بعض الأفلام يترك المشاهد على مسافة من شخصياته وأحداثه، يقصيه عن عالمه وينغلق داخله كما لو كان جوهرة ثمينة لا يسمح للراني اليها بلمسها. وبعض الافلام يستدرج المشاهد ويجعله جزءاً من عالمه، قريباً من شخصياته وربما مشاركاً في صنع أقدارها. بين الإثنين، يقع فيلم "فلافل". فهو يغدق على متفرجه أحاسيس ومشاهد وشخصيات ملموسة، ألفها في حياته اليومية، وعالماً آمناً دافئاً يدعوه الى الانتماء اليه. وفي لحظة، يتحول الحلم كابوساً والعالم الوادع جحيماً ليلياً والاشخاص الراغبين في العيش وحوشاً مكسورة ساعية الى الانتقام. على هذا المنوال، يبني ميشال كمون فيلمه الروائي الاول في ما يشبه الصورة المجازية، مستعيراً من تاريخ هذا البلد وحاضره تقلباته المخيفة ومتخذاً من مسار تجربته خطاً بيانياً لأحداثه وتحولات شخصياته.

***

الاستعارة في شريط كمون حاضرة بقوة وان لم تكن مباشرة. يختار المخرج ان يقدم أحداث فيلمه في فصلين لتتشكل ثنائية "قبل" و"بعد"، يفصلهما حدث مركزي يخلف شرخاً تصعب مداواته. انها بمعنى ما صورة مجازية عن المدينة­البلد التي تحيا في ثنائية مشابهة تتمثل في قبل الحرب وبعدها. والفيلم يشتغل في افتتاحيته على بث ذلك الاحساس بتلاشي الزمن فلا نعرف ان كانت بيروت التي نراها في البداية هي بيروت اليوم او بيروت ما قبل الحرب الا من خلال ملامح الشوارع ربما. خلا ذلك، يمعن المخرج في إضفاء مناخ من النوستالجيا على المكان يتمثل في الالوان وملمس الصورة والموسيقى والتركيز على يافطات النيون بما يحمل اشارة او تحية الى افلام الستينات والسبعينات التي حفلت بتلك المشاهد من قبيل التعريف بالمدينة من خلال اسماء أماكنها البارزة (مودكا­ويمبي­الاكسبرس...). ولا نعرف اذا ما كان اختيار المخرج التركيز على لافتات المحال والمطاعم الشعبية هو من قبيل بث حس نقدي تجاه ما آلت الأمور اليه أم هو مجرد ترسيخ الاحداث في الزمن الحاضر. في كل الاحوال، يجتاح المشاهد في افتتاحية الفيلم حنين عميق يتجاوز الماضي الى الحاضر ويتخطى الذكريات الى حياة ما عادت متاحة. ذلك الفرح الغامر والاثارة الجامحة اللذان تصر كاميرا المخرج على التقاطهما في ملامح "توفيق" (ايلي متري) بالتصاقها به بينما ينهب شوارع المدينة بدراجته النارية هما مصدر الحنين وربما الحسرة. وهنا تتكون ثنائية أخرى لمدينة بين الواقع والحلم، الاول يتمثل في شوارع وتفاصيل نعرفها والثاني بأحاسيس مختلفة غير واقعية تنقلها الينا الصورة ومناخ الأحداث. في تلك المساحة بين الواقع والحلم، تدور أحداث الشريط في نصفه الاول على الأقل. هذا الجزء الذي يؤسس لليلة ستكون مفصلية في حياة "توفيق" هو الشق المكسو بحلاوة، تجعل القلب يقفز من مكانه أحياناً. هل هي حلاوة الاشياء التي تتسبب بذلك ام ان توقع المر هو الذي ينغص حلاوتها؟

بالنسبة الى "توفيق" الحالم بسهرة مع الاصدقاء وبلقاء "ياسمين" (غابرييل ابي راشد)، تتخذ ليلته منحىً بطيء التحول، متفرق الأحداث. ولكنه برغم ذلك سيكون تحولاً جذرياً ليس في مساره وانما في ادراكه. بعد سلسلة مشاهد تسهم في ارساء مناخ الفيلم والتعريف بشخصية الابن الطيب (علاقته بأخيه الصغير وأمه) والشاب المحبوب، ينطلق خطاً سردياً موازياً يتألف من الأحداث التي ستشكل مجتمعة الشرخ في حياته وفي الفيلم معاً. وتلك تبدأ بلقائه بائع فلافل (فادي ابي سمرا) الذي يروي له حكاية عن جزيرة أمطرت السماء فيها فلافل على حي الفقراء وعن حبة الفلافل "الهاربة" التي تعاند قانون الجاذبية وتغرق الى قعر القدر. يشكل ذلك المشهد ما يشبه البرولوغ في التراجيديا الاغريقية اي الذي يكشف عن مسار الفيلم ويتنبأ بقدر بطله. ويبدو ذلك جلياً في نصيحة بائع الفلافل الى توفيق "ما تكون متل القطيع..كون الحبة الهربانة يا توفيق". من شأن هذا النوع من المشاهد في الفيلم­ الى اثنين غيره سيُبنيان عليه­ ان تطعّم التوجه الواقعي بخيال سينمائي يذكر دائماً بوجود "فبركة سينمائية" من صنع صاحب الفيلم. بمحاذاته يكمل السرد الواقعي للسهرة في بيت "نينو" حيث تتجمع شلة من الشباب تشرب وتدخن وتتمايل على أنغام موسيقى (تأليف توفيق فروخ) تمنح الفيلم قدراً كبيراً من مناخه وسحره. في هذا الشق، يجتهد المخرج في التقاط نبض شبابي قلما نشاهده على الشاشة ويصعب الاحاطة بتفاصيله. انه مناخ ينجح الفيلم في القبض عليه وتلك حاله مع تفاصيل المدينة ايضاً حيث يغلب المناخ على السرد ويفيض تأثير التفاصيل على حجمها وأهميتها. مرة أخرى يخرج "توفيق" الى الشارع ليواجه حدثاً مفصلياً آخر اذ يشهد اختطاف رجل واهانته من قبل مجموعة مسلحة. في سياق السرد، قد يبدو المشهد مفتعلاً ولكنه بانتمائه الى سلسلة من الأحداث السابقة واللاحقة سيتحول جزءاً من نسيج الفيلم. وفي ما يمكن اعتباره نقطة التحول الأساسية في ليلة "توفيق" وأصدقائه، يتعرض الاول للضرب على يدي رجل مسلح يدعي ان أحد الشباب صدم سيارته المتوقفة تحت منزل "نينو" ويطالبه بدفع تعويض مالي.

الشرخ

يحدث الشرخ حكائياً وبصرياً. في الشق الاول، ينفرط عقد الاصحاب على أثر قرار "توفيق" باللحاق بالرجل الذي ضربه والانتقام منه. وفي الشكل البصري، يدخل الفيلم في نفق مظلم بعد ان سار خلال النصف الاول على طريق عريضة منورة. الصورة تحتمل المعنيين المجازي والمباشر، اذ نشاهد دخول "توفيق" فعلياً في شوارع جانبية مظلمة وانعزاله عن اصدقائه وولوجه عالماً ليلياً لا يشبه عالمه السابق. كما نلمس غرقه في أحاسيس سوداء ووحدة وخوف. هكذا يلتقي بائع دواليب (عمار شلق في أداء مميز) في أحد زواريب المدينة، تلك الزواريب الموجودة دائماً ولكننا لا ننتبه اليها الا بعد ان نتعرض لصفعة مثل التي تعرض لها "توفيق". من تناقضات عالم بائع الدواليب (صور القديسين وبوسترات الافلام تتجاور على حيطان محله القذرة وصوت القداس يصدح بين الدواليب)، يخرج "توفيق" ليطأ عالماً ليلياً شبيه التناقضات والالتباس. عالم يُسقط الاقنعة عن رواده فتتجاور فيه راقصة التعري المتشبهة بمارلين مونرو مع حلاق الشعر في مشهد عبثي ولعبة تبادل أقنعة وساهرون في حانة ترتفع فوق موقف للسيارات أقرب الى مخزن سلاح... تاجر السلاح المتخفي (حسن فرحات) هو نقيض بائع الفلافل ووجهه الآخر في آن. كل يعيش في عالمه الخاص السري الذي ان شُرع كشف عن هشاشة (و ربما حكمة) صاحبه. يتكرر مشهد بائع الفلافل انما مع اختلاف المحيط والمناخ. "توفيق" مرة أخرى أمام شخصية من خارج عالمه، يستمع الى "مونولوغها" الداخلي. الدهشة في المشهد الاول مع بائع الفلافل تُستبدل بهلع مع تاجر السلاح. عند هذه اللحظة، ينصب الفيلم "الكمين" لشخصيته أو الأحرى يضعها تحت الاختبار. "توفيق" بين منطقين أو بين فلسفتين: فلسفة بائع الفلافل وفلسفة تاجر السلاح. الى أيهما سينتصر؟

بموازاة رحلة "توفيق"، يخوض صديقاه "نينو" و"عبودي" (عصام بو خالد) رحلة البحث عنه ولكنها رحلة أقل سوداوية ميالة الى الطرافة التي من شأنها ان تخفف من حدة تجربة "توفيق". هما أيضاً يلتقيان نماذج غريبة كالضابط في المخفر (روجيه عساف) واللص الموقوف (رفيق علي أحمد). على هذا النحو تتشكل صورة المدينة بأبعادها المختلفة متخذة هيئة شخصية محورية في الفيلم، خاضعة للتحول والتبدل تماماً كتوفيق. حتى انها في لحظة، تتدخل في صنع قدر "توفيق" او الأحرى في تغييره. من سمائها تمطر عليه أقراص الفلافل التي تعيده في لحظة الى حكمة بائع الفلافل وربما يكون هذا المشهد لم يحدث الا في خيال الاخير او في خيال توفيق. ولكن ذلك لا يدفع بالشاب الى اتخاذ قراره على الفور. فكما التحول الاول استغرق أحداثاً عدة، كذلك سيتطلب الرجوع عن قرار الانتقام مجموعة عناصر وان كانت أقل نسبياً في إشارة الى تركيبة الشاب الانسانية الميالة الى البراءة.

بين مطر الفلافل وصحبة "عبودي" الكفيلة بإزالة الجدية عن أي قرار ودخوله المنزل ليلاً لتفقد شقيقه، يجد "توفيق" نفسه في عالمه السابق، كأنه عائد من سفر بعيد او من رحلة خيالية في زمن آخر لا يبقى منها سوى المسدس الذي مازال يحتفظ به في جيبه. ولكنه يبدو دخيلاً على عالمه كأنه قطعة من فضاء خارجي لا تنفع سوى تذكار. هكذا تطفو طفولية السينمائي على عالم فيلمه في نهاية تصلح للخرافات وقصص الخيال إذ يغفو "توفيق" في سريره الدافئ بعد عودته من بلاد العجائب حيث التقى السحرة والممسوخين وكاد ان يصير منهم لولا فلسفة بائع الفلافل وبراءة لا يستطيع الهروب منها.

المستقبل اللبنانية في 15 ديسمبر 2006

 

أفلام العيد على بعد خطوة من الشاشات المحلية

دراما وتاريخ وكوميديا وتشويق في سلة واحدة 

بات معروفاً ان حركة دور العرض السينمائي تخضع لتقلبات الاوضاع السياسية فتهدأ في غليانها وتفور في استقرارها. لقد برهنت ذلك المرحلة الأخيرة الممتدة منذ سنة ونصف سنة حيث أعقبت عمليات الاغتيالات والأحداث الأمنية ولاحقاً حرب تموز وتبعاتها ركوداً غير مسبوق في الصالات المحلية، تُرجم انخفاضاً بنسبة أكثر من خمسين في المئة في عدد رواد الصالات وإعراضاً عن الصالات في اوقات اشتداد الأزمة. ها هي الأحوال مكملة في غليانها وعدم استقرارها. حفلات المساء شبه خالية وعروض بعد الظهر لا يرتادها سوى عدد قليل من هواة السينما. يتزامن ذلك كله مع اقتراب موسم الأعياد الذي هو ايضاً رديف لموسم سينمائي منتظر سنوياً. تشكل فترة نهاية العام موسماً سينمائياً مميزاً نظراً الى وقوع عيدي الميلاد ورأس السنة خلالها وما يترافق معهما من عطل دراسية وعملية. كما انها مرحلة اقفال ابواب الترشيحات لجوائز الاوسكار مما يعني خروج ما تبقى من افلام العام وغالباً أفضلها لتظل لصيقة ذاكرة المقترعين في أكاديمية فنون الصورة وعلومها، مانحة جائزة الاوسكار. ولكنه ايضاً موسم خروج الأفلام ذات التوجه العائلي التي تلائم مزاج الاجازات وأفلام التحريك لا سيما منها التي تخطب ود الاطفال والأفلام ذات الموضوعات المتعلقة بتيمة عيد الميلاد وأفلام التشويق التي تضيف اثارة الى الموسم... باختصار هذا موسم الافلام من شتى الانواع والتوجهات، تخرج في سباق محموم على أمل ان يعثر كل منها على جمهوره.

موزعو الافلام وأصحاب الصالات اللبنانية قرروا تجاوز الاوضاع الراهنة والتصرف كما لو انه موسم أعياد طبيعي. فما من افلام كانت مقررة لهذا الموسم أجلوا عرضها وليس من أخرى عجزوا عن الاتيان بها. والواقع ان موسم الأعياد جاء مبكراً هذا العام مع خروج ثلاثة أفلام منتظرة خلال الاسبوعين الفائتين. فهناك الشريط اللبناني "فلافل" لميشال كمون بمزاجه المديني الخاص والسحري الذي يقول الكثير في ظل الظروف القائمة عن البلد وناسه بلهجة لا تفلت الأمل الممزوج بغصة. وهناك فيلم مارتن سكورسيزي The Departed العائد من خلاله الى أجوائه السابقة في الشوارع القذرة والرفقة "الطيبة". وايضاً ثمة حضور مميز لشريط صوفيا كوبولا Marie Antoinette الذي يطل على حقبة ماضية في تاريخ فرنسا من خلال شخصية المراهقة التي أصبحت ملكة. وتنضم الى تلك الافلام هذا الاسبوع مجموعة أخرى من الافلام في مقدمها آخر انتاجات وودي آلن Scoop مجدداً تعاونه مع نجمة فيلمه السابق Match Point سكارليت جوهانسن وApocalypto فيلم مل غيبسن عن حضارة المايا.

أفلام الاعياد

خلال الاسبوعين المقبلين وتحديداً يومي 21 و28 كانون الاول/ديسمبر، ستستقبل الصالات السينمائية اللبنانية تسعة أفلام جديدة تتنوع بين التشويق والدراما والكوميديا والتحريك والرعب.

بعد نحو ستة أشهر من عرضه في مسابقة مهرجان كان، يصل شريط اليخاندرو غونزاليس ايناريتو الى الجمهور اللبناني. "بابل" هو عنوان الشريط الرابع لمخرج Amores Perros و21 grams والقصير 010911 وأكثرها حنكة واشتغالاً على التفاصيل. على غرار فيلميه السابقين الطويلين، يستخدم ايناريتو السرد المتقطع والقفز في الزمن رابطاً أربع حكايات بين المغرب ومكسيك واليابان وكاليفورنيا أبطالها: زوجان سائحان في المغرب تتعرض الزوجة لطلق عيار ناري طائش من بندقية في يدي طفل، ولداهما في كاليفورنيا المقيمان مع المربية التي تضطر لاصطحابهما الى مكسيك لحضور زفاف ابنها، مراهقة يابانية بكماء تبحث عن وسيلة تواصل مع من حولها. يلعب الادوار الرئيسية في الفيلم كل من براد بيت وكايت بلانشيت وغايل غارسيا برنال.

"كتابة بيتهوفن" Copying Beethoven شريط درامي يروي فصلاً من حياة المؤلف الموسيقي لودفيغ فان بيتهوفن وتحديداً قصة حب مع مساعدته ابان وضعه السيمفونية التاسعة. تبدأ الأحداث مع الطالبة الموهوبة في معهد الموسيقى بفيينا "آنا" التي تحصل على فرصة العمل الى جانب بيتهوفن. يقيم الاخير مسابقة عزف ارتجالي فتتمكن آنا من اثبات موهبتها فيتخذها مساعدة خاصة لتدوين موسيقاه خلال تأليفه السمفونية التاسعة. عن تلك العلاقة التي تغير حياة الاثنين أنجزت المخرجة البولندية انجيسكا هولند الفيلم هي المعروفة كاتبة سيناريو لعدد من السينمائيين الكبار امثال كريستوف كيسلوفسكي الذي كتبت له فيلمين في الثلاثية الشهيرة Blue وWhite. اما البطولة في الفيلم فيؤديها إد هاريس في دور بيتهوفن وديان كروغر في دور "آنا" مع العلم ان حياة الموسيقار انتقلت الى السينما في فيلم Beloved Immortalوجسد شخصيته في أجواء التشويق والغموض، يقدم Deja Vu دنزل واشنطن في دور محقق، يعمل على كشف ملابسات انفجار مركب خاص. يلعب الفيلم على فكرة الاحساس بمعرفة أشخاص نلتقيهم للمرة الاولى أو اماكن لم نزرها قبلاً. ولكن الاحداث تقترح ان ثمة ما هو أبعد من تلك الفكرة السيكولوجية الشائعة. الاخراج لتوني سكوت الذي سبق له تقديم واشنطن في فيلم Man on Fire. يشارك واشنطن البطولة كل من فال كيلمر وبولا باتن وبروس غرينوود.

متأثراً بأجواء هاري بوتر الخيالية التي زارها في "هاري بوتر وسجين أزبكان"، يقدم الفونسو كوارون في فيلمه الجديد Children of Men مناخات مشابهة حيث تدور الاحداث في مجتمع مستقبلي، فقد الانسان فيه القدرة على الانجاب. تتركز الاحداث في بويطانيا حيث تعم الفوضى الى ان يصل الى الحكم رجل بيد من حديد. ولكن محاولاته لاحلال النظام ستتبخر مع شيوع خبر حمل إمرأة في ما يعتبر الطفل الاول منذ 27 سنة. البطولة لجوليان مور وكلايف اوين ومايكل كاين وتشيويتل ايجيوفور.

من مناخات الميلاد، استوحت كاثرين هاردويك فيلمها The Nativity Story الذي تدور أحداثه حول عامين في حياة مريم العذراء والقديس يوسف تخللهما خروجهما من الناصرة والسفر الى بيت لحم لولادة المسيح. أسماء الممثلين غير معروفة مثل كيشا كاسل هيوز وشوهري اغداشلو واوسكار ايزاك. اما المخرجة فعُرفت بفيلمها الاول Thirteen عام 2003.

اما غريغ كوليدج فيقدم فيلماً خفيفاً بعنوان "موظف الشهر" Employee of the Month . تدور الاحداث حول شركة تجارية كبرى تعتمد جائزة شهرية لأفضل موظف خلال الشهر فتعلق صورته في مدخلها. "فينس داوني" حقق رقماً قياسياً بالفوز باللقب لخمس مرات متتالية الامر الذي يزعج "زاك" الذي على الرغم من نشاطه لا يمتلك السلوك الذي يجعله على علاقة طيبة مع مرؤوسيه. الا ان وصول موظفة جديدة جذابة معروفة بمواعدتها حاملي لقب "موظف الشهر" ستشعل المنافسة بين الاثنين وربما ستدفع بزاك الى العمل من اجل نيل اللقب في سبيل الفوز بها.

بن ستيلر الخاسر الطيب في كل ادواره لا يخرج في Night at the Museum من عباءته تماماً ولكنه يتحرك في مناخ مختلف من الفانتازيا والخيال. فهو اذ يقبل بالعمل حارساً ليلياً لمقبرة تاريخية داخل متحف تاريخي، لا يتخيل ان ما ينتظره أبعد من خياله. خلال نوبة حراسته، تخرج شخصيات من حضارة المايا ومن المجالدين الرومان وغيرهم من شخصيات التاريخ القديم لتخوض معاركها امام عيني الشاب. والاخير لا يجد أحداً يساعده سوى تمثال شمع للرئيس تيدي روزفلت!

شريط فرنسي وحيد يجد طريقه الى الشاشات خلال فترة الأعياد هو la Doublure لفرانسيس فيبير الذي يدور في أجواء العلاقات الغرامية وسوء الفهم الذي ينتج مواقف غير محسوبة. تبدأ الحكاية عندما تكتشف زوجة أحد رجال الأعمال صورة لزوجها مع عهارضة أزياء شهيرة. وليقنعها بأنها ليست عشيقته، يدعي انها عشيقة الشاب الذي يظهر في طرف الصور. ولكن الكذبة يجب ان تكمل لتصدقها الزوجة. هكذا يقنع الشاب وعارضة الازياء بالعيش معاً الامر الذي يعرض علاقة الاخير الزوجية للخطر. البطولة لجالد المالح ودانييل اوتوي وكريستن سكوت توماس.

المستقبل اللبنانية في 15 ديسمبر 2006

 

حسيبة رسالة حب إلي نساء دمشق وأهلها وعودة السينما السورية إلي حاضنتها الأدبية

دمشق ـ من أنور بدر

عندما قرأت رواية حسيبة للأديب خيري الذهبي منذ عقدين أو أكثر بقليل، أحسست أنني لأول مرة أتعرف علي مدينة دمشق التي أعيش فيها، فإشكالية هذه المدينة مع مثقفي وكتاب الريف الذين نزحوا إليها، أنهم أحالوها إلي نسق أيديولوجي، وحده خيري الذهبي استطاع أن يفتح بوابات هذه المدينة ومشربياتها علي حياة حقيقية تمور بين حاراتها وفي أزقتها الضيقة.

ولأول مرة أشعر أن المكان سيدا في الرواية السورية، ليس مكاناً فانتازياً أو متخيلاً، أنه مكان حقيقي بكل عناصره ومكوناته، وقد استطاع الذهبي أن يبني عمران روايته المتخيل علي خلفية الأحداث السياسية التي عرفتها سورية ما بين عام 1927 وحتي العام 1950، والتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة.

فجأة وبعد كل هذه السنوات يعود الاهتمام مجدداً بهذه الرواية، في مستوي بنائها الدرامي، وفي مستوي التشكيل البصري فيها، وفي أهمية المكان المشغول بشحنة عالية من الحب، ونعرف أنهم قرروا إعادة إنتاجها فيلماً سينمائياً ودراما تلفزيونية في ذات الوقت، مع أن ذلك سيتيح مساحة للمقارنة مستقبلاً.

ہہہ

بمناسبة انتهاء التصوير في فيلم حسيبة الذي يخرجه ريمون بطرس وتنتجه المؤسسة العامة للسينما، استقبلتنا أسرة الفيلم في مكتب عنبر ضمن أسوار الشام القديمة، حيث تناولنا بعض الفطائر مع الشاي الساخن، ونحن نتابع تصوير بعض اللقطات المتأخرة، ثم جلسنا نستمع إلي المخرج ريمون بطرس الذي حقق منذ أنهي دراسته في الإخراج السينمائي من أوكرانيا عام 1976 حوالي عشرة أفلام تسجيلية، وفيلم روائي قصير، اما في مجال الأفلام الروائية الطويلة فقد حقق عام 1986 فيلم المؤامرة مستمرة وهو إنتاج مشترك سورية ـ سوفييتي، ثم فيلمي الطحالب عام 1991، و الترحال عام 1997، مع ملاحظة أن أغلب أعماله تنتمي لموجة سينما المؤلف، أي تحمل توقيعه مؤلفاً ومخرجاً. وضمن هذا الإطار ظهر اهتمامه واضحاً بتفاصيل المكان وبيئته المحلية ـ محافظة حماة ـ في وسط سورية.

لكنه الآن ـ وبعد عشر سنوات من الانتظار تقريباً ـ يعود إلينا بفيلمه الجديد حسيبة ، عن نص روائي معروف ومهم، صحيح أنه أعاد كتابة السيناريو بنفسه، لكنها خطوة مهمة في تاريخ السينما السورية، وتميل توجهاً جديداً للمؤسسة العامة للسينما في سورية، بعد عقدين ونيّف من سينما المؤلف، كما تحدث إلينا السيد محمد الأحمد المدير العام للمؤسسة. مع أن ريمون بطرس لا يري في المسألة إعادة عقد القران مجدداً مع الأدب الروائي أو القصصيّ، فتاريخ السينما برأيه لم يقدم قاعدة بهذا الخصوص، المهم والأساسي بالنسبة له أن يشتغل السينمائي علي موضوع يستطيع توليد شرارة داخلية له، يستطيع أن يولد حالة حب، ويعلن في هذه المناسبة: لديّ مشروع فيلم كتبته أنا باسم مريم والبشير هو قصة قريبة إلي قلبي، كما تحولت حسيبة الروائية إلي جزء من قلبي وروحي سينمائياً.

هذه الشرارة من الحب يبدو أنها دفعت بالمخرج ليس باتجاه الرواية فحسب، وإنما باتجاه البيئة الدمشقية أيضاً، ويقول حول ذلك:

هذه أول مرة انتقل للعمل علي البيئة الدمشقية، حباً بالرواية وحباً بالموضوع الذي طرحه الروائي خيري الذهبي، ومنذ بداية التفكير في هذا العمل اعتبرت أنني أقدم رسالة حب إلي نساء دمشق، إلي الشام وأهلها وحجارتها وعماراتها وتاريخها باعتبارها اختزالاً عبر خمسة آلاف عام لكل الحضارات المتعاقبة في بلاد الشام الكبري.

ويضيف ريمون بطرس ـ علي طريقته الجازمة باستمرارـ أن رسالة الحب تلك إلي الشام وأهلها لم يحملها هو فقط كمخرج، وإنما حملها جميع العاملين في الفيلم من فنانين وفنيين، بل هي انعكست علي جو العمل ككل، فخلال أشهر من العمل المتواصل لم تحدث مشكلة واحدة، لم يحصل إزعاجاً لأي شخص، اشتغلنا داخل التصوير كأسرة واحدة بحب ومودة .

وقد أكدت الفنانة الكبيرة سلاف فواخرجي، أن هذه المسألة مهمة جداً للفنان، رغم أن بعضهم قد لا يهتم بها، علي الفنان أو الممثل أن يعمل بحرفته، إن صح التعبير، ومهما كانت الظروف، لكن الفرق كبير عندما يعمل وهو مسكون بحالة من الطمأنينة، عندما يأتي إلي التصوير وهو مرتاح، عندما يشعر بأن الجميع يبادلونه الحب الذي يكنه لهم.

هناك مسألة أثارها المخرج منذ البداية، حين أكد علي خياره التقني وطنياً، لا ادري إذا كان يقصد الغمز من قناة بعض المخرجين الذين يفضلون التعاون مع (استاف) تقني أجنبي أو من بعض الدول العربية بحجة الخبرة الأعلي، لكنه يوضح: بعد دراسة مستفيضة لما أنجز سينمائياً مع مدراء تصوير ومهندسي صوت وتقنيين، وجدت بخبرتي المتواضعة أنه لم يظهر شيء عميق ومبهر وغني سينمائياً علي الدرجة التي تدفعني للاستعانة بخبرة أجنبية.

لذلك وبعد مشاورات عديدة مع المخرج الصديق ماهر كدو وجدنا ضرورة استعادة السينما الوطنية إلي محرابها الوطني، اخترت أن يكون شركائي في صناعة الفيلم من فناني سورية وفنييها، دون الاستعانة بأي خبرات أجنبية.

مشيراً بهذا الصدد لأهمية مدير التصوير جورج لطفي الخوري، وأهمية خبرته وعينه الساحرة التي اكتشفها في فيلميه السابقين الطحالب و الترحال .

النقطة الأهم تقنياً يقول بطرس: أننا لأول مرة في سورية نلجأ إلي صيغة جديدة في التصوير، عبر استخدام كاميرا H.D أو الهاي ديفينشن، وهي كاميرا متخصصة لنقل المادة الفيلمية إلي سينما 30/20 للعرض في صالة سينمائية، ونحن أقدمنا علي هذه التجربة بعد دراسة مستفيضة لإمكانيات الكاميرا.

هذه الدراسة تمت مع مدير التصوير السيد جورج الخوري ومع مدير إنتاج الفيلم السيد فايز أحمد، والصديق المونتير مروان عكاوي، وقد عملنا دراسات مستفيضة للكاميرا وإمكانياتها المادة الفنية التي نصور عليها، ولم نكتف بذلك، بل أرسلنا نماذج اختباراتنا إلي إيطاليا والهند، عبر شريط مدته خمس دقائق لنقله إلي السينما، وكانت النتائج الفنية مطمئنة وجيدة، لن نقول أنها مبهرة، لأن هذا الحكم النهائي سيكون من حقكم أنتم عندما ترون الفيلم علي الشاشة مباشرة.

مدير التصوير أوضح من جانبه أنه سبق واستخدم هذه الكاميرا في تصوير مسلسل الظاهر بيبرس لكنها المرة الأولي التي نشتغل فيها سينمائياً بهذه الكاميرا، والنتائج التقنية من حيث الألوان والجودة (الكوالتي)... كانت مشجعة للغاية، لم تصل بعد لمرحلة السينما المطلقة، لكنها ستصل بكل تأكيد، وأنا اعتقد أن المستقبل سيسير بسرعة باتجاه تقنية H.D، فهي أفضل من (الديجيتال) وتكاليفها أقل من التصوير العادي، لذلك أري ضرورة أن نبدأ هذه التجربة مبكراً، رغم أن التعامل معها يحتاج إلي الكثير من الدقة والحساسية، ويحتاج إلي مراعاة عالية للظل والنور، لكنها بكل تأكيد تمثل مستقبل العمل السينمائي.

الممثلة سلاف فواخرجي أوضحت أن التعامل مع هذه الكاميرا مختلف من حيث السرعة والتقنيات، إلا أننا كنا نتعامل بإحساس أن كل لقطة هي مشهد سينمائي من حيث الدقة، لم نتعامل بـ(الأوردر 15) كما يصورون في التلفزيون، كان الإحساس لدينا قويا بأننا نصنع سينما.

أوضح المخرج من جهته بعض التفاصيل الأخري، فقال: كان لدينا 30 موقع تصوير (لوكيشن) ضمن مدينة دمشق، شكلت فسيفساء للحياة الدمشقية وتلاوينها البشرية، والعمرانية، وبعض هذه (اللوكيشنات) كان يضم أكثر من موقع للتصوير، حاولنا فقط إعادة صياغة المكان بما ينسجم مع الأحداث التي صورناها والتي تعود إلي ثلاثينات أو أربعينيات القرن الماضي.

أما حول ميزانية العمل، فقد رفض المخرج الدخول في التفاصيل والأرقام، مكتفياً بالتأكيد أن المؤسسة العامة للسينما قدمت في هذا الفيلم كل ما تم الاتفاق عليه، ولم تبخل أو تقصّر في أي يوم معنا.

المسألة الأهم التي توقف المخرج معها هي العمل مع الممثل، مضيفاً: اعتقد أنني استطعت في هذا الفيلم الاتفاق مع عدد من الممثلين والممثلات المهمين وعلي رأسهم الفنانة الخلوقة سلاف فواخرجي، فهي خلوقة في حياتها وفي مهنتها أيضاً، وأضفت علي الفيلم روحاً جميلة، وكان لدينا 24 دورا رئيسيا وثانيا ومثلهم أيضاً في أدوار ثانوية.

أما حول الوجهين الجديدين علي الشاشة: كندة حنا وريم بطرس ـ وهي ابنته ـ فقد أوضح أن الاختيار تم بناء علي اختبارات كثيرة طالت 12 فتاة بهذا العمر، مضيفاً أنا أحب التعب مع الممثل .

وأخيراً تمني أن يصل هذا الفيلم إلي الجمهور ـ بعد انتهاء العمليات الفنيةـ كما يريد وبشــــكل بهي ، وفي غلالة من الحب التي تم العمل ضمنها.

القدس العربي في 15 ديسمبر 2006

السينما العربية بين ماضي السينما ومستقبل الفيديو

بقلم : عدنان مدانات 

المستقبل للفيديو والماضي للسينما، أما الحاضر فيتأرجح بين الماضي والمستقبل. هذا هو ما عليه الحال بالنسبة لمستقبل السينما المعاصرة ومنها السينما العربية.

يمكن تقسيم السينما العربية في علاقتها بالفيديو إلى قسمين: الأول منهما هو السينما التي يصنعها سينمائيون محترفون والذين صاروا يجدون في تقنيات الفيديو إمكانات تساعدهم على صنع أفلامهم، الروائية الطويلة على نحو خاص، بسهولة أكثر وبنفقات مالية أقل، مع إمكانية استخدام تقنيات المؤثرات البصرية والسمعية على نحو لم يكن ممكنا لهم استخدامها ضمن الشروط والإمكانيات الإنتاجية السينمائية الصرف. والأفلام التي ينتجها السينمائيون المحترفون بهذه الطريقة، تنسخ فيما بعد على أشرطة سينمائية، وتصبح قابلة للعرض التجاري في صالات السينما العادية مثلها مثل أي فيلم سينمائي تقليدي. ونلاحظ في السنوات الأخيرة تزايد اعتماد السينمائيين المحترفين على تقنيات الفيديو الرقمي لصنع أفلامهم الروائية الطويلة، وهي مسيرة بدأت تعم العالم العربي ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، تجربة المخرج المصري يسري نصر الله في فيلمه «المدينة» مرورا بعدة أفلام لبنانية منها فيلم «لما حكيت مريم» للمخرج أسد فولادكار، و«زنار النار» لبهيج حجيج، وصولا إلى تجربة المخرج المصري محمد خان في فيلمه «بنات وسط البلد».

أما القسم الثاني فهو الأفلام القصيرة، الروائية والتسجيلية، التي يصنعها مخرجون شباب، ممن لم تتح لهم في السابق خبرة التعامل مع التقنيات السينمائية ودخلوا عالم السينما الواسع من باب الفيديو الضيق.

وفي حين لا تشكل تقنيات الفيديو مشكلة بالنسبة للسينمائيين المحترفين، باستثناء مشكلة اكتساب الخبرة في التعامل مع تقنيات الفيديو الجديدة وجعلها، وهذا هو الأهم، صالحة لأن تكون نتائجها التقنية قريبة من تقنيات السينما، او في مستواها من حيث حساسية شريط الفيديو للضوء ودرجة وضوح الصورة وتعبيرية العدسات المختلفة.

غير أن الوضع يختلف بالنسبة ل«السينمائيين» الشباب الذين درسوا السينما وتدربوا عمليا باستخدام تقنيات الفيديو في المعاهد التي تلقوا علوم السينما فيها، وكذلك بالنسبة لمن يصنعون الأفلام من الهواة غير المحترفين والذين يستخدمون تقنيات الفيديو لصنع أفلامهم القصيرة فالوضع مختلف كليا، ذلك انهم يجابهون مجموعة من المشاكل والتي عليهم التغلب عليها، بعض هذه المشاكل ذو طابع تقني وبعضها الآخر ذو طابع منهجي جذري. المشاكل ذات الطابع التقني تجد حلولا سهلة وسريعة لها عن طريق التعلم والممارسة، على اعتبار ان التقنيات الرقمية بحد ذاتها سهلة الاستعمال، خصوصا في مجال التعامل مع الكاميرا الرقمية للتصوير، أما المشاكل الجذرية الأخرى ذات الطابع المنهجي فهي عسيرة بحيث لا يسهل تجاوزها والتغلب عليها، وهي مشاكل ترتبط بآلية التفكير الفني، وتنتج أساسا، وهنا تكمن المفارقة الواضحة، بسبب النجاح في التغلب على المشاكل التقنية، نظرا لسهولة تعلم استخدامها والتعامل معها، وهذا ما يعكس نفسه من خلال تبسيط العلاقة بين السينمائي» الشاب وبين مادة فيلمه من خلال استسهال العمل عليها، بدءا من استسهال كتابتها كنص درامي، مرورا باستسهال عملية إخراجها، بما يتطلبه الإخراج من تعامل مع عناصر سمعية بصرية متنوعة متفاعلة ومتكاملة فيما بينها، وصولا إلى الفهم غير الصحيح لدور المونتاج واقتصار التعامل مع المونتاج النهائي، على انه مجرد وسيلة للربط بين اللقطات وتحقيق التتابع بين المشاهد والتنسيق بين الصوت والصورة. فالمشكلة الكبرى التي يواجهها المخرجون والمصورون وحتى «المولفون « (نسبة إلى عملية التوليف/ المونتاج) الذين يبدأون تجربتهم بالفيديو وتقتصر خبرتهم على الفيديو هي انهم يفكرون أقل بكثير، دراميا وإخراجيا، بالمقارنة مع حجم التفكير الذي يبذله المخرجون السينمائيون المحترفون بالتنسيق مع بقية الفنيين، مع مدير التصوير والمصور ومهندس المناظر ومهندس الصوت والموسيقي ومصمم الأزياء وغيرهم، خلال جميع مراحل تنفيذ الفيلم بدءا من إعداد السيناريو الإخراجي مرورا باستحقاقات الإخراج المختلفة، وصولا إلى المونتاج النهائي، ليس فقط من أجل التنفيذ الأمثل لكل مرحلة من مراحل الفيلم ولكل عنصر من عناصره، بل أيضا من أجل البحث عن حلول فنية ودرامية جديدة غير مخطط لها مسبقا تغني الفيلم وتضيف إليه الكثير مما لم يكن ممكنا اكتشافه في المراحل الأولى من عملية كتابة و تنفيذ الفيلم، خصوصا في مرحلة المونتاج الذي يتعامل معه السينمائيون ليس فقط كوسيلة للوصل ما بين اللقطات والمشاهد وكوسيلة لتنظيم إيقاع الفيلم، بل كوسيلة تفكير يمكن من خلالها استكشاف آفاق وحلول جديدة للفيلم تضيف إليه دلالات لا يمكن الوصول إليها إلا بواسطة فن المونتاج نفسه. ونلاحظ هنا أنه في المراحل الأولى من تاريخ السينما، كان بعض كبار المخرجين السينمائيين يعتبرون ان السينما هي المونتاج.

هناك عوامل أخرى تساهم في تبسيط آلية التفكير في الفيلم فيما يتعلق بالأفلام القصيرة التي يصنعها المخرجون الشباب من جيل الفيديو. من هذه العوامل تزايد اعداد المعاهد والكليات الجامعية في الدول العربية التي تدرس مادة السينما، ولكنها لا تركز ضمن مساقاتها التعليمية على الفكر النظري للسينما، بل على التعريف بالعناصر الرئيسية لصناعة الفيلم والتدريب على صنع الأفلام أثناء الدراسة من خلال تقنيات الفيديو.

من هذه العوامل أيضا، أن سهولة التعامل مع تقنيات الفيديو الرقمي بإمكاناته المتطورة يوما اثر يوم، تتسبب في أحيان كثيرة في تعميم ادعاءات إبداعية تبرر النواقص ونقاط الضعف الدرامية والفنية التي قد تشوب الفيلم عن طريق الزعم بأن كل هذا ينتمي إلى الحداثة ويتسم بالتجريب والبحث عن الأسلوب الخاص. وتتسبب في أحيان أخرى في تغليب التفكير بالشكل على حساب التفكير بالمضمون، حيث يستفيد المسؤول عن الفيلم من الخيارات المتنوعة للمؤثرات البصرية والسمعية فينبهر بها ويقع في غرامها ويغرق في استخدام ما يتاح له استخدامه منها قاصدا إثارة دهشة وإعجاب المشاهدين بها، ولا يولي بالمقابل أية أهمية تذكر لما يمكن له أن يستخلصه من دلالات أو ما يعبر عنه من مضامين وأفكار.

من هذه العوامل أيضا ما يتعلق بالجمهور الذي تخاطبه هذه الأفلام وبالوسيط الذي تخاطبه من خلاله. ففي حين ان الأفلام السينمائية تصنع لتشاهد في صالات السينما المتخصصة، وتخاطب الأفلام الراقية شكلا ومضمونا جمهورا مفترضا محبا للسينما يتمتع بسوية فنية وفكرية راقية نوعا ما، فإن الوسيط الذي تعرض من خلاله أفلام الفيديو هو التلفزيون، وجمهور مشاهدي التلفزيون جمهور عام تربى على متابعة حكايات المسلسلات السطحية والبرامج الترفيهية، وهو جمهور غير ناقد وغير مدقق، علاقته بالأفلام علاقة استهلاكية وليست ثقافية/ جمالية، ولا تتسم باهتمام خاص يتجاوز الحاجة إلى قضاء الوقت والتمتع أثناء ذلك.

هذه الملاحظات تتعلق بظاهرة عامة تشكلت نتيجة دخول أعداد متزايدة من الهواة الذين صاروا يصنعون الأفلام ولكنهم لم يدرسوا السينما دراسة أكاديمية ولم يختبروا خواصها وطبيعتها ووسائلها التعبيرية وجمالياتها من خلال الممارسة الطويلة، أي العمل مع المخرجين المحترفين كمساعدين وتدعيم هذه الخبرات المكتسبة بالممارسة من خلال التثقيف النظري، بل دخلوا إليها من خلال الهواية فقط، وساعدهم في ذلك سهولة استخدام تقنيات الفيديو الرقمي. لكن هذه الظاهرة العامة لا تنفي وجود استثناءات إبداعية وأفلام موهوبة، يمكن ملاحظتها بشكل خاص في أفلام قصيرة يصنعها مبتدئون شبان، إنما هم جاءوا من أصول سينمائية، أي انهم درسوا السينما وتعلموا التفكير سينمائيا واطلعوا على الإنجازات التي تحققت عبر تاريخ السينما، ولكنهم لم يجدوا أمامهم سوى تقنيات الفيديو ووسائطها لتنفيذ مشاريعهم «السينمائية» القصيرة، الروائية أو التسجيلية، بانتظار فرصة حقيقية تتاح لهم لصنع أفلامهم الطويلة والتي لا يدرون إن كانوا سيصنعونها بتقنيات الفيديو أم بتقنيات السينما التي تظل حلمهم الأكبر.

* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 15 ديسمبر 2006

 

الممثلة منى واصف: لا آخذ موقفا من شخصيّاتى وألغى منى واصف عند أدائها

أحمد عامر 

هى بالأساس ممثلة مسرحية صعدت على الخشبة وهى فى الثامنة عشرة من عمرها واشتغلت على مسرحيات أظهرت من خلالها مقدرتها الفنيّة العالية، لكن ذلك ظل حكرا على المسرحيّين وعلى جمهور الفن الرابع ثم جاءتها الشهرة الواسعة والكبيرة جدا من خلال أدائها لدور "هند بنت عتبة" فى فيلم "الرسالة" للمخرج العبقرى المرحوم مصطفى العقاد.

إنها الفنانة السورية القديرة السيدة منى واصف التى أصبحت بعد ذلك حاضرة باستمرار فى الأعمال السينمائية والدرامية السورية حضورا مكثفا أبعدها عن المسرح الذى غابت عنه منذ ست عشرة سنة رغم حنينها الدائم له..

ومن يقول منى واصف يقول ممثلة الأدوار القاسية وهل هناك أشدّ قسوة من "هند بنت عتبة" فى "الرسالة" و"أم المخرس" فى "ليالى الصالحية"، وبين المرأتين نساء كثيرات فى السينما والتلفزيون لعبت أدوارهن منى واصف، نساء متسلطات متجبّرات قاسيات جعلن هذه الممثلة متخصصة فى أداء هذه النوعية من الأدوار لذلك ركزنا حوارنا على هذه الخصوصية وهاهى السيدة منى واصف تمنحنا من خلال هذا الحوار مفاتيح الدخول إلى عالم هذه الشخصيات.

* أول ما عرفك الجمهور العريض كان فى دور "هند بنت عتبة" فى فيلم "الرسالة"، للمرحوم مصطفى العقاد.. دور لشخصية قاسية مكروهة ومع ذلك أحبك الجمهور فما سرّ هذه الثنائية العجيبة أى كراهية الشخصية وحبّ الممثلة؟

- أنا نفسى دائما أسأل نفس السؤال فمعظم أدوارى أجسّد فيها المرأة القوية ذات السلطة الجامحة والتى تريد أن تكون قريبة من الرجل.. أحيانا أستغرب وأحيانا أقول ربما هى رغبة المرأة فى أن ترى نفسها فى صورة مغايرة كأن تأخذ حقها بيدها كأنثى ومن جهة أخرى أتصور أن الجمهور يقدر على الفصل بين منى واصف المؤدية ومنى واصف الانسانة، وبالتالى فهم يحترموننى لأننى أؤدى الأدوار الصعبة على مستوى الشخصية التى أتقمصها وقدرتى على تقديمها فنيّا حسب تركيبة هذه الشخصية ومواصفاتها، لكن نفس هذا الجمهور يكتشف إنسانيتى فى حواراتى ولقاءاتى فيحترمنى بنفس درجة احترامه لى كممثلة وبالتالى فالاحترام موجود فى الحالتين.

* حتى عندما ظهرت فى مسلسل "ليالى الصالحية" فى دور "أم المخرس" كنت قاسية جدّا وسؤالى مع استمرارك فى هذه "الشدّة" هو كيف تقدمين على هذه النوعية من الأدوار؟

- أنا يا سيدى ممثلة مسرح أولا وأخيرا، وقد وظفت قدراتى الفنيّة للعب أدوار قاسية على الركح من ضمنها دور الملكة الجليلة وعندما اختارونى لفيلم الرسالة كان ذلك لأننى أجيد اللغة العربية الفصحى، ولأننى أجيد أداء دور المرأة المتسلطة والحاقدة والقاسية ثم وأنا أختار أدوارى اكتشفت أن دور القسوة يليق بشكلى "تضحك" فأنا عندما أرفع حاجبا وأنزل آخر أخيف من أمامي.

هذه الأدوار أحبها وهى تأخذ منى جهدا كبيرا، ومع ذلك ومع هذا الجهد وهذا العناء، فأنا بعد أدائها عندما أعود إلى بيتى أكون مرتاحة وعلى عكس ذلك فعندما ألعب أدوار المرأة المسكينة أعود إلى بيتى متوتّرة.

* اتفقنا أنّك محبوبة جدّا لدى الجمهور العربى فى أدوار القسوة لكن هل لا بدّ للحفاظ على هذا الحب، وهذا مهم، أن تتمسكى بهذه النوعية من الأدوار.

- ممثلات أدوار القسوة قليلات جدّا، فى عالمنا العربى بل وحتى فى العالم الهوليودى وقد قرأت ذات مرة لقاء لبيتى ديفز أعجبنى جدّا إذ ذكرت فيه أن المرأة التى تتقمص الأدوار القاسية يبتعد عنها الرجال لأن نوعية هذه الأدوار ربما تمحو الأنوثة وهذا ما يجعلنى أعتقد أنّ هنالك من الممثلات من يجدن أداء هذه الأدوار لكنهن لا يقدمن عليها حتى لا يُتهمن بالخشونة علما بأن الخشونة صفة ذكاء أكثر من الأنوثة فى نظري.. لذلك وكما ذكرت أنا أتمسك بهذه النوعية من الأدوار حفاظا على حبّ الجمهور لى من خلالها.

* بماذا تستعينين فى الدخول إلى هذه الأدوار، هل بمعايشتك لنماذج من هذه الشخصيات فى المجتمع؟ هل بخلفيتك المعرفية؟ هل بذكائك أم أن لك مفاتيح أخرى ثم هل هناك شيء من منى واصف فى الأدوار التى تتقمصينها؟

- يختلف أدائى للشخصيات حسب مرجعياتها، فأنا عندما أتقمص شخصية شكسبيرية مثل ليدى ماكبث أستند فى أدائى لها على كل ما قرأت لشكسبير وعنه وعلى ما شاهدت له من أعمال مع بعض الخيال ولكن عندما ألعب دورا مثل دور "أم المخرس" فى "ليالى الصالحية" أستند إلى الأمثولات الشعبية الموجودة حولي، أنا عندى رصد يومى ومخزون ثرى أوظّفه كثيرا فى أداء هذه الأدوار والشخصيات التى أتقمصها تختلف حسب بيئاتها فأنا لا ألعب دور شجرة الدرّ بنفس المواصفات التى ألعب بها الملكة زنوبيا، وبالتالى فإن أساليب الأداء تختلف باختلاف المعطيات وربما هناك شيء منى فى هذه الشخصيات.

* هذه الشخصيات هل تحبينها على قسوتها، أم أنك تكرهينها وتؤديّنها بفن راق؟

- أنا لا أستعمل كلمة كره، ولكننى أتبنى هذه الشخصيات سواء كانت محبوبة أم كانت مكروهة وسواء كانت قاسية أو كانت طيبة، فأنا لا أستطيع أن أكره دورا وأؤديه حتى لو كنت ممثلة مكتملة الأدوات، ولا يمكن لى مطلقا أن يكون لى موقف من الشخصية وأؤديها، فهند بنت عتبة مثلا مكروهة، لكن عند أدائى لشخصيتها أنفى تماما منى واصف ولا أستطيع وأنا أتقمصها أن أظل أردّد فى قلبى "أنت مخطئة يا هند.. أنت مكروهة يا هند".. أنا أنطلق من حيث انطلقت هى أى من قضية الثأر التى كانت فى ذلك الزمن الجاهلى معروفة لدى الجميع.. وبالتالى وكما ذكرت أنا لا آخذ موقفا وإنما أتبناه.

* بعد فيلم الرسالة شاركت فى أكثر من فيلم وفى أكثر من مسلسل لكن دور هند هو الذى بقى عالقا بالذاكرة.. ألا يزعجك هذا القيد كفنانة؟

- أنا لا يزعجنى مطلقا هذا الأمر، فكل فنان كبير له دور معروف به، لكن لماذا بقى دور هند عالقا فى الذاكرة؟ أجيب: لأن الفيلم بقى يعرض باستمرار فى الفضائيات وخاصة فى المناسبات الدينية وهو أمر يسعدنى جدا ولا أرى فى ذلك قيدا.

* فيلم الرسالة مسح كل الأفلام الدينية التى سبقته وهناك من يقول إن لا فيلم دينيا سيضاهيه مستقبلا، فما السرّ؟

- أولا لأن هذا الفيلم كان مشروع العقاد بعد أن درس فى أمريكا وعاش بها وعرف نظرة الغرب والأمريكان للاسلام وللعرب، خصوصا عندما طلبوا منه أن يغيّر اسمه، إذن هذا الفيلم لم ينتجه الغرب وإنما هو مشروع العقاد من أول كلمة حتى آخر دقيقة مونتاج وعندما يحمل إنسان ما مشروعا على امتداد سنوات لا بدّ أن ينجح، فالعقاد رحمه الله آمن كثيرا بمشروعه وتعذب فى سبيله ناهيك أن هناك دولا عربية لم تسمح بعرض الفيلم.

* لا أقول يبدو، بل أقرّ أن التليفزيون قد أخذك من المسرح!

- فعلا أنا غير موجودة مسرحيا الآن وهذا اختيار منى فأنا بالأساس ممثلة مسرح قومى وقد عملت فى المسرح، منذ كان عمرى ثمانية عشر عاما وبالتالي، فقد أعطيت للمسرح هذا الألق الشبابى وأعطانى هذا الألق السحرى النبيل المتميّز.. أعطانى اللغة الرائعة وأعطانى ثقافة اكتسبتها من أعمال قدمتها لمبدعين كبار من العالم والوطن العربي.. وفى فترة ما أحسست أننى لو ظللت مرتبطة بالمسرح، فلن أكتسب شهرة وهكذا لعبت شهرة التليفزيون بعقلى وبأحاسيسى واستطعت الوصول أكثر إلى الناس من خلال التليفزيون.

* رغم كل هذا ألا ينتابك حنين إلى خشبة المسرح وطقوسه وأجوائه؟

- خلال الست عشر سنة التى ابتعدت فيها عن المسرح قدمت أشعارا لنزار قبانى وبعض اللوحات عن الملكة زنوبيا وبالتالى سجلت حضورى على الركح كممثلة مسرحية ولو لفترات قصيرة لكن أقرّ بأننى أعيش هذا الحنين وأحلم بعمل مسرحى لم أقدمه فى حياتى ثم إنّ المسرح لم يعد كما كان سابقا..

* إذن الموجود الآن لا يغريك؟

- نعم، لا يغرينى وأنا لا أستطيع وضع يدى على الجرح تماما وأكرّر فقط إن المسرح الموجود الآن لا يغريني.

* ما الذى لا يعجبك فى مسرح اليوم؟.. هل التجارب الجديدة هى التى نفّرتك؟

- هناك أشياء كثيرة تغيّرت.. أقصد الظروف لكن المشهد المسرحى الحالى أنا أتابعه وأشاهد

* هناك من يقول إن الجماليات الجديدة هى البديل وهى الحلّ؟

- كل جديد ينبغى أن يكون مرتبطا أساسا بالكلمة أى بالنص، فالحركة وحدها لا تكفى والشكل بمفرده لا يقنع.. ينبغى أن يكون كل شيء مرتبطا بمضمون.. كل عمل يجب أن يقدم كما هو.. أنا مع الاجتهاد مع الاشتغال على النصوص وتقديمها برؤى فنية متطورة لكن دون أن تفقد هذه النصوص جوهرها ووهجها فلا يجوز مطلقا أن تشوّه نصوص شكسبير أو موليار بدعوى الاشكال التعبيرية الجديدة.

* المعروف أن الدراما السورية حققت فى السنوات الأخيرة قفزة نوعية وكميّة ومن يقول دراما يقول التليفزيون واغراءاته.. ألا تخشين على المسرح السورى من كل هذا؟

- فى فترة من الفترات كنت أقول هذا ليس زمن المسرح والمسرح يتوارى خجلا، لكن وكما تعلمنا طالما أن المسرح مرتبط بالكلمة، فإنه سيبقى ولن يتوارى.

إلاّ أن الحقيقة الثابتة الآن أن التليفزيون هو الأعم والأشمل وكل الأعمال الدرامية على انتشارها تقوم بالأساس على ممثلين مسرحيين أصبحوا يحظون بالشهرة بفضل التليفزيون..

وعلى الرغم من طفرة الدراما السورية، فإن المسرح السورى ظل حاضرا ومتميّزا، وبالتالى لا خوف عليه من التليفزيون.

العرب أنلاين في 15 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

"فلافل" ميشال كمون في الصالات المحلية

المدينة بلاد عجائب والبراءة هي الخلاص

ريما المسمار

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك