» الخاص الذي إذا كان صائباً في سياقه العام، لم يكن موفقاً تماماً في تأكيده ظهور بداية جديدة ما، مع السينما التي يصنعها الأميركي «المنشق» مايكل مور. فالواقع العملي يقول لنا ان السينما لكي تكون حقاً ذات تعبير سياسي في أعماقها، لا بد من أن تتسم أول ما تتسم ببعد عن المباشرة الفجة – التي تؤدي دائماً الى عكس ما تبتغي من نتائج – التي طبعت أفلام مور. ومن هنا حتى نقول ان السينما السياسية الحقيقية هي عكس ما يقدم مور تماماً، خطوة تتمثل حقاً في استعراض معظم الانتاج السينمائي الجيد الذي ظهر في العالم، في العام 2006 تحديداً. وتجلى خصوصاً في عروض بعض أبرز المهرجانات السينمائية، من «برلين» الى «كان» و «البندقية» وصولاً الى «مراكش» وربما القاهرة، قبل أن يتجلى في العروض الجماهيرية. ولعلنا لا نبتعد عن الحقيقة إن نحن أشرنا الى تزامن ظهور أفلام السينما السياسية الشعبية في صالات العالم ومهرجاناته، مع تضاؤل عدد وأهمية أفلام الترفيه الخالص.

لا نعني بهذا، طبعاً، أن الهيمنة بدت للسياسة. ولا سيما للسياسة في السينما التي كانت، ومنذ ايزنشتاين وليني رفشتهال تتخذ سمات نضالية أو دعاوية تعبوية. بل نعني تحديداً ان السياسة – كتعبير عن ضمير العالم والشرط الانساني الجماعي – اندمجت تماماً في الموضوع السينمائي، أسوة بالحب والغناء والموسيقى والتمرد وما الى ذلك. ولعل هذا ما أرادوا قوله، ولم يوفقوا في ذلك، كل الذين حاولوا الحديث عن «عودة» السينما السياسية: أرادوا أن يقولوا ان السياسة صارت جزءاً مندمجاً من يومية السينما، كما صار الشعر جزءاً مندمجاً في يوميتها. والحقيقة ان قراءة معمقة لبعض أبرز ما عرض خلال هذه السنة من أفلام يأتي ليؤكد هذا... شرط ألا نفهم السينما بالمعنى التقني الخالص للكلمة. ففهم من هذا النوع سيجعل السياسة موضوعاً لأفلام مثل «آخر أيام ميتران» و «السقوط» – عن آخر أيام هتلر – وفي هذا مجازفة بأن تصبح أفلام – هي في عرفنا «سياسية» أكثر من هذين بكثير – خارج هذا التصنيف، وفي المقابل يجعلها محجوبة عن أفلام مثل «بابل» و «متاهة بان» و «الطريق» (الصيني الذي حاز ذهبية مهرجان القاهرة) واستطراداً: «كريزي» الكندي و «ترومان كابوتي» الأميركي و «بروكباك ماونتن» و «كراش» و «حجة الأضعف» البلجيكي للوكاس بلفو. وهذا الحجب غير ممكن.

هو غير ممكن لأن السياسة، لا سيما في زمننا هذا، صارت جزءاً من الحياة اليومية – هل لم تكن كذلك في أي لحظة من تاريخها؟ وفي هذا المعنى تصبح السينما الاجتماعية وسينما النقد السياسي وسينما الدفاع عن المرأة ضد مجتمع يظلمها وسينما مناصرة الأقليات والتصدي للأحكام الاجتماعية المسبقة وللعنصرية وللتفكك العائلي – بما في ذلك فساد سلطة الأب كأساس من أسس هذا التفكك -، وصراع الأجيال... الخ، يصبح هذا كله جزءاً من المشهد السياسي السينمائي العام. وفي هذا المعنى يصبح من الصواب الحديث عن توجه السينما الى السياسة أكثر وأكثر.

في هذا المعنى – وليس في كونه يحكي عن ملكة فرنسا – يصبح «ماري انطوانيت» لصوفيا كوبولا فيلماً سياسياً، وكذلك «بابل» و «بولبر» و «عمارة يعقوبيان» و «فلافل» و «متاهة بان» و «الببغاء الحمراء» – الألماني الفائز بالجائزة الكبرى في مهرجان «مراكش» الأخير – تصبح في هذا المعنى أفلاماً سياسية أسوة بـ «بوبي» – الذي عرض أيضاً في مهرجان مراكش، وهو عن اغتيال روبرت كنيدي – و «التمساح» لناني موريتي عن بيرلوسكوني و «السكان الأصليون» لرشيد بوشارب و «الريح العاصفة» لكين لوتش...

فالأصل في كون الفيلم سياسياً، أو مجرد فيلم ترفيهي، هو مقدار الفاعلية الذي يبقى في ذهن متفرجه – في وعيه الباطني بالأحرى -، من خلال استمتاعه، شكلاً وفي الظاهر بحكاية ظريفة، حتى ولو كانت حكاية عجائبية للأطفال – «متاهة بان» للمكسيكي غييرمو ديل تورو، يقدم واحدة من أقسى الإدانات للفاشية ولسلطة فرانكو، من خلال حكاية طفلة تعيش خيالاتها وهواجسها في إسبانيا بعد الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال -. وفي هذا المعنى بالتحديد، قد يصح اعتبار «بابل» و «ماري انطوانيت» أكثر سياسية من «فهرنهايت 11/9». وفي هذا المعنى كذلك يصبح الجانب الأكثر «ابتعاداً» عن السياسة المباشرة في «يونايتد 13» أكثر فاعلية من الناحية السياسية من الجانب السياسي المباشر المرتبط بكون هذا الفيلم – الذي حققه بول غرينغراس -، فيلماً عن أيلول (سبتمبر) 2001.

طبعاً لن نستطرد هنا في تفاصيل موضوع لا يزال في حاجة الى مزيد من السجال، لكننا شئنا أن نعطي هنا بعض إشارات لتوضيح كم ان سينما العام الراحل 2006، كانت عبارة عن أفلام صارت السياسة جزءاً أساسياً من كينونتها العضوية، وليس فقط موضوعاً لها، كما كان الاعتقاد في الماضي. وفي يقيننا ان السينما العربية، وبعدد لا بأس به من الأفلام دنت بدورها من هذه الحقيقة القديمة الجديدة، في أفلام مثل «عمارة يعقوبيان» و «فلافل» و «ظلال الصمت» مدركة أخيراً تلك العلاقة العضوية التي تنبني داخل الصالات المظلمة بين ذهن المتفرج، عبر عينه، وبين جوهر الفيلم، أو بتحديد أكثر: الكيفية التي يتجلى بها هذا الجوهر وعياً تنويرياً غالباً، في ذهن المتفرج.

الحياة اللندنية في 29 ديسمبر 2006

 

علامات عام انتقالي 

لا تزعم هذه اللائحة انها تضم أفضل أو أجمل الأفلام التي عرضت خلال العام 2006. ولا حتى الأفلام التي حققت القدر الأكبر من النجاح الجماهيري. هي فقط أفلام كان كل منها بارزاً في مجاله، وعلامة على تغيّر ما، أو بداية ما، أو اشارة الى تبدل في الذهنيات أو حتى في وظيفة السينما. ومن هنا فإن كونها «علامات» لا يعكس أي مفاضلة من أي نوع.

> الفيلم الأول الذي يمكن التوقف عنده هنا هو فرنسي من اخراج الجزائري الأصل رشيد بوشارب: «السكان الأصليون». فمنذ عرض هذا الفيلم في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» ونال أبطاله الذكور، معاً، جائزة أفضل تمثيل في الدورة، صار الفيلم حدثاً، سينمائياً وسياسياً أيضاً. إذ أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك، بعد أن شاهده، حرك الإدارة الفرنسية لإعادة الاعتبار – والحقوق المادية – لأولئك الجنود المغاربة والأفارقة الذين ضحوا خلال الحرب العالمية الثانية من أجل فرنسا مساهمين – انطلاقاً من الجنوب الشرقي – في تحريرها من النازيين إسوة بما فعل الحلفاء الأميركيون آتين من الشمال الغربي. فالفيلم يروي، بلهجة مريرة ولغة سينمائية متميزة، هذه الحكاية. بالنسبة الى «السكان الأصليون» تضافر، إذاً، البعد السياسي مع البعد الفني – الذي لا يتعين نسيانه -، لتحقيق نجاح استثنائي، على مستوى الجمهور أيضاً، إذ بلغ عدد مشاهديه حتى الآن حوالى أربعة ملايين متفرج.

> نجاح جماهيري – استثنائي أيضاً لكنه كان متوقعاً – حققه في عروضه الإسبانية والعالمية فيلم بيدرو المودوفار الأخير «بولبر» (العودة). هذه المرة عاد صاحب «كل شيء عن أمي» الى موضوعه الأثير: المرأة وقوتها حين تجابه ظلم الرجال وهشاشة الوضع الاجتماعي. جديد المودوفار هنا، هو بساطة الفيلم وعمق موضوعه اللذان تضافرا لجعل الفيلم في النهاية رسالة من أجل الحياة، وتحية الى الواقعية الإيطالية الجديدة كما كانت تجلت في الخمسينات من القرن العشرين. بطلات الفيلم مجتمعات حققن أكثر من فوز كبير، لكن بينيلوبي كروز، تميزت بدور امرأة تقاوم الرجال هي التي ولدت أصلاً تحت شعار الظلم والخطيئة، ثم رصدت بعينين مندهشتين، قتل ابنتها لزوجها الدنيء، وعودة أمها من «عالم الموتى».

> المكسيكي اينيراتو قدم هذا العام في فيلمه الثالث «بابل» – بعد «غراميات كلبة» و «21 غراماً» – عملاً استثنائياً من حيث الشكل (تداخل ثلاث حكايات من ثلاث مدن في ثلاث قارات) ومن حيث المضمون (رصاصة تطلق عن غير قصد في المغرب تؤثر في حياة أناس ينتمون الى أنحاء متفرقة من العالم. «بابل» جاء مرافعة ضد صعوبة التواصل بين البشر، وضد التشويه الإعلامي المتسرع، ومن أجل تذكير الناس بوحدة المصير. وبأن العواطف يمكنها ان تحل محل اللغة كأداة تواصل.

> لم تنه السينما الانكليزية هذا العام، الذي كان برز في وسطه فيلم كين لوتش عن القضية الايرلندية (السعفة الذهبية في مهرجان «كان»)، إلا وأكدت تفوقها النوعي، ان لم يكن ثمة تفوق كمي يمكنها ان تفاخر به. وعلامة ذلك التفوق فيلم ستيفن فريرز الجديد «الملكة»، الذي أبدعت فيه هيلين ميرين في دور الملكة إليزابيث الثانية، ولكن في فيلم «بطلته» الحقيقية الأميركة ديانا، ومحوره توني بلير! لتبسيط الأمور نذكر بأن «الملكة» يرصد ما حدث في بريطانيا ولا سيما بين حرم القصر الملكي ومقر رئاسة الوزراء، خلال الأسبوع الذي تلا مقتل أميرة ويلز مطلقة الأمير تشارلز، في حادث سيارة في باريس. «الملكة» الى أدائه اللافت وواقعيته الطازجة، وحواراته الاستثنائية، قدم نظرة جديدة الى كيف يمكن السينما ان تكون سياسية وغير مملة في الآن عينه. في يقيننا ان هذا الفيلم يؤسس لتيار سينمائي جديد، من الصعب التكهن بكل ملامحه منذ الآن.

> تأسيس آخر وعالم سياسي مختلف، ولكن من مخرج سعودي هذه المرة. فإذا كان من الصعب تصنيف فيلم «ظلال الصمت» لعبدالله المحيسن، ضمن الأفلام التي تعيش بفضل قوتها أو قوة موضوعها والسيناريو، فإن من السهل، في المقابل، القول ان هذا الفيلم سيعيش طويلاً، ويعتبر أحدث في تاريخ السينما – العربية على الأقل – انطلاقاً من كونه أول عمل روائي كبير يحققه مخرج سعودي كان أثبت مكانته في السينما التسجيلية. ومع هذا لـ «ظلال الصمت» قيمة أخرى مضافة – كانت تحتاج لاشتغال جدي على السيناريو حتى تبرز بوضوح -: كونه فيلماً غاضباً، ينظر الى الواقع العربي، واقع القمع والتواطؤ للتضليل، واستنكاف المثقفين عن لعب دورهم النهضوي، نظرة حادة ومتهمة. صحيح ان المحيسن صور فيلمه في سورية ومع ممثلين آتين من بلدات عربية عدة، لكن هذا لا يمنع فيلمه من أن يعتبر صرخة مثقف سعودي آتية من بلد يعتبر بعض كبار مثقفيه اليوم في طليعة الفكر العربي التنويري الباحث عن آفاق جديدة.

> في المقابل لا يمكن «عمارة يعقوبيان» أن يدعي انه يؤسس لسينما ما في مصر. ومع هذا فإن هذا الفيلم المأخوذ – يتميز بجعل النوع السينمائي أفضل بما لا يقاس من الأصل الأدبي -، يعتبر علامة في موسم سينمائي مصري افتقر الى الجدية، والى النجاحات الفنية الكبيرة ويبدو حائراً عند مفترق طريق. وهو إضافة الى هذا يعتبر نظرة حادة وناقدة تلقى على الواقع المصري من خلال تحري جذور هذا الواقع والتساؤل حول ما الذي أوصل مصر الى هنا. في فيلمه الروائي الطويل الأول هذا، حقق مروان وحيد حامد، وهو لم يصل عامه الثلاثين بعد، ما عجز مخضرمون كثر في السينما المصرية عن تحقيقه: قدم موضوعاً سياسياً واجتماعياً خطيراً، عبر سينما شعبية متقنة الصنع مملوءة بالنجوم. من هنا لم يكن غريباً أن يحقق «عمارة يعقوبيان» كل هذا النجاح الذي حققه. وأن يمكن الشاشة الكبيرة من منافسة الشاشة الصغيرة بقوة.

> لكي نظل في عالم السينما العربية نبقى في لبنان. إذ من هذا البلد الصغير المتخبط في مآسيه المتلاحقة، جاءت مفاجأة العام على شكل فيلم متقشف حققه ميشال كمون، الذي لم يتوقف منذ عقدين عن الحلم بتحقيق عمل روائي طويل. «فلافل» كان هذا العمل: فيلم هادئ في سطحه، صاخب في أعماقه، عن لبنان ما بعد الحرب... ولكن أيضاً: عن خير السبل لتحقيق فيلم يقول الخاص والعام. العقل والهذيان. الأمل واليأس. الفرح والحزن... أي يقول لبنان كما هو الآن ومنذ سنوات ويقول من خلال ذلك أن السينما في خير ويمكنها ان تكون في خير أكثر ان دنت من مواضيعها في صدق وحماسة يجب أن ينتقل من صانع الفيلم الى عامليه، لأن هذا الانتقال هو أفضل السبل لإيصال الحماسة الى الجمهور. والمدهش ان الجمهور، في الصالات، كما في المهرجانات فهم الرسالة وأحب «الفلافل» من خلال «فلافل».

> وودي آلن، العامل الآن في أوروبا إذ بارح – موقتاً؟! – نيويورك الأثيرة خلال الأعوام الأخيرة، لم يشأ – بدوره – أن ينهي العام 2006 من دون أن تكون له فيه باع كبيرة. وأتى هذا على شكل فيلم جديد له، حققه في لندن، كما كانت حال سابقه «ضربة المباراة» الذي كان اعتبر نقطة انعطافية في سينما صاحب «أتى هال» و «مانهاتن» في العام السابق. الفيلم الجديد، والذي يحقق من النجاح التجاري ما عجز أي فيلم آخر لآلن عن تحقيقه منذ سنوات طويلة هو «سكوب» الذي وإن لم يرق الى مستوى «ضربة المباراة»، عرف كيف يكون خبطة سينمائية موفقة. فحتى إذا كان متفقاً عليه الآن ان وودي كتبه وحققه لمجرد أن يعمل مرة أخرى مع ملهمته الجديدة سكارليت جوهانسون، فإن الفيلم أتى أفضل من هذا كثيراً: أتى فتحاً في عالم سينما الترفيه، وإشارة الى أن السينما الكبيرة يمكن أن تكون سينما غير معقدة وغير حافلة بإشارات فلسفية... إشارة الى أن السينما يمكن ان تحكي حكاية بسيطة في ساعتين ممتعتين لا أكثر ولا أقل.

> هذا الرأي ليس طبعاً رأي مارتن سكورسيزي، النيويوركي الآخر، الذي بدأ بدوره يبتعد عن مدينته الأثيرة أكثر وأكثر. فإذا كان وصل في فيلمه السابق الى كاليفورنيا أيام سنوات هوليوود الذهبية («الطيار») فإنه هذه المرة يزور، من خلال فيلمه المسمى «المرحّلون»، بوسطن حيث يستعير حكاية معقدة حملها فيلم من هونغ كونغ قبل سنوات، يحولها الى حبكة عن الخيانة... في قالب صراع بين العصابات التي يتسلل أحد أفرادها الى داخل جهاز الشرطة، وهذا الجهاز الأخير ا لذي يبعث في المقابل فرداً منه يتسلل الى داخل عالم العصابات. مثل هذه الحكاية الازدواجية كان يمكن، على يد أي مخرج آخر أن تنتج فيلماً بوليسياً شيقاً جذاباً وحسب، ولكنها على يد سكورسيزي وإذ حمل ممثلوه أسماء جاك نيكلسون ومات دايمون وليوناردو دي كابريو، صارت تعبيراً عن المشاعر والمواقف وعن العلاقات وسؤالاً خالداً عن الخيانة والولاء.

الحياة اللندنية في 29 ديسمبر 2006

 

الخليج: أعمال تأسيسية واتجاهات لم تتبلور بعد

حسن محمود 

انتهى العام السينمائي الخليجي (2006) مع اليوم الأول من مهرجان دبي السينمائي الدولي، في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) الحالي. فما تحقق وأنتج خليجياً قبل هذا الموعد، خلال السنة، لا بد من أن يُعرض في هذه المناسبة التي بدأت تشكل حدثاً إقليمياً ودولياً ينافس المهرجانات القائمة والراسخة عربياً، خصوصاً أنه افتتح أعماله في اليوم التالي لاختتام مهرجان مراكش وبعد يومين من مهرجان القاهرة.

لكن، خليجياً، لم تكن هذه الدورة الثالثة مشجعة، على رغم أن من شروط المسابقة الرسمية للمهرجان التي أطلقت هذا العام أن يكون صناع الأفلام المشاركة عرباً أو ذوي أصول عربية وأن تتناول الأفلام أوضاع العالم العربي. وقد شارك في مسابقة جائزة «المهر» بأقسامها الثلاثة (الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والأفلام التسجيلية) 115 فيلماً من 47 دولة، في حين لم ينافس أو يحقق حضوراً إلا فيلم خليجي واحد، هو «أمينة» للمخرجة اليمنية خديجة السلامي، الذي فاز بالجائزة الفضية من فئة الأفلام التسجيلية.

وقبل مهرجان دبي، الذي استَبعَد من مسابقته الرسمية رابع فيلم سينمائي إماراتي، «حنين» للمخرج محمد الطريفي، علماً أنه عُرض في غير مهرجان عربي، كانت الدورة الخامسة من مهرجان «أفلام الإمارات»، الذي ينظم سنوياً في المجمع الثقافي بأبو ظبي (آذار/ مارس) باردةً، على صعيد الأفلام المشاركة في المسابقة، على رغم فتح أبوابها للمرة الأولى أمام الأعمال الخليجية عموماً.

ولعل أبرز الأعمال التي عُرضت في هذه التظاهرة غير الجماهيرية، التي يتابعها طلاب الجامعات والمعنيون، هو فيلم «نساء بلا ظل» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، الذي فاز بجائزة الفيلم التسجيلي (المسابقة الخليجية)، علماً أنها فازت قبل عامين أيضاً (2004) بجائزة أفضل سيناريو عن فيلمها الشهير «أنا والآخر».

الوقت أو الزمن عنصر مشترك يجمع العديد من الأفلام الخليجية أثناء إنتاجها. فكلها تقريباً تتأخر وتؤجل مرة تلو الأخرى مواعيد الانتهاء منها. و«بطل» هذا السيناريو للعام 2006 فيلم «المهد» للمخرج السوري محمد ملص. فقد كان مقرراً أن يُنجز هذا العمل التاريخي الإماراتي ذو الموازنة الأعلى خليجياً (فاقت الثلاثة ملايين دولار أميركي) قبل انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان دبي، إلا أن أسباباً متعددة حالت دون ذلك. علماً أن ملص قد انتهى من أعمال التصوير في الإمارات (الفجيرة) وسوريا (تدمر)، وبات الفيلم، الذي تعود قصته إلى ما قبل الإسلام وتروي غزو أبرهة الحبشي جزيرة العرب ومقاومة القبائل لحملته، في مرحلة فنية تُنجز في غير عاصمة عربية داخل استديوات ومختبرات شركات عريقة.

صنعاء الجديدة - القديمة

يذكّر فيلمُ ملص بأول فيلم روائي طويل يمني، «يوم جديد في صنعاء القديمة» للمخرج اليمني بريطاني المولد والجنسية بدر الحرسي. فهذا العمل الذي حاز في مهرجان القاهرة - الدورة 29 لعام 2005 جائزة أفضل فيلم عربي، وتؤدي الممثلة اللبنانية دانيا حمود دور بطولته (إيناس)، لم يتأخر إنجازه وحسب لأسباب عدة منها اعتراض أهل صنعاء عليه واعتباره يتضمن إساءة إليهم وإلى «سمعة البلاد»، وإنما مازالت أصداؤه تتفاعل. فقد نافس في مهرجان القصبة الدولي برام الله فيلم «عمارة يعقوبيان» على جائزة الجمهور.

إذاً، أفلام العام 2006 كثيرة، ويبدو القطاع الخاص الخليجي المرتبط بالتلفزيون خصوصاً متحمساً نوعاً ما لإنتاج بعض الأعمال، مع توقع الربح على رغم الموازنات العالية. لكن الأهم من ذلك هو أن بعضَ هذه الأفلام يُعتبر تأسيسياً أو افتتاحياً في نوعه. فهناك بين الأفلام البارزة التي لا يتجاوز عددها العشرة، أول فيلمين روائيين طويلين سعوديين، «ظلال الصمت» للمخرج عبدالله المحيسن، الذي لفت الأنظار حقاً واعتبر أول فيلم روائي سعودي نظراً الى انه من اخراج السينمائي السعودي المعروف عبدالله المحيسن، و «كيف الحال» للمخرج الكندي إيزدور مسلم، الذي أنتجته شركة «روتانا سينما» وشارك فيه هشام عبدالرحمن «نجم» برنامج «ستار أكاديمي». وهناك أول فيلم خليجي روائي طويل للصغار، هو «حباب وكلاب الساحر» إخراج وتأليف حمد الشهابي. وهناك أول فيلم وثائقي خليجي بالإنكليزية وعن ثلاثة «نماذج نجاح» من بين السيدات الخليجيات، للمخرج الأميركي آرت جونز، إنتاج البحرين. وربما تجوز إضافة «حكاية بحرينية» ثالث أفلام المخرج البحريني بسام الذوادي كأول فيلم خليجي يتطرق لموضوع المواطنين اليهود وهويتهم العربية، على خلفية الصراع العربي - الإسرائيلي والهزائم العسكرية العربية المتتالية.

ثمة مفارقة أخرى تَعبر الكثير من أفلام العام. فباستثناء «كيف الحال» و «حباب وكلاب الساحر»، لم تُعرض تلك الأعمال على نحو شعبي ولم يشاهدها «الجمهور» الخليجي بعد. كأن السمة الغالبة على الإنتاج السينمائي الخليجي هو المشاركة في المهرجانات المختلفة وعروضها، بمعزل عما إذا كانت تلك الأفلام جماهيرية أم لا، على رغم ارتفاع موازنات العديد منها مهما سعت إلى ضبط التكلفة وتقليصها من خلال اللجوء إلى «اليد التقنية الفنية» الهندية الأرخص من الأوروبية أو الأميركية.

وإذا كان هذا الكلام عن هاجس المهرجانات لا ينطبق على الفيلم الإماراتي «طرب فاشن» (بلغت كلفته نحو مليون دولار) الذي توجه بالدرجة الأولى إلى صالات العرض معتمداً على نجومية بطله سعود أبو سلطان، فإن «جماهيريته» لم تُثبت أو تظهر.

فهذه السنة أيضاً تنتهي من دون بلورة اتجاهات أو استراتيجيات سينمائية خليجية فنية وإنتاجية، على رغم زيادة الإنتاج وارتفاع عدد الأفلام والجهات الممولة، سواء كانت شركات إنتاج أم رؤوس أموال خاصة تعمل في قطاعات تجارية وصناعية أخرى. واليوم لا يمكن مثلاً الجزم إذا كان فيلم «حكاية بحرينية» ضمن سينما المقاولات، علماً أن مخرجه بسام الذوادي أنجز فيلمه السابق بواسطة التقنيات الرقمية، ما اعتبر تشجيعاً على إنتاج أفلام تجارية ظهرت في الكويت والإمارات. وكأن سينما المقولات إذا نمت يكون سببها السينمائيُ نفسه الذي لا يجد ممولاً فيرتكب ما أمكنه.

الحياة اللندنية في 29 ديسمبر 2006

السينما المصرية:تجارة كثيرة وفن قليل

القاهرة - علا الشافعي 

إذا كان العالم يحفل الآن بسينما متنوعة ويشهد صعود نجوم سينما لدول عرفت طريقها للإنتاج السينمائي أخيراً مثل كوريا الجنوبية، إلا ان السينما المصرية التي ستحتفل بمئويتها في السنة المقبلة لا تزال تعاني من أزماتها المتكررة نفسها على رغم زيادة الانتاج.

صحيح انه عرض اكثر من أربعين فيلماً سينمائياً في المواسم المختلفة وإنتاج ما يزيد على الخمسين، ولكن الخلافات والصراعات بين الموزعين والمنتجين لا تزال كما هي بل زادت حدتها في هذه السنة في ظل الحروب الانتاجية والتوزيعية بين الشركة العربية التي تترأسها إسعاد يونس، وتكتل الفن السابع الذي يضم شركات اوسكار والماسة وأفلام النصر، وأطلق الكثيرون على عام 2006 السينمائي «عام الضرب تحت الحزام» إذ رفضت إسعاد يونس توزيع أفلام شركة الفن السابع في دور العرض التابعة لها كرد فعل على حصارهم لأفلامها، ورفع بعض منها على رغم تحقيقه إيرادات عالية، وأكدت تلك الخلافات عدم صلاحية غرفة صناعة السينما المنوط بها حماية الصناعة. فالغرفة وقفت مكتوفة الأيدي أمام خلافات الموزعين، إضافة الى حرق الأفلام والنجوم في الموسم السينمائي الصيفي الذي بات قصيراً جداً مع تقدم شهر رمضان، واقتصر على شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، إذ يتصارع المنتجون والموزعون على عرض اكثر من 15 فيلماً في هذين الشهرين، كل هذه «اللخبطة» والربكة انعكست سلباً على مستوى ايرادات السينما المصرية والتي بلغت في العام الماضي 140 مليون جنيه في حين لم تتخط هذا العام 117 مليوناً.

للشعب... فقط!

وعرفت السينما المصرية في عام 2006 ما يسمى «السينما الشعبية» والتي يقوم بإنتاجها الشقيقان محمد واحمد السبكي إذ يتنافسان على عمل تركيبة درامية تقوم على وجود «راقصة ومطرب شعبي وفنان شاب كوميدي» مثلما حدث في افلام «لخمة راس» و «عليّ الطرب بالثلاثة» و «قصة الحي الشعبي» و «أيظن»، ليس ذلك فقط بل شهدت هذه السنة ما يسمى عودة افلام المقاولات أو بير السلم - كما يروق للنقاد ان يطلقوا عليها (الظاهرة التي عرفتها السينما المصرية في الثمانينات حيث شهدت موجة من أفلام المخدرات والجنس) وهي أفلام قليلة التكلفة يتم انجازها في اسبوعين تصويراً وتضم عدداً من نجوم الدرجة الثانية مثل أفلام «ايه النظام»، و «2 في الكلابش»، و «طاطا سايق العباطة».

ونستطيع ان نطلق على هذا السنة سنة التناقضات الفنية. ففي حين شهدت السينما المصرية الكثير من الظواهر السلبية عرفت أيضاً الانتاجات الضخمة اذ تم انجاز فيلم «عمارة يعقوبيان» للنجوم عادل إمام ونور الشريف ويسرا وهند صبري وخالد صالح وخالد الصاوي واخراج مروان وحيد حامد بكلفة انتاجية وصلت الى 22 مليون جنيه مصري، وحقق ايرادات 20 مليوناً خلال 12 اسبوع عرض. وفيلم «حليم» بميزانية 18 مليون جنيه وايرادات لم تتعد الـ 6 ملايين، وتنوع الانتاج السينمائي المصري ما بين افلام الاكشن والإثارة والرومانسية والسياسة والمليودراما والاجتماعية، مثل «ملك وكتابة» و «لعبة الحب» و «عن العشق والهوى» و «دم الغزال» و «ظاظا رئيس جمهورية» و «جعلتني مجرماً» و «ليلة سقوط بغداد» و «الرهينة» و «واحد من الناس».

وانطفأت هذه تلسمو الافلام الكوميدية التي كانت صاحبة الصوت الأصخب والأرقام الأعلى في السينما المصرية في السنوات الست الماضية إذ لم يحقق نجوم الكوميديا المرجو منهم من ايرادات، وجاءت أفلامهم نسخاً مكررة مما سبق أن قدموه، وشخصيات مستهلكة ملّ منها الجمهور، ومن هذه الافلام «وش اجرام» لمحمد هنيدي، و «كتكوت» لمحمد سعد، و «لخمة راس» لأشرف عبدالباقي واحمد رزق وسعد الصغير، و «عبده مواسم» لمحمد لطفي. حاول بعض النجوم الشباب الخروج من النمط الواحد الذي قدموه في السنوات الماضية ومنهم احمد السقا الذي كان يفضل دائماً تقديم افلام الاكشن والإثارة إذ خرج على جمهوره هذا العام بفيلم رومانسي «عن العشق والهوى». الحال نفسه بالنسبة الى كريم عبدالعزيز والذي فضل تقديم فيلم اجتماعي يحمل قضية «واحد من الناس» وحقق إيرادات تجاوزت العشرة ملايين جنيه، وتقدم سباقات الأفلام.

وشهد هذا العام ظهور مجموعة من المخرجين وكتاب السيناريو الذين قدموا تجاربهم للمرة الأولى واثبتوا موهبة حقيقية ومن أهمهم مؤلفا السيناريو سامي ناصر ومحمد حسام في فيلمي «ملك وكتابة» و «لعبة الحب»، وفي الإخراج ظهر محمد علي «لعبة الحب» ومروان حامد «عمارة يعقوبيان» ومحمد ياسين في فيلم «دم الغزال».

أما الانفراجة الحقيقية او التحول الذي شهدته السينما المصرية هذه السنـة فكان انتـاج وعـرض فـيلم «أوقات فراغ» الذي عاد من خلاله المنتج السينمائي حسين القلا (صاحب التجارب السينمائية المهمة والمميزة في السينما المصرية) وقام ببطولة الفيلم مجموعة كبيرة من الوجوه الجديدة ومنهم عمرو عابد، كريم قاسم، احمد حاتم، عمر جاهين، عمر حداد، صفا تاج الدين، راندا البحيري. وصاغ السيناريو عمر جمال (شاب لا يتجاوز عمره الـ 19 سنة). وحقق الفيلم ايرادات تخطت الـ 6 ملايين جنيه.

والمفارقة ان الكثير من موزعي السينما المصرية رفضوا عرض الفيلم في البداية، ولكن مع اصرار حسين القلا على عرض الفيلم في الموسم الاهم في السينما المصرية «الصيف» فحقق من إيرادات ما جعل الموزعين يتهافتون على عرضه، وشجع نجاح الفيلم عدداً من المنتجين على خوض تجارب مماثلة، فالمنتج هاني جرجس فوزي أقدم على إنتاج أكثر من تجربة سينمائية بوجوه جديدة ومؤلفين ومخرجين جدد ومن ضمن هذه الافلام التي أُنجزت ولم تعرض في دور العرض بعد فيلم «استغماية» للمخرج عماد البهات الذي شارك في مهرجان القاهرة الدولي السينمائي، و «علامات خاصة» للمخرج ايهاب لمعي و «ورق التوت» لعمرو بيومي، وقدم الفيلمان عدداً من الوجوه الجديدة الذين ينتظرهم مستقبل سينمائي ومنهم نبيل عيسى وعمرو ممدوح واحمد يحيى وهيدي كرم، اضافة الى المنتج محمد العدل الذي يقوم بتجربة مماثلة من خلال فيلم «الشارع 18» والابطال جميعهم من الوجوه الجديدة.

كما شهدت هذه السنة تنظيم أول مهرجان للسينما المستقلة يحتفي بالتجارب الشابة في مجال الأفلام القصيرة والتسجيلية والتي بدأت تشكل تياراً مختلفاً في الآونة الاخيرة، واقيم المهرجان بجهود ذاتية لمجموعة من الشباب على مسرح «روابط».

وللمرة الأولى في هذه السنة يُعرض فيلمان لمخرجين عربيين في السينما المصرية الاول هو «الجنة الآن» للفلسطيني هاني ابو اسعد، والثاني «دنيا» للبنانية جوسلين صعب.

أهم جوائز لمصر في 2006

·         جائزة العمل الأول لـ «عمارة يعقوبيان» من مهرجان تريبكا الدولي، وشهادة تقدير للفنان عادل إمام عن دوره في الفيلم نفسه.

·         جائزة التمثيل لعادل إمام من مهرجان ساو باولو في البرازيل.

·         جائزة نجيب محفوظ العمل الأول لفيلم «قص ولزق» لهالة خليل من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وكذلك جائزة أحسن فيلم عربي.

الحياة اللندنية في 29 ديسمبر 2006

 

... من سورية: «لا جديد تحت الشمس»

دمشق - ابراهيم حاج عبدي 

لعل مقولة «لا جديد تحت الشمس» هي الأكثر تعبيراً عن المشهد السينمائي السوري خلال العام المنصرم، إذ لم تشهد الحركة السينمائية في سورية، حدثاً طارئاً أو استثنائياً، فوتيرة الإنتاج استمرت كما كان الحال في الأعوام السابقة، والتي تتراوح بين فيلم وثلاثة أفلام في السنة الواحدة، وتحديث الصالات بقي وعداً مؤجلاً «فلا شيء يشجع على القيام بالإصلاحات الموعودة» كما يقول أصحاب الصالات، وربما كانت النقطة المضيئة في هذا المشهد السينمائي الرتيب هو لجوء المؤسسة العامة للسينما إلى إقامة تظاهرات سينمائية عدة، عرض فيها أكثر من مئة فيلم سينمائي من الأفلام المنتجة حديثاً، مثل تظاهرة «العيد العالمي للسينما»، و «على بساط السينما: أطياف الخيال والشجن»، و «أسبوع الفيلم الأوروبي»، و «مخرجو القارات الخمس»، ولم يكد تنتهي السنة حتى بدأت تظاهرة «شاشة بيضاء، وأفلام كأنها الأحلام» التي عرضت مختارات مميزة من السينما العالمية.

على صعيد الإنتاج انتهى المخرج ريمون بطرس من تصوير فيلمه «حسيبة» المأخوذ عن رواية لخيري الذهبي، بينما حقق المخرج عبداللطيف عبدالحميد فيلمه «خارج التغطية»، في حين أنجز غسان شميط فيلم «الهوية» عن قصة وسيناريو لوفيق يوسف، أما وليد حريب فيصور حالياً فيلمه الروائي الطويل الأول «سبع دقائق إلى منتصف الليل». وأنتجت المؤسسة العامة بالتعاون مع شركة «تايغر برودكشن» فيلم «خيط حياة» وهو أول فيلم رسوم متحركة في تاريخ المؤسسة، وثمة أفلام انتهت عمليات التحضير لها للبدء بتصويرها في العام 2007 مثل فيلم «دمشق يا بسمة الحزن» عن رواية لألفت الأدبي، و «أيام الضجر» لعبداللطيف عبدالحميد، و «موزاييك دمشقي» عن رواية لفواز حداد سيتولى إخراجه حاتم علي. وثمة عمل سينمائي مع دريد لحام سيكون، في حال تحقيقه، أول تعاون فني بين مؤسسة السينما ولحام الذي شارك، إخراجاً وتمثيلاً، في أفلام عدة، بيد أن فيلميه «الحدود» و «التقرير» يعدان من الأفلام المهمة في مسيرته السينمائية، ويعود الفضل في هذا النجاح إلى كاتب نص الفيلمين محمد الماغوط الذي رحل في ربيع هذه السنة، لكن السينما السورية كانت قد افتقدته منذ سنين طويلة. وأنتجت المؤسسة عدداً من الأفلام التسجيلية القصيرة مثل فيلم «نساء عربيات» الذي أخرجه المخرج الأميركي من اصل سوري زياد حمزة وبإنتاج مشترك معه، وفيلم روائي قصير بعنوان «موت... حياة» من إخراج عباس الحاوي، وفيلم تسجيلي أنجز بمناسبة اختيار حلب عاصمة للثقافة الإسلامية، وأفلام تسجيلية أخرى أنجزت بغرض الترويج الدعائي والسياحي.

البحث عن مصطلح

ودعمت مؤسسة السينما تظاهرة الوردة للسينما المستقلة التي أقامتها مجلة «الوردة»، وبجهود الناقد السينمائي بشار ابراهيم، والتي سعت إلى التعريف ببعض التجارب السينمائية الشابة من سورية ومختلف البلاد العربية والتي تندرج تحت مسمى «السينما المستقلة»، وهو مصطلح لم يتبلور بعد في المشهد السينمائي العربي، فجاء هذا المهرجان ليمنح للمصطلح بعضاً من مشروعيته، واسهم في تسليط الضوء على مواهب تمتلك مقترحات ورؤى بصرية تستحق الاهتمام، كما قدمت المؤسسة معدات للمخرج محمد ملص الذي صور فيلمه «المهد» في بادية تدمر السورية بتمويل من شركة الريف الإماراتية.

وفي مجال الجوائز لم تستطع السينما السورية أن تحقق نجاحاً بارزاً، فباستثناء جائزة أحسن ممثل التي حصل عليها فارس الحلو عن دوره في فيلم «علاقات عامة» لسمير ذكرى من مهرجان فالنسيا الذي يتمتع بسمعة طيبة، فإن الجوائز القليلة الأخرى جاءت من مهرجانات لا تحظى بسمعة دولية مرموقة، إذ حصل الفيلم نفسه على جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان بيونغيانغ، وعرض كذلك ضمن تظاهرة «سينما العرب» في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير، بينما نال فيلم «تحت السقف» لنضال الدبس جائزة الخنجر البرونزي من مهرجان مسقط في سلطنة عمان، فضلاً عن مشاركة أفلام سورية، قديمة وحديثة، في تظاهرات سينمائية مختلفة نُظِّمت في بعض العواصم العربية والأجنبية.

ولا بد من الإشارة إلى أن القرار المهم الذي اتخذته مؤسسة السينما السورية خلال العام الفائت تمثل في جعل مهرجان دمشق السينمائي مهرجاناً دورياً يقام كل عام بدءاً من الدورة المقبلة في 2007، بعد أن كان المهرجان يقام مرة كل سنتين، وإذا ما أضفنا إلى ذلك الجهود التي بذلت لاستقدام كاميرات ديجيتال لتخفيف الكلفة الإنتاجية، وزيادة كم الأفلام المنتجة في العام الواحد، والوعود الجدية في مجال تحديث الصالات الخاصة وصالات الكندي التابعة لمؤسسة السينما، فان من المتوقع أن تشهد الحركة السينمائية السورية خلال الأعوام القليلة القادمة نشاطاً دؤوباً من شأنه تلوين المشهد السينمائي السوري وإغنائه، وإخراجه من الركود الذي تعاني منه منذ سنوات طويلة.

الحياة اللندنية في 29 ديسمبر 2006

 

السينما اللبنانية في موسم... مزدهر: مفاجآت وانتفاضة على الواقع

بيروت - فيكي حبيب 

لا شك في أن المشهد السينمائي للعام 2006 في لبنان بدا الأكثر تفاؤلاً ضد سنوات طويلة. فللمرة الاولى، تعرض الصالات التجارية في بيروت خمسة أفلام (في سنة واحدة) تحمل تواقيع سينمائيين لبنانيين شباب. بينما ينتظر مخرجون آخرون وضع اللمسات الأخيرة على باكورة أعمالهم الروائية الطويلة، ويستكمل آخرون التصوير بعدما شلته حرب تموز (يوليو) 2006.

هذه الحركة السينمائية الناشطة جعلت كثراً يتفاءلون خيراً بمستقبل فني واعد، وتركت انطباعاً أن الصناعة السينمائية اللبنانية في طريقها الى ان تبصر النور، بعدما كانت الساحة الفنية مشرعة طوال عقود لجهود فردية، أصحابها شبان من عشاق الفن السابع.

لكن هذا الانطباع سرعان ما يخبو حين نعرف ان سينمائيينا يعملون في ظل غياب أي دعم مادي ومعنوي من الدولة. لا يحركهم سوى حبهم الجامح لهذه المهنة، ورغبتهم في التعبير الصادق: التعبير عن وعيهم لوطنهم، التعبير عن فنهم، والتعبير عن ذواتهم.

ثالوث يشكل القاسم المشترك بين الافلام الخمسة التي شاهدها الجمهور العريض في الصالات اللبنانية لهذا الموسم. وهي «بوسطة» فيليب عرقتنجي، «زوزو» جوزيف فارس، «يوم آخر» مع جوانا حاجي توما وخليل جريج، «فلافل» ميشال كمون، و «أطلال» غسان سلهب.

واللافت ان مخرجي الأفلام الخمسة قد آثروا الابتعاد عن الحرب اللبنانية بعدما شكلت لسنوات طويلة مضمون غالبية الأفلام التي انتجت في العقد الأخير، لكن شبح هذه الحرب ظل مخيماً على اعمالهم، ليشكل خلفية الأحداث.

فلافل مميزة

أبرز تلك الأفلام «فلافل» ميشال كمون. هذا العمل الذي يسطر مرحلة جديدة في تاريخ الفن السابع في لبنان. ويبشر بخط سينمائي واعد لا شك ستنتهجه أفلام كثيرة من بعده.

فإذا كانت قلة من الأفلام تمتلك مفتاح المعادلة الصعبة بالوصول الى الجمهور والنقاد في آن، فلا شك ان فيلم كمون ينتمي الى تلك القائمة. يشهد له على ذلك الجوائز التي حصدها في المهرجانات. من الجائزة الكبرى لمهرجان «نامور» في بلجيكا الى فضية مهرجان دبي (علماً أنه كان يستحق الذهبية)، الى سواهما من التنويهات من هنا وهناك. كما يشهد له إقبال الجمهور العريض على مشاهدته في الصالات التجارية (يعرض حالياً في بيروت).

بيروت اليوم هي المحيط الذي تدور حوله الأحداث. أبناء الحرب هم أبطال فيلم كمون. أما زمانه فليلة واحدة.

صور الماضي والقتل والدمار غائبة. لكن الماضي يثقل الحاضر بترسبات صعب الخلاص منها. توفيق (ايلي متري) بطل كمون قد يكون أي واحد من جيل الحرب. معاناته تشبه معاناة كثر. وحياته تشبه حياتهم.

سيرة ذاتية؟ الى حد ما. لكنها لا شك سيرة جيل كامل. جيل يتماهى مع سلوكيات توفيق وانتفاضته على الواقع. جيل مفعم بالحياة يصطدم بترسبات ماض لا شأن له به. وحتماً ميشال كمون أحد أبناء هذا الجيل. فهو بإهدائه الفيلم الى ذكرى شقيقه الراحل روي، وتصويره تلك العلاقة النموذجية بين بطله وشقيقه الأصغر، إنما يستعيد شيئاً من سيرته، أو يعيد تركيب الأحداث بالوجهة التي كان يتمناها أن تكون.

وإذا كان فيلم كمون استطاع تحقيق المعادلة الصعبة بنيله إعجاب النقاد والجمهور، فإن فيلم فيليب عرقتنجي استهدف شريحة واحدة من الشريحتين، فكان أكثر الأفلام الأربعة إقبالا من الجمهور (نستثني هنا «فلافل» الذي لا يزال في الصالات).

منذ العنوان يعتقد المرء - اللبناني خصوصاً - ان الحرب مسيطرة على الفيلم، إذ يستحضر الواحد منا بوسطة عين الرمانة التي كانت معها الشرارة الأولى للحرب اللبنانية. لكن فيلم فيليب عرقتنجي ليس فيلماً عن الحرب. بل هو فيلم استعراضي مفعم بالحياة. ولعل هذه الصفة بالذات هي التي جذبت الجمهور اللبناني، وجعلته لا يفوت فرصة مشاهدة هذا العمل، فحضر الى الصالات بكثافة لم يشهدها أي عمل لبناني آخر. في المقابل إذا استعرضنا رأي النقاد، نجد ان كثراً لم يروا فيه أكثر من «جولة سياحية» في ربوع لبنان الخضراء. الرقص والألوان هما أكثر ما يلفت. أما الحبكة فعادية: قصة صعود فرقة للرقص الشعبي ابتدعت نوعاً جديداً من الرقص: الدبكة التكنو.

اما ابطال عرقتنجي فهم أولئك الذين آثروا الحداثة ومواكبة العصر من دون أن يتخلوا عن التقاليد.

حتى الآن يبدو أن الحرب غائبة عن هذا الشريط... لكن شيئاً فشيئاً يتبين ان الحرب هي البطل الرئيس، فهي التي تسير الشخصية المحورية في الفيلم. ذاك الشاب الطموح الذي يعود الى الوطن بعد سنوات من الهجرة، سنوات كانت قسرية بعيد اندلاع الحرب وإصابته ووفاة والده بعبوة ناسفة. وهكذا يعود ليلم شمل الأصدقاء، وليكوّن فرقة للرقص تتحدى مجتمع الآباء، وتفرض مشيئتها على الأحداث، بعدما سرقت الحرب سنوات المراهقة.

وقد أتت «الأنا» في هذا العمل لتجسد الترابط والالتحام بين الشرق والغرب. الشرق الذي يمثل أصول المخرج وتعلقه بالتقاليد. والغرب الذي شكل الملجأ لكثر في لبنان بعد اندلاع الحرب، ومنهم مخرج «البوسطة» الذي عاش سنوات في الخارج، وحقق نحو 40 فيلماً وثائقياً، بينها 18 فيلماً عن لبنان قبل ان يقدم فيلمه الروائي الطويل الأول. أما من الناحية التقنية، فمنذ البداية رفع عرقتنجي شعار الفن للتسلية، من دون ان يعلن عن طموحات كبيرة.

الحرب... شبح

«يوم آخر» مثل «البوسطة» فيلم عن الحاضر. ومثله شبح الحرب لا يغيب. كيف لا والفيلم يصور قضية من مخلفات الحرب: قضية المخطوفين التي لا تزال ترهق 17 ألف عائلة لبنانية. بطل جوانا حاجي توما وخليل جريج يشبه بطل عرقتنجي في تخبطه وضياع سنوات مراهقته سدى. بين جيلين تدور الكاميرا خلال 24 ساعة. ساعات قليلة تضع بطلتنا كلوديا (جسد الدور جوليا قصار باقتدار كبير) أمام استحقاق مصيري. استحقاق ام فعل خيانة؟ لا ندري. كل ما نعرفه هو صعوبة توقيع وثيقة وفاة الزوج بعدما فقد الأمل في ظهوره. 15 سنة مرت والغائب لم يطرق الباب. ومع هذا لا تزال بطلتنا تعيش على الامل. لكن الحياة لا بد من أن تستمر. ابنها مالك (زياد سعد) قرر الخروج حياً من هذا الكابوس. يريد ان يتنفس. لكن كل شيء من حوله يحمله على الاختناق: مصير والده الغامض، مشاكله مع حبيبته، نوبات النوم الفجائية التي تصيبه، الحاضر الذي يعيشه بطريقة هستيرية، بيروت بالليل.

ضياع البطلين آسر. الحوار بينهما غائب. الإحساس بعبء الوقت يقفز الى المشاهد. اهمية الجسد طاغية... باختصار «يوم آخر» فيلم يتشابك فيه الحاضر بالماضي.

أما «انا» جوانا وخليل جريج فحاضرة بقوة في هذا العمل الذي يمكن وصفه بالعمل الذاتي. ففي هذا العمل يشرح خليل جريج قضية ارهقت عائلته سنوات مع اختطاف خاله في الحرب. انطلق الثنائي في هذا الفيلم من تجربة شخصية ليصورا عذابات الانتظار: انتظار الحبيب، انتظار الأب، انتظار الوقت الذي لا يمر... عذابات أجاد الثنائي الزوجان في وصفها بمستوى رفيع بعد تجربة طويلة في عالم السينما منذ «البيت الزهر» (فيلمهما الروائي الطويل الأول) سنة 1999 الى الأعمال الوثائقية في «الخيام» و «الفيلم الضائع»، والروائي القصير «رماد».

في «يوم آخر» استخدم الزوجان لغة سينمائية لم نعهدها من قبل في السينما العربية. لغة بصرية تبتعد من التفسير والشروحات، وتركز على حركات الوجه وانفعالاته. من هنا نفهم الاستقبال الإيجابي له في الخارج، وتجواله في المهرجانات العالمية، وحصده الجوائز، والاهتمام الصحافي، من دون ان يكون له الحظوظ نفسها في عالمنا العربي.

زوزو... في السويد

ربما كثر في عالمنا العربي لم يسمعوا باسم جوزيف فارس المخرج السويدي من أصل لبناني، قبل ان يحقق أخيراً فيلم «زوزو» الذي جال في المهرجانات، وحصد إعجاب الجمهور والنقاد. لكن المفاجئ ان ابن الـ 27 ربيعاً، كان موجوداً على الساحة الفنية منذ زمن على رغم صغر سنه. حتى ان أعماله حققت النجاح بعد النجاح. وأفردت لها الصحافة الغربية صفحاتها، خصوصاً في السويد حيث يعتبر واحداً من أبرز الوجوه الشابة في عالم السينما. حتى ان فيلمه الأخير هذا، رشح لتمثيل السويد في مسابقة الأوسكار.

وإذا كانت الحرب في فيلم «زوزو» حاضرة بصورة اكبر من الفيلمين السابقي الذكر(«بوسطة» و «يوم آخر»)، فإن هذا الفيلم بدوره، ليس فيلماً عن الحرب، بقدر ما هو عمل فني يصور اندماج المرء في مجتمع غريب، من خلال قصة فتى لبناني يسعى الى الخروج من ضغط الحرب بعدما سرقت منه عائلته، وشردته... فلا يجد سبيلاً إلا بالسفر الى جديه في السويد. وهناك تبدأ حروب «زوزو»: حربه مع الآخر الغريب، حربه مع المجتمع، وحربه مع شبح الماضي...

وربما يمكن القول إن زوزو ما هو إلا «أنا» المخرج.

بداية - لمن لا يعرف - «زوزو» هو الاسم الصغير لجوزيف (أي اسم المخرج). وسيرة زوزو في الفيلم تشبه سيرة جوزيف فارس. مثله ترك فارس لبنان صغيراً وهاجر الى السويد. ومثله عانى من صعوبات التأقلم في بلد غريب. فهل يدخل هذا الفيلم ضمن خانة أفلام السيرة؟ الى حد كبير حتى ولو كان مخرجه يقول العكس. لكن لا شك في أن جزءاً كبيراً من سيرة فارس يكتشفها المرء في هذا العمل الذي جاء بمستوى فني رفيع، تجلت فيه التجربة السويدية في شكل واضح.

الفيلم الأخير بين الأفلام الخمسة، هو «أطلال» غسان سلهب. في هذا العمل يقدم المخرج نظرة سوداوية عن بيروت. نظرة جسدها المخرج بالعودة الى أفلام... مصاصي الدماء.

ربما كانت الفكرة معبرة عن واقع يزداد مأسوية يوماً بعد يوم. لكن للأسف لم يتمكن المخرج من تجاوز بعض العقبات في التواصل وبالتالي إيصال الفكرة في الشكل المطلوب، فظل يراوح مكانه طوال الفيلم.

أياً يكن الأمر، تشهد الساحة السينمائية اليوم فورة إنتاجية لم نشهدها في بيروت من قبل، فهل بدأت ثورة السينمائيين على واقع شلّ حركتهم سنوات؟

الحياة اللندنية في 29 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

 

حصاد سنة سينمائية أمعنت أفلامها في السياسة شكلاً وجوهراً

إبراهيم العريس

 

 

 

سينماتك

 

 

2006: عودة الحيوية الى السينما

ليس من السهل طبعاً رصد انتاج سينمائي على مستوى العالم في صفحتين. فالسينما، على رغم أوراق النعي التي تصدر من حولها في شكل منتظم، تبدو حية اليوم أكثر مما كانت في أي وقت مضى من تاريخها، وتبدو جامعة للفنون أكثر بكثير مما أعلن نقادها ودارسوها طوال العقد الأول من عمرها. فالصالات العارضة، في أنحاء عدة من العالم في خير، والمتفرجون يتزايدون عدداً، في المطلق وفي شكل نسبي. وأسوة بالأفلام الجديدة التي بدأ الحاجز ينهار فيها بين الأنواع وبين ما منها للنخبة وما منها للعوام، في أنحاء عدة من العالم، ها هي الأفلام القديمة بدورها تمعن حضوراً، من خلال الاسطوانات المدمجة والعروض التلفزيونية. والمهرجانات في تكاثر، يصل الى حدود الفوضى في مدننا العربية. صحيح ان ثمة بلداناً تنتج أكثر من أخرى، وثمة انزياحات لافتة في جغرافية الانتاج، وان بلداناً كانت واعدة – مثل فلسطين وإسبانيا وإيران – تشهد تراجعاً، كمياً وربما نوعياً أيضاً، ولكن علينا الا نقلق، فالغياب، إن كان حقيقياً هذا العام، قد لا يكون أكثر من غياب موقت... يمسّح في العام الذي يلي.

التعبير بالسينما صار ضرورة حياتية وليس فقط مجرد تحقيق لرغبة في التعبير الفني. ولئن كانت الصفحتان اللتان نكرسهما هنا لبعض سمات العام السينمائي الذاهب، أضيق من أن تتسعا لكل ما يمكن قوله، فإن علينا ان نذكر هنا، في هذه المناسبة، بأن التقنيات الحديثة، الزهيدة الكلفة، باتت تجعل فن السينما، الفن الأكثر ديموقراطية في العالم. وحسبنا ان ننظر الى تجارب السينما المستقلة، التي باتت تزدهر في الكثير من بلدان العالم وقادرة على انتاج تحف صغيرة بين الحين والآخر، لكي ندرك هذا. وندرك كم ان الأجيال الشابة باتت قادرة على التحكم بتعبيرها الفني بقروش ضئيلة.

الحياة اللندنية في 29 ديسمبر 2006

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك