في عام ،2006 ونحن نتابع ما حواه من أفلام ونشاطات سينمائية، قدّمت منطقة الخليج العربي أكثر من فيلم جديد ما جعلها تبدو، بالمقارنة مع ماضيها الجاف، كما لو أنها في حالة انتعاش كبيرة، او لعلها في الحقيقة كذلك. أفلام من الامارات والكويت والمملكة العربية السعودية واليمن والبحرين يحققها مخرجون توالوا على محاولة خرق الصعب وإزالة العوائق وتحدي العراقيل. بعضهم جديد تماماً وبعضهم كان بدأ السينما قبل سنوات قليلة. حين فعل، كما الحال مع البحريني بسّام الذوادي، كان يبدو مثل نبتة خضراء وحيدة في حديقة لم تثمر بعد نبتات أخرى. الآن يبدو كرقعة خضراء واسعة ولو أن المحيط الذي تترعرع فيه لا يزال صحراوياً. البعض الآخر ينتمي الى دول سبق لها أن قدّمت أفلاماً من قبل. الكويت مثلاً، لقد سبق خالد الصدّيق وهاشم محمد عديدين من أصحاب الميول السينمائية في تقديم أعمال كانت أذاناً بميلاد السينما. لكن الدرب كان شاقاً والإمكانيات كانت محدودة. ليس أن الحال يختلف حالياً الى حد بعيد، لكن الفارق أن هناك شركات أفلام مستعدة لتؤم العمل السينمائي لأسباب بعضها تجاري محض وبعضها الآخر فني الى حد. الدول المذكورة، عرفت في هذا العام المتجه الى نهاياته، إيماناً متجدداً بأن السينما طريق معرفة وطريق ثقافة وطريق إعلام. عام مولد السينما السعودية صاحبه، بلا تأخير، عام وصول هذه السينما الى منصّات خارج الحدود أثارت اهتمام العديدين. في الحقيقة، الجمهور الغربي ربما أحب هذه السينما لمعرفته بصعوبات إنتاجها أكثر مما فعل المشاهدون العرب الذي يعتبرون هذه الصعوبات تحصيل حاصل لا يجب التوقّف عنده للنقاش. تجربة كل واحدة من هذه الدول الخمس المذكورة تختلف في جوانب وتلتقي في جوانب أخرى كما سنرى من الاستعراض التالي. الإمارات العربية المتحدة بينما من المقبول القول إن الباع طويل قبل أن تتحرّك عجلة الإنتاج السينمائي على نحو متواصل في “الإمارات العربية المتحدة”، فإنه من المقبول كذلك القول إنها ليست جامدة. في السنوات الخمس الأخيرة، أدّى تدفّق المحاولات التي قامت بها مجموعات من المواهب الشابّة الموزّعة ما بين الإمارات المختلفة، الى إطلاق العديد من الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية المتوسطة والقصيرة، كذلك إنجاز فيلم روائي طويل واحد حتى الآن هو “أحلام” لهاني الشيباني. لكن الحركة السينمائية لا تشتغل على ساق الإنتاجات المحلية وحدها، بل تتكاتف مع الجوانب الأخرى لكي تلعب دورها كاملاً. وفي هذا النطاق فإن السعي الحثيث ل “مهرجان دبي السينمائي الدولي” للعب أكثر من دور على الساحة السينمائية مشهود. في دورته الثالثة أقام مسابقة عربية في أقسام الروائي الطويل والتسجيلي والقصير، كما مسابقة أخرى للسيناريو. بالإضافة الى تعزيزه نجاح الدورتين السابقتين بالسعي لاستقطاب المزيد من الأفلام الجيّدة لدورته الثالثة وذلك لأجل أن يؤدي المهرجان الى تعزيز الثقافة السينمائية على صعيديها المحلي والعربي. وإذا ما كان تشجيع السينما العربية تبلور عن هذه المسابقات الشاملة، فإن تعزيز العروض الأجنبية يعزز وضع المهرجان عالمياً وتعزيزه ذاك يرفع من شأن هذا الوطن ومن مراميه في المجالات الإعلامية والفنية والثقافية عموماً. المهرجان المهم الآخر الذي ما فتئ يؤيد الحركة السينمائية الشبابية (ولو أن السن ليست شرطاً من شروطه) هو مهرجان “أفلام من الإمارات” الذي ختم في مطلع العام 2006 عاماً خامساً له. العام نفسه شهد إنجاز فيلم إماراتي ثانٍ هو “حنين” وتصوير المخرج السوري محمد ملص الفيلم من إنتاج شركة إماراتية وسيعرض في عام 2007 وعنوانه “المهد”. البحرين وراء السينما البحرينية رجل واحد الى الآن هو المخرج بسّام الذوادي. حقق حتى الآن ثلاثة أفلام روائية طويلة (“الحاجز”، “الزائر” و”حكاية بحرينية”)، وسعى لإنجاز مهرجان سينمائي للأفلام العربية، قبل أن ينتقل الى الإسهام في تأسيس شركة إنتاج مع شركاء يشاركونه الأهمية في هذا المجال. “الحاجز” (في مطلع التسعينات) كان القفزة الكبيرة الى المجهول، لكن المخرج حط بثقة في أرضه الجديدة. السنوات مضت والرجل ازداد اطلاعاً وخبرة وعرف كيف يصبر على العوائق التي واجهها قبل قيامه بإخراج فيلمه الثاني “الزائر”. وفي حين أن فيلمه الأول كان ينتمي الى الفن جاء فيلمه الثاني أكثر تجارية. الفيلم الثالث، “حكاية بحرينية” يقف على المفترق بين الناحيتين. هو فيلم بمعالجة يمكن اعتبارها فنية ودرامية خاصة وفي ذات الوقت هو فيلم لن يخيب رجاء الذين يبحثون عن المتعة الروائية والشغل على الأحاسيس في مواقف عاطفية واجتماعية وسياسية. المملكة العربية السعودية بعد نحو 110 سنوات على تقديم العرض السينمائي التجاري الأول في باريس سنة ،1895 أنجبت السعودية فيلمين روائيين في وقت واحد. الأول هو فيلم عبد الله المحيسن “ظلال الصمت” والثاني هو فيلم إيزودور مسلّم “كيف الحال؟”. لكن هل كانت السينما السعودية غائبة بالمطلق؟ الحقيقة أن المخرج والمنتج عبدالله المحيسن سبق له وأن قدّم باسم شركته السعودية، وهو المواطن السعودي الفخور بانتماءاته الوطنية والإسلامية والعربية، أفلاماً قصيرة وتسجيلية متوسّطة خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة. الحقيقة الثانية، أن هوية الانتماء، الذي طالما تحدّث فيها النقاد وسواهم من العاملين في المجال السينمائي، تُحدد - عملياً - بالجهة المنتجة. المخرج، في هذه الحالة، هو محط العملية التوظيفية. بينما هوية المخرج لا تحدد هوية الفيلم الإنتاجية ولو أنها تساعد على صقل وإيصال الهوية الثقافية. على هذا الأساس، فإن العديد من الإنتاجات المصرية كان يمكن اعتبارها سعودية لولا حقيقة أن التمويل السعودي، سابقاً (عن طريق شركات مثل تلك التي ترأسها صالح فوزان) كما حالياً (روتانا) يختلط هنا بمشاركة تمويلية مصرية وطغيان المواهب والخبرات المصرية في كل ميدان من ميادين العمل. المسألة الأخرى المهمّة في هذا الشأن، أن خروج فيلمين سعوديين في عام واحد يبقى على الصعيد الأول ولادة تعبّر عن مرحلة جديدة في تاريخ سينما المنطقة بأسرها، ويجسد - وعلى الصعيد الثاني - إدراكاً شاملاً بأهميّتها كصاحبة دور اجتماعي وثقافي وسياسي. الكويت تواجه طموحات هواة السينما الكويتيين عدة عقبات لن يمكن التغلّب عليها بأي حل تقليدي. من هذه العقبات الفاصل الحاد بين الطرف المعتدل والليبرالي من جهة وبين الطرف المحافظ في المجتمع الكويتي الذي خلق جوّاً غير مشجع على الحركة السينمائية أساساً. المشكلة الأخرى هي حدود السوق الكويتية وهي مشكلة متكررة في كل دول الخليج العربي، وفي بعض الدول العربية الأخرى. والثالثة، هي أن الرأسمال المُتاح (حالياً على الأقل) يؤمن بإنتاج أفلام تستعيد كلفتها من السوق. وبالفعل فإن الفيلمين اللذين تم انتاجهما ما بين 2004 و،2006 توجّها مباشرة الى الجمهور الكويتي الشاب لحصد ما يمكن حصده من الإيرادات. لا عجب أن المخرج الذي بدأت السينما الكويتية به، خالد الصدّيق، لا يكترث حالياً لزج اسمه بين الراغبين في العمل في هذا الميدان، وذلك على الرغم من الحاجة الى الصدّيق اليوم كما كانت الحاجة إليه حين أم السينما بفيلمه الفاتح “بس يا بحر”. اليمن مثل غيرها من الدول العربية التي ليس لديها صناعة سينمائية، تعتمد اليمن على عناصرها الشابة التي تهوى السينما وتحاول شق طريقها الخاص. وفي الميدان فقط للآن خديجة سلامة وبدر بن حرصي. وكلاهما يستحق الكثير من التأييد كونهما يغرفان من بحر الرغبة العارمة لتقديم سينما، ناهيك أن تكون جيّدة. المخرجة التسجيلية السيدة سلامة تعتمد في فيلمها الثاني على موضوع يساوي أهمية موضوع فيلمها الأول الذي دار على خلفية دور المرأة في الانتخابات. في “أمينة” تتحدّث عن السجنين الصغير والكبير الذي تعيشهما المرأة اليمنية (والمرأة في العديد من الدول العربية). أما في فيلمه الروائي الأول، “يوم جديد في صنعاء القديمة”، يتقصّد مخرجه بدر بن حرصي على تكوين قصّته من ترجمة صورية لأسطورة جمالية تتحدّث، كذلك ولو أقل تعرّضاً، عن المرأة في متاعبها مع السُلطة الرجالية وسقوطها ضحية انتظار من لن يأتي في النهاية. المفكرة ... الباهي وسويد رئيس لجنة تحكيم مهرجان دبي السينمائي لمسابقة الفيلم الروائي الطويل هو المخرج رضا الباهي الذي عُرف بإنتاجاته وأعماله الفنية منذ منتصف السبعينات. سينمائي موهوب لا يكل ويحاول دائماً البحث عن الجديد في ذاكرة أيامه. آخر مرة شاهدنا له فيلما كانت سنة 2004 عندما حقق “صندوق عجب” وحاز إعجاباً كبيراً من قبل حضور مهرجان فنيسيا حيث عُرض خارج المسابقة. وكان أول أفلام رضا الباهي، “العتبات الممنوعة”، أثار لغطاً واسعاً إذ استخدم فيه المخرج التونسي المعروف حكاية وقعت بالفعل حين قام شاب تونسي باغتصاب سائحة أوروبية في مسجد القرية. الباهي ذهب الى الدوافع والمسببات الاقتصادية حينها ملاحظاً أن لقاء البيئة الفقيرة مع السياحة المترفة لا يمكن الا أن ينتج عنه مثل هذا الصدام والمأساة. أما بالنسبة لمسابقة أفضل فيلم تسجيلي وأفضل فيلم قصير فالمنصب ذهب الى اللبناني محمّد سويد. إنه مخرج أفلام وثائقية يحققها بأسلوبه الخاص فتبدو كما لو كانت خواطر مترجمة الى صور حول الماضي والحنين وبيروت القديمة واسمهان وكل ما ألّف سمات حياة مضت. الإخراج كان اختياره الثاني بعد الكتابة النقدية التي طرحته على هذا المستوى كأحد أفضل الأقلام التي تكتب في هذه المهنة. أخبار من الأوسكار * أعلنت أكاديمية العلوم والفنون السينمائية لائحتها الرسمية من الأفلام المنافسة على أوسكار أفضل فيلم كرتوني. من هذه الأفلام ستشكّل القائمة النهائية التي سيتم منها انتخاب الفيلم الفائز. من الأفلام التي ستجد نفسها في مهب المنافسة “المتوحش” (ديزني)، “مغسول” (دريمووركس)، “فوق الحاجز” (دريمووركس)، “برانيارد” (باراماونت)، “موسم مفتوح” (صوني)، “عصر الثلج2” (فوكس)، “سيارات” (بيكسار)، “سكانر داركلي” (وورنر إندبندنت) و”أقدام سعيدة” (وورنر). * الحرب العراقية مطروحة في قسم الأفلام التسجيلية المرشّحة أيضاً للمسابقة نفسها. خمسة عشر فيلماً تحتوي على أربعة أفلام تدور حول هذه الحرب المفجعة هي “العراق في شطايا” لجيمس لونغلي (المعروض في مهرجان دبي للسينما)، “الحقيقة على الأرض” لباتريشا فولكرود، “بلدي، بلد” للورا بويتراس، “أشرطة الحرب” لدبرا سكرانتون. الى جانب ذلك تأخذ السياسة الأمريكية حيّزاً من الأفلام الأخرى: “هل يستطيع مستر سميث التوجه أكثر الى واشنطن؟” لفرانك بوبر، “معسكر المسيح” (عن الجماعات المسيحية المتطرّفة) لرتشارد جرادي وهايدي إيوينج و”أخرسن وجنين” لباربرا كوبل. * للمرة الثانية في عامين يتم القبض على أحد أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية بتهمة تسريب الأفلام التي يتم إرسالها الى المنتخِبين لمشاهدتها. قبل عامين تم القبض على ممثل مساند كان يقوم بإرسال الأسطوانات الى شيكاغو ليقوم عميل له هناك بطبع نسخ منها وبيعها. هذا العام تم القبض على مشرفة فنيّة بذات التهمة. من المعلوم أن الجريمة تقضي بعقوبة تصل الى غرامة تصل الى مئات الآلاف من الدولارات ولنحو خمس سنوات من السجن. عودة ديفيد لينش * ديفيد لينش، المخرج المقل الذي قدّم، من بين ما قدّم، “الرجل الفيل” و”مولهولاند درايف” لديه فيلم جديد بعنوان “إمبراطورية الجزيرة” والناقدة مانولا دارجيز تكتب عنه في نيويورك تايمز بإعجاب شديد فتقول: “إنه واحد من أفلام قليلة شاهدتها هذا العام تستحق أن يُقال عنها إنها فن. داكن مثل السواد، مثل الكره ثم جميل حينا وبشع حينا، غريب وممتع حيناً ومثير للخوف حينا آخر. وهو أيضاً مجنون مثل مجلة “ماد”، الفيلم ليس سهلاً وأفضل طريقة لسبر غوره هي السباحة في فضائه السينمائي حيث تتوالى الصور ساحرة وحيث تلد الحكايات”. هذا هو عالم ديفيد لينش الحقيقي، لكن الرجل كان حقق قبل أعوام قليلة فيلماً بعنوان “سترايت” يدور حول رجل عجوز (آخر دور للممثل وليام فرانسوورث) عليه أن يقطع المسافة الطويلة بين بلدته في ولاية في منتصف أمريكا وبين البلدة التي يعيش فيها أخوه في ولاية أخرى بعدما سمع بمرضه مستخدماً في ذلك الانتقال جرّاراً زراعياً كونه ما عاد يستطيع قيادة السيارات. لينش أخرج هذا الفيلم بأسلوب يناسب بساطة وقوّة القصّة وما يتفاعل فيها من أحاسيس رقيقة. م.ر الخليج الإماراتية في 10 ديسمبر 2006 |
الظهور القوي للممثلات يقلب الموازين في سينما 2006 نجمات هوليوود يتمرن على خطب الأوسكار محمد رضا الظهور القوي للممثلات هذا العام سيقلب موازين القوى وسيجعل المنافسة أكبر مما كانت عليه في العام السابق على الأقل. التالي لماذا وكيف؟ الذين يدخلون حالياً فيلم “الملكة” سواء في صالات الإمارات أو في الصالات الأوروبية أو الأمريكية، تطالعهم هيلين ميرين بأداء متماسك وذي خطّة. “الملكة” يتحدّث عن وضع سياسي وُلد حين ماتت الأميرة ديانا ووجدت الملكة البريطانية إليزابيث الثانية نفسها أمام الحب غير المنظور الذي عبّر عنه الشعب البريطاني تجاه الأميرة التي كانت تخلّت عن حقوقها الملكية حين انفصلت عن الأمير تشارلز. تداعت الصحف لانتقاد القصر الملكي بسبب تقاعس الملكة عن الاشتراك في الجنازة أو حتى في توفير الطائرة الملكية لنقل جثمان الأميرة من باريس، حيث ماتت، إلى لندن. أكثر من هذا، لم تعتبر الملكة أن غريمتها الأميرة ديانا كانت تستحق رفع العلم إلى منتصف الصارية. ولأول مرة، ربما في القرن العشرين بأسره، عكس إحصاء قامت به الصحف من أن واحداً من كل أربعة أشخاص بات يتساءل عن جدوى الحكم الملكي. في هذا الدور أمسكت هيلين ميرين العصا من منتصفها. التحدّي هو أنها تمثّل شخصية غير عادية في أعلى هرم الحكم البريطاني، وبالفعل الملكة الحقيقة أكثر بدانة بقليل من هيلين، لكن التشابه في الملامح قريب، إلى ذلك، فإن الصعوبة تكمن في أن تمزج الممثلة النظرة الحانية بالموقف المتعنّت. أن تثير التعاطف كما تثير الاعتراض، وتتحرك على نحو لا ينبع من طبيعة الشخصية التي تؤديها، في ذات الوقت الذي عليها فيه أن تمثّل. كل هذا أدّى بهيلين ميرين لسلسلة من التحديات التي تجلّت عن الأداء الرائع الذي تقوم به وهو الأداء الذي يخوّلها اليوم، وعن حق، توقّع الجولدن جلوب أو الأوسكار... أو كليهما. وهي كانت وربحت جائزة مهرجان “فانيسيا” هذا العام عن هذا الفيلم. ووجودها في السباق يعزّز الاعتقاد من أن هذا العام يشهد سباقاً حاداً خصوصاً وأن باقي الممثلات اللواتي سيتم ترشيحهن عن أعمالهن هذه السنة يماثلن ميرين في قوّة الأداء والنتائج. ممثلة شبيهة بأخرى كان واضحاً في السباق رقم 78 للأوسكار العام الماضي ضعف سليقة المرشّحات للجائزة. كانت هناك البريطانية جودي دنش عن “مسز هندرسون تقدّم” ولم يكن أفضل ما قدّمته من أدوار. كانت هناك فيليسيتي هوفمان في دور شاب شاذ في “ترانزأمريكا”، وكيرا نايتلي عن دورها في الرواية الكلاسيكية “فخر وتعصّب” وتشارليز ثيرون عن تشخيص حالة امرأة تم الاعتداء عليها في “بلاد شمالية” وريز ويذرسبون عن دورها في “أمشي الخط” ولو أن الفيلم كان عن المغني جوني كاش كما أدّاه واكين فينكس الذي خرج بلا جائزة (إذ ذهبت في المسابقة الرجالية إلى فيليب سيمور هوفمان عن “كابوتي”). في حين أن رابح الجائزة الرجالية كان يستحقّها فإن الأعين رمشت غير مصدّقة حين أعلن فوز ريز ويذرسبون عاكسة ضعف المتسابقات بأسرهن. والحال لم يكن أفضل في العام الأسبق (2004) عندما فازت هيلاري سوانك عن “مليون دولار بايبي” إذ معظم المتسابقات الأخريات (أنيت بانينج، كاتالينا ساندينو مورينو، إملدا ستاونتون، وكايت وينزلت لم يتمتعن بالتأييد الطبيعي الذي تمتعت به سوانك لاعبة في فيلم كلينت ايستوود شخصية المرأة الملاكمة التي ليس لديها ما تخسره في الحياة. مع العلم أن إملدا ستاونتون كانت الأقدر منهن جميعاً ولو في إطار فيلم بريطاني كلاسيكي “إنجليزي” جداً هو “فيرا دريك”. هيلين ميرين لا تقف وحدها في هذه السنة. هناك أداءات جيّدة من بضع ممثلات جديرات ما يعني أن المنافسة ستكون أكثر سخونة مما كانت عليه في العامين السابقين. السنة بأسرها لم تبخل علينا بالأداءات الجيدة، سواء أكان ذلك من ميريل ستريب أو جودي دنش أو أنيت بانينج أو بينيلوبي كروز من بين أخريات. قبل أسابيع قليلة حين تم عرض “عودة”، الفيلم الأسباني لبدرو ألمادوفار، على أعضاء جمعية المراسلين الأجانب في هوليوود المانحين لجائزة جولدن جلوب الثمينة، علّق البعض كم تبدو بطلة الفيلم بينيلوبي كروز شبيهة بآنا مانياني في ربيع حياتها في الخمسينات. الشبه ليس في الملامح بل في التصرّفات والإيحاءات. بينيلوبي تقدّم دوراً يعكس امرأة قوية (كما كانت شخصية النجمة الإيطالية الراحلة) في قصّة تتطلّب منها البقاء على سدّة شخصيتها تلك على الرغم من الإنقلابات الحاصلة في محيط حياتها. ابنتها قتلت زوج بينيلوبي حينما حاول التحرّش بها. بينيلوبي عليها أن تتبنّى الجريمة إذا ما انكشفت وستحاول إخفاء الجثّة أولاً في براد مطعم وثانياً في حفرة من الأرض. أختها الأولى مجنونة والثانية تدّعي أن والدتهما تزورها. الحالات غريبة ومتناثرة لكن شخصية كروز في كل هذه الحالات والأوضاع تبقى متماسكة ولو قادرة على أن تعكس دواخلها وما يدور فيها. ميريل ستريب على العكس، تمارس ميريل ستريب برودة مقصودة جداً في أداء شخصية ناشرة مجلة “برادا” النسائية. إنها امرأة قاسية ولا تعرف العواطف، أو على الأقل لا تعرف العواطف القريبة. البطولة في هذا الفيلم مناصفة مع آن هاذاواي التي تؤدي شخصية الصحافية المبتدئة التي تجد نفسها تعمل سكرتيرة للناشرة. عوض أن تتقدّم تدفعها الظروف إلى صدام نهائي. لكن لا هي ستتغيّر ولا الناشرة ستتغيّر على الرغم من آفاق المعرفة المتاحة. ميريل شخصية متألّقة لجانب أنها ممثلة جيّدة، لكن الخوف هو أن أفضل أفلامها (وبالتالي أداءاتها) وقعت جميعاً في الماضي وآخرها كان في فيلم آخر لكلينت ايستوود وهو “جسور مقاطعة ماديسون” (1995). وتاريخ الممثلة من الصعب أن يُعلى عليه بين الممثلات. لقد تعاملت مع الأوسكار أربع عشرة مرة، عدا عدّة مرات لم تصل بها إلى خط الترشيحات الرسمية، وذلك بدءاً من عام 1978 عندما رُشّحت كأفضل ممثلة مساندة عن دورها في “صائد الغزلان” لكنها فازت فعلاً بأوسكار أفضل ممثلة مساندة وحين لعبت دور الزوجة القاسية في “كرامر ضد كرامر” وفي العام التالي مباشرة. في سنة 1981 (في الدورة الرابعة والخمسين) تم ترشيحها عن دور البطولة في “امرأة الضابط الفرنسي” دور كان يجب أن تفوز عنه، لكنها فازت في العام التالي مباشرة عندما ظهرت في بطولة “اختيار صوفي”. منذ ذلك الحين رشّحت عشر مرّات أخرى (آخرها سنة 2002 عن دورها المساند في “اقتباس”، لكنها لم تفز مرة ثالثة. كيت وينسلت لديها أداء لافتاً في “الأطفال الصغار” وهي التي رُشحت خمس مرّات من قبل دون أن تنالها حتى الآن. وقد يحصل هذا العام ترشيحها في الجولدن جلوب كخطوة أولى وهذا ما قد يحدث مع أنيت بانينج بعدما صفّق لها النقاد حين شاهدوها في “الهروب بمقص” (الحقيقة أن بانينج كانت أفضل ما في الفيلم). وما قد يحدث مع جودي دنس التي رشحّت في العام الماضي عن “السيدة هندرسون تقدّم” ولديها هذا العام “ملاحظات على فضيحة”. الشعبية والجوائز على عكس العام الماضي حين انتزعت ريز ويذرسبون أوسكار أفضل ممثلة لاعبة دور الزوجة لبطل الفيلم، فإن الممثلات المرشّحات المذكورات واللواتي سيأتي ذكرهن- يلعبن شخصيات منفصلة وقوية. نعم هيلين ميرين متزوّجة من الأمير فيليب، لكنها في الواقع كما في الفيلم هي التي تقود زوجها. والشخصيات النسائية الرئيسية جميعاً في أفلام هذا العام كلها تمنح الحضور النسائي على الشاشة مجالاً أفضل مما كان عليه في الأعوام القليلة الماضية. ربما سيمر على لجنتي الجولدن جلوب والأوسكار القوّة المبهرة التي عبّرت فيها الممثلة جرتشن مول عن شخصية فتاة الصور والملصقات في المجلات الخلاعية بيتي بايج في فيلم “بيتي بايج المشهورة” (تناولناه قبيل منتصف هذا العام). على الرغم من أن الفيلم لم يستطع فرض نفسه على ميدان الأعمال الجيّدة، الا أنه من الغبن عدم تقدير الدور الذي لعبته جرتشن ببراعة وتلقائية كما لو كانت الشخصية ذاتها. أيضاً من بين اللواتي نذكرهن من باب نجاحاتهن هذه السنة ناوومي واتس في الفيلم الذي بوشر بعرضه أمريكياً ولم يتجاوز بعد تلك الحدود وهو “الحجاب المنقّط” كما رنيه زلويغر في “مس بوتر” ونيكول كيدمان في “فراء” وماجي جلينهول في “شيري بايبي” وكلها أفلام لم تعرض على نحو تجاري واسع بعد. هذا ما يدفع بالسؤال حول إذا ما كان نجاح الفيلم وشعبيته يؤثّران في احتمالات الفوز. النتائج في السنوات الخمس الأخيرة مثلاً تدل عكس ذلك خصوصاً في سباق الممثلات. ما يبدو الأمر السائد هو انتخاب الممثلة التي تعكس حالة إنسانية قدر المستطاع أو الممثلة التي أصبحت الآن سيدة كبيرة وتستحق اللفتة. ميريل ستريب في السابعة والخمسين من العمر، هيلين ميرين في الواحدة والستين وجودي دتش (التي نراها رئيسة جيمس بوند في سلسلته) هي -صدّق- في الواحدة والسبعين. الخليج الإماراتية في 3 ديسمبر 2006
|
شهدت انتعاشة خاصة في 2006 السينما الخليجية مولود عملاق يتطلع إلى العالمية محمد رضا |