سيصبح للدراجة النارية وظيفة أخرى، ولن تعود هذه الآلة التي تسمى خلسةً عن فيض الأرواح المجنونة بـ"التابوت الطائر" مجرد آلة، لأنها وبالسرعة القصوى التي يبحث عنها من يمتطيها تسبغ نعمة مغادرة الزمن بابتكار انساني عزّ مثيله. حتى تلك السيارات التي تستوي بالأرض وتزحف عليها مثل دودة لا يمكنها أن تقوم بإعادة إنتاج مثل هذه النعمة، فهي مغلقة، ومحصّنة ضد النعمة التي تصنع هنا من نزوات السائق نفسه، وهي نزوات مرئية تتلوى في المنعطفات الخطيرة ولا يراها إلا من يقود دراجة نارية فقط. لا أحد يعرف على وجه الدقّة لماذا يختار سائق الدراجة النارية في اللحظة التي يعتلي فيها صهوة دراجته أن يطير بها، وكأنه يريد التحليق بجسده والانفلات من مقعده ليلتصق بعجينة الموت طواعية وبرغبة كاملة منه من دون أن يظهر ذعراً أو خوفاً شبيهاً بالذي نراه على الوجوه، وهي تختار وسائل أخرى للنهوض بالحياة عن أكتاف الحياة نفسها، وقد رتّبت لذلك كل وسائل النعي الممكنة. يحاول المرء الذي لا يعرف قيادة الدراجة النارية أن يقرأ في الوجوه المؤلفة من راكبين على متنها، ولا يهمه الراكب بصيغة المفرد، فهو لا يحمل هنا رسالة درامية من أي نوع. السائق والراكب الآخر، الحشري، أحياناً، هو ما يهم، وهو الحشري لأنه يحشر نفسه في التابوت بالنيابة عن نزوة مغيبة أخرى للسائق، ويبتسم وكأنه يحاول الايحاء بأنه العقل المدبّر لهذه الرحلة، مع أنه يقع في الخلف، أي في الدرجة غير المهمّة عندما يقرّر "القائد" أن يؤكد أمامنا فعلته في الانفلات. في السينما تبدو القراءة مختلفة تماماً، فالسائق يدرك سلفاً أنه يمثل، أو هو يتدرب على أداء دور الالتصاق بالعجينة المباركة التي تصبح هنا صلبة وتفقد خاصيتها، لأن ما يحدث على الشاشة، لا يمكن له أن يحدث في الواقع. لا يمكن للسائق/ الممثل حتى وهو يقاتل ليصبح عقلاً مدبراً، كما في فيلم "الكيت كات" مثلاً لداوود عبد السيد، فهنا سوف نجد الرغبة الدفينة في عقل الكفيف (محمود عبد العزيز) بركوب "الفسبا" هي ما تحرّكه باتجاه أن يكون المدبّر لرحلة مشروطة نحو الحرية والانعتاق، لا تكتمل إلا بانزلاقه بالدراجة النارية في النهر مع مرافقه. هو كان يحاول أن يطير، ويغادر العمى المستعار في الفيلم، وهو لا يستطيع كممثل إلا أن يؤدي دوره، لأنه لا يستطيع أن يكون غير ذلك، وهو لم يختر ركوب وسيلة أخرى ليتحرّر، فما من وسيلة بوسعها أن تعتقه من سجنه الا طيران الدراجة النارية. على أن المرافق الذي يكون في الخلف ويتذرّع بالبحث عن حريته هو الآخر، يكون هنا في مرمى الأسئلة الصعبة عن طبيعة هذه الحرية التي يرنو إليها، ولا يمتلكها في لحظة الانزلاق إلا من يكون في المقدمة فقط، فلا حرية لمن يكون في الخلف، ونحن غالباً لا ننتبه إلى المرافق، فما يهمّنا هو من يكون في المقدّمة، والأنظار تتعلق به وتبقى ملتصقة به ومصوبة نحوه، أما الآخر فهو زائد على المشهد وزائد على حيويته ويقلِّل من قيمة أبصارنا ويشتتنا إن قام بحركة قد لا تبدو ضرورية لنا، مع أنها قد تكون ضرورية في السياق الدرامي للفيلم، ولكنها لا تهمّنا، لأنها تبعدنا عن الالتصاق بمقدمة الفكرة عن الحرية نفسها. في حالة الأخوين فيليب وآلن جلادو، المديرين الفنيين لمهرجان نانت للقارات الثلاث، فقد اختارا لملصق هذا العام لقطة من فيلم تايواني يظهر فيه السائق ومرافقه على متن دراجة نارية، وقاما في نفس الوقت بمحاكاتها في صورة لهما على متن التابوت الطائر، وخلفهما ذكريات ثماني وعشرين دورة من مهرجان القارات الثلاث في مسقط رأس جول فيرن، المدينة التي خرج منها ليرى العام في ثمانين يوماً، فيما يقول فيليب معلقاً: نحن نكتشف العالم في ثمانية أيام بعكس مواطننا فيرن، لأن مسألة تقصير الزمن في العصر الذي نعيش فيه، أصبحت نافلة بحكم التطوّر التقني الذي بات يفصلنا عن نانت جول فيرن. نحن السينما بيننا الآن، وهي من تجعلنا نقوم باكتشافاتنا بالسرعة القياسية المطلوبة. في فيلم إيراني شارك في المسابقة الرسمية للمخرج الايراني أصغر فرهادي، وهو بعنوان "الألعاب النارية يوم الأربعاء" يفتتح المخرج فيلمه بسائق يقوم بنقل صبية حلوة خلفه إلى العاصمة طهران. لن يكون هناك دور للسائق سوى أنه يقوم بتوصيل خطيبته الريفية الى المدينة لتعمل خادمة لدى عائلة ثرية. سوف نلاحظ أن السائق برغم ريفيته الظاهرة للعيان هو من كان يقتاد الصبية التي ستظهر في المدينة بمظهر مختلف لا تشبه فيه مظهرها وهي تلتصق بالسائق، فهي قد تحررت من عقدته المهيمنة على دورها الأصلي في اللحظة التي غادرت فيها الدراجة النارية وأصبحت تلعب دورها. بالنسبة للشقيقين جلادو، فإن الأمر كان محاكاة للتابوت الطائر، رمز المهرجان، لكنهما تحولا إلى عدوين لناشئة فرنسا، فهناك لا يمكن لأي سائق أن يقود دراجة نارية من دون الخوذة الواقية للرأس، وتشكل الدعاية لها خطراً يحاسب المرء عليه أمام القانون. فيليب جلادو الذي يشرف على الفكرة الطارئة يقول رداً على سؤال حول من هو العقل المدبّر للرحلة المميتة، إنه وشقيقه يكونان على نفس المستوى وهما على الدراجة النارية. يخالف الشقيقان فكرة السائق والمرافق ولا يعترفان بها. "أغلب الظن أن الصورة مزيفة، وهي جاءت بطلب من صحفية"... يضحك آلن وهو يعلق على الفكرة. لم يكن يخطر ببال الشقيقين أن صورتهما التي انتشرت في أنحاء مدينة نانت سوف تسبب لهما الكثير من المشاكل ووجع الرأس مع جمعية حماية الطرقات في المدينة، والتي ستقوم بالتنديد بفعلتهما المشينة وهما سيدافعان عن فكرة التابوت الطائر بالقول إنها حرية السينما التي عاشا من أجلها؛ فالخوذة تسبب الاختناق لصاحبها ـ يقول فيليب ـ ونحن نعشق السينما التي تجعلك تصنع عجينة مختلفة عن السائق والمرافق والخوذة... هي من تصنع خوذة مضادة. قد تبدو الأمور كذلك، فقد أصرّ ماهر عنجاري، منسق العالم العربي في مهرجان نانت، أن نقوم بجولة على متن دراجته النارية بخوذة ومن دون خوذة، لندرك الفارق بين الواقية وتلك المضادة، فقد دارت في المخيلة صور الدراجات النارية في كل الأفلام التي شاهدناها، وبدا أننا لا نتذكر الا تلك التي لاتعترف بالخوذة الواقية، لأن الأفلام التي يرتدي الأبطال فيها تلك الخوذة تسقط من الحساب، فالأبطال هنا لا يحملون وجوها درامية. إنهم يختبئون خلف قناع، وهم عادة ما يكونون من البدلاء الذين يؤدون أدوارهم الخطرة، كما في الحياة... كذلك في السينما، وهي تتشابه هنا، فإذا ما قضى أحدهم أثناء مناورة خطرة بالدراجة النارية فلن يذكر أحد ملامحه أو الفكرة التي عنَّت على باله قبل أن يغادر الحياة "مقنعاً". السينما لا تعترف إلا بالوجوه الظاهرة، الوجوه التي تحمل أسى وفكرة، وما عدا ذلك فهي حالات مزيفة تشبه تلك اللحظة التي يموت فيها البطل الأصلي في السينما، فيما هو ينهض من أجل اللقطة التالية؛ أما ذلك المقنع فقد ارتضى بقسمته، لأنه لا يعرف حرية السينما الحقيقية، فهو يؤدي دوراً خطراً لا رجعة عنه .إنه لا يستفيد من منحة الزمن له، فالزمن لا يؤمن على أمثاله، لأن من يريد مغادرته عليه أن يقصي جسده بالكتمان. في فيلم "فلافل" لميشال كمون يقدم لنا البطل على متن دراجة نارية، حتى أن محبوبته ياسمين تشاركه في رحلة الليلة الوحيدة دور المرافق، إلا أنه في اللحظة التي تتبدّل فيها حياته يترك دراجته عند مخفر للدرك ويفر هارباً، ولا يعود للبحث عنها ثانية... توفيق الذي يبحث عن معنى مفيد للحياة في هذه الليلة اليتيمة يقوم بإقصاء جسده ويطوِّر معنى الكتمان من دون أن يصل إلى أي قرار بشأنه..!! المستقبل اللبنانية في 24 ديسمبر 2006
أزمة السينما العربية بين نفي البعض وتأكيد الآخر إنتاج يدعو للخجل رغم كثرة المهرجانات تحقيق ـ زينب هاشم القضية باختصار.. أن السينما العربية تعاني من فقر شديد في الإنتاج علي الرغم من كثرة المهرجانات التي تشجع وتحتفي بالسينمائيين.. وهو ما دفع بالكثيرين للتساؤل عن أسباب ذلك وإلي متي تظل معاناة السينما العربية؟ الأهرام العربي تفتح ذلك الملف في محاولة لإيجاد حلول قد تجد سبيلها للتنفيذ علي أرض الواقع, خصوصا أن لغة الأرقام تدعونا للخجل من واقع الإنتاج السينمائي, ففي دولة بحجم وثقل سوريا ولبنان لا تتجاوز أعداد الأفلام المنتجة في العام أصابع اليد الواحدة والنسبة تقل في دول أخري حديثة العهد بالسينما مثل الإمارات والسعودية وعمان وفلسطين. فحسب وجهة نظر محمد الأحمد رئيس مهرجان دمشق السينمائي الدولي فإن قلة الإنتاج تعد حلقة في ملف الأزمة السينمائية في الوطن العربي ويضيف قائلا: السينما العربية حاليا أزمة كبيرة متفاقمة وهو أمر مؤسف وربما يظهر واضحا في فترات المهرجانات ولكن أخص بالذكر أزمة السينما السورية بشكل أكبر لأن الجهات الأساسية التي تدعم الفن في سوريا ينصب اهتمامها ودعمها في المقام الأول علي الدراما التليفزيونية, والدعم المادي بأكمله يذهب إلي المسلسلات والإنتاج السينمائي مع الأسف قليل جدا وهو ما يجعل الجميع ليس علي دراية بالسينما السورية خصوصا الشعب المصري. وأعتبر ذلك أزمة كبيرة جدا ومنه يجب أن نبحث لها عن حلول لأن الشعوب العربية في حاجة إلي سينما جيدة تعبر عنهم وتمثلهم في المهرجانات العالمية والدولية. أما المخرج الفلسطيني الأصل الكندي الجنسية إيزادور مسلم يشارك في مهرجان القاهرة السينمائي لهذا العام بفيلم كيف الحال الذي شهد ضجة كبيرة عند عرضه خصوصا وهو أول فيلم سعودي, بالتأكيد السينما العربية تعاني من أزمات ومشكلات كبيرة جدا وقد تؤدي إلي حدوث كارثة محققة وهو ما ظهر أكثر في الفترات الأخيرة مثل مشكلة اعتماد المنتجين والموزعين في أفلامهم علي نجوم مشهورين يتحملون مسئولية العمل والعبء الأكبر يصبح عليهم ليجذبوا اهتمام الجمهور, والذي أصبح المتحكم في الصناعة في المقام الأول هو عملية الربح والخسارة وليس بناء صناعة سينما حقيقية إذ إن المسألة تتعلق بنجم أو نجمة حتي يكون هناك إقبال عليهم لفترة وبناء علي ما يحققون في شباك التذاكر من أرباح ويراهنون عليهم ليحققوا الملايين وهي ظاهرة موجودة في كل الدول العربية في مصر والبحرين ودبي وأبو ظبي, وأصبح الهدف من السينما فقط هو تحقيق الكسب المادي بغض النظر عن الاهتمام بالسينما نفسها باعتبارها فنا جميلا وراقيا ولها عشاقها في كل بلدان العالم, لذلك نتمني ونطمح أن نجد حلا لما تعانيه السينما في بلداننا العربية لأنه مع الوقت الأزمة تكبر وقد لا نجد حلولا بعد ذلك كما أن السعي وراء تقديم سينما جيدة وأعمال راقية لابد أن يكون أهم أهدافنا في الفترات المقبلة ونتمني أن يتنازل منتجون وموزعون عن النظرة القائمة فقط علي النجاح والكسب المادي وليس معني ذلك أننا نطلب منهم عدم البحث عن النجاح المادي وإنما يصبح هدفا من ضمن أهداف الصناعة وليس كلها. ويؤكد المخرج التونسي منصف ذويب مخرج ومؤلف فيلم التلفزة جايه وهو عمل كوميدي شارك في مسابقة الأفلام العربية في مهرجان القاهرة السينمائي أن إطلاق كلمة أزمة علي ما تعاني منه السينما العربية هو تسمية مغلوطة لأنه لا توجد سينما للعرب مستثنيا من ذلك مصر ويستكمل, الخطأ الفظيع أن نقول هناك أزمة في السينما العربية لأنه لا توجد سينما حتي نتحدث عن أزمتها ما عدا مصر وهناك21 دولة أخري لا تعرف شيئا عن السينما ويتساءل هل معني أن هناك أفلاما تملكها هذه الدول هو أن هناك سينما؟ ولكن معظم الدول العربية صاحبة تجارب فنية وعدد من الأفلام التي تملكها وتمثلها في المهرجانات وهذه التجارب لا تعني بالتأكيد أن هناك صناعة سينما عربية, ومصر هي الدولة الوحيدة التي تملك صناعة سينما ولكن الأزمة معقدة ولا تتعلق فقط بالإنتاج السينمائي, ولكن في كيفية التعامل مع هذه الصناعة, فمصر مثلا يركز المنتجون فيها علي الربح وعنصر التجارة في الصناعة في حين أن باقي الدول العربية تتعامل مع السينما بفنية شديدة لدرجة أن الأفلام التي تنتجها هذه الدول توزع في البلدان العربية نفسها وهو ما يؤكد أن هناك أزمة كبيرة جدا لذلك أشدد علي القول بأنه لا توجد سينما عربية من الأساس إلا إذا كان البعض يتعامل مع السينما المصرية ويطلق عليها لفظ أو مسمي سينما عربية في هذه الحالة من الممكن أن نتحدث عن وجود سينما بخلاف ذلك فليس من حقنا أن نتحدث عن السينما العربية لذلك أفضل القول سينما مصرية وسينمات أخري تنطوي تحت شعار واحد وهو سينما تمثل بلدا, وعلي النقيض يأتي كلام المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي الذي يؤكد علي أزمة السينما العربية ويصفها بالكبيرة, ويرجعها بشكل أساسي إلي أسباب إنتاجية تعاني منها كل الدول العربية ولابد أن تنتهي لأننا بحاجة لوجود سينما جيدة تعبر عن الشعوب العربية وقضاياها وتمثلنا في المهرجانات المختلفة. وفي الوقت الذي يؤكد فيه صناع السينما في الدول العربية علي وجود أزمة كبيرة تعاني منها السينما لأسباب كثيرة إلا أن الفنان المصري ورئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عزت أبو عوف ينفي تماما وجود أزمة متسائلا: ماذا تعني أزمة السينما العربية فهذا الحديث غير صحيح علي الإطلاق فما هي إلا اصطامبات اعتاد الصحفيون الحديث عنها وكتابتها, ولكن في حقيقة الأمر لا توجد أزمة سينمائية بالنسبة للسينما العربية ويكفينا فخرا وجود عملين سينمائيين بحجم فيلمي عمارة يعقوبيان وحليم فهذا أكبر دليل علي أن سينما العرب بخير وأنه لا توجد أزمة سينمائية كما يقول الكثيرون, ونحن نملك سينما جيدة والحمد لله والأمر ليس بحاجة لحلول, ومن الممكن أن تكون هناك أزمة في حجم الإنتاج السينمائي, بمعني أننا بحاجة لزيادة الإنتاج السينمائي ولكن ليس أكثر من ذلك وهو ما يمكن أن نطرحه للمناقشة أو نبحث له عن حلول, أما تصدير أفلامنا لمهرجانات دولية أخري فهو أمر جيد لأننا بحاجة لذلك و شرف كبير أن تشاهد دول العالم أفلامنا في مهرجاناتهم, وأعود للحديث عن سينمانا العربية قائلا إن الدليل علي صحة حديثي هو أن هناك حجم إنتاج سينمائي كبيرا شارك في مهرجان القاهرة( ملحوظة لم يشارك فيلم عربي واحد في المسابقة الدولية للمهرجان ما عدا الأفلام المصرية) أما الأفلام التي شاركت في المسابقة العربية فجميعها تعرض في مهرجانات أخري ومن إنتاج سنوات سابقة. ومن نفس المنطلق يتحدث الفنان الشاب تامر هجرس فيؤكد أن حجم الإنتاج السينمائي الموجود في دولنا العربية يتناسب تماما مع حجم الطلب خصوصا أننا نملك دور عرض محدودة في العالم العربي ولذلك نحن بحاجة لزيادة الإنتاج السينمائي, في الوقت نفسه زيادة البحث عن وسائل استقبال جيدة لهذا الإنتاج وهي المشكلة الحقيقية التي نعاني منها وتعاني منها سينمانا العربية وليس أكثر من ذلك* الأهرام العربي في 23 ديسمبر 2006
بعد نجاح يوم جديد فى صنعاء
كشف المخرج اليمنى الأصل البريطانى الجنسية بدر بن الحرسى عن فيلم سينمائى روائى يمنى جديد يُعد له مؤخراً وسيتم تصويره فى حضرموت وظفار ومدن أخرى فى اليمن وخارج اليمن .. واكتفى بالقول إن الفيلم اليمنى الجديد سيكون عملا سينمائيا أكبر وأضخم من تجربته الأولى فى السينما الروائية اليمنية "يوم جديد فى صنعاء القديمة" الذى شكل مفاجأة سينمائية عالمية وفاز بالعديد من الجوائز الدولية. وقال الحرسى الذى يتولى حالياً إخراج برنامج "شاعر المليون" لصالح قناة ابوظبى إن فيلم "يوم جديد فى صنعاء" بعد سلسلة النجاحات التى حققها فى العديد من المهرجات الدولية سيبدأ عرضه قريبا فى دور العرض السينمائية الأمريكية ومن ثم فى دور العرض الاوروبية والعربية .. مشيرا إلى أن الفيلم سيكون متاحا للجميع لاحقا حيث سيتم إنزاله الى الاسواق على اقراص "دى فى دي". وأعرب مخرج فيلم "يوم جديد فى صنعاء القديمة" عن سعادته بمتابعة اليمنيين للنجاح الكبير الذى حققه الفيلم .. وقال: "لقد أفرحتنى متابعة اليمنييين وسعادتهم بكل نجاح حققه الفيلم فى كل مهرجان شارك فيه ما جعلنى أنسى الصعوبات والمعوقات التى تعرض لها الفيلم فى فترة انتاجه وتصويره". وتعرض الفيلم فى فترة تصويره لكثير من الصعوبات نتيجة ما أثير حوله من لغط تدخلت على إثره لجنة من مجلس النواب فى مراجعة مشاهد ونص الفيلم وتسبب هذا اللغط فى توقيف تصوير الفيلم اكثر من مرة. وقال بدر بن الحرسى المقيم فى بريطانيا وله تجارب سابقة نجح من خلالها فى إخراج العديد من الافلام الوثائقية منها فيلم " الشيخ الانجليزى والجنتلمان اليمني": "اليمن بلد يتمتع بجمال باهر ومواهب وقدرات متميزة تؤهله ليدخل صناعة السينما والدراما من أوسع الأبواب". ومنذ الانتهاء من تصوير فيلم "يوم جديد فى صنعاء" فى مارس من عام 2004 وهو يحقق نجاحات متوالية فى اكثر من 30 مهرجانا دوليا فاز فيها بنحو ست جوائز كبرى بدءا من الفوز الساحق الذى حققه فى الدورة الـ 29لمهرجان القاهرة السينمائى 2005 حيث خطف جائزة افضل افضل عربى من فيلم "ليلة سقوط بغداد" المصرى .. ليشكل من ذلك الوقت حدثا سينمائيا عالميا. وبعد مهرجان القاهرة اُحتفى به فى الدورة الثانية لمهرجان دبى السينمائى فى نهاية 2005 ليفوز مطلع 2006 بجائزة "الخنجز الذهبي" فى مهرجان مسقط السينمائى الرابع وتواصلت نجاحاته من المهرجانات العربية الى المهرجانات الأجنبية ليفوز فى شهر يونيو بجائزة "الصقر الفضي" لفئة الافلام الروائية الطويلة فى مهرجان روتردام للفيلم العربى بهولندا، ونال فى شهر نوفمبر المنصرم جائزة افضل فيلم عربى فى مهرجان واشنطن للفيلم العربى بتصويت الجمهور بالاضافة الى حائزة "المشاهد العربي" من لجنة المهرجان. -سبأ- العرب أنلاين في 25 ديسمبر 2006 |
ما بعد السماء الأخيرة أسامة العيسة من القدس: تسعى المخرجة الفلسطينية علياء ارصغلي من خلال فيلمها الوثائقي (بعد السماء الأخيرة)، لطرح قضايا القرى الفلسطينية التي دمرت عام 1948، وهجر سكانها إلى داخل إسرائيل يحملون جنسيتها ويسكنون بالقرب من منازلهم التي هجروا منها ولكنهم لا يستطيعون العودة اليها أبدا. وخلال الفيلم ومدته 55 دقيقة، تصحب ارصغلي المشاهد، في رحلة مع بطلتها ناهدة من قرية (كفر برعم) المدمرة، والتي تعيش الان في قرية (الجش) وتروي علاقة جدها بالقرية التي هجر منها وكيف مات وهو يحلم بالعودة اليها، وكيف عاشت العائلة في بيوت مؤقتة على أساس انهم سيعودون بين لحظة وأخرى إلى قريتهم التي أقيمت على أنقاضها مستوطنة يهودية. وقبل سنوات تلتقي ناهدة المسكونة بقريتها بامراتين يهوديتين في ورشة عمل، وتعرف نفسها بأنها من كفر برعم، وتفاجئ بذلك المرأتين اللتين تعرفان نفسيهما أيضا انهما من كفر برعم. وترتبط النساء الثلاث بعلاقة صداقة وثيقة، وتتحدث إحدى الصديقتين اليهوديتين التي هاجرت إلى إسرائيل قبل 20 عاما، وسكنت في مستوطنة كفر برعم، كيف أنها لم تكن تعلم عن قصة المهجرين من القرية، وأنها عندما علمت بذلك واستمعت إلى حكايات الأهالي الفلسطينيين بدأت تتغير مفاهيمها حتى تعريفها إلى هويتها التي اخذت تعيد النظر فيها. وتقول بأنها أخذت تدور على سكان المستوطنة من كبار السن، وتسألهم كيف قبلوا أن يسكنوا في منازل لآخرين، ولم تقتنع باجاباتهم. وبدأ سكان المستوطنة ينظرون إليها ولصديقتها بعين الريبة ولديهم شكوك بان جماعات ارهابية تقف خلفهما، ولكنهم في النهاية تقبلوا ما تطرحه الاثنتان، على أساس انه رأي شخصي وليس له علاقة باجندة فلسطينية. وتحدثت إحداهن عن صعوبة تقبلها للحديث مع الفلسطينيين الأعداء في البداية، ولكن العلاقة التي تطورت مع ناهدة جعلتها كما تقول تختبر نفسها في القبول لحلول لم تكن تفكر بها سابقا مثل أن تكون إسرائيل دولة ثنائية القومية عربية-يهودية، بدلا من هويتها الحالية كدولة يهودية. وأصبحت من خلالها عملها في المستوطنة، كمستقبلة للمستوطنين الجدد، تعرفهم على تاريخ القرية وتخبرهم بحكاية سكانها الفلسطينيين الذين هجروا منها. وتطرح ناهدة حلا بان تعترف إسرائيل بالمهجرين الفلسطينيين وتقبل بعودتهم إلى القرى المهدمة، واعادة إحياءها من جديد، مع الحفاظ على المستوطنات الموجودة. وتقول بان 90% من نواة القرى المدمرة لم يتم استخدامها، وان المستوطنات اليهودية أقيمت على أراض مجاورة لها، ومعنى ذلك انه يوجد متسعا للطرفين. واذا كان الفيلم يظهر رحلة المرأتين اليهوديتين في اكتشاف النفس وحديثهن الصريح بشكل يبدو وكانه مراجعة فكرية او ترف تمارسه مثقفتان جاءتا من الغرب، فان المؤثر فيه هو أحاديث المهجرين من قرية كفر برعم الذين مازالوا يعيشون القرية وتعيشهم، ويقدم أحدهم قصيدة لشجرة التوت التي ولد بجوارها ومازلت موجودة. وحولت إسرائيل قسما من غابة القرية إلى منتزه وطني، واستغل أهالي القرية المهجرين منها ذلك للعودة لقضاء أوقات فيها عن طريق زيارة هذا المتنزه، واقامة مخيم صيفي سنوي يشارك فيه أهالي القرية من مختلف الأعمار، يستعيدون الذكريات ويجددون عهدهم مع القرية، والحفاظ على المقبرة والكنيسة. وتختتم المخرجة فيلمها بقصيدة للشاعر محمود درويش، اسمها (تضيقُ بنا الأرض) استوحت منها اسم الفيلم: "إلى أين نَذهبُ بعد الحدودِ الأخيرةِ أين تطيرُ العصافيرُ بعد السماءِ الأخيرة أين تنامُ النباتاتُ بعد الهواءِ الأخير؟" وعرض هذا الفيلم ضمن فعاليات مهرجان شاشات الثاني في عدة مدن فلسطينية، وعرض لنفس المخرجة فيلما أخر مدته 14 دقيقة اسمه (حبل الغسيل) وهو يشكل رحلة في نفسية امرأة تسكن في شقة مقابلة لمقر ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، والمسمى المقاطعة. ويتناول الفيلم القصير عزلة هذه المرأة ووحدتها خلال اجتياح مدينة رام الله في شهر آذار (مارس) 2002، حيث تعيش يوميا القصف والخوف والذعر في شقة انقطع عنها الماء، واحتل الجنود الإسرائيليون البناية المجاورة للبناية التي تسكن فيها، وحولوها إلى نقطة عسكرية يتم منها قنص المواطنين في الشوارع. وتتحول شقة المرأة إلى عالم معزول وعار من أي سند اجتماعي، شقة ذات اباجورات مغلقة اختلط فيها النهار والليل، والنوم واليقظة، والواقع والخيال، في جو رعد وقصف وبرق وقلق مستمر. ويبقى الغسيل الذي غسلته المرأة قبل الاجتياح شاهدا على ما يجري في الخارج، بينما ليس لديها قدرة إلا على التخيل، من خلال الأصوات والأضواء، حول ماذا يجري هناك، خارج الشقة. وللمخرجة 8 أفلام، منها فيلم (هاي مش عيشة) وهو وثائقي مدته 42 دقيقة، مترجم إلى 6 لغات: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والأسبانية، والإيطالية، والبرتغالية. ويصور هذا الفيلم حياة ثماني نساء فلسطينيات من خلفيات دينية واجتماعية مختلفة، وكيف يعشن ظروف الحرب، ويطمحن إلى السلام، في ظل واقع فظيع من المعاناة والآلام التي تعصف بحياتهن. والنساء التي يتحدث عنهم الفيلم، نساء عاديات يعملن في الإعلام والمسرح والزراعة وطالبة جامعية وأخرى ثانوية وربات بيوت، حياتهم تصنع الأخبار، مع أن الأخبار تهمشهن. وتتحدث هؤلاء النساء بمرارة ولوعة وغضب ومساءلة، فهن يرين أن حياتهن مفعمة بالكرامة، إلا أن الحرب اختصرتها في الماسي والمخاوف والصدمات، فهن يتكلمن عن خسارة فادحة في رزقهن وأرضهن ومنازلهن وموت أحبائهن وضياع راحة بالهن وأهدافهن. ويظهر الفيلم أن ما يعبرن عنه بقوة وعمق هو إصرارهن على حياة ذات معنى، فيها مشاركة وعطاء وطقوس وعظمة الحياة اليومية العادية، وليس حياة الحرب المهينة المرعبة. وتم عرض هذا الفيلم، الذي حاز على جوائز في اكثر من خمسين مهرجانا دوليا من بينها مهرجان ميونخ الدولي للأفلام الوثائقية، ومهرجان اوبرهاوزن الدولي، ومهرجانات قرطاجة والإسماعيلية والرباط، وفي مسابقة الفيلم العربي في باريس، ومهرجانات ملبورن وساو باولو وجاكرتا وميلان، ونسالويكي وسبليت وغيرها. وعلياء ارصغلي، مخرجة ومنتجة أفلام وثائقية، وباحثة وناقدة سينمائية، تحمل شهادة الدكتوراه في علم اجتماع الثقافة. موقع "إيلاف" في 22 ديسمبر 2006
كتاب اسود : آخر افلام الهولندي فرهوفن عودة الابن الضال المرشح إلى الاوسكار أمستردام – صلاح حسن : بعد ثلاثة عشرين عاما من النجاحات المتتالية التي سطرها في سجل هوليود يعود مخرج الجندي البرتقالي والفاكهة التركية باول فرهوفن إلى هولندا بفيلمه الجديد " كتاب اسود " لينعش الحياة السينمائية الهولندية التي ما تزال تبحث عن مكان مناسب إلى جوار مثيلاتها الاوربية. كان يمكن لهذا الفيلم ان يرى النور قبل ثلاث سنوات من ألان لو إن مخرجه استطاع ان يقرر في ذلك الوقت من ستكون الشخصية الرئيسية أو المحورية في الفيلم. فقد ظل يصارع ثلاث سنوات بين ان يكون محور الفيلم عن الخيانة أو عن المقاومة في الحرب العالمية الثانية اثناء احتلال المانيا النازية لهولندا. ولكنه في النهاية قرر ان يكون المحور الرئيسي عن المقاومة وان يكون الدور الرئيسي في الفيلم لامرأة وليس لرجل. من يشاهد الفيلم سيفهم قلق المخرج الذي ظل يفكر ثلاث سنوات من اجل ان يكون فيلمه واضحا للجميع، خصوصا نقاد السينما الهولنديين الذين شنوا حملة قاسية على المخرج في منتصف ثمانينات القرن المنصرم دفعته إلى الهجرة إلى هوليود عام 1985. السيناريو السبب الوحيد الذي اضطر المخرج إلى الانتظار ثلاث سنوات قبل ان يقرر من ستكون الشخصية الرئيسية في الفيلم هو خلل في السيناريو الذي كتبه السينارست المزمن لفرهوفن (خيرارد زوتمان) بالاشتراك مع المخرج. اذ إن هناك شخصيتين تسيران في مستوى واحد من النمو أو تسيران على خط واحد من التطور اثناء مجريات تقدم الفيلم هما شخصية الخائن (توماس هوفمان) وشخصية الفتاة المقاومة راخيل (الممثلة كرسه فان هاوتن). وكان المخرج يعتقد بنجاح هذه التقنية حين جعل شخصية الخائن غامضة حتى النهاية، بينما جعل الشخصية الاخرى الموازية لها واضحة حتى النهاية. ومع القليل من الحيل الهوليودية قدر انه سيكون بمقدوره ان يتجاوز هذا الخلل الكبير. يتحدث الفيلم الذي استغرق عرضه ساعة وخمسا واربعين دقيقة وكلف 17 مليون يورو (اعلى كلفة لفيلم هولندي) عن فتاة يهودية ستكون الناجية الوحيدة بعد ان يقتل افراد عائلتها اثناء فرارهم من هولندا بسبب خيانة تخترق المقاومة الهولندية. وبسبب هذه المأساة الشخصية التي حدثت للفتاة تقرر ان تعمل مع المقاومة وتقدم من اجل ذلك كل ما تستطيع من اجل دحر الاحتلال بما في ذلك النوم في فراش المحتل الذي تخترقه بسهولة عجيبة وهو خلل آخر في هذا السيناريو. يبدأ الفيلم بمشاهد سريعة عن كيبوتز في اسرائيل تقوم فيه الفتاة راخيل بالعمل كمدرسة ثم يبدأ الفلاش باك مع بداية دخول القوات النازية إلى الاراضي المنخفضة وعمليات الانزال الجوي. ولا تستغرق هذه المشاهد سوى ربع ساعة من الفيلم الذي يطول إلى سبعة اضعاف هذه الفترة ليتحول إلى فلاش باك طويل، أي ساعة ونصف من مدة الفيلم كله. الاخراج رغم إن المخرج فرهوفن قدم العديد من الافلام الناجحة في هولندا وهوليود على حد سواء مثل " غرائز اساسية، الموديلات " ذات الحركة والاثارة، لكنه في هذا الفيلم يعود إلى طبيعته الهولندية المتسمة بهدوء الايقاع ورتابته احيانا رغم الكثير من مشاهد العنف التي تتطلب حركة سريعة وايقاعا متصاعدا. الغريب في الامر إن الخبرة التي اكتسبها المخرج من هوليود في السنوات العشرين الاخيرة لم تساعده في تجاوز تلك الطبيعة الرتيبة التي تعد ركيزة قارة في الشخصية الهولندية. الشيء المختلف حقا هو التصوير ولغة الحوار وبعض الحيل الهوليودية في تنفيذ بعض المشاهد التي تتطلب حركة وانفعالا واثارة. ففي الوقت الذي كانت الكاميرا فيه تنقل الاجواء الحسية والمشاعر الغامضة لشخصيات الفيلم بسلاسة واضحة، كان الحوار معاصرا ويقترب من لغة الشارع ولا يخلو من التجديف والمفردات الجارحة التي يستخدمها الشباب الهولندي اليوم، على العكس تماما من لغة الاربعينات التي كانت تتميز بالتهذيب والاحترام وقت وقوع الحرب. هل اراد المخرج ان يقول إن ما يحدث ألان هو امتداد لما حدث ؟ ! التمثيل في فيلم " كتاب اسود " لم نلحظ تلك التلقائية عند بطلة الفيلم (كرسه فان هاوتن) التي لم تظهر عليها مشاعر الخوف وهي تدخل عرين الاسد الهتلري (ملتزه) الممثل سباستيان كوخ الذي ادى شخصية الضابط الالماني بهدوء وشفافية واتقان. وما عدا ذلك نمطية وصناعة تفتقر إلى الخيال والارتجال والحركة المتحررة من اطار الكادر الضيق. لم نلمس الكثير من التلقائية إلا في اداء زعيم المقاومة المزعومة توماس فريدمان الذي بدا هو الاخر كجندي مرتزق أكثر من كونه مقاتلا بحيث ظلت مشاعره ثابتة حتى النهاية، فلم يكن خائفا ولم يكن مترددا وبدا وكأنه يرتدي قناعا. باستثناء الممثل القدير ديريك دي لينت الممثل الوحيد الذي بقي مع فرهوفن بعد فيلمه الاخير عن الحرب والذي اشتهر بأفلامه " خفة الكائن التي لا تحتمل، ثلاثة رجال وطفل) وهو الممثل الهولندي الوحيد الذي حصل على جائزة اوسكار. بريد قسم السينما في أيلاف cinema@elaph.com موقع "إيلاف" في 23 ديسمبر 2006
|
الدراجة النارية في السينما نزوات السائق في مقدمة التابوت الطائر دوماً فجر يعقوب |