تقول الفنانة منى السعودي التي صدر لها في بيروت حديثا كتابا تتحدث فيه وتحلل تجربتها الإبداعية بعنوان «أربعون عاما من النحت»: «النحت بالنسبة لي بحث في الشكل. إنه بحث وتوليد لا متناهيان، لأن إمكانيات التشكيل لا متناهية.. قد علمني النحت أن الحياة والكون هما في استمرارية التكوين، حتى إنني عشقت كلمة تكوين، وصرت أمنحها للعديد من منحوتاتي». يعكس هذا القول خلاصة الرغبة المتأصلة عند الفنانين منذ القدم لجعل الإنتاج الفني التشكيلي والنحتي ينبض بالحياة، وهي رغبة تسعى نحو تحقيق حلم المبدعين بجعل الجماد حيا، وهو حلم لم يتحقق فعليا إلا من خلال فن السينما الذي كشف عن ما هو أبعد من مجرد قدرتها على نقل الحركة والصوت والإيهام بالواقع وسرد الحكايات، أي قدرتها على التعبير عن نبض الحياة في الصور.

تؤكد الممارسة الإبداعية مزدوجة الاتجاه للفنانة منى السعودي في مجالي نحت التماثيل وكتابة الشعر الذي يدور حول النحت وجوهره، هذا التصميم على تحقيق هذا الحلم القديم الذي يوحد ما بين النحت والسينما أو يكشف عن الجوهر المشترك ما بينهما وهو الجوهر الذي يفسر التداخل والتفاعل والتأثير المتبادل ما بين أنواع الفنون المختلفة. معترفة برغبتها في بعث الحياة في الحجر الأصم، تكتب منى السعودي في ديوانها الشعري الأول الذي صدر في بيروت العام 1972 بعنوان «رؤيا أولى» والذي يتضمن قصائد قصيرة مصحوبة برسومات للشاعرة الفنانة:

«وكأن الحجارة تسعى فوق الأرض

وكأن الحجارة روح الأرض».

وفي الديوان الثاني الذي أصدرته السعودي بعد سنوات تحت عنوان «محيط الحلم» ثمة محاولة لتطوير هذا الحلم القديم الذي يريد من الشعر أن لا يكتفي بتصوير الأشياء، بل يحلم بأن يجعلها محسوسة فعلا, وهو الحلم الذي عبر عنه ذات يوم شاعر ياباني قديم تمنى لو يستطيع أن يرسم أزهار الخوخ برائحتها.

تقول منى السعودي في قصيدة بعنوان «تماثيل»:

«وسأنحت لكما حبيبين، دائما اثنين،

الذكر والأنثى، الأم والأرض، والابن والجسد

وشكل يعانق شكلا، حوار صمت

وما يوجد في الحلم يوجد على الأرض

والإنسان نبات حلمه».

وتضيف في قصيدة أخرى بعنوان «الورق الأسود»:

«هل كلام الحب يصعد في الحجر

ويكون الحجر حركة للصمت،

وكيف نجمع بين الحب والحجر،

بين كلام يقال وكلام لا يقال» .

في مقدمته للديوان أشار الناقد الراحل جبرا إبراهيم جبرا بتعبير مباشر عن هذه الخاصية السينمائية في قصائد منى السعودي النحاتة الشاعرة في آن، ووصفها بأنها «تدخل الزمن في ثنايا الحجر» و«تمزج الحلم بالأرض» ، وتبني بالكلمة تجاويف وانحناءات وسطوحا واستدارات، لتجعل تكويناتها كتكوينات الحجر المنحوت بين يديها، تئن بلذة الحب، وترتعش بشهوة عشق».

«كنت آخذك بين يدي، ونبدأ حوارنا الجميل،

وتتشكلين بين رنة الإزميل ومطرقة الروح،

ويولد الشكل الحي، في الفعل الحي، في الحلم الحي» .

وتضيف في مقطع آخر:

إذا كانت الصورة الأدبية والفنية صورة ذهنية بطبيعتها، فإن الإنجاز الأكبر للمبدع يكمن في جعل الصورة الذهنية محسوسة ملموسة، تفعل فعلها في نفس المتلقي ووجدانه بطريقة غامضة، هي أقرب ما تكون للسحر.

هذه الخاصية السحرية للسينما، هي على الأغلب ما تثير شهية المبدعين في شتى الأنواع الأدبية، وبشكل خاص كتاب الرواية والقصة القصيرة والشعر الذين يعترفون صراحة بمحاولاتهم لنقل تقنيات وسائل التعبير السينمائية إلى حقل الكتابة السردية الروائية، وهي التقنيات التي يجربون اقتباسها لا من الصياغة الأدبية للفيلم السينمائي على شكل سيناريو مكتوب على الورق، بل من الفيلم السينمائي نفسه كعرض متحرك مرئي مسموع.

عندما اكتشفت السينما في أواخر القرن التاسع عشر وأقيم العرض العام الأول لأفلام الأخوة لوميير، انبهر المتفرجون العاديون والنقاد الفنيون كذلك، بالخاصية الجديدة التي تفردت بها السينما؛ خاصية تصوير الحركة عن طريق ضخ الدم في عروق الصور الثابتة. وعندما اكتشف الصوت بعد ثلاثة عقود من الزمن من عمر السينما، أضيف بعد جديد للحركة جعلها أكثر تكاملا، إذ أصبحت الحركة مرئية ومسموعة. وهكذا، ونتيجة لقدرة السينما على مخاطبة السمع والبصر معا، بات بمقدور الباحثين في ماهية وآفاق السينما أن يتذكروا حلم الإبداع القديم بجعل الجماد حيا، مكتشفين في السينما ما هو أبعد من مجرد نقل الحركة والصوت والإيهام بالواقع وسرد الحكايات، جانبا جديدا يشكل أحد خصائصها الأساس وعمقها الروحي.. إنه نبض الحياة التي تقترحها السينما فلا تكتفي بأن تعرض على المشاهدين ظلال الأشياء منعكسة على الشاشة، بل تجعلهم يعيشون تجربة العيش في عالمها. هذه القدرة التي تمتلكها السينما والمتمثلة في جعل المشاهدين يعيشون تجربة العيش في عالمها هي التي حافظت على استمرار سحر السينما وتأثيرها المتغلغل في حواس المشاهدين، رغم أن سر السينما، سر تقنياتها قد انكشف وبات معروفا للجميع.

يتجلى سر نبض السينما بشكل خاص من خلال أفلام هي عبارة عن تحف سينمائية مليئة بالحساسية، يصنعها فنانون مبدعون كبار يبثون عبر المرئيات والأصوات التي تشكل الفيلم روحا غير مرئية، لكن المشاهدين يستقبلوها باعتبارها محسوسة ملموسة. وبالطبع فلا يقتصر الأمر على السينمائيين وحدهم، بل ينطبق على بقية المبدعين في مجالات الفن الأخرى. وفي تاريخ الفن التشكيلي والنحت زمن عصر النهضة بشكل خاص الكثير من النماذج الدالة في هذا الصدد وأبرزها لوحة «الجيوكندا» أو «الموناليزا» لليوناردو دافنشي التي ما تزال تدهش الرائين بابتسامها القابلة لمختلف التفسيرات، وتمثال النحات العظيم مايكل أنجلو الذي يصور السيدة العذراء وهي تحتضن جثمان ابنها «يسوع»، وهو التمثال النابض بالحياة والمؤثر في نفوس مشاهديه لدرجة انه استفز ذات يوم مشاعر أحد الزوار فحاول تحطيمه. وهذا الحادث الذي جرى حقيقة قبل نحو ثلاثة عقود من الزمن هو فيلم سينمائي بحد ذاته فيه كل عناصر الإثارة والتشويق والدراما.

* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 29 ديسمبر 2006

 

مهرجان شاشات تكرم 12 مخرجات فلسطينيات

مؤسسة شاشات برام الله تكرم 12 مخرجة فلسطينية وتعرض فيلم "اخر ايام ياسر عرفات"

غزة ـ أشرف سحويل:  

كرمت مؤسسة "شاشات" في قصر رام الله الثقافي، مساء اليوم الخميس، في حفل إختتام مهرجانها الثاني لسينما المرأة في فلسطين، المخرجات الفلسطينيات اللواتي شاركن في مهرجانها هذا العام، وهن إيناس المظفر، ديمة أبو غوش، روان الفقيه، شيرين سلامة، علياء ارصغلي، غادة الطيراوي، لاريسا صنصور، ليانة بدر، ليانا صالح، ناهد عواد، نجوى النجار، وندى اليسير.

وتم عرض فيلم " آخر أيام ياسر عرفات"، (77 دقيقة)، للمخرجة شيرين سلامة، الأسترالية من أصل فلسطيني، التي توجهت الى رام الله في العام 2003، من أجل الحصول على سيرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لأهميتها، ولكن محاولاتها للقاء عرفات باءت بالفشل.

المخرجة شيرين أعادت الكرّة في السنة التالية، وبعد شهرين من الانتظار حصلت على الموافقة وقابلت عرفات، لمدة 20 دقيقة، والتي اصبحت بحكم القدر، آخر مقابلة أجراها عرفات، والتي يستفسر خلالها الرئيس الراحل عن أهل شيرين، وجذورها الفلسطينية وتواصلها مع هويتها.

وفي الفيلم نرى محاولة المخرجة سلامة التعرف على هويتها الفلسطينية ومعنى اللحظة التاريخية التي تشارك فيها شعبها همومه ومآسيه.

في الأيام التي تلت المقابلة، وبينما عرفات على فراش المرض، تسجل شيرين كل ما يحدث في المقاطعة – الجو المتأزم، البيانات المتناقضة من المحيطين به، ما سمته جشع وسائل الإعلام الدولية، وحزن وقلق المواطنين الفلسطينيين.

ويعتبر هذا الفيلم الذي يحظى الآن بإهتمام عالي من محطات التلفزة الدولية، توثيق مهم للجو الفلسطيني العام خلال أيام عرفات الأخيرة، وقد أنتج الفيلم من قبل التلفزيون الأسترالي.

الفيلم يتميز بالحميمية والعمق، في محاولة لتأريخ هذه الأحداث التاريخية لحظة حصولها، وقد ميز هذا التفاعل السينمائي مع التاريخ الحديث للوطن، معظم الافلام التي عرضتها مؤسسة "شاشات" في إختتام مهرجانها الثاني "سينما المرأة في فلسطين" لمخرجات فلسطينيات وعربيات.

وقد أثارت الأفلام نقاشاً وحواراً مستفيضاً بين الجمهور والمخرجات حول الهوية والوطن، وخصوصاً في ما يتعلق برؤية المرأة المخرجة للتاريخ المركب، والبعيد عن الشعارات، في محاولة لإستكشاف معنى الهوية والوطن، وامكانيات اللغة السينمائية في التعبير عن قضايا جوهرية تمتزج فيها العوالم الداخلية للمخرجات مع الهم العام الذي يتعرضن له في أفلامهن.

وأثار فيلم "الطريق الى البيت"، للمخرجة غادة الطيراوي، وهو محاولة شخصية لمعالجة مفاهيم وجودية تخص الفلسطينيين، كالمنفى والعودة وصورة الوطن، عدة تساؤلات لدى الجمهور حول معنى الوطن - حلم الوطن وواقع الوطن - في فيلم الطيراوي.

وقالت الطيراوي: "ان الصورة التي رسمتها عن الوطن في فضاء الحلم غير الوطن الواقع".

وناقش الجمهور المستويات المضمونية والتعبيرية التي إستخدمتها المخرجة لتروي قصة الشتات الفلسطيني والحرمان من الهوية، وقيمة الفيلم في مسار السينما الفلسطينية، باعتباره اول فيلم يتناول قضية العائدين، ويطرح همومهم واحلامهم دون مواربة.

أما فيلم ديمة ابو غوش "رند" فقد نجح في تسليط الضوء على قضية الاضراب التي تلامس الهم اليومي للفلسطينين، من خلال رند، ذات الخمسة عشر عاما، التي اخذت بحل مشكلتها بشكل شخصي.

وفي فيلم "حبل الغسيل"، للمخرجة علياء ارصغلي، والذي يشكل معالجة جديدة لإجتياح رام الله، فهو بمثابة رحلة في نفسية إمرأة، تمتزج فيه عدة تعابير للقوة – تلك التي تحكم علاقة الرجل والمرأة وتلك التي يفرضها المحتل. وفي نص مختصر، لهذا الفيلم الشبه صامت، طرحت المخرجة أن علاقات القوة تولد نقيضها، فالإنسان لا يرضى بالإنهزام بل يبحث في الذات عن ممرات هروب، وطاقات إنشراح، تحدد ملامح عالم يقلب علاقات القوة على عقب.

أما فيلمها الثاني "بعد السماء الأخيرة"، الذي يناقش قضايا رئيسية في الهم الفلسطيني من خلال القصة المؤثرة لثلاث نساء - امرأة فلسطينية من القرية الفلسطينية المدمرة "كفر برعم" في الجليل الأعلى، وامرأتين إسرائيليتين، من الكيبوتس المبني على أراضي القرية، فيبحث في تطور العلاقة بين النساء الثلاث، وإمكانية استيعاب هوية تسمح بإمكانية العيش في دولة ثنائية القومية.

هذا الفيلم، الأول من نوعه في السينما الفلسطينية، يسجل شهادات واعترافات حيّة من داخل الكيبوتس، يسرد رحلة البحث عن الذات والهوية والوطن رغم محاولات الطمس والتهويد.

اما فيلم "بركات"، للمخرجة الجزائرية جميلة صحراوي، 90 دقيقة، 2006، الجزائر-فرنسا، فقد أثار نقاش حول اسلوب المخرجة السينمائي، حيث نوه المشاهدين إلى أهمية تركيزه على التواصل بين جيلين من النساء الجزائريات، وسرد تاريخ الجزائر من خلال عيون النساء، من خلال معايشتهم لحقبتين من التاريخ الجزائري - واقع حرب التحرير والحرب الأهلية.

وقد فاز فيلم "بركات" بجائزة أفضل فيلم روائي، المهر الذهبي، وقيمتها 50 ألف دولار، في مهرجان دبي، كما فاز مناصفة مع الفيلم المصري "قص ولزق" بجائزة أحسن فيلم عربي في مهرجان القاهرة الدولي للسينما.

واشاد رئيس لجنة التحكيم، الممثل السوري القدير دريد لحمام، بجرأة وشجاعة المخرجة جميلة صحراوي، لتناولها موضوع حساس مطروح على الساحة العربية.

موقع "إيلاف" في 28 ديسمبر 2006

قص ولزق : السفر داخل الذات وخارج الواقع

أحزان وأحلام الطبقة الوسطي

القاهرة ـ من كمال القاضي:  

في أولي تجاربها الروائية الطويلة فيلم أحلي الأوقات اعتنت المخرجة هالة خليل بتفاصيل الحياة الإنسانية لثلاث صديقات فرقت بينهن الأيام بعد انتهاء فترة الزمالك بالمرحلة الثانوية وانشغال كل واحدة منهن بحياتها الشخصية، ونسجت من هذه التيمة أحداثا ومواقف شكلت في مجموعها صورا درامية شديدة الرقة والعذوبة، وقد نالت عن هذا الفيلم العديد من الجوائز وحظيت بتأييد النقاد والجمهور علي حد سواء في قدرة فائقة علي تحقيق المعادلة الصعبة للجمع بين روح السينما الجادة وذوق الجمهور، وإزاء ذلك التشجيع تمادت هالة في مسيرتها علي نفس الدرب طارحة وراء ظهرها إغراء السينما التجارية وظلت مشغولة بالبحث عن حكاية إنسانية أخري تحقق لها ذات التوهج وتضمن لها الثبات علي قمة المنافسة مع من حذوا حذوها أو أرادوا، وفي الطريق وقبل مرور عامين علي أحلي الأوقات كان فيلمها الثاني قص ولزق الذي مثل مصر في مسابقة الأفلام العربية بمهرجان القاهرة السينمائي وحصل علي جائزة أفضل فيلم عربي مناصفة مع الفيلم الجزائري ـ الفرنسي بركات للمخرجة جميلة صحراوي، حيث تماثل الفيلمان في الرؤية الإنسانية للواقع المرير المشحون بالأسي والحزن علي الدروب السياسية والاجتماعية بشكل يخلو من الفجاجة والمباشرة ونبرة الصراخ الميلودرامية المعهودة في السينما الكلاسيكية التي تركز علي المأساة الفردية للبطلة أو البطل لإثارة تعاطف المشاهد واستقطابه من أول مشهد، هذه الآلية تغيرت تماما في السينما العربية الحديثة وباتت القضايا الجماعية هي البطل الحقيقي والحدث هو المحور الرئيسي للفيلم، ذات النظرية التي قدمت بها هالة خليل شحنتها المتدفقة في قص ولزق وسلطت الضوء علي مشكلة البطلة حنان ترك الفتاة المحبطة الراغبة في الهجرة إلي إحدي الدول الغربية هربا من قسوة الحياة وشبح العنوسة الذي يتربص بها ويسجنها داخل قمقم الحياة الرتيبة ويفرض عليها أحكام المجتمع العرفية وحراسة الأم سوسن بدر المحكومة بسياج اجتماعي محافظ والراغبة في نقل ثقافتها المنضبطة إلي ابنتها الوحيدة جميلة ، إذ تجد فيها ثمرة جهدها المضني بعد ترملها المبكر وعكوفها علي تربيتها، تنقل لنا الأحداث حالة التضاد بين الثقافتين وتركز المخرجة هالة خليل علي اغتراب البطلة وتمردها ونزوعها الدائم إلي الرفض كوسيلة وحيدة للمقاومة في مواجهة مجتمع يحكم قبضته علي المرأة ويأسرها داخل إطار العادات والتقاليد، وتمد هالة الخط علي استقامته فتحيل العلاقة الناشئة بين حنان ترك أو جميلة وشريف منير إلي مباراة يختبر فيها ذكاء الفتاة في تعاملها مع الرجل أو بالأحري الشاب الرقيق الباحث عن فرصة عمل مناسبة والمضطر لقبول العمل الحر بديلا عن البطــــالة، في إلماح إلي مأساة الفراغ الذي يدفع الشباب للقبول بأي دور وتحت أي ظرف، فالبطل يدخل في علاقة انتهازية يستـــــهدف منها الهجرة إلي أوروبا، ذات الغاية التي استحوذت علي اهتمام وتفـكير البطـــلة، وفي بُعد ثانٍ لجمود الحياة داخل الوطن وثبات حالة الركود تشير المخرجة عبر شخصية الشقيق الأكبر لشريف منير والذي يعاني من مرارة واكتئاب نتيجة تأخره في الزواج لقصور ذات اليد وصعوبة إيجاد مسكن مستقل.

تشير المخرجة إلي ضياع الأحلام وسرقة الأعمار والإرغام علي قبول الأمر الواقع كرد فعل للعجز وعدم القدرة علي التغيير، بيد أن كل ما تقدم من معطيات يخلق لدي جميلة صفات ذكورية تتسم بالخشونة والصرامة وتدفعها إلي الاحتيال أحيانا عملا بقوانين السوق، فهي تمتهن التجارة وتقوم بدور السمسار في التوفيق بين البائع والمشتري بما يخلع عليها صفات السمسار الحقيقي فلا تمانع في استخدام أدواته من فهلوة ومغالطة وكذب أحيانا علي أساس أن الشيء لزوم الشيء بقناعة تري معها أن ذلك عمل مشروع في ظل سيادة قوانين الفوضي والمحسوبية والارتزاق وعشــوائية التعــامل، وهنا ترصد هـــالة حالة التواطؤ علي الذات باستبعاد الكوابح الأخلاقية والمرجعيات الفطرية لدي الإنسان السوي بزعم أن قانون الحياة يفرض نفسه ويولد داخل الإنسان ازدواجا ما قد لا يصل إلي حد الفصام المرضي، لكنه يشكل طبيعة موازية لطبيعته الأصلية، ومن ثم يكون لدي الشخص المصاب بهذه الحالة خياران أساسيان، إما الاستمرار فيما هو عليه والتجانس مع ذاته الجديدة وإما الهروب من الواقع الذي فرض عليه هذا النمط السلوكي المختل إلي واقع آخر يجد فيه نفسه ويستعيد توازنه النفسي والإنساني، وتنسحب حالة جميلة البطلة المهزومة علي البطل شريف منير، إذ يجمع بينهما تشابه اجتماعي ما وإن لم يكن حرفيا فهو أيضا يقبل باختيار الهروب من الواقع المحبط ويوافقها علي صفقة الزواج الشكلي أو الصوري بغية تحقيق شرط الهجرة التي تمثل الخلاص بالنسبة لهما. وبينما تأخذنا المخرجة نحو فكرتها وتقترب بنا من هموم البسطاء البطلين والشخصيات الأخري المساعدة، صديق البطل فتحي عبدالوهاب الباحث عن مرفأ أمان والممزق بين نزواته واحتياجاته الاجتماعية وصديقة البطلة، تلك الفتاة العاملة في أحد المطاعم والمطموح فيها كفريسة متاحة لصياديها، حيث الشخصيتان تتلاقيان بعد أن تقطع كل منها شوطا منفردا في عراكها مع الدنيا ويجمعهما علي خلفية الإحساس الثنائي بالفشل علاقة رومانسية تمثل غطاء واقيا للطرفين يحجب عنهما بعضا من رذائل الحياة، ويقبل كل طرف تلك الصيغة الوقائية مقنعا نفسه بأن هذا هو الحب!

وبإطلالة علي شخصية الأم سوسن بدر نلمح تلك الوحشة التي تعانيها في ظل الترمل والوحدة بين أربعة جدران لا يؤنس وحدتها غير الساعات التي تقضيها في محل الكوافير التي تعمل به، فضلا عن عذاباتها المستمرة من جموح ابنتها الوحيدة وجنونها بالهجرة والسفر، ذلك أنها تعتبر نجاح ابنتها في تحقيق مآربها خسارة فادحة لها وضياعا لمشروعها الذي كرست حياتها من أجله ودأبت علي تنميته سنوات طويلة نداءات لها فيها أحلام وردية تعاظمت بخروج الإبنة من طور الطفولة وبلوغها مرحلة الشباب، وكأي أم مصرية باتت تنتظر لحظة ارتباط ابنتها بشاب يليق بها ويأخذها إلي عش الزوجية، حيث الاستقرار والهدوء كما هو معهود وراسخ في ذهنية الطبقة المتوسطـة الشريحة التي تنتمي إليها البطلة وتعتني المخرجة بالتفتيش في واقعها والدخول في ثناياها.

وتبقي من بين الشخصيات الممرورة التي خصتها الرؤية الدرامية بالتصوير والتدقيق شخصية أخري هامشية لسيدة تركها زوجها وسافر لإحدي دول النفط فانقلبت حياتها رأساً علي عقب وتحولت بفعل القهر والإحساس بالإهمال إلي ضحية علي نحو ما لم تفصح عنه هالة خليل إلا بإشارة بعيدة حيث نري السيدة المحرومة من حنان زوجها الغائب وقد تأبطت ذراع رجل آخر أمام إحدي دور العرض، ولعل هالة اكتفت بهذا الملمح الصغير الذي يحمل في معناه دلالات كثيرة أبلغ من الشرح والإطالة.

بغض النظر عن النهاية الرومانتيكية التي اختارتها المخرجة لفيلمها بعدول البطلين عن فكرة الهجرة والبقاء في مصر تحت سقف واحد فإن الحالة الفنية التي طُرحت بكل مفرداتها المؤلمــة تستأهل أن تكون فيلما بهذا المستوي الراقي من التناول والتعبير، غير أن تشريح المجتمع والشخصيات للكشف عن مواطن الأورام الخبيثة هو في حد ذاته اتجاه نحو المصارحة والتعرية كي لا نمضي حياتنا كلها في وهم الرضا بالقليل والقناعة الكاذبة والضحك فقط علي أوجاعنا ومساخرنا.

القدس العربي في 29 ديسمبر 2006

 

«ما تيجي نرقص».. قصة يابانية برؤية عربية

تامر هجرس: العمل مع إيناس الدغيدي فرصة لا تعوض

دبي ـ نائل العالم 

خاض الممثل المصري تامر هجرس بطولته السينمائية المطلقة الأولى، إلى جانب الفنانة يسرا في فيلم «ما تيجي نرقص» الذي أخرجته إيناس الدغيدي، والمأخوذ عن قصة يابانية وفيلم عالمي يحمل الاسم ذاته.

ووصف هجرس في حوار مع «البيان» على هامش الدورة الثالثة لمهرجان دبي السينمائي مشاركته في الفيلم بأنها فرصة حقيقية للدخول إلى عالم الفن السابع من بابه الواسع، مبديا اعتزازه بالعمل إلى جانب ممثلة قديرة بحجم يسرا ومخرجة متمكنة من طراز إيناس الدغيدي.

·     «ما تيجي نرقص» عرض على هامش مهرجان دبي السينمائي، وبعيداً عن فعالياته، هل من سبب يكمن وراء عدم مشاركته في مسابقة الأفلام العربية؟

ـ السبب هو الضجة الكبيرة التي أحدثها الفيلم بعد عرضه في مصر، حيث حقق نجاحاً مبهراً، وهو ما حمل الشركة المنتجة على طرحه في دبي تجارياً، بدلاً من مشاركته في مسابقة المهرجان.

·         كيف تم الاتفاق على أن تلعب دوراً رئيسياً إلى جانب ممثلة متمرسة بحجم يسرا، وأنت ما تزال في بداية الطريق؟

ـ في الواقع كانت الفنانة يسرا معجبة بأدائي، عندما شاهدت فيلمي الأول «بركان الغضب» الذي شارك في مسابقة مهرجان القاهرة السينمائي، واستمر التواصل حتى وجدنا عملاً مشتركاً، وعندماعرضت علي الفيلم، وافقت مباشرة ومن دون تردد.

·         ألم تخش من العمل مع المخرجة إيناس الدغيدي، وهي المعروفة بمشاهدها الجريئة وأفلامها المثيرة؟

ـ بالعكس اعتقد أن العمل معها فرصة لا تعوض، خاصة وان أفلام إيناس الدغيدي تحظى بنسبة مشاهدة عالية، وغالباً ما تنال الجوائز والأوسمة. ما تقوم به من وجهة نظري يعتبر رؤية إخراجية متفردة، وإن اتفقنا على الرؤية أو اختلفنا، فإن من حق المخرج أن يستخدم أدواته بالطريقة التي يريد.

وبالمناسبة «ما تيجي نرقص» يكاد يخلو من المشاهد الجريئة، كتلك التي تعتمدها إيناس الدغيدي في أفلامها.

·     لماذا عمدتم إلى استنساخ فيلم عالمي، ومن ثم طرح المقارنة بين عملكم والعمل الذي أداه الممثلان ريتشارد غير وجنيفر لوبيز، ألا تخشون من تلك المقارنة؟

ـ أولا نحن استعنا بقصة يابانية كما فعلوا في هوليوود، وهذا دليل نجاح هذه القصة ولولا ذلك لما نفذت في أميركا، كما أن القصة قدمت في قالب عربي، فتبدلت بعض الأحداث، وأخذت الأمور منحى جديداً ومختلفاً، لذا فإن المقارنة قد لا تكون واردة بين العملين.

·         مقولة الفيلم كما أكدت مخرجته أن الرقص ليس عيباً، هل تشاطرها الرأي ذاته؟

ـ لا أخالف إيناس الدغيدي في رؤيتها، لكنني أرى أن الفيلم يحتوي على مقولات أخرى، لاسيما تلك التي تتعلق بالمؤسسة الزوجية والملل الذي يمكن أن يتسرب إليها، وكيف يمكننا أن نعالج الرتابة التي تسيطر على حياتنا اليومية.

·         هل سينصب تركيزك في المرحلة المقبلة على السينما؟

ـ ليس بالضرورة سيكون تركيزي على الأدوار الجيدة سواء كانت في السينما أو التلفزيون، فقد نفذت العام الماضي عملاً تلفزيونياً متميزاً بعنوان «أماكن في القلب»، وفي شهر رمضان الماضي عرض لي مسلسل «قلب الدنيا» على القنوات الأرضية في مصر ولقي نجاحاً كبيراً كذلك.

·         أخيراً ما طموحاتك الفنية؟

ـ أتمنى أن أمثل فيلماً عربياً يصل إلى العالمية، وأطمح للوقوف إلى جانب عدد من نجوم السينما المصرية أمثال محمود عبد العزيز وعمر الشريف وغيرهم.

البيان الإماراتية في 29 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

منى السعودي .. سينما النحت والشعر

بقلم : عدنان مدانات

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك