عندما عرضت هالة خليل فيلمها الجديد "قص ولزّق" في مهرجان القاهرة السينمائي، ترافق ذلك مع مجموعة تفاصيل وهمهمات في مقدمها انه واحد من فيلمين اختيرا للمسابقة الرسمية في المهرجان بعد سنوات من القحط تسببت في غياب افلام مصرية جيدة عن المهرجان. ولكن حبس الانفاس كان سببه ان الفيلم يقدم الممثلة حنان الترك المعتزلة اليوم بسبب الحجاب في آخر أدوارها السينمائية بما لا يخلو من جرأة تتجسد في مشهد حب حميم غالباً ما باتت تنبذه الممثلات المصريات المعتصمات بشرف "السينما النظيفة" التي هي في واقع الحال نظيفة الى حد خلوها من اي طعم او نكهة او رائحة. غير ان ما يكتشفه المشاهد خلال الفيلم وبعده بعيد من كل تلك الاعتبارات، إذ يقف إزاء تجربة سينمائية ثانية متينة، حققت مخرجتها من خلالها قفزة نوعية بعد تجربتها الأولى "أحلى الأوقات" ناهيك بخوضها معترك الكتابة السينمائية منفردة للمرة الاولى. وتبادرنا حنان الترك بأفضل أداء لها على الاطلاق وكذا يفعل شريف منير. كل ذلك وسواه استدعى حواراً مع هالة حول هذه التجربة مع العلم ان الفيلم عُرض في الاسبوع الفائت في مسابقة مهرجان دبي السينمائي.

* * *

·         كيف تبلورت فكرة الفيلم وقادتك الى كتابة السيناريو بمفردك للمرة الاولى؟

ـ بعد "أحلى الأوقات"، قرأت سيناريوات كثيرة بحثاً عن فيلمي الثاني او ما سيكون فيلمي الثاني. ولكن أياً من تلك لم تمسني الى حد ان تشعل فيّ رغبة صنع فيلم. في الوقت عينه، كانت فكرة هذا الفيلم "قص ولزّق" تدور في رأسي منذ بعض الوقت، طلبت من صديقتي كاتبة السيناريو زينب عزيز التي تخرجت معها في معهد السينما ان تكتب لي سيناريو حول فكرتي. وعندما سألتني عن الفكرة ورحت ارويها لها بالتفصيل، أجابتني بأنني قمت لتوي بما يشبه كتابة السيناريو. ونصحتني بأن أقوم بالكتابة بنفسي. استشرت أصدقاء آخرين لي فوجدتهم جميعاً يدفعونني في اتجاه الكتابة. بالنسبة الي، كانت لدي مخاوف من الانفراد الكامل بالكتابة. تجاربي السابقة كانت مبنية على الكتابة المشتركة. الانفراد بالكتابة يعني الدخول في مرحلة طويلة من العزلة وذلك يخيفني. أخاف العزلة وأخاف الاكتئاب الذي قد يرافقها. ولكنني بعد وقت، قررت خوض التجربة معتبرة انها محك جديد وكبير لا مفر من المرور فيه.

·         ذكرت ان فكرة الفيلم كانت في رأسك لفترة طويلة. ما هي هذه الفكرة؟ أقصد كيف كان شكل الموضوع في مراحله الأولى؟

ـ الفكرة الأساسية تدور حول المشاعر الانسانية في المجتمع المصري في هذا الوقت. هل هناك مكان لتلك المشاعر في ظل وطأة الظرف الاقتصادي؟ ثمة تقلص رهيب فيها على الاصعدة كافة بين الاهل وبين الاصدقاء وبين الاحباء. الظرف الاقتصادي يزداد قسوة حتى يخنق المشاعر الانسانية. قبل سنوات، كانت هذه مشكلة الطبقة الفقيرة والمهمشة. اما اليوم فامتدت لتطاول الطبقة الوسطى التي باتت تواجه تدنياً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً غير مسبوق الامر الذي بلور فكرة الهجرة. اليوم هذه الفكرة مترسخة لدى الشباب المصري واذا قال أحدهم انه مهاجر لا يسأله الآخر عن السبب وانما عن الوجهة اي "الى أين؟" وليس "لماذا؟" ولهذا دلالة كبيرة تستند الى ان اسباب الهجرة باتت كافية وواضحة ولا لزوم للكلام فيها. الامور الاساسية منعدمة. لا عمل ولا زواج في مجتمع يفرض محاذير دينية واجتماعية على العلاقات الحميمية. أنا انتمي الى هذه الطبقة وهذا النقاش حاضر على الدوام مع الاهل والاصدقاء الامر الذي أحيا فكرة الفيلم طوال عام كامل.

·         قررت خوض مغامرة الكتابة منفردة للمرة الاولى. كيف تصفين التجربة؟ وما هي المراحل التي مررت بها؟

ـ التجربة كما قلت بدأت بمخاوف شديدة قبل أن تتحول متعة لم أشعرها بمثيلها في حياتي ولا حتى في عملي كمخرجة. عندما بدأ السيناريو يتحول الى شخصيات وعلاقات واكتسب عالمه الخاص، احتواني تماماً فتوقفت عن الخوف من العزلة. صرت أحيا في زخم عالم من الشخصيات حقيقي، أتفاعل مع همومهم ومشاكلهم الى درجة أنني ضربت عرض الحائط بالبناء الاولى الذي صممته قبل البدء بالكتابة. بعد اجتياز ثلثي السيناريو، شعرت بالشخصيات تقودني الى أماكن غير التي خططتها لها سلفاً. والشخصيات كانت قد أصبحت بالنسبة الي حقيقية الى حد أنني كنت عاجزة عن فرض اختياراتي عليها. برغم ذلك، عاندتها وقررت أخذها في الاتجاه المحدد سلفاً. أنهيت السيناريو ولكن بعد قراءته كاملاً، لم يرضِني. عندها، أعدت الكتابة وسرت خلف خيارات الشخصيات. بالفعل عالم الشخصيات احتواني ومنحني متعة بت اليوم أفتقدها. كنت مستمتعة بصحبة جميلة ويوسف وزينب وسامي. لاحقاً عندما دخل بيننا آخرون من فريق عمل وممثلين وتصوير والآن الجمهور، افتقدت فترة الكتابة عندما كنت أشعر بنفسي مالكة الكون كله. الكتابة بالنسبة الي اليوم هي المتعة الكبرى في العمل السينمائي.

·         عندما تشاهدين الفيلم على الشاشة، أتشعرين انه بعيد كثيراً عن الورق؟

ـ بالتأكيد لأن خيالك ملكك اما ترجمته على الورق فتخضع لحسابات أخرى ككمية الخام والميزانية وعدد أيام التصوير وظروف الممثل وغيرها من العوامل المادية التي ترهق هذا الخيال وتدفعه الى أسفل ليتحول ما يمكن الحصول عليه.

·         بماذا خرجت من تجربتك الاولى "أحلى الأوقات"؟

ـ خرجت بخلاصة مفادها فتح المجال أكثر لمشاعري وقبل دماغي أحياناً. هذا الصراع تجلى خلال كتابة السيناريو عندما قررت اقتياد الشخصيات الى المصير الذي خططته لها في حين ان نداء المشاعر كان يحثني الى الجري خلفها. أنا شخص يشبه "جميلة" في الفيلم التي لا يتوقف رأسها عن التفكير لدرجة انه يضغط على أحاسيسها ويعلبها. تعلمت بعد التجربة الاولى ان أهدئ من تفكيري ومن تنظيري وأترك لمشاعري ان تتفجر. لهذا السبب ربما، وبصرف النظر عن علاقة المشاهد بالفيلمين، أشعر ان "قص ولزّق" أقرب الي لأنني ذهبت فيه بمشاعري أبعد.

·     الفرق الواضح بين الفيلمين يتجلى ايضاً في ملامسة الواقع. في الاول هناك جهد لتغليف الواقع بطبقة من السكر. بينما هنا وبرغم وجود لحظات حلوة، الا ان الطعم أقرب الى المرارة.

ـ هذا صحيح لأنني كما ذكرت لم أفتعل الشيء الذهني بل مشيت خلف أحاسيسي.

·     ماذا عن "جميلة" وما ذكرته عن شبهها بك؟ هل كنت مدركة منذ البداية انك تكتبين شخصية تشبهك؟ ام انه أمر اكتشفته خلال الكتابة؟

ـ اكتشفت خلال الكتابة ان العلاقة بين "جميلة" و"يوسف" هو صراعي الشخصي. انه صراع ذهني وجداني فظيع. ذهني يضغط على مشاعري ويمنعها من الخروج. يوسف هو المشاعر والشخص التلقائي البسيط الذي لا تحكمه ذهنيته لذلك يقول لها في الفيلم "مشكلتك انك بتحسبي كل حاجة، بس جربي مرة تخرجي من غير ما تكوني عارفة انت رايحة فين جايز رجليك توديك لحاجة أحلى بكتير من اللي بتفكيرك." هذا صراعي مع نفسي. "جميلة" و"يوسف" شخص واحد، عقل ووجدان. كلاهما متطرفان. لهذا واجهت أزمة فظيعة حيال من سأنصر. من سيتغلب على من؟ العقل ام الوجدان؟ لم أتمكن من فعل ذلك فتركت النهاية مفتوحة. ثمة ضرورة لكليهما ولكن في النهاية هناك ظرف قاس يصعب التعامل معه لا بالقلب ولا بالعقل وتخطيه ليس بيدنا بل في أيدي من تسببوا به او شاركوا فيه او تجاهلوه حتى وصل المجتمع المصري الى هذا الدرك المتدني.

·         عند اختيار الممثلين هل كان التفكير بحنان الترك لدور "جميلة" بديهياً؟

ـ علاقتي بحنان قديمة اذ مثلت في فيلم تخرجي من معهد السينما ومن ثم في فيلمي الاول "أحلى الأوقات" وارتحت معها على المستويين الشخصي والعملي. "قص ولزّق" هو استكمال وان كان يتجه الى ان يكون التعاون الأخير بعد ارتدائها الحجاب. حنان الترك كانت في بالي ولكن ليس في مرحلة الكتابة لأن ذلك يحد الخيال ويجعل الكتابة مستوحاة من ادوار سابقة للممثل الذي قفز الى الشخصية وبالتالي يفقد الأخيرة فرادتها. هذا شيء أقاومه باستمرار وان كان يمكن ان تكون الشخصية مستوحاة من شخص حقيقي أعرفه وهذا يغنيها. حنان كانت تعرف انني اكتب السيناريو وطلبت مني أن تقرأه. من جهتي، كنت خائفة لأنني أعلم سلفاً ان عندها مشكلة مع المشاهد الحميمية. وقلت لها ذلك ولكنها بعد قراءته فاجأتني باستعدادها تصويره كما هو. حصل هذا الاتفاق ولاحقاً تراجعت عنه.

·         هل دفعك ذلك الى حذف مشاهد؟

ـ لم أحذف ولكنني لا أستطيع ان أقول انه نُفِّذ بالشكل الذي أريد كما لو كانت معي ممثلة مطلقة الحرية.

·         هل حدث الشيء نفسه مع شريف منير؟

ـ بدرجة أقل بكثير لأن شريف لديه تجربة في "سهر الليالي" وغيره مع مشاهد مشابهة.

·         من أين جاءت فكرة توظيف الاغاني درامياً في الفيلم؟

ـ في الفيلم أغنيتان هما صوت شخصية "جميلة" الداخلي . فهي دوماً تبدو شخصية عملية وجامدة المشاعر. فقط في هاتين الاغنيتين نتمكن من سماع صوتها الداخلي ونتفهم انها انسانة عادية ولكنها تكبت مشاعرها. هي من الخارج تبدو مسيطرة على خياراتها وتعبر عن رغباتها بالقوة. ولكن عبر الاغنية نلمس حيرتها. الأغنية الثالثة في المترو هي لحظة ربط كل الشخصيات بلحظة واحدة او شعور واحد. هناك لحظة انتظار لتغيير ما فتأتي الأغنية لتقول ان الشخصيات لا تملك مصيرها. المونتاج يمر على الشخصيات كافة ليؤكد مصيرها المشترك وتتبع الأغنية محاولة "يوسف" الخروج من المأزق بطريقة أخرى.

·         برأيي ان الأغنيات أدت وظيفتها ولكن الموسيقى التصويرية أضعفتها وأخذت الفيلم الى تخوم ميلودرامية كان في غنى عنها.

ـ أريد فقط ان أوضح ان ظلماً كبيراً لحق بشريط الصوت خلال العرض الاول الذي شاهدته. فالشريط وصل من لندن في اليوم عينه واكتشفنا خلال العرض ان الموسيقى كانت عالية الى درجة منفرة طغت على الحوار وأساءت الى الموسيقى التصويرية ككل. اتضح لاحقاً ان المشكلة من الصالة. في أماكن كثيرة، الموسيقى تكاد لا تكون مسموعة وحضورها لاضفاء جو فقط. لذلك أرجو الا تحكمي على الموسيقى من هذا العرض السيئ.

·     خلال السنوات الأخيرة، برزت مجموعة أفلام تتناول الشباب وأحوالهم. هل تعتقدين أن ثمة نهضة يعيشها هذا النوع في ردة فعل على نوع آخر يقدم الحياة اليومية لدى فئة معينة وبـ"روتوش" هائل؟

ـ لهذا الموضوع جانب ايجابي وآخر سلبي. يكمن الايجابي بحضور الشباب في السينما على صعيد الاخراج والكتابة والتمثيل وبالتالي أصبحت الموضوعات التي نراها على الشاشة تخص الشباب وتمتلك خصوصية تميز هذا الجيل بعيداً من اية مقارنة او مفاضلة مع سابقه. هذا جيد ولكن الامر السلبي هو اننا نفتقد حضور جيل الخمسينات والأربعينات في التمثيل والموضوعات. هذا سببه انحسار الممثلين الذين يؤدون هذه الادوار وكذلك المخرجون الذين هم اساتذتنا مثل خيري بشارة ممن قل انتاجهم. لا يعقل ان تكون كل الافلام تتحدث عن الشباب فقط. الشاشة المصرية اليوم سواء أبالاعمال الجادة او الكوميدية الهابطة تشغلها شريحة الشباب. أعتبر هذا رد فعل لأنه لفترة طويلة احتكر نجوم المرحلة السابقة الشاشة وظلوا يلعبون ادواراً شبابية على الرغم من تخطيهم مرحلة الشباب. ولكن لا بد من احداث توازن. لذلك فرحت جداً بفيلم "ملك وكتابة" بسبب وجود شخصية محمود حميدة الرجل الخمسيني ومشكلاته.

·     عندما تتعاملين مع واقع بهذه القسوة، الا يسكنك هاجس المشاهد؟ بمعنى آخر، الا تفكرين في النظرة التي سيخرج بها عن واقعه لاسيما انك تركت الفيلم مشرعاً على أكثر من احتمال؟

ـ عندما كتبت، لم أفكر الى اين سآخذ المشاهد. الدراما هي التي قادتني في النهاية. وكذلك الأمر بالنسبة الى مشهد الحب عندما توقفت كل الحسابات وتفجرت المشاعر. هو لحظة بهجة مؤقتة، أسكتت الخوف والقلق. وهو لحظة حب وليس نهاية سعيدة بمعنى ان الدماغ بعد عملية الاشباع العاطفي عاد الى العمل مباشرة لأن شيئاً لم يتغير. هكذا نرى نظرة الخوف في عيني "زينب" وكأنها تتساءل كيف سيتعامل معها "سامي" بعد ما حصل بينهما. بينما نشاهد القلق في عيني "جميلة" إذ تنظر الى خاتم الزواج وقد انتقل الى يدها اليسرى وكأنها تفكر في زواجها من شاب بلا عمل ولا مستقبل ولامكان. عاد الواقع ليقفز الى الاحاسيس فارضاً السؤال: هل من مكان للأحاسيس تحت وطأة هذه الظروف القاسية؟

·         ما هي المعوقات التي تقف في وجه مخرج مصري شاب اليوم؟

ـ هناك إعاقة الرقابة الرسمية ورقابة اجتماعية أشد وطأة من الرسمية ورقابة الممثلين على أنفسهم خوفاً على علاقتهم بالجمهور وبنجوميتهم وبأهاليهم. كل ذلك يعوق حرية التعبير والخيال. ولكن علي ان أتعامل مع كل ذلك. ثم تأتي مشكلة الموازنة المحدودة لأنني في صدد إنجاز فيلم خالٍ من المقومات التجارية في غياب معادلة الأكشن مثلاً وفي غياب النجم القادر على تحقيق الملايين. كل هذا يقلص الخيال بدءاً بعملية الكتابة لأنني أكتب وأنا مدركة سلفاً للواقع الذي انا ذاهبة اليه والا فسيكون مشروعاً يستقر في الدرج.

·     العمل مع الممثلين واضح ومن ذلك ان نشاهد حنان الترك في أداء جديد وكذلك شريف منير ومروى. من أين يبدأ العمل مع الممثل؟

ـ من الكتابة. الأصعب في العملية ليس الشغل على الممثل وانما على الشخصية أثناء الكتابة. التحدي يكمن في قدرة الكاتب على استحضار الشخصية في ذهنه بمشيتها وحركتها ونظرتها وأدق تفاصيلها. شخصية "يوسف" مثلاً استغرقتني بعض الوقت لأنها شخصية تشكل خطراً بما تحتمله من امكانية التحول شخصية مسطحة وباهتة وضعيفة وغير جذابة. كيف يمكن في ظل ذلك الخروج بشخصية جذابة؟ احتاج ذلك الى عمل دؤوب مع الشخصية في مرحلة الكاتبة ولاحقاً مع شريف منير اثناء التصوير. كان الهدف الاساسي تجنب وقوعها في الانهزامية والتركيز على انها شخصية متصالحة مع نفسها وظروفها الى حد اليقين كأنها ترى ما وراء الأشياء. مشكلة أخرى واجهتني مع شريف هي طبقة صوته العريضة التي لا تناسب الشخصية فكان عليه ان يرققها لتتناسب مع "يوسف". اذاً كلما استطاع الكاتب استحضار الشخصية أصبحت عملية ايصالها الي الممثل أسهل. بمعنى آخر، ثمة فرق بين ان يبدأ الممثل من سيناريو متين لا يحتاج سوى الى الاضافة اليه وبين ان ينطلق من سيناريو ضعيف يتوجب عليه اعادة العمل على الشخصية فيه. ولعل اشتغالي في التمثيل خلال مرحلة الدراسة قربني من مشكلات الممثل ومخاوفه وسهل علي التعامل معها والتواصل مع الممثل. اذاً الامر مزيج من استحضار الشخصية والقدرة على التواصل مع الممثل وأخيراً الاصرار لأن العمل في ظروف صعبة كفيل أحياناً بأن يحبط عزيمة المخرج دافعاً به الى التنازل عن طموحاته. لقد حدث أثناء التصوير انني كنت اصور مشهداً لحنان الترك وشريف منير في السيارة وسط ازدحام فظيع في وسط البلد. كنت جالسة في السيارة الأمامية، أرى وجهيهما فقط من دون ان أسمع الحوار. شعرت في لحظة ان التعبير الذي أراه على وجه شريف هو تعبيره وليس تعبير "يوسف". فأوقفت التصوير وقلت له ذلك وكان صحيحاً لأن الناس في الشارع لم يكفوا عن مناداته باسمه والقاء التحية عليه مما تسبب بفقدانه التركيز على الشخصية.

·     حنان الترك لم تشاهد الفيلم. هل رفضت ذلك؟ وهل تخافين من ان تسعى الى منع عرضه لاسيما ان فيلمها السابق "دنيا" لم يُعرض في الصالات المصرية؟

ـ للأسف لم تشاهده وقد غيّرت رقم هاتفها فلم أعد قادرة على مكالمتها. لا أعتقد ان حنان ستحارب الفيلم. انا أعرفها جيداً وأعرف انها لن تذهب أبعد من مقاطعته. هي في داخلها فنانة ولكنها جزء من مجتمع يتراجع بشكل مخيف وعلى المستويات كافة في غياب الدور التنويري الذي يتوجب على الدولة ان تلعبه مع العلم انها قامت به في الستينيات. كل التيارات باتت تلعب في ذهن المواطن. حنان جزء من هذا المجتمع وابنة أسرة مصرية عادية. انظري الى كم الحجاب في المجتمع المصري اليوم. ولكن أكرر ان حنان في داخلها فنانة لذلك لا أعتقد انها ستصل بها الأمور الى محاربة الفيلم. وعندي أمل كبير في ان تتراجع عن مقاطعة الفيلم لاسيما بعد ما كتب عنها في الصحف وما قيل في التلفزيونات عن ان الدور من أهم ادوارها وعن ان هذا فيلم جدير بأن تقف وراءه وأن تدعمه.

·         هل تعتقدين انه سيكون من الصعب التراجع عن مشروع الكتابة بعد هذه التجربة؟

ـ ليس شرطاً. لا أريد ان أتخذ قرارات مسبقة. عايزة أجرب مرة أمشي من غير ما أعرف رايحة فين يمكن رجلي تاخدني لمكان أحلى من اللي في تفكيري.

المستقبل اللبنانية في 22 ديسمبر 2006

المخرج الاماراتي يرى في العبث بالصورة السينمائية أشياء جميلة...

نواف الجناحي: نتحايل على جهات الدعم

فجر يعقوب 

ما يميز عمل المخرج الإماراتي الشاب نواف الجناحي ارتكازه الواضح على لعبة الظل والضوء في أفلامه الروائية القصيرة التي قدمها حتى الآن. في فيلمه الجديد «مرايا الصمت» يبرهن الجناحي من جديد على مقدرته على مواصلة نهجه في هذه اللعبة التي تشغله وتشكل جزءاً من شغفه بالصورة والصمت الذي يبدو غارقاً فيه على غير عادة أقرانه من السينمائيين الإماراتيين الشباب. هنا حوار مع الجناحي وقد شارك فيلمه في مهرجان دبي في دورته الأخيرة في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة:

·         من الملاحظ أن فيلمك «مرايا الصمت» لا ينتمي الى بيئة خليجية.

- الخيار الفني هو الذي يحكم الموضوع هنا، وموضوعي ليس مرتبطاً بالبيئة الخليجية. انه إنساني ويدور حول خيبة الانسان المعاصر، وكان يجب أن أبقي عليه محكوماً بهذا الاطار الذي اخترته له كي يصبح مفهوماً من قبل الجميع.

·     أنت ابن ممثل إماراتي معروف.. وتؤدي الدور الرئيس في فيلمك، كما أنك لا تتوقف عن الظهور في أفلام زملاء لك، هل هناك ما يمكن توريثه في هذا المجال؟

- لا أنكر أن أبي مهّد لي الطريق لدخول عالم التمثيل منذ كنت صغيراً، فقد عملت معه في مسلسل إذاعي وآخر تلفزيوني، ومن هذا الباب ولجت الوسط الفني، ولكن السينما كانت قرارا ذاتياً بحتاً، حتى أن أبي نفسه لم يرد لي أن أدرسها.

التعاسة والخبز

·         وأين كانت تتجلى اعتراضاته؟

- كان يعتقد في تلك الفترة إن مجال الفن لا يورث إلا التعاسة ولا يطعم خبزاً، وكان يردد على مسامعي قوله بضرورة البحث عن مهنة أخرى في صناعة البترول، أو الجيش، أو الهندسة.

·     تبدأ فيلمك بزجاجة ماء صغيرة وتنتهي بها.. هناك عطش واضح إلى أشياء كانت تتراخى بين لعبة الظل والضوء التي ارتكزت عليها في الفيلم...

- طبعاً هناك عطش للتواصل الانساني في المدينة الحديثة، فمعاناة الانسان في مثل هذه المدينة بدأت تفرز حالات شبيهة بالشخصية التي شاهدناها. ولكن الفيلم لا يقول أن كل شخصية تعيش في هذه المدينة تمر بمثل هذه الحالة.

·         هل يجيء التجريب أحياناً لأنه ما من شيء يمكن قوله؟

- قدمت فيلماً روائياً صنف على أساس تجريبي. بشكل عام أنا أرى في التجريب عالماً قائماً بحد ذاته، وهناك أناس يستسيغونه، وأناس لا يستسيغونه. وهناك في المقابل سينمائيون يشطحون به ويتلاعبون به بأدواتهم السينمائية من باب العبث واللهو، وهذا قد يبدو جميلاً في بعض الأحيان.

·     هناك أزمة قاتلة يعاني منها البطل/ الممثل في عزلته، حتى وهو على المسرح. هل يمكن القول إن المرايا نجحت في عكس ما بداخله من دلالات على عمق هذه العزلة الروحية؟

- فعلت ما أحسست به، والجمهور هو الذي يمكنه أن يجيب على مثل هذا السؤال، وما إذا كانت الدلالات قد وصلت إليه، ولكن من خلال ردات الفعل التي تصلني أعتقد أن الفكرة قد وصلت، فالغالبية التي أحست بالفيلم بدا واضحاً أنها تتفاعل مع هذه الحالة.

·         ما هي مرجعيتك بخصوص هذه المدينة؟

- خليط من شيئين... أنا أردت أن أعكس ما هو متخيل من طريق الجدران العالية والعمارات الشاهقة التي لا تنتهي، واستمرارية العزلة، اذ ليس ثمة فارق ما إذا كان هناك أناس متوفرون في هذا الخلاء، فالعزلة مستمرة وستستمر بالتصاعد.

·         أين يمكن أن نجد مثل هذا البطل في رأيك؟

- في كل مدينة حديثة سنجد مثل هذه الشخصية التي تعيش وتعاني وربما بطريقة أسوأ من الطريقة التي ظهرت فيها في الفيلم.

·     كيف يمكن التعبير عن الصمت... هل هو نسق من الاشارات التي يلجأ البطل إليها في عبوره بين الأبنية الشاهقة وهي تعكس سقماً روحياً في كل كادر مر به؟

- في أدوات السينما كلها، من استخدام الأبيض والأسود الى الحركة والتكوين. أنا اشتغلت على الجانب الصوري قبل التصوير، وعالجت كل كادر على حدة بما يؤمن لي أكبر قدر ممكن من الهندسة الصورية التي حصلت عليها في الفيلم.

·         هل لدراستك السينما في أميركا تأثير على طريقة شغلك؟

- لو لم أدرس السينما في أميركا لما وصلت بطريقة تفكيري الى هنا. وعيي السينمائي تشكل في السنوات الثلاث التي قضيتها هناك.

·         أنت من الأسماء التي لمعت في مسابقة أفلام من الامارات.. ما الذي قدمته لك هذه المسابقة؟

- المسابقة قدمت لي الأشياء التي قدمتها لكل شخص يحب السينما في الامارات. لقد قدمت لي فرصة التواصل والمكان الذي أعرض فيه أفلامي على الجمهور.

·         هل ما زلتم كسينمائيين إماراتيين تعولون على التجمعات السينمائية الخاصة بخصوص مستقبل صناعة أفلامكم؟

- التجمعات هي وسيلة للتحايل على جهات دعم حكومية وخاصة، وهي أصبحت بمثابة كيانات اعتبارية لنا، فمصاريف أفلامنا في النهاية تخرج من جيوبنا نحن!

 

المستقبل اللبنانية في 22 ديسمبر 2006

"توم وجيري" لأول مرة بمفردهما

جهاد الترك 

رحل جوزيف بربارا ولم يرحل. أمهلته الحياة حتى سن الخامسة والتسعين ليقطف ثمار نجاحه المهني طيلة ستين عاماً من الابداع الفني الصعب. من لا يذكر الثنائي جوزيف بربارا وويليام حنا اللذين شكّلا مخيلة أجيال طويلة من خلال ابداعاتهما الاستثنائية في مجال الرسوم المتحركة؟ منذ مطلع الأربعينات الماضية، أقاما علاقة عميقة ونادرة ومحبّبة مع الأطفال في كل أنحاء العالم. كان سبيلهما الى ذلك، قدراتهما الفذة في ابتداع شخصيات كرتونية تخاطب عقول الصغار والكبار على حد سواء، من بينها "توم وجيري" وهما الهر والفأر اللذان دخلا تاريخ التلفزة واقتربا، أحياناً كثيرة، من الشاشة الكبيرة. ثم طورا رؤيتهما، على هذا الصعيد، في برنامج كرتوني آخر، هو "فلينت ستونز"، وتدور حلقاته حول عائلة من العصر الحجري في إطار من اللغة المعاصرة ومفاهيم الحداثة. ومن إنجازاتهما كذلك: برنامج "سكوبي دو"، و"يوغي بير" و"سيمبسونز"، وسواها من الأعمال الكرتونية التي يصعب حصرها بالأسماء والأشكال.

ولد جوزيف بربارا في الرابع والعشرين من آذار ـ مارس 1911، في الحي الايطالي من مدينة نيويورك الأميركية. بدأ أولى خطواته في مجال الرسوم المتحركة المتحركة بالعمل مع أحد كبار اساطين هذا الفن، والت ديزني. جمعته علاقة وثيقة مع ويليام حنا منذ مطلع الأربعينات الماضية، وبقيت صامدة حتى وفاة هذا الأخير في العام 2001. في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، أسسا معاً شركة خاصة بصناعة الرسوم المتحركة وتعاقدا مع "مترو غولدوين ماير"، احدى كبريات شركات الانتاج في الولايات المتحدة والعالم. ولم يحل هذا الأمر من أن تتهافت على اعمالهما شركات أخرى للانتاج السينمائي، من بينها "وارنر بروذرز" التي اشتهرت بمساهماتها الكبيرة في الارتقاء بهذا الفن. ومع ذلك، فقد بقي اسما هذين العملاقين طاغياً على سائر المؤسسات التلفزيونية والسينمائية التي تعاملا معها. والسبب في ذلك، على الأرجح، انهما كانا متفردين في اكتشاف ابعاد هذا الفن الجميل، والأكثر قدرة على استقطاب الصغار الى العالم السحري للرسوم المتحركة. ولم يتمكن أحد، على الاطلاق، من مجاراتهما، وتحديداً جوزيف باربارا، في تطويع شخصياتهما الكرتونية وجعلها مستساغة من قبل الصغار والكبار. والدليل أن شخصيتي الهر والفأر (توم وجيري) لا تزالان الأكثر إثارة لمخيلة الطفولة حتى لدى الكبار، إذ أصبحتا، على الأرجح جزءاً لا يتجزأ من تلك الذاكرة، من ذلك الحنين الى الماضي الجميل. اما سر خلود هذين العبقريين، فيتمثل بالدرجة الأولى، في أنهما كانا سبّاقين، من دون منازع، في إعادة اكتشاف الحياة البرية بمعظم كائناتها، على نحو يتلاءم مع الطبيعة الخلاقة للأطفال، وإزالة الفروق بين الانسان وما يجهله في العالم البري المتوحش. رُشحت اعمالهما لجائزة الأوسكار مرات كثيرة. لم يعيرا هذا الأمر أهمية تذكر، فقد كانا أكثر أهمية من كل الجوائز.

المستقبل اللبنانية في 22 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

هالة خليل عن تجربتها السينمائية الثانية "قص ولزّق":

لا أعتقد ان حنان الترك ستحارب الفيلم لأنها فنانة من داخلها ولكنها جزء من مجتمع يتراجع بشكل مخيف

ريما المسمار

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك