> يكشف عجز الشباب عن الحب وسقوطهم المدوي أمام واقعهم وانقطاع الحبال التي تربطهم بالأجيال السابقة

> الحوار الطويل أثقل من إيقاع الفيلم وأضاع كثيرا من المتعة التي كان يمكن أن نحصل عليها

> إذا كان عماد البهات قد تجاهل قوة الصورة تأثيرها فإنني أنصحه أن يراجع نفسه لأننا في قرن الصورة لا الكلمة

ثقافة المخرج سلاح ذو حدين.. فهي قد تساعده غالبا علي اعطاء الأفلام التي يخرجها أو يكتبها خلفية عميقة تعطي الشخصيات بعداً درامياً متقناً.. وتعطي لحوارهم نكهة راقية تخاطب العقل والوجدان معا.

وأحيانا تصبح هذه الثقافة عبئا علي الفيلم نفسه وأحداثه وحوار ابطاله.. فتجعله ثقيلا جامدا.. يعني بالكلمة أكثر مما يعني بالصورة ويصبح الحوار حلا مطلقا للفيلم.. يقوده بحبل من حرير ويمنعه من الحركة.

وفيلم استغماية وهو الفيلم الأول لمخرجه الشاب عماد البهات والذي اختير ليمثل سينما مصر في مسابقة مهرجان القاهرة الدولي.. فلم يتأرجح بين هذين الحدين. عماد البهات هو تلميذ آخر من تلامذة يوسف شاهين .. تعلم السينما واحكامها وأفاقها من خلال مصاحبته لأستاذه الكبير في أفلامه الأخيرة كلها، فهم فيه كيف يمكن لجملة حوار واحدة أن تحدد مسار الفيلم.. وإن جملة واحدة أيضا يمكن أن تعطي الممثل مساحة خاصة يعبر بها بسهولة وعفوية عن شخصيته .

لذلك ركز عماد البهات في فيلمه الأول علي الحوار قيمة ومعني وأسلوبا متأثرا أيضاً بأجواء السينما الأوروبية والفرنسية خاصة التي تجعل دائما من الحوار المركز والمنطلق الأساسي للتعبير السينمائي.

الزاوية التي ينطلق منها فيلم استغماية هو لعبة «حوارية» تقوم بها مجموعة من الشباب اجتمعت لتحتفل أخيرا بزواج زميل لهم من فتاة أحبها ويعيش معها إلي أن قررا أخيرا أن يكللا علاقتهما بزواج شرعي.

في تلك الليلة الحاسمة التي سيتفقد في فجرها القادم عقد الزواج المنتظر تقرر المجموعة الشابة التي يرأسها زميل لهم أكبر سنا وأعمق تجربة وأشد حنكة أن تلعب لعبة اجتماعية شائعة يقوم فيها كل فرد بلعب دور زميل له أو زميلة، ومن خلال هذه اللعبة يكتشف الجميع الأغوار الغامضة في نفس كل منهم .. بأن تخرج العقد المختبئة في الأعمال إلي السطح، وأن تعرض نفسها للنور مهما سببت من مشاكل وشجار ومواجهات.

كما تري.. الفكرة براقة ويمكن أن تضع فليماً مثيراً إلي أبعد الحدود.. خصوصا إذا كان ابطالها من الشباب بكل نماذجهم وخلافاتهم وعواطفهم وموقفهم من الدنيا والناس.. وبالأخص أيضاً موقفهم مع نفسهم ومع الاشخاص الذين اختاروهم ليكونوا رفاقا لهم في معترك الحياة. اختيار النماذج الشابة في مثل هذا الموضوع هو «مربط الفرس» لأن هذا الاختيار هو الذي سيحدد نجاح الفيلم أو عدمه وارتباطه بقضايا الشباب الحقيقية.. و ابتعاده عنها. والحق أن عماد البهات وهو كاتب السيناريو أيضاً كما هو مخرجه قد اختار نماذج معينة قادته إليها ثقافته وتأثره سواء بالسينما العالمية التي يشاهدها.. أو بعالم يوسف شاهين أستاذه ومثله الأعلي. ابتعاد نسبي هناك هذا الراقص ويلعب دوره أحمد يحيي بعد ابتعاد طال نسبيا عن الشاشة «منذ ظهوره الملفت للنظر في إسكندرية نيويورك» والذي يعيش قصة حب علي فتاة فلسطينية تقاسمه حياته بعد أن تعرف عليها في مولد شعبي «أحسن المخرج تقديمه وتقديم أجوائه الشعبية والروحية معا» والذي يقرر بعد تفكير طويل أن يجعل من علاقته بها علاقة شرعية تتوج بالزواج.. ولكن تعقد المعاملات الإدارية الخاصة بزواج مصري من فتاة من غير جنسيته.. تدفعه لتأجيل الزواج ليلة واحدة يقضيها في سهرة طويلة مع أصحابه، وتنتهي بفشل المشروع كله بعد أن يكتشف الراقص الشاب علاقة حبيبته التي اختارها بفرد من أفراد الشلة. ويبزغ الفجر الجديد محطما آماله ومشاريع مستقبله كلها. نموذج حاد لشاب من شباب هذا الجيل الذي يحيا تناقضات عصره وأخلاقه وموقفه من نظريات يؤمن بها عن الحرية وحدودها.. وواقع قاصي يفرض عليه شروطه كلها. أحمد يحيي إلي جانب الوجة الجديد سارة بسام يثبت أنه طاقة تمثيلية جيدة.. كما أنه راقص بارع متميز وأن السينما بحاجة إليه.. وأنه أحق من كثير من الشبان الممثلين الذين ظهروا في زمنه.. بادوار مختلفة تليق به وبموهبته الواضحة. كذلك الوجة الجديد سارة بسام التي اعطت شخصية الفتاة الفلسطينية المتمردة علي التقاليد والتي تحيا حريتها علي طريقتها. أما الثنائي الثاني الذي اعتبره المحور الحقيقي للفيلم في المحور الذي يجمع به سلمي ويوسف المخرج المحبط العائد لمصر والممرضة الخارجة من أسرة تقليدية محافظة .. والعلاقة الحلوة- المرة التي تجمع بينهما والتي عرف الكاتب والمخرج كيف ينسج خيوطها بحساسية وبراعة وتأثير. سلمي تلعب دورها هيدي كرم التي لفتت الأنظار إليها بفيلم «آخر الدنيا» وكانت واحدة من العناصر الإيجابية القليلة فيه تؤكد في هذا الفيلم براعتها وقدرتها علي تقمص أدوار مختلفة وصبغها بطابع من شخصيتها المتميزة وأدائها المتقن الذي تتداخل فيه التعبيرات الداخلية مع السلوك الخارجي بتوازن يثير الدهشة من ممثلة ما زالت في أول الطريق أي اعتقد أن هناك مستقبلا واعداً مليئا بالورود ينتظر هذه الممثلة الشابة التي تملك وجها شديد التعبير ورقة داخلية مؤثرة وقدرة علي التقمص تدعو إلي الإعجاب والمتابعة. كذلك «عمرو ممدوح» في دور المخرج يوسف.. الذي يعلن عن تمكنه وحضوره السينمائي الاستثنائي الذي برهن عليه سابقا في فيلم سعد هنداوي «حالة حب». والذي يؤكده بشكل ساطع وفي فيلم «استغماية» وقدرته علي التنقل بين عواطف مختلفة متناقضة بسهولة عفوية ويسر.. إلي جانب حضوره الدرامي المثير للانتباه. العمود الفقري هذا الثنائي الذي تستند أغلب مشاهد الفيلم عليه كان العمود الفقري الحقيقي للفيلم بالمشاكل التي يعيشها وبالاحباطات التي تواجهه.. وبالثورة العاطفية الحقيقية التي يمثلها. هناك ثنائي آخر يركز عليه المخرج في فيلمه ولكنه هذه المرة ليس ثنائيا عاطفيا يعيش مشكلة قلب ومشاعر.. وإنما ثنائي عقلاني يعيش مشكلة اجتماعية راهنة. مصطفي الاشتراكي النزعة الذي ينادي بصراع الطبقات ويدافع عن «البرولتاريا» ويحاول أن يشعل نيران الثورة في نفوس هؤلاء القرويين السذج «ولعل من أشد مشاهد الفيلم متعة هو مشهد - مع الفلاحين وهو يشرح لهم صراعهم الطبقي أمام وجوههم المشدوهة التي لا تفهم كلمة واحدة مما يقول» وزميله الارستقراطي صاحب المزرعة التي دعا إليها افراد الشلة لقضاء هذه السهرة «القاتلة» التي نزعت الأقنعة عن الوجوه ووضعتهم جميعا أمام مرآة كاشنة لنفوسهم العارية. مناقشاتهم وصراعاتهم التي تدور في حلقة مفرغة تنتهي بمعركة بالأيدي تحطم آخر مصابيح هذه السهرة المجنونة وتضعهم أمام فجر عار شديد القسوة يكشف لهم الطريق المسدود الذي يسيرون عليه. ربما كان الصراع الدرامي في هذا الثنائي صراعا تقليديا سبق لنا أن شاهدنا مثيلا له في كثير من أفلامنا.. ولم يستطع عماد البهات أن يعطيه بعدا جديدا مبتكرا، فبدا لنا مباشرا مترهلا بعض الشيء.. رغم إجادة الممثلين للذين لعبا الدورين، وهنا ظهرت مأساة «ثقافة» المخرج الذي أراد عن طريق الحوار فقط تقديم أفكاره التقدمية النمطية ووضعها موضع الجدل والمناقشة التي تنتهي كالعادة في مجتمعاتنا الشرقية بالتواجه الجسدي وحل المشاكل بالضربات واللكمات. وهناك أخيرا يحيي الربان العجوز صديق الجميع «ويلعب دوره المصور الكبير طارق التلمساني» والذي يشكل الرؤيا الناضجة الحكيمة التي يلقيها علي مشاكل الشباب التي تؤدي أحيانا إلي كارثة لا يتوقعها هو نفسه، فهو الذي اقترح أن يلعبوا جميعا هذه اللعبة الجهنمية التي قادتهم إلي هذا المنعطف الخطر الذي واجهوا به أنفسهم الحقيقية وسلوكهم الحقيقي الذي كان مختبئا وراء قناع من الكذب والتظاهر بما هو ليس فيهم.

يحيي هذا الربان العجوز الذي قاد سفينته إلي مرفأ الأمان عجز عن أن يقود هذه القوارب الصغيرة التي لجأت إليه مجذبة بمغناطيس تجربته وحكمته فجعلها تصطدم بالصخور وتحطم اشلاء. هل يمثل «يحيي» عجز الجيل القديم عن توجيه الجيل الشاب وأن يقوده رغم إرادته إلي الدمار.

حكم قاس

إذا كان هذا ما يقصده المخرج الشاب في فيلمه «الاستغماية» فهو حكم شديد القسوة يدل علي رأيه في انقطاع الصلة تماما بين الأجيال ويركز علي ضياع الجيل الشاب وجهلة بالهدف الذي يسعي إليه والضياع الذي يهدد خطواته ومستقبله.

«استغماية» فيلم شاب ولكنه طافح بالمرارة .. يشع منه اليأس والإحباط يكشف عجز الشباب عن الحب.. سقوطهم المدوي أمام واقعهم المعاش انقطاع الحبال التي تصلهم بالاجيال التي سبقتهم ويأسهم المطلق من إيجاد حل واضح لأزماتهم.

وإذا كان الحوار القاسي أو الشاعري أو العاطفي أو الفلسفي الذي يدور بينهم لا يؤدي إلي أي تغطية تواصل.. فإن الحدث الوحيد الذي ينتج عن كل هذا هو معركة بالأيدي بين زميلين عجز كل واحد منهما علي اقناع الآخر برأيه فلجأ إلي القوة والعراك لكي يحقق انتصارا أو فشل مشروع زواج عاطفي كانت بداية الفيلم كله مستندة عليه.

ولعل المشهد الأخير مشهد خروج السيارات من القرية تحمل اشلاء الشباب وأحلامهم المجهضة ويأسهم القاتل حتي خلال اشجار باسقة شديدة لاخضرار وطريق ضيق لا تبدو لنا نهايته هي الكلمة الفاصلة التي أراد المخرج الشاب أن يوصلها الينا.

«استغماية» فيلم شباب حقيقي كتبه وأخرجه ومثله بالكامل ممثلون شبان فيلم يطرح قضايا شبابية رأها المخرج في منظاره أكثر أهمية من مشاكل أخري «وهذا حقه ولا يمكن الاعتراض عليه» ولكن من حقنا أيضا أن نري أن أسلوبه الحواري الطويل قد أثقل من إيقاع فيلمه وأضاع كثيرا من المتعة التي يمكن أن نحصل عليها.. لو استطاع هذا المخرج الشاب أن يستبدل كثيرا من المواقف التي اعتمد عليها في حواره علي مواقف تقول الصورة السينمائية فيها ما يريد أن يقول. ويبقي السؤال الحائر هل اختار المخرج عمدا هذه الطريقة الحوارية للتعبير عن نفسه راميا جانبا قوة الصورة وتأثيرها، إذا كان الجواب بالإيجاب فإني انصحه من كل قلبي أن يراجع أوراقه لأن «قرنتا» هذا أصبح «قرن» الصورة: لا قرن الكلمة.

جريدة القاهرة في 19 ديسمبر 2006

 

محمود قاسم يكتب عنه بحب:

رحيل فيليب نواريه.. نهاية لعصر النجوم الفرنسيين 

< بداياته كانت مع جيل جديد غير وجه السينما الفرنسية

< نجوميته ولدت علي أيدي فيريري في فيلم «الأكلة الكبري»

< لم يعترف بالشيخوخة وعمل بشكل مكثف ودوره الرائع في «سينما باراديسو» جسد موهبته  

يذكرنا بسنوات مجد السينما الفرنسية في مصر، سواء في دور العرض، أو المراكز الثقافية الفرنسية، فقد كان أداؤه يسحرنا، وكان تنوعه يضعه في مصاف نجوم السينما الفرنسية الكبار.

لكن الآن، لم يعد للسينما الفرنسية وجود في حياتنا، حتي في البرامج السينمائية، وكنا إلي سنوات قريبة، نشاهد البانوراما الفرنسية، لكن زحف الأفلام الأمريكية، علي القنوات المختلفة خلق مسافة ملحوظة بيننا وبين هذه السينما، خاصة أنه كلما تمكنا من فك شفرات قنوات أعيد تشفيرها بشكل أكثر تعقيداً. يشكل نواريه حالة خاصة وسط أبناء جيله من النجوم الذين لمعوا أكثر منه، وعلي رأسهم الآن ديلون «جان بول لموندو»، ففي السنوات التي كان أصاب هذه الأسماء متألقين بشدة «الستينيات» كان نواريه مجرد ممثل جيد، يعمل في الكثير من الأفلام الفرنسية، والأمريكية، والإيطالية، وبالنظر إلي الحضور القوي للممثل في السبعينيات، والعقود التي تلته، فإن نواريه بدا أبه بالخمر المعتق، الذي يزداد تألقاً، وحضوراً، وموهبة، فانحسرت الأضواء عن أبناء جيله، وأصبح هو بلا منازع النجم الفرنسي الأول، وقد ساعده علي ذلك ذكاؤه، وموهبته الحادة لذا، فلو اكتفينا بمراجعة أفلامه فقط في السبعينيات لأدركنا أمام أي موهبة نحن.

نواريه المولود في «ليل» بشمال فرنسا في أول أكتوبر عام 1931 بدأ حياته في المسرح، وقد تلقي العون من اثنين من عمالقة المسرح الفرنسي في النصف الأول من القرن العشرين، هما جان فيلار، وجيرار فيليب، فنضم لمدة عشر سنوات إلي المسرح الوطني الشعبي، أما السينما، فإن الفضل يرجع إلي المخرجة أنييس فاووا التي استعانت به في فيلم «النقطة القصيرة». بداية متميزة وقد كانت بدايته مرتبطة بالعمل مع مخرجين متميزين، منهم لوي مال الذي أسند له دوراً في فيلم «زازي في المترو» عام 1960، وفي الستينيات، عمل نواريه في الكثير من الأفلام التجارية، خاصة في السينما الإيطالية، لذا لم ينظر إليه أحد علي أنه سيكون له شأن ذات يوم، وباستثناء دور صغير في فيلم «تيريز ديكورد» المأخوذ عن رواية للكاتب فرانسو موريال، فإن أدواره الكثيرة لم تضعه بين مصاف النجوم، خاصة في أفلام مثل «سيرانو ودارنتيان» إخراج إيل جانس، عام 1963، والفيلم الأمريكي «الليدي ل» إخراج بيتر استيفرن، و«حياة القصر» المأخوذ عن مسرحية لفرانسواز ساجات عام 1965.

وقد عمل نواريه بشكل مكثف في النصف الثاني من الستينيات، ففي عام 1966 شارك في ستة أفلام، لعل ما نذكره له هو دور الضابط النازي في الفيلم الأمريكي «ليلة الجنرالات» إخراج أناتول ليتفال، أمام عمر الشريف وبيير اوتول.

ولعل أدواره في السينما الأمريكية، التي يتم تصويرها في أوروبا، في تلك الآونة، قد ساعدت علي زيادة تهميشه، مثل فيلم «دوستين» لجورج كيوكر، و«طوباز» لألفريد هيتشكوك عام 1969، و«حرب مورفي» إخراج بيتر بيتس عام 1970، أمام بيتر اوتول.

إلا أن لمعان الممثل الحقيقي لفيليب نواريه كان مع بداية السبعينيات، خاصة مع أدوار مولينارو في فيلمين هما «اليوسفي»، و«اعترافات بالغة الرقة» عام 1971، ثم «اغتيال» إخراج إيف بواسييه حول اختطاف المعارض العربي مهدي بن بركة، ثم مع المخرج الفرنسي هنري فرنوي، في الفيلم الأمريكي «الثعبان» حول التجسس وجهاز كشف الكذب.

ميلاد النجومية

وفي رأيي الشخصي أن ميلاد نجومية فيليب نواريه، كانت علي يدي ماركو فيريري في فيلمه «الأكلة الكبري»، حيث وقف علي قدم المساواة مع كل من مارشيلوف ستروياني وميشيل بيكولي، وأوجو تونياتسي حول أربعة رجال يفرزون طاقاتهم ولذاتهم في الجنس والأكل، ولعل فيريري قد أدراك أهمية هذه المجموعة، فقام بجمعها مرة ثانية في العام نفسه في فيلم «لا تلمس المرأة البيضاء»، وأضاف إليهم كاترين دونوف، بدلاً من أنمدريا فارول. في العام نفسه 1973، كان اللقاء الأول بين نواريه، والرجل الذي استفاد بشكل جيد من موهبته، برتران تافانييه في فيلم «ساعاتي سان بول» وهو الذي سرعان ما عاد للعمل معه في العام التالي في «ليبدأ العيد»، ثم «القاضي والقاتل» عام 1976، و«أسبوع إجازات» عام 1980. كان ذلك بداية لميلاد جيل جديد، غير وجه السينما الفرنسية، وجعلها تسحب البساط من صناع الأفلام البوليسية، والموجة الجديدة، مثل آلان روب جرييه في «اللعب مع النار» عام 1974، وماريو مونشيللي في «أصدقائي»، وفالريو زروليني في «صحراء التتار»، وإيف بواسيه في «تاكسي رمادي»، وفيليب دو بروكا في «فرخة رقيقة» عام 1977. مع الثمانينات، صار علي نواريه أن يعتلي عرش النجومية في بلاده، ولمع اسمه، مقارنة بالجيل الجديد خاصة جيرار ديباريو، وباتريك الذي مات منتحراً في أول العقد، ففي قائمة الممثل، هناك تعاون محدد مع مخرجين بأعينهم، مما يعني أنه كان يعاود التمثيل في أفلام من إخراج تافرنييه مثل «أسبوع إجازات» عام 1980، و«ضربة حظ» عام 1981، و«حول منتصف الليل» عام 1986، و«الحياة ولا شيء آخر» عام 1989. عمل مكثف أما المخرج الثاني الذي عمل معه بشكل مكثف فهو رويدا نريكو، ففي السبعينيات أخرج له خمسة أفلام منها «السر» عام 1976، و «البنادق القديمة» عام 1976، وفي العقد التاسع، قدم له أفلاما هي «ملك أو كتابة» عام 1981، ويلي ذلك فيليب دوبروكا، الذي قدم له في الثمانينات في «الريفيين» ومن بين المخرجين الذين عمل معهم أكثر من فيلمين: كلود زيدي، وبيير جارنييه- ديفير، لكن الملحوظ أن نواريه عمل بشكل مكثف في أفلام إيطالية مهمة للغاية، منها: «ثلاثة أخوة» لفرانشيسكو روزي عام 1980، و«أتمني أن تكون فتاة» لماريو مونشيللي، و«الأسرة» لايتوري سكولا، و«عوينات ذهبية» لمونتامي عام 1987. لكن لا شك أن أهم ما في رحلة الممثل الراحل هو تعاونه الوثيق مع تافرنييه، الذي كان يكتب أفلامه ويضع عينيه حين الكتابة علي الممثلين الذين يؤدون الأدوار، والكثير من هذه الأفلام تدور في إطار تاريخي مثل «ليبدأ العيد» الذي يدور في القرن الثامن عشر، عقب وفاة لويس الرابع عشر، وتولي ابنه لويس الخامس عشر مقاليد السلطة وهو في سن صغيرة، تحت وصاية فيليب، وقد عبر الفيلم عن أحوال الشعب الفرنسي التي مهدت للقيام بالثورة الفرنسية فيما بعد. أما فيلم «القاضي والقاتل» فتدور أحداثه في القرن التاسع عشر، حول مجموعة من الجرائم الجنسية، كان الضحايا فيها من المراهقين، حيث توكل القضية إلي قاض ماهر «جسده نواريه» سبق له أن تورط في فضيحة، وعليه أن يثبت كفاءته. أما فيلمه «الضربة القاضية» فيدور في إحدي المستعمرات الأفريقية في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، حيث يعيش مجموعة من المهمشين الفرنسيين، فهناك لوسيان الذي يمثل النظام في قرية صغيرة، حيث يقوم بمهاجمة منزل البغاء الوحيد في القرية ذات ليلة، ونفهم أن لوسيان علي علاقة بالمرأة روز زوجة صاحب البيت، وفيما بعد يقتل لوسيان الزوج نفسه، ويدعي أن الموت تم قضاء وقدر إنه ممثل العدالة، وصاحب القرار في القبض علي القاتل، ويكتشف أن شخصاً شاهداً علي ما ارتكبه فيقتله هو الآخر، لكن لا يلبث شقيق القتيل أن يظهر، وتصبح مهمته كشف الحقيقة. فيلم تاريخي أما الفيلم التاريخي الثالث فهو «الحياة، ولا شيء آخر» فتدور أحداثه في سنوات الحرب العالمية الأولي، فبعد أن انتهت الحرب، لم يعد إلي البيوت الكثير من الجنود والضباط، فيكلف ضابط قيم بالبحث في سجلات هؤلاء المفقودين، ومن ناحية أخري، فهناك أرملة من طبقة أرستقراطية تبحث عن جثمان زوجها، وهناك طالبة صغيرة تود أن تعرف إن كان حبيبها لا يزال علي قيد الحياة، وهؤلاء الأشخاص الثلاثة يلتقون، باعتبار أن أهدافهم واحدة..

فهؤلاء الأحياء يحاولون العثور علي أي دليل يؤكد رحيل أوبقاء أعزاء عليهم، إنهم ينسون الفوارق الثقافية والطبقية فيما بينهم ليتوحدوا فيما يخص الحياة والموت.

ومع التسعينيات، لم يعترف نواريه بالشيخوخة، فعمل بشكل مكثف، ولعل دوره الرائع في الفيلم الإيطالي «سينما باراديوس»: قد جسد موهبته، فهو عامل العرض في قاعة سينما قديمة، بمدينة صغيرة، تقوم بينه وبين صبي صداقة علي شرف الأفلام، وهو يصحب هذا الصبي إلي كابينة العرض، لمشاهدة الأفلام من الكوة الضيقة، ويؤثر كل هذا في وجدان الصغير، الذي يروي الحكاية باعتبارها تاريخه ووجدانه، ويعود بعد سنوات، وقد أصبح شخصية مرموقة، ليشاهد دار العرض، وقد صارت أطلال ذاكرة.

في ذلك العقد، لم يغير الممثل مسيرته، فعمل بين فرنسا وإيطاليا، ومع أبرز المخرجين الموجودين في الساحة، مما جعل مجلة «فيجارو» تؤكد في 17 مارس 1990 أن نواريه هو بالفعل جان جابان السينما الفرنسية، وهو كذلك بالفعل.

لكن رحيل فيليب نواريه، تاركاً وراءه كل هذا التاريخ، والأفلام الجيدة، هل انتهي عصر النجوم في السينما الفرنسية، أو بالأحري، هل تغير ملامح هؤلاء النجوم؟

بالتأكيد ليست هناك إجابات محددة، فالمتابع لعطاء ممثل من طراز جاد المالح، والممثلة أودري ناتو سوف يتأكد أن جان جابان، وفيليب نواريه، يولدون أيضاً بين وقت وآخر.

جريدة القاهرة في 19 ديسمبر 2006

صلاح هاشم يكتب من باريس:

"مواقيت ورياح" تحفة سينمائية من تركيا وقصيدة في حب الحياة 

> السينما أصدق من نشرات الأخبار التي صارت دعايات موجهة تلحس أدمغة المشاهدين

> أفلام البحر المتوسط مهد التراجيديا و«صرة» العالم

> جوائز مهرجان مونبلييه ذهبت لمن يستحقونها ومن جعلونا نتصالح مع كل الكائنات  

هل صحيح كما يقول جان فرانسوا برجو مدير «مهرجان مونبلييه السينمائي 28» ان الاخبار والانباء والمعارف التي تحملها لنا الافلام، تكون احيانا اهم بكثير وأكثر مصداقية، من الاخبار التي تحملها لنا وتبثها نشرات الاخبار علي شاشات التليفزيون، وتقصفنا بها ليل نهار؟..

ان المتأمل في انتاجات السينمات المتوسطية الجديدة التي عرضها المهرجان في دورته الفائتة في الفترة من 27 اكتوبر الي 5 نوفمبر، والقادمة من مصر والمغرب وتركيا وفلسطين وغيرها سوف يكتشف انه ربما يكون علي حق ، بعد ان صارت عمليات تشكيل وتوجيه الرأي العام من خلال الشاشات الصغيرة التليفزيون، تخضع لهيمنة الحكومات والشركات والاحزاب والانظمة، واقرب ما تكون الي " الدعاية " ان لم نقل " البروباجندا " الخالصة، ولم تعد هناك اخبار موضوعية او محايدة او نزيهة، بل قل ان جل الاخبار التي تبث وتنشر، صارت مثل الرسائل والدعايات الموجهة لتلحس دماغ المشاهدين ، وتوجههم الي حيث تريد الحكومات، كي تتحكم في حياتنا، وتحركنا كما عرائس الماريونيت الخشبية، في استعراض قائم الآن، وفي كل لحظة ومستمر، تحت خيمة المتوسط الكبير..

مهد التراجيديا وصرة العالم

ولذا اصبحت تلك الصور والمعارف والانباء التي تنقلها لنا السينما ، من صنع الخيال، اكثر دفئا وحرارة ومصداقية من ذلك الخطاب التليفزيوني «الموجه». وكما يقول نعوم تشومسكي ان الاخبار التي يبثها التليفزيون، ليس القصد منها ان تزيد من معارفنا بالعالم والدنيا والناس، بل القصد منها ان تجعلنا نحب التليفزيون كصندوق للمتع الحسية، ومتاح للفرجة في كل وقت. القصد منها ان يصبح الهدف من الخطاب التليفزيوني، هو التليفزيون ذاته، فنحبه أكثر ، ونحس انه قد صار حاجة اساسية من احتياجاتنا الطبيعية الضرورية، مثل الاكل والشرب والنوم واستنشاق الهواء النقي . ولم يعد هناك أي هواء نقي بالطبع، وعلي مايبدو، في أي مكان في العالم كما تصور، الا امام الشاشة الصغيرة. في حين ان التليفزيون كما يؤكد العالم الكبير تشومسكي، يستطيع ان يكون جامعة مجانية مفتوحة علي الهواء الطلق، وليس ساحة للدعاية والاعلان،كما هوالآن، لبث الهراء العام، في انحاء البلدان المتوسطية، لكي يغربنا هكذا عن حياتنا وواقعنا، ويحولنا الي " مسخ " في اجمل بقعة جغرافية علي وجه الارض.

تلك الرقعة الجغرافية المتوسطية الشاسعة التي تطل علي البحر الكبير بقدسيتها، واديانها السماوية الرائعة، وحضاراتها وتاريخها وثقافاتها العريقة، وهي عندنا يقينا بمثابة صرة العالم..

الصرة التي تشرق عليها الشمس الافريقية المتوهجة بالنور، وتلك المراعي الخضراء الممتدة في توسكانيا في ايطاليا الي ما لانهاية. هي " رغيف " العيش المصري، وألفة الناس الطيبين و"الطبطبة " فوق الظهر، وهي أيضا مهد التراجيديات والدراما العظيمة، وهنا كما يقول المخرج السينمائي والشاعرالايطالي بيير باولو بازوليني تخلق " الحكواتي " ، وولدت الحكاية مع جدنا الاكبر اليوناني هوميروس، وظهرت " الف ليلة وليلة ". وهنا - نضيف - أشعار قسطنطين كفافي، وروي محفوظ ، وصور فيلليني وانجلو بولوس وانطونيوني ورينوار وصلاح ابو سيف ويوسف شاهين ، وصدحت ماريا كالاس وشدت أم كلثوم.ولذلك كانت الافلام التي شربت من نبع المتوسط، وشبت وترعرعت تحت شمسه وارتوت من ارضه، خليقة - اكثر من تلك الاخبار التي يقصفنا بها التليفزيون- بأن تكون معبرة عن حالته، ومزاجه وبؤسه، وقلقه وتناقضات مجتمعاته الغنية والفقيرة علي حد سواء، وتصدمنا بواقعيتها .. ومصداقيتها. كما في فيلم " مثل ظل " الايطالي علي سبيل المثال الذي يذكرك بأفلام أنطونيوني (الليل .الصحراء الحمراء. المغامرة) ويحكي عن تلك الوحدة الباردة في المجتمع الايطالي الاستهلاكي الجديد، وذلك النزوح مثل النزيف من الجنوب الفقير المعدم الي أرض الاحلام والاوهام في المدن الصناعية العملاقة التي تقتل الروح،وحصد جائزة النقاد عن جدارة..

وكما في فيلم " البنات دول " من مصر لتهاني راشد، الذي تتضاءل امامه اعتي الريبورتاجات والافلام التسجيلية من صنع التليفزيون المصري والمركز القومي للسينما ، ولن يحول دون زيارة السياح لبلدنا مصر، لأنه كما يدعي البعض ينشر غسيلنا الوسخ علي السطح، ويكشف عن تناقضاتنا وعيوبنا، واذا به يتوهج سينمائيا في " كان "، ويشارك من بعد في مسابقة الافلام التسجيلية في مونبلييه السينمائي 28 ، ويحصد جائزتها عن استحقاق.. المتوسط يضبط إيقاعه علي مواقيت الصلاة
كما عرض المهرجان " تحفة " سينمائية من تركيا في فيلم هو أشبه مايكون بقصيدة في مجد الحياة ونرشحه للعرض في مهرجان الاسكندرية السينمائي القادم بعد أن أسرنا بجماله وعمقه وعذوبته، الا وهوفيلم " مواقيت ورياح "
des tempe et vents للمخرج التركي أريحا أرديم الذي حصد جائزة انتيجون الذهبية كاحسن فيلم بين 12 فيلما شاركت في مسابقة المهرجان. يحكي الفيلم عن ايقاع ودورة الحياة في قرية صغيرة من قري الاناضول البعيدة عن العمران، فلا راديو هناك ولا تليفزيون يزعجك، بل هناك فقط اصوات الطبيعة: زقزقة العصافير وهمس الريح وشجر المشمش واللوز العالي ، وتلك الحيوانات التي تتناسل براحتها في طرقات وازقة القرية الصغيرة في حضن الجبل، والمطلة علي البحر المتوسط الكبير، وسط الزهور. هناك حيث يضبط المتوسط ايقاعه علي مواقيت الصلاة، و يقعد اطفال القرية فوق ربوة، ويتأملون وهم ينصتون إلي صوت المؤذن،يتأملون في تلك السحب الراحلة في السماء بلا عودة، فيفكرون متي ينتهي ياتري ظلم الاهالي وتعسفهم واستعبادهم للصغار وتوحشهم، وكيف يستميلون مدرستهم الشابة التركية الجميلة بهداياهم المتواضعة كي تعطف عليهم و تحنو عليهم وتحبهم اكثر والغريب انها وهي الغريبة النازحة الي المكان تفهمهم اكثر من امهاتهم وذوييهم. الطفل عمر بطل الفيلم يكره الأب مؤذن القرية فالأب يتباهي بشقيقه الاصغر الذكي الشاطر في الحساب ويحفظ القرآن، في حين ان عمر يبدو في تلك السن مثله مثل أي مراهق غارقا في في تأملاته حالما ومسافرا دوما الي البعيد، ويروح يدخن في الخفاء مع صديقه اللفائف، ويتصعلكان سويا في حضن الطبيعة ويتلصصان علي الفتيات الصغيرات اللواتي يغتسلن في النبع، وتتفتح حواسهما علي مشاعر الجنس، في مواجهة التقاليد العائلية البالية الصارمة، وتراثها العريق في القمع والكبت، حتي انه من فرط قسوة الاب علي ابنه عمر ذاك الحالم،يقرر عمر ان يتخلص من ابيه بأية طريقة، فمرة يفكر في ان يسممه، ومرة اخري يفكر في ان يدفعه من فوق قمة مئذنة جامع القرية العالية، لكي يسقط من حالق ويتهشم جسده ويموت، ويستريح عمر من ظلمه وقسوته، ومرة ثالثة يصطاد عمر مجموعة من العقارب الكبيرة السامة،ويضعها في علبة من الصفيح، وينتظر كي ينتهز أول فرصة ليطلقها في فراش الوالد فتلسعه بابرها المسمومة، ولايهم ان يقبض البوليس عليه، فالصغار في عمره من القاصرين لا يلقي بهم في الحبس اذا ارتكبوا جريمة ..

ويفكر صديق عمر ان ينتقم ايضا من والده الذي ضبطه وهو يتلصص علي مدرسة القرية العازبة التي يحبها ، ويحمل اليها في عيد الاضحي فخذة خروف، فاذا به يكتشف ان الاب يهيم حبا هو الآخر بمدرسته العازبة، التي تعيش بمفردها في سكن خاص بالقرية الصغيرة في حضن الجبل ، التي تصبح مع تعاقب الاحداث في الفيلم وتطورها، تصبح صورة مصغرة لذلك المتوسط وقسوته وظلمه وقمعه للصغار، ومن اعظم مشاهد الفيلم تلك اللقطات التي يظهر فيها الاطفال ابطال الفيلم، وقد راحوا في سبات عميق عذب، في حضن الارض والطبيعة، وكأنها هي الارض ذلك الرحم الكبير الذي يضمنا في ذلك المتوسط الي صرة العالم والكون، في حياتنا ومماتنا ويجعلنا نتصالح مع كل الكائنات والموجودات..

جريدة القاهرة في 19 ديسمبر 2006

 

"استغماية" .. ولعبة الحياة

هبة عبد المجيد  

ما أكثر الأقنعة التى يرتديها البعض لتتيح له فرصة للاختباء من الآخرين أو من الذات.. لا فرق، وكيف ينجح البعض فى الوصول الى حالة سلام نفسى وهدوء يبطل أنين الصراع الداخلى من كل "اللخبطة" التى نعانيها داخلنا وتنعكس على تصرفاتنا واختياراتنا المستقبلية سواء بسبب التنشئة، أو بسبب صراع الأفكار المحيطة بنا.

حول كل هذا تدور أحداث فيلم "استغماية" التجربة الأولى تأليفا وإخراجا لعماد البهات أحدث خريجى مدرسة يوسف شاهين. والفيلم أيضا هو التجربة الأولى لمعظم فريق العمل وبالأخص التمثيل، فأكثرهم تعد هذه التجربة هى الأولى فى مشوارهم باستثناء هايدى كرم التى قدمت عدة تجارب من قبل آخرها فيلم "آخر الدنيا" والذى عرض بالمهرجان أيضا.

و"استغماية" فيلم وصفه البعض بـ "حالة" ربما لطريقة "السرد" المختلفة عن المطروح والمتداول فى سوق السينما، وربما لكونه يتيح للمتلقى أن يمر بهدوء عما بداخله من صراعات تتشابه الى حد بعيد مع ما يعانيه، ثم تصل به فى النهاية إما لمزيد من اللخبطة والتأزم، أو لما يحلم به من توازن وسلام خاصة بعدما تسقط الأقنعة فى لحظة شديدة الصدق والإنسانية.

والفيلم يمثل مصر فى المسابقة الدولية من مهرجان القاهرة السينمائى ولأنه فيلم "حالة"، فقد جاءت ندوته والتى أعقبت عرضه أقرب لهذا التوصيف، حيث تباينت الرؤى والآراء إما سلبا أو إيجابا. لا توجد منطقة وسطى ما يؤكد قدرة الفيلم على فتح خزائن الأسرار لدى الجمهور الذى تختلف درجة تقبله أو رفضه بقدر قدرته على خلع القناع من على وجهه ومواجهة نفسه بما داخله من مشاكل واحباطات وعقد و.. تسهم فى رسم ملامح خطواته التالية، والتى قد تصل به لقرار خاطئ يظل يندم عليه طوال عمره.

الغريب أن أكثر الأسئلة لم تناقش جوهر الفيلم بكل ما يطرحه من قضايا وهموم بقدر اهتمامها بمناقشة مصادر التمويل خاصة وأن الفيلم يكسر سطوة النجوم ويؤكد أن صناعه لا يجب أن يعتمدوا على النجم وفقط، بما يوفره من حماية للمنتج تتيح له ضمان الحد الأدنى من أمواله بعد بيع الفيلم باسم نجومه، وهو الاتجاه السائد حاليا، ومن ثم تجيء أهمية تلك التجربة ومن قبلها تجربة فيلم "أوقات فراغ" والذى ساهم بنجاحه فى أكثر المواسم شراسة فى كسر حالة السطوة والتأكيد على أن السينما ليست نجما ولكن سيناريو جيد يناقش هموم وقضايا عديدة.

غير أن منتج الفيلم هانى جرجس فوزى والذى كما أعلن بالندوة لن يكتفى بهذا الفيلم فقط فى تقديم سينما مستقلة لا تعتمد على النجوم نهائيا، تتعامل بحساسية مع كل سؤال حول مصادر تمويل فيلمه والذى حمل إهداء لرجل الأعمال نجيب ساويرس، مما اعتبره البعض إنتاجا غير مستقل كما أكد منتجه، ولكنه تمويل "مستتر"، وهو ما لم ينكره المنتج كما لم يعترف به صراحة مشيرا الى ان ساويرس، شارك إنتاجيا بجزء محدد داخل الفيلم.

حدة الإجابة من قبل المنتج أثارت زوبعة كادت أن تطيح بالندوة لولا قدرة إدارتها والتى تولتها الناقدة السينمائية ماجدة موريس على الخروج بها لبر الأمان، خاصة بعدما رفض الحضور أن يقوم بالتعليق على الفيلم ممثلون أو جمهور عادى على اعتبار أنها ندوة مخصصة للنقاد والصحفيين فقط..

من أكثر المشاهد بالفيلم والتى أثارت جدلا كبيرا مشهد المولد والذى اعتبره البعض إسقاطا لأشياء كثيرة، وهو ما لم يعترض عليه عماد بصفته المؤلف والمخرج أيضا، فالحياة أقرب للمولد، وإن كان اختياره له كمكان يشهد أول لقاء بين أحد أهم شخوص فيلمه يعود لسببين أولهما أنه يحب فعلا المولد على المستوى الشخصي، كما سيتيح له عقد مفارقة بين القدرة على تحرير الجسد فكرا وأداء، بينما "شريف" أحد أبطال فيلمه والذى يمتهن الرقص ويمارسه كراقص باليه، لا يشارك بالرقص فى المولد ويكتفى بالفرجة على الآخرين من أعلى، بينما "سلمى" حبيبته فيما بعد لا تشعر بغضاضة من الرقص بين الجموع، مشيرا الى ان تحرر جسدها نابع من تحرر عقلها الرافض لكل ما هو بال وقديم، بغض النظر عن مدى مشروعية ما يمارسه.

السينما النظيفة والخروج على المألوف كانت أيضا محور بعض الأسئلة، خاصة وأن الفيلم أشبه بالصدمة التى جاءت لتؤكد مدى تفسخ العلاقات، والمعاناة التى يعانيها الجميع، إضافة لطرح علاقات الشباب وأفكارهم والتى حلقت جميعها خارج السياق والمتداول سينمائيا، وهو ما أكد عليه المخرج من ضرورة مواجهة الواقع بكل ما فيه من قسوة.

العرب أنلاين في 21 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

"استغماية"

عمل مليء بالمرارة ويشع منه اليأس والإحباط

رفيق الصبان

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك