في الثامنة والنصف من مساء يوم غد، تقدم ناتاشا الأشقر العرض الاول لفيلمها الوثائقي "خمس حكايات لأجل مدرسة" في مسرح "بيريت" في الجامعة اليسوعية. هنا دردشة مع المخرجة حول تجربتها الاولى في مجال العمل الاخراجي بعد سنوات طويلة من ممارسة الرقص مع فرقة كركلا منذ العام 1975 وحتى مطلع التسعينات موعد انطلاق تجربتها المسرحية المستمرة الى الآن مع روجيه عساف وميشال جبر وآلان بليسون وآخرين. أطلت الأشقر مؤخراً في عمل راقص لعمر راجح بعنوان "كونشرتو 13" ولها تجربة سينمائية في فيلم برهان علوية "خلص" الذي لم يُعرض بعد. * * * عندما كانت ابنتها "ناي" في الرابعة من عمرها، كانت تطلب منها كل ليلة أن تؤلف لها قصة عن أحد الحيوانات لتكون حكاية قبل النوم. هكذا تجمعت لدى "ناتاشا" عشرات القصص أبطالها من الحيوانات وفي كل منها رسالة او عبرة. من بين تلك، اختارت قصة فيلمها الأول، "خمس حكايات لأجل مدرسة"، السيناريو الأول الذي ستنفذه بعد ان "تراكم الورق في الأدراج" كما تقول. ولكنها أيضاً عوامل أخرى اجتمعت لتدفع بالمشروع الى حيز التنفيذ. "حاجة ملحة" تقول "دفعتني الى اختيار هذا المشروع وتنفيذه من بين مشاريع أخرى كتبتها ولاتزال أسيرة الورق." من مالها الخاص، آثرت ان تمول المشروع الصغير. ربما لخصوصية المقاربة والحكاية وربما لأن موضوعه قد لا يكون مغرياً بالنسبة الى الممولين. ولكن قبل أي شيء لأنها أرادت مساحة حرة لتحكي ما تريده في هذا العمل. "كان مهماً بالنسبة الي ان تكون الفكرة جديدة وان تضيف مقاربتها معنىً مختلفاً الى الموضوع من خلال تشييد عالم خاص بالفيلم. الفكرة كانت واضحة تماماً في رأسي وذلك سهّل عملية صنع الفيلم. دهشتي كانت كبيرة بردود الفعل التي تلقيتها خلال التصوير." هي حكاية واحدة وليست خمس حكايات كما يرمز العنوان. الرقم خمسة اشارة الى عدد محافظات لبنان وللأرقام في هذا الشريط دلالات. خمس محافظات، سبع مدن، تسع مدارس، تسعة صفوف وعشرات الطلاب بين السادسة والسابعة من سنين حياتهم سيستمعون الى حكاية "الأميرة ناية تحكم مملكة الأسود"، ترويها زاي خولي بالصوت وحركة الجسد. ولكن الأخيرة لا تظهر امام الكاميرا ولا يصلنا منها سوى صوتها أما الصورة فتحتلها وجوه الأطفال وانفعالاتهم تجاه الحكاية. "الرحلة بين المحافظات هي أحد جوانب الفيلم، أردتها بعيدة من السياحة، في قلب الحياة اليومية لسبع مدن لبنانية، ندخلها من خلال المدرسة ونتعرف اليها من خلال أطفالها." يستخدم الفيلم تقنيات الحكاية من خيال وسرد وعبرة "أخلاقية" ليخبر الأطفال ما تضن به عليهم مناهجهم التعليمية مثل مفهوم "الجندر". "التفرقة بين الصبي والبنت هي محور الحكاية وسنكتشف من خلال ردود فعل الأطفال وتفاعلهم مع الحكاية انها مسألة عادات وتقاليد موروثة وأن البنات مشبعات بفكرة تفوق الصبي وقدرته على القيادة والحكم التي تفوق قدرة الفتاة." "القدر" بمفهومه الاغريقي القديم (وهو ما تعود اليه مراراً بسبب دراستها للفلسفة) تدخل في صناعة الفيلم في هذا التوقيت بالذات تقول "ناتاشا": "سنة 2005 ـ 2006 كانت صعبة جداً على اللبنانيين وتحديداً على الأطفال لذلك أردت ان أقدم للأطفال بعض الفرح والتثقيف عن طريق المرح وليس من خلال برامج تعليمية أعتقد أنها تحتاج الى تغيير جذري لنتوصل الى فكرة المدرسة كما طرحها أرسطو وعنى بها "الفرصة" فرصة التعلم. عندما صورت، لم تكن حرب تموز قد وقعت بعد. وبعدها، بدا الفيلم وكأنه يوثق حياة أطفال اندثرت ومدارس تحولت ملاجئ أو تهدمت. ليس صدفة أنني أنهيت الفيلم بمشهد لمدرسة الغبيري يدرب الأطفال على المشية العسكرية. المدرسة لم تعد موجودة ولكن التربية العسكرية لاتزال". الحكاية ليست وحدها اللعبة في هذا الفيلم، "هناك لعبة مونتاج وصوت" حيث يمتد الفيلم على طول الحكاية ويركز على الأطفال فقط في ردود فعلهم الاولى". ولتلك الغاية، امتنعت المخرجة عن التحضير المسبق لفيلمها او اعادة التصوير. "لم أرد ان أكوّن أحكاماً مسبقة كما رغبت في ان يكون الأطفال على سجيتهم فكنت أخبر المدرسة بأنني آتية للتصوير قبل يوم واحد وبعد انتهاء الدوام الدراسي كي لا تتسنى لهم الفرصة لتحضير الأطفال". وفي الصف، كانت الكاميرا تدور مرة واحدة ولا تتوقف الا مع انتهاء الحكاية. لا اعادات ولا توقيف للحكاية. ولكن لقطات للصفوف الأخرى او للبناء المدرسي تدخل على خط الحكاية لتخبر عن الفوارق الاجتماعية البارزة بوضوح بين المدارس. "المدارس الفقيرة تشبه السجن الى حد بعيد والمدارس الخاصة أقرب الى السوبرماركت وثقافة الاستهلاك حيث لا شجرة تزين الملعب بل ألعاب وأدوات بلاستيكية مصنعة". كذلك تشير ناتاشا الى علاقة الاطفال بالكاميرا التي تختلف بين المناطق وطبيعة المدارس بين خاصة ورسمية ودينية وعلمانية. برغم كل تلك الفوارق والمفارقات التي يخلقها المجتمع، يحاول الفيلم بتركيزه على وجوه الأطفال على وحدة ما في براءتهم وفرحهم لتصبح الاشياء الأخرى بعيدة وثانوية وليبقى السؤال: أي محيط يمكن ان يحتوي هؤلاء؟ حتماً ليس المجتمع الحالي ولا النظام التعليمي القائم. لا تنفي المخرجة عن فيلمها التصنيف التربوي ولكنها تضعه في خانة "التحرك المدني" بالدرجة الاولى وهو ما يفسر تحوله مشروعاً سيكمل كل عام بقصة ذات مضمون جديد، مشيرة الى ان قضايا المرأة ليست عنواناً قديماً بل هو آني ويحتاج الى البحث فيه "لأننا مجتمعات حضارية من الخارج فقط اما اذا حككنا القشرة قليلاً فسنكتشف اننا مازلنا في اول الطريق". بعيد عرضه الاول في بيروت، سيشارك الفيلم في مسابقة "مهرجان اوربن فيلم" Urban Film Festival في طهران منتصف شهر كانون الاول/ديسمبر الجاري. المستقبل اللبنانية في 13 ديسمبر 2006
حياة العلامة ابن خلدون لأول مرة فى فيلم تونسي -طارق عمارة-رويترز فى قصر البارون ديرلنجى بضاحية سيدى بوسعيد السياحية عادت عقارب التاريخ إلى الوراء لأكثر من ستة قرون. الذاكرة عادت إلى الوراء لتصور محطات هامة من حياة العلامة والمؤرخ التونسى عبد الرحمن ابن خلدون. فى هذا الفضاء الحالم اختار المخرج الحبيب مسلمانى أن يبدأ تصوير أول فيلم وثائقى ضخم عن ابن خلدون بلغت تكاليفه نصف مليون دينار. وولد عبد الرحمن ابن خلدون فى تونس وعاش متنقلا بين عديد من الأقطار العربية ليستقر فى مصر وبقى فيها حتى وفاته قبل ستمئة عام. وابن خلدون صاحب كتاب "المقدمة" الشهير أحد أبرز الأعلام الفكرية فى العالم العربى والاسلامي. وقدم العديد من النظريات الجديدة فى علم الاجتماع والتاريخ والعمران. وقال المخرج الحبيب مسلمانى إن الفيلم سيكون جاهزا فى نهاية كانون الثانى وإن اختيار الممثلين كان صعبا للغاية. وأضاف أنه من الصعب الإلمام بحياة العلامة ابن خلدون فى فيلم يدوم ساعة لذلك نحاول إبراز أهم مراحل حياته واهم المحطات المؤثرة فيها. ويجسد الممثل التونسى على الخميرى شخصية ابن خلدون فى هذا الفيلم الذى سيتم تصوير مشاهد منه فى مراكش والقاهرة والجزائر. ويشارك أيضا فى بطولة الفيلم صلاح مصدق ولمياء العمرى وصالح الجدى وحسين محنوش ويونس الفارحى من تونس. وقالت هاجر بن نصر منتجة الفيلم أن تكلفة انجاز الفيلم بلغت نصف مليون دينار وأنها تلقت دعما بنحو 150 الف دينار من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث التونسية. وتحتفل عواصم شمال افريقيا بالذكرى المئوية السادسة لرحيل ابن خلدون باقامة ندوات فكرية وإقامة معارض. وعمل ابن خلدون بالتدريس فى جامع القرويين فى فاس بالمغرب وجامع الأزهر بالقاهرة واشتغل أيضا فى القاهرة فى مجال القضاء وغيرها من مدارس المعرفة التى انتشرت فى أرجاء العالم الإنسانى الإسلامي. وقال على الخميرى الذى يجسد المفكر ابن خلدون تجربة هامة وخطرة فى نفس الوقت لأنى أتعامل مع شخصية تاريخية ذات صيت ليس إقليمى فحسب بل عالمى فهى مهمة حرجة وثقيلة لأنى مطالب بأن أكون فى مستوى هذه الشخصية التاريخية. ويجرى فى تونس إعداد لوحة رخامية ضخمة بالفرنسية والانجليزية والعربية ستوضع على مجسمه التذكارى الواقع فى شارع الحبيب بورقيبة الرئيسى بالعاصمة. العرب أنلاين في 11 ديسمبر 2006
مخرجة سورية تثير جدلا في مهرجان القاهرة السينمائي فيلم كندي لمخرجة سورية يثير جدلا في مهرجان القاهرة السينمائي من القاهرة سعد القرش (رويترز): بعد 16 فيلما قصيرا يأتي أول فيلم روائي طويل للمخرجة السورية المقيمة في كندا ربا ندى مثيرا للجدل حتى أن بعض المشاهدين اعترضوا عليه صمتا بالخروج قبل نهاية عرضه مساء يوم الجمعة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. في حين آثر بعض الذين شاهدوه حتى النهاية أن يصفوه بأنه "لعب بالاسلام" لكن اخرين اعتبروه عملا مهما في سياق فهم الاخر والتواصل معه. ويتناول فيلم (صباح) الذي حمل اسم بطلته التي بلغت الاربعين ما اعتبره كثيرون ازدواجية في المعايير وخلطا بين الدين والعادات حيث يرعى ماجد وهو من عائلة سورية تقيم في تورنتو بكندا أمه وشقيقتيه ماديا ويفرض على أختيه زيا صارما لا يلزم زوجته غير العربية به.
ويتحكم
ماجد في اختيارات أختيه اللتين تعيشان في شبه عزلة عن المجتمع بل يختار أحد
الشبان العرب زوجا لاخته الصغرى شهيرة التي قامت بدورها فاديا ندى شقيقة
مخرجة الفيلم. ويعلن ماجد أنها لم تعد تنتمي إلى العائلة "لن أقبل أختي في هذه العائلة" ويقول لامه التي تبدو أكثر تفتحا "كان علينا أن نتمسك بحضارتنا... ألحقت (صباح) العار بالعائلة. هي ميتة بالنسبة لي. نحن متدينون وعرب." وينتهي الفيلم بنوع من المصالحة بين "الآخر" الكندي والعائلة السورية حيث يدور حوار بين صباح وأخيها وتكتشف أن من بين أسباب تشدده ضائقة مالية وتقول انها تستطيع أن تؤدي دورا أكبر من مجرد خدمة أمها فيتفقان على التعاون معا في حين كانت أمهما في جلسة اختبار لستيفن تنتهي باعجابها بذكائه ووسامته وعينيه الخضرواين. وفي ندوة عقب الفيلم سأل أحد الحضور وهو ينصرف غاضبا مخرجة الفيلم "كيف تكون مسلمة وتخرج فيلما في حقيقته لعب بالاسلام" في حين رأى اخرون أن الاسلام ليس مجرد غطاء للرأس وكان بامكان المخرجة وهي كاتبة قصة الفيلم أن تجعل البطلة غير محجبة كما هو شأن بعض المسلمين في كندا والعالم الاسلامي. وأوضحت المخرجة أن في كندا متدينين وغير متدينين من كل الاديان وأن الفيلم الذي أنتجه المصري المهاجر الى كندا اتوم ايجويان حقق نجاحا جماهيريا هناك اذ استمر عرضه 16 أسبوعا. وقالت الناقدة المصرية سهام عبد السلام ان الفيلم "جميل لانه يعبر هموم حقيقية لبشر حقيقيين وليسوا في الخيال. كان قرار صباح ايجابيا على الاسرة." في حين رأت الناقدة المصرية فريدة مرعي أن في الفيلم "سخرية من الحضارة العربية التي تبدو متناقضة وغامضة. كنت أتوقع توازنا لكن المخرجة جعلت الجانب الاسلامي يقدم تنازلات كثيرة مقابل (تقديم) تنازلات قليلة من الجانب الكندي. كل ما فعله الاخر هو أن يغير دينه." ويعرض الفيلم خارج المسابقة الرسمية للمهرجان ضمن برنامج (سينما العرب). وتختتم الدورة الثلاثون للمهرجان الجمعة القادم باعلان الجوائز حيث يتنافس في مسابقته الرسمية 18 فيلما من 15 دولة هي الارجنتين والبرازيل وكندا وجمهورية التشيك وفرنسا والمجر والهند وايران وايطاليا واسبانيا وسريلانكا وسويسرا والصين والمكسيك ومصر وهي الدولة العربية الوحيدة المشاركة في المسابقة الرسمية. بريد قسم السينما في أيلاف: cinema@elaph.com موقع إيلاف في 2 ديسمبر 2006 |
أشباح غويا فيلما لميلوش فورمان كوابيس في فيلم ينتقد الأخلاق من منظور أخلاقي مازن الراوي من برلين: يقول المخرج الجيكي ميلوش فورمان في لقاء حديث معه "التاريخ غير رحيم مطلقاً، يعيد نفسه دائماً، ويكمن ذلك في أن القوى الأصولية المحافظة من الذكاء الشيطاني بحيث تبدو الحقيقة مرة، وهي أن الليبراليين سوف لن ينتصروا". ويحاول فورمان بهذه الرؤية السوداوية أن يقدم فيلمه "أشباح غويا"، وهو فيلم يحتوي على جوانب كثيرة، ليس مركزها الفنان فرانسيسكو غويا ولكنه يريد به أن يجسد، في زمن الرعب والتعذيب، شخصية سلبية لم يحاول أن يتجاوز "الغليان العاطفي في داخله إلى اتخاذ موقف فعلي من أحداث عصره" بل امتثل وصوّر القوة والسلطة واُعتبر رساماً للقصر. و يقدم الفيلم أيضا وقائع تاريخية عن فترة محاكم التفتيش في اسبانيا فيضيء بتوليفة متداخلة شخصيات مهمة تقوم بدور الجلاد وهي تملك القوة والسلطة وهي مقتنعة كلياُ بأنها تملك الحق في أن تمثل دوراً أخلاقيا في الإصلاح، فيما تتبدل مواقفها بتبدل الظروف وتبقى قناعاتها في هذا المجال ثابتة. فيلم ميلوش فورمان سياسي، يتعرض إلى نقد الأخلاق بمواقف أخلاقية، ومع أنه ينتقد الخاصية السلبية للشخصيات، كما في تقديمه لغويا ووصفه له بـ"الجبان" إلاّ أنه مقتنع بأن العالم لا يمكن تغييره. ويعتبر ميلوش فورمان واحدا من المخرجين المهمين اتخذ شهرته بفيلم" طيران فوق عش الوقواق ـ 1975" الذي نال عليه جائزة الاوسكار كأفضل إخراج. وفيلم" أماديوس ـ 1984"و " لاري فلينت: الحقيقة العارية ـ 1996". ويعتبر فيلمه الأخير غويا من الأفلام المهمة التي تحدث عنه النقاد ووجدوا فيه تجسيداً لأفكار ميلوش في فيلم يتناول مقطعا من التاريخ لكنه يقدم رؤيا عصرية في معالجة مشكلاته وشخصياته ويوضح فيه من خلالها مواقفه. ويدخِل ميلوش بحساسية استثنائية المُشاهد في أجواء تلك المرحلة التاريخية، ليس فقط من خلال عرضه لأعمال غويا بل من خلال الأجواء الكابوسية لتلك المرحلة القاسية من سيادة الوهم الديني الذي قاد الى محاكم التفتيش بما انطوت عليه من تجسيد القوة الغاشمة وممارسة التعذيب بقناعة كاملة. وهكذا فإن الأجواء الكابوسية جزء من الفيلم. مشهد مرعب: إينيس الجميلة (ناتالي بورتمان) سقطتْ في أنياب محاكم التفتيش. تمّ تعذيبها وزجها في زنزانة، وهي تنتظر قرار موتها. أما القس الظلامي لورنسو (خافير بارديم) المسؤول عن ذلك فيجلس هادئاً أنيقاً إلى منضدة ويحظى برعاية والدي إينيس بينما يناقش معهما مسألة الصدق والكذب في اعترافاتٍ انتزعت من ابنتهم بالتهديد وبالتعذيب. انه زمن مظلم وأوقات صعبة في اسبانيا. محاكم التفتيش في حالة سعار. في نفس الوقت، وفي هذا الخضم، هناك رسام مثل فرانسيسكو غويا (ستيلان سكارسغارد) يحظى بتقدير رفيع من قبل القصر، وهو لم يقدم على الاحتجاج أو ينتقد الوضع القائم. كان غويا يساوم ويتغافل، يرسم كل ما يراه تقريباً. يقوم بإنجاز البورتريهات للمتنفذين وهم في السلطة، وكذلك يرسم الناس العاديين في الشوارع بنفس الدرجة من الواقعية، كما يراهم هو. كان غويا يصوّر ويوثق في أعماله المعاناة والوحشية التي يراها عياناً ويطبق بذلك المقولة: لست أنا إلاّ مجرد فنان. إذاً غويا هو واحد من المراقبين العرضيين ينظر إلى ما يحدث ويسجله من دون ان يتعامل ويتفاعل من أجل تغيير الواقع الوحشي الذي يحيط به. لقد سجل هذا الفنان الواقع كما رآه دون أن يجمّله أو يحسّنه ويغيّر من صورته الحقيقية. لكنه مع ذلك لم يتصد لتغيير الواقع المادي نفسه. ولكن ألا يعني التوثيق التصدي لتغيير المعطى القبيح وتشكيل الوعي بضرورة التصدي لتغيير المعطى القبيح إلى ما هو أفضل؟. وهل الصور ليست سلاحاً عندما توضع في يدٍ غير مناسبة؟
إلاّ أن
غويا يبقى على الحياد وينأى بنفسه عن التجاذب وعن الانخراط في الواقع بغية
تغييره. والواقع أن صمته وحياده وابتعاده عن الانخراط في الواقع بفعالية
كلفه بعض الشيء، لكن المشاهد لا يطل على خسارة غويا من خلال فيلم ميلوش
فورمان، ذلك لأن الفيلم لا يقدم غويا كشخصية مركزية يدور حولها الفيلم
ويريد تجسيدها، غويا شخصية ثانوية في الفيلم وهذا أمر جيد من ناحية، لأن
تقديم وعرض صور عديدة لغويا تمنحنا الكثير من المعرفة عن " شخصيات" تلك
المرحلة وتحكي أيضاً عن الفترة التي أصيب فيها بالصمم، وتجسد كذلك الفترة
التي هرب إلى المنفى الفرنسي. ومن الواضح أننا نتعرف جيداً على محنة فنان
أعتبر رسام القصر في تلك المرحلة. محنة عميقة طبعت فيه آثار المعاناة
والآلام. ينصب اهتمام فورمان على شخصيات يحبذها ويحاول أن يضيئها وفق رؤيته. وهو بذلك يعني بمسألة الأخلاق في الدرجة الأولى، الأخلاق التي تسود في زمن صعب وتتعايش مع الظرف السائد فتجتاز المرحلة. أخلاق تتكيف وتكون ملائمة لكل زمن: أخلاق تتصف بالانتهازية وبالوصولية وبالقدرة على التكيّف، وفي نفس الوقت يتصف بأخلاق رجل السلطة والقوة. هكذا فان القس لورنسو، في الفيلم، هو رجل من هذا الصنف، خدمَ محاكم التفتيش وكان مرعباً ولكنه بعد ذلك خانها. هرب إلى فرنسا ثمّ عاد مرة اخرى كوزير لنابليون هذه المرة. عاد رجلا مثالياً أخلاقياً، بطريقته الخاصة. إنه واحدٌ من اولئك الذين يستطيعون دوماً إقناع أنفسهم بأنهم يخدمون ويضحّون من أجل قضية عادلة. الواقع أن هذا الأمر وتلكم الشخصيات التي أراد ميلوش تجسيدها هي من أكثر الشخصيات خطورة على الوضع البشري، كما يوحي بتجسيده لها. وميلوش الجيكي الذي استقرأ وخبر عياناً التاريخ البشري الذي يراه محفوفاً بالجريمة وبالقتل ومملوء بالمآسي يعرف في الواقع عنماذا يتحدث وما الذي يريد أن يقوله في أعماله الفنية. في فيلمه غويا يفضح ميلوش، بتسليطه الضوء على صورة مهمة في مقطع من التاريخ، ومن خلال تجسيده الغني لصور وحقائق التعذيب، لا ينفك من استزادة العذاب والجوع وبلبلة الأفكار والإحباط لدى الرأي العام. هكذا تتحرك الكاميرا وتتجوّل إلى ما لانهاية وهي تحيط بالمرحلة من خلال تصويرها العري والأجساد المعذبة والمسلوخة الجلد، ولكن من غير أن تبعث تلك المشاهد الرعب ودفع المشاهد لاغلاق عينه. كل صورة بمفردها، وبضمنها صور غويا، فاعلة ومؤثرة وهي تغني المشهد. ميلوش: كان غويا شخصية جبانة وفي لقاء مع ميلوش فورمان أجراه سباستيان هاندكه لصحيفة الـ " تاغس شبيغل" بمناسبة عرض فيلم "غويا" أضاء ميلوش ما أراد أن يقوله في الفيلم، فضلاً عن موقفه من التاريخ ومن الأحداث الجارية. ومن أجل التعرف على أفكاره وعمله الفني في فيلمه غويا الذي يعرض حاليا في برلين نقدم عرضاً لهذا اللقاء: · أبطالك في الغالب هم ليسوا في المركز، يواجهون الأحداث ويتعرضون لها ويسقطون في أزمة مع القوانين ومع مجريات الأحداث في عصرهم. غويا لم يكن في الواقع شخصية تقاوم وتناضل ضد ما يراه وما يحدث أمامه. كان غويا شخصية سلبية، على الأقل أزاء ما كان يحيط به. ما نراه في أعماله الفنية، من احتدام المشاعر والفروقات بين لوحة واخرى، وتناقضات وتعارضات فيما حققه من أعمال، هي حصيلة غليان عاطفي اعتمل في داخله. ولكن يبدو أن رأسه كان اشبه بالمرجل الكبير، يحتوي على ما هو جميل وعلى ما هو محتدم كالجحيم. طرفان يتناقضان ويتعارضان فيما بينهما. لم يكن غويا يثق بأحد. لم يترك لنا أية مذكرات أو ملاحظات. والرسائل التي كتبها الى صديقه مارتن زاباتير هي الرسائل الوحيدة التي كتبها، لكنها مع ذلك رسائل لم يكتب فيها إلاّ ما هو عرضي ولا تحظى بأهمية تذكر. في الحقيقة لم يكن غويا إلاّ شخصية جبانة. * ولماذا تقدم إذاً فيلماً عن غويا؟ ـ كان غويا يعتبر نفسه هو المركز، لأن الأطراف كانت تتجاذب وتجتمع عنده: أولئك الذين يمثلون القوة والسلطة وأولئك الضعفاء المعدمين. لقد رسمهم جميعاً وجسدهم في أعماله الفنية. بالنسبة لي، أنا لا أريد أن أقدم بورتريه عن فنان عبقري. أريد أن أقدّم شيئاً أكثر شمولاً. في الواقع تعود البدايات الأولى لفكرة الفيلم إلى وقت بعيد، تعود إلى سنوات الخمسينيات عندما كنت لا أزال في المدرسة الفنية في جيكوسلوفاكيا. آنذاك جرى نقل محاكمة صورية عبر المذياع اعترف فيها المتهمون بجريمتهم جهاراً، وهم في الواقع لم يقترفوا أية جريمة، ومع ذلك ترجّوا علنا لأن ينالوا عقوبة الاعدام التي اكدوا انهم يستحقونها و حكموا بها!!!. لقد تسنى لي أن التقي فيما بعد بواحد من هؤلاء. كنت أريد أن أعرف أية أشكال من التعذيب دفعتهم إلى الاعتراف. كان الأمر بسيطاً للغاية: سبعة أشهر حرمان من النوم ويعترف المرء بكل ما يراد منه!!!. · وهكذا فان فيلم غويا هو سياسي بالدرجة الأولى؟ ـ أفلامي هي سياسية دائماً، حتى إذا ما تناولت فيها أحداثاً تاريخية. التاريخ غير رحيم مطلقاً، هو يعيد نفسه دائماً، ويكمن ذلك في أن القوى المحافظة الأصولية من الذكاء الشيطاني، آنذاك وفي الوقت الحاضر، بحيث تبدو الحقيقة مرة، حقيقة أن الليبراليين سوف لن يفوزوا مطلقاُ. · الفرنسيون والاسبان ممسوسون بتحقيق ثورة نموذجية مثالية، وتصوّر أنت في فيلمك بأنهم ليسوا محرريين؟ ـ حسناُ، لقد تمكن نابليون من إنهاء الملكية، ومحاكم التفتيش في اسبانيا، ولكنه لم يكن يعرف شيئاً عن اسبانيا حينما جرد وجند لها القوة. إفتح التلفزيون الآن وانظر إلى الحدث الأبرز: يرى المرء على الشاشة الجنود الأمريكيين غير منهمكين في بناء الديمقراطية، بل هم منهمكون في القتل. قال ديك تشيني قبل الحرب العراقية "سوف يستقبلوننا بالورود كمحررين"، وكانت هذه هي كلمات نابليون بالضبط التي قالها أمام جنرالاته قبل أن يدخل اسبانيا، لكن سرعان ما باغتته مواجهة صعبة اضطرت الفرنسيين للتقهقر، وأعتقد بأن هذا ما سيحصل بالضبط للأمريكيين في العراق. بريد قسم السينما في أيلاف: cinema@elaph.com موقع إيلاف في 5 ديسمبر 2006
|
ناتاشا الأشقر عشية عرض فيلمها الأول "خمس حكايات لأجل مدرسة"
ريما المسمار |