خطفت الأفلام السياسية الواقعية الأضواء بمدينة مراكش، وحصدت جميع جوائز المهرجان الأربعة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته السادسة والذي شهد مشاركة 15 فيلما من أربعة عشر بلدا، فيما خيب الفيلمان المغربيان المشاركان في المسابقة الرسمية الآمال ولم يحصلا علي أي تتويج.

ونال الفيلم الألماني الببغاء الأحمر لمخرجه دومينيك كراف النجمة الذهبية وحصل أيضا الممثل الألماني الشاب ماكس ريميلت الذي لعب دورا رئيسيا في الفيلم نفسه جائزة أحسن دور رجالي، فيما توجت الممثلة الشابة السوداء فاتو نداي بجائزة أحسن دور نسائي حين لعبت دور فتاة نادلة شابة في الفيلم الكندي يوم أحد بكيكالي لمخرجه روبير فافر، كما توج الفيلم الروماني هيرتيا في الباسترا لمخرجه الشاب رادو مونطيان بجائزة لجنة التحكيم وهو ثاني فيلم لهذا المخرج الشاب بعد فيلم الغضب المنتج سنة 2002.

قبل الاعلان عن النتائج يوم السبت بقصر المؤتمرات فهم كثير من الحاضرين تلميحات رومان بوانسكي رئيس لجنة التحكيم الي الأفلام الفائزة حين قال ان الحبكة السينمائية وحدها تحكمت في اختيار الأفلام المدونة وليس الآراء الأيديولوجية والسياسية أو محاباة هذا البلد أو ذاك، مما فهم منه أن الفيلم المغربي انهض يا مغرب والذي تحدث عنه كثيرا لنيل احدي الجوائز لم ينل رضا لجنة التحكيم المكونة من كل من الممثلة الفرنسية ساندرين بونير والممثل الفرنسي من أصل مغربي جمال الدبوز والممثلة والمخرجة البرتغالية ماريا ميديريوس والمخرج وكاتب السيناريو الهندي بان نالان والمخرج المصري يسري نصر الله والممثلة الفرنسية ليدفيين ساميي والممثلة الاسبانية باز فيكا والممثل الأسترالي دافيد وينهام...

وبدا الممثل الشاب ماكس ريميلت متأثرا كثيرا وهو يتسلم بعد تسليمه جائزة أحسن ممثل رجالي، الجائزة الذهبية نيابة عن المخرج دومينيك كراف الذي حبسه عمل سينمائي عن حضور اختتام المهرجان وتسليم الجائزة وهو نقطة أخري حسبت له حين اعتبر أن السينمائي الذي يحب العمل ويقدسه يستحق فعلا التتويج، وختم كلامه بكلمة شكر حرص كثير من غير العرب والفرنسيين الذين صعدوا الي المنصة علي النطق بها احتراما للجمهور المراكشي الحاضر. ولم يتوقع كثير من الجمهور والمتتبعين حصول الفيلم علي الجائزة خاصة مع حضور أفلام جميلة أخري مثل الفيلم الايطالي في بيتنا حيث تجسد مدينة ميلانو في يومنا الحاضر مكان وزمان حبكة الفيلم التي يتشابك فيها عن وعي أو غير وعي مصير عدة أشخاص بعلاقتهم بالمال. ايكو واحد منهم، بنكي مشبوه تحاول ريتا ضابطة في شرطة الجرائم المالية القاء القبض عليه، ومثل الفيلم الايراني تدريجيا حيث يعلم محمود (عامل بالسكة الحديدية) أن زوجته اختفت منذ أسبوع، يغادر عمله للبحث عنها و تتكاثر علي أسماعه الأقاويل و الاشاعات .ومثل الفيلم الأمريكي بوبي الذي يحكي تشابك مسارات ثمانية أشخاص يوم 6 حزيران (يونيو) 1968 الذي عرف اغتيال السيناتور روبير كنيدي مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية في بهو بفندق بلوس أنجليس.

ويروي الببغاء الأحمر الفيلم الحاصل علي النجمة الذهبية العلاقة المعقدة بين ثلاث شخصيات أثناء الأشهر الأخيرة قبل بناء الجدار 1961، حيث يربط الفيلم بين الحب والتحرر الجنسي والسياسة والتاريخ. سيغي أو الممثل (ماكس ريميلت) ذو العشرين سنة يذهب الي مدينة دريسدن في ألمانيا الشرقية من أجل العمل، ويحاول أن يندمج في مجموعة تغني علي النغمات الغربية وترقص علي ايقاع الفيس برسلي ، لكن الشرطة تقتحم المكان وتحطم جميع الأشرطة الغنائية، وهو مشهد من المشاهد الذي حاول المخرج أن يظهر فيها للجمهور الاختلاف بين العيش في المانيا الشرقية والمانيا الغربية والمشاكل الحياتية للشباب في دولة اشتراكية، حينها يفضل الكثيرون مغادرة البلاد الي الجهة الغربية قبل بناء الجدار.

و يروي فيلم يوم أحد بكيكالي أنه في ربيع 1994 بكيكالي عاصمة رواندا في قلب أفريقيا، يصور برنار فالكور فيلما وثائقيا حول مرض السيدا في وقت كانت فيه الصراعات العرقية بين التوتسي و الهوتو تتعمق .أما الفيلم الروماني هيرتيا فا في ألباسترا فيحكي عن شاب مقتنع أنه من واجب كل مواطن روماني أن يحارب أتباع شاو شيسكو بعد سنوات الديكتاتورية الطويلة التي ميزت حكمه، فيقرر الجندي كوستي ترك الوحدة التي ينتمي اليها و الانخراط في الثورة. أما بخصوص الفيلم المغربي انهض يا مغرب أو نوض تكعد بالدارجة المغربية الذي خرج خاوي الوفاض ولم تحابه لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج رومان بولانسكي، فاتضح أن المخرجة المغربية كررت نفسها ولم تحترم أذواق الجمهور المغربي، وكان فيلمها حسب مراقبين أسوأ فيلم في المسابقة حتي وصفه البعض بالورطة.

وبدت نرجس النجار متوترة جدا في الندوة الصحافية التي عقدتها بعد عرض الفيلم حيث وجهت الاهانة هنا وهناك في حق صحافيين حاولوا نقد الفيلم، علي اعتبار أنها استغلت العلم المغربي ورعاية خاصة من أجل انتاج فيلم مغربي لا يشرف المغاربة.

وبدت بعض اللقطات محشوة في الفيلم مثل لقطات أجساد نساء عاريات في الحمام الشعبي وقبلات حارة طويلة بين الممثلة الشابة والممثل أثناء الباسه القميص الوطني في مباراة نهائية.

وفي حين بدأت القصة جميلة بين لاعب كرة قدم يحاول أن يري بلده أجمل بلد في العالم، وفي الوقت الذي كان يعتقد فيه الجميع أن الفيلم سيحكي عن قصة نهضة بلد وشعب في طريق الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان ومشاركة الجميع في هذا البناء الضخم، ركنت المخرجة الي أفكار مسبقة حول الدين والحرية والشرف بات كثير من المغاربة يرفضونها، فهي تحكي وجهة نظر واحدة موجهة، وتكلم أبطالها باللغة الفرنسية في الفيلم حين يتعلق الأمر بنقل أفكارها الي الجمهور فيما تحتقر المشاعر الدينية بسذاجة مرة وبجهل مرة أخري، وتلصق التطرف الي أمور حياتية بسيطة مثل بيع التسابيح والصلاة، وتحاول أن تصنع صراعا للأجيال متوهما في الخيال بعيدا عن التخيل الشعبي، حتي بدا ذلك واضحا بين عرافتين واحدة تجسد دور عرافة شابة تعيش صراعا يوميا مع منافستها العرافة المسنة إذ رغم نجاح العرافة الشابة مهنيا، ورغم شهرتها الواسعة في الضريح الذي تستقبل فيه روادها، فانها تسعي الي مغادرته نحو مكان آخر لايمانها بأن مكانها ليس في المغرب، وهذا الرحيل يدخل في لب موضوع الفيلم والمتمثل في مغرب جديد تطمح اليه المخرجة وليس كل المغاربة.

كثير من أحلام المغاربة تحولت في الفيلم الي كابوس، ومن اللقطات التي استفزت الجمهور، انه حين يخفق المغرب في الحصول علي شرف تنظيم كأس العالم واعلان جوزيف بلاتير جمهورية افريقيا الجنوبية فائزا بهذا التنظيم، تعمد المخرجة الي تنزيل العلم المغربي وكأنها تعلن عن موت حقبة ذهبية للأبطال المغاربة في مجال كرة القدم والقطع مع الماضي بصفة نهائية.

وتري المخرجة نفسها كما قالت في ندوتها الصحافية في بطلات الفيلم وعبرت عن رأيها حول الحرية والايمان واستهترت بالمشاهد المغربي حين حولت السجود في الصلاة الي أربع سجدات متتالية وأحذية كل المصلين الي أحذية رياضية يصلون في شكل دائري في مسجد كبير بالدار البيضاء.

أكيد أن الجمهور من عشاق الرياضة استمتعوا بالفيلم لأنه كرم العربي بن مبارك أحد أبطال الكرة في المغرب وأرجع الهيبة والكرامة الي ثلاثة لاعبين مغاربة مغضوب عليهم في الفريق الوطني وحول الفيلم الي ما يشبه البرامج الرياضية المليئة باللقطات الحاسمة، وأكيد أن عشاق الأغنية الشعبية والفرنسية والدولية استمتعوا بالفيلم ورأوا فيه كليبات موسيقية عالية الجودة في التصوير والأداء لكنها معزولة عن السياق، لكن عشاق السينما خاب أملهم وتحسروا ورأوا كيف تعطي امكانيات هائلة بالمجان قدرت بالملايين من أجل انتاج فيلم رديء، فيم تأوه البعض الآخر متمنيا ألا يكون الفيلم ضمن المهرجان أو بل بالأحري ضمن المسابقة.

من جانب آخر لم يستسغ عدد من النقاد السينمائيين مستوي عدد من الأفلام المعروضة في المهرجان علي هامش أفلام المسابقة وتساءلوا ان كانت اللجنة قد وضعت معايير لانتقاء هذه الأفلام علي غرار أفلام المسابقة، وتميزت كل الأفلام المعروضة غير الخاضعة للرقابة خاصة الفيلم الفرنسي الثعبان والفيلم المصري عمارة يعقوبيان بعرض لقطات جنسية مثيرة ألهبت حماس الشباب الحاضر في قاعة سينما قصر المؤتمرات ودفعتهم الي الصفير والعويل بعيدا عن الأعراف السينمائية، وحينت الحديث عن الفرق بين دور السينما في التثقيف الجنسي والتهييج الجنسي، حيث شوهدت لقطات واقعية لشباب وشباب داخل أروقة قصر المؤتمرات يدخنون السجائر ويتبادلون القبلات كما يحصل في الفيلم. ولم تمنع لافتة مكتوبة في باب قصر المؤتمرات ممنوع علي أقل من 18 سنة كثير من الأطفال ممن هم دون ذلك السن من ولوج قاعات السينما ومشاهدة لقطات لا تجب حتي للكبار.الممثلون المغاربة انقادوا مع موجة التحرر السينمائي وشوهد أحدهم يقبل آخر في فمه في لقطة لا تشاهد الا في مهرجانات أمريكا وأوروبا، مما جعل الحديث عن الثقافة الجنسية يتجدد مع ظهور عادات السينما الغربية في البلاد العربية. ومن الجانب التنظيمي فقد أسدل المهرجان الدولي للفيلم بمراكش الستار علي دورته السادسة وسط انتقادات شديدة اللهجة حول تهميش اللغة العربية والكفاءات الوطنية المغربية وكثرة أخطاء ادارته الفرنسية، وباقصاء عدد من الصحافيين المغاربة عن حضور حفلة الاختتام ..

واعتبر الاعلاميون المشاركون في تغطية المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، كما ذكر ذلك موقع المراكشية الالكتروني، أن الصحافة المكتوبة بالعربية لم يكن مرحبا بها في المهرجان موازاة مع الصحافة الأجنبية. ورأوا أن الاهتمام الأكبر كان يولي للصحافيين الآتين من خارج الحدود، وبكيفية أكثر بالمنابر الاعلامية الناطقة بلغة منظمي المهرجان.

وذكر أكثر من منبر صحافي مغربي التضييق علي مراسله، ورفعت شكاوي منذ الدورة الثانية للمهرجان، وأن هناك سياسة متبعة من قبل القائمين عليه ترمي الي تسويقه للخارج وجعله واجهة ليس الا، واذا كان العديد من الزملاء الكتبة باللغة العربية يتجشمون متاعب السفر من مدن قريبة او بعيدة عن مراكش لمواكبة فعاليات المهرجان، ليجدوا في الأخير بعد أن يتم اعتماد بعضهم وابعاد البعض الآخر بأنهم من الصنف الذي لم يجد المنظمون منه بُدّا فيبدأ التعامل معهم علي أنهم ضيوف و من الصنف الثاني.

وكان صحافي من وكالة اعلامية عمومية بالمغرب بعد أن انتدبته المؤسسة للمشاركة في تغطية المهرجان قد استعان بأصدقاء له في موضوع الايواء والأكل بعد أن أخل المنظمون بوعدهم في اعتماده كما كان منتظرا.

الأغرب في كل هذا هو أن الصحافيين المغاربة والمحليين علي الخصوص الذين تم اعتمادهم لم يسمح لهم بحضور حفلات الافتتاح والاختتام وما بينهما من عروض بعض الأفلام المرشحة، وأخري علي هامش المسابقة التي فرض لمشاهدتها دعوات خاصة اضافة الي البادج. .كما لم يسمح لهم بحضور أي نشاط آخر علي هامش المهرجان ولو كان حفل تكريم فنان أو ممثل داخل فضاء قصر المؤتمرات نفسه. بل ان البادجات الممنوحة للصحافة لم تتح لهم متابعة حتي الأفلام التي لم يتمكنوا من متابعتها في فضاء قصر المؤتمرات واضطروا لمشاهدتها في القاعات السينمائية.

السياسة أيضا كانت حاضرة في الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الممثل الساخر أحمد السنوسي (بزيز) الذي قال في بيان وزع علي الصحافيين كتب بلغات مختلفة انه يريد أن يجعل من وقفته رسالة واضحة الي الفنانين والاعلاميين الأجانب يبين فيها الظلم الذي لحقه من جراء منع طال 16 سنة وكذلك حرمانه من لقاء جمهوره ومحاولة محو اسمه من الذاكرة الشعبية للمغاربة، وأيضا اتلاف أرشيفه من التلفزيون المغربي. وأضاف هل تفضلون صوت حرية التعبير أو تكونون عملاء لأكذوبة تسمي المهرجان الدولي للفيلم بمراكش .

وأعلن بزيز أمام الجميع أنه تعرض للتهديد بالقتل فيما حصلت التجديد علي رسائل تضامن من جمعيات حقوقية منها الجمعية المغربية لحقوق الانسان والمركز المغربي لحقوق الانسان تندد بالتهديدات بالقتل التي تعرض لها عبر الهاتف مع المطالبة بفتح تحقيق بشأنها والمتابعة القضائية للمسؤولين عنها، ومع المطالبة كذلك بحمايته من المخاطر ضد سلامته الشخصية وحقه في الحياة، كما اعتبرت أن معركة أحمد السنوسي من أجل حقوقه المهنية والابداعية كفنان هي جزء من النضال العام من أجل حرية الرأي والتعبير وحقوق الانسان، داعية كافة القوي والفعاليات الديمقراطية بالداخل والخارج الي التضامن الفعال معه.

هذا الوقفة تحولت الي نقاش بوليميك حيث أعلن وزير الاتصال عن نية استقالته اذا ما تم منع بزيز من التلفزيون العمومي في حين رد بزيز بالقول أنا مستعد لأبرهن عن ذاك المنع، فقط حددوا لي موعدا وانا حاضر ، فيما شوهد ممثل مغربي آخر وهو يطوف في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش بين الممثلين والفنانين المغاربة بورقة قال المتتبعون انها عريضة يراد لها أن تجمع أكبر عدد من التوقيعات من أجل ادانة الوقفة الاحتجاجية التي قام بها الفنان الساخر أحمد السنوسي (بزيز) في ليلة افتتاح المهرجان.

وتداول الحاضرون في المهرجان هذا التصرف ـ واعتبروه غريبا باعتبار أن النقابات لم تتخذ أي قرار في هذا الشأن باعتبار أن احتجاج أحمد السنوسي الذي كان مؤازرا بجمعية لحقوق الانسان كان موجها للمسؤولين الذين يحاصرونه حسب تعبيره وليس ضد الفنانين.

السياسة كانت حاضرة أيضا حين اختارت ادارة المهرجان تكريم الممثلة الأمريكية سوزان ساراندون وحين تحدث رومان بولنسكي المخرج السينمائي العالمي ورئيس لجنة التحكيم كان الكثيرون يستعرضون صورة سوزان في المهرجان حتي عندما قال بأن السينما أداة للتواصل، رغم أنها قد تستغل في أغراض أخري لخلفيات سياسية. نفس الاحساس انتاب آخرين حين قال بخصوص الأفلام الطموحة التي تعتني بالجانب الفني وتعالج قضايا كونية، والتي ما تزال تدافع عن واقع السينما الحالية التي أصبحت تجارية بكل امتياز، علي اعتبار وسائل التوزيع الضخمة التي اصطبحت تعطي الأولوية للأفلام التجارية، لكن بولانسكي أضاف أن الجمهور يبقي الحاسم في مسألة نجاح أو فشل العمل الفني، والحد من ظاهرة الأفلام التجارية، وكأنه يقول لسوزان أنت من اقصد وهذا الجمهور من أقصد .تشابهت قلوب رومان وسوزان وان كان البعض يحب أن يكون أمام الكاميرا والآخر خلفها، لكن الحدس الفني يبقي كما قال رومان هو القنطرة الحقيقية للوصول الي الجمهور.

القدس العربي في 14 ديسمبر 2006

 

السياسة الواقعية تفوز فى المهرجان الدولى للفيلم بمراكش

مراكش - عبد الغنى بلوط  

خطفت الأفلام السياسية الواقعية الأضواء بالمدينة الحمراء، وحصدت جميع جوائز المهرجان الأربعة للمهرجان الدولى للفيلم بمراكش فى دورته السادسة والذى شهد مشاركة 15 فيلما من أربعة عشر بلدا، فيما خيب الفيلمان المغربيان المشاركان فى المسابقة الرسمية الآمال ولم يحصلا على أى تتويج. فيما تجدد الحديث عن الثقافة الجنسية مع ظهور عادات السينما الغربية فى البلاد العربية.

وهكذا نال الفيلم الألمانى "الببغاء الأحمر" لمخرجه دومينيك كراف النجمة الذهبية، وحصل أيضا الممثل الألمانى الشاب ماكس ريميلت الذى لعب دورا رئيسيا فى الفيلم نفسه جائزة أحسن دور رجالي، فيما توجت الممثلة الشابة السوداء "فاتو نداي" بجائزة أحسن دور نسائى حين لعبت دور فتاة نادلة شابة فى الفيلم الكندى "يوم أحد بكيكالي" لمخرجه روبير فافر، كما توج الفيلم الرومانى "هيرتيا فى الباسترا" لمخرجه الشاب رادو مونطيان بجائزة لجنة التحكيم وهو ثانى فيلم لهذا المخرج الشاب بعد فيلم "الغضب" المنتج سنة 2002.

قبل الإعلان عن النتائج يوم السبت الماضى بقصر المؤتمرات فهم كثير من الحاضرين تلميحات رومان بولانسكى رئيس لجنة التحكيم إلى الأفلام الفائزة حين قال إن وحدها الحبكة السينمائية تحكمت فى اختيار الأفلام المدونة وليس الآراء الأيدلوجية والسياسية أو محاباة لهذا البلد أو ذاك، مما فهم منه أن الفيلم المغربى "انهض يا مغرب" والذى تحدث عنه كثيرا لنيل إحدى الجوائز لم ينل رضا لجنة التحكيم المكونة من كلا من الممثلة الفرنسية ساندرين بونير والممثل الفرنسى من أصل مغربى جمال الدبوز والممثلة والمخرجة البرتغالية ماريا ميديريوس والمخرج وكاتب السيناريو الهندى بان نالان والمخرج المصرى يسرى نصر الله والممثلة الفرنسية ليدفيين ساميى والممثلة الاسبانية باز فيكا والممثل الأسترالى دافيد وينهام...

وبدا الممثل الشاب ماكس ريميلت متأثرا كثيرا وهو يتسلم بعد تسليمه جائزة أحسن مثثل رجالي، الجائزة الذهبية نيابة عن المخرج دومينيك كراف الذى حبسه "عمل سينمائي" عن حضور اختتام المهرجان وتسليم الجائزة وهو نقطة أخرى حسبت له حين اعتبر أن السينمائى الذى يحب العمل ويقدسه يستحق فعلا التتويج، وختم كلامه بكلمة "شكرا" التى حرص كثير من غير العرب والفرنسيين الذين صعدوا المنصة على النطق بها احتراما للجمهور المراكشى الحاضر.

ولم يتوقع كثير من الجمهور والمتتبعين حصول الفيلم على الجائزة خاصة مع حضور أفلام جميلة أخرى مثل الفيلم الإيطالى "فى بيتنا" حيث تجسد مدينة ميلانو فى يومنا الحاضر مكان وزمان حبكة الفيلم التى يتشابك فيها عن وعى أو غير وعى مصير عدة أشخاص بعلاقتهم بالمال.

"إيكو" واحد منهم، بنكى مشبوه تحاول "ريتا" ضابطة فى شرطة الجرائم المالية إلقاء القبض عليه، ومثل الفيلم الإيرانى "تدريجيا" حيث يعلم "محمود" "عامل بالسكة الحديدية" أن زوجته اختفت منذ أسبوع، يغادر عمله للبحث عنها وتتكاثر على أسماعه الأقاويل والإشاعات.

ومثل الفيلم الأمريكى "بوبي" الذى يحكى تشابك مسارات ثمانية أشخاص يوم 6 يونيو 1968 الذى عرف اغتيال السيناتور روبير كنيدى مرشح الحزب الديمقراطى للانتخابات الرئاسية فى بهو بفندق بلوس أنجلوس.

الببغاء الحمراء

ويروى "الببغاء الأحمر "الفيلم الحاصل على النجمة الذهبية العلاقة المعقدة بين بين ثلاث شخصيات أثناء الأشهر الأخيرة قبل بناء الجدار 1961، حيث يربط الفيلم بين الحب والتحرر الجنسى والسياسة والتاريخ. "سيغي" "أو الممثل ماكس من ريميلت" ذو العشرين سنة يذهب إلى مدينة دريسدن فى ألمانيا الشرقية من أجل العمل، ويحاول أن يندمج فى مجموعة تغنى على النغمات الغربية وترقص على إيقاع "إلفيس برسلي"، لكن الشرطة تقتحم المكان وتحطم جميع الأشرطة الغنائية، وهو مشهد من المشاهد الذى حاول المخرج أن يظهر فيها للجمهور الاختلاف بين العيش فى المانيا الشرقية وألمانيا الغربية والمشاكل الحياتية للشباب فى دولة اشتراكية، حينها يفضل الكثيرون مغادرة البلاد إلى الجهة الغربية قبل بناء الجدار.

ويروى فيلم " يوم أحد بكياكالي" أنه فى ربيع 1994 بكيكالى عاصمة رواندا فى قلب أفريقيا، يصور برنار فالكور فيلما وثائقيا حول مرض السيدا وقت كانت فيه الصراعات العرقية بين التوتسى والهوتو تتعمق .

أما الفيلم الرومانى "هيرتيا فا فى ألباسترا" فيحكى عن شاب مقتنع أنه من واجب كل مواطن رومانى أن يحارب أتباع شاوشيسكو بعد سنوات الديكتاتورية الطويلة التى ميزت حكمه، فيقرر الجندى "كوستي" ترك الوحدة التى ينتمى إليها و الإنخراط فى الثورة.

انهض يا مغرب

أما بخصوص الفيلم المغربى "انهض يا مغرب " أو "نوض تكعد" بالدارجة المغربية الذى خرج خاوى الوفاض ولم تحابه لجنة التحكيم التى ترأسها المخرج رومان بولانسكي، فاتضح أن المخرجة المغربية كررت نفسها ولم تحترم أذواق الجمهور المغربي، وكان فيلمها حسب مراقبين أسوأ فيلم فى المسابقة حتى وصفه البعض بالورطة.

وبدت نرجس النجار متوترة جدا فى الندوة الصحفية التى عقدتها بعد عرض الفيلم حيث وجهت الإهانة هنا وهناك فى حق صحفيين حاولوا نقد الفيلم، على اعتبار أنها استغلت العلم المغربى ورعاية خاصة من أجل إنتاج فيلم مغربى لا يشرف المغاربة.

وبدت بعض اللقطات محشوة فى الفيلم مثل لقطات أجساد نساء عاريات فى الحمام الشعبى وقبلات حارة طويلة بين الممثلة الشابة والممثل أثناء إلباسه القميص الوطنى فى مباراة نهائية.

وفى حين بدأت القصة جميلة بين لاعب كرة قدم يحاول أن يرى بلده أجمل بلد فى العالم، وفى الوقت الذى كان يعتقد الجميع أن الفيلم سيحكى عن قصة نهضة بلد وشعب فى طريق الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ومشاركة الجميع فى هذا البناء الضخم، ركنت المخرجة إلى أفكار مسبقة حول الدين والحرية والشرف بات كثير من المغاربة يرفضونها، فهى تحكى وجهة نظر واحدة موجهة، وتكلم أبطالها باللغة الفرنسية فى الفيلم حين يتعلق الأمر بنقل أفكارها إلى الجمهور فيما تحتقر المشاعر الدينية بسذاجة مرة وبجهل مرة أخرى، وتلصق التطرف إلى أمور حياتية بسيطة مثل بيع التسابيح والصلاة، وتحاول أن تصنع صراعاً للأجيال متوهما فى الخيال بعيدا عن التخيل الشعبي، حتى بدا ذلك واضحا بين عرافتين واحدة تجسد دور عرافة شابة تعيش صراعا يوميا مع منافستها العرافة المسنة، فعلى رغم نجاح العرافة الشابة مهنيا، وعلى رغم شهرتها الواسعة فى الضريح الذى تستقبل فيه روادها، فإنها تسعى إلى مغادرته نحو مكان آخر لإيمانها بأن مكانها ليس فى المغرب، وهذا الرحيل يدخل فى لب موضوع الفيلم والمتمثل فى مغرب جديد تطمح إليه المخرجة وليس كل المغاربة.

كثير من أحلام المغربة تحولت فى الفيلم إلى كابوس، ومن اللقطات التى استفزت الجمهور، وحين يخفق المغرب فى الحصول على شرف تنظيم كأس العالم وإعلان جوزيف بلاتير جمهورية إفريقيا الجنوبية فائزة بهذا التنظيم، تعمد المخرجة إلى تنزيل العلم المغربى وكأنها تعلن عن موت حقبة ذهبية للأبطال المغاربة فى مجال كرة القدم والقطع مع الماضى بصفة نهائية.

وترى المخرجة نفسها كما قالت فى ندوتها الصحفية فى بطلات الفيلم وعبرت عن رأيها حول الحرية والإيمان واستهترت بالمشاهد المغربى حين حوّلت السجود فى الصلاة إلى أربع سجدات متتالية وأحذية كل المصلين إلى أحذية رياضية يصلون فى شكل دائرى فى مسجد كبير بالدار البيضاء.

أكيد أن الجمهور من عشاق الرياضة استمتع بالفيلم لأنه كرم العربى بن مبارك أحد أبطال الكرة فى المغرب وأرجع الهيبة والكرامة إلى ثلاثة لاعبين مغاربة مغضوب عليهم فى الفريق الوطنى وحول الفيلم إلى ما يشبه البرامج الرياضية المليئة باللقطات الحاسمة، وأكيد أن عشاق الأغنية الشعبية والفرنسية والدولية استمتعوا بالفيلم ورأوا فيه كليبات موسيقية عالية الجودة فى التصوير والأداء لكنها معزولة عن السياق، لكن عشاق السينما خاب أملهم وتحسروا ورأوا كيف تعطى إمكانيات هائلة بالمجان قدرت بالملايين من أجل إنتاج فيلم رديء، فيم تأوه البعض الآخر متمنيا ألا يكون الفيلم ضمن المهرجان أو بل بالأحرى ضمن المسابقة.

المستوى ولقطات الجنس

من جانب آخر لم يستسغ عدد من النقاد السينمائيين مستوى عدد من الأفلام المعروضة فى المهرجان على هامش أفلام المسابقة وتساءلوا إن كانت اللجنة قد وضعت معايير لانتقاء هذه الأفلام على غرار أفلام المسابقة، وتميزت كل الأفلام المعروضة غير الخاضعة للرقابة خاصة الفيلم الفرنسى "الثعبان" والفيلم المصرى "عمارة يعقوبان" بعرض لقطات جنسية مثيرة ألهبت حماس الشباب الحاضر فى قاعة سينما قصر المؤتمرات ودفعتهم إلى الصفير والعويل بعيدا عن الأعراف السينمائية، وحينت الحديث عن الفرق بين دور السينما فى التثقيف الجنسى والتهييج الجنسي، حيث شوهدت لقطات واقعية لشباب وشباب داخل أروقة قصر المؤتمرات يدخنون السجائر ويتبادلون القبلات كما يحصل فى الفيلم. ولم تمنع لافتة مكتوبة فى باب قصر المؤتمرات "ممنوع على أقل من 18 سنة" كثيرا من الأطفال ممن هم دون ذلك السن من ولوج قاعات السينما ومشاهدة لقطات لا تجب حتى للكبار.

الممثلون المغاربة انقادوا مع موجة التحرر السينمائى وشوهد أحدهم يقبل آخر فى فمه فى لقطة لا تشاهد إلا فى مهرجانات أمريكا وأوروبا، مما جعل الحديث عن الثقافة الجنسية يتجدد مع ظهور عادات السينما الغربية فى البلاد العربية.

انتقادات التنظيم

ومن الجانب التنظيمى فقد أسدل المهرجان الدولى للفيلم بمراكش الستار على دورته السادسة وسط انتقادات شديدة اللهجة حول تهميش اللغة العربية والكفاءات الوطنية المغربية وكثرة أخطاء إدارته الفرنسية، وبإقصاء عدد من الصحفيين المغاربة عن حضور حفله الاختتام ..

واعتبر الإعلاميون المشاركون فى تغطية المهرجان الدولى للفيلم بمراكش، كما ذكر ذلك موقع المراكشية الإلكتروني، أن الصحافة المكتوبة بالعربية لم يكن مرحبا بها فى المهرجان موازاة مع الصحافة الأجنبية. ورأوا أن الاهتمام الأكبر كان يولى للصحافيين الآتين من خارج الحدود، وبكيفية أكثر بالمنابر الإعلامية الناطقة بلغة منظمى المهرجان.

وذكر أكثر من منبر صحفى مغربى التضييق على مراسله، ورفعت شكاوى منذ الدورة الثانية للمهرجان، وأن هناك سياسة متبعة من قبل القائمين عليه ترمى إلى تسويقه للخارج وجعله واجهة ليس إلا، وإذا كان العديد من الزملاء الكتبة باللغة العربية يتجشمون متاعب السفر من مدن قريبة او بعيدة عن مراكش لمواكبة فعاليات المهرجان، ليجدوا فى الأخير بعد أن يتم اعتماد بعضهم وإبعاد البعض الآخر بأنهم من الصنف الذى لم يجد المنظمون منه بُدّا فيبدأ التعامل معهم على أنهم ضيوف و من الصنف الثاني.

وكان صحفى من وكالة إعلامية عمومية بالمغرب بعد أن انتدبته المؤسسة للمشاركة فى تغطية المهرجان قد استعان بأصدقاء له فى موضوع الإيواء والأكل بعد أن أخل المنظمون بوعدهم فى اعتماده كما كان منتظرا.

الأغرب فى كل هذا هو أن الصحفيين المغاربة والمحليين على الخصوص الذين تم اعتمادهم لم يسمح لهم بحضور حفلات الافتتاح والاختتام وما بينهما من عروض بعض لأفلام المرشحة، وأخرى على هامش المسابقة التى فرض لمشاهدتها دعوات خاصة إضافة إلى البادج. .كما لم يسمح لهم بحضور أى نشاط آخر على هامش المهرجان ولو كان حفل تكريم فنان أو ممثل داخل فضاء قصر المؤتمرات نفسه. بل إن "البادجات" الممنوحة للصحافة لم تتح لهم متابعة حتى الأفلام التى لم يتمكنوا من متابعتها فى فضاء قصر المؤتمرات واضطروا إلى الآداء لمشاهدتها فى القاعات السينمائية.

حضور السياسة

السياسة أيضا كانت حاضرة فى الوقفة الاحتجاجية التى نظمها الممثل الساخر أحمد السنوسى الذى قال فى بيان وزع على الصحفيين كتب بلغات مختلفة إنه يريد أن يجعل من وقفته رسالة واضحة إلى الفنانين والإعلاميين الأجانب يبين فيها الظلم الذى لحقه من جراء منع طال 16 سنة، وكذلك حرمانه من لقاء جمهوره ومحاولة محو اسمه من الذاكرة الشعبية للمغاربة، وأيضا إتلاف أرشيفه من التلفزيون المغربي. وأضاف "هل تفضلون صوت حرية التعبير أو تكونوا عملاء لأكذوبة تسمى المهرجان الدولى للفيلم بمراكش؟".

وأعلن بزيز أمام الجميع أنه تعرض للتهديد بالقتل فيما حصل التجديد على رسائل تضامن من جمعيات حقوقية منها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمركز المغربى لحقوق الإنسان تندد بالتهديدات بالقتل التى تعرض لها عبر الهاتف مع المطالبة بفتح تحقيق بشأنها والمتابعة القضائية المسؤولين عنها، ومع المطالبة كذلك بحمايته من المخاطر على سلامته الشخصية وحقه فى الحياة، كما اعتبرت أن معركة أحمد السنوسى من أجل حقوقه المهنية والإبداعية كفنان هى جزء من النضال العام من أجل حرية الرأى والتعبير وحقوق الإنسان، داعية كافة القوى والفعاليات الديمقراطية بالداخل والخارج إلى التضامن الفعال معه.

هذا الوقفة تحولت إلى نقاش سجالى "بوليميك" حيث أعلن وزير الاتصال عن نية استقالته إذا ما تم منع بزيز من التلفزيون العمومى فى حين رد بزيز بالقول "أنا مستعد لأبرهن على ذاك المنع ، فقط حددوا لى موعدا وانا حاضر". فيما شوهد ممثل مغربى آخر وهو يطوف فى المهرجان الدولى للفيلم بمراكش بين الممثلين والفنانين المغاربة بورقة قال المتتبعون إنها عريضة يراد لها أن تجمع أكبر عدد من التوقيعات من أجل إدانة الوقفة الاحتجاجية التى قام بها الفنان الساخر أحمد السنوسى "بزيز" فى ليلة افتتاح المهرجان.

وتداول الحاضرون فى المهرجان هذا التصرف - واعتبروه غريبا باعتبار أن النقابات لم تتخذ أى قرار فى هذا الشأن باعتبار أن احتجاج أحمد السنوسى الذى كان مؤازرا بجمعية لحقوق الإنسان كان موجها للمسؤولين الذين يحاصرونه حسب تعبيره وليس ضد الفنانين.

السياسة كانت حاضرة أيضا حين اختارت إدارة المهرجان تكريم الممثلة الأمريكية سوزان ساراندون. وحين تحدث رومان بولانسكى المخرج السينمائى العالمى ورئيس لجنة التحكيم كان الكثيرون يستعرضون صورة سوزان فى المهرجان حتى عندما قال بأن السينما أداة للتواصل، رغم أنها قد تستغل فى أغراض أخرى لخلفيات سياسية. نفس الإحساس انتاب آخرين حين تحدث بخصوص الأفلام الطموحة التى تعتنى بالجانب الفنى وتعالج قضايا كونية، والتى ما تزال تدافع واقع السينما الحالية التى أصبحت تجارية بكل امتياز، على اعتبار وسائل التوزيع الضخمة التى اصبحت تعطى الأولوية للأفلام التجارية، لكن بولانسكى أضاف أن الجمهور يبقى الحاسم فى مسألة نجاح أو فشل العمل الفني، والحد من ظاهرة الأفلام التجارية، وكأنه يقول لسوزان أنت من أقصد وهذا الجمهور من أقصد. تشابه قلبا رومان وسوزان وإن كان البعض يحب أن يكون أمام الكاميرا والآخر خلفها، لكن الحدس الفنى يبقى كما قال رومان هو القنطرة الحقيقية للوصول إلى الجمهور.

لم يعد الخط المستقيم أقصر طريق بين نقطتين ولكنه الحلم بغد أفضل يسكن فى زاوية ما من قلوبنا وعقولنا.

* صحفى مغربي.

العرب أنلاين في 13 ديسمبر 2006

الدورة السادسة لمهرجان مراكش وزعت جوائزها على أفلام رائعة...

مشاهدات من أحوال العالم ومناخات السينما ويوميات الإنسان على شاشة الحياة

مراكش – ابراهيم العريس 

ماذا يعني في مهرجان من المهرجانات، أن يتطابق توزيع الجوائز في الحفلة الاختتامية، مع الاختيارات والتفضيلات نفسها التي كان نقاد كبار وصحافيون وفئات عريضة من الجمهور السينمائي الواعي قد أبدوها خلال العروض أي خلال الأيام السابقة لحفلة الاختتام ومنح الجوائز؟

يعني في بساطة تامة ان القوم هنا سواء كانوا محكّمين أو متفرجين، هواة أو نقاداً، شهدوا مهرجاناً سينمائياً حقيقياً همه السينما، موضوعه السينما وخلاصته حب هذا الفن. وتزداد هذه الصورة وضوحاً إذا ما اخذنا في اعتبارنا ان من حضر مهرجان مراكش في دورته السادسة التي اختتمت أعمالها قبل ايام قليلة، اكتشفوا في تظاهرات هذه الدورة المتنوعة، لا سيما في «المسابقة الرسمية» تحفاً سينمائية آتية من بلدان عدة، معظمها سيكون حديث محبي الفن السابع خلال الشهور المقبلة. وهذه صارت سمة، على أي حال، من سمات هذا المهرجان الطموح الذي يكاد يصبح أهم مهرجان سينمائي يعقد في بلد عربي، لولا قلة عدد الأفلام العربية التي تعرض فيه. وهذه حكاية أخرى بالطبع.

إذاً، مساء السبت الفائت وزّعت لجنة تحكيم الدورة السادسة في المهرجان المراكشي، وهي برئاسة رومان بولانسكي، احد أعمدة الفن السابع في العالم منذ عقود، جوائزها قليلة العدد، على عدد أقل من الأفلام وقال بولانسكي لـ «الحياة» انه لو كان هناك جوائز على عدد الأفلام المتبارية لكان كل فيلم فاز بجائزة وأكثر، مشيراً بهذا، من موقع الخبير، الى المستوى الذي ميز معظم الأفلام المعروضة. والحال انه على رغم ارتفاع هذا المستوى كان واضحاً منذ البداية تميز فيلم «الببغاء الأحمر»، الألماني، الذي حصد جائزتين: جائزة افضل فيلم، وجائزة افضل ممثل، فيما فازت فاتو ندياي، الممثلة المالية الرائعة بجائزة افضل ممثلة عن دورها المركّب والاستثنائي في فيلم «ذات أحد في كيغالي»، وأعطت لجنة التحكيم الخاصة جائزتها الكبرى لفيلم «ستكون الورقة زرقاء» للمخرج الروماني رادو مونتيان. فهل علينا ان نذكر ان هذه الاختيارات نالت تصفيقاً حاداً، وإن أسف كثر لكون فيلم من هنا أو فيلم من هناك لم يحالفه الحظ؟ 

مصر الحاضرة

مهما يكن من أمر، تلك هي قواعد اللعبة. وقد لعبت في مراكش بكل دقة ونزاهة. وهو أمر حتى إن لم يكن في حاجة الى تأكيد، أكده لنا مع هذا مخرجنا العربي المصري يسري نصر الله، العضو العربي الوحيد في لجنة التحكيم، والذي بدا في لحظات كثيرة محركاً أساسياً في عمل اللجنة، تماماً كما كان المخرج الكبير توفيق صالح دينامياً، على رغم ثقل السنين، هو الذي ان دعي الى مراكش ليكرّم، بأفضل تكريم كرس له حتى اليوم، ولتعرض له أربعة من أفلامه الأساسية، لم يفوت عرضاً ولا نقاشاً الى درجة انه قال لـ «الحياة»: «المشكلة مع هذا المهرجان ان كل ما يعرض ويقال فيه مغر ومفيد»، لافتاً أنظارنا الى صعوبة ان تتاح للمرء فرصة مشاهدة أفلام كثيرة تعرض في مراكش، في أماكن اخرى، ولا سيما في الصالات العربية، فهي أفلام آتية من بلدان لا تصلنا أفلامها، ومن هذا علينا اقتناص الفرصة بشكل جيد... أليس كذلك؟».

توفيق صالح ويسري نصر الله كانا نجمي مهرجان مراكش طوال ايامه العشرة، كما ان الفنانة الكبيرة يسرا، كانت نجمته لأيام قليلة إذ اتت تشارك في العرض الخاص الذي أقيم لفيلم «عمارة يعقوبيان» على هامش المهرجان. والحقيقة ان هذا العرض «على الهامش» كان واحداً من أنجح العروض، ما يعيدنا الى المكانة التي تحتلها مصر وسينماها في قلوب اهل السينما ولا سيما في مراكش. وما ينفي ما اتهم به بعض مسؤولي مهرجان القاهرة نور الدين صايل، رئيس مهرجان «مراكش» من «محاربة السينما المصرية والمهرجان القاهري». طبعاً هذا «الاتهام أثار ضحكاً كبيراً في جلساتنا العربية خلال الأيام المراكشية. كما أثار ضحكنا اتهام آخر جاء من دبي هذه المرة بأن مهرجان مراكش يحارب مهرجان دبي و... سينما الإمارات».

فالواقع ان لا تنافس او محاربة هناك ولا يحزنون. كل ما في الأمر ان القسمة بدت واضحة: القاهرة والنيل وعراقة مصر والصخب لمهرجان القاهرة، السينما الحقيقية الخالصة وكبار نجومها الحقيقيون لمهرجان مراكش، وحديث الأرقام الصاخبة والمبالغ الخيالية لمهرجان دبي!

وليس في هذا التقسيم مبالغة إذا ما صدقنا ما روي عن إغراءات مالية و«لوجستية» عرضها كثر تكلموا خلال الشهور الماضية باسم مهرجان دبي لاجتذاب النجوم والنقاد – ولكن ليس الأفلام! – بحيث قيل ان الهدايا التي أغدقت على صحافيين فضلوا حضور «دبي» على حضور «مراكش» كانت خيالية! وهو على أية حال أكده نجوم إعلاميون أتوا الى مراكش «مجاناً» وكانوا دعوا الى دبي. كما أكده ناقد عربي كبير روى لنا كيف ان صحافياً يعمل مع مهرجان «دبي» اخبره بأنه سينال ألوف الدولارات إن هو قبل الدعوة التي تحدثت سطورها الأولى عن سفر في الدرجة الأولى وفنادق خمسة نجوم وأكثر!

جمهور لسينما المغرب

طبعاً وسط العرض المميز للأفلام في «مراكش» بدا هذا كله بعيداً وخارج المنطق. فهنا في مراكش، الأهمية الأولى للسينما... والنجوم العالميون الذين يأتون، يتحولون بسرعة الى متفرجين هواة يتابعون الأفلام بشغف. غير ان الأمر لا يخلو مع هذا من تلك الصحافة الصفراء، التي انبرت، هذه المرة ايضاً، لمحاربة مهرجان «مراكش» كما تفعل دائماً وكما تفعل شبيهاتها في القاهرة ضد مهرجان القاهرة. ولعل خير مثال على هذا هو الخبر الذي تناقلته الصحف المغربية منذ اليوم الثاني للمهرجان من ان رئيس لجنة التحكيم رومان بولانسكي، اعتذر وسافر تاركاً اللجنة من دون رئيس. ولم يكن هذا صحيحاً بالطبع. كل ما في الأمر هو ان بولانسكي سافر لبضع ساعات، في طائرة وضعها أصدقاء له في تصرفه، حيث شهد حفلة تكريم رسمية له في عاصمة وطنه الأصلي، وعاد عند المساء ليتابع عمله في مراكش، عبر مشاهدة الأفلام.

في مراكش كما في القاهرة هناك طبعاً من يحارب المهرجان ومن يحارب السينما... ومن يحارب كل ما هو متقدم وتنويري في المجتمع. وهذا بات قدرنا طبعاً. لكن الوطأة في مراكش تبدو أخف. يشهد على ذلك زحف الجمهور العريض لمشاهدة أفلام – تبدو أحياناً صعبة ونخبوية – والتمتع بها، بما في ذلك الفيلمان المغربيان الجديدان اللذان عرضا في المسابقة الرسمية ولم يحققا فوزاً (أين الشوفينية المغربية التي تحدث البعض عنها!؟): فيلم «و. و. و. يا له من عالم جميل» لفوزي بن سعيدي، و «أفق أيها المغرب» لنرجس نجار. هنا، مرة أخرى، اجتمعا في مسابقة واحدة، هذان المخرجان الشابان، المختلفا الأسلوب والتوجه كلياً، بعدما كانا اجتمعا قبل سنوات في إحدى دورات مهرجان «كان» بفيلم روائي طويل أول لكل منهما («العيون الجافة» لنجار، و «ألف شهر» لبن سعيدي). على هذين الفيلمين كان التزاحم كبيراً. فالجمهور المغربي بات، في أيامنا هذه شديد الحرص على تشجيع سينماه الوطنية بعد أن صارت هذه السينما، نوعياً وكمياً، تضاهي السينما العربية الأم: السينما المصرية. قد يحب المرء هذين الفيلمين الجديدين وقد لا يحبهما، قد يستسيغ تجريبية بن سعيدي وقد لا يستسيغها غير ان هذا لا يلغي القفزة التي حققتها السينما المغربية خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما منذ تسلم نور الدين صايل مقدراتها، ولا سيما منذ تنبهت السلطات نهائياً الى الإمكانات الكبيرة التي يتيحها تشجيع هذا الفن في بلد كان ولا يزال محط أنظار كبريات الشركات المنتجة في العالم التي باتت تصور فيه بعض أهم أفلامها («بابل» الذي عرض خلال المهرجان صور في المغرب، وكذلك «الأفارقة الفرنسيون» بين أفلام عدة أخرى). والحقيقة ان هذا الواقع المزدوج الجديد بدأ يجتذب الى المغرب كل أنواع أصحاب المشاريع، ولكن أيضاً كل أنواع المغامرين والنصابين. وفي هذا المجال يتندر أهل السينما المغربية اليوم، ليس من دون إبداء قلق مبرر، بحكاية «شركة» يرأسها مغترب لبناني أتت عارضة على الحكومة المغربية أن تمنحها تسهيلات وأراضي مجانية لإقامة استوديوات عالمية مستحدثة عن مشروع ببليون ونصف البليون من الدولارات، لتعلن أخيراً تأسيس شركة رأسمالها مليونا دولار فقط!

لن نتوقف هنا طويلاً عند هذه الحكاية المعقدة، لكننا ذكرناها للإشارة الى المستوى الذي بلغه تجدد الاهتمام بالسينما في المغرب اليوم.

أحوال العالم

أما الاهتمام الآخر، الاهتمام بالفن السينمائي الكبير والحقيقي فقديم جداً. ومن هنا، إذا كان القيمون على مهرجان مراكش قد جالوا شهوراً طويلة في خريطة السينما العالمية لاختيار ما عرضوه هذا العام ولاختيار من يكرمون فإنهم لم يفعلوا هذا إلا لإيمانهم بأن جمهوراً عريضاً من الهواة يستحق أن تعرض له أهم الأفلام. ومن هنا كان طبيعياً أن يكون فيلم الافتتاح «المرحلون» تحفة سكورسيزي الجديدة (الذي بعث رسالة مصورة يعتذر فيها عن الحضور لانشغاله في مشروع ملح، مبلغاً تحياته الى الشعب المغربي الذي كان خصّه بأفضل استقبال في دورة العام الفائت)... وكان طبيعياً أن يكون فيلم ساد الصخب من حوله في مهرجان دبي وعومل كشيء استثنائي بوصفه فيلم الافتتاح، وهو فيلم «بوبي» عن اغتيال بوب كينيدي، قدم في عرض عادي في مراكش قبل أيام عدة من «الاحتفال الصاخب به في دبي».

المهم ان السينما التي شاهدناها في مراكش هي سينما اليوم: سينما الأطلال على عالم اليوم. فهي، سواء أتت من الصين أو الهند، من كندا أو فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا أو استونيا، سينما تلقي نظرة ذكية على العالم وأحواله... لكنها ليست مثل النظرة القديمة، أي أيديولوجية، بل نظرة إنسانية تتفرس في ما يحدث من موقع الفضول ومحاولة الفهم. ينطبق هذا على مجمل ما عرض، لكنه ينطبق خصوصاً على الأفلام الفائزة. فـ «الببغاء الحمراء» يعود الى برلين ودرسدن أوائل الستينات ليطل على الحياة وبدايات السجن الكبير من خلال ملهى ليلي كان يضج بموسيقى حديثة تكشف توق الشبيبة الى الحرية. و «كانت الورقة زرقاء» يطل على ذلك اليوم التاريخي في بوخارست، يوم قامت الثورة على تشاوشيسكو، واختلط كل شيء بكل شيء: الثوار ورجال الأمن وأجهزة الاستخبارات في ساعات عجيبة يصفها الفيلم بدقة من حول حكاية ثائر شاب وجد لزاماً على كل إنسان في رومانيا، ذات لحظة، أن يثور. أما الفيلم الذي أعطيت بطلته جائزة افضل ممثلة، فهو رابع فيلم عن الأحداث المأسوية التي عصفت برواندا قبل دزينة من السنوات وأدت الى مذابح سجلت كأردأ ما حدث في القرن العشرين. لكن هذا التاريخ الدامي روي لنا هنا من خلال حكاية حب رائعة بين صحافي كان أتى الى كيغالي ليحقق فيلماً عن انتشار السيدا، فإذا بالمذابح بين الهوتو والتوتسي تفاجئه، كما فاجأت كل السكان والأجانب هناك، وتدمر له حياة عاطفية كان بناها مع نادلة في الفندق، هي الرائعة جنتيل (فاتو ندياي)، التي قتلت الحرب روحها وجسدها بعدما كانت مقبلة على الحياة في شكل استثنائي.

الكلفة زهيدة

على هذا النسق نفسه مرت، كنسمة صيف حقيقية وإن بدت مثقلة بمآسي أزماتنا هذه، كل تلك الأفلام الرائعة التي شاهدناها طوال عشرة أيام في مراكش، وفيها أزواج يبحثون عن زوجات يختفين فجأة (ثلاثة أفلام تتحدث عن هذا الموضوع على الأقل منها تحفة من إيران «تدريجياً» وأخرى من الصين) وأطفال يقومون بالبطولة في شكل استثنائي («زهور حمراء» من الصين، وفيلم عن الأشباح والصداقة معاً، من ماليزيا...) واستعادة الإيمان بالحياة والعمل (في فيلم «دكان الأحلام» الاستوني)...

في اختصار، في «مراكش» ذلك المهرجان الصغير الذي يكبر ويكبر يوماً بعد يوم، شاهد جمهور متواطئ مع الفن السابع عاشق له، أفلاماً تقول قدرة السينما المتجددة على ان تندمج بالحياة. وقدرة الفن على ان تكون له، بعد، الكلمة الفصل في نظرتنا الى أحوال العالم. وتقول أيضاً وخصوصاً، قدرة مدينة عربية على أن تنظم احتفالاً سينمائياً حقيقياً، بكلفة مالية زهيدة... ولكن بحب كبير للفن، للسينما وللإنسان.

الحياة اللندنية في 15 ديسمبر 2006

 

"ببغاء" ألماني يلتهم جوائز مهرجان مراكش

حميد الأبيض**

خرجت السينما العربية خاوية الوفاض من مهرجان الفيلم الدولي في دورته السادسة بمراكش المغربية التي نظمت بين 1 - 9 نوفمبر 2006. فلم تحصد أي جائزة من جوائز المهرجان التي التهم شريط "الببغاء الأحمر" الألماني حصة الأسد منها، رغم دخول إيران والمغرب وماليزيا المنافسة على السعفة الذهبية المرشح لنيلها 15 فيلما من 14 دولة.

عروض لـ121 شريطا سينمائيا من 22 دولة عربية وأجنبية جميعها من إنتاج هذا العام، استمتع بها نحو 700 ألف متفرج كانت لهم فرصة استكشاف ألوان عالمية متنوعة من الفن السابع في كرنفال حقيقي للسينما نأسف فيه لضآلة المشاركة العربية، وهو الذي كانت إدارته قبل عامين، أبدت رغبة جامحة في إفراد مكانة أوسع ضمن عروضه بالمسابقة الرسمية وخارجها.

تتويج غير متوقع

الألماني "دومينيك كراف" مخرج شريط "الببغاء الأحمر" الفائز بالجائزة الكبرى للمهرجان (السعفة الذهبية) وجائزة أحسن تشخيص رجالي الممنوحة لممثله الرئيس "ماكس ريميليت"، بدا عاجزا عن تصديق فوز فيلمه بالجائزتين اللتين تعدان أولى الجوائز الكبرى في مساره السينمائي.

الدهشة نفسها انتابت الروماني "رادو مونطين" مخرج فيلم "ستكون الورقة زرقاء" الحائز على جائزة لجنة التحكيم، وهو اختيار بدا للعديدين منسجما تماما مع تصور رئيس لجنة التحكيم البولندي بولانسكي بحسب صحيفة "الأحداث" المغربية.

فوز "مونطين" اعتبر مفاجأة الدورة، لكن حصول الممثلة السنغالية "فاتو ندياي" على جائزة أفضل تشخيص نسائي كان متوقعا بالنظر إلى دورها الرئيس في الفيلم الكندي "يوم أحد في كيغالي" للمخرج "روبرت فافرو".

حرج لجنة التحكيم التي بررت اختياراتها بتفضيلها أفلاما منجزة فنيا بشكل جيد، بغض النظر عن الانتماءات السياسية والوطنية -كان متوقعا وقَدَّرَه "ماكس ريميليت" الممثل الألماني المتوج بجائزة أحسن دور رجالي عن دوره في "الببغاء الأحمر"، لوعيه بجودة الأفلام المتنافسة القادرة على التفاؤل بالفوز، لكن المسابقة كمباراة الكرة فيها المنتصر والمنهزم.

الغلبة للحب والإنسانية

بتتويج لجنة التحكيم للفيلم الألماني "الببغاء الأحمر" مرتين، غلبت لغة الحب والتضحية على كل لغات ولهجات ومواضيع الأفلام الخمسة عشر المشاركة في المسابقة الرسمية التي تميزت بمشاركة كبيرة للإنتاجات السينمائية الأوروبية والأمريكية والآسيوية.

فطيلة 128 دقيقة يحكي الفيلم المتوج بنصف جوائز مهرجان مراكش، عن سفر شاب في العشرين من عمره ربيع 1961 للعمل بمدينة "دريسد" حيث يلتقي صدفة بـ"لويزا" السيدة المتزوجة التي تفتح في وجهه آفاق اكتشاف عالم أندية الرقص الجديدة والساحرة، وعشق مستحيل لامرأة متزوجة.

ويشخص أوجه وفترات صراع داخلي يعيشها البطل في ظل مقاومته لحبه لـ"لويزا" الإنسانة التي أحبها بصدق ويحول زواجها دون تحقيق حلم ارتباطه بها.

وإن كان الفيلم الألماني "يؤمن حكاية الغرام" فالمخرج الروماني "رادو مونطين" اختار من خلال فيلمه "ستكون الورقة زرقاء" المتوج بجائزة لجنة التحكيم بعث رسالة إنسانية محضة يحكيها على لسان جندي شاب يقدم على تصفية زميل له حارب في صفوف "تشاوشسكو"، ومن ثم القطيعة مع الديكتاتور والسعي إلى الديمقراطية والحرية والانعتاق من الأغلال.

الطابع الإنساني وكشف مساوئ الحروب ومخلّفاتها السلبية، لغة تكلمها أيضا فيلم "يوم أحد في كيغالي" المتوجة بطلته الرئيسة بجائزة أحسن دور نسائي، وهو الشريط الذي يعتبر "إضافة نوعية في المجال" ويحكي فيه مخرجه الكندي "روبير فافرو" عن مجازر رواندا عام 1994.

حضور ضعيف

باستثناء الشريطين السينمائيين المغربيين "انهض يا مغرب" لنرجس النجار، و"يا له من عالم جميل" لـ"فوزي بن سعيدي" المشارك بهما في مهرجان "كان" قبل عام، فالمشاركة العربية في المسابقة الرسمية وخارجها كانت شبه منعدمة لأسباب غامضة لا تعرفها إلا إدارة المهرجان.

واقتصر عرض فيلم "البلديون" للجزائري "رشيد بو شارب" الذي حصد الإعجاب والسجال محققا انتصارات سياسية وتجارية تمثلت في تتبعه من 3 ملايين متفرج فرنسي إلى الآن، ضمن الأعمال المبرمجة خارج المسابقة الرسمية شأنه في ذلك شأن "عمارة يعقوبيان" المصري الذي صار قاسما مشتركا بين معظم المهرجانات في الفترة الأخيرة.

لكن إدارة المهرجان ذي الستة أعوام من عمره، عوضت هذا الحضور "الباهت" للإبداع السينمائي العربي بتكريم مجموعة من الفنانين العرب فيما يشبه رد الاعتبار لهم ولإبداعاتهم.

أما النجم المغربي محمد مجد فحظي في المهرجان بالتكريم مرتين، واحدة من قبل إدارته والأخرى من طرف وزارة الثقافة والاتصال الفرنسية التي منحته وسام الاستحقاق الفرنسي من درجة فارس في الفنون والآداب.

أوجه تميز

شكل عرض بعض الأفلام المشاركة في الهواء الطلق بساحة "جامع الفنا" أحد أشهر ساحات فن "الحلقة" بالمغرب، واحدة من النقط الحسنة المسجلة للدورة السادسة من المهرجان وضاعفت رقم جمهوره بشكل يفتح المجال أمام استشراف آفاق أوسع وترسيخ موقعه كمهرجان ذي صيت عالمي.

وأتاح حرص المنظمين على تقديم عروض للأفلام المشاركة بالفضاءات المفتوحة بباب قصر المؤتمرات أو ساحة جامع الفنا، فرصة الحفاظ على طابعها الشعبي حيث تلتقي متعة التسوق والأكل بمتعة مشاهدة السينما والاستماع إلى الحكايات الشفوية من ألسنة بعض "الحكواتيين"، وهي خاصية تميز المهرجان عن بقية المهرجانات الثقافية بالمغرب.

وهي فرصة متاحة لاكتشاف أفلام من جنسيات مختلفة ومضامين غنية ومتنوعة تأرجحت بين الحب: "قبل أن نقع في الغرام مجددا" للماليزي جيمس لي، "نساء من رمال" من البرازيل، "بوبي" الأمريكي، "بي أهستيجي" للإيراني مازيار ميلي. والهجرة: "براك" من الدانمارك، "المدرسة الداخلية" من تايلاند. والتفكك العائلي: "كان يكفي أن ترحل أمي" من فرنسا.

واعتبر حضور نجوم سينمائيين عالميين والتنظيم الجيد واعتماد معياري الجدية والجودة في اختيار الأفلام وتتويجها بصرف النظر عن انتماءاتها السياسية أو الجغرافية أحد أبرز نقاط قوة هذه الدورة التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة من قبل 428 صحفيا.

ويكفي للمهرجان فخرا فتحه نافذة على الكتابة السينمائية في منطقة الشرق الأقصى وآسيا؛ أفلام من ماليزيا وتايلاند وإيران واليابان عرضت بالمسابقة الرسمية وخارجها، بينما انفتحت السينما الهندية على الجمهور المغربي من خلال "بانوراما" باسم "تاج محل" تضمنت عرض 14 فيلما.

فنانون ينتقدون السياسة الأمريكية

لم يقتصر انتقاد المبدعين الأمريكيين للسياسة الأمريكية على مضمون بعض الأفلام المعروضة من قبيل "بوبي" لـ"إيميليو إستيبان" الغني بحمولة سياسية ينقلها عبر التعرض لاغتيال كينيدي محاولا انتقاد حكومة الجمهوريين، بل شمل تصريحات نارية لمشاركين بالمهرجان لا تروقهم هذه السياسة.

الممثل "مارتن شين" هاجم القيادة السياسية الأمريكية واصفا إياها بـ"زارعة الرعب في نفوس الأمريكيين" و"فشلت في ضمان الأمان لهم بعد أن حولت البلاد إلى رقعة خوف دائم".

وبرأي للممثل "ورانس فيشبورن" فإن "الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى، إلى زعيم قوي له المقدرة الكافية على إحداث التغيير الذي يتطلع إليه الأمريكيون في أجواء يسودها السلام".

أما الممثلة "سوزان ساراندون" التي تعرضت لهجوم إعلامي عنيف لمواقفها المضادة للرئيس بوش، فقد انتقدت أجواء الخوف المسيطرة في الولايات المتحدة الأمريكية في أوساط الممثلين وكتاب السيناريو والمخرجين ممن رفعوا أصواتهم ضد سياسة البيت الأبيض.

**صحفي مغربي.

طالع موقع المهرجان:

إسلام أنلاين في 13 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

السياسة تفوز في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش:

حديث عن الثقافة الجنسية يتجدد مع ظهور عادات السينما الغربية في البلاد العربية

مراكش ـ القدس العربي

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك