من بين زحمة أفلام الكوميديا الهزلية التي تلفظها صناعة السينما المصرية بأعداد متزايدة كل عام، توقفت أمام فيلم ليلة سقوط بغداد الذي عرض ضمن مهرجان للأفلام العربية أقيم في العاصمة الأمريكية واشنطن مؤخرا تحت عنوان مشاهد عربية Arabian Sights .

الفيلم يقدم نموذجا ممتعا للكوميديا السياسية التهكمية التي تتناول جملة من تناقضات الواقع السياسي ـ الاجتماعي الحالي في مصر، ومن خلال تناول ساخر يشي ـ من دون قصد علي الأرجح ـ ببعض لمحات من تقاليد مسرح العبث، وبالأحري اللامعقول التسمية الأخري لهذا المسرح والتي تستجيب في رأينا أكثر من أي شيء آخر للواقع المصري بتناقضاته الصارخة التي تخلط أعمق الأمور جدية بأكثرها هزلية. وقد لا نبالغ إذا قلنا أن هذا في حد ذاته كان دائما من سمات الثقافة والشخصية المصرية بوجه عام. يقدم الفيلم رؤيته هذه انطلاقا من لحظة بدء الغزو الأمريكي للعراق عام الفين وثلاثة وتداعيات هذا الغزو علي الشارع المصري من خلال تتبع ردود الفعل لدي اسرة مصرية عادية أو تقليدية ومحيطها من المقهي الي الشارع في أحد أحياء القاهرة الشعبية بما يحفل به من أنماط مختلفة من الشخصيات.

يبدأ الفيلم بداية قوية وساخنة من ذروة الحدث حيث يلقي بنا مباشرة في قلبه دون إضاعة للوقت وتلك في حد ذاتها مهارة في الصنعة الدرامية تغيب عن غالبية كتاب الأفلام ـ والمسلسلات بالطبع ـ ونستغربها من كاتب حديث العهد بالكتابة علي ما نظن.

يبدأ الفيلم من ذات اللحظة التي يشي بها العنوان ليلة سقوط بغداد ، حيث انطلقت المظاهرات الغاضبة في عدد من المدن العربية، وفي مقدمتها القاهرة، ولم تكن هذه المظاهرات لتواجه بتسامح من السلطات المصرية، وهو ما يدركه جيدا الأستاذ شاكر (حسن حسني) حين يحاول تهدئة تلاميذ مدرسته الذين يريدون الخروج الي الشارع للمشاركة في المظاهرات والتعبير عن غضبهم. ويكابد الناظر مشاعره الوطنية التي تدفعه بشدة باتجاه التعاطف مع تلاميذه ويود لو يأمر بفتح أبواب المدرسة لهم، لكنه من ناحية أخري كموظف حكومي لا يستطيع أن ينساق وراء مشاعره الوطنية. يقترح الناظر علي تلاميذه الاكتفاء بالتعبير عن احتجاجهم عبر نفس اللافتة المعلقة علي سور المدرسة تندد بالغزو الأمريكي لأفغانستان بأن يفتحوا القوسين ويضيفوا اسم العراق إلي أفغانستان ، وهكذا يكونون قد قاموا بواجبهم، في إشارة تهكمية الي اكتفاء الشارع العربي بالاحتجاج عبر الشعارات.. وهذا أضعف الإيمان. إلا أن التلاميذ لا ينصاعون في نهاية الأمر ويندفعون بحماسهم خارج بوابة المدرسة الي الشارع.

معاناة الناظر لا تنتهي عند هذا الحد، بل تبدأ في الحقيقة حين يعود الي منزله ويجلس وسط أفراد عائلته متسمرين امام شاشة التلفزيون يتابعون الغارات وتداعيات الغزو حول العالم. مع توالي التقارير الإخبارية تزداد مشاعر الوطنية لدي الناظر تأججا، مصحوبة بنمو في مشاعر القلق حين تتواتر التحليلات والأنباء بأن غزو العراق ليس سوي فاتحة في خطة أكبر تستهدف البلدان العربية بلدا بعد آخر، وأن الدور القادم سيكون علي سورية (رغم أنها صوتت في النهاية في مجلس الأمن لصالح القرار). ويدرك الأستاذ شاكر أن بلده مصر في خطر، وأن الغزو الأمريكي قادم لا محالة، آجلا إن لم يكن عاجلا. وكرجل وطني ينبغي عليه أن يفعل شيئا، وبعد أن يقدح زناد فكره يستدعي من ذاكرته حادثة لأحد تلاميذ مدرسته دفعته رغبته للانتقام من زملائه الذين يضطهدونه بابتكار سلاح فتاك استخدمه ضدهم بالفعل داخل الفصل الدراسي، وكانت تلك الحادثة سببا في اكتشاف الناظر ان هذا التلميذ بالذات مشروع رجل عبقري في المستقبل. يقرر الناظر البحث عن التلميذ ليقنعه بتجنيد خبراته وعبقريته العلمية في سبيل اختراع سلاح ردع لحماية مصر من هجمات الصواريخ والطائرات الأمريكية المتوقعة في اي لحظة. وحين يذهب الناظر الي منزل الطالب تخبره أمه أنه يعمل في مركز البحوث، فتتأكد بذلك لديه توقعاته للطالب النبيه. لكنه حين يصل اليه يكتشف أن مركز البحوث ليس سوي غرزة حشاشين يتردد عليها طارق ، ليغرق في تهاويم وخيالات أحلام اليقظة وسط دخان الحشيش، وهو حال يجسد نسبة لا بأس بها من الشباب العاطلين عن العمل الذين يعانون الفقر والبؤس والكبت الجنسي وما لا حصر له من أشكال القمع. طارق أبعد ما يكون عن تلك الشخصية التي تصورها الناظر أنه سيكون عليها بعد أن شب عن الطوق، فهو ببساطة نموذج للفشل مجسدا، فاقد لأي دوافع أو حماس لأي شيء ولا يشغله سوي الحصول علي تعميرة الحشيش القادمة. اللقاء العبثي بين الناظر وتلميذه سابقا يثمر نتائج لا تقل عبثية، إذ يقنع الناظر تلميذه بأن يكرس نفسه تماما للعمل من أجل اختراع سلاح الردع الذي باتت بلده مصر في أمس الحاجة اليه. ويتعهد الناظر أن يوفر له كل متطلباته، حيث يمنحه شقة مواجهة لشقته في العمارة التي يقطنها مع عائلته. كما يتعهد له بتوفير كل مستلزمات البحث العلمي حيث يقرر بيع إحدي عماراته لتوفير الموارد اللازمة، وهو ما يثير غضب أفراد عائلته خاصة الزوجة (هالة فاخر)، والجدة المريضة المقعدة (إحسان القلعاوي). وحدها ابنته الطالبة الجامعية سلمي هي التي تشاركه حماسه ووطنيته، فتتكون في صدارة المظاهرات محمولة علي الأعناق تهتف ضد الغزو الأمريكي وتتصدي لهراوات قوات الأمن المركزي.

رغم الاعتراضات يمضي الأستاذ شاكر في خطته متخذا كل الاحترازات الأمنية وفي مقدمتها طلاء سطح العمارة التي يقطنها بألوان العلم الأمريكي، كنوع من التمويه يبعث من خلاله رسالة تفيد تأييد قلبا وقالبا للمشروع الأمريكي. هذا المنحي ممثل أيضا في الفيلم من خلال شخصية هامشية من رواد مقهي الحي لا يتردد عن التعبير عن ابتهاجه بالغزو الأمريكي للعراق، وقد علق كل آماله وأحلامه في مستقبل باهر علي وصول الأمريكان الي بلده، وهو في حال ترقب وانتشاء بتلك الحظة التي يصلون فيها الي القاهرة أيضا خليهم ييجوا.. خليهم بقي خلينا نخلص .

الكوابيس تتناسل من رحم الواقع

القلق المحموم الذي ينتاب الناظر يتصاعد كل يوم مع تكشف حجم الخطط الأمريكية المعدة للمنطقة، تلك التي تأتي في خليط من المعتقدات الشعبية السائدة عن القدرات الخارقة للقوة العظمي الوحيدة في العالم، ونظريات المؤامرة التي تتناسل من بعضها البعض، واليد الطولي لأجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تعرف دبة النملة في اي ركن من اركان الكرة الأرضية، والتي لا بد أنها ستصل الي مشروع سلاح الردع الخطير الذي يعمل عليه هو وتلميذه طارق ، لذا وجب إحاطته بالسرية التامة والكتمان والإسراع بتنفيذه قبل ان يفتضح أمره للأعداء.

فظائع العدوان الأمريكي علي العراق التي تنقلها التلفزيونات ساعة بساعة، تؤرق الناظر ليل نهار، فمشاهد جنود المارينز المدججين بالسلاح وهم يقتحمون منازل العراقيين ويعتقلون الرجال ويضعون الأكياس حول رؤوسهم، تتراءي له في الكوابيس وقد حل أفراد عائلته محل العائلات العراقية، ومشاهد التعذيب والتحقير للمساجين المعتقلين في أبو غريب، تتحول في الكوابيس الي مشاهد اغتصاب الجنود الأمريكيين لابنته سلمي .من خلال هذا المزج الذكي بين مشاهد الواقع والأحلام الكابوسية، ينجح الفيلم في إرهاف وعي المشاهد سياسيا من ناحية، ومن ناحية أخري في تجسيد محنة العراقيين تحت الاحتلال وشحن مشاعر التعاطف معهم. تراكم هذه المشاعر المتنامية بالخوف والقلق لدي الناظر، تدفع بها خطوات أبعد علي طريق التحرك من أجل الاستعداد لليوم المشهود. يبدأ الرجل في شحذ همم أهل الحي، وينجح في تجنيدهم للقضية الوطنية، فينخرطون في إجراء تدريبات علي الأسلحة الخفيفة وتكتيكات المقاومة في بدروم العمارة التي يسكنها بعد أن حولها إلي ثكنة عسكرية للتدريب علي اطلاق النار.

في الوقت ذاته، لا يبدو أن العمل علي مشروع سلاح الردع يسير علي ما يرام، بل إنه لا يسير علي الإطلاق. فالمخترع العبقري طارق لا يزال أسير إدمانه علي الحل السهل بالهروب الي نعيم المخدرات وتهاويمها، والتي باتت تتمركز الآن حول خيالاته وأحلامه الجنسية المحبطة التي لا يجد لها متنفسا. هذا الهوس الجنسي الذي يعانيه طارق يعبر عن نفسه علي نحو مضطرب يليق حقا بحشاش أصيل: فمن اللحظة الأولي التي وقعت فيها عيناه علي سلمي ابنة حضرة الناظر، وقد وقع في هواها وصار متيما بها فلا تغيب صورتها عن خياله. تلك هي حبيبة قلبه ومني عينه. لكنه من ناحية أخري، يكابد أهوال هلوسة جنسية مع فتاة أحلام من نوع آخر، هي وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس (كانت في حينها مستشارة الرئيس للأمن القومي)، التي تتراءي له في الحلم وتشكل المادة الخصبة لأحلامه الجنسية (وقد وفق الفيلم في اختيار ممثلة تشبه رايس الي حد كبير). يحلم الشاب بالاقتران بحبيبة قلبه الوطني سلمي لكنه يشتهي في الوقت ذاته النوم مع الأعداء والتمرغ في أحضانهم. علي هذا النحو يبين الفيلم الهوة الشاسعة التي تفصل بين الناظر/ الأب/ المربي الفاضل الذي يضج بالوطنية، وتتمحور أحلامه حول الخوف علي عائلته من الخطر الداهم المتمثل في الغزو الأمريكي القادم، وبين الشاب الذي أدمن الهروب عبر المخدرات الي عالم وردي نقيض عالمه البائس وفيه تتمحور أحلامه حول رغباته وخيالاته الجنسية.

حين يدرك الناظر شاكر المأزق الذي يعيشه طارق لا يتردد في بذل كل ما في وسعه من أجل توفير كل الظروف الملائمة التي تمكنه من الوصول الي الهدف المنشود من أجل الوطن، بدءا من النزول بنفسه لشراء البانغو نوع من المخدرات، له من الأماكن المشبوهة معرضا نفسه لمخاطر القبض عليه (وهناك يلتقي بعض تلاميذ المدرسة جاؤوا بدورهم لشراء البانغو)، وليس انتهاء بتزويجه من فتاة أحلامه ابنته سلمي التي تعارض في البداية لأنها لا تشعر تجاهه بأي مشاعر، لكنها في النهاية تذعن لرغبة أبيها لأن كله في حب الوطن يهون .يمضي الفيلم في تطوير هذا البناء التهكمي الصارخ حين تفشل كل هذه الحلول التي قدمها الناظر للمخترع العبقري في شحذ همته للانكباب علي اختراعه المرتقب. المشكلة الآن أن طارق اثبت فشلا مشينا علي جبهة الزواج في ليلة زفافه، وتحول احباطه الجنسي الذي طال الآن الي حالة مزمنة من الاكتئاب والاحساس بالخزي والعار ولا تنجح كل محاولات سلمي في التسرية عنه. وحين يعلم الناظر بعمق المشكلة يعرضه علي طبيب نفسي لكن حتي كل هذه الحيل تفشل في فك عقدته الجنسية. وحدها الصدفة تقود الي الحل السحري، حين تفاجئ سلمي زوجها ذات يوم في الحمام، حيث وضع له الأب صورة جندي مارينز أمريكي علي غطاء قاعدة المرحاض كنوع من التحفيز له والتذكير الدائم بالعدو اللدود. يقرر طارق ذات مرة ان يعكس الأمر، فيجلس علي المرحاض وقد وضع صورة المارينز أمامه لا خلفه، وحين تشاهد زوجته المنظر تواتيها الفكرة لحظيا، فتقرر ارتداء ملابس المارينز وتدعو زوجها بدلال الي أن يفترسها ويمزقها إربا في الفراش، وتنجح الحيلة أخيرا في استنهاض رجولته الخاملة من سباتها العميق.

يواصل الفيلم هذا التلاعب بالرموز الجنسية المشحونة بدلالات القوة والسيطرة والغلبة الي آخر تداعيات الصورة الذهنية للرجولة كما تتبدي في المخيلة الشعبية (والعامية المصرية تحتشد بما لا حصر له من العبارات والألفاظ الملتبسة والكلمات التي هي حمالة التأويلات علي كل الأوجه، وكانت دائما مصدرا لا ينضب للغة الكوميديا بكل أنواعها). ويمتد هذا النسق من الكوميديا اللفظية الملتبسة طوال الفيلم حيث يتم استثماره لتوليد المعاني المزدوجة للقوة ورد العدوان ورفع القهر علي الصعيد السياسي من خلال ذات السياق الاجتماعي التهكمي بالتلاعب علي المفردات والأفعال الجنسية، إذ تنتقل عدوي العلاج السحري الذي توصلت اليه سلمي الي سائر أفراد الحي، بدءا بالناظر الذي يعود ذات يوم ليجد زوجته ممددة في الفراش في لباس المارينز تتحدي رجولته الخاملة التي عفا عليها الزمن، وعلي الفور تدب الحيوية في عروق الناظر الكهل فيقفز الي معمعمة الفراش ليبلي بلاء حسنا ويجندل الأعداء .

عيون السي آي إيه .. لا تغفل ولا تنام

يرسم الفيلم صورة درامية مثيرة حقا من خلال المبالغة الكاريكاتورية لسكان هذا الحي الشعبي كصورة مصغرة لمجتمع بأكمله يسيطر عليه هاجس وحيد هو الخوف من الغزو الأمريكي القادم لا محالة في أية لحظة. وحتي في إطار هذا السياق التهكمي اللاذع لا تغيب مقولة الفيلم السياسية الأساسية ولا تتيه في التفاصيل، وإن جاءت مخففة بعض الشيء، ربما لتجاوز مقص الرقابة في أغلب الظن. وليعزز الفيلم هذا الهاجس المتولد أصلا من صور الغزو الأمريكي وتداعياته، يطور خطا دراميا موازيا لاثنين من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) يصلان متخفيين الي مصر ويبدآن البحث عن ذلك الشاب الذي يطور جهازا خطيرا لا شك أنه يشكل تهديدا للولايات المتحدة. صحيح أنه سلاح للردع أي للدفاع فقط كما يؤكد لنا حضرة الناظر عشرات المرات، وليس سوي ستارة غير مرئية بمجرد نشرها في سماء البلاد سوف تتحطم عليها كل صواريخ وطائرات الأعداء. (علي شاكلة استراتيجية حرب النجوم التي أراد الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان تطويرها)، لكن هذا لا يمنع المخابرات الأمريكية بالطبع من التدخل لإحباط السلاح لأنه يشكل تهديدا للهيمنة الأمريكية علي مقدرات العالم، وبوجه خاص الشرق الأوسط. بعد بحث وتقصّ مضنٍ في حواري القاهرة وأزقتها يتمكن عملاء المخابرات الأمريكية من الوصول الي العبقري المصري الذي يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة، ويجربون معه أولا التهديد والوعيد وبأنه لا جدوي من الوقوف في وجه القوة العظمي الوحيدة في العالم، وأنه ايا ما كان السلاح الذي سيتوصل اليه فلا بد أن العقول الأمريكية ستجد رادعا له في أقرب فرصة. لكن هذا لا يثني طارق عن عزمه فيحاولون إقناعه بحيل أخري كإغرائه بالسفر الي أميركا حيث الامكانيات الحقيقية التي يمكن ان يوظف عبقريته وقدراته علي الاختراع من خلالها، ولينتشل نفسه من الفقر ويحيا حياة تليق بعبقريته. وهذا أيضا لا يجدي نفعا مع طارق الذي يواصل العمل بهمة علي اختراعه الفذ، مستعينا في الوقت ذاته بتدخين السجائر المعمرة بالحشيش من آن لآخر ليحفز خلايا العبقرية في رأسه، قبل أن يمني بأول نكسة لاختراعه حين يتحداه رجال المخابرات الأمريكية لتجربة سلاحه في نفس البدروم الذي يتخذه أهل الحي معسكرا للتدريب، ويفشل اختراعه في التصدي لطائرات العم سام.

أهم ما يميز الفيلم هي تلك الخفة في التناول واعتماد السخرية والتهكم في إجلاء التناقضات الكامنة في الموضوع. فالحقيقة التي لا يمكن الفرار منها أن الواقع المصري، مثله في ذلك مثل العديد من الدول العربية، مثقل بما لا حصر له من مشاكل الفقر والبطالة والفساد وانهيار الخدمات وتدهور التعليم، وكلها تشكل مزيجا بائسا من المحبطات وعوامل الغم تجعل من حياتهم اليومية معمعة مضنية من أجل لقمة العيش. في وسط هذا المناخ، وبسبب السياسات التي تتبعها الحكومات العربية في القمع بكل أشكاله وفي مقدمتها قمع حريات التعبير، أصبح الشارع العربي في حالة من التشظي واللامبالاة تجاه أكثر القضايا العربية مصيرية وحيوية، وباتت ردود أفعاله لحظية وانفعالية سرعان ما تفور لتخمد بنفس السرعة التي هاجت بها، خاصة مع غياب الأطر والكوادر والتنظيمات السياسية الفعالة التي يمكنها استيعاب هذا الحماس وتحويله الي آليات ضغط أو قوة سياسية مؤثرة علي صناع القرار المحصنين وراء قصورهم وحراسهم المدججين بالسلاح. في خضم هذا الواقع المزري الذي ترزح تحت وطأته الغالبية العظمي من الشعوب العربية، فإن التناول الجاد للقضايا الهامة كغزو العراق والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين غالبا ما يجنح في المعالجات المصرية نحو المباشرة الفجة التي تتدثر بالشعارات الرنانة والمبالغات الميلودرامية. كما أن تناول الموضوعات السياسية الجادة في السينما المصرية علي الشكل الذي أشرنا إليه، يعد مغامرة في ظل صناعة سينما مضطربة وفي تراجع، أيضا بسبب أن ارتياد دور العرض في بلد كمصر لم يعد متعة في متناول الغالبية التي تكابد معدلات التضخم المرتفعة وتدني قيمة العملة المحلية وغيرها من مفردات غلاء المعيشة، وهؤلاء القادرون الذين يترددون علي دور العرض يبحثون دوما عن الترفيه أولا وقبل كل شيء، ولا تعنيهم تلك القضايا الكبري. كما لا يمكن أن نفغل دور الرقابة ومحاذيرها في دفع المبدعين الي اختيار أساليب فنية يتحايلون بها علي مقص الرقيب، وفي هذا فإن التناول الكوميدي الساخر من شأنه أن يغلف الرسالة السياسية بغلالة تخفف من وقعها الصادم أو المباشر.

أما العيب الرئيسي الذي شاب هذا الفيلم فتمثل في سوء اختيار ممثل يدعي أحمد حلمي لدور الشاب المخترع طارق ، فهو لا يتمتع بأدني حس فكاهي ويفتقر للحضور السينمائي بشكل فادح، علاوة علي أن قدراته التمثيلية متواضعة جدا.

ناقد سينمائي مصري يقيم في امريكا

القدس العربي في 8 ديسمبر 2006

 

سلمى بكار مع فيلمها «خشخاش» في دبي الأحد

النوري بوزيد: يئس جمهوري من أفكاري فابتكرت فيلماً جديداً

تونس ـ ضحى السعفي 

تصل المخرجة التونسية سلمى بكار بعد غد الأحد إلى دبي لتواكب عرض فيلمها «خشخاش» الذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان دبي السينمائي الدولي، وسط تفاؤلها وتوقعاتها بأن يفوز بأحد جوائز المهرجان.

يذكر أن بكار كانت قد حملت على إدارة مهرجان قرطاج السينمائي بعد أن رفضت «خشخاش» الذي لم يدخل في إطار المسابقة الرسمية على الرغم من أنه حظي بشعبية كبيرة في تونس واستطاع أن يعيد الثقة بين الجمهور والسينما التونسية بعد قطيعة استمرت لسنوات، كما كان الفيلم قد حظي باهتمام إعلامي كبير من طرف الصحافة المصرية فور عرضه في إطار مهرجان القاهرة السينمائي في باب «السينما العربية الجديدة».

إلى ذلك، التقت «البيان» المخرج التونسي النوري بوزيد الذي نال فيلمه «آخر فيلم» السعفة الذهبية في مهرجان قرطاج السينمائي الأخير، والذي تناول فيه موضوع الإرهاب والجهاد وعلاقة الإسلام بالجهاد، وناقش السبب الحقيقي في انحراف الشباب العربي اليوم، فأثار موجة من النقاش والجدل بين مؤيدين ومعارضين، وكان معه هذا الحوار:

* كيف كونت فكرة الفيلم؟

ـ كونت فكرة الفيلم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والتغييرات العالمية التي حدثت بعد ذلك والتي كان من أبرزها الحرب الغاشمة على العراق، وقد كانت تراودني تساؤلات عديدة عن السبب المباشر في هذه الأحداث الدامية، وقمت بعمل دراسة كبيرة حول ذلك وبما أنني مخرج فكان يجب أن أتطرق لهذا الموضوع في فيلم.

* قبل التتويج كنت خائفاً جداً من رأي الجمهور فكيف كان استقبال المشاهدين لك؟

ـ بداية كنت خائفاً جداً من استقبال الجمهور للفيلم خاصةً وانني شعرت بأن جمهوري قد مل مني ويئس من أفكاري في فترة ما.... وقد شعرت أن «آخر فيلم» قد أعاد ثقة جمهوري في أفلامي وأفكاري، وقد لمست مدى إعجاب الناس بالفكرة والطرح بعد عرض الفيلم وأعجبت أكثر بجلسات النقاش التي نظمناها بعد العرض وقد استمتعت بكل رأي سمعته سواء كان ضد أو مع فكرة الفيلم.

* وكيف استقبلت الآراء المختلفة حول هذا العمل؟

ـ أغلب الجمهور أيد الفكرة ولكن هناك من رفض طرح الفكرة من الأساس لأنها حساسة وطرحها يتطلب الكثير من الجرأة والشجاعة، فهل نحن نجاهد لأننا مسلمون؟ أم لأننا وطنيون؟ وهل يحق لنا أن نمارس الإرهاب تحت غطاء الإسلام؟

وقد حاولت الإجابة على هذه الأسئلة قدر الإمكان ..

* بعض الأطراف لن يتسامحوا مع رؤيتك للدين والإسلام وعلاقته المباشرة بالإرهاب والجهاد حيث ربطت بينهما بطريقة مباشرة في الفيلم؟

ـ صحيح.. لا أنكر أنني كنت خائفاً جداً من هذا الربط وقد كان من الواضح جداً بأنني أناشد في الفيلم وأطلب بفصل الدين عن الممارسات السياسية والاجتماعية فكيف نطلب من الآخر أن يتقبلنا في الوقت الذي يرى أننا نستعمل الإرهاب باسم الدين.

* المثير في الفيلم انك لم تطلع البطل «لطفي العبدلي» أو «بهتة» على السيناريو فكيف استطعت أن تقنعه بذلك؟

ـ هو يثق في اختياراتي وقد كان ذلك اختياراً مني لأن تلك الطريقة تعتمد أساساً على عنصر المفاجأة وقد أردت أن أرصد انفعالاته الحقيقية وأضعها في وسط الفيلم بكل مصداقية.

* ولكن بعض المشاهدين لم يتقبلوا الفكرة واعتبروها مصطنعة؟

ـ الفكرة كانت أن أخصص 12 دقيقة من أصل ساعتين من الفيلم لأبرز الانفعالات الحقيقية «لبهتة» الذي لا يعرف كيف تحول فجأة من راقص محترف في أول الفيلم إلى مجاهد! هو نفسه لم يكن يعرف مدى جدوى ذلك ولكن الفكرة بما أنها جديدة في الأفلام العربية فقد نجحت وهذه رؤية جديدة في السينما وقد قصدت أن أوصل فكرتي بتلك الطريقة العميقة.

* لماذا قصدت أن ينتهي الفيلم بأن يفجر «بهتة» نفسه في مكان خال؟

ـ «بهتة» تأثر ببعض التيارات التي أقنعته بالسفر والجهاد في الشرق الأوسط فأصبح همه الوحيد هو أن يموت شهيداً ليغسل بذلك كل ذنوبه وفور ما وجد نفسه محاصراً في مكان خال من طرف شرطة بلاده فجر نفسه ليموت شهيدا لأنه خاف أن يموت عكس ذلك فمات ولكن ليس شهيداً بل منتحراً.

* هل تعتقد أن أمثال «بهتة» كثر في العالم العربي؟

ـ نعم فبعض الشبان ينساقون بسهولة في هذه التيارات ويفعلون ما يؤمرون به دون تفكير ودون جدوى وكل ذلك من تأثير البطالة والفقر فهم ضحايا في النهاية.

* عرفنا أن الفيلم رفض في مهرجان «كان» السينمائي فما هو السبب؟

ـ جاء على لسان أحد الأبطال في وسط الفيلم «الغرب هو اللي قتل اليهود ورماهم علينا ورمى المسؤولية علينا» هذه العبارة التي تدين الغرب يرفضها العالم الغربي ولا ننسى أن المهرجان تديره بعض اللوبيات الصهيونية ومشكلتنا أننا لا نملك لوبياً خاصاً بنا ليدافع عن إنتاجاتنا العربية في المهرجانات الغربية.

* هل سيكون هذا الفيلم هو «آخر فيلم» للنوري بوزيد؟

ـ لا لن يكون كذلك فأنا معجب جدا بطريقة استقبال الجمهور له ولذلك سأصور غيره قريباً.

البيان الإماراتية في 8 ديسمبر 2006

الدراما السورية التي أعادتني الي لهجتي المحلية

صلاح سرميني 

خلال اقامتي في مصر، ودراستي في المعهد العالي للسينما بالقاهرة، لازمتني اللهجة المصرية في تواصلي مع المصريين، ويكفي بأن يكون واحداًً منهم في جلسة ما حتي ينقلب لساني، هذا الأمر الذي سبب لي في بعض المرات احراجاً مع مواطني بلدي الذين لم يستوعبوا هذا الارتباط الروحي المُتجذر في داخلي.

وكما يجد الكثير من مواطني المغرب العربي اللغة الفرنسية وسيلة أمثل للتخاطب فيما بينهم، أو مع الآخرين، كانت اللهجة المصرية بالنسبة لي وسيلة تواصلي (مع المصريين، أو بحضورهم) بدون القدرة علي تفسير الأسباب العاطفية لهذا الاختيار.

ومع تنقلاتي الكثيرة، وعلاقاتي مع جنسيات عربية مختلفة، ما يزال الكثير من العرب، والمصريين أنفسهم يعتقدون بأنني مصريُ مهاجر.

وأحتفظ في ذاكرتي بمشاهد طريفة تعود الي بداية اقامتي الباريسية، عندما كنت أذهب الي السفارة السورية لانجاز بعض الاجراءات الخاصة بدراستي، وقتذاك، لاحظ أحد العاملين بأن لهجتي بعيدة عن مدينتي الأم حلب، وكي يتأكد بأنني سوري الجنسية فعلاً، ولم أخطئ العنوان، طلب مني اظهار جواز سفري، وبطاقتي الشخصية، وسامحني عندما عرف بأنني قادم للتو من القاهرة.

وخلال متابعتي للدورة الأخيرة للمهرجان الدولي للأفلام التسجيلية، والقصيرة في الاسماعيلية 2006، تساءلت الناقدة المصرية (صفاء الليثي) عن الأسباب التي سمحت لي بالانضمام الي (جمعية نقاد السينما المصريين)، بعد أن اكتشفت مؤخراً بأنني سوري، فاقترحتُ عليها بأن تستفسر عن ذلك من الناقد السينمائي المصري (سمير فريد) الذي دعاني بنفسه في يوم للانضمام الي (الجمعية) التي يسمح قانونها الداخلي بقبول عضوية أفراد من جنسيات عربية أخري طالما أنهم يعيشون في مصر(وهو حال د. رفيق الصبان مثلاً)، كما هي بديهيةٌ واضحةٌ في تاريخ السينما المصرية الحافل بأسماء الكثير من العرب الذين يُعتبرون جزءاً من المشهد السينمائي المصري، والعربي بآن واحد.

وخلال الدورة العشرين 2004 لأيام قرطاج السينمائية، فُوجئت الناقدة المصرية(ماجدة موريس) بأنني أتحدث عن (بلدي) سورية، فقالت لي بدهشة: والله كنت فاكراك مصريا يا صلاح.

وقد كانت الصدفة (الرغبة) تقودني دائماً للسفر الي تونس بصحبة الصحافي، والناقد التشكيلي المصري (عبد الرازق عكاشة)، وبحضوره، كنت أتحدث دائماً بلهجة مصرية تثير اهتمام الجميع المُتعلقين بها، والذين أحبوها من مشاهداتهم اليومية للأفلام، والمسلسلات المصرية، ويبدو بأنها تعكس خفة الدم أكثر بكثير من اللهجة السورية، وخاصةً الحلبية، ولكن، من الغريب حقاً بأنني أبتسم (وأضحك) في كل مرة أشاهد (بالصدفة) ممثلاً (حلبياً) يتحدث بلهجته في مسلسل سوري وسط مجموعة من الممثلين المُتحدثين بلهجات أخري: دمشقية، ساحلية، أو جزراوية، بدون أن يكون الدور، أو الموقف الذي يجسده كوميدياً.

قبل سفري الي تونس لمتابعة الدورة الأخيرة (الحادية والعشرين) لأيام قرطاج السينمائية، وحالما تحدثت مع عاملة الهاتف(مريم) في استوديوهات قمرت، حتي بدأت بدورها تتحدث معي بلهجة شامية جعلتني أسألها فيما اذا كانت فلسطينية، أو لبنانية، أو سورية.

والفترة التي قضيتها هناك أعادتني قليلاً الي لهجتي الأم، فقد لاحظــــــتُ في هذه المرة (وحتي مع حضور عبد الرازق عكـــــــاشة، وقدرته السحرية علي جذب الانتباه)، بأننــــــي حالما أُعلن للآخرين عن جنسـيتي السورية، حتي أحظي باهــــتمام أكثر بكثير من الـدورات السابقة، يلـــــيه مدح مطول لا مثيل له للمسلسـلات السورية التي تبين لي بأن الجمهور التونسي يتابعها بحب، واستمتاع، وشغف.

والحقيقة، بأنني كناقد سينمائي مهموم بالسينما نقداً، وبحثاً، ومشاهدةً، وبرمجـــــة، لم أمتلك الرغبة يوماً، أو الوقت لمُتابعة أي مسلـــــسل سوري، واقتصرت مشاهداتي المُتقطعة، وغير المنتظمة للقنوات العربية علي بعض برامـــج (قناة الجزيرة). ولهذا، لا أعرف شيئاً عن الدراما السورية، ولا عن أي دراما عربية أخـــري، هذا الجهل الذي يُثير دهشة المتحدثين معي.

في السنوات السابقة، كانت أحاديثنا مع التوانسة تتمحور دائماً حول مصر اعجاباً، وكان الجميع يعبرون عن رغبتهم بزيارتهـــــا يوماً، ولكن، ما كان مُدهشاً، ومُفاجئاً لي في الـــــدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية 2006، بأن الحال قد تغير مع من التقيت بهم مُجدداً، أو لأول مرة، حيث كانت أحاديثنا تدور في معظمها عن سورية، والمُسلسلات السورية، وكانوا يذكرونني بتفاصيل حياتية نسيتها، ويحدثوني عن ممثلين، وممثلات، وحارات شعبية، وأطعمة..

وفي جلسة جمعتني بالممثل/المخرج السوري ماهر صليبي، والصحافي السوري (محمد علي العقباني)، وبصحافيتين مصريتين (نسرين الزيات) و(شيماء سليم)، كان الأربعة يتحدثون عن المسلسلات السورية، ونجومها الا أنا، وكأنني قادمٌ من عالم آخر، ولم يكن هذا الحديث ممكناً قبل سنوات قليلة.

وفي جلسة أخري جمعت نورمان، ايمان، ملاك، وشيراز، الطالبات في أحد المعاهد المسرحية في تونس، كن يتحدثن بشغف عن الدراما السورية، حتي أنهن يحلمن بالسفر الي سورية بهدف التعرف عن قرب علي كل ما أظهرته لهم المسلسلات السورية، ومن حين الي آخر يحاولن التحدث باللهجة السورية، ويطلبن مني التحدث بها، وكنت أخجل من نفسي، فأحاول بدوري العودة الي لهجتي.

وبعد عودتي الي باريس، وقبل أن أسافر الي مدينة ليموج الفرنسية لمتابعة مهرجان حميمي صغير للأفلام القصيرة، اتصلت بالصحافية التونسية (نادرة)، وانزلقت من فمي جملة (نحن في باريس..)، فردت علي الفور : من أنتم في باريس، انني أتحدث مع سوري...

وفي مكالماتي الهاتفية مع الصحافية الجزائرية (أمل)، كانت تتحدث معي بجزائرية مطعمة بالكثير من اللهجة السورية، وتطلب مني دائماً التحدث بلهجتي، وعندما أحاول، وأخطئ، كانت تصححُ لي بعض المفردات.

لا مجال للشك اذاً بأن الدراما السورية لم تعد منافساً للدراما المصرية فحسب، بل تخطت أيضاً وظيفة الفرجة علي أحداثها، والاستمتاع بحكاياتها، وسلطت الأضواء علي سورية كبلد، ولهجة، وحياة يومية، وفرضت نجوماً، ودخلت قلوب المتفرجين في كل أنحاء الوطن العربي.

ويمكن القول بأنها أعادت لي لهجتي المحلية، وأثارت في داخلي رغبة السفر الي سورية في أقرب فرصة، فشكراً للدراما السورية.

ناقد سينمائي من سورية يقيم في باريس

القدس العربي في 8 ديسمبر 2006

 

نفى شائعة اعتزاله ويعتزم تقديم مذكراته

كمال الشناوي: أرفض تكريمي على طريقة "اللحم الميت"

القاهرة - المعتصم بالله حمدي: 

حافظ الفنان كمال الشناوي على نجوميته بعد ستين عاما قضاها في العمل الفني، وأصبح نموذجاً للفنان الشامل الذي استطاع برومانسيته أن يصبح “فتى الأحلام”، وبقسوته في “الكرنك” وخفة دمه مع “سكر هانم” نال استحسان الجماهير، ورغم وجوده السينمائي المكثف إلا أن حضوره التلفزيوني كان مميزا واستحق عليه التكريم في مهرجان القاهرة الثاني عشر للإذاعة والتلفزيون، ما دفعنا إلى محاورته عبر السطور التالية:

·         تكريمك في مهرجان الإذاعة والتلفزيون ماذا يعني لك؟

 هذا التكريم وسام على صدري وإحساس عال بقيمتي الفنية، وجعلني أشعر بأن مازال هناك أمل في الحياة، ومازلت موجودا في ذاكرة المسؤولين وقلوب الجماهير، ورغم أن السينما عشقي الأول حيث قدمت أكثر من مائتي فيلم إلا أنني سعيد بهذا التكريم.

·         هل تفضل أن يتم تكريمك بإنتاج مسلسل يسرد قصة حياتك الفنية؟

 بالطبع أرفض ذلك تماما لأن هذه النوعية من الأعمال هي “تجارة اللحم الميت”، والتكريم لابد أن يتم في حياة الفنان، فذلك يمثل قيمة كبيرة، أما أن يكون على شاكلة مسلسلي “العندليب، والسندريللا” فهو ما أرفضه تماماً.

·         هل كان عملك بالتلفزيون سبباً في زيادة انتشارك الجماهيري؟

 بالفعل فقد كنت مترددا قبل أن أعمل بالتلفزيون حتى عرض عليّ المشاركة في بطولة مسلسل “زينب والعرش” ووافقت لإعجابي بالرواية الأصلية، وكان التلفزيون دخل عصر الألوان، وصممت على تقديم شخصية السياسي التي كان مرشحا لها محمود مرسي الذي وافق أن يقدم دور الصحافي، وتوالت أعمالي التلفزيونية التي وصلت إلى ثلاثين عملا، منها “آخر المشوار، الجانب الآخر من الشاطئ، العائلة والناس، بيت الأزميرلي، علي عليوة، أنف وثلاث عيون”.

·         لماذا ترى نفسك كوميديانا بارعا؟

 بداخلي كوميديان منذ بدايتي الفنية وقد ظهر ذلك بوضوح في فيلمي “سكر هانم، وعش الغرام”، وأيضا في فيلم “الإرهاب والكباب”، وفي الدراما التلفزيونية قدمت مسلسل “لدواعي أمنية” وفيه جسدت شخصية الرجل المهزوز الذي يحاول أن يبدو قويا ورغم قسوته إلا أن الكوميديا طغت على الشخصية وكذلك مسلسل “هند والدكتور نعمان”.

·         ألم يحن الوقت لتقديم مسلسل في مستوى “هند والدكتور نعمان”؟

 هذا المسلسل قدمت من خلاله كوميديا جادة وحقق جماهيرية كبيرة، وأذكر أنني اخترت الطفلة “ايفا” بطلة المسلسل بعد مجهود كبير ومساندة المخرج رائد لبيب والمؤلف بشير الديك، ومازلت في انتظار تقديم عمل بنفس الجودة والمستوى.

·         هل اختلفت السينما حاليا عما كانت عليه قديما؟

 جيلنا السينمائي كان يضم عمالقة كبارا تعلمنا على أيديهم الكثير الذي ساعدنا طوال مسيرتنا الفنية، وكان التفاهم والاحترام سائدين بيننا لدرجة أن الفيلم الواحد كان يتضمن أكثر من نجم ويتقاضون مبالغ زهيدة بنفس راضية وقنوعة، أما الآن فأندهش عندما أسمع عن الملايين التي يتقاضاها شباب السينما حاليا، وعموما لابد أن نأخذ بيد الجيل الجديد ونوجههم حتى تستمر المسيرة الفنية في مصر، لذلك لا أتوانى عن المشاركة في أفلام السينما الحالية عندما أجد الدور المناسب ومثال ذلك مشاركتي الأخيرة مع هاني رمزي في فيلم “ظاظا” وتجسيدي شخصية رئيس الجمهورية.

·         ما أهم الأدوار التي تتذكرها من مشوارك السينمائي الذي وصل لأكثر من مائتي فيلم؟

 دور “خالد صفوان” في فيلم “الكرنك” وهو رئيس المخابرات ويد التعذيب التي لا ترحم، وكنت أخشى من شدة قسوته أن يكرهني الناس ولأنني من اشد المعجبين بكتابات الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ صممت على تجسيد شخصية خالد وكان نجاحها الجماهيري الكبير مفاجأة جميلة لي.

·         ماذا عن الدويتو السينمائي مع شادية عبر عشرين فيلما؟

 شادية أسهمت في شهرتي وأنا أسهمت في شهرتها ولا أنسى أنها أنقذتني من شيء خطير للغاية وهو أنني وقفت أمام الكاميرا في الوقت الذي كانت كل نجمات السينما مثل ليلى فوزي وكوكا ومديحة يسري وراقية إبراهيم اكبر مني سنا، فجاءت شادية وأنقذتني، لذلك تجد التفاهم غالبا على معظم الأفلام السينمائية التي شاركنا فيها مثل “ساعة لقلبك” “ليلة الحنة” “الدنيا حلوة” “في الهواء سوا” “بشرة خير”.

·         ما أجمل قصة حب عشتها على الشاشة؟

 عشت قصص حب كثيرة عبرت عن الحب بصدق في أفلام “ليلة الحنة، الوديعة، عاشت للحب، وداع في الفجر”.

·         ما أسباب اختفاء الحب من أعمالنا الفنية؟

 الماديات سيطرت على المشاعر وتحول الحب إلى سلعة، والرومانسية لم يعد لها وجود في الأفلام ولا في الأغاني ولا حتى في الحياة العامة.

·         ما مرادف الحب من وجهة نظرك؟

 الحب هو الأمان والدفء والطمأنينة والتفاهم.

·         من الذي عبر عن الحب بصدق أكبر من وجهة نظرك أم كلثوم أم عبدالحليم حافظ؟

 كل منهما عبر عن الحب بطريقته الخاصة أم كلثوم عبرت عن المرأة في كل حالاتها العاطفية وعبدالحليم حافظ كانت أغانيه كلها استعطافا للمرأة.

·         هل كنت صاحب مدرسة خاصة في الحب؟

 كنت نموذجا للحبيب، وملابسي وطريقة كلامي وصوتي وتسريحة شعري، وأفلامي المليئة بكلمات الغزل والحب جعلتني فتى أحلام الكثير من الفتيات.

·         ما الذي يمثله الرسم للفنان التشكيلي كمال الشناوي؟

 الرسم بالنسبة لي حالة من التوازن النفسي حيث أفرغ شخصياتي العاطفية المتراكمة على الورق.

·         وما مواصفات المرأة التي تنال إعجابك كرسام؟

 أكثر ما يجذبني للمرأة وجهها وعيناها وابتسامتها.

·         هل ساهم الفن التشكيلي في تكوينك كممثل؟

 الفن التشكيلي علمني أن اعمل دائما بخطى ديناميكية متكاملة، وهذا أسلوبي حتى أنتهي من اللوحة، وهو نفس ما افعله مع الشخصية المكتوبة حيث ارسم أبعاد شخصياتي بدقة عالية وأستطيع قراءة البلاتوه من ديكور وألوان واستيعاب أبعاد الصورة.

·         هل تشعر بالرضا عن مشوارك الفني؟

 راض تماما عن كل ما قدمته سواء في السينما أو التلفزيون وكنت أتمنى تقديم أعمال كثيرة على خشبة المسرح لأن مسرحياتي قليلة للغاية وهي “أدب الجواز” مع ناهد شريف و”مصيدة للإيجار” مع ليلى طاهر و”اللعب على المكشوف” مع شهيرة.

·         هل تفكر حاليا في الاعتزال؟

 كل ما تردد عن اعتزالي لا أساس له من الصحة وحاليا أنا في فترة راحة بعد سنوات متواصلة من العمل لأنني لم أعد احتمل المجهود الكبير الآن مثل الماضي، لأن السن لها أحكامها.

·         وما الذي يشغلك حاليا؟

 أقوم بتدوين وتسجيل مذكراتي وسأقدمها قريبا في برنامج تلفزيوني بصوتي.

الخليج الإماراتية في 8 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

ليلة سقوط بغداد في قاهرة المعز:

عيون العم سام.. لا تغفل ولا تنام!

د. عماد عبد الرازق

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك