ينتهي عامٌ، ويبدأ آخر. تستمرّ الحياة اللبنانية في إقامتها الإجبارية في بؤسها والشقاء. تُستنفر عصبيات القبيلة والطائفة. ترتفع جدران العزلة في الشوارع والقلوب. تزداد أحقاد الناس والمجتمعات الضيّقة. ينتظر كثيرون خلاصاً من قدر أو قوة غيبية أو تبدّل في أحوال الدنيا. لكن الغد محفوف بمخاطر لا تقلّ عنفاً وقسوة عمّا يعانيه اللبنانيون اليوم.

توقّفت آلات العرض السينمائي عن العمل أياماً عدّة، كانت عصيبة على الجميع. اندلعت حربٌ لم يرغب فيها لبنانيون عديدون، وتعطّلت لغة الكلام والحوار بين كثيرين. مع هذا، قاومت صالات، وعُرضت أفلامٌ، وتألّق سينمائيون لبنانيون في تحدّياتهم الجميلة ضد الحرب والموت والفراغ والعتمة.

هذه قراءة عامّة تطال المشهد السينمائي اللبناني في خلال عام كان، في السياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام والأمن، استكمالاً قاهراً ومؤلماً للعام الذي سبقه.

اندلعت حرب تموز، وأتت إسرائيل على بعض ما ومن بقي حيّاً في لبنان، بعد أن «نجح» لبنانيون كثيرون في تخريب ما لديهم. التهمت النار بيوتاً وطرقات وأناساً كثيرين. وقع القهر. تألّم جمعٌ من اللبنانيين المؤمنين بالحياة طريقاً لمقارعة الظلم والجريمة. وجد سينمائيون لبنانيون أن السينما أفضل أداة لمواجهة ثقافة القتل والتدمير. افتُتحت صالة للفن والتجربة (متروبوليس) قبيل بدء الفلتان الهمجي للصراع الدائر في جنوب لبنان. أقيمت مهرجانات محلية في مواعيدها المحدّدة قبل ذاك اليوم المشؤوم. أُنجزت أفلامٌ جديدة، تناول بعضها واقع الحال اللبناني في ظلّ الحرب اللعينة وتداعياتها المختلفة. عُرضت أفلامٌ روائية طويلة في الصالات التجارية. شارك بعضها في مهرجانات سينمائية عربية ودولية، ونالت أكثر من جائزة. توقّف سينمائيون عن العمل لوقت قليل، لكنهم ثابروا على إكمال مشاريعهم. أرادوا إنتاجاً يُعينهم على تنفيذ شيء من أحلامهم الفنية والثقافية. أرادوا لقاء مع مُشاهدين لبنانيين قادرين على التفاعل ومضامين أعمالهم، شرط أن يسود بين الجميع حوارٌ عقلانيّ.

على الرغم من الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ومع تنامي التشرذم العنيف بين اللبنانيين منذ مطلع الشهر الجاري، ظلّت السينما ملجأ متواضعاً، وإنجاز الأفلام سمة عيش، ومنح بعض النتاج المحلي فرصة العرض الجماهيري تمرينٌ على تقارب مطلوب بين اللبناني وسينما تعكس واقعه وعالمه وفضاءه الإنساني، وتنير شيئاً من عتمة الطريق، وتحرّض على النقاش والإحساس والتساؤل.

عروضٌ تجاريةٌ

ثلاثة أفلام روائية طويلة عُرضت تجارياً في خلال العام الآيل إلى الأفول والسابق عليه: «يوم آخر» للثنائي جوانا حاجي توما وخليل جريج، «أطلال» لغسان سلهب و«فلافل» لميشال كمّون. تنوّعت المضامين. غاصت الأشكال في تجارب مختلفة. التقط السينمائيون نبض حياة لبنانية مصنوعة في ليل مدينة مشحونة بالقهر والألم والتمزّق. ساهمت الأفلام في تسليط ضوء إنساني ما على واقع لبناني. ساهمت في حثّ مُشاهدين مهتمّين على إعادة طرح أسئلة الفرد والذات والجماعة. لم تنجح الأفلام الثلاثة تجارياً. هناك مشكلة لا تزال قائمة بين اللبناني والسينما المصنوعة في لبنان. أي بين اللبناني وأفلام تتناول حضوره في المجتمع وعلاقاته بذاته والآخر. لم يتجاوز عدد مُشاهدي «يوم آخر» سبعة آلاف (تقريباً). انفضّ المشاهدون اللبنانيون عن «أطلال» (أقلّ من 450 مُشاهداً فقط)، في حين أن «فلافل» مستمرٌ في عروضه المحلية محاولاً استقطاب عدد أكبر من ذاك الذي بلغه في ثلاثة أسابيع (نحو ستة آلاف مُشاهد). تناول الثنائي حاجي توما وجريج سؤال المخطوفين المفقودين، وناقش سلهب التحوّل الخطر الذي تعانيه المدينة وناسها، وذهب كمّون إلى عمق الأحاسيس المتناقضة والقلقة التي يقيم فيها جيل من الشباب اللبنانيين المعلّقين في المسافة المفتوحة على المجهول، بين نهاية مزعومة لحرب ملتبسة ومنقوصة وسلام هشّ ومفكّك. بمعنى آخر، غرفت الأفلام الثلاثة بعضاً من هموم الفرد والجماعة، في لحظات مصيرية لا يزال اللبنانيون يواجهون مآزقها وانكساراتها. غير أن هؤلاء اللبنانيين لم يرغبوا، جميعهم، في مشاهدة صُوَر تعكس تشرذمهم وألمهم وتيهانهم وسط فوضى الآنيّ والتباس المُقبل من الأيام. فضّلوا تمضية وقت ضائع في متابعة تفاصيل رحلة سياحية في لبنان جميل (!) وملوّن (!)، مُستقلّين «بوسطة» فيليب عرقتنجي (نحو 140 ألف مُشاهد)، لأنهم اعتبروا أن لقاءً بصرياً بينهم وبين نجوم أحبّوهم كثيراً (كندين لبكي وندى أبو فرحات ومحمود مبسوط وليليان نمري وآخرين)، من دون أن يُتعبوا أنفسهم بطرح أسئلة أو بإعادة ترميم واقع يعيشون فيه لفهمه أو لمحاولة فهمه، «أهمّ» من الجلوس في عتمة صالة لمُشاهدة أفلام حكموا عليها مسبقاً بأنها «قد» تقودهم إلى مزيد من القلق والألم.

لعلّ أسوأ تبرير يسوقه لبناني في معرض حديثه عن فيلم لبناني، كامن في مقولة مزعجة، مفادها أن «على اللبناني مشاهدة فيلم لبناني لتشجيع الصناعة الوطنية». هذه إساءة للفيلم اللبناني، على الرغم من أن السينما صناعة متكاملة تجمع الفن والإبداع والثقافة والمخيّلة بالصناعة والاقتصاد والتجارة. غير أن المُشاهد اللبناني المذكور لا ينتبه إلى هذه التفاصيل، ولا يكترث بأي جانب من الجوانب المتكاملة في «صناعة» الفيلم البناني. يظنّ، ببساطة، أن مشاهدة فيلم لبناني واجبٌ وطنيٌ وأخلاقيٌ مفروضٌ عليه. لهذا، يُفترض بالجميع تحرير الفيلم اللبناني (والثقافة والفنون أيضاً) من هذا الواجب الوطني القومجي. لا أذهب إلى صالة سينمائية لمُشاهدة فيلم ما، بسبب جنسيته. لا أريد تشجيع الصناعة المحلية بهذه الطريقة المسطّحة والمفرّغة من أي وعي ومعرفة. لعلّ السينمائيين اللبنانيين لا يأبهون كثيراً بوجهة نظري هذه، لأنهم يريدون أكبر عدد ممكن من المشاهدين. لا بأس بهذه اللعبة. لكني لا أقبل هذه «الوطنية» الاستعراضية الباهتة، ولا أرى إلى الفيلم اللبناني من منظار ضيّق كهذا. تماماً كما لا أقبل مقولة أخرى لا تقلّ سذاجة وبهتاناً عنها: إن فوز فيلم لبناني بجائزة ما في مهرجان معيّن، يعني فوزاً للبنان. أية حماقة هذه، تلك التي تُلغي جهداً كبيراً بذله السينمائي لإنجاز فيلمه، في ظلّ لامبالاة فظيعة من القطاعين الخاص والعام، وفي ظلّ غياب جماهيري. لكن، عند حصوله على جائزة، ترتفع أصوات «الوطنية القومجية» تلك، مهلّلة لفوز لا علاقة للبنان الرسمي والخاص به، لا من قريب ولا من بعيد، وينتبه بعض المسؤولين الرسميين إلى ضرورة «تكريم» السينمائي وفيلمه، متناسين التجاهل الذي ساقوه إزاءهما سابقاً.

تنويعات في الشكل والمضمون

لا يقتصر النتاج السينمائي اللبناني الجديد على الروائي الطويل فقط، ولا يُختزل العرض التجاري به. أفلام روائية قصيرة ووثائقية أنجزت، منها «إلى اللقاء» لفؤاد عليوان (كتب الزميل بيار أبي صعب في «الأخبار»، قبل أيام قليلة، أن أحداً من النقّاد لا يهتمّ بهذا الإنجاز السينمائي، مع أن هؤلاء النقّاد القلائل أصلاً في الصحافة اللبنانية لا يتغاضون عن أي نتاج سينمائي، فكيف إذا كان من صنع مخرج كفؤاد عليوان، لا يزال يلعب دوراً ثقافياً وفنياً، إلى جانب إيلي خليفة مثلاً، في تفعيل البُعد الإبداعي والاجتماعي للفيلم اللبناني القصير). غير أن مشكلة هذا الفيلم، والأفلام القصيرة كلّها، كامنة في غياب حيّز جماهيري واضح وثابت لها، أي في غياب علاقتها المباشرة بالمُشاهدين. فالصالات التجارية لا تزال مقفلة أمامه (علماً أن «هوا بيروت»، الفيلم الروائي القصير السابق لعليوان أيضاً، عُرض تجارياً لفترة قصيرة، كانت سابقة ناجحة إلى حدّ ما، من دون أن يجرؤ أي موزّع لبناني على تكرارها للأسف، لغاية اليوم على الأقلّ)، والغالبية الساحقة من المحطّات التلفزيونية اللبنانية والعربية، الفضائية والأرضية، لا تزال منفضّة عنه (هناك تجربة خاضتها، ولعلّها لا تزال تخوضها، محطّة «الشاشة»، بعرضها أفلاماً قصيرة مصرية أولاً وأساساً، وعربية في مرتبة ثانية، وبين حين وآخر). على الرغم من هذا كلّه، فإن تجربة الفيلم الروائي القصير اللبناني تحديداً (والعربي أيضاً) محتاجةٌ إلى مواكبة نقدية أكبر، لما فيها من سمات إبداعية وتفاصيل تجديدية تستحقّ الاهتمامين النقدي والجماهيري.

إن غياب الاهتمام التجاري (والجماهيري) بالفيلم الروائي اللبناني القصير لا يختلف أبداً عن غياب الاهتمام نفسه بالفيلم الوثائقي. الصالات مقفلة أمامه، في حين أن سوقه الأساسية هي المحطّات التلفزيونية. غير أن صالة «متروبوليس» («مسرح المدينة»، سارولا سابقاً)، التي شكّل افتتاحها في الحادي عشر من تموز الفائت تبدّلاً متواضعاً في علاقة السوق التجارية بالأفلام المختلفة، والتي كافحت طويلاً لتأكيد حضورها في المجتمع اللبناني كصالة لعرض التجارب السينمائية المتنوّعة، منحت الفيلم الوثائقي فرصة جدّية لتواصل حقيقي بينه وبين المُشاهدين، باختيار الفيلم الأخير لمي المصري «يوميات بيروت: حقائق وأكاذيب»، المستمرّ في عرضه التجاري حتى يوم غد الجمعة (هناك إمكانية لتمديد عرضه إلى الأسبوع المقبل أيضاً)، لاستقطابه عدداً كبيراً من المُشاهدين المهتمّين بالاطّلاع على الموقف السياسي والسينمائي للمخرجة من واقع لبناني نشأ باغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط .2005 فللأسبوع الثالث على التوالي، يحتشد جمهور كبير في الصالة المذكورة لمُشاهدة الفيلم، ولمناقشته بعد عرضه، في مناخ يستلهم من ذاكرة شارع الحمرا وبيروت معاً بعض عناوينها، حين كانت صالات الشارع تفتح أبوابها أمام أنماط سينمائية مختلفة، تُعرض أمام مشاهدين شغوفين بالمُشاهدة والنقاش.

بعيداً عن التشنّج السياسي الحاصل، والهلع اللبناني من بداية عام آخر يحمل إليهم مزيداً من البؤس والشقاء، هناك من ينتظر تنفيذ مشاريع سينمائية جديدة: من برهان علوية الذي يُتوقّع عرض فيلمه الأخير «خلص» قريباً، وصدور خمسة أفلام قديمة له بنسخ في«ديو ديجيتال»، بفضل جهد حقيقي قام به شباب «نادي لكل الناس»، الذين سخّروا إمكانياتهم المتواضعة لتفعيل التواصل الثقافي والفني بين اللبنانيين والسينمائيين اللبنانيين، إلى ثلاثة مخرجين آخرين يبدأون تصوير أفلامهم الجديدة في الشهر المقبل (رندة الشهّال صبّاغ وهاني طمبا ودانييل عربيد)، في حين أن الربع الأول من العام الآتي يشهد الانتهاء من إنجاز فيلمين روائيين طويلين لإيلي خليفة وشادي زين الدين، علماً أن مشاريع وثائقية مختلفة يُفترض بها أن تُنجز قريباً أيضاً.

***

ينتهي عامٌ، ويبدأ آخر. لا أحد قادرٌ على تأكيد ماهية المقبل، لأن هناك صعوبة كبيرة في تحديد حقيقة ما جرى في العام المنصرم. فهم الواقع صعبٌ هو الآخر. التنبؤ مستحيل. مع أن شعوراً عاماً يقضّ مضاجع كثيرين، يفيد أن حرباً ما قد تقع بين اللبنانيين، أو على الأقلّ مزيداً من الغليان والتشنّج والتمزّق والعزلات الطائفية والأحقاد القبائلية مرشّحة كلّها لبلوغ حدّ لا يُطاق.

فهل «تنتصر» السينما على الواقع المزري، أم إنها ستكون إحدى ضحاياه؟

النهار اللبنانية في 28 ديسمبر 2006

 

مشهد من «نصف قمر»

ثلاثية قوبادي الكردية.. قدر الأكراد وفجائعهم الهازلة

زياد الخزاعي 

كما لو أن المخرج باهمان قوبادي يستكمل ثلاثيته حول «كردستانية» الإيراني ومقابله العراقي في جديده «نصف قمر» (110 دقائق)، حيث تقف الحدود مثل نصل جارح يمنع الوحدة العاثرة تاريخياً، فلا يتبقّى للكرديّ سوى سرمدية المحاولة في العبور نحو القريب الذي زادت السياسة والحروب وأعوان شرطة الحدود من ابتعاده ونأيه. يقف قوبادي في «نصف قمر» (الحائز على «المحارة الذهبية» في «مهرجان سان سباستيان» في إسبانيا، وكان فيلم افتتاح الدورة الرابعة لـ«مهرجان الفيلم الكردي» في لندن مؤخراً) على طرف الحكاية، التي ظّن قبل عامين في «السلاحف يمكن أن تطير» (2004) مع تصويره الاجتياح الأميركي لأرض الشمال العراقي عبر تركيا أنها صيرورة الدولة الموعودة، لنجده في «قمره» قالِباً الأدوار عبر مساعي الموسيقي والمطرب الشعبي العجوز مامو في العبور الى ما يصطلحون على تسميته بـ«كردستان الجنوبية»، كي يؤدّي أغانيه ووصلاتها الى أقرانه العراقيين قبل أن يخطفه الموت. إن فكاهة الحكاية في الفيلم السابق غلّفت، بمُكر سينمائي، نيات قوبادي في التأكيد على أن مصير الكردي سيكون في يديه، لذا نرى البطل الصبي الملقب ستالايت وهو يركض بين جنود الإحتلال، أو لاعباً فوق المخلّفات الصدئة لجيش صدام، من دون أن يشير ولو مرة واحدة إلى أن لُعب الإطاحات السياسية ربما لن تضمن وعد الوطن، أو أن تُحقّق فَرَجَه.

ثلاثية قوبادي

الثلاثية السينمائية لقوبادي (وقبلها رائعته «زمن الجياد الثملة»، 2004) تؤكّد أن الكردي في قتال أزلي مع حدوده، وأنه هو صاحب المنازلة الدؤوبة مع الموانع التي تصده عن تحقيق «الجماعية الكردية» المتمثّلة بالمراجع السلطوية المحيطة بالدولة المستحيلة. لذا، سيعي مشاهد أفلام قوبادي مغازي «الجيلانات» (الرحلات) التي يقوم بها أبطاله المنذورون الى «عذاب سيزيفي» قدري يجعل منهم «بدو جبال» يحملون حلماً عنيداً (أشارت إليه بحذاقة عالية المخرجة سميرة مخملباف في فيلمها الإشكالي «السبورات») لا راد له. أما سؤال كيفية تحقيقه، فجوابه زمني بحت: يبقى الكردي دائراً إلى أمد بعيد حول أسئلة الهوية وأرضها، والاستقلال واعترافه، والدولة ومؤسّساتها.

لئن فلح صبي «السلاحف يمكن أن تطير» في إمتاع شيوخ القرية بصُوَر سقوط نظام بعث بغداد عبر قناة فضائية أميركية، فإنه غير آبه بضجيجهم. كيانه موسوم بولهه بالصبية أغرين الصموتة (تورية ملتبسة للوطن المكتوم) التي تجول مع طفل صغير هو نتاج اغتصابها من قبل جنود صدام، ومعهما شقيقها الشاب الذي فقد ذراعيه في انفجار لغم لا بدّ أن أولئك الجنود قد زرعوه. ستلايت وصبيته مهجرّان يرتزقان عبر بيع ألغام الجيش العراقي الى فرق الأمم المتحدة. هو المعزّز بشلّته من الزعران وهي المكلّومة بعارها الداخلي الذي سيقودها الى أنتحار متأخر. فالرذيلة التي توصم رمز الوطن لا يجب أن تُعمِر. فأن نراها عند حافة هاوية وهي مشرعة على تغييبها الأرادي, وقبلها توهان طفلها بين الألغام, هو الفعل اللازم الذي يبرر فرحة ستلايت لمجنزرات الأميركيين وهي تحرث أرض كردستانه وأن يمشي في محاذاتهم عسى أن يكون الخلاص قد جاء مع خوذ المارينز ومهمتهم العصية.

يعبر ستلايت حدود الداخل. فهذا المهجر لا يعرف إن كانت عودته، إن تحقّقت، الى قريته ستجلب فأل استقراره النهائي أم لا. من هنا، بان جلياً أن قوبادي نفسه لا يعرف الجواب، وعمد الى إغلاق فيلمه على منظر سير بطله بين جنود الاحتلال، الذي قد يكون مؤشراً الى تيه آخر متواصل.

زمن الجياد الثملة

في المقابل، فإن شخصيات «زمن الجياد الثملة» تعبر الحدود من أجل تهريب حوائج وأسلحة و... بشر. إنهم تجار، لا شفاعة لهم سوى الطرف الثاني كضامن اقتصادي. وكي يصلوه، عليهم أن يطوّعوا قسوة الله الطبيعية ويشجعوا بغال هجراتهم الضمنية (باعتبار أن أرضهم واحدة) على مقارعة البرد القارص، بإرغامها على كسر عطشها إيراد ماء مخلوط بالويسكي! لكن، هذه ليست الحكاية كلّها، إذ إن المُعاق الصغير مهدي سيتحوّل الى نُذر عائلي يجب على شقيقه أيوب أن ينجح في تهريبه الى الطرف العراقي كي يجتاز علّته بعملية جراحية (في فيلم مخملباف، هناك عجوز كردي مع الجموع التي أُغُصبت على الرحيل، يعاني عسر تبوله). إن درامية هذه الشخصية المحورية (أيوب) تتلّبس رداء مختلفاً وتجسيداً لا يبتعد كثيراً عن صفته كمرتحل يسعى إلى الحصول على خلاص شخصي عبر البطل الموسيقي والمغنّي في فيلم «أغنيات الى وطني» (نصادف امتداده لاحقاً في «نصف قمر»)، ويتشبه بالأول في عزمهما على اجتياز التخوم. ولأجل تحقيق ذلك، يقطعان مسافات شاسعة. المعاق على ظهر بغل حرّون والعجوز على مقعد دراجة نارية. الناصع في الهجرتين أن جماعية العائلة هي التي تقود الإرادات ذات الشكيمة القوية في إذلال العوائق. ميرزا العجوز يُجبر ولديه البالغين بارات وعودة على السفر معه نحو حدود العراق سعياً الى معرفة مصير زوجته المغنية الشهيرة هاناه، التي مُنعت من الغناء في إيران وتوجّهت الى بلدات أكراد العراق كي تحتفي بالإرث الشعبي من دون موانع. العجوز مامو (أداء قوي لإسماعيل غفاري) بطل «نصف قمر»، هو الوجه الآخر لميرزا والمكمل الدرامي لجيلانه ومساعيه بحثاً عن نصف زيجته (في حالة مامو هو الصوت لا جسد الزوجة). هنا، يقرّر المغني الهرم، الذي يرى دنو موته منه، لمّ شمل أولاده الموسيقيين العشرة والتوجّه صوب كردستان الجنوبية ليختتم مشواره الفني في أداء أجمل آثاره الغنائية والموسيقية أمام جمهور العراق الكردي، نقصه الوحيد صوت ملائكي لمغنية منفية تدعى هيشو.

بعد عناء، يرحل الجمع في حافلة يقودها كاكو الكردي المتحمس الذي يصوّر الوقائع بكاميرا ديجيتال، نكتشف لاحقاً أنها خالية من الأشرطة. ذلك الهدف (المرأة) يسقط من السماء فوق سقف الحافلة. فلا حل قميناً بتحقيق وصية ميت مؤجل سوى الفردوس الكردي الذي لا حدّ له ولا تخوم. بيد أن بصاصي الحدود الإيرانيين يكتشفون مخبأ هيشو ويعيدون اعتقالها. تُهشّم الآلات الموسيقية، ويهرب الأبناء متخلّين عن الأب الغضوب والشتّام الذي يدخل في معركة تشبه معركة الديوك التي افتتح بها قوبادي مشاهد فيلمه الأخّاذ هذا.

العناد الكردي

مامو هو العناد الكردي الشهير. ما أن يُمنع من منفذ إلاّ ويجد حلاً سحرياً يقوده لاستكمال رحلته/قدره. هذه المرة، ستكون على يد صبية حسناء تُدعى «نصف قمر»، كنا رأيناها تحاذي مسيره الى تلك القرية النائية التي تستعمرها 1334 مغنية منفيات وممنوعات من الغناء حسب أعراف الثورة الخمينية، سيستقبلنه، في مشهد صاعق بجماليته وطلقه الإنساني (تصوير حسّاس للمحيط الجبلي من توقيع نايجل بلوك وكريتون بوني) بالدفوف والأغاني الممنوعة وهن مرصوفات فوق سطوح البيوت الطينية.

وحدها الصبية الضحوك تؤدي طقس موت مامو المتوّحد والفاشل في استكمال وعده. يرقد في تابوت منتظراً نظرة الرب التي تجعله خالداً في رحاب الذاكرة الكردية، باعتباره رمزاً حيوياً للنية غير المستكفاة. وماذا عن وجهته؟ أيضاً، وعلى الرغم من رحيله، تسحب نصف قمر، بجَلَد نادر لا يتوافر إلاّ في كيان جبار متخيل، تابوته وتعبر به ثلوج الحد الأخير. فمثوى مامو الناوي على إنهاء حياته بين جمهور لم يستعرض وإياه تراثه الموسيقي منذ 35 عاماً، يجب أن يكون في ثرى العراق البعيد. من هنا، تُبرر المقطوعات الموسيقية القصيرة التي بثها قوبادي في ثنايا الفصول كونها في واقع الحال ترنيمات مسبّقة لرحيله. (إن فيلم «نصف قمر» هو تلوين سينمائي استوحاه قوبادي من مقطوعة «قداس» للموسيقار النمسوي فولفانغ موتسارت، بتكليف أوروبي بمناسبة مرور 250 سنة على ميلاده).

يصّر قوبادي في أحاديثه على أنه لا يرغب في السياسي، وخطابه ضمن قراءة أفلامه. لكن حكاياته العائلية المتخمة بالتفكه الصافي (ما عدا «زمن الجياد الثملة»، الذي حمل فواجع أيوب الى النهاية الأليمة لشقيقه المعاق)، لا تني من وضع السؤال الكردي المسيّس في الواجهة النقدية

. فالعزلات المفروضة على أبطاله تُستكَمل ما بين إرادة الجغرافيا التي جعلت السياسة من أوصالها المتعددة عُرفاً دولياً لا يرغب في جمع دولتها القومية بسهولة وأنصاف. وبقدر ما أن المخرج قوبادي (ولد عام 1969 ويعد عمله الوثائقي «العيش في الضباب» الأشهر في السينما الإيرانية، قبل أن يعمل مساعداً لكياروستامي)، استفاد من جيلانات أبطاله في «كردستاناته»، فإن غرضه جلّي: القوماني الكردي متوحّد في احتفائه بالحياة على الرغم من استنزاف أمته التي تعوّدت الحروب وسبيها الدموي الذي كاد يتخذ شكل الدائم، لولا الخيمة الأميركية التي مدّت السياسي الكردي في العراق، الى حين، ببصيص أمل انفصال وتشكّل ملامح الدولة التي تواجه ناقص عمقها الاستراتيجي اللازم والضروري لديمومتها.

النهار اللبنانية في 28 ديسمبر 2006

 

مخرج فيلم (السينما 500كلم)

عبدالله آل عياف: مهرجان (القارات الثلاث) كان مميزاً والجمهور الفرنسي احتفى بنا بشدة

إعداد: رجا ساير المطيري 

في الدورة الماضية لمهرجان أفلام من الإمارات شاركت عشرة أفلام سعودية وذلك في حضور مفاجئ أدهش الجميع وكان من بين هذه الأفلام العشرة فيلم ملفت بعنوانه ومستفز في فكرته هو الفيلم الوثائقي (السينما 500كلم) للمخرج الشاب (عبدالله آل عياف) الذي عاد لتوه من مدينة نانت الفرنسية بعد أن شارك في مهرجان القارات الثلاث السينمائي وتم تكريمه في ليلة خاصة عنوانها (السعودية .. سينما البدايات). وفور عودته كان لنا معه هذا الحوار حول مشاركته ورأيه في المهرجان والتكريم..

·         بداية.. متى نشأت في ذهنك فكرة المشاركة في مهرجان القارات الثلاث؟ وكيف تمت؟

- تم ذلك خلال مشاركة فيلم "السينما 500كلم" في مسابقة أفلام من الإمارات في بداية شهر مارس 2006(و هي بالمناسبة أول مشاركة للفيلم على الإطلاق عقب الانتهاء من صنعه) وبعد عرض الفيلم خاطبني بعض المهتمين ومنظمي المهرجانات مبدين إعجابهم بالفيلم ورغبتهم في السماح لهم بعرض الفيلم في تظاهرات أخرى. كان من أول هؤلاء المنظمين الأستاذ ماهر عنجاري الذي يعمل منسقاً لبرامج مهرجانات سينمائية من أهمها مهرجان القارات الثلاث بمدينة نانت الفرنسية. فقمت بإعطائهم نسخة من الفيلم ونسقت مع بعض المخرجين السعوديين الآخرين ليرسلوا أفلامهم.

·         شاركت في العديد من المهرجانات.. هل اختلف شيء في القارات الثلاث؟

- رغم مشاركة الفيلم في عدد من المهرجانات والفعاليات السينمائية في دول مختلفة كالإمارات العربية المتحدة ولبنان ومصر وهولندا وفرنسا وغيرها إلا أن مهرجان القارات الثلاث كان الأميز على الإطلاق حتى الآن على عدد من الأصعدة.

·         ما الذي لمسته في المهرجان؟

- مهرجان القارات الثلاث - فيما أعلم - هو أول مهرجان معروف يفرد يوماً للاحتفال بالسينما السعودية الوليدة بشكل احتفائي رائع. تم تكريم المشاركين السعوديين في يوم الافتتاح وأمام حشود الجماهير التي جاءت من كل أنحاء فرنسا للتعرف على بعض من الجوانب الثقافية السعودية. كما أن الأفلام السعودية المشاركة استحوذت على نصيب الأسد من الاهتمام الإعلامي بالمهرجان بشكل واضح لا ينكره القائمون على تنظيمه.

·         وكيف وجدت تجاوب الجمهور مع فيلمك؟ وهل هناك فرق بينه وبين الجمهور العربي؟

- قبل عرض الفيلم بساعات جاءني السيد فيليب جالدو (مدير المهرجان) وأخذني جانباً وهمس في أذني بأن لدينا مشكلة صغيرة، العادة أن يكون للمخرج وعدد من ضيوفه كراسي محجوزة ليشاهدوا عرض أفلامهم مع الجمهور لكن للزحام الشديد على الفيلم - يقول السيد جالدو - لم يستطيعوا أن يحجزوا أي مقعد وذلك لأن التذاكر نفدت قبل العرض بساعات!! سعدت جداً بالخبر وعلقت ضاحكاً بأنني سبق وشاهدت الفيلم ولا أعتقد بأنني حريص على مشاهدته مرة أخرى. عندما تتحدث عن جمهور واع معظمهم - كما أخبرني المنظمون - من النقاد والمخرجين وطلاب السينما يزدحم لمشاهدة الفيلم الأول في مسيرتي وأين؟ في فرنسا موطن السينما الأول فلا شك بأننا نتحدث عن لحظات هامة جداً في مسيرة الفيلم ومخرجه. كما أن غيابي عن العرض لعدم توفر أماكن شاغرة لم يمنع الكثير من الجمهور والنقاد عن البحث عني في ثنايا المهرجان ليوقفوني ويبدوا إعجابهم بالفيلم وبطريقة عرضي لفكرته. بعضهم أتى للفندق الذي أقيم فيه في نهاية اليوم ليطرق باب غرفتي ويخبرني فقط بإعجابه بالفيلم!

الجمهور الفرنسي الذي قابلته واع جداً وذواق سينمائياً، ربما لأن طبيعة المهرجان تستقطب الجمهور المثقف والسينمائي الجيد. لا أستطيع المقارنة بينه وبين الجمهور العربي لأني حتى الآن لم ألتق بالعدد الكبير نفسه عربياً لأحكم. ولا شك لدي أبداً بأن لدينا سعوديين وعربا يتذوقون السينما بشكل احترافي مميز.

·         حدثنا عن أبرز ما استوقفك في هذه المشاركة؟ وما الذي تركته في نفسك؟

- أبرز ما استوقفني هو الاحتفاء الطاغي بالتظاهرة السعودية واهتمام الجمهور الفرنسي والأوروبي بشكل عام بالتعرف على مجتمعنا وثقافتنا بشكل اكبر، مما زاد من إيماني الشديد بوجوب صناعة أفلام سعودية لتوصل هذه الجوانب الاجتماعية والإنسانية للعالم ليتعرفوا علينا من خلال أفلامنا نحن لا من خلال أفلام هوليوود المشوهة. كما أن الحضور السعودي الرسمي متمثلاً بوفد من السفارة السعودية (الأستاذ محمود قطان والدكتور عبدالله الخطيب والأستاذ فريد الشهري) كانوا رائعين في عكس الصورة الجميلة عن المسؤولين السعوديين الذين يقدمون الدعم والتشجيع لأبناء جلدتهم كما أن حضور الأستاذ زياد الدريس ممثلنا في اليونسكو كان له صداه الطيب.

ولا أنسى التغطية الإعلامية المكثفة لمشاركتنا السعودية فلا يكاد يمر يوم واحد إلا ونكون ضيوفاً على عدد من القنوات التلفزيونية أو الإذاعية أو الصحف المقروءة والمجلات المتخصصة، ولكن سعادتي بتلك القنوات واهتمامها يتضاءل عند سعادتي عندما شاهدت شعار قناتنا الإخبارية يزاحم الجميع ويتقدمهم في تغطية الفعاليات.

·         بعد عودتك هل هناك أعمال جديدة تحضر لها؟

- أقوم حالياً بالتجهيز لفيلم روائي قصير كنت قد كتبت نصه منذ أسابيع سأنتهي من تصويره خلال هذا الشهر وتمت تسميته ب(ليلة أخرى) مبدئياً. سيلعب الدور الرئيسي فيه الكاتب والناقد الشاب طارق الخواجي وهو عن شاب تتجاذبه ذكريات سوداء مر بها محاولاً العثور على طوق للنجاة منها. كما أنني كنت قد انتهيت منذ فترة من كتابة نص لفيلم قصير آخر قد أقوم بعمله في النصف الأول من العام القادم 2007.كما أن هنالك مشاورات مع بعض الزملاء الآخرين لصنع فيلم يشترك فيه عدد من المخرجين كل منهم يقوم بعمل مقطع منفصل منه. أما أهم المشاريع فهو أنني سأحاول كتابة نص لفيلم روائي طويل ذا تكلفة إنتاج بسيطة وسأنهيه في نفس العام بإذن الله.

الرياض السعودية في 28 ديسمبر 2006

 

(انيو موريكوني).. موسيقى خالدة وأوسكار قريب..

إعداد: رجا ساير المطيري  

لم يكن إعلان الأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون السينما (الأوسكار) عن عزمها منح الموسيقار الإيطالي الشهير (انيو موريكوني) أوسكاراً فخرياً كتكريم له عن مجمل مشواره السينمائي سوى خطوة تالية وتتويجاً لنفحة التكريم التي قدمتها أولاً المخرجة الأمريكية (نانسي مايرز) في فيلمها الأخير (العطلة) حين استغلت موسيقاه وجعلت إحدى شخصيات الفيلم تنطق باسم (موريكوني) صراحة واصفة إياه بالعظيم وصاحب الإرث الموسيقي الكبير. أما الأمر المميز فعلاً فهو استعانتها بالممثل (إيلي والتش) ليؤدي في الفيلم دور كاتب سيناريو عجوز اعتزل هوليود منذ سنوات ليعيش شيخوخته بهدوء بعيداً عن صخب الأضواء والشهرة. و(إيلي والتش) هذا هو الذي جسد دور (القبيح) في فيلم الكاوبوي الخالد (الطيب. الشرير والقبيح) والذي ألف موسيقاه (انيو موريكوني) نفسه. وكأن (نانسي) تريد بذلك كله أن تحيطنا بعوالم (موريكوني) وأن تعيد تذكيرنا بهذا الموسيقار العظيم الذي أعطى للسينما الكثير والكثير من الألحان الخالدة..

إن أي متابع حقيقي للسينما لا يمكنه أن يغفل عن اسم (موريكوني) وذلك لأن ألحانه التي وضعها للكثير من الأفلام العظيمة لا تزال حية وحاضرة في الذهن ربما أكثر من الأفلام نفسها. هو من نوع أولئك المؤلفين الذين يبدعون الموسيقى من أجل أن تطغى على الصورة وتحقق خلودها الخاص باستقلال عن الفيلم الذي ظهرت فيه. وإذا شئنا ذكر أمثلة لهؤلاء فسنذكر اليوناني (فانغليس) وقطعته الخالدة (عربات النار 1981) والفرنسي (فرانسيس لاي) في (قصة حب 1970) والإيطالي (نينو روتا) في (روميو وجولييت 1968) فهؤلاء صنعوا قطعاً موسيقية احتلت مكانها في الذاكرة فذاع صيتها واستمر ذكرها.. والعجوز (موريكوني) ينتمي إلى هذا النادي بجدارة وقد دفع تذكرة دخول النادي بتلك القطعة التي ألفها لفيلم (الطيب. الشرير والقبيح) والتي انتشرت وطغت شهرتها على شهرة الفيلم نفسه فأصبح يعرفها حتى أولئك الذين لا يعرفون عن السينما أي شيء!.

(موريكوني) هو أحد العباقرة الذين لا يزالون على قيد الحياة.. ولد في العاصمة الإيطالية روما عام 1928وبدأ حياته مع السينما كمؤلف موسيقي عام 1961أما حضوره الحقيقي الأبرز فجاء مع فيلم الكاوبوي (حفنة دولارات) للمخرج الإيطالي الشهير (سيرجي ليوني). ثم تدفق إبداعه وانهمرت ألحانه لتغطي سماء العديد من الأفلام والتي وصلت حتى الآن إلى أكثر من خمسمائة فيلم. ومن جملة ما قدم يبرز تعاونه مع المخرجين الإيطاليين (سيرجي ليوني) وَ(جوسيب تورنتوري) فمع هذين الاثنين قدم أفضل مقطوعاته الموسيقية على الإطلاق. فصنع موسيقى تسعة أفلام ل(تورنتوري) أشهرها ما نثره في الرائعتين (سينما باراديسو) وَ(مالينا). أما (سيرجي ليوني) فقد كون معه ثنائياً متميزاً وصنع موسيقى كل أفلامه الثمانية منذ العام 1964أفضلها تلك التي ظهرت في فيلم (الطيب. الشرير والقبيح) وَ(حدث ذات مرة في الغرب) وَ(حدث ذات مرة في أمريكا).. وإذا أراد أحدنا أن يستشعر عظمة هذا العجوز العبقري فليس له سوى أن يستمع إلى مقطوعته الساحرة في (حدث ذات مرة في الغرب) ليدرك حينها أن الأكاديمية لم تخطئ حين وجهت إليه ضوء تكريمها وتقديرها..

الرياض السعودية في 28 ديسمبر 2006

"بابل" .. وحلم العودة للحب والبراءة

السيد حسين  

"وكانت الأرض كلها لساناً واحداً ولغة واحدة. وحدث فى ارتحالهم شرقاً أنهم وجدوا بقعة فى أرض شنعار وسكنوا هناك.

وقال بعضهم لبعض هلم نصنع لِبناً ونشويه شياً. فكان لهم اللبن مكان الحجر، وكان لهم الحُمُر مكان الطين. قالوا هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه بالسماء ونصنع لأنفسنا اسماً لئلا نتبدد على وجه الأرض. فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما.

وقال الرب هو ذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم وهذا ابتداؤهم بالعمل. والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه.

هلم ننزل ونبلبل لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض. فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض. فكفوا عن بنيان المدينة. لذاك دعى اسمها بابل. لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض. ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الأرض" - آلإصحاح الحادى عشر، سفر التكوين، العهد القديم.

***

"يبدو ... أن قصة بلبلة الألسنة أصبح يُنظر إليها ليس كمجرد مثال على الكيفية التى قهرت بها العدالة الإلهية الغرور الإنساني، ولكن كنوع من تفسير حدث تاريخى "أو ميتا تاريخي". والآن فإنها قصة جرح حقيقى رزئت به الإنسانية، جرح، قد يندمل مرة أخرى" - أُمبرتو إيكو، "البحث عن اللغة الكاملة".

***

"إننا نتحدث عن الحدود، كمجرد مكان فقط، بدلاً من كونها فكرة. إننى أعتقد أن الحدود الحقيقية هى تلك التى توجد فينا نحن أنفسنا" - أليخاندرو جونزاليس إنياريتو، مخرج فيلم "بابل".

***

تذكرنا قصة "بابل" التوراتية، بقصة أخرى رواها أفلاطون عن غيرة زيوس رب أرباب الإغريق من ذلك المخلوق الذى كان على شكل كرة وبلغ من القوة والكمال ما هدد سلطة زيوس نفسه، فشق الكرة إلى نصفين، ذكر وأنثى، أو آدم وحواء، حتى ينشغل كل بالآخر بحثاً عن نصفه الذى ينسجم معه ويسعد، وبذلك فقدا الكمال الذى كانا يتمتعان به عندما كانا كائناً واحداً، وهكذا اطمأن زيوس إلى سلطته، دون خشية من منافسة تهدد مركزه.

ومغزى القصتين واحد، وهو أنهما تحاولان تفسير ما يعانيه البشر من فروق واختلافات تحول دون التقائهم وانسجامهم واتحادهم تجاه هدف واحد. وفيلم "بابل" الأمريكى "بمشاركة مكسيكية هامة" لمخرجه المكسيكى الشهير أليخاندرو جونزاليس إنياريتو، الذى تشهده باريس الآن، وستشهده لندن بداية من الأسبوع القادم، وكان قد تم عرضه فى حفل اختتام مهرجان لندن السينمائى فى بداية الشهر الماضي، يتميز بطموحه الواضح بداية من اسمه نفسه!. فهو يتفحص طبيعة العوائق والحدود التى تفصل بين البشر، وأنواعها، بالرغم مما يكمن تحت السطح وعلى مستوى أعمق، من الأسباب التى توحد بينهم، وتجمع بين أشتاتهم.

ثمة اختلافات بين الثقافات، والأجيال، ومستويات التقدم التكنولوجي، والفقر والثراء، دع عنك اللغات نفسها، والحدود السياسية والجغرافية التى تفصل بين الناس.

أربع قصص

ولمعالجة هذه الفكرة، يقدم لنا الفيلم أربع قصص متشابكة بأربع لغات مختلفة، تدور أحداثها فى أربعة بلدان "المغرب، الولايات المتحدة، المكسيك، اليابان" تتوزعها ثلاث قارات.

فى القصة الأولى نشاهد زوجين أمريكيين هما "ريتشارد" "براد بيت"، و"سوزان" "كيت بلانشيت" فى رحلة فى المغرب، يعيشان لحظات متوترة فى حياتهما المشتركة، بعد مأساة فقدان طفل لهما، ويبدو أن عمق هذه المأساة ومحاولة عبورها هما اللذان دفعاهما إلى ترك طفليهما الآخرين فى بيتهما بكاليفورنيا فى رعاية مربيتهما المكسيكية. لكنهما يفاجآن بتحول أزمتهما الشخصية إلى كارثة بعد أن تصاب الزوجة برصاصة طائشة بينما كانت جالسة بجوار زوجها فى حافلة سياحية فى جبال أطلس المغربية. تفقد "سوزان" الكثير من دمائها، ويصارع "ريتشارد" من أجل إنقاذها.

ولكن كيف وهما وسط البرية البعيدة عن العمران، وفى حالة عزلة تامة، وليس ثمة مستشفى قريب لعلاج الزوجة. ويحاول "ريتشارد" الاتصال بالسفارة الأمريكية طلباً للمساعدة. وفى قرية بربرية، وسط الجبال الجرداء، وفى غرفة فقيرة من بيت متواضع ينتظر الزوجان الفرج. والمفاجأة أنهما وهما فى أشد لحظات اليأس هذه يقتربان من بعضهما البعض شيئاً فشيئاً، وتحدث المعجزة، ليستأنفا حياتهما التى كانت قبل مأساة فقدان طفلهما. وبعدها تأتى طائرة الهليوكبتر لتقلهما إلى المستشفى. وبمعجزة أخرى، يتمكن الطبيب المغربى من إنقاذها. إن أهم مفتاح هنا لفهم شخصيتى الزوج والزوجة هو ما يثقل كاهلهما من مشاعر الحزن والذنب بسبب فقدان طفلهما.

القصة الثانية تدور حول صبيين شقيقين مغربيين هما "يوسف"، و"أحمد" وهما ليسا ممثلين محترفين مثلهما مثل بقية المشاركين المغاربة فى هذه القصة. ونتيجة للمنافسة بينهما حول أيهما الأكثر مهارة فى تصويب بندقية صيد اشتراها والدهما من "حسن" وهو أحد الجيران، وأعطاها لهما لحماية قطيع الماعز من الذئاب، نتيجة لهذه المنافسة يصوب أحدهما تجاه حافلة السياح التى يستقلها "ريتشارد" و"سوزان" فتصيب رصاصة "سوزان" فى رقبتها، كما سبقت الإشارة، فى حادث مأساوى كما هو عبثى فى آن. وتنقلب الدنيا؛ إذ يظن السياح والشرطة أن المتسببين فى الحادث هم من الإرهابيين. وتبدأ تحقيقات الشرطة إلى أن تتمكن بعد بحث مضن اتسم باستخدام العنف أحياناً، من القبض على المتسببين "يوسف"، و"أحمد" فى النهاية.

أما القصة الثالثة، فترتبط مرة أخرى وبشكل مختلف بكل من "ريتشارد"، و"سوزان". فقد تركا طفليهما الآخرين كما سبقت الإشارة، فى رعاية "أميليا" "الممثلة المكسيكية المعروفة أدريانا بارازا" فى كاليفورنيا. لكن "أماليا" المهاجرة المكسيكية غير الشرعية تريد حضور زفاف ابنها عبر الحدود فى المكسيك، وعندما لا تجد من يمكنه رعاية الطفلين أثناء غيابها، تتخذ قرارها السيء باصطحابهما معها، كما يصحبها أخوها "سانتياجو" "الممثل المكسيكى جايل جارسيا برنال" الذى يقوم بقيادة السيارة. وتحضر حفل الزفاف. ولكن فى رحلة العودة يحدث احتكاك بين "سانتياجو" والشرطة الأمريكية على الحدود، احتكاك له جذوره وذاكرته المريرة لدى المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين للولايات المتحدة.

وهنا نكتشف لأول مرة أن كلاً من "أميليا"، و"سانتياجو" من أولئك المهاجرين أنفسهم. وتبدأ مطاردات بين الشرطة و"سانتياجو"، تنتهى بانفراد هذا الأخير بـالسيارة، بينما "أميليا" والطفلان وحيدون تحت شمس محرقة فى صحراء جهنمية على الحدود، لولا معجزة تنقذهم، ويعلم الزوجان فى المغرب بالحادثة، ويمكن لـ "ريتشارد" التدخل للسماح لـ "أميليا" بالعودة إلى بيتهما فى كاليفورنيا فى انتظار عودتهما.

وأخيراً فإن القصة الرابعة تركز على الأب الأرمل اليابانى "ياسوجيرو" "الممثل اليابانى الشهير كوجى ياكوشو. من أفلامه "مذكرات جيشا"، و"ثعبان الماء" الذى فاز بجائزة السعفة الذهبية فى كان" الذى يحاول عقد نوع من الصلة الدافئة مع ابنته المراهقة الصماء البكماء "شيكو" "رينكو كيكوشي" بعد وفاة أمها منتحرة، ولكن دون طائل. وتنجرف الفتاة تجاه محاولات جنسية مغالية لإشباع جوعها العاطفي، وكأنها تحاول استخدام جسدها كأداة للاتصال لحرمانها من أداة الاتصال العادية بين البشر وهى الكلام بينهم، وعجزها عن استخدام هذه الأداة.

بنية الفيلم

تتداخل هذه القصص الأربع فيما بينها بالقطع والمونتاج، فهو ذو بنية ليست خطية، وإنما يتركب من خطوط متوازية متقاطعة معاً، وإن كان لكل قصة مسارها الخاص. والواقع أن هذا ما يتميز به أسلوب مخرج الفيلم أليخاندرو جونزاليس إنياريتو، فبنية كل من فيلميه السابقين الممتازين اللذين سحرانا وهما "أموريس بيروس"، و"12 جراماً" تتميز بالتعقيد والتركيب، ولكن دون إعاقة للمتفرج من متابعة وفهم ما يدور أمامه.

كما أن ثمة علامة أخرى من العلامات المتكررة فى هذا الفيلم كما فى سابقيه، وهى تلك المتمثلة فى وقوع حادث عشوائى "كما فى إصابة "سوزان" بتلك الرصاصة" لتتبعه سلسلة من الأحداث المترتبة عليه دون قدرة على التصدى لها. ولعل هذه التشابهات بين أفلام أليخاندرو جونزاليس إنياريتو الثلاثة هى ما تدعو إلى إطلاق تسمية "ثلاثية" عليها.

نعود إلى الفيلم لنرى أنه يقدم لنا كما لو كان لغزاً يتكشف لنا حله مع تطور القصص وتداخلها، كما لو كان وردة تتقشر بتلاّتها وتتساقط إلى أن نصل إلى قلبها. وهكذا نكتشف أن البندقية التى أصيبت برصاصتها "سوزان" على يدى الصبيين المغربيين لم تكن إلا هدية من الأب اليابانى "ياسوجيرو" أثناء رحلة له فى المغرب، لمرشده المغربى "حسن" الذى قام بدوره كما سبقت الإشارة، ببيعها لوالد كل من "يوسف" و"أحمد". وهكذا تكتمل الدائرة، عندما تتمكن الشرطة اليابانية من الالتقاء بـ "ياسوجيرو" للتأكد من أنه هو صاحب البندقية الأصلى الذى أهداها أثناء رحلته فى المغرب.

من الملاحظات الأخرى على بنية هذا الفيلم، أن القصص الأربع التى يتركب منها، لا ترتبط جميعها بعضها ببعض بشكل مباشر، ولكن بشكل غير مباشر. فقصة الصبيين المغربيين ترتبط بشكل مباشر بقصة الزوجين الأمريكيين، كما هو واضح، بينما قصة اليابانى ترتبط بشكل مباشر بقصة المغربيين، وقصة المكسيكية ترتبط بدورها بشكل مباشر بقصة الزوجين الأمريكيين. وترتبط جميع القصص بشكل غير مباشر، بما لا يحتاج إلى شرح. وكأننا بإزاء أشكال من الروابط بين البشر لا نكاد نحلم بها، بالرغم من الحدود المصطنعة والموروثة التى تفرق بينهم.

ثراء فى الرموز

يحتشد الفيلم بطبقات فوق طبقات من الرموز المؤكدة لفكرة "بابل" التى يتسمى بها الفيلم، فإلى جانب العديد من الاختلافات الثقافية واللغوية التى تفرق بين البشر، ومسألة الحدود "كما هو الحال بين الولايات المتحدة والمكسيك والتى يتولد عنها الكثير من المرارة والإحباط من جانب، والتربص والحذر وعدم الثقة من الجانب الآخر"، هناك أيضاً الخلافات وعدم الفهم بين جيل الآباء وجيل الأبناء كما نرى بين "شيكو" وأبيها "ياسوجيرو"، ويضاعف من هذا الاغتراب بين الاثنين أن "شيكو" صماء بكماء، أى أنها لا تتحدث لغة مختلفة فحسب، ولكنها محرومة أصلاً من "اللغة" نفسها على الإطلاق.

كما يستعين الفيلم بـ "الجنس" لتأكيد فكرة اغتراب الناس بعضهم عن بعض، وليس كما هو متوقع لتأكيد فكرة "التقارب" و"التلاحم" بينهم. فـ "شيكو" فى خضم جحيمها الشخصى وشعورها بالحرمان من التعاطف والتفاهم تهلوس "جنسياً"، وتحاول إغواء كل من تقترب منه من الرجال، لعلها تعثر على ذلك الحنان المفتقد، فلا تقابل إلا بالرفض. وفى النهاية عندما يعود أبوها ليجدها عارية فى شرفة شقتهما، منبوذة معزولة وحيدة ضعيفة، ولعلها تفكر فى إلقاء نفسها من علٍ، بعد فشلها الأخير مع الضابط المحقق الذى جاء للقاء أبيها بخصوص البندقية، عندما يعود أبوها وهى على هذه الحالة، يقترب منها ويضمها إليه وقد امتلأ بمشاعر الحزن والذنب والتقصير تجاهها.

كما يصدمنا الفيلم بمشهد جنسى آخر، عندما يتلصص "يوسف" على شقيقته المراهقة الصغيرة بينما تخلع ملابسها. ويعلق المخرج على هذا المشهد بقوله إنه عندما تنهار القيم، وخاصة فى مجتمع يتميز بروحانيته العميقة، فإن ثمة حلقة من حلقات السلسلة التى تربط بين الناس تكون قد تحطمت. وهنا فإن المسألة لا تتعلق بالحلقة فى حد ذاتها، ولكن بالسلسلة نفسها التى نخرها الصدأ، لأن فساد حلقة واحدة من السلسلة، يعنى فساد السلسلة كلها.

غير أن ثمة وجهاً آخر يقدمه لنا الفيلم، وهو عكس فكرته "البابلية" الأساسية، ونعنى به الوجه المتفائل. فبالرغم من كل العقبات والعوائق بين البشر، فإن هؤلاء قادرون فى النهاية على القفز والعلو على هذا جميعاً. انظر مثلاً إلى كل ذلك الترحيب والدفء والمحبة التى يحيط بها أهل القرية الأطلسية الفقيرة الزوجين الأمريكيين فى لحظة انكسارهما وعزلتهما حيث لا ينفع مالهما ولا نفوذهما ولا جنسيتهما، وعندما يعرض "ريتشارد" مع اقتراب الفرج، حزمة كبيرة من الدولارات على الشاب المغربى الذى ساعدهما ليرفض هذا تماماً بكل بساطة ودون ادعاء أجوف. كما أن الزوجين نفسيهما وفى مواجهة الكارثة المدلهمة التى تهبط عليهما، ينسيان كل خلافاتهما ومشاعرهما السلبية، ليعودا إلى بعضهما مرة أخرى مستعيدين حبهما الذى نسياه. وهو نفس ما نشاهده مع عودة الأب "ياسوجيرو" إلى ابنته "شيكو". كذلك تلك المشاعر الدافئة الأمومية الدافقة التى تفيض بها "أميليا" على طفلى "ريتشارد" و"سوزان" .. إلخ.

إن المخرج أليخاندرو جونزاليس إنياريتو يرى أن المأساة الإنسانية الكبرى تتلخص فى نهاية التحليل فى عدم القدرة على الحب أخذاً وعطاءً، وعجز الناس عن استحضار هذه العاطفة، والتواصل بها، وهو ما يعطى معنى للحياة والموت لدى كل إنسان. وهكذا فإن "بابل" يحول ما يفرقنا وما يجمعنا إلى صور باهرة مؤثرة تجسد هذا كله.

العرب أنلاين في 28 ديسمبر 2006

 

بمدينة الكاف التونسية المسرح يحتفل بالسينما

الممثل فى حضرة الخشبة أو العدسة.. المصير ذاته

تونس – رشيد حسنى  

شهدت مدينة الكاف - 160 كلم شمال غربى تونس العاصمة - يومى 23 و24 ديسمبر حدثا ثقافيا مميزا، تمثل فى إقامة الدورة الثالثة لتظاهرة "المسرح يحتفل بالسينما"، ولئن تخصص المركز الوطنى للفنون الدرامية والركحية فى احتضان انتاج المسرحيين، فإنه يفسح المجال من حين الى آخر لتنظيم بعض العروض السينمائية أو تقديم العروض الفرجوية مثل المغناة الخالدة لتراث الكاف الموسيقى بعنوان "المنسيات".

وعالج ضيوف التظاهرة - أساتذة جامعيون ونقاد ومخرجون سينمائيون ومسرحيون - مسألة "الممثل فى المسرح والممثل فى السينما" - اختلاف ومقارنة - من خلال ثلاث حصص لتقديم المداخلات مشفوعة بالنقاش بالاضافة الى عرض أشرطة سينمائية طويلة وقصيرة.

مداخلات مشفوعة بعروض سينمائية

افتتح حاتم بوريال المداخلات بالعودة الى بدايات السينما التونسية، ليثبت أن أفلام "مختار" سنة 1968 و"خليفة الأقرع" و"الموت البكر" سنة 1969، استنجد فيها مخرجوها بممثلين برزوا فى التمثيل المسرحي. ثم تأكد هذا الزعم أساسا فى أواسط السبعينات عندما برعت وجوه مسرحية عديدة فى مجال السينما مثل جليلة بكار والزهرة فايزة وأحمد السنوسي. كما لجأ "المسرح الجديد" بتونس الى تحويل مسرحيات "العرس" و"عرب" الى السينما، فالنجاح فى إخراج الأعمال الدرامية الى الفن الرابع يصلح أيضا فى الفن السابع.

ودعم كمال العلاوى رأى حاتم بوريال، غير أنه استدل بأسماء غربية لامعة مثل: انغمار بيرغمان، وايليا كازان، وأرسون ولف الذين راوحوا فى مسيرتهم الفنية بين المسرح والسينما وسجلوا نجاحا منقطع النظير فى تنقلهم وتجوالهم بين الفنين، وكان لهم فضل تجسيد مسرحيات خالدة على الخشبة مثل روائع شكسبير: "عطيل" و"الملك لير" و"هاملت". كما لم يهمل كمال العلاوى أمرا لافتا تفردت به السينما، ألا وهو سهولة اختيار وجوه مغمورة لتقوم بأدوار تماشيا مع متطلبات الشخصية مما يصعب العمل به فى المسرح لأن الأدوار تتطلب تدريبا طويلا وشاقا ومعرفة دقيقة ومسبقة بتفاصيل المشاهد.

أما الناقد السينمائى الهادى خليل فلقد دعم مداخلته بمقاطع من بعض الأشرطة السينمائية التونسية التى اعتبرها محورية فى تاريخ الصورة، فلا يمكن حسب قوله التغافل عن أهمية شريط "العرس" لمحمد إدريس الذى أسس فعليا لطرح القضايا الاجتماعية وفق حرفية عالية.

مفخرة السينما التسجيلية

واشاد الهادى خليل بمزية السينما التسجيلية التى تعد مفخرة السينما العربية ككل لا على المستوى المحلى فحسب، بل على المستوى العربى عامة، لأنها قدمت أعمالا جيدة ومتقنة ولا يمكن التغافل عن دورها فى محو المساحة الفاصلة بين الواقع والخيال، ولأنها أظهرت للعيان نبل المواطن العادى وقدرته العجيبة على تصوير شقائه وآلامه مثل شريط "رايس الأبحار" لهشام بن عمار أو الشريط المؤثر الذى تم فيه تسجيل الانفاس الأخيرة للممثلة منيرة الضاوى وهى تعانى ويلات الداء. ولم تستنكف السينما من تسليط الضوء على المبدع فى شتى حالات الهشاشة والشفافية.

وتلمح هذه الفكرة بطرف خفى الى ابداع السينما الوثائقية العربية عموما التى تمر بفترة انتعاشة، فى الوقت الذى تعيش فيه بعض المناطق العربية صدامات دامية، بينما يصعب أن تنقل السينما غير التسجيلية آخر الحالات النادرة لظاهرة الاحتلال والعنصرية فى القرن الواحد والعشرين. وأصدق الأمثلة على ذلك شريط جنين الذى أظهر بجلاء حجم الدمار والعجرفة الممارسة فى الأراضى الفلسطينية.

التعامل مع الممثل

أثارت مداخلات أحمد عامر وخالد البرصاوى ومحد عبازة وعلاء الدين أيوب والأسعد بن عبد الله مسألة فى غاية الأهمية تتعلق بضرورة إعداد الممثل اعدادا جيدا، مما يجعله قادرا على مزيد العطاء على الخشبة - فى المسرح - أو أمام عدسة الكاميرا - فى السينما - ولا يمكن بأى حال من الأحوال انتاج أعمال درامية متميزة دون ايلاء الممثل العناية اللازمة وتخصيص حلقات التدريب والورشات له حتى تصقل مواهبه وتتفتق ملكات العطاء لديه.

ويمكن سرد أمثلة عديدة فى السينما العالمية تظهر حجم الإمكانيات الطائلة الممنوحة للممثل كى يستعد جيدا للقيام بدوره فى شريط واحد. وإن لم يوفر له المشرفون على العمل المال اللازم فإن الممثل يدفع من مرتبه الخاص ليمثل أمام العدسة، مصقول الجسم، متقد الذاكرة، حاضر البديهة.

وتدعمت المداخلات بنقاش ثرى ساهمت فيه وجوه بارزة فى الساحة السينمائية والمسرحية التونسية التى نالت مؤخرا جوائز كبرى فى مجال التمثيل مثل فاطمة بن سعيدان، وجمال المداني.

حضور لافت للأشرطة القصيرة

شكلت الأشرطة السينمائية القصيرة حضورا لافتا فى التظاهرة للمخرجين خالد البرصاوى وسارة العبيدى ومراد الحمزاوي. أما شريط "الخزان" الذى تم إدراجه فى برنامج الدورة فى اليوم الثانى فقط تشجيعا للممثلين القديرين المنجى الورفلى والهادى الزغلامى وهما من أنجح الممثلين اللذين قدموا أعمالا كثيرة فى اطار نشاط المسرح الجهوى بالكاف.

وشريط "الخزان" أخرجه الأسعد الوسلاتى ومثل به تونس فى المسابقة الرسمية لمهرجان طنجة المتوسطى وكذلك المسابقة الرسمية لمهرجان دبى 2006. أما الأشرطة السينمائية الطويلة التى تم عرضها فهي: "التلفزة جاية" لمنصف ذويب، و"خشخاش" لسلمى بكار، و"بين الوديان" لخالد البرصاوي. صورة - بعض المشاركين فى ندوة "الممثل فى المسرح والممثل فى السينما" .

العرب أنلاين في 28 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

إنه عام السينما رغم الأحداث.. لكننا نُحبّها مبدعة لا لبنانية فحسب

لمـاذا لا تهتمّ الصـالات بـالأفـلام القصيـرة؟

نديم جرحوره

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك