تُختتم مساء اليوم الدورة الثلاثون لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بإعلان الافلام الفائزة بالجوائز في المسابقتين الدولية والعربية وفئة الديجيتال المستحدثة. للمرة الأولى في تاريخ المهرجان احتوت المسابقة الدولية على ثلاثة أفلام مصرية هي "قص ولزق" لهالة خليل و"ما فيش غير كده" لخالد الحجر و"استغماية" لعماد البحات، وانضم اليها في المسابقة العربية باكورة أفلام أمير رمسيس "آخر الدنيا". شهدت عروض تلك الافلام (تابعنا أفلام خليل والحجر ورمسيس خلال الأسبوع الاول من المهرجان) ازدحاماً ملحوظاً ولا سيما من الصحافيين المتدافعين الى مشاهدة فيلم محلي سيُطلق آجلاً أم عاجلاً في دور العرض في حين انهم يعرضون عن أفلام لا يملكون الفرصة لمشاهدتها خارج اطار المهرجان. وحال مهرجان القاهرة في ذلك هي حال مهرجانات أخرى تحمل وزر انتمائها الى صناعة سينمائية عريقة فتجد في انعقادها على برنامج لا يضم أفلامها المحلية أمراً معيباً. ربما لذلك يتدافع الصحافيون الى متابعة الافلام المصرية والكتابة عنها في صدارة تغطيتهم للمهرجان لمنح الاخير وجهاً مصرياً. بين الافلام المذكورة، حاز شريط خليل الثاني اهتماماً خاصاً ولا سيما انه عُرض على خلفية ارتداء ممثلته حنان الترك الحجاب بعد الانتهاء من تصويره ليتحول الدور الاخير لها وخاتمة مرحلة قررت ان تطويها. فهل يكون ذلك العنوان العريض في مصلحة الفيلم ام ضده، ولا سيما ان الفيلم الذي سبقه للترك "دنيا" (اخراج جوسلين صعب) لم يعرض في الصالات المصرية على الرغم من مرور أكثر من عام على عرضه الاول؟. *** لا يجمع بين الافلام الثلاثة "قص ولزق" و"ما فيش غير كده" و"آخر الدنيا" سوى انها أفلام لمخرجين شباب يخوضون تجاربهم الاولى او الثانية. ويمكن ان نضيف عاملاً ثانياً مشتركاً هو بحث مخرجيها عن أسلوب للتواصل مع واقع ما بما هي السينما أصلاً وسيلة تواصل مع الحياة. ولكن علاقة تلك الافلام مع واقعها أو محيطها تتحول أحياناً عملاً واعياً او جزءاً أساسياً من عملية صناعة الفيلم. بهذا المعنى، ينتمي فيلم رمسيس الى نوع من الأفلام انتشر خلال العقد الأخير متناولاً شخصياته من أوساط الطبقة الثرية او الأحرى شبابها، دالفاً في حيواتهم وأمكنة عيشهم وسهرهم التي تصنع مدينة أخرى لا تشبه تلك التي نراها في أفلام أخرى. انها أمكنة ملمّعة وشوارع أقرب الى الديكورات وغالباً ما تتضمن تلك الافلام أحداثاً تبرر انتقال أبطالها الى مناطق سياحية كشرم الشيخ او الغردقة أو غيرها. لقد شاهدنا عشرات تلك الأفلام في السنوات الأخيرة والتي كانت تشكل تياراً مواجهاً لتيار أفلام الكوميديا نحيلة الموهبة والخيال. كلا النوعين قام على وصفة جاهزة وتقليص للخيال بتصور مسبق لمصير الشخصيات والأحداث. في فيلمه الأول، اختار رمسيس ان يقدم ذلك العالم منزوع الروح في ما يشبه النوع السينمائي (genre) التشويقي. فحكاية الفتاة (نيللي كريم) التي يخيب أملها في حبيبها الأول يذهب بها أبعد قليلاً بأن يجعل موت غريمتها يأتي على يدها من دون قصد إذ تتعرض لحادث بينما تقود السيارة ثملة بعد حفلة عيد ميلادها التي حضرها حبيبها السابق برفقة حبيبته الجديدة. مع انتهاء الأمسية، تعرض ان تقلهما بسيارتها الا ان الشاب يتخلف في اللحظة الأخيرة مؤثراً الانضمام الى سيارة الشبان، فتذهب صديقته ضحية الحادث. بعد مرور بعض الوقت، تحاول ان تعيش الفتاة حياة عادية عندما تلتقي طبيباً شاباً يبدأ بالتودد اليها والتسلل الى حياتها. ولكن مرة أخرى يدخل كاتب السيناريو (محمد رفعت) تحولاً تفصيلياً اذ نكتشف ان الطبيب ليس سوى شقيق الفتاة المتوفاة وان تقربه من نيللي هدفه الانتقام. حكاية كان يمكن ان تصنع فيلماً مقبولاً لولا هنات السيناريو الكثيرة وأداء الممثلين السطحي والحوارات المفتعلة ولولا تغريب الشخصيات وانفصال احساس الفيلم عن واقعه. يؤسس "ما فيش غير كده" لعلاقة مختلفة مع الواقع، فهو إذ يختار شخصياته من الطبقة الوسطى ويعرض معاناتهم مع واقع قاسٍ، يذهب الى مزيج من السخرية والفانتازيا في التعاطي معه ولكن ايضاً الى شيء من التبسيط او ربما "التحلية" بقشرة السكر التي وسمت الشريط السابق للحجر "حب البنات". ولكن السمة الابرز هي انطواؤه على بعث الامل والايحاء بالحلول. انه من نوع الافلام المنغلقة على عالم تشيده وفقاً لمعايير خاصة وتعزله عن تأثيرات خارجية لتتمكن من اقتياده الى حيث تشاء. هنا ايضاً نقع على استثمار للنوع السينمائي إذ يستلهم الفيلم النوع الموسيقي في ما يشكل التحدي الأول الذي يسقط الفيلم أمامه. يعجز المخرج عن جعل الموسيقى والأغنيات نسيجاً درامياً قتبقى دخيلة على الأحداث منفصلة عنها وغير مؤثرة درامياً في مجراها. لعل ذلك المنحى الموسيقي يحقق للفيلم شيئين فقط: مسرحة الأحداث التي لا تصب في مصلحته وإبراز مواهب غير منظورة في بعض الممثلين (خالد ابو النجا) وهو ما يأتي لمصلحتهم. خلا ذلك، تتحول العملية تكراراً متوقعاً. فما معنى ان تكرر الأغنية بمضمونها ما عبر المشهد عنه وقالته الشخصيات؟. الى ذلك، لا تقدم المشاهد الموسيقية أغنيات او لوحات راقصة من شأنها ان تشكل منفردة قيمة ما. ولكن مشكلة الفيلم الكبرى هي ضياع لهجته بين الجدية والسخرية في موضوعات لا تحتمل ذلك اللبس. لم يخلُ "حب البنات" من ذلك ايضاً ولا سيما في ما يتعلق بموضوع الطب النفسي الذي عالجه الفيلم بشيء من السخرية والتبسيط. يقع ضحية ذلك الضياع في الفيلم الحالي موضوع صناعة نجوم الغناء الرائجة في العالم العربي. فالفيلم على الرغم من تناوله حالة واقعية يأسر نفسه في مقاربة خجولة لا تفصح عن الكثير. "دينا" فتاة شابة جذابة على قدر كبير من البراءة والسذاجة، تنتمي الى عائلة متوسطة من أم (نبيلة عبيد) وأخ (أحمد عزمي) وأخت (رولا محمود) ووالد هجر العائلة. تنضم الى العائلة بحكم العشرة والجيرة صديقة الام "شوشو" (سوسن بدر) التي تشاركهم أحزانهم وأفراحهم. تجهد الأم لتلبية احتياجات العائلة من خلال بيع الملابس النسائية المحلية لسيدات المجتمع على انها ملابس مستوردة بعد ان تقوم و"شوشو" ببعض الاضافات عليها. ولكن ضغوط الحياة تزداد ولا منفذ. عندها تلفت "شوشو" نظر "ناهد" الى امكانية استغلال جمال "دينا" وموهبتها في عالم النجومية بعد ان شهدا تحول ابنة بائعة متجولة "صاروخاً" في عالم الغناء. من هناك، تتخذ الحكاية مسلكاً معروفاً: الفتاة البريئة تقع في براثن الوسط الفني الموبوء وعلى الرغم من جهود امها لحمايتها تنتهي الامور الى صدمة تنال من سمعة الفتاة. قبل ذلك، نشاهد صعودها سلم النجومية القصير على يدي منتج محنك (خالد ابو النجا) لتصبح موديلاً في فيديو كليب ومن ثم نجمة فيديو كليب تغني وترقص. المشكلة ان المخرج في كل ذلك يلعب على حدي السيف: فهو من جهة يعرض لتلك الظاهرة ومفاعيلها وتأثيرها على المجتمع مكتفياً بالجانب الاخلاقي، ومن جهة ثانية لا يتوانى عن استغلالها عنصراً جاذباً لفيلمه يدغدغ أحلام مشاهديه ومشاهداته ممن تراودهم أحلام النجومية والشهرة وهم كثر. بمعنى آخر، الفيلم يشارك في تلك العملية من خلال صناعة نجمته الجديدة "أروى" التي تقوم بدور "دينا" وبالادوات نفسها التي ينتقدها!. اما نهاية الشريط فغير بعيدة من ذلك المناخ إذ تقوم على شيء من التواطؤ بين الجمهور والفيلم من جهة وبين شخصيات الفيلم من جهة ثانية. انه تواطؤ على ان كل الأطراف تدرك خفايا الوسط الفني وأسلحته المشروعة وغير المشروعة. المهم هو التقاء المصالح المشتركة التي تحدد التحالفات. بهذا المعنى، ما يبقي على لُحمة العائلة ليست صلة الدم وإنما المصلحة المشتركة. "قص ولزق" تجربة مختلفة بين الأفلام المصرية المشاركة في المهرجان وأفلام المسابقة الدولية، برز شريط هالة خليل "قص ولزق". بشخصياته المحسوسة ومناكفته الكليشيهات اللصيقة بموضوعه، يقارب الفيلم واقعه بمزاج قلق وحواري، فيبتعد من الانهزامية ويقاوم الانسياق وراء وهم السينما الجاهز بعالم أكثر إشراقاً. انه بمعنى آخر محاولة ذات منحى ذاتي لفهم الواقع الذي تنتمي إليه المخرجة بالوسائل التي تجيدها، تستنطقه، تضع تناقضاته على الورق أمامها ثم تلصقها بشخصيات أخرى لتراقب انفعالاتها بها وخياراتها تجاهها. يقوم الفيلم على أربع شخصيات أساسية: "جميلة" (حنان الترك) الفتاة العملية التي تعمل بيديها وأسنانها لاستكمال النقاط المطلوبة لهجرتها الى "نيوزيلندا"؛ "يوسف" (شريف منير) الشاب الثلاثيني القانع بعمله في مجال تركيب الصحون اللاقطة؛ "زينب" (مروى مهران) صديقة "جميلة" القادمة من الريف والتي تصاب بخيبة بسبب قصة حب فاشلة؛ صديق "يوسف" (فتحي عبدالوهاب) العاطل من العمل والحالم بحياة أفضل. تتقاطع حيوات الأربع عندما يلتقي "يوسف" و"جميلة" صدفة في منزل سيدة: هو آت لتركيب "الدش" و"جميلة" لمساومتها على شراء "قيثارة" تريد شراءها لتبيعها من جديد وتكسب بعض المال. لاحقاً عندما يدرك "يوسف" انه بإقامته في نفس البيت مع أخيه انما يعطل زواجه من خطيبته، يقرر ان يلتحق بأفواج الحالمين بالهجرة فيطلب مساعدة "جميلة". تقترح الاخيرة عليه ان يتزوجا شكلياً فتحصل هي على النقاط التي خسرتها ببلوغها الأربعين وتضيف هي إليه النقاط التي تملكها اصلاً. بعد تردد، يوافق على طلب يدها من والدتها لتتخذ الحكاية من هناك طريقاً أخرى. فوالدة جميلة (سوسن بدر) تحلم بزفاف وفستان أبيض لابنتها بينما الأخيرة لا تريد سوى ورقة الزواج لتطير بها الي السفارة وتحصل على الهجرة. أما "يوسف" فلا يدرك ماذا يريد بالضبط. فهو قد بدأ يميل الى "جميلة" بالفعل فيما هي بصلابتها الظاهرة تقاوم أي مشاعر قد تعوق خططها.
يتابع
الفيلم تصاعد الشخصيات في عالمها الداخلي وتحولها من حالة السكون او العيش
اليومي الى لحظة ادراك عميقة باستحالة استكمال الحياة على المنوال عينه.
تستعين المخرجة بثلاث أغنيات للتعبير عن ثلاثة مواقف درامية تشكل نقاط
تحول، اثنتان منها تعبران عن ضياع "جميلة" الداخلي وثالثة تربط مصير
الشخصيات بعضها ببعض. ولكن السؤال الذي لا يلوح خلف كل مشكلة وبين اي شخصين
مهما اختلفت درجة علاقتهما هو بشأن امكانية الحب او الاحرى امكانية ان
تستمر المشاعر بن الناس تحت ضغط ظروف حياتية صعبة. ينسحب ذلك على العلاقة
بين "جميلة" وأمها، تلك العلاقة القائمة على ذاكرة طفلة فقدت والدها واضطرت
والدتها الى العمل الشاق لإعالتها حتى فقدت الاولى جزءاً من احساسها بصلتها
بأمها. وكذلك الامر بالنسبة الى العلاقة بين "يوسف" وأخيه التي يشوبها
الصمت والمواربة عندما يتأكد لكليهما ان افتراقهما ضرورة ليتمكن الأخ
الكبير من ممارسة حياته الطبيعية. وفي حوار مؤثر بين "جميلة" و"زينب" تشير
الاخيرة الى عدم اصرار اهلها على عودتها الى القرية لتوفير ما كانوا
يصرفونه عليها. برغم ذلك، تبقي خليل على نافذة مفتوحة داخل شخصياتها، على
منفذ انساني وتراهن على ان يكون هو صلة تواصلها مع بعضها البعض. تحارب
لتعثر في علاقات الحب على منفذ للمشاعر المكبوتة والمقطوعة، فتقع في حيرة
بين ما يمليه هذا الواقع على شخصياتها ورغبتها في الانتصار لما هو انساني،
لذلك تختار ان تصل بشخصياتها الى لحظات ادراك الحب، تدفعهم في اتجاه
التجربة لا الى الاستسلام قبل خوضها علها توقد في دواخلهم جذوة يصعب
إخمادها. في لحظة درامية عالية الذروة، يتفجر الحب بين "جميلة" و"يوسف" من
جهة وبين "زينب" وصديقها من جهة. انها اللحظة التي يتمكنون بواسطتها من
الارتقاء فوق الواقع، لحظة هاربة من قاموس يومي، لا تصنع المعجزات ولكنها
تثري شخصياتها وتسلحهم بمشاعر هي حتماً أقوى تأثيراً فيهم من اغترابهم
الاول عن بعضهم. من هنا تطل من أعينهم بعد لحظة تفجر الحب مشاعر القلق
والادراك، ولكنها الآن تخرج من شخصيات اختارت طريقها بدلاً من الانسياق
وراء الاعراف الاجتماعية التي تضاعف الضغط. المستقبل اللبنانية في 8 ديسمبر 2006 |
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يختتم فعالياته اليوم... أخطاء تنظيمية وأفلام عربية لا ترقى الى مستوى المنافسة القاهرة - علا الشافعي تُختتم اليوم في المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية نشاطات الدورة الثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي بدا في حفلة الافتتاح قادراً على تجاوز أخطائه التنظيمية التي طالما أخذت من رصيده كواحد من أهم المهرجانات السينمائية في المنطقة العربية. وبما أن التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع المهرجانات الكبيرة، فإن ما وقع في أيام المهرجان ولياليه من تجاوزات يؤكد أن المهرجان يعاني أزمة تنظيمية، على رغم احتفاله بسنته الثلاثين. من الجميل حقاً أن يعمل أهل المهرجان على بث الروح فيه من جديد كي يستعيد عافيته، ولكن التساؤلات الملحة التي يجب أن نطرحها تتعلق بالكثير من النشاطات والاهتمامات التي أقيمت لمجرد أن يكون هناك كم منها دون العمل على إخراجها في الشكل المناسب. فمثلاً بعدما تم التهليل لعودة السوق الدولية للفيلم العربي، والإعلان عن هذا الحدث من خلال لقاء كبير بين شركات الإنتاج المختلفة في العالم، حضر مسؤولو الشركات ولم يأت وزير الثقافة المصري فاروق حسني وانصرف رئيس المهرجان الدكتور عزت أبو عوف بعد دقائق من الافتتاح، ووقف الضيوف يتبادلون الحوار، في غياب أي من منتجي السينما المصرية. التساؤل الثاني يتعلق بالشكل الذي تعامل به المهرجان مع احتفالية السينما اللبنانية وتكريم نجومها وتوقيع ذلك بجمل حماسية جاءت على لسان المذيعة المصرية مريم زكي التي قدمت الحفلة، قائلة: «الكاميرا في أيديكم سلاح وصرخة والسينما تصل إلى كل شخص وهذا سبب احتفائنا بكم لأنكم إخواننا وكلنا توجعنا مما حدث في لبنان»... وللأسف غاب مسؤولو المهرجان عن حفلة التكريم، ووقف ضيوف السينما اللبنانية الفنانة جوليا قصار والمخرج بهيج حجيج ورئيس مؤسسة سينما لبنان إيمي بولس والمخرج فيليب عرقتنجي والمخرج غسان سلهب، في حال من الذهول، فكيف يتم تكريمهم والاحتفال بسينماهم التي تقاوم طوال الوقت من دون أن يحضر أحد من مسؤولي المهرجان؟ ولم تقتصر الهفوات على حفلة تكريم السينما اللبنانية، إذ شهدت ندوة تكريم سينما أميركا اللاتينية ضيف شرف المهرجان أجواء مماثلة. فبعدما أعلنت إدارة المهرجان عن عرض الفيلم المكسيكي «زقاق المدق» وإلغاء الندوة بسبب عدم حضور صُناع الأفلام الذين كانوا في جولة سياحية وأخَّرهم زحام الشوارع، أضيئت القاعة من جديد لأن الضيوف كانوا وصلوا إلى سينما «جودنيوز» التي تشهد نشاطات المهرجان. والأمر ذاته تكرر تقريباً في ندوة النجم الأميركي داني غلوفر، والتي تحولت إلى كوميديا حقيقية، فمديرة الندوة الناقدة خيرية البشلاوي لم تستطع ملاحقة داني غلوفر الذي كان يتحدث بسرعة وبلكنة أميركية، فحاول رئيس المهرجان الذي كان يجلس إلى المنصة مساعدتها، ونظراً الى كونه مترجماً غير محترف اضطر إلى أن يطلب من شقيقته التي كانت تجلس في الصفوف الأمامية بين الحضور الصعود إلى المسرح والانضمام إلى المنصة، فتبادل الثلاثة الترجمة مع مساعدة بعض الحضور، وأدت تلك البلبلة إلى خروج الندوة في شكل باهت وجمل مبتورة لا تليق بنجم جاء إلى القاهرة للاحتفال به وتكريمه. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل اشتكى الكثير من ضيوف المهرجان من أخطاء في الكتالوغ، وعدم وجود صور مع بعض الأفلام ونقص المطبوعات... أضف الى ذلك المشكلة التي صادفت رئيس مؤسسة السينما السورية محمد الأحمد حين طلبت منه إدارة الفندق المغادرة لانتهاء مدة ضيافته من دون الرجوع إلى إدارة المهرجان، ما كاد أن يتسبب في أزمة مصرية – سورية، بعدما أصر الأحمد وأعضاء الوفد السوري على المغادرة احتجاجاً على هذا الأسلوب، ولم يهدأ الأمر إلا بعد تدخل رئيس المهرجان عزت أبو عوف ونائبته سهير عبدالقادر. على رغم هذا كله، لا أحد يستطيع أن ينكر حجم الجهد الذي تبذله إدارة المهرجان، ولا أحد يستطيع أن يدين عزت أبو عوف الذي تسلم مهمات عمله منذ ثلاثة أشهر فقط ولكن السؤال الملح هو: هل تفرغ أبو عوف للمهرجان وتخلى عن ارتباطاته الفنية في تلك الفترة؟ لم يحدث، والأهم أن مهرجان القاهرة السينمائي أصبح كياناً تنظيمياً مستقلاً له إدارة خاصة منذ سنوات، فلماذا لا تزال هذه الإدارة غير قادرة على تجاوز مثل تلك الأخطاء التنظيمية؟ أما في ما يتعلق بمستوى الأفلام المشاركة فتفاوت ما بين أفلام عالمية الجودة وتستحق المشاركة حقاً مثل الفيلم الإيطالي «اسمي سالومي» والألماني «كابري التي تحبها» والبرازيلي «زوزو انجل» والإيراني «في مكان ما بعيد جداً» والمكسيكي «النظرة الأخيرة» المأخوذ عن رواية ماركيز «مذكراتي عن عاهراتي الحزينات»، ولكن يجب أن نتساءل عن مشاركة فيلم «مافيش غير كدة»، فهو فيلم تجاري خفيف لا يناسب المشاركة المهرجانية، والحال نفسها في ما يتعلق بمسابقة الأفلام العربية والتي شاركت فيها أفلام لمجرد المشاركة مثل الفيلم السعودي «كيف الحال» والمصري «آخر الدنيا». ولكن يبقى أن المهرجان قدم فيلمين في السينما المصرية يعدان من أهم إنتاج 2006 الأول «قص ولزِّق» لهالة خليل والذي تواصل هالة من خلاله طرح تساؤلاتها عن الإنسان المصري وأزماته المجتمعية. وقد صاغت فيلماً يحمل مشاعر وأحاسيس من يحاولون الهروب من مجتمعاتهم من خلال صورة سينمائية راقية وقدرة عالية على إدارة ممثليها. أما فيلم «استغماية» لعماد البهات وهو تجربته الإخراجية الأولى فجاء مختلفاً تماماً عن إيقاع السينما المعتاد وهو أيضاً يحتفي بالمشاعر الإنسانية ويعري الأقنعة التي يرتديها البشر ويسقطها، وجاء أقرب إلى إيقاع السينما الفرنسية· وعلى رغم أن الدورة الثلاثين من المهرجان القاهري توافرت لها الامكانات المالية بوجود رجل الأعمال نجيب ساويرس كراعٍ رسمي وتحمله نفقات ضيوف المهرجان ووقوف وزير الثقافة فاروق حسني الى جانب رئيس المهرجان عزت أبو عوف مقدماً له كل الدعم المادي والمعنوي، كانت أخطاء المهرجان التنظيمية فاضحة، فالبدايات المبشرة تكون خادعة في كثير من الأحيان ما يحتم على مسؤولي المهرجان بعد توزيع الجوائز اليوم، أن يعترفوا بأخطائهم، بعيداً من المقولات معهودة ومفهوم الريادة المصرية وترديد «أننا المهرجان الأول والأهم والذي لا يقدر أحد على منافسته»، خصوصاً أن هناك مهرجانات أصغر بكثير ولا تملك تاريخ مهرجان القاهرة ولكنها تعترف بأخطائها وتحترم شيئًا اسمه النظام. الحياة اللندنية في 8 ديسمبر 2006
مهرجان القاهرة في دورته الثلاثين احتفاء بسينما الشباب.. و أفلام مثيـرة للجدل علا الشافعي انطلقت الثلاثاء الماضي فعاليات الدورة الثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الذي يبذل القائمون عليه جهدا كبيرا ليجتاز المهرجان كل أزماته السابقة, خصوصا في ظل زيادة الدعم المادي المقدم من رجل الأعمال نجيب ساويرس, والجهد الذي يبذله وزير الثقافة فاروق حسني في الوقوف إلي جانب رئيس المهرجان الجديد د. عزت أبوعوف, وقد تكون هي المرة الأولي التي تتوافر فيها لبرنامج العروض قبل بدء فعاليات المهرجان بأكثر من أسبوع, كذلك الإعلان عن فيلم الافتتاح كل ذلك يعطي مؤشرات بأن الدورة الثلاثين في عمر المهرجان قد تكون مختلفة وتحمل روحا جديدة بغض النظر عن الهنات والتناقضات التي وقع فيها رئيس المهرجان في البدايات, وتتميز الدورة الجديدة من المهرجان بإضافة مسابقة لأفلام الديجتال, وهو ما يعني فتح باب أوسع لتجارب ومواهب عديدة خصوصا المخرجين الشباب الذين تضطرهم ظروفهم لإنتاج أفلامهم بتكلفة أقل, ويترأس لجنة تحكيم الديجتال المخرج السينمائي داود عبدالسيد, والممثلة الفرنسية ماريا بيتاريس, والفنانة هند صبري, والكاتب الأسباني خورخيه جريكا اتشباريه, والناقد الإنجليزي نيل نورمان, ويشارك في أفلام المسابقة عشر دول من بينها ألمانيا بفيلم كابري التي تحبها, والمغرب بفيلم الموجة البيضاء, وفلسطين بفيلم القيادة في بلد زيجزي وهو إنتاج فلسطيني- أمريكي مشترك, ومصر بفيلم إيثاكي لإبراهيم البطوط, وتمنح جوائز مالية قدرها16 ألف دولار. وينظم المهرجان إضافة إلي أقسامه المعروفة من المسابقة الدولية, والمسابقة العربية وقسم الاحتفاء بأمريكا اللاتينية قسما خاص يحمل عنوان أفلام مثيرة للجدل, ويعرض أفلاما عالمية أثارت جدلا واسعا عند عرضها, ومنها البلجيكي طفحة والكردستاني عبور التراب, والقدر من البوسنة والهرسك, ومن أهم الأفلام التي يعرضها المهرجان هذا العام الفيلم الجزائري المغربي الفرنسي, السكان الأصليون, وذلك في إطار احتفالية عرب لمعوا في الخارج, حيث يتم تكريم مخرج العمل الجزائري المقيم في باريس, رشيد بوشارب, والفيلم سبق وأن حصل علي جائزة أحسن تمثيل لأبطاله الأربعة: جمال دبوس وسامي ناصري, ورشدي زمم وسامي بوعجيلة, عندما عرض في مهرجان كان الدولي في دورته الماضية, وهي المرة الأولي في تاريخ كان الذي يمنح جائزته مناصفة بين أكثر من ممثل. وفيلم السكان الأصليون أثار جدلا واسعا ليس فقط في فرنسا, لكن في الجزائر ووقف البعض ضد الفيلم والذي تدور أحداثه في الأربعينيات وتحديدا في الفترة ما بين عامي1944 و1945 أثناء الحرب العالمية الثانية حول مجموعة من المواطنين الأفارقة والذين يشعرون بالانتماء أكثر إلي فرنسا ويعتبرونها الوطن الأم, لذلك لا يترددون في التطو ع في الجيش الفرنسي من أجل الوقوف إلي جانبها, وضد العدوان النازي, لكنهم للأسف لم يتم تقديرهم من الفرنسيين بالرغم من وقوفهم في الصفوف الأمامية, وفي نفس الوقت تبرأ منهم مواطنوهم وأبناء بلداتهم. يذكر أن مخرج الفيلم بوشارب اختار الدخول إلي منطقة شائكة من التاريخ المشترك بين فرنسا ودول المغرب العربي, لذلك رفضت الكثير من الجهات الإنتاجية تمويل الفيلم والذي تبلغ مدته3 ساعات وربع الساعة, وتقدر ميزانيته بـ35 مليون يورو, وقام بإنتاجه المخرج وبطل الفيلم جمال دبوس, والمنتج الفرنسي جان برمها, والفيلم في معظمه ناطق باللغة العربية باستثناء الحوارات التي تجري بينهم وبين الشخصيات الفرنسية. يذكر أن الفيلم يواجه معركة شرسة, حيث يرفض الكثيرون عرضه بدور العرض في الجزائر أو المغرب نظرا لحساسية الموضوع الذي يتناوله إذ يعتبر الكثير من الجزائريين والمغاربة أن هؤلاء الجنود خانوا وطنهم الأم بانضمامهم إلي الجيش الفرنسي, وفرنسا التي كانت تحتلهم. الأهرام العري في 2 ديسمبر 2006
|
ثلاثة أفلام مصرية في مهرجان القاهرة السينمائي الثلاثين تتواصل مع واقعها غربة "آخر الدنيا" ومواربة "ما فيش غير كده" وحوارية "قص ولزق" القاهرة ـ ريما المسمار |