في الوقت الحاضر يعتاد العراقيون على آفاق أسلوب يملكه بالفعل عدد غير قليل من القوى السياسية الظلامية والقوى البائدة والإرهابية ممن فقدوا توازنهم اثر سقوط الدكتاتورية في التاسع من نيسان 2003 فلجئوا إلى أسلوب اختطاف مواطنين أو قادة سياسيين أو صحفيين عراقيين وأجانب ودبلوماسيين وغيرهم ، بهدف الحصول على منافع مالية ( الفدية ) أو تحقيق مآرب سياسية معينة تتلازم مع الظروف الجبرية القاهرة التي يمر بها العراق ، وقد شاهدنا وسمعنا عن تبني منظومة من عصابات إرهابية متوترة تمارس قتل المختطفين وقطع رؤوسهم بسرعة وبراعة وسرية تفوق الخيال أحيانا. يبدو أن أسلوب اختطاف المواطنين لم يعد بالنسبة للعراقيين شيئا فضوليا لكثرة ممارساته اليومية في العراق الجديد فكل مرة نسمع عنه أو نشاهد أخباره في الفضائيات التلفزيونية يدفع المشاهدين إلى الشهيق بألم ممض . سؤالي هنا هل سيجد الاختطاف في العراق تفاعلا ما بنوع من العلاقة في التوثيق الأدبي أو الفني ، وبشكل خاص أحصر السؤال : هل يأتي يوم نرى فيه السينمائيون العراقيون يدخلون إلى جوف الإرهاب وقلاعه لكشف غلاف عمليات الاختطاف التي مارستها بآلاف الأنشطة الهمجية ، باسم الدين تارة وباسم محاربة الاحتلال تارة أخرى ، رغم أن موجات الاختطاف تطال الأطفال والمراهقات من طالبات المدارس والجامعات والموظفات حتى صار الاختطاف صورة متفجرة متكررة ، كل يوم ، في كل خبر عراقي . ثم انهي سؤالي المباشر بإشارة معدلة عن كيفية فتح باب الجدل السينمائي لتوليد نوع من التوثيق لهذه الجرائم الغريبة التي نراها في المنظر العراقي المعاصر . ربما من الضروري الإشارة أيضا إلى أهمية التقاط تجربة سينمائية فرنسية جديدة تظهر لنا تفصيلات بعض خطوط عملية اختطاف القائد المغربي المهدي بن بركة المليئة بسلسلة طويلة من الأسرار التي لم تكشف حتى الآن رغم مرور عقود عديدة من السنين على حدوثها ، وظلت طوال هذه العقود تحت ضوء الجدل في فرنسا وفي المغرب وفي أماكن عديدة أخرى من العالم . وقد انساب هذا الجدل نحو طرقات الفن السينمائي بل هيمن لزمن غير قصير وبتنويعات مختلفة على فصائل كثيرة من المثقفين الفرنسيين بأفكار وخاصية مؤهلة للعمل السينمائي على اعتبار ان السينما تحمل وسيلة مقنعة بحيويتها التوثيقية . على سبيل المثال ، فكثيرا ما أثارت السينما الفرنسية جدلا واسعا بين المتخصصين، ليس فقط عن طبيعة الأغراض التي تسعى وراءها، بل أيضا عن خصوصية اختباراتها الأسلوبية الفنية المتنوعة. اليوم، تشهد المجلات والصحافة الفنية في فرنسا جدلا متواصلا حول فيلم عنوانه 'شاهدت مقتل بن بركة' الذي أخرجه سيرج لو بيرون، وهو الفيلم الذي عرض بمهرجان الإسكندرية في سبتمبر الماضي، تناول قضية واحدة من قضايا 'الاختطاف السياسي' الذي أصبح الآن عنصرا رئيسيا، كما يبدو، من عناصر الضغوط السياسية في عقيدة بعض المنظمات والأحزاب والقوى التي تعتمد في بعض فاعليتها السياسية الاختيارية على هذا الأسلوب. هذه الاختبارات السياسية تقوم على افتراضات بوجود إمكانات معينة تعطي ثمرات سياسية معينة أيضا، لكنها لا تظل محدودة التأثير في نتائج الحركات الشعبية والإنسانية عموما، كما يظن صانعوها. نتذكر أن ما حدث بلبنان في تموز 2006 من تدمير البنية التحتية الوطنية وقتل أكثر من ألف مواطن لبناني وتشريد مئات الآلاف من مساكنهم كان منطلقه الإسرائيلي هو الانتقام لخطف جنديين إسرائيليين من قبل حزب الله اللبناني . قبل ذلك بشهرين أعادت 300 دبابة إسرائيلية احتلال قطاع غزة وقتل 300 فلسطيني، حتى الآن، إنما سببه ومنطلقه هو اختطاف جندي إسرائيلي من قبل منظمة إسلامية في فلسطين. بعد ذلك سمعنا عن اختطاف جندي أميركي من أصل عراقي في منطقة الكرادة ببغداد فأصبح هذا الاختطاف، كما تشير البيانات والأخبار الرسمية وغير الرسمية، سببا مؤهلا لتطويق جيش المهدي بتكريس من قوات الجيش الأميركي في فرض حصاره على مدينة الثورة الشعبية وهي اكبر مدن العاصمة العراقية ولا احد يتكهن بما يمكن أن تؤول له نتائج الحصار. هذه وغيرها الكثير من حوادث اختطاف صحافيين أمريكان، وفرنسيين، وايطاليين، وعراقيين، يمكن أن تكون في المستقبل عنصرا أساسيا دراميا في سيناريوهات سينمائية تكون عاملا مؤثرا في الرأي العام السينمائي والثقافي، تماما كما فعل فيلم 'شاهدت مقتل بن بركة' من استدلالات سياسية حتى في مرحلة متأخرة من وقوع حادث اختطاف الزعيم المغربي المعارض المهدي بن بركة. كان لهذا الحادث الذي وقع يوم 29 أكتوبر 1965 عن طريق البوليس السري الفرنسي الذي اعد خطة محكمة بالتعاون مع البوليس المغربي لاعتقال المناضل المهدي بن بركة. وقد أصبح الاختطاف مثار النقاش والجدل المحتدمين في فرنسا وفي العالم اجمع، في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وكان لذلك الجدل أثره الكبير في توجيه الأنظار إلى السياسة الاستعمارية الفرنسية والى إمكان تسخير العمل المخابراتي لمصلحة السياسة الفرنسية. لمواجهة مثل هذه القناعات السياسية لدى بعض الحكام ومن اجل كشف الحقائق فقد انتظم سيناريو فيلم 'شاهدت مقتل بن بركة' ليحكم العلاقة بين جريمة الاختطاف وكلفتها الواقعة على فرنسا ذات الحساسية والخصوصية الثقافية في العالم اجمع وفي بلدان العالم الثالث على وجه التحديد. وظف المخرج إمكاناته السينمائية داخل منهج سينمائي مبتكر يعتمد في الأساس على نظرية الوثيقة باعتبارها من أهم نظريات تنمية معارف المشاهدين في تقديم الإجابات الصحيحة عن أسئلة كثيرة تتعلق باختبارات العمل السياسي القائم على المخابراتية أو اعتماد عمل المخابرات السرية على منطقية الحاجات السياسية وما يعكسه ميكانيزم التفكير السلطوي على خصائص النظام الفرنسي وريث الحريات والمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان، بينما صارت عملية اختطاف بن بركة، احدى النقاط السوداء في حكومة ديغول وجلبت عليها العار ولطخت سمعتها بالوحل. قدرات المخرج، وقوة السيناريو وإحساساته الداخلية المحكمة، جذبا أطرا سينمائية من فرنسا واسبانيا والمغرب في إنتاج مشترك لكي يظهر موضوع الفيلم بأقصى درجة من القدرة الإنتاجية لإنضاج مفردات السينما المتجددة في فيض ضخم من الأجهزة والمثيرات الفنية، الإخراجية والتمثيلية، للتعامل مع الكم الهائل من المعلومات الغامضة لكشف تفاصيل الاختطاف والاغتيال، اذ شارك في بطولة الفيلم كبار الوجوه السينمائية الفرنسية بادوار البطولة كل من سيمون ابكاريان و شارل بيرانج وجون بيارليو. الفيلم صور في فرنسا والمغرب، يحكي عن القضية التي شغلت الرأي العام العربي والفرنسي منذ عام 1965 ولم تكشف ملابساتها، بعد، وهي قضية اختفاء الزعيم المغربي المعارض المهدي بن بركة في ظروف غامضة في باريس. يلعب الممثل الفرنسي شارل بيرانج دور فيجون الذي عثر عليه ميتا بعد أسبوع من نشره مقالة في صحيفة 'الاكسبريس' الفرنسية بعنوان 'شاهدت مقتل بن بركة' وأثبتت التحقيقات بعد ذلك انه مات منتحرا. اما دور المخرج الفرنسي فراتجو فقد اسند إلى الممثل الفرنسي جون بيار ليو في حين مثل دور المعارض المغربي بن بركة الممثل الفرنسي المعروف سيمون أبكاريان. إذ أجاد في دور المهدي بن بركة كقائد للمعارضة المغربية وأحد مؤسسي حزب الاستقلال واسهم بعد ذلك في إقامة الاتحاد الوطني للقوى الشعبية، وحكم عليه بالإعدام غيابيا مرتين في المغرب الذي هرب منه ليقيم مع عائلته في القاهرة . كان يذهب إلى المغرب سرا بين الحين والآخر لمتابعة النضال السري إلى أن اختطف في 29 أكتوبر 1965 في باريس. استند المخرج سيرج لو بيرون في انجاز فيلمه إلى مجموعة من الوثائق الحكومية التي رفعت السرية عنها من قبل وزارة الدفاع الفرنسية، التي جعلت الفيلم مثيرا جديدا من مثيرات الإبداع السينمائي، مبتعدا عما فعله سابقا المخرج الفرنسي ايف بواسيه في فيلم 'الاغتيال' المنتج في سبعينات القرن الماضي. اعتمد سيناريو 'شاهدت مقتل بن بركة' على تجربة فريدة في تدوين ذكريات عن مثيرات أدبية وسياسية واجتماعية صاحبت فترة الخمسينات من القرن الماضي مما عزز مهارة الإخراج والتمثيل في تحويل 'الخاص الثقافي' في الوضع الفرنسي إلى 'العام السياسي' مقدما تفسيرا أفضل للظواهر السياسية التي قادت إلى الاختطاف والاغتيال، كأسلوب من أساليب وقف حركات شعوب العالم الثالث نحو التقدم إلى أمام عبر هذه الوثيقة السينمائية العميقة والواسعة الأفق التي فحصت الجريمة الفرنسية بدقة جميع عناصرها المتداخلة والمختلطة. إن القيمة الأساسية لموضوع هذا الفيلم الفرنسي ليس في كونه وثــّق واقعة من الوقائع السياسية التي ذاع صيتها في العالم اجمع بل يمكن القول أن جدارة هذا الفيلم قامت على " كشف " بعض أصول هذه الجريمة وأسبابها وتفصيلاتها مما يقدم بنية سينمائية راسخة يمكن أن تقدم قدرة فنية فاعلة لسينمائيين عراقيين يمكنهم أن يضطلعوا بمسئولية " توثيق وكشف " الكثير من أحداث ووقائع العراق الحالي إذا ما امتلكوا إرادة حرة وتفكيرا تأمليا متخلصا من التشويش المفاهيمي الحالي السائد في عراقنا خاصة التشوش السياسي . - بصرة لاهاي في 30 – 2006 القصة العراقية في 6 ديسمبر 2006
أجرى الحديث:أحمد سعد الدين سامي ناصري واحد من الممثلين الجزائريين الذين حققوا نجومية وشهرة دولية في فرنسا, قدم العديد من الأدوار المهمة في أفلام تاكسي والندم وليفون وتوج أعماله بالفيلم الجزائري ـ الفرنسي البلديون أو السكان الأصليون والذي حصل علي مشاركته به علي جائزة أحسن ممثل من مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الماضية.. وهو الفيلم الذي حقق شهرة واسعة وأثار جدلا وأثر علي القرار السياسي الفرنسي.. الأهرام العربي التقت بطل الفيلم أثناء زيارته القصيرة إلي القاهرة حيث يعرض الفيلم في القسم الرسمي لمهرجان القاهرة السينمائي. ** فيلم السكان الأصليون حقق نجاحا كبيرا ونال جائزة من مهرجان كان الدولي حدثنا عن كيفية اختيارك لهذا الدور؟ ما لا يعلمه الجمهور هو أنني قبلت القيام ببطولة هذا الفيلم قبل كتابته وحدث هذا عندما اتصل بي المخرج رشيد بوشارب وقال أملك قصة جميلة لم تعالج بشكل كبير في السينما الفرنسية ـ والعربية من قبل وأحب أن أختار فريق العمل قبل أن أشرع في إنجاز المشروع فإذا وجدت ممثلين لديهم روح المغامرة ويستطيعون السير معي في الطريق الصعب, فابدأ فورا في صياغة المعالجة فما رأيك فأجبت علي الفور ودون تفكير بالموافقة قلت له متي سنبدأ التصوير؟ وذلك لعلمي أن رشيد مخرج متميز ولديه إحساس مرهف, وهذا ما تؤكده أفلامه التي شاهدتها ومنها السنغال الصغيرة. ** كيف كان شعورك عندما حقق الفيلم هذا النجاح؟ لا أستطيع أن أصف شعوري الكبير بالسعادة خصوصا بعد أن شاهدت رد فعل الجمهور علي الفيلم وكيف كانوا يصفقون, والذي لا يعرفه الكثيرون أن الفيلم قد أحدث تغييرات كثيرة في المجتمع الفرنسي فعندما شاهده الرئيس جاك شيراك أحبه جدا لدرجة أنه عمل قانونا جديدا يسمح للمحاربين القدماء من أصل عربي بأن يحصلوا علي تعويضات لأنهم لم يستطيعوا الحصول عليها بعد الحرب العالمية الثانية بسبب التمييز, وهذا يدل علي أن السينما تستطيع أن تصل إلي المشاهدين بسهولة وتغير في مفاهيمهم وتؤثر فيهم خصوصا في ظل مناخ الحرية الذي نعيشه في فرنسا. ** رغم أنك حصلت علي جائزة أحسن ممثل في مهرجان كان السينمائي الدولي إلا أنك لم تحضر لاستلام الجائزة فهل كان ذلك احتجاجا منك؟ القصة بعيدة عن فكرة الاحتجاج فقد ذهبت إلي كان وجلست هناك عدة أيام وبعد ذلك عدت إلي باريس في يوم الاحتفال بعيد الأم وأخذت ابني لقضاء هذا اليوم خارج المنزل وأغلقت تليفوني تماما وعندما فتحته وجدت17 رسالة تطلب مني الذهاب إلي كان حتي أتسلم الجائزة, لكن المشكلة تكمن في أن الساعة قد وصلت إلي الخامسة والنصف عصرا حاولت أن أجد حجزا بطائرة فلم أفلح والسفر بالسيارة يستغرق حوالي8 ساعات بين باريس وكان ولو كنت أستطيع السفر بدراجة لفعلت فهذا حدث جميل ولن يتكرر كثيرا فغضبت واتصلت برئيس لجنة التحكيم وأخبرته بما حدث واعتذرت عن عدم الحضور وقدمت اعتذارا للمشاهدين أيضا, والمتابعين لفعاليات المهرجان. ** البعض أرجع غيابك علي أنه احتجاج خصوصا وأنك كثير المشاكل مع الآخرين؟ أنا لست كثير المشاكل وإنما أنا رجل سريع الغضب وهذا بالتأكيد ليس جيدا لكن البعض يحاول إثارتي ففي عام2004 حدث أن استفزني رجل شرطة فأثار غضبي فلم أشعر ماذا فعلت بعدها وحكم علي بعام في السجن وبعد ذلك حدثت مشكلة أخري بيني وبين أحد مصممي الأزياء لكن أعود وأقول إنني لا أحب المشاكل بكل أنواعها أنا فقط سريع الغضب ولا أحب أن يثيرني أحد. ** هناك جيل جديد في فرنسا يعتبر الجيل الرابع مثل زين الدين زيدان والشاب خالد أسهموا بشكل كبير في رفع اسم فرنسا كيف ينظر إليهم الفرنسيون من وجهة نظرك؟ رغم نجاح هؤلاء في الرياضة والفن إلا أن البعض ينظر لهم نظرة خاطئة فيها شيء من العنصرية وذلك لأنهم من أصول عربية أو إفريقية فكل الشباب العرب يريدون العمل وهم في انتظار الفرصة المناسبة لكن للأسف البعض يصدر الحكم عليهم دون أن يعطيهم فرصة الدفاع عن أنفسهم. ** ما أهم المحطات في حياتك الفنية؟ هناك محطات كثيرة في حياتي لا أستطيع أن أنساها ففي عام1993 مثلت أول فيلم بعنوان ليفون وبعد حوالي أربع سنوات مثلت فيلما بعنوان تاكسي وقد نجح الفيلم لدرجة أننا عملنا ثلاثة أجزاء منه وكنت أقوم بدور شاب مسطول ونلت عنه جائزة أحسن ممثل مساعد. وهناك فيلم الندم مع إليزابيث أدجاني. ولا أنسي فيلما آخر بعنوان فيروس القوة الذي يعالج قضية التزمت اليميني في فرنسا وهذا الفيلم كان يناقش قضية في غاية الأهمية لدرجة أن رئيس التيار اليميني المتشدد في فرنسا أقام دعوة ضد الفيلم وعندما سئل لماذا قال لقد وجدت نفسي في هذا الفيلم؟ ** من متابعتك للسينما العربية ما الذي يعجبك؟ أنا أتابع السينما العربية منذ فترة لكن للأسف لا أجد الوقت الكافي للمشاهدة رغم ذلك أستطيع أن أقول إنني من المعجبين بالمخرج الجزائري الأخضر حامينا فهو من أوائل المخرجين الذين فازوا بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان وقد سمعت أنه يحضر الآن لسيناريو عن الرئيس الليبي معمر القذافي كذلك هناك يوسف شاهين الذي أتمني العمل معه فهو مخرج فاهم لعمله ولديه أسلوب خاص به* الأهرام العربي في 9 ديسمبر 2006 |
الإرهاب والعرب...دسّ السم في العسل إيمان إبراهيم من القاهرة: "أنظر ماذا فعلت أميركا بفييتنام، كوبا، أفغانستان، لبنان، فلسطين، أنظر ماذا تفعلون بفلسطين"، يقول الشّاب العربي المقيّد إلى كرسيه وهو يواجه مسدّس جاره الأميركي، لم يعد للخوف مكان في تلك العينين التي تظّلل هالات سوداء، وأثر جرح قديم، والكثير الكثير من الألم، لا تقل ألماً عن الجار الذي لم يجد ما يحميه من ذلك الشرق الأوسطي الدّخيل على الحي، سوى سلاح شهره في وجهه، لينتقم في ساعة حقد، ممّن سلبه حقّ الشّعور بالأمان، يجيب بغضب "لست مسؤولاً عن سياسة بلادي الخارجيّة وليس بيدي أن أقرّرها"، فهو أيضاً ضحيّة هواجس وخوف وقلق، وسياسة خارجيّة عدائيّة جرّت عليه الويلات، وفي دائرة صغيرة، يقف خائفان، كلاهما خائف من الآخر، وأيّ منهما لا يتفهّم خوف الآخر منه. إنّه الإرهاب وعالم مليء بالخوف، الكثير من الخوف والقليل القليل من المنطق والحكمة، والملام دوماً وسائل الإعلام، فهل نجح فيلم "واجب وطني"أو "civic duty" الذي يشارك في المسابقة الرسميّة لمهرجان القاهرة السّينمائي في تسليط الضوء على قضيّة الإرهاب، أقلّه من المنظور الاجتماعي حين يتحكّم الخوف والتوجّس من الآخر في علاقات البشر، فكيف إذا كان أحد طرفي العلاقة عربياً؟ الفيلم يبدأ من حيث أراد الكاتب أن يظهر سعادة زوجين، سعادة بالغة رغم فقدان الزّوج المحاسب لعمله، لا يزعزعها سوى قدوم جار شرق أوسطي (الممثل خالد أبو النجا) إلى الحي، فالزوج عاطل عن العمل، يملأ فراغه بأخبار المحطّات الأميركيّة التي تغذّي خوفه من المسلمين، حقده عليهم، توجّسه من أي رجل قد يحمل ملامح شرق أوسطيّة. جاره الغريب فقد زوجته بنيران غربيّة، أميركيّة لا يهم، المهم أنّه فقد زوجته ولم يعد ثمّة ما يربطه بالماضي إلا ذكريات، حقدّ؟ ربّما، فالكاتب لم يكبّد نفسه عناء الخوض في سيكولوجيّة ذلك الشرق أوسطي الذي لا نشاهده في الفيلم إلا من خلال عيني جار مذعور، لم يعد يشغله سوى مراقبة جاره، هاجس سيطر على حياته ودفع زوجته التي يعشقها إلى هجره، لا يهم، فالقضيّة أكبر من أن يشغل باله بخراب بيته، ضياع وظيفته، لقد أضاع المسلمون عليه شعوراً بالأمان، وحان الوقت للاقتصاص منهم. يلجأ "ألان" المذعور إلى وكالة الاستخبارات المركزيّة، يبلغهم عن هواجسه، لكنّ جاره "حسن" يبقى طليق الحركة، يقتحم منزله وهناك يرى بعينه ما يدعّم شكوكه، انابيب تحوي مواد كيميائيّة، عشرات التحويلات الماديّة من منظّمة إسلاميّة، يتتبّع موقع المنظّمة على شبكة الأنترنت، يبحث لكنّه لا يصل إلى نتيجة، لماذا كل هذه المبالغ الضّخمة؟ يستنجد مجدّداً بوكالة الاستخبارات التي تضيق ذرعاً بهواجسه، فيقرّر الانتقام على طريقته. يقتحم شقّة جاره المسلم، يقيّده إلى كرسي، ويصوّب مسدساً نحو رأسه، وأمام كرسي الاعتراف يتولّى الأمريكي المخلص الانتقام لشعبه، الشاب العربي حاقد على سياسة أميركا الخارجيّة ويدرس في إحدى جامعاتها، هو مثال أي طالب عربي يشتم أميركا ويتسوّل فيزا، يوضح لجاره أنّه يتلقّى المال من منظّمة تعنى بجمع أموال الزكاة، لم يقتنع الجار، كل هذا المال غير مبرّر فالجامعة حكوميّة والمال أضعاف المصاريف، لا يجيب "حسن" لكنّه يدافع عن نفسه بشراسة، كل هذه الأنانبيب لا تعني أنّه إرهابياً، فهو طالب جامعي يجري أبحاثه ولديه ما يثبت، هو ليس إرهابياً يقسم لجاره، يواجهه بالحقيقة المرة "أنظر ماذا تفعلون في الخارج". لماذا يكرهوننا؟ عبارة ردّدها الأميركيّون كثيراً بعد أحداث 11 سبتمبر لكنّ السياسة الخارجيّة لم تتغيّر، "ألان" يدرك أنّه لا يملك أزاء هذا الواقع إلا الغضب، هو ليس مسؤولاً عن سياسة بلاده الخارجيّة، لم يعد يملك سوى الحقد، فحتى الFBI تخلّت عنه، وطوّقت المبنى لتحمي ذلك المسلم من براثن الأميركي المهووس، يقتحم رجال الاستخبارات الغرفة، تطل زوجة "ألان" من الخارج، لكنّ رصاص الخوف كان أسرع من الزوج الذي يجد نفسه متّهم بارتكاب جريمة قتل زوجته الحبيبة من دون قصد. داخل مصح عقلي تابع للسجن يتابع "ألان" هوايته المفضّلة، مشاهدة نشرات الأخبار، لكن مهلاً ثمّة أنباء عن جرائم إرهابيّة جديدة، تحويلات ماليّة بالآلاف، أسلحة كيميائيّة، ينظر بلوم وعتب إلى الشاشة ولسان حاله يقول "لقد كنت محقاً"، يدير ظهره ليمشي ويترك وراءه أكثر من علامة استفهام. وأمام نهاية مفتوحة على كافّة الاحتمالات، تباينت آراء النقّاد الذين شاهدوا الفيلم، فمنهم من رأى أنّ الفيلم ينصف العرب، ويعطيهم بعضاً من حقّهم المعنوي، ومنهم من لم يرى سوى إدانة لصورة العربي من خلال تبرير شكّ الاميركي وكأنّ الرسالة هي أن "كل عربي متّهم حتّى يثبت العكس". الممثّل خالد أبو النجا لم ينف خوفه وقلقه من تلك النهاية المفتوحة التي تبدو أقرب إلى الواقع، مع محاولة غير مقنعة من الفيلم لتلميع صورة وكالة الاستخبارات الأميركيّة، ومن ورائها وسائل الإعلام التي تزرع الخوف في عالم يسوده الإرهاب، أمّا العربي، فهو الشاب المشعّث الشعر، الغائر العينين، وعلى وجهه آثار جرح قديم، هو ليس سوياً، أجاباته ليست منطقيّة، أوليس لجاره الحق لا بل كل الحق في التوجّس منه؟ وأين أنصف الفيلم العرب وهو لم يمنح العربي حتى الحق في تبرير حصوله على كل هذا المال، من يدري لعلّه لم يكن يملك تبريراً؟ لعلّه دسّ للسم في العسل تحت أنظار النجم العربي الذي اعترف بأنّ دوره كان من أصعب الأدوار التي أدّاها في حياته، وأنّه ذرف الكثير من الدّموع حين قرأ السيناريو لأنّه اعتبر أنّ القضيّة قضيّته؟ "واجب وطني" فيلم أميركي كندي لمخرجه جيف رينفرو، عرض في مهرجان تريبكا السينمائي في نيويورك، وبلغت ميزانيّة انتاجه 1.2 مليون دولار، ويلعب فيه بيتر كراوز الذي اشتهر في مسلسل "ستة اقدام تحت الارض" دور "تيري ألان" في مواجهة متكافئة مع الممثل الشاب خالد أبو النجا الذي برع في أداء شخصيّة حسن، بما تختزنه من هواجس وغموض وثورة. إيلاف في 7 ديسمبر 2006
فيلم بورات: سقف الكوميديا محمد موسى شخصية "بورات" التي ابتكرها الممثل البريطاني الكوميدي المبدع" ساجا بوهين كوهين" (Sacha Baron Cohen) مع مجموعة أخرى من الشخصيات ضمن برنامجه التلفزيوني الناجح "أستعراض علي جي" (Ali.G) هي شخصية كوميدية بالكامل . المراسل التلفزيوني من دولة مازالت بعيدا عن الحضارة ( تم اختيار دولة كازاغستان ربما بسبب موسيقية الأسم) وتجاربه في امريكا التي تستطيع ان توفر مئات المواقف الكوميدية بسبب احتوائها على عشرات المتناقضات. هذه ليست اول مرة تتحول شخصية تلفزيونية ناجحة الى فلم ، في العادة تتجه الأعمال الكوميدية المقتبسة من أعمال تلفزيونية ناجحة الى حدود بعيدة من الجراة ، حدود لا تقدر التلفزة على تحملها. شخصية" بورات" التي ظهرت على شاشة القناة الرابعة البريطانية لم تشتكي من اي محرمات عندما عرضت على التلفزيون فالقناة الرابعة البريطانية تعتبر من أكثر القنوات جراة وتجريبا ورغبة في الأصتدام واللعب مع المحرم التلفزيوني.. شخصية "بورات" السينمائية مضحكة حقا لكنها قد تكون قد جعلت اي فرصة لظهور آخر على السينما صعبا للغاية فالفلم وعلى مدى 86 دقيقة وصل مع الشخصية الى مستويات بعيدة ومتطرفة من الكوميديا مما يجعل فكرة أنتاج جزء ثاني من الفلم تكاد تكون مستحيلة بسبب أستحالة تجاوز تطرف كوميديا الجزء الأول. الفلم هو سلسلة من المواقف الكوميدة الصارخة ، قصة حب "بورات" لممثلة الأثأرة التلفزيونية الأمريكية "باميلا اندرسن" وسفره على طول أمريكا لمقابلتها أعطت بنآئا ما للفلم الذي كان سيتحول بدونها الى "اسكتشهات" كوميدية مضحكة. قصة الفلم المراسل التلفزيوني "بورات" في دولة "كازاغستان " يتلقى امرا من التلفزيون هناك بالذهاب الى أمريكا وتصوير مجموعة من التحقيقات عن الحياة في أمريكا من اجل الأستفادة منها في في دولة "كازاغستان " ، طبعا كل شيء يسير عكس المتوقع عندما يقع المراسل التلفزيوني في حب نجمة الأثارة "باميلا أندرسن" ويسافر الآلف الكليومترات من أجل رؤيتها !! رغم الكوميديا الغربية والجريئة جدا في الفلم الا انها بقيت كوميديا "متوقعة" ترتكز على تحطيم "التابوهات" وليس على ذكاء الموقف. الكوميديا في الفلم هي كوميديا الشخصية وتصادمها المتكرر مع عادات وطباع غريبة عنها من هنا بدت الكثير من المشاهد تشابه بعضها مع سؤال يتكرر "مالذي سوف يفعله بورات الآن؟؟" الضجة التي اثارتها حكومة "كآزاغستان" على الفلم بسبب السيناريو الذي صور الدولة بطريقة غريبة لكن مضحكة للغاية هي ضجة كان يمكن ان يثيرها (اليهود ، العراقيون ، المسلمون ، المثليون الجنسيون او الامريكون) وغيرهم ممن كانوا موضوعات الفلم الكوميدية . الفلم يسخر من كل هؤلاء لكن بطريقة لا تحمل اي شرا او رغبة بالأنتقاص. يبدو ان الكوميديا الجيدة تغفر الطرق التي تسلك للوصول الى الضحكة الصعبة من الجمهور . لا أظن ان احد سوف يترك قاعة السينما بأفكار عنصرية او ماشابه عن اي من ناس فلم "بورات" . الأفكار العنصرية والكره هي مهمة جهات وناس آخريين وهم في كل مكان من هذا العالم!!! بريد قسم السينما في أيلاف إيلاف في 7 ديسمبر 2006
|
الاختطاف في الواقع والسينما جاسم المطير |