المخرج الإيطالي المعروف «أولمي» قدم في أواخر التسعينيات من القرن الماضي فيلمه الرائع «عيد ميلاد السيدة العجوز» وجعل وجه هذه السيدة مغطي بوشاح أبيض من الدانتيلا يحجب ملامحها، و كانت عنده رمزاً لبلده إيطاليا.. حفل عيد الميلاد جرت وقائعه في قصر كبير حدائقه غناء، تصلح ملعباً للجولف، وجعلنا ندخل القصر ونحضر عيد الميلاد، من خلال شاب مراهق ينضم إلي خدم القصر ويقف علي خدمة المدعوين.. كان «أولمي» من خلال فيلمه ينتقد وجود السفير الأمريكي بين المدعوين، ملتصقاً بعشيقته الايطالية الجميلة ويتصرف بعنجهية إلي حد أن يفسد طبق الطعام علي المائدة، و لكنه لم يكن الرمز الوحيد في الفيلم، فكل رموز التدخل الأجنبي، موجودة، وكل شواهد الفساد ورموزه موجودة، وكل الانحلال الذي أصاب المجتمع المحيط بالسيدة الرمز «العجوز صاحبة عيد الميلاد» متمثلة إلي حد أن الخادم الشاب المراهق الوسيم تغتصبه أرملة من المدعوات. ولا أدري، لماذا استرد ذهني وقائع فيلم «أولمي» هذا، وأنا أخطو فوق ذلك الجسر الخشبي الذي زاد علي مائة متر، والمغطي بقماش أحمر اللون من موكيت رخيص الذي يقود إلي المسرح الكبير بدار الأوبرا في ليلة افتتاح الدورة الثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.. ولم أفهم.. هل يقع هذا تيمنا بما يحدث في المهرجانات العالمية الكبري، وبالذات «مهرجان كان» وسجادته المخملية القرمزية اللون التي تغطي درج الصعود إلي دار «سينما لوميير» ومدخلها لكي يخطو عليها كل النجوم العالميين بعد أن يعبروا سياجاً حديدياً.. يمتد في شارع الكرواسيت من فندق كابيتول وغيره إلي مدخل لوميير، بين جمهور متعطش لرؤية النجوم المشاهير. وقد يبدو مهرجان القاهرة السينمائي في هذه الدور أفضل شكلاً، وأفضل مظهرآً في مطبوعاته وتنظيمه والدعاية له، بفضل المال الضخم من التمويل الذي أتيح له ليؤمن للعاملين فيه مرتبات ومكافآت ضخمة مريحة، لكن هذه الراحة معا لأسف لم تنعكس علي مستوي ما يقدمه المهرجان في أفلامه في كل أقسامه، فما زالت العقلية القديمة، وبنفس الأسلوب الذي حكمه دائماً، وبنفس المنطق المتحكم الذي فرض نفسه علي رؤسائه المتعاقدين بعد رحيل الرجل الكفء سعد الدين وهبه الذي نجح طيلة مدة رئاسته في أن يجعل للمهرجان شخصيته المعنوية وقاده من نجاح إلي آخر، معترفاً بمجموعة من العارفين بالمهرجانات والمترددين عليها مستفيداً بخبراتهم حتي ولو خالفوه الرأي. ومنذ رحيل سعد الدين وهبة، كان المهرجان في حاجة إلي الخروج إلي رحلة التجديد في الأفكار والأشخاص والأساليب التي ترغم كل الرؤساء الذين تعاقبوا بعده علي الرئاسة لأن يخضعوا لنفس الترتيبات ونفس أساليب التنفيذ والتخطيط والإدارة التي لا تتجمع خيوطها في أيدي الرئيس المعين، بل تطبق عليها أيدي تلك المجموعة التي لا تتغير وتنفذ أهواءها. وقد يكون الموقف مختلفاً هذه المرة، قد يكون شكل التوجه بالمهرجان للناس قد اختلف، بحكم أن من أتاحوا له التمويل المريح الضخم لابد وأن يفيدوا هم أنفسهم، دعائياً وتواجدا وصبغ وجه المهرجان بصبغة مؤسساتهم وشركاتهم وارتباطاتهم في مجال الأعمال، لكن «الحال والواقع يبقي علي ما هو عليه» ما دامت الأفكار والأساليب والأشخاص دون تطور أو تجاوب أو الدخول في مرحلة التغيير التي تسرع بخطوات متعجلة في استخدام مفتاح الحياة الفرعوني كشعار للمهرجان، فالهرم أشهر المعالم المصرية عالمياً، ولا يمكن أن يتخلي مهرجان برلين عن «الدب» ولافينسيا عن «الأسد المجنح» ولا كان عن «السعفة الذهبية» كشعار أو شكل جائزة. وحدهم.. العباقرة عشت تجربة التجديد والتغيير في مهرجان برلين السينمائي الدولي منذ أربع سنوات.. اتخذت بلدية برلين التي تقيم المهرجان قراراً بإنهاء عقد مديره العالمي مورتيزدي هادلن بعد 22 سنة من العمل وجاء القرار في ربيع العام، وتصور الرجل وهو سويسري الجنسية أن تلك هي بداية الانحدار، لكن انتصرت إرادة التغيير والتجديد، عندما اختير مخرج سينمائي شاب، واعد بثقافته وقدرته علي استيعاب حركة السينما العالمية هو دايتركوسليك.. وكانت التهمة التي أسقطت دي هادلن هي أنه يعامل السينما الألمانية، صاحبة المهرجان علي أنها صناعة من الدرجة الثانية، ويكتفي بعرض «بانوراما للسينما الألمانية وأفلامها حديثة الإنتاج وقلما يتسرب فيلم ألماني إلي المسابقة الرسمية للمهرجان.. وكانت مهمة دايتركوسليك الأولي هي أن يعيد إلي المهرجان وجهه الحقيقي الصحيح، وأن يحافظ في نفس الوقت علي رسالته في سينما العالم كمهرجان رائد مكتشف حقيقي لتيارات سينما جديدة متطورة في قارات أوروبا وأسيا وأمريكا.. ولم ينفرد كوسليك بالإدارة أو الاختيار النهائي لما يقدمه مهرجان برلين أو لا يقدمه .. جاء بأربعة من المخرجين الألمان الشباب ممن يشاركونه رؤيته ونظرته وثقافته السينمائية العصرية، ووضع كلا منهم علي رأس «قسم» مبتكر في العمل المهرجاني وأعطاهم حرية القرار وحرية الاختيار وحرية التوجه.. ونجح كوسليك ومجموعته إلي حد أنهم كسروا سيطرة فروع الشركات الألمانية الموزعة للفيلم الأمريكي علي مسابقة المهرجان وفروعه الرئيسية، خاصة مسابقته الرسمية التي كانوا يدفعون إليها بالأفلام الأمريكية المرشحة لجوائز الأوسكار لكي تحصد في العادة جوائز المهرجان قبل موعد توزيع الأوسكار بشهرين.. ومع الثامن من فبراير العام القادم تجيء السنة الرابعة لكوسليك ورفاقه وقد جعلوا من مهرجان برلين منافساً قوياً لمهرجان كان علي الصعيد السينمائي العالمي. وأتساءل: هل أنا في حاجة إلي أن أقول إن الآوان قد حان للتغيير والتجديد في الأفكار والأساليب والأشخاص في مهرجان القاهرة السينمائي.. هل يعقل أن تختار الأفلام التي تدخل مسابقته الرسمية بطريقة عشوائية، وعبر لجنة مشاهدة تضم كل من هب ودب من مجموعة في الصحفيين الشبان الذين لا ميزة لهم، إلا أن يحصلوا في النهاية علي مكافآت مالية متواضعة.. في البدايات كان يرأس هذه اللجنة مخرج له تاريخ مثل الراحل كمال الشيخ وأمثاله.. وهل يعقل أن ينفرد عضو ممن يسمونهم الأمانة العامة بوضع عروض كل أقسام المهرجان وتحديداً البرنامج الجماهيري لأكثر من عشرين عاماً سابقة ويظل مصيباً وعبقرياً؟.. أنا لا أقصد أحداً بعينه، ولا أقصد هذه الأمانة الفنية والعامة التي تحولت هذه الدورة إلي موظفين تصرف لهم مرتبات شهرية.. ومكافآت سنوية في نهاية الدورة.. حتي النشرة اليومية، صحيفة المهرجان اليومية التي كان لي شرف تقديمها لأول مرة وطباعتها بالألوان لرئيس تحريرها في 1988 إن لم تخني الذاكرة، أفاجأ هذه الدورة بأن من يصدرها- ويكتب أكثر مقالاتها عن أفلام المهرجان- شخص واحد تحمل المقالات توقيعه الصريح أحياناً وأحياناً أخري يكتفي بحروف اسمه الثلاثي حقيقة أصبحت بحكم التمويل الضخم الجديد تصدر بطباعة فاخرة، لكنها تحمل أيضاً إعلانات يومية فاخرة عن مؤسسات وشركات الرعاة الذين مدوا مظلة التمويل المالي الكبير علي المهرجان. مهزلة فيلم الافتتاح لست ضد تكريم سينما أمريكا اللاتينية أو الاحتفاء بها كضيف شرف في هذه الدورة.. لكن أي سينما لاتينية.. تلك السينما التي خرج عن طريقها جارسيا ماركيز أديب نوبل إلي العالم، بأفلام مثل «هبط الملاك في بابل» و«موت معلن» واحتفت بأديبنا المصري العالمي نجيب محفوظ فقدمت له «بداية ونهاية» و«زقاق المدق» أم مجموعة «هزيلة الاختيار» مما هو متاح من أفلام ترشحها أو تتيحها الإدارات الثقافية في السفارات.. ولو كان المنظمون للمهرجان علي درجة من الوعي السياسي لربطوا بين المؤتمر الذي عقدته دول أمريكا اللاتينية الدول العربية والإفريقية ثاني أيام المهرجان في إحدي العواصم الأفريقية.. ما علينا.. اختير الفيلم البرازيلي «ابناء فريسيسكو» كفيلم افتتاح للدورة، وهو فيلم فقير الإنتاج لايزيد مستواه عن مستوي الميلودراما المصرية في أواخر الثلاثينيات وسنوات الحرب العالمية الثانية وتحكي قصته بؤساً وفقرا وإملاقاً تعاني منه أسرة يحلم ربها في أن يجعل من ابنيه مطربين وعازفين من المشاهير، ويذهب فيشتري جيتاراً وكماناً لولديه بثمن محصول الأرض ولايسدد الإيجار لحماه فيطرده من أرضه ليسكن كشكاً خشبياً في المدينة ويعايش حلمه.. الفيلم بكل المقاييس ليس فيلم الافتتاح، ولا أدري لماذا لم يستقر المنظمون علي تقديم الفيلم الجزائري الفرنسي «السكان الأصليون» وقد جاءوا به وبمنتجه وأحد نجومه- كفيلم افتتاح.. إن الفيلم أحدث ضجة عالمية عندما عرض في الدورة الأخيرة من مهرجان كان وفاز نجومه الأربعة الشبان بجائزة أحسن ممثل مجتمعين، وامتدت الضجة علي المستوي الفرنسي، لأن الفيلم يناقش مشاركة سكان أفريقيا الشمالية في الحرب إلي جوار فرنسا لتحريرها من الاحتلال النازي، وأجبر الرئيس الفرنسي جاك شيراك علي تعديل النظرة إلي هؤلاء المحاربين وتغيير النظرة إليهم كمواطنين من أصل مغربي وجزائري.. ولم يقل لي أحد أن الفيلم بعرضه في كان لا يصلح كفيلم افتتاح، فالمعروف أن فيلم الافتتاح من كان أو برلين أو فينسيا خارج المسابقة الرسمية ولا ينافس علي الجوائز. جريدة القاهرة في 12 ديسمبر 2006
راشدة رجب
يبدو أن مشكلات الأقليات والمهاجرين والمهمشين باتت تؤرق ضمير العالم بقوة. إذ تناولت عدة أفلام من المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الثلاثين التي تنتمي لدول مختلفة شرقا وغربا تلك المشكلات. بعضها اقترح الحلول وأخري اكتفت بتقديم المشكلة وآثارها السلبية التي تؤثر علي المجتمع بأكمله. الأقليات والمهاجرون رافال..رافال_أسبانيا_ إخراج أنتوني فيرداجير يتناول الفيلم قضية المهاجرين في أسبانيا الذين يلفظهم المجتمع بأشكال عدة ويكون عليهم التحايل من أجل البقاء خاصة وأن الكثيرين منهم في حالة هجرة غير شرعية.والفيلم يدور في منطقة رافال القريبة من برشلونة والتي كانت حتي سنوات قليلة مضت مركزا للدعارة والمخدرات والسرقة. ويبدأ الفيلم بفكرة الإزالة في إشارة إلي ضرورة التغيير من خلال تحويل المنطقة إلي فنادق ومحال.. إلخ. إنها ضرورة خلق مجتمع أسباني جديد يعترف بالمهاجرين ويعطيهم فرصة حقيقية للعمل والحياة. ويؤكد المخرج المؤلف، الذي يعيش في هذه المنطقة منذ ست سنوات ومائة أن أبطاله بالفيلم يؤدون أدوارهم الحقيقية في الواقع، هذه الرؤية من خلال نهاية الفيلم عبر أغنيتين تطلب أولهما وأهمهما والتي ينشدها أطفال المهاجرين في تجمع خاص السلام لرافال وقتل التعصب والكراهية عبر مونتاج متواز سريع للهدم من جهة والأغنية التي تدعو لبناء مجتمعي جديد في رافال من جهة أخري. وينجح المخرج من خلال مونتاج سريع في البداية في عرض صورة شاملة لهذا المجتمع الذي تسوده الجريمة وينظر إلي المهاجرين نظرة شك وكراهية ويحاصرهم في كل مكان. ثم يركز علي ثلاثة نماذج هم "شهرزاد" المطربة المغربية وابنها "علي"، والممثلة البرازيلية "كرستينا" وصاحب انترنت كافيه الباكستاني وابنه "جافيد". ومن خلال تلك القصص يؤكد أن اختلاف المهاجرين في الجنسية أو الديانة لا يعيبهم فهم بشر يبحثون عن فرصة حقيقية للعمل والحياة، وإنما العيب كل العيب أن يدفعهم المجتمع الجديد في طريق الرذيلة بأن يلفظهم و يسد سبل العيش في أوجههم. فأولاد "أوريليه" زوج "شهرزاد" يرفضون زواجه منها ويطردونه من منزل العائلة ويحاولون إبعاده عنها بعد أحداث مدريد وتحذيرات الإعلام. ويضطر"علي" للسرقة بعد أن تسد في وجهه أبواب العمل والتعليم. ويتعرض للقتل لا لشيء إلا لأنه مهاجر لا يحق له صداقة فتاة أجنبية. ويعاني الطفل الباكستاني "جافيد"، الذي لا يستطيع الاندماج في مجتمعه المدرسي الجديد، من نظرة زملائه المتعالية. وتضطر"كرستينا" الشاذة جنسيا إلي الزواج بشاذ آخر في محاولة للحصول علي هجرة شرعية. واجب وطني-كندا/أمريكا_إخراج جيف رينفيرو وتلعب أيضا فيه كراهية المهاجرين الأجانب دور البطولة. إذ يؤدي الضغط الإعلامي علي المواطنين الأمريكيين بعد أحداث 11 سبتمبر إلي الشك والريبة التي قد تدفع البعض إلي حد الجريمة وقتل الأبرياء. ومن خلال رؤية موضوعية يؤكد المخرج أن الحكومة الأمريكية تستخدم الإعلام للتغطية علي فشل سياساتها الداخلية، وبالتحديد هنا الاقتصادية. فيتم الاستغناء عن "تيري" المحاسب فجأة بسبب اندماج شركته الكبري مع شركة أخري. ونلاحظ من خلال الأخبار التلفزيونية التي تلعب دورا أساسيا طوال الفيلم في تحريك الحدث والتأثير عليه، تقلبات البورصة الشديدة. ويترك "تيري" الذي لا يجد عملا فريسة لهذا الإعلام فيتصور أن جاره الجديد"جابي حسن" إرهابي ويبدأ في التصرف. وينجح المخرج من خلال مونتاج اللقطات السريعة القصيرة المناسب للأفلام البوليسية في تحقيق الإثارة والتشويق حتي اللحظات الأخيرة من الفيلم حيث ينتهي احتجاز "تيري" ل"جابي" بقتله زوجته مارلا عن طريق الخطأ. وفي نهاية الفيلم يدير"تيري" الذي تم تحويله إلي مصحة نفسية ظهره للأخبار التلفزيونية وإنذارات الإعلام التي دمرت حياته. ومن خلال مواجهة "تيري" لجارهن الذي لعب دوره بجدارة الممثل المصري خالد أبو النجا، يعرض صناع الفيلم رؤيتهم متسائلين من هو الإرهابي ولماذا يقوم بالتدمير مؤكدين أن السياسة الأمريكية بدءا من فيتنام ومرورا بالعراق وأفغانستان وفلسطين هي التي تؤدي لكراهية الشعوب العربية والإسلامية ومحاولة الانتقام. وقد أدت هذه الرؤية لأن يترك صناع الفيلم نهايته مفتوحة إذ أننا لا نعرف علي وجه الدقة إن كان "جابي" حقا إرهابيا خاصة وأنه فقد حبيبته بسبب قذيفة أمريكية مما زرع في نفسه بذور الانتقام، أم أنه بريء وهي الرؤية الواقعية إذ لا يمكن أن يصدق المشاهد أن تترك السلطات الأمريكية التي تزج إلي السجون بالأبرياء أحد المشتبه بهم خارجها. وفي لمحة ذكية لم يفت المؤلف الإشارة إلي أن الخوف من الأجنبي ورسم صورة مخالفة للواقع ومسبقة متبادل حيث يظن "جابي" أن تيري شاذ جنسيا ولهذا طرد زوجته ليلا ويحملق فيه دائما من خلف النافذة. "قمر علي الجليد"_سويسرا_للمخرجة التشيلية بيلار أوجيتا بينما لا تلعب مشكلات المهاجرين الدور الأساسي في هذا الفيلم، لا يخلو الأمر من النظرة بشك وريبة للمهاجر من خلال شخصية الممرض غير السويسري. ومن جانب آخر تقدم المخرجة التشيلية التي تعيش في مجتمع سويسري الرؤية المختلفة التي يأتي بها الآخر أو الأجنبي. إذ يؤكد الممرض للأخوة الحائرين في تصور سبب موت والدهم ويحاولون محاسبة أمهم التي ترقد علي فراش الموت، أن معرفة الحقيقة لن تغير شيئا. وهو ما يؤكده مشهد النهاية حيث يصطحب الممرض الطفل حتي يري منظر "القمر علي الجليد" في الغابة. وهي دعوة لرؤية الأمور من منظور مختلف ولاحترام الآخر. مجتمعات المهمشين والمنحرفين من خلال معالجة مناسبة لفكرة الغيرة القاتلة التي تناولها شكسبير في رائعته"عطيل" يؤكد فيلم «أومكارا» علي خطورة جرائم المهمشين علي المجتمع. حيث يقتل أومكارا زعيم المهمشين والخارجين عن القانون زوجته الجميلة دوللي التي ضحت بأسرتها وبالفروق الثقافية والاجتماعية بينهما في سبيل الزواج منه شكا في علاقتها ب"كيسو" زعيم الطلبة وزميل دراستها. و"دوللي" ليست إلا أحد حالات القتل المتعددة التي قام بها أومكارا ورجاله ومنها ما تم باسم الانتقام السياسي من أجل المرشح "بهيساب". والغريب أن الشرطة تقف مكتوفة الأيدي أمام تلك الجرائم أو تغض الطرف عنها! ويرسم المخرج صورة حية للمجتمع الهندي من خلال طقوس الزواج والغناء والطوائف السياسية والدينية المتعددة، يحسن توظيفها داخل نسيج الفيلم. "في مكان بعيد جدا"_إيران_إخراج خوسرو ماسومي ويقدم الفيلم ما يمكن أن تتحول إليه حياة الآخرين بسبب الجريمة. حيث كاد "جمال" أن يسجن في سبيل تحقيق حلمه في الزواج من "نيالا" ابنة صاحب المصبغة وزعيم العصابة التي تتنوع جرائمها من قطع الأشجار وبيع أخشابها بشكل غير قانوني إلي القتل. وتنجح "نيالا" في الوصول إلي جمال قبل أن يعترف رسميا بقتل حارس الغابة وهي الجريمة التي لم يرتكبها. ويؤكد الفيلم أن قوة الإرادة ومواجهة الظلم والفساد تنتصر في النهاية. وينجح المخرج في تحقيق ذلك عبر مشهد النهاية الذي تم التقاطه من طائرة للبطلين صغيرين وسط عالم الثلوج حيث يصعب السير ولكنهما يستمران في التقدم. جريدة القاهرة في 12 ديسمبر 2006
حاز هرم القاهرة الذهبي كأفضل فيلم... «الطريق» إدانة لشمولية الحزب الشيوعي الصيني في الستينات وللقيم الاجتماعية المستجدة في التسعينات القاهرة - أيمن يوسف قليلة هي الأفلام التي تناقش قضايا اجتماعية سياسية وتراعي جماليات الصورة. ومن هذه الأفلام يبرز الفيلم الصيني «الطريق» للمخرج الشاب زانغ جاروي الذي نال أخيراً جائزة هرم القاهرة الذهبي. فمشاهد الطبيعة التي يصورها هذا العمل، سواء كانت غنية أم مقفرة، لا تنفصل عضوياً عن مجريات أحداثه السياسية أو واقعه الاجتماعي في كل زمن من أزمنة الفيلم التي امتدت طوال نصف قرن وخصوصاً في النصف الأول منه. وعلى رغم الانطباع الذي يتركه المخرج لدى المشاهد ببعض مزايا عهد ماوتسي تونغ والثورة الثقافية، إلا إنه يدين بصورة واضحة تلك الفترة ويدين الحزب الشيوعي الذي نمّط أفراد الشعب في شكل جمعي ووحد أفكارهم بل حتى وحّد عواطفهم ومشاعرهم الخاصة لتمسي في النهاية مشاعر الحزب نفسه التي يتحكم فيها رجالاته. وهذا هو ما حدث مع بطلي الفيلم في الستينات، الفترة التي بدأت منها أحداثه؛ إذ نتعرف إلى لاو سوي (فان وي) سائق باص عام في بلدة صغيرة في مقاطعة يونان، وهو رجل في خريف العمر هادئ الطباع ومتواضع على رغم أنه في مكانة تشبه مكانة نجوم السينما في بلدته، إذ صافحه مرة ماوتسي تونغ أثناء تسليمه جائزة «العامل المثالي». في الباص نفسه تعمل الفتاة الجميلة لي شونفين (زانغ جينغشو). يعجب سوي بشونفين بصمت ويشعر بالغيرة عندما يجدها منجذبة لطبيب البلدة الشاب ليوفندو. يصارحها الطبيب بحبه وتبادله الشعور نفسه. لكن يحدث أن ينقل ليو من عمله في مستشفى البلدة إلى العمل في محجر (إحدى مفارقات حكم الحزب الساخرة). وعند ضبطهما يتبادلان القبلات هناك يحكم عليه بالسجن. في الوقت ذاته يقرر «لانغ» أحد رجالات الحزب تزويج العامل المثالي كمكافأة له بعد رحيل زوجته. فمن افضل من شونفين؟ وهكذا بعد سنوات من الزواج تعلم شونفين برجوع «ليو» الى البلدة وبرغبته في لقائها ولو لمرة واحدة فتتحمس لمقابلته بعدما كانت ترفض الرد على رسائله في بداية زواجها احتراماً للعلاقة الزوجية. لكن يرفض سوي السماح لها بذلك، وفي اليوم التالي يتعرض سوي لحادث يجعله في غيبوبة طويلة... وخلال تلك السنوات تخلص شونفين لزوجها وترعاه بحب حتى يوم وفاته... وهو اليوم الذي ستعلم فيه أن زوجها كان في طريقه للحاق بليو من أجل ترتيب لقاء له معها. من خلال هذه القصة قدم المخرج بضعة مقارنات بين قيم الأمس الاجتماعية وقيم اليوم. فللدلالة على تغير التقاليد، يسلط المخرج الضوء على مدى الاحترام الذي كانت تكنه شونفين لمكان عملها «الباص» وتعاملها مع ركابه في صورة تتسم بالمحافظة، حتى مع الطبيب ليو التي لم تتعد لقاءاتها الأولى به تبادل النظرات والابتسامات الرقيقة، لينتقل بنا المخرج إلى التسعينات عندما أصبح سوي طريح الفراش وكان على شونفين أن تعمل من دون كلل، فصارت هي سائقة الباص، بينما أوكلت مهمة تحصيل التذاكر التي كانت تشغلها في السابق الى فتاة شابة لا تجد عيباً في تبادل الحب داخل الباص. من هذه المقارنات الذكية أيضاً التي ترصد المتغيرات السلبية في المجتمع التركيز على توقف أوبرا بكين عن نشاطها والتي كانت في السابق رمزاً ثقافياً ووطنياً للصين. الباص نفسه كان رمزاً لأمور كثيرة، ولم يكن مجرد وسيلة مواصلات. كان رمزاً لعصر جميل ولىَّ على رغم ممارساته السياسية السلبية، كما كان العنصر المتبقي والشاهد على قصة حب بريئة وكبيرة بين ليو وشونفين، وعلى قصة التضحية بينها وبين سوي. وفي لقطة دالة ومؤثرة بدت على ملامح وجه شونفين علامات خيبة واستسلام بعدما سلمت بتغير الأزمنة وبانتصار القيم الحديثة ومعطيات الزمن الراهن الذي كان واضحاً أنها لم تكن بعد على استعداد للتأقلم معه أو تقبله. وتؤكد لقطة ختام الفيلم تسامح شونفين الاضطراري مع هذا الزمن إذ لا يوجد أمامها خيار سوى الرضوخ، لكن من دون التخلي عن ذكريات الماضي الحميمة. كانت تلك اللقطة داخل أحد الباصات العامة (الحديثة ومكيفة الهواء) الذي ركبته من أجل لقاء ليو في المدينة التي «تعتقد» أنه يعيش فيها، وفي أثناء رحلتها تتذكر المواقف السعيدة والبريئة التي جمعتهما معاً عندما كانا شابين. فترتسم على وجهها ابتسامة تحمل أكثر من معنى، كما انتهى الفيلم نفسه نهاية تحمل أكثر من احتمال منها إمكان لقاء شونفين بليو مجدداً أو العكس تماماً. لم تكن متعة مشاهدة هذا الفيلم لتكتمل من دون ممثليه الثلاثة خصوصاً زانغ جينغشو بأدائها البسيط، والمتمكن وبنظراتها وتعبيرات وجهها الدقيقة التي توصل معاناتها الداخلية بلا مبالغة، ومن هنا كانت تستحق جائزة أفضل ممثلة من مهرجان القاهرة السينمائي الثلاثين الذي منحت لجنة تكريمه الرسمية شهادة تقدير خاصة (الإبداع الخاص) لفان وي. الحياة اللندنية في 15 ديسمبر 2006 |
صلاح هاشم يكتب عن الفيلم الحاصل علي جائزة أحسن فيلم عربي فيلم "بركات" لجميلة صحراوي: كفانا ارهابا كنت علي يقين بعد ان تابعت فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الثلاثين وشاهدت بعض الافلام الاجنبية في المسابقة مثل فيلم " الطريق " الصيني، و معظم الافلام العربية في المهرجان، وكنت حزنت جدا عندماعلمت ان فيلم هالة خليل " قص ولصق" قد عرض، وفاتني عرضه، بعدما كنت شاهدت فيلمها الاول " أحلي الاوقات " في مهرجان " تطوان " ، وأعجبت به وبفن مخرجته، ومنهجاها في التعامل مع السينما كاداة تفكير في الواقع، وهموم الانسان المصري وطرحها لمشكلة " الهجرة في فيلمها الجديد.كنت علي يقين من خلال تجوالي الذي لايكل، لمتابعة الافلام العربية الجديدة التي حرص المهرجان علي احضارها، ومشاركتها في العديد من اقسام المهرجان- اكثر من 20 فيلما- ليقدم كشف حساب للسينما العربية خلال سنة، ويصبح بمشاركة اربعة افلام مصرية دفعة واحدة في مسابقة المهرجان، او بالاحري مسابقاته، يصبح هكذا اكبر تجمع سينمائي عربي في الشرق الاوسط، بحكم موقعه، والاضافات الكثيرة التي حققها المهرجان خلال ثلاثين سنة من تاريخه.. كنت علي يقين من ان فيلم " بركات " للمخرجة الجزائرية جميلة صحراوي، سيفوز بجائزة في مسابقة الافلام العربية, بعد ان تكسرت دماغي من مشاهدة بعض الافلام المصرية والعربية الرديئة في المهرجان، وأسوأها في رأيي فيلم " مفيش غير كده " لخالد الحجر، وفيلم " اطلال " للمخرج اللبناني غسان سلهب. وسنعود اليهما لاحقا..اذ يحكي " بركات " وكلمة بركة بالدارجة الجزائريى تعني " كفي " ، يحكي عن طبيبة جزائرية تغامر في فترة التسعينيات بعد ان اختطف الارهابيون زوجها الصحفي، تغامر بالبحث عنه، وتصعد مع ممرضة عجوز كانت شاركت في حرب التحرير الجزائرية وحتي استقلال الجزائر عام 19962، الي الكهوف التي يختبأ بها الارهابيون في الجبل، وتواجههم، وتطلب منهم بمساعدة الممرضة العجوز اطلاق سراحه، فيعتقلونها ويودعونها الحبس مع زميلتها، كما يقومون بتعذيبها، ويجبرونها لكونها طبيبة علي اخراج رصاصة من فخذ ارهابي جريح.. ذاكرة الثورة ترسم جميلة صحراوي في الجزء الاول من فيلمها العذب الجميل الرقيق، ترسم المناخ العام لتلك الفترة العصيبة التي مر بها بلدها في التسعينيات ، ومازالت الجزائر تعاني من تبعاتها ونتائجها وآثارها، وتختار هذه القرية الصغيرة بجوار البحر، التي يتحكم بها الارهابيون من المتطرفين الدينيين، ويحكمون بقوة الارهاب للهيمنة علي بلدها الجزائر الجميل. فالحكاية ليست حكاية دين وقيم واخلاق، بقدر ماهي صراع علي السلطة والتحكم في رقاب العباد في البلاد، ويبدو ذلك في تلك الغطرسة التي يتعامل بها الحاج الصائغ في القرية، مع رواد المحل، في حين ترفض الممرضة العجوز داخل السيارة الصاعدة في الجبل ان يطلق عليها لقب " حاجة " . وتتعرض لانها تدخن السجائر اثناء الرحلة لبعض الشتائم والاهانات من سيارة عابرة يقودها اخواني جزائري متطرف، كما تضطر الي تغيير ملابسها الافرنجية باللباس الجزائري اليشمك العربي، قبل ان تقود الطبيبة الي موقع الارهابيين في الجبل. وتكشف جميلة صحراوي في القسم الاول من الفيلم عن مناخات الرعب التي تعيشها بطلة الفيلم الطبيبة حين تضطر الي نقل طفل جارتها المحتاج الي عملية جراحية لاستئصال المصران الاعور الي المستشفي البعيدة في الليل، والتعرض لخطر الخطف او الموت عند نقاط التفتيش، وكانت تلك النقاط والمراكز علي الطريق، حولت الجزائر بقراهاومدنها الصغيرة الي جزر منعزلة ومتباعدة ومرعبة، وحولت البلاد كلها الي سجن كبير، وجعلت الجزائريين يتغربون داخل قراهم واوطانهم ، ..وحتي داخل جلودهم.. في الجزء الثاني وبعد اطلاق سراح الطبيبة والممرضة في الجبل، تتعرفان علي مزارع جزائري فيأويهما ويطعمهما ، وحين يهبط الليل يروح يناجي زوجته التي ماتت منذ شهر فقط لكي يبثها أحزانه ولوعته، وبخاصة بعد ان خطف الارهابيون اولاده واختفوا ثلاثتهم وطال بحثه عنهم من دون جدوي، وكانت الممرضة المناضلة القديمة في جيش التحرير تعيش في ذات الجبل وكهوفه، وانقذت حياة مناضل من موت محقق آنذاك بعدما اخرجت من جسده عدة رصاصات علي اثر تحرش المقاومة بالعسكر الفرنسي ، ثم اذا بها تلتقي به فجأة هنا في الجبل و تكتشف سره، وتدرك انه قد تحول من جيش التحرير الي " حاج " ارهابي ، وانضم الي جيوش المتطرفين الجزائريين الارهابيين- وهنا تشتغل جميلة صحراوي علي " ذاكرة " الثورة ، وترينا كيف تحول البعض من المناضلين الجزائلريين القدامي من " محررين " الي " جزارين وارهابيين وقتلة, لا لشييء من تلك الشعارات التي يرفعونها بأسم الاسلام، وهو منهم براء ، بل من أجل الوصول الي سدة الحكم و السلطة، والسيطرة علي البلاد بقوة الحديد والنار. تقدم جميلة صحراوي في الجزء الثاني من الفيلم بعد اطلاق سراح الطبيبة والممرضة في الجبل ، تقدم عرضا لحياة الريف الوديعة المطمأنة في حضن النبع والجبل، وتلك السحابات الراحلة في الافق وحقول الزهور الممتدة الي حيث لا نهاية، حيث تعطي الطبيعة ثمرها بسخاء وكرم، وتلنقي الاثنتان- بما تمثلانه من ثنائية حيث تقف الممرضة العجوز للجيل القديم، الذي ناضل من اجل الاستقلال، وحرر الجزائر، في ما تمثل الكبيبة الشابة في الفيلم - التي تلعب دورها باقتدار الممثلة الجزائرية الصاعدة رشيدة براكني ، وهي ممثلة بارزة في مسرح " الكوميدي فرانسيز " العريق وحصلت علي جائزة السيزار كأحسن ممثلة شابة منذ سنوات- تمثل الجيل الجديد من الشباب الذي مازال بعد يعاني من الارهاب، والقتل والتشريد والبطالة في وطنه، وتكون كل هذه الاشياءوالمشاكل المتراكمة في قلب حياته وواقعه المعاش، عوامل طرد اكثر منها عوامل انتماء وجذب ، بل انها تدعو يقينا الي الخروج الكبير، للهروب من جحيم الاوطان، والبحث عن مستقبل آخر في اوروبا..حتي ولو كان ثمن تلك المغامرة الموت غرقا.كما يمكن ان نعتبر ان الشخصيتين – الطبيبة والممرضة- هما وجهان ل " هوية " الجزائر ومعبرتان في آن عن " الماضي " و " الحاضر " ومن غير قصد أو فذلكة او استعراض عضلات، من قبل المخرجة صاحبة الفيلم، التي تطرح لنا هنا فيلمها مثل " اللوز المقشر،" ، وتجعله ينساب في خفة وثقة وانسيابية هادئة جميلة، وتضبط ايقاعه علي حركة المركبة العربة الكارو الصغيرة التي تنقلهما في صحبة المزارع من الجبل الي البلدة، و من الريف الي الحضر والعمران، ويجرها حصان. اذ يسحبها الي تلك المقاهي التي تحتشد بالشباب الجزائري الخاسر العاطل ، ومجرد ظهور امرأة صار يتسبب في نشوب عركة او خناقة في المقهي وتضطر معها الطبيبة ان تشهر غدارتها. الانتقام لا يفيد "بركات" فيلم جميل و بسيط لكنه ذكي وعميق ، وهو لايفرض نفسه علينا بالكلام والخطب ، بل وينساب بايقاع بطيء يبعث علي التأمل والتفكير، من دون الزعيق والصراخ والحوارات الساحنة الملتهبة الفضائحية الركيكة في جل سيناريوهات واحداث الافلام العربية الفاقعة التي شاهدناها في المهرجان، وهو اذ يتوسل الي مخاطبتنا بالصورة اولا ، ثم وبالهمس ثانية من خلال استخدام اقل الكلمات في الحوار- والاقتصاد في استخدام تقنيات الخزعبلات البصرية المبهرة/ كما في مشاهد ذلك الفيلم الهندي الدعائي التي كانت تعرض علينا قبل فيلم المسابقة، و هلكتنا ودوختنا..ببوليوود، وطبول بومباي وهوليوود مجتمعة.. اذ تأنف السينما من ان تكون مجرد تصريحات علي الفاضي والمليان كما في فيلم " استغماية " المصري الذي يضع شخصياته علي كرسي الاعتراف عتد طبيب نفساني ، وهات يارغي، اللهم أرحم.. بل تشتغل بحكم طبيعتها وهويتها وابجديتها ، تشتغل علي الصورة من خلال لحظات الصمت لتجعل من " بركات " قصيدة بصرية رقيقة وفيلما تعليميا مثل قصائد برتولت بريخت وقصة لتشيكوف او بيرانديللو . هنا يبحر " بركات "كما زهرة في نبع، تسافرباطمئنان ، لكي تلتقي بالجداول والطيور والشجر، وتتآلف في رحلتها مع السحب والاكوان ، وتكون النتيجة ان تطوح بطلة الفيلم الطبيبة في نهاية الفيلم ، تطوح بذلك المسدس الذي عثرت عليه في بيت والدها الي البحر. تلقي به الطبيبة الي البحر الكبير، لأنها علي ثقة بأن الارهاب لا يقاوم بألارهاب، وان الانتقام يقينا لاينفع ، وانما يكون القضاء علي الارهاب لا بارهاب مثله، بل بالحوار والاقناع والجدل، بعيدا عن معارك الجزارين، وحرب العوالم ، التي يريد ان يشعلها " بوش " بسياساته بدعوي محاربة الارهاب ، للتحكم في البلاد والعباد.. تطرح جميلة صحراوي فيلمها " بركات مثل " اللوز المقشر " و" الشهد " الصافي ، بعد ان تكون طهرته من الثرثرات الكلامية المعادة والمكررة و الرذيلة، التي تحفل بها جل الافلام المصرية التي شاهدناها في المهرجان ، وفي حيت تكبلها بالكلام وتعوقها عن الانطلاق والحركة, وتقيدها ب " الورق " – أي سيناريو الفيلم المكتوب وتقاس قيمة الافلام بحجمه ووزنه، اما ماذا سوف يطرح الفيلم من قيم وأفكار فذلك لايعنيها، ولا تكترث له البتة ، و كانت النتيجة ان قصفنا ذلك " الشو " الاستعراضي السخيف في فيلم " مفيش غير كده " برقصاته واغنياته المترهلة وسخافاتها التي أصابتنا بالصداع الشديد، وجعلتنا نقرف من حياتنا ، وتلك افلام هشة وسهلة الكسر.. أفلام هشة لأنها لاتقدم سينما ، ولاتطرح فكرا ، بل تكون اشبه ب خبط الحلل، وقرقعات الصاجات الفارغة الخاوية في " زفة " كلها حكي ورغي ورقص وزيطة وكلام كما في فيلم " مفيش غير كده" ذاك الذي قدم سلسلة من الاستعراضات الغنائية الراقصة الهابطة، وجاء رديئا وسخيفا ومملا وفاقدا لاية مصداقية.. بل ان خالد الحجر يكرس يقينا بهذا العمل لتخلفنا ، فالفيلم الذي يحكي عن ام تربي اولادها بعد ان هجرها الاب وهرب مع فتاة شابة وجميلة، ويصور كيف تنجح الام في ان تصنع من ابنتها مطربة مشهورة، مثل هؤلاء المطربين والمطربين الذين ظهروا في حياتنا منذ سنوات، من ابداع وصنع وفبركة رجالات المال والدعاية وروتانا، بمجهودات ومشروعات ملهمة وجميلة لتخريب الغناء العربي، وجعله استنهاضا للشهوات والغرائز المكبوتة وتغريبنا عن واقعنا وحياتنا بالكلام الهلس الذي هو العبث بعينه وكأنه يقول لنا انه لايوجد وغير متوافر الا هذا في حياتنا. حياتنا ام حياة هؤلاء السذج الذين يحكي عنهم في فيلمه، وقد انساقوا واستسلموا لهذا الطوفان من الاسفاف ،الذي يعرض له علي طبق فضة، ولايجد كما يقول الا هذا – التفاهة بعينها- لكي يعرضهل علينا في ورق سوليفان ، وتروح تلك النجمة التي فقدت بريقها وعزها ومجدها تروج لذلك " الهراء " وتتغني به في المشهد الوقح الاستعراضي، ولاتخجل من التشبث بالقطار بعد ان فاتها القطار وانقضي زمنها وعهدها تحية الي جميلة صحراوي علي فيلمها البسيط الهاديئ الوديع الرزين، الذي ينساب فيخفة وتؤدة مثل مياه الجداول والينابيع، ويحكي عن هموم وتناقضات شعب، ومبروك لها حصولها علي جائزة أحسن فيلم عربي في المهرجان مناصفة مع فيلم " قص ولزق " لهالة خليل جريدة القاهرة في 12 ديسمبر 2006
رفم غيابها عن مسابقة المهرجان.. الأفلام العربية الجديدة تمنح الدورة الثلاثين للمهرجان تميزها وتفردها
القاهرة-صلاح هاشم علي الرغم من الفعاليات الضخمة " الجبارة " التي يحتشد بها مهرجان القاهرة السينمائي 30 الذي يختتم الجمعة المقبل، وتشتمل علي أكثر من 250 فيلما جديدا من أنحاء العالم ، موزعة علي العديد من التظاهرات السينمائية الموازية للمسابقة الرسمية للمهرجان ، ولا يستطيع أحد يالطبع، أن يتابع ويشاهد كل تلك الافلام ويهضمها ويكتب عنها. ثم تظهر هذه الفعاليات التي تشي بال" تنوع " الفائق" ولارضاء كافة الاذواق علي مايبدو ، كما لو أن المهرجان حرص علي أن تكون مسألة "الكم " و العرض التجاري " أهم شييء في الدورة الجديدة 30 ، حتي صار مجرد التلويح ببرنامج المهرجان ولو من بعيد، يصيبك بالتخمة، ويقتل فيك اية رغبة لمشاهدة كل هذه الافلام المعروضة كما لو للبيع في سوق المهرجان، كالبضائع التجارية الملفوفة في ورق سوليفان في السوبر ماركيتات العملاقة، تلك التي تليق فقط بحضارات الاستهلاك الكبري، وتكتم علي نفس المواطن المشاهد بأفلامها وفي وقت يتشكك فيه البعض في قيمة بعض التظاهرات الجانبية في المهرجان، مثل تظاهرة غريبة بعنوان ساذج هو " أفلام مثيرة للجدل "، ويتساءل ان كانت مثيرة للجدل حقا ، فلماذا لم تدخل مسابقة المهرجان الرسمية ؟. وتظاهرة اخري أغرب ل " الفيلم الكاتالاني، تحيل الي أفلام الاقاليم والاثنيات العرقية والاقليات ومشاكلها، ويعتبرهما مجرد " حشو " وسد خانة، وتبدوان كما لو كانتا مدسوستان لحسابات لا علاقة لها البتة بالسينما، ومفروضتان ربما بالقوة أو الحيلة علي أدارة المهرجان، لتمريرهما بالطبع ضمن البرنامج العرمرم لاعتبارات سياسية أو دبلوماسية، ولم تكن هناك ضرورة يقينا لتواجدهما بالمرة ، وسنناقش كل هذه الامور لاحقا في متابعتنا للتعرف علي المهرجان " الحدث " السينمائي العربي الكبير.. وجمهوره علي الرغم من كل هذه الفعايات الفائقة التنوع، والتساؤل حول جدواها، حين يعتقد البعض أنها قد تعوق المهرجان بكثرتها، تعوقه عن الحركة، وتبعث علي الحيرة والتشتت والدوار، وتعطل المهرجان عن التواصل بشكل مباشر وأعمق مع جمهوره، وربما كان هذا الجمهور، كما يجزم البعض، لاوجود له بالمرة، كما في أغلب مهرجاناتنا السينمائية العربية، التي تهتم بالكم علي حساب الكيف، وتعتني أولا بمظهرها وحفلاتها، قبل النظر في قيمة الأفلام المعروضة ولايحضر عروض تلك المهرجانات كما هو الحال مع أغلبها، الا بعض الصحفيين، وقلة من الفضوليين من عشاق السينما الحقيقيين، وبعض من " هواة " أفلام الجنس والعنف الدموي والمطاردات. دورة العرض اللاهثة حين تخفت الضجة المصاحبة لحفل الافتتاح، وتطفيء الأضواء وتبدأ دورة العروض اللاهثة وتثار التساؤلات حول المهرجان وقيمته وأهدافه سوف يحسب يقينا للدورة الجديدة 30 برئاسة الممثل عزت أبو عوف، ونائبته سهير عبد القادر، تخصيصها برنامجا حافلا لعرض مجموعة كبيرة من الأفلام العربيةالمتميزة خارج المسابقة الرسمية، تبدو لنا الآن، وبعد استعراض برنامجه الجبار، ومشاهدة بعض أفلأمها كأهم " ملمح " في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي يحتفل هذا العام بمرور ثلاثين عاما علي تأسيسه، وينفتح علي السينما في أمريكا اللاتينية، ويهدي دورته الحالية – كترنيمة حب – الي أديبنا المصري الكبير الراحل نجيب محفوظ، ويشمخ بتكريمه، وعرض فيلمين مكسيكيين مأخوذين عن روايتين من رواياته، هما " بداية ونهاية " التي أخرجها للسينما المصرية صلاح أبو سيف، ورواية " زقاق المدق " التي أخرجها في السينما حسن الامام. تميز ومصداقية وعلي الرغم من غياب السينما العربية- الأفلام غير المصرية – غير المفهوم عن مسابقة المهرجان، بعد استبعاد الفيلم التونسي " عرس الذئب " لاشتراكه في مهرجان قرطاج الا أنها ستحضر بشكل غير معهود في دورة المهرجان 30، حيث يعرض 21 فيلما عربيا في أقسام المهرجان المختلفة، وبما يمثل " سابقة " هي الأولي من نوعها علي مستوي المهرجانات السينمائية العربية، ويمنح المهرجان تميزه ومصداقيته، ويعيد اليه أصالته. أصالته في أن يكون أهم وأكبر تجمع سينمائي عربي في منطقة الشرق الأوسط، وكشف حساب للسينما العربية علي مدار العام.. اذ يعرض المهرجان ضمن ال 21 فيلما المذكورة 8 أفلام في المسابقة الرسمية : فيلم " التلفزة جاية " لمنصف ذويب، و " بين الوديان " لخالد البرصاوي من تونس، و " حنين " لمحمد الطريفي من الامارات و " أشواك القلب " لهشام عيوش من المغرب، وكنا شاهدناه في " مونبلييه " السينمائي 30 وأعجبنا به ، وكشف عن مخرج طموح واعد، علي الرغم من أن مخرجه صنعه في 11 يوما، كما يعرض المهرجان فيلم " فلافل " لميشيل كمون من لبنان، الذي شارك في مسابقة مهرجان القارات الثلاث في نانت، وفيلم " بركات " لجميلة صحراوي من الجزائر، وفيلم " البوم " لخالد الزدجالي، وهو أول فيلم عماني ، وكان شارك في مسابقة البينالي في باريس وفيلم " كيف الحال " لايزادور مسلم وهو فيلم سعودي من انتاج شركة روتانا. كما تشارك أربعة أفلام في قسم " سينما عربية " 2005 : فيلم " خشخاش " لسلمي بكار من تونس ، وفيلم " أبواب الجنة " لعماد وسوريل نوري، وفيلم " حياة خوانيتا بنت طنجة " لفريدة با ليزيد من المغرب ، وفيلم " علاقات عامة " لسمير ذكري من سوريا وبمشاركة ثلاثة أفلام في قسم " بانوراما السينما اللبنانية " : فيلم " بوسطة " لفيليب عرقتنجي ، وفيلم " يوم آخر " لخليل جورجي و جوانا حاج توماس الاثير، الذي نرشحه للمشاهدة عن جدارة ، وسبق أن أشدنا به علي صفحات " القاهرة " . كما يعرض أيضا في البانوراما فيلم " زنار النار " لبهيج حجيج، وتشارك ثلاثة أفلام في قسم " عرب في السينما العالمية " : فيلم " صباح " لربا ندا لبنان-كندا، وفيلم " السكان الأصليون " لرشيد بو شارب الجزائر- فرنسا ، وفيلم انتظار " لرشيد مشهراوي فلسطين- فرنسا.. جريدة القاهرة في 21 نوفمبر 2006
|
عبد النور خليل يقيم دورته الثلاثين: مهرجان القاهرة 2006 مهرجان القاهرة 2006: مظهر فاحش الثراء.. والحصيلة الفنية فقيرة! |