في احتفاليته الثلاثين، لا يخفي مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أهدافه السينمائية، السياحية الاقتصادية، والترويجية، وهو مخلص في التعبير عنها من خلال العروض المكثفة، الندوات، اللقاءات، المؤتمرات، الكتيبات، النشرات، الجولات السياحية، السهرات، والأجواء الاحتفالية. انها قواسم مشتركة لكل مهرجان كبير يطمح بأن يكون علامة فارقة في خريطة المهرجانات السينمائية، وواجهة رسمية يطل من خلالها علي السينمات الأخري، ويحتفي بانتاجه المحلي.

هي فرصة سنوية ينهل منها العاشق للسينما ما يشاء من الأفلام، ويجد المتفرج الفضولي ما يبحث عنه، ويحفز الآخرين علي المشاهدة، والفرجة في صالات العروض السينمائية التي هجرها لحساب شاشات التلفزيون.

وفي أنحاء العالم، لكل بلد مهرجانها الأكبر، تعتز به، وتفتخر: برلين، كان، فينيسيا، لوكارنو، لندن،... ولم تشذ الدول العربية عن القاعدة: دمشق، دبي، مراكش، تونس، القاهرة،...

وهكذا، فانه من الطبيعي أن تتوجه الأنظار نحو تلك المهرجانات بالذات، بينما تدور الأخري الأقل حجما (وليس أهمية) في فلكها، بدون أن تصبح هامشية (بالمعني السلبي)، وكلها تتقاطع في أهداف مشتركة :

ـ تقديم أفضل الانتاج السينمائي للمتفرج المحلي.

ـ التعريف بسينمات مجهولة.

ـ الكشف عن مواهب سينمائية واعدة.

ـ نشر الثقافة السينمائية.

ـ جذب الجمهور الي الصالات السينمائية.

ـ الدفاع عن السينمات الوطنية(المحلية).

ـ التعريف بالأفلام القصيرة، والتسجيلية،....

وفي مصر بالذات، تخيرت السلطات السينمائية أن تستقطب القاهرة مهرجانها الدولي ومهرجان أفلام الطفل، والمهرجان القومي للسينما المصرية، بينما احتضنت الاسماعيلية مهرجان الأفلام التسجيلية، والقصيرة، وبسبب موقعها الجغرافي، ومكانتها التاريخية، فقد كان مهرجان أفلام دول البحر المتوسط من نصيب الاسكندرية..وبشهرة أقل، توزعت مهرجانات صغيرة في السويس، الفيوم، والعريش.... بينما تحتفي فرنسا (وحدها) بحوالي 500 مهرجان صغير، ومتوسط، وكبير، عام، ومتخصص، وكل واحد منها يختلف عن الآخر في طبيعته، وتوجهاته. ومصر بريادتها، وانتاجها السينمائي الحافل، وتأثيرها علي سينمات الدول العربية الأخري، ينعقد علي أرضها عدد قليل من المهرجانات السينمائية لا تسلم من الانتقادات الصارمة، واللاذعة.

صحافي مصري يعيش في باريس كتب مرة في موقع الكتروني خطابا مأساويا تحت عنوان (دعوة الي عقلنة مهرجاناتنا السينمائية) يطالبها بأن تتوقف، وتحول ميزانياتها الي صندوق بناء ما دمره العدوان علي لبنان.

وتساءل: (تري ما جدوي المهرجانات السينمائية العربية بعد تدمير لبنان؟).

حتي وصل الي دعوته بأن (تحترق مهرجاناتنا السينمائية العربية بجاز)، ولم أسمع ما يشبه هذه الرغبة الجهنمية من أكثر الأنظمة ديكتاتورية، ولا حتي من أشد الجماعات التكفيرية تطرفا، ولم يقلها حتي (هتلر) نفسه.

بينما كانت صحافية مصرية مبتدئة تتحدث بحماس أمام مجموعة من ضيوف الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية، وتعبر عن رغبتها بأن يتوقف مهرجان القاهرة السينمائي عن نشاطه بسبب تدهوره المتواصل (أي تدهور؟ ).

وناقد سينمائي مصري (يعيش في لندن) يكيل اتهامات بالجملة الي المسؤولين عن المهرجانات العربية، ومنها القاهرة، ومديره السابق (شريف الشوباشي)، و(عزت أبو عوف) مرشح بدوره لكثير من الانتقادات.

وفي متابعات صحافية أخري، يعتقد البعض أن المهرجانات في مصر كثيرة، ولا يمكن متابعتها كلها، والكتابة عنها، ولم يقتنع هؤلاء بعد بأنه ليس من الضرورة لصحافي بأن يتابع كل نشاط سينمائي (أو ثقافي) في بلده، فهل يستاء صحافي، أو ناقد سينمائي فرنسي من الـ500 مهرجان المنتشرة في كل أنحاء الأراضي الفرنسية؟

والأكثر أهمية من هذا الرأي، أو ذاك، تلك التصريحات الاعلامية لبعض المسؤولين عن المهرجانات نفسها، اذ يعتقد البعض منهم بأحقية بلده في الحصول علي كل الامتيازات، وهذا ما حدث بالضبط قبل، وبعد، انعقاد الدورة الأولي لمهرجان دبي السينمائي، عندما تقاطعت، وتجاورت أيامه مع مهرجانين آخرين، القاهرة، ومراكش، ونال بعض الفنانين المصريين الذين تركوا القاهرة، وتوجهوا نحو دبي الكثير من الأقاويل، والاشاعات، والاتهامات التي وصلت الي حد (الخيانة)، وهنا يختلط المعني، ويتحاذي، أو يتجاور، أو يمتزج ما بين خيانة المهرجان نفسه والوطن الأم مصر. المهرجانات العربية الكبري الأربعة تتشاحن، وتتخاصم، وتتبادل الاتهامات، فكيف لو تخطي عددها في يوم ما (متخيل) الـ1000، كما الحال في دول (المجموعة الأوروبية) التي تحتفي، وتفرح بكل مبادرة سينمائية تقام علي أراضيها، ومن أجل ذلك، أسست فيما بينها جمعية غير ربحية هي (التنسيقية الأوروبية لمهرجانات السينما)، وتصدر عنها نشرة متخصصة تهتم بأخبارها، ونشاطاتها.

كل ما توصلت اليه المهرجانات العربية هي الاتفاق علي مواعيد انعقادها، بحيث لا تتقاطع أيامها، فكانت النتيجة فارق يوم، أو يومين ما بين تاريخ نهاية الأول مع بداية الثاني، وكأن السنة كلها قد تجمعت في ثلاثة شهور (تشرين الأول/أكتوبر، تشرين الثاني/نوفمبر، وكانون الاول/ديسمبر)، بدون أن تفكر بعقد مهرجاناتها علي فترات متباعدة من العام، وبدون أن تتقاطع أيضا مع مواعيد انعقاد المهرجانات العالمية الكبري، لأن القائمين علي المهرجانات العربية يحرصون علي حضورها لمتابعة الجديد فيها، وهي مصدر اختياراتهم، فقد أصبحت مثل (سوق الهال) تقدم أفلاما بالجملة، وتذهب اليها مهرجانات المفرق للفرجة، والمشاهدة، والاختيار، ..

يكتفي الفريق الفني لمهرجان القاهرة السينمائي (مثلا) بمتابعة مهرجانات بعينها، بينما يمكن العثور علي جواهر سينمائية حقيقية في مهرجانات أخري لم تصل أفلامها الي المهرجانات الكبري، وهو ما تخيرته بعض المهرجانات باعتمادها علي مبرمجين(مكتشفين) في تنظيم أقسامها، واختيار أفلامها، ينتقلون من مهرجان لآخر للمشاهدة، والاتصالات، والاتفاقات، وهو ما يفعله مهرجان دبي، ومنذ سنوات تخير (مسعود أمر الله) مدير (مسابقة أفلام من الامارات) بأن يكون هناك تيمة يقدمها في كل دورة، بدأت مع (السينما التجريبية) 2003، (سينما التحريك) 2004، (السينما الشعرية) 2005، (الفيلم القصير جدا) 2006، ومن ثم (الطريق في السينما) 2007، وربما هي الصدفة وحدها التي جعلت مهرجان الاسماعيلية يضيف مسابقة للأفلام التجريبية، وندوة موسعة عنها في دورته لعام 2005، وأخري خاصة بالسينما الشعرية في دورته لعام 2006.

القدس العربي في 22 ديسمبر 2006

 

الأميركي لونغلي مخرج فيلم «العراق في أجزاء»... أبتعد عن السياسيين وأركز على الفقراء

حاوره في أمستردام محمد موسى 

قضى المخرج الأميركي الشاب جيمس لونغلي العامين السابقين في العراق ليسجل عدداً من القصص عن حياة الناس هناك وعن يومياتهم بعد الحرب الأخيرة.

فيلم «العراق في أجزاء» هو الفيلم التسجيلي الطويل الثاني للمخرج بعد فيلمه الأول عن مدينة غزة الذي حظي بإعجاب النقاد وعرض على شاشة تلفزيون «العربية» الفضائية.

يقدم «العراق في أجزاء» ثلاث قصص لعراق ما بعد الحرب. صور الفيلم القاتمة وجوّه الغامق (صور الفيلم قبل حوالى العامين) ربما هي توقعات أخرى بموجة العنف الأخيرة التي يشهدها العراق منذ أشهر.

المخرج الذي حضر الى هولندا من أجل عرض فيلمه «أم ساري» وهو فيلم قصير عن العراق أيضاً أجاب على أسئلة «الحياة» عن فيلمه الطويل المثير للجدل «العراق في أجزاء».

·         هل كانت لديك فكرة واضحة عما تنوي عمله في العراق قبل أن تذهب الى هناك، فكرة مثلاً عن القصص أو أماكن التصوير؟

- أنا كنت في العراق قبل الحرب الأخيرة. لقد ذهبت الى هناك عندما بدأت الأحداث تشير الى حرب مقبلة، كان في نيتي عمل فيلم عن حياة عائلة عراقية قبل الحرب وبعدها، لكنني اكتشفت استحالة العمل في ظروف طبيعية مع وجود النظام العراقي السابق الذي لن يتركني أنجز عملاً عن العراقيين. بعد الحرب توجهت الى العراق عندما أصبح مفتوحاً للجميع وفي نيتي عمل فيلم عن حياة مجموعة من الناس هناك، قصص من الشمال والجنوب والوسط. مكثت في العراق واشتغلت على مجموعة من القصص ولم أكن أعرف أياً من القصص سأختار لفيلمي المقبل. كنت مرتبكاً أيضاً لأنني كنت ألمس نذير قدوم ديكتاتورية جديدة أو حرب أهلية. عندما بدأت الأوضاع بالسوء في بغداد والجنوب توجهت الى شمال العراق حيث صورت قصتي الثالثة عن العائلة الكردية.

·         لماذا اخترت القصة الأولى والقصة الثالثة؟ ما هي الأشياء التي جعلت القصتين مثيرتين لك كصنّاع أفلام؟

- لقد أحببت منطقة «الشيخ عمر» الصناعية في بغداد حيث صورت قصتي الأولى. أحببت فكرة العمل في بيئة صناعية حيث يعمل الجميع ولا يلتفتون كثيراً لوجودي أثناء التصوير. الشيء الأساس أيضاً انني أحببت العلاقة بين صاحب محل التصليح والصبي «محمد» الذي يعمل لديه. العلاقة التي تشبه علاقة الناس بالسلطة في ذلك الجزء من العالم. هذه العلاقة المعقدة والقوية والمتغيرة أثارتني كثيراً. الصبي «محمد» كان يحب صاحب المحل الذي يعامله بطريقة سيئة للغاية ويضربه في شكل يومي.

·         لا توجد قصة أو تطور درامي في قصة الصبي «محمد»، لم نشاهد المحيط الذي يعيش فيه لم نشاهد أمه وجدته. لماذا؟

- لقد شاهدنا بيت»محمد» قليلاً في الفيلم. أنا أجريت لقاء مع جدة محمد ووالدته اللتين تتوليان رعايته لكن حديثهما كان مرتبكاً ومفتعلاً كثيراً بسبب خوفهما من التعامل مع الكاميرا، لذلك لم أستعمل تلك المقابلات. كذلك كنت أريد أن أخصص الـ30 دقيقة وقت القصة لمحمد فقط وعلاقته بصاحب المحل الذي يعمل فيه.

موقف حاد

·     شاهدت الفيلم مع مجموعة من العراقيين الذين يعيشون خارج العراق. الجميع اتفق مع نهاية الفيلم بأنك تحمل موقفاً حاداً من الحرب الأخيرة والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في العراق. الى أي حد أثّر موقفك من الأحداث في العراق على طريقة عرض القصص المختارة والاتجاه الذي سلكه الفيلم.

- لا أتفق معك. أنا أملك موقفاً بالطبع مما جرى ويجري لكنه غير واضح أبداً في الفيلم. عندما عرضت الفيلم في أميركا سألني الكثير من الناس هناك عن موقفي من الحرب! في فيلمي هناك عراقيون يتحدثون بحرية عن حياتهم ومخاوفهم ولم أجرِ أي حديث مع أي أميركي في العراق.

·     القصة الثالثة في الفيلم عن حياة عائلة كردية في شمال العراق قبل الانتخابات النيابية الأولى. على رغم ان الجميع يعرف ان الأكراد كانوا سعداء مع التغيير في العراق والإطاحة بنظام صدام إلا أنك اخترت عائلة تملك الكثير من الشكوك حول المستقبل.

- معظم العراقيين سعداء بالتغيير وبالإطاحة بنظام صدام لكن الكثير من العراقيين يعتقدون ان الوضع الآن هو أسوأ من أيام حكم النظام السابق. كثير عندهم الآن شكوك حول المستقبل. على رغم أنني أعتبر فيلمي متفائلاً بعض الشيء فالصبي في الجزء الأول ترك صاحب المحل العدواني ليشتغل في محل آخر وقصة صعود جماعة مقتدى الصدر في الجزء الثاني أعتبرها قصة متفائلة. فالمجموعة التي كانت مشغولة بتنظيم حياة سياسية معقولة في مدينة الناصرية في جنوب العراق هي شيء إيجابي للحياة السياسية في جنوب العراق. أعتقد ان مجموعة الصدر أخطأت عندما اتجهت للعنف مع الأميركيين الذين لم يحسنوا التعامل معهم. كان يمكن لمجموعة الصدر أن تتخذ موقفاً سلمياً مشابهاً لموقف المهاتما غاندي في الهند. أعتقد في النهاية ان قصص الفيلم لا تمثل قصص الأكراد أو العرب الشيعة أو السنّة لكنها القصص التي صادفتني وسجلتها بكاميرتي.

·     هناك غياب للطبقة المتوسطة والطبقة المثقفة العراقية عن فيلمك. الطبقة التي هي أيضاً كانت سعيدة بالتغيير الذي حدث وحتى عندما اتجهت الأوضاع في العراق الى مستويات غير مسبوقة من العنف ما زالت مؤمنة بحلول عقلانية. لماذا غابت هذه الطبقة عن الفيلم؟

- انه اختيار فني. فأنا أحب أن أصور الناس من الطبقة العاملة والناس الفقراء. فيلمي الأول عن «غزة» كان عن حياة صبي يبيع الجرائد. ممكن أن تطلق عليه خياراً سياسياً أيضاً فأنا أبتعد عن السياسيين في أفلامي وأركز على الطبقة العاملة وهي الطبقة التي تصنع التغييرات أو تكون ضحية لها.

·     الفيلم صور بطريقة جميلة وشاعرية والناس تحدثوا فيه بطريقة عفوية الى حد كبير، كيف استطعت ان تحصل على ثقة الناس هؤلاء ليتحدثوا بهذه الطريقة؟

- قضيت وقتاً طويلاً جداً مع هؤلاء الناس واستمعت اليهم وحاولت تفهمهم وصورت أكثر من 300 ساعة من المواد الأولية لأختار منها مادة فيلمي. أوضحت للجميع عندما كنت في العراق انني كنت بعيداً جداً عن الأميركيين الموجودين هناك وحرصت على عدم اللقاء بأي أحد منهم أو الاتصال بالقوات الأميركية هناك ففيلمي هو عن العراقيين فقط.

الحياة اللندنية في 22 ديسمبر 2006

من عروض الدورة الثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي:

النمر والثلج فكاهة ايطالية حول لعنة الحرب في العراق.. محصلة المراهنات عذابات فلبينية نتيجة الفساد والعوز

زياد الخزاعي*

من بين عشرات الاشرطة العالمية التي توزعت علي الخانات الموازية للمسابقتين الدولية والعربية في الدورة الثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي، وجد المشاهد النبيه عدداً معتبراً من الاشتغالات المميزة التي وجدت سبيلها الي الشاشات من دون ان تُدعم بحملة اعلامية عريضة تُحرض علي مشاهدتها والاقتراب من صنعتها والتساجل في خطابيها السياسي والايديولوجي. ولعل المرورالعابر لشريط المخرج والممثل الفكاهي الايطالي روبرتو بينيني النمر والثلج نموذجاً لغياب صيغ التحفيز النقدي الذي وجد في شريط الجزائري البلديون لرشيد بوشارب ضالته حيث شاع الكلام عنه في جميع الاوساط وتحمست له الاقلام وتسارعت العزائم في الحصول علي تذاكر عروضه. وهو فيلم يستحق سمعته المجيدة التي تصاعدت وتيرتها منذ التثمينات النقدية التي حازها بعيد عروضه ضمن مسابقة مهرجان كان الاخير.

النمر والثلج يقارب ـ كما هو فيلم بوشارب ـ الحرب، ولكن من زاوية اكثر ايلاماً. انه عمل متفكه علي دوافعها وجنودها ومفارقاتها ومآسيها وضحاياها.

ولئن كرس بوشارب عمله كي يعيد الاعتبار لعشرات الآلاف من المتطوعين الافارقة الذين ضحوا بانفسهم دفاعاً عن فرنسا (مستَعمرتهم) ضد النازي، مركزاً علي بطولات اربعة شباب من الشمال الافريقي ويومياتهم قبيل انخراطهم في اتون المعارك التي ستحصد ارواح ثلاثة منهم، فيما يُفلت الموت رابعهم ليكون شاهد عيان علي خيانات الحكومات الفرنسية المتعاقبة في انكار انصافهم تاريخياً (تطوعهم) وسياسياً (ذودهم عن استقلال بلاد موليير) واجتماعياً (باعتبارهم مقاتلين يجب مساواتهم مع اقرانهم البيض!)، فان صاحب الحياة حلوة (اوسكار عام 1999) اختار التهكم الأسود الذي لم يجتهد في اعادة صوغ معارك الاجتياح الامريكي الي العراق، بل الي امتحان القناعات الشعبية الاوروبية في المديات التي قاربت فيها تلك الحرب، والي حدٍ ما الفهم الاوروبي العام للشخصية العراقية ذاتها. بينيني وضع نفسه ـ كعادته ـ بطلاً متورطاً في حياتين ووجهتين انسانيتين. فهو الشاعر والاكاديمي ايتيللو دي جيوفاني الموله بالحسناء الكاتبة فيتوريا (زوجة بينيني نيكوليتا براتشي) التي تُنكره حبيباً وتُمعن في صده (يلتقي بها في حلمه السوريالي حيث نراهما يعقدان قرانهما، وهو في ملابسه الداخلية امام جمهور يضحك بجنون، وشرطي سير يحذره من غرامة قاسية ان لم يحرك سيارته الصغيرة!). قبل ان يتحول الي مغامر جسور في المقطع الثاني، حينما يجول في الربوع العراقية بحثاً عن حبه غير المستكمل وانقاذ جسدها وكينونتها من الجحيم البغدادي. ايتيللو انموذج متثاقف يعيش في شرنقة الطبقة المتوسطة الايطالية، فهمومه لا تتعدي احتياجاته الآنية البسيطة، ويمكن عده روحاً هائمة بين لعنتين: حالية، في الفراغ العاطفي الذي لا تني فيتوريا باردة العواطف من افراغ معناه الوجداني في داخلها (من هنا ندرك معني اختيار بينيني لعنوان الثلج )، ولاحقة، في ورطته العراقية التي سيكتشف فيها ـ ونحن معه ـ ان ما يجري في تلك البلاد يسير علي نهج سوء الفهم العام الذي اصاب (او صُير اليه) الاوروبي والمتمثل في ان من يسكن الارض البعيدة تلك هم اُناس قتلة ووحوش (من هنا نفهم اختيار بينيني لكلمة النمر في عنوان شريطه وهو بدوره عنوان مجموعته الشعرية).

فيتوريا، في المقابل، كائن واضح السرائر، تعيش حيوية انتاجية هي بمثابة موقف شخصي ضد الحرب، اذ تختار العمل علي تحقيق ونشر سيرة شاعر عراقي كبير يعيش في باريس يدعي فؤاد (الممثل الفرنسي جان رينو) الذي سيكون مفتاح ايتيللو للتعرف عليها حقيقة في روما خلال احدي زيارات إلقائه اشعاره. ومع قرار فؤاد اللاحق بالعودة الي موطنه بعد منفاه القسري الطويل مشاركاً في الدولة الجديدة، تسافر فيتوريا اثره استكمالاً لالتزامها، قبل ان يهاتف فؤاد البطل الناحل مخبراً اياه بالفاجعة التي وضعت فيها قنابل قوات التحالف الحبيبة في حالة اصابتها الحرجة. ضد كل المعوقات، يعبر ايتيللو نحو انسانيته الجديدة، حين يشرع في رحلة بحث مزدوجة، لا تخلو من مواقف انتقادية حادة لمآلات الخراب التي عممها الاحتلال علي العراق والذي دخله متنكراً كطبيب في بعثة الصليب الاحمر الدولي. ومع اجتهاد فؤاد في ايصاله الي سريرها، يكتشف العاشق ان بقاء محبوبته علي قيد الحياة هو رهن بالدواء. ويعلق في البحث عن الوجهة التي ستوصله الي عقار الحياة. وامعاناً في المفارقة، يضع بينيني (ومشاركه في كتابة السيناريو فنتشنزو كريامي) شاعره الولهان في مواجهة جنود الاحتلال الذين يشكون فيه كانتحاري (هو الذي زنر جسده بكافة انواع العقاقير واوعية التطهير ومحاليلها!).
وبما ان الحب يصنع معجزاته، فان الشاعر الايطالي سيكتب قصيدته المجيدة الاخيرة والمتمثلة في انقاذ الحبيبة.

*ناقد من العراق يقيم في لندن

القدس العربي في 22 ديسمبر 2006

 

فيلم وثائقي للمخرج جيمس لونغلي عن أم عراقية وابنها المصاب بالإيدز:

بين المطرقة والسندان

بقلم بيترا تابلينع

ترجمة منال عبد الحفيظ شريده 

الأم مع ابنها سري، مشهد من الفيلم يقدم مخرج الأفلام الوثائقية الأميركي جيمس لونغلي، في فيلمه "أم سري" صورة حية لصراع فتى صغير يدعى سري ووالدته للبقاء على قيد الحياة في ظل الارهاب والفقر. تقرير من بيترا تابلينغ

 

في مكان ما في قرية عراقية قرب بغداد، يتمدد الفتى ذو العشر سنوات منهك متعب على الأرض المليئة بالغبار. تمسك أمه بذراعه وتتكلم معه بصوت عال. يلملم الفتى الصغير نفسه ويقوم متثاقلاً، يتحرك بمشقة، وعلى وجهه ارتسمت علامات الألم.

من يقترب منه يرى جسمه المليئ بالدماميل ويعرف ان هذا المفتى مصاب بمرض عضال. أذنه ألتهمها المرض، وجهه وذراعيه ويديه كلها مليئة بالطفح الجلدي.

يصور لونغلي في الفيلم الوثائقي "أم سري" (22 دقيقة) الحياة اليومية الشاقة لأم عراقية، التي تحاول رغم الحرب والاحتلال انقاذ حياة ابنها سري الذي أصيب بمرض الإيدز عن طريق نقل دم ملوث.

صعوبة توفر العلاج

العائلة فقيرة، تعيش في كوخ من الطين في مزرعة بالقرب من المحمودية جنوب بغداد. تكسب العائلة قوتها من العائد الزهيد من بيع الحليب والزبدة. تعتني ام سري بجراح ابنها وتخفف عنه عندما يصرخ من الألم ويكون على حافة فقدان الوعي من شدة الألم. أخوته الثمانية يقفون مكتوفي الأيدي ليس بيدهم حيلة. أمه تغني له وتحاول رغم كثرة مشاغلها وقلة وقتها ان توليه اهتماماً خاصاً.

تحاول ان تكون قوية، فهي لا تملك دواء مضاداً للفيروس. أقرب مستشفى في بغداد تفصلها عنه مسافة بعيدة. ولكنها رغم ذلك تتحمل مشاقها وتذهب بصحبة ولدها سري الذي لا يزيد حجم جسمه عن جسم فتى في الخامسة من عمره لتسمع من السلطات العراقية ان كل علاج لإبنها سدى لا أمل منه.

جمع المخرج الشاب المستقل (34 سنة) المواد لفيلمه هذا وفيلم آخر "العراق في شذرات" بين عام 2002 و2006 في العراق.

يظهر الفيلم أشخاصاً يحاصرهم العنف والصراعات الدينية والتغيرات الجذرية في بلادهم. ويقول لونغلي إن: "هذا الفيلم يذكر بالقصص الإنسانية في العراق التي يُغض النظر عنها دائماً للأسف. العراق، رغم كل شيء، بلد يقطنه أشخاص كثيرون لا تهمهم الجدالات السياسية. لديهم حياتهم وهمومهم الخاصة وطرقهم في معالجتها والتغلب عليها. يوماً ما لا بد ان تنسحب القوات الأميركية، إلا أن هموم العراقيين باقية. فيلمي يدور حول أولئك الأشخاص."

نال لونغلي عدة جوائز عديدة عن عمله الرائع هذا، منها جائزة مهرجان الأفلام سندانس في أميركا، وقبل أسابيع قليلة تم عرض فيلمه "العراق في شذرات" في مهرجان أفلام حقوق الانسان في برلين.

"ام سري" هو أحدث أفلام جيمس لونغلي عن العراق الذي عرض لأول مرة أمام جمهور أوروبي في مهرجان الفيلم الوثائقي العالمي لهذه السنة في أمستردام.

التوعية شبه معدومة عن مرض الايدز

رافق لونغلي سري وعائلته لمدة سنة، مع بعض التقطعات. كان العمل في هذا الفيلم محفوفاً بالمخاطر أحياناً. ويقول لونغلي إنه "في ربيع 2004 تلقى تهديدات بالقتل من قبل رجال المقاومة المحليين من أجل ايقاف التصوير حيث تعيش العائلة. عندها اضطررت لوقف التصوير، ولكني تمكنت من تصوير مشاهد أخرى مع سري ووالدته في مستشفى بغداد وفي بعض الوزارات."

مرض ضعف المناعة المكتسبة من المواضيع المحرمة في العراق. وتنتقد المنظمات المحلية أنه تقريباً لا يوجد حملات توعية عن هذا المرض. حسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لمرض الايدز هناك حالياً حوالي مائة حالة مسجلة رسمياً، ولكن العدد الحقيقي أعلى بكثير.

ويتابع لونغلي "لم أكن أريد ان أعمل فيلماً عن مرض الإيدز في العراق، إذ أنها لا تعتبر من المشاكل الكبيرة هناك نظراً للعدد القليل للمصابين به. كنت أريد أن أُظهر كيف ان المرء لا قوة له ولا حيلة في ظل النظام الصحي المأساوي."

إلا أن فيلم "ام سري" ليس فيلماً يائساً، فهو يظهر مدى قوة حب الأم لولدها وشجاعتها رغم بساطتها وقدرتها على مواجهة السلطات في بغداد بطلبها البسيط للمساعدة. ام سري تعرف أنها في معركة مع الوقت، وتقول "قيل لي ان كل ما بوسعي فعله هو ان أستغل كل لحظة، ولكن يبدو ان هذا لا يكفي."

حقوق الطبع قنطرة 2006

موقع "قنطرة" في 1 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

دعوة للاحتفاء بمهرجانات السينما العربية

القاهرة ـ من صلاح سرميني

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك