تتنوع الأفلام والعروض السينمائية التي يقدمها مهرجان القاهرة الدولي في دورته الثلاثين وذلك باختلاف الدول المشاركة وبتنوع قضاياها ومشاكلها، لكنها -وبغض النظر عن التفاصيل- يمكن لها أن تكون أداة لقياس حالة الاهتمام الفني العام التي يظهر في كون بعضها يشكل حالة فنية لنقد الذات والآخر. ومع انتهاء اليوم الخامس من المهرجان الذي يستمر حتى 8 ديسمبر، ظهرت مجموعة من الأفلام السينمائية تعد بصمات حقيقية، وتطرح قضايا جريئة في مختلف مجالات وأقسام المهرجان كونها تنقد الذات الحاضرة منها أو الماضي القديم والأليم. البلديون وتصفيق حار وعلى سبيل المثال لا الحصر برز فيلم "البلديون" أو "السكان الأصليون" ليحتل نصيب الأسد من الاهتمام ومتابعة الجمهور، حيث حاز إعجاب الجميع على مستوى الفكرة الجديدة التي يطرحها والفنيات العالية التي تميز بها الفيلم بفضل مخرجه "رشيد بو شارب" الجزائري الأصل. والفيلم يستحق قراءة معمقة ولكننا في هذه العجالة سنوجز مضمونه لموضوعه المميز؛ فهو فيلم ينتصر للدور العربي والإسلامي في طرد النازية من فرنسا في فترة الحرب العالمية الثانية، وتحديدا مسلمو شمال إفريقيا من الجزائر والمغرب العربي والسنغال. الفيلم الذي نال جائزة أحسن ممثل في "مهرجان كان" وأثار جدلاً ولغطًا كبيرًا في فرنسا يقول باختصار إن للعرب جميلاً كبيرًا على فرنسا؛ فهُم الذين حرروها من النازية الألمانية. ويقدم الفيلم المعارك التي خاضتها الفرق العربية التي تشكلت للدفاع عن فرنسا وإيطاليا؛ فبين عاميْ 1944 و1945 كان تحرير إيطاليا و"بروفانس" و"جبال الألب" و"وادي الرون" وغيرها من المناطق أمرًا حيويًا ليتحقق انتصار الحلفاء، وليتأكد دور فرنسا بينهم بعد معاهدة التحالف. ويعرض الفيلم ملحمة 4 جنود هم: عبد القادر، وياسر، وسيد، ومسعود وهم ممن عرف عنهم قدراتهم على الاحتمال والشجاعة في القتال المباشر واستشعار الخطر، ولهذا أُرسلوا إلى الصف الأول في رحلة مرورهم عبر الأراضي الفرنسية. ويستعرض عبر ذلك أحلامهم المختلفة: "ياسر" انضم للجيش من أجل الغنيمة التي يتوقع جمعها، و"مسعود" فوجئ بالترحيب به من الفرنسيين ويأمل بالزواج والحياة في فرنسا بعيدًا عن التمييز ضده في الجزائر، و"سيد" يتمنى الفرار من الفقر في المغرب ويأمل أن يكون الجيش بديلا عن الأسرة. أما "عبد القادر" الذي يحارب من أجل الحرية والمساواة فيريد أن يحصل على الاعتراف به من فرنسا وتحقيق العدالة بتحرير وطنه المستعمر بعد أن تنتهي الحرب. "زوزو إنجل" وجاء فيلم "زوزو إنجل" للمخرج البرازيلي "سيرجيو ريزنديه" والذي يعرض في إطار المسابقة الرسمية، بمثابة صرخة قوية في وجه النظم العسكرية والديكتاتورية التي تحكم بلدانها بقبضة بوليسية بحق شعوب تحلم أن تعيش حياة شريفة يسودها العدل والمساواة. ويعرض الفيلم قصة مصممة أزياء برازيلية "زوزو إنجل" وابنها "باولو" الذي يختفي عقب مظاهرات الطلاب بالبرازيل في فترة السبعينيات، فتبدأ رحلة البحث عن ابنها الثائر وهي لا تعلم بمصيره بينما يكون هو قد اعتُقل ثم مات من التعذيب دون أن يقدم للمحاكمة. وبعد أن تعرف الأم مصيره (موته) تبدأ رحلة أخرى للبحث عن حقه في الذكرى والحصول على جثته، لتدرك بعدها أن جثته ألقيت في البحر ليلتهمها السمك، لتبدأ رحلة جديدة للبحث عن حقها بإدانة المجرمين ومنعهم من تكرار أعمالهم، لتتحول بذلك من مصممة أزياء إلى مصممة وناشطة سياسية. الفيلم مليء بالمشاعر الإنسانية، وتحديدًا مشاعر الأم تجاه ابنها في ظل عدم معرفتها بمكانه، ويمكن للمشاهد أن يُسقط ما شاهده على ما يجري في كثير من مجتمعاتنا العربية، حيث الاعتقال دون تهم، والتعذيب حتى الموت. لم يتوقف الفيلم عند ظاهرة طرح القضية -وهي قصة حقيقية حدثت في الستينيات- بل قدّم مثالاً للأم التي تتحول من مصممة أزياء ناجحة، تنعم في الثراء إلى أُم نشِطة سياسيًا رغم كونها مارست ضغوطًا كبيرة على ابنها "باولو" لوقف نشاطه السياسي سابقًا، وهي المصممة التي كانت تلون أزياءها بالزهور البرازيلية ذات الألوان الناصعة في تصميماتها، لتغلب عليها لاحقًا الخطوط السوداء وبقع الدم الحمراء، وكأن ذلك انعكاسٌ لسخطها على جرائم التعذيب والقتل التي يرتكبها النظام الديكتاتوري في البرازيل. الفيلم يؤكد أن الحق لا يضيع ما دام خلفه مطالب، وأن الإنسان العادي يمكن له أن ينتصر إذا ما آمن بقضيته، وعمل على كسبها حتى لو تكلف الأمر حياته. وهذا ما حصل مع "زوزو" والدة "باولو" التي يدبّر لها النظام الديكتاتوري حادثا مروريًا تموت على أثره. الهند.. العنف السياسي والعاطفي كما نلمس بهدوء قضية سياسية غاية في الأهمية في فيلم "أومكارا" الهندي الذي يشارك في المسابقة الرسمية للمخرج "فيشال بهارادفاج". ففي إحدى القرى بإقليم "أوتار برادش" بالهند يتزعم "أومكارا" -وهو نتاج زواج بين طائفتين اجتماعيتين مختلفتين- عصابةً من الخارجين عن القانون التابعين للسياسي الفاسد "بهيساب". ومن أعضاء عصابة "أومكارا" نجد صاحبَ الدهاء "لانجدا تياجي"، والناشط الطلابي "كيسو" اللذيْن يُعتبران من رجاله المقربين. يقوم "لانجدا" باختطاف العروس الجميلة "دوللي" التي تحب "أومكارا"، وهي في طريقها إلى زفاف المحامي "راجو". وعلى أثر خروج السياسي "بهيساب" من السجن يتقدم للترشيح في البرلمان ليعين "أومكارا" قائدًا محليًا بدلا من "بهيساب"، وليعين "كيسو" الناشط الطلابي خلفًا لقيادة "أومكارا"، لكونه يسيطر على مجموعات كبيرة من الطلبة، ويمكنه أن يضمن إدلاءهم بأصواتهم في الانتخابات لصالح "بهيساب"، على أمل أن يتفهم "لانجدا" مساعد "أومكارا" المقرب ذلك. وأمام إحساس "لانجدا" بالظلم يقوم بزرع الشك في نفس "أومكارا" تجاه زوجته "دوللي" على ظن أنها تقيم علاقة مع نائبه "كيسو". الفيلم الذي يعد معالجة معاصرة لرائعة شكسبير "عطيل"، تطرح قضايا الابتزاز السياسي والأوضاع السياسية في مناخ يعاني من الاضطرابات في ظل أوضاع اجتماعية معقدة، وقبلية تحكمها طقوس وعادات قديمة، حيث القوة هي الطريق الوحيد للقضاء على الخصوم السياسيين. كما أن العائلة الحزبية قدمت بديلا عن العائلة القبلية، ومع ذلك نجد أن هناك عناصر طبقية تبقى مثل العقدة التي يعاني منها "أومكارا" الذي يعاني من أصوله الفقيرة. تتداخل الصراعات السياسية بالصراعات الاجتماعية وسط حالة من الشك والغيرة والحب ورغبة الانتقام والتنافس والقتل. يسقط "أومكارا" في فخ "لانجدا" مساعده المخذول؛ فيقتل حبيبته خنقًا في ليلة زفافهما ليدرك بعدها بأنه خُدع من "لانجدا" فيطلق رصاصة على قلبه. ويتمتع الفيلم بمستوى عال في تصوير المشاعر الإنسانية بمختلف تعبيراتها وحتى تناقضاتها، وهو بذلك يحاول أن يربط ظاهرة العنف السياسي في الهند بالمشاعر الإنسانية؛ فالبطل لا يستمد عنفه بحق المجتمع من شعوره بالتدني الناجم عن لون جلده، وإنما من مشروعية العنف باعتباره وسيلة ناجحة لحسم الخلافات السياسية؛ وبالتالي تمتد ظلالها إلى الخلافات الاجتماعية وصولاً إلى العمق الإنساني. "طنجة" وفساد القضاء أما فيلم "طنجة" للمخرج "فرانك فان ميشيل" الذي يصنَّف من الأفلام المثيرة للجدل؛ فيعتبر بجدارة من أفلام حقوق الإنسان بما يقدمه من قصة لثلاثة أسرى فرنسيين في سجن مغربي، تتقاطع قصصهم مع سجين مغربي وآخر صيني. يقدم الفيلم المعاناة التي يتلقاها الأسرى داخل السجون المغربية في ظل حالة الفساد التي يعانيها القضاء المغربي عبر تقديم خطيْن متوازييْن: الخط الأول داخل السجن، حيث السجين الفرنسي البريء، والمحكوم عليه بخمس سنوات من قاض يرغب بالحصول على أموال في مقابل أن يمنحه براءته هو ورفاقَه، وهم الذين يعانون من القمع والضرب والإهانة داخل سجن لا يصلح أن يكون مكانًا للحيوانات. الخط الثاني يظهر فيه زوجة الفرنسي التي تحاول جاهدةً الدفاع عن زوجها بشتى الطرق، في ظل عدم امتلاكها للمبلغ المطلوب لرشوة القاضي كي يحكم عليه بالبراءة. وكان الفيلم قد عُرض في مهرجان "تورنتو" في كندا، حيث أثار ضجة كبيرة من بعض النقاد العرب الذي هاجموا الفيلم على اعتبار أنه يسيء لسمعة المغرب، وما كان من الملك المغربي إلا أن قام بإجراءات بحق بعض الجهات القانونية، وسمح بعرض الفيلم بالمغرب. **محرر بالنطاق الثقافي إسلام أنلاين في 3 ديسمبر 2006
"الجنوب" يحضر في "القاهرة السينمائي 30" القسم الثقافي وسط حالة من الترقب ودون أي حفل فني -كما كان متبعا- انطلقت الدورة الجديدة من فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الثلاثين الذي سيقدم لجمهور السينما أكثر من 200 فيلم في أقسامه المختلفة. وخلا حفل الافتتاح -لأول مرة- من أي عرض فني على خشبة المسرح أو في الساحة الخارجية للأوبرا كما كان متبعا في السنوات السابقة، حيث اقتصر الحفل على عرض فيلم تسجيلي (مدته 15 دقيقة) قدم بانوراما كاملة للمهرجان على مدى 30 عاما. وكانت الدورة قد انطلقت بعرض الفيلم الاجتماعي الغنائي البرازيلي "ابنا فرانسيسكو" للمخرج "برينوا سيلفيرا" الذي رشحته البرازيل سابقا ليمثلها في جائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي، كما أنه أنجح فيلم برازيلي في عام 2005 على المستوى الجماهيري على مدى الخمسة والعشرين عاما الأخيرة. وكان المهرجان قد اختار أمريكا اللاتينية لتكريم سينماها المميزة بصفتها ضيف الشرف في المهرجان، كما يشهد المهرجان حضورا كثيفا لأفلام الجنوب وهمومه وقضاياه ومشاكله. وتخلل الحفل تكريم كل من الفنانين محمود عبد العزيز ويسرا، والموسيقي عمر خيرت، ومدير التصوير سعيد شيمي، إضافة إلى تكريم أربعة ممثلين من أمريكا اللاتينية هم: الأرجنتينيان "ميا مايسترو" و"نيكولاس مايتو"، و"المكسيكية مايا" و"يل ديل مونت"، والكولومبي "سيزار باديللو". وعرض فيه فيلم تسجيلي عن الأديب الراحل نجيب محفوظ الذي يهدي له المهرجان دورته هذا العام. الهرم الذهبي وسيشارك في مسابقة المهرجان الرسمية نحو 19 فيلما من 15 دولة هي: الأرجنتين، والبرازيل، وكندا، والتشيك، ومصر (الدولة العربية الوحيدة المشاركة في المسابقة)، وفرنسا، والمجر، والهند، وإيران، وإيطاليا، والمكسيك، وإسبانيا، وسريلانكا، وسويسرا، والصين. ويشهد المهرجان هذا العام حضورا قويا في بعض الأفلام، وتحديدا من أذربيجان في "الرهينة"، والتشيك في "لحظات سارة"، واليابان في "رجل المترو"، وإسبانيا في فيلم "أيبريا"، وإيران في فيلم "هل لديك تفاحة أخرى؟". وأقام المهرجان قسما خاصا بعنوان "الهرم الذهبي" يعرض خلاله أبرز الأفلام التي حصلت على جوائزه الذهبية، من بينها: الفيلم الفنلندي "أم لي"، والفيلم اليوناني "الملك"، والفيلم المجري "اللحظات الدامية"، والفيلم الصيني "تنهيدة"، والفيلم الهندي "الإرهابية"، والفيلم الفلسطيني "حتى إشعار آخر". كما يعرض المهرجان من خلال قسم "عرب في السينما العالمية" الفيلم الجزائري "السكان الأصليون" الذي أثار ضجة عند عرضه بمهرجان "كان" السينمائي الدولي العام الماضي، وفاز أبطاله الأربعة بجائزة أحسن ممثل، وهو من إخراج "رشيد بوشارب"، كونه يعترف بالدور الكبير للجنود من شمال إفريقيا في انتصار فرنسا في الحرب العالمية الثانية. حضور غير مسبوق وكانت إدارة المهرجان قد أعلنت قبل أيام أن السينما العربية حاضرة بشكل "غير مسبوق" في المهرجان الذي يستمر حتى الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، حيث تشارك بأكثر من 20 فيلما في عدد من الأقسام خارج المسابقة الرسمية. كما يتنافس في مسابقة الأفلام العربية ثمانية أفلام هي: "التلفزة جاية" و"بين الوديان" من تونس، و"حنين" من دولة الإمارات العربية المتحدة، و"أشواك القلب" من المغرب، و"فلافل" من لبنان، و"بركات" من الجزائر، و"ألبوم" وهو باكورة الإنتاج السينمائي لسلطنة عمان في مجال الأفلام الروائية الطويلة إخراج خالد عبد الرحيم، و"كيف الحال؟" من السعودية للمخرج الكندي الفلسطيني "إيذيدور"، ويطرح الفيلم العديد من الإشكاليات في إطار كوميدي ساخر. وتضم فعاليات المهرجان بانوراما للسينما المصرية الحديثة يعرض خلالها ثمانية من أفضل الأفلام التي عرضت مؤخرا من بينها: "بنات وسط البلد" للمخرج محمد خان، و"ليلة سقوط بغداد" بطولة بسمة وإخراج وتأليف محمد أمين، و"ملك وكتابة" بطولة هند صبري وإخراج كاملة أبو ذكري، و"عمارة يعقوبيان" بطولة عادل إمام، و"دم الغزال" بطولة نور الشريف إخراج محمد ياسين، و"أوقات فراغ" إخراج محمد مصطفى. جديد المهرجان ومن جديد هذه الدورة أن المهرجان استحدث مسابقتين: الأولى: المسابقة الدولية لأفلام الديجيتال الروائية الطويلة: وتقدم جائزتين ماليتين مقدمتين من وزارة الثقافة المصرية تشجيعا لشباب المخرجين؛ الجائزة الأولى ذهبية وقيمتها عشرة آلاف دولار أمريكي، ويرأس لجنة تحكيمها المخرج المصري داود عبد السيد. ويتنافس في مسابقة أفلام الديجيتال عشرة أفلام من بوليفيا وشيلي وفنلندا وألمانيا وكوسوفو وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والمغرب ومصر. أما المسابقة الثانية فهي خاصة بالسينما العربية وتهدف لدعم وتشجيع السينما العربية، وهي تمنح جائزة قيمتها 100 ألف جنيه مصري لأفضل فيلم عربي، ويرأس لجنة تحكيمها الفنان والمخرج السوري دريد لحام. ويشهد المهرجان هذا العام عودة سوق الفيلم بعد انقطاع استمر أربع سنوات، وسوف يقام السوق خلال الفترة من 2-7 ديسمبر (كانون الأول)، وتشارك فيه 14 شركة وهيئة من المتخصصين في صناعة السينما في العالم. لجنة التحكيم وتتكون لجنة التحكيم الدولية من المخرج الأرجنتيني "لويس بوينزو" رئيسا، ويشارك في عضويتها من مصر الفنان خالد النبوي، والمخرج اللبناني أسد فولا دكار، ومؤلف الموسيقى اليوناني جورج موستاكي، والمخرجة المصرية كاملة أبو ذكري، والمنتج الإيطالي انزو بورتشللي، والمخرج المجري ميكولوس سزينتار، والناقدة السينمائية الأمريكية ديبورا يا نج، والممثلة الروسية إلينا زاخاروفا. وستقام على هامش المهرجان ندوة حول محاربة قرصنة الأفلام، يشارك فيها عدد من المؤسسات المصرية التي تهتم بحماية حقوق الملكية الفكرية. وأثار تغيير شعار مهرجان القاهرة من الهرم الذهبي الذي استمر 29 عاما إلى مفتاح الحياة في الدورة الثلاثين اندهاش العديد من السينمائيين والفنانين والمثقفين، وتحديدا في ظل المصاعب والمشاكل التي تواجهه، سواء من حيث التنظيم أو من حيث طبيعة الأفلام المشاركة، والصعوبات التي تواجه احتفاظه بصفة الدولية من بين 11 مهرجانا في العالم. ويهدي المهرجان دورته الجديدة إلى روح الروائي المصري نجيب محفوظ الحاصل على نوبل في الآداب عام 1988، كما يصدر كتابا بالعربية والإنجليزية عنوانه "نجيب محفوظ.. ترنيمة حب" تكريما لمحفوظ (1911-2006) الذي شارك في كتابة حوالي 25 فيلما، وأنتجت السينما من إبداعه أكثر من 40 فيلما، كما يعرض المهرجان فيلمين مأخوذين عن روايتين له هما: "السمان والخريف" و"ثرثرة فوق النيل". إسلام أنلاين في 29 نوفمبر 2006 |
وليد سيف يرشح لكم مختارات من أفلام مهرجان القاهرة «2ـ2»: جارب سينمائية تثبت أن المهم ذكاء وبلاغة المعالجة حتي لو كان الموضوع بسيطا ومكررا!
نواصل في هذا العدد ترشيح عدد من الأفلام التي يوضحها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في أقسامه المختلفة والتي تمثل اتجاهات سينمائية جديدة ومدهشة لا من حيث الموضوعات التي تتكرر ويجب أن تتكرر حول العالم ولكن من حيث الموضوعات الجديدة والرؤية المختلفة والتعبير القوي البليغ بالأدوات السينمائية... إنها سينما يجب أن تشاهدها وأن تعبر عليها لتكتشف أن الذائقة السينمائية تتسع لما هو أكثر مما يقدم مواسمنا ومما يلح عليه صناع الفيلم القلب المقدس ـ إيطاليا 2004 - إخراج فيرزان أوزبيتيك قطعة من الفن السينمائي الإيطالي الخالص للمخرج التركي الأصل فيرزان أوزبيتيك 0 يعبر الفيلم عن حالة وجدانية خالصة تمر بها بطلته التي أدمنت عملها واندمجت فيه ليل نهار دون أن تدرك أن هناك جوانب أخري في حياتنا علينا أن نهتم بها وأنها كمثل أي مخلوق لديها قلب آخر يشعر ويحس غير هذا الذي ينبض ويضخ الدم 0 تتوقف إيرين أمام مصرع صديقتين لها لتعيد تأمل الحياة وترتيب أوراقها ولتطلق لقلبها الآخر العنان فتتلاقي مع مشاعر وأحاسيس الآخرين الذين هم في حاجة حقيقية لمد يد العون لهم 00 يتميز الفيلم بقدر غير محدود من التابلوهات السينمائية الرائعة والأسلوب الجميل في التعبير عن المعني العميق للفيلم اعتمادا علي مختلف أدوات الصور السينمائية 0 إنه فيلم يمس قلبك ويتغلغل في مشاعرك 00 تعيش في حالة توحد لمدة ساعتين تقريبا مع شخصية إيرين التي تؤديها ممثلة فذة (باربورا بوبولوفا) لديها قدرات مذهلة علي التعبير الصامت وصفاء غير عادي في العينين يسمح لك بالتغلغل داخل روحها الشفافة 00 وعلاوة علي كل هذا فإن المعالجة تتميز بذكاء مذهل فتحتفظ بقدر كبير من الغموض الذي لا يتكشف لك سحره بشكل مباشر إلا في مشهد النهاية 00 ربما يري معظمنا من مدمني السينما الأمريكية أن هناك بطئا في الإيقاع ولكن الاستسلام للحالة الشعورية التي يفرضها إيقاع الفيلم ولقطاته وموسيقاه سوف تسلمك إلي مشاهد النهاية التي تلتقي فيها مع ذروة نادرة لا تعيشها إلا مع الأفلام العظيمة 00 فيلم تحرمه لائحة المهرجانات الدولية الخاصة بسنة الإنتاج من المشاركة في المسابقة الرسمية لكن وجوده في البانوراما كفيل بإثراء الفعاليات انهضي يا مغرب ـ إخراج نرجس النجار عن فشل المغرب في تنظيم بطولة كأس العالم 2010 تصنع المخرجة ملحمة سينمائية رائعة 00 آمال الجميع تتعلق بتحقق الحلم بدءا من الأطفال الصغار الذين يلعبون الكرة في الشوارع وعلي الشواطيء وحتي بطل الكرة العجوز المعتزل منذ زمن 00 الكل يحلم بالرخاء الذي سوف يعم والنصر الذي سيتحقق والأجيال التي ستحظي بالتكريم ومستقبل الأطفال الباسم00 ووسط كل هذا يظل لابن مبارك حلمه الشخصي الخاص في عودة ابنته علياء التي سافرت إلي أوروبا بحثا عن الحرية 0 وإذا كنا نعلم جميعا مصير المغرب مع ملف المونديال الذي تفوقنا عليه في الفشل بصفرنا الشهير فلعلك تستطيع أن تدرك كيف يفيق الشعب من هذا الحلم علي الواقع الأليم ولكن علي المستوي الخاص هل يمكن أن يتحقق حلم (بن مبارك ) فيلم جميل رائع في بنائه الدرامي وتتابعه السلس الذكي وإيقاعه الساحر وصورته المذهلة بالتكوينات الرائعة للبيوت والبحر وروعة توظيف الألوان في الملابس والإكسسوار وألوان الحوائط والأسوار 00 دعوة للاستمتاع بالمواقف الشاعرية الجميلة والغناء والرقص والفلكلور المغربي والأداء التمثيلي الرفيع لمجموعة من أروع الممثلين. ولكن عليك أن تتناسي تماما حالة الصدمة والتراخي والبرود التي أصابتنا بعد حصولنا علي صفر المونديال وأن تتجنب أيضا أي شعور بالغيرة أو التعالي علي شعب المغرب الشقيق الذي كنا بالنسبة له حتي وقت قريب مثل وقدوة قبل أن يبدأ مسئولونا في الحديث عن الريادة إياها. ريتا ودينيس ـ بلجيكي - إخراج هايد فان شاب في السادسة والعشرين ولكنه متخلف عقليا إلي عمر الثماني سنوات يتم القبض عليه بتهمة إغتصاب فتاة قاصر ويقضي فترة عقوبة تمتد لسنتين 0 يخرج بعدها ليواجه مشكلة مع المجتمع الذي يرفض وجوده بحدة تعاني والدته الكثير من أجل إعادة تكييفه مع الآخرين والسعي إلي إقناع الجيران بقبوله ولكن يتم إلقاء القبض عليه لارتكابه جريمة جديدة.. تسعي أمه هذه المرة نحو الحصول علي حق إلحاقه بمؤسسة علاجية وتنجح في ذلك بمساعدة الأهالي الذين يتغير موقفهم نحوه ويبدأون في التعاطف معه خاصة عندما تثبت براءته من تهمة الاغتصاب 00فيلم بسيط في حبكته ومحدود الشخصيات والأحداث ومدة عرضه لا تتجاوز الثمانين دقيقة ويمكنك أن تلاحظ بعض الثغرات في بنائه الدرامي وربما تتساءل عن القوانين في دولة أوروبية متحضرة يواجه فيها شاب متخلف كل هذه القسوة وتبذل أمه كل هذا الجهد من أجل إلحاقة بمصحة 0 وعلي الرغم من كل ذلك سوف يدهشك الأداء التمثيلي الرائع والبسيط جدا للممثل في أداء دور متخلف دون الاستعانة بأي أكلشيهات شكلية أو حركية أو صوتية وكذلك ممثلة دور الأم بقدرتها علي التعبير عن مشاعر الأمومة بعاطفة جياشة دون بكاء أو عويل أو إنفعال مبالغ فيه.. أنصح ممثلينا بمشاهدة هذا الفيلم لعلهم يدركون كيف يمكن تقديم شاب متخلف بالإحساس الداخلي والتعبير البسيط دون الحاجة لأي مبالغة . الارتدا ـ د بولندا - إخراج سلومير فابيكي حياة قاسية جدا يعيشها شاب فقير في ظل ظروف اقتصادية صعبة وأزمة بطالة طاحنة 00 يصمم علي قبول أي عمل حتي يستطيع أن يتزوج من حبيبته المطلقة الأوكرانيه الشابة ليحل لها مشكلة الإقامة والعمل وتعليم ابنها 00 لايجد أمامه سوي فرصة عمل في شركة أمن ولكنها أشبه بعصابات المافيا أو بلطجية المدن الذين يفرضون إتاوات علي المقيمين غير الشرعيين 00 لا يستطيع الشاب أن يواصل العمل معهم ولا يقدر علي تحمل كل هذه القسوة والبلطجة التي يفرضها زملاءه علي الضحايا أو الهاربين من سداد الإتاوات 00 يلتحق بأحط الأعمال في الريف بتنظيف مزارع الخنازير ولكن رجال الشركة أو المافيا لا يرحمونه لخروجه عنهم ويضربونه بضراوة 00 ويندفع الشاب متهالكا وسط المزارع مخضبا في دمائه حتي يسقط في ترعة ويكاد يغرق ولكنه يحاول رغم آلامه أن يواصل العوم , فهل سيصل إلي الشاطيء ؟ أعتذر للكشف عن تفاصيل نهاية الفيلم ولكنها نهاية رائعة ومعبرة بشكل سينمائي بليغ مثل الكثير من مواقف الفيلم .. فيلم قوي جدا في موضوعه ولكنه ضعيف في معالجته بدرجة لاتتناسب مع ما تحققه السينما البولندية من روائع في هذا المجال ولا يعوض ذلك إلا الابتكارية في رسم المشاهد وقدرة المخرج علي صنع الأجواء اعتمادا بشكل أساسي علي الصورة وباقتصاد شديد جدا في الحوار والمؤثر الصوتي والموسيقي التصويرية ..ربما يشاهده أحد فنانينا من كتاب السيناريو فنراه قريبا في فيلم مصري بطولة أحمد السقا أو كريم عبد العزيز فهناك تشابه كبير بين ما يطرحه الفيلم وما نعيشه في واقعنا المحلي .. فهل سيستعد الإخوة الزملاء بتجهيز ورقة وقلم من الآن لتدوين الفيلم جملة جملة وكادر كادر.. بالقرب من الجنة ـ بولندا - إخراج الوز فيزاريك فيلم شديد الغرابة عن مجتمع غريب متعدد الألوان والأجناس في شقق مختلفة داخل بناية واحدة 00 دراما بانورامية لعلاقات تتكون ثم تتلاشي بين الشخصيات ومفردات غريبة في الديكورات والملابس والإكسسوارات ورسم الشخصيات 00 ومع ذلك لا تملك إلا أن تستجيب لهذا العالم وتدخله سعيا وراء فك أسراره وغموضه التي كلما زادت حدتها وتنوعت تفسيراتها كلما زاد استمتاعك بالعمل ككل 00 يتفنن المخرج وكاتب السيناريو في إثارة دهشتك مع كل مشهد ولقطة 00 فيلم أنصح هواة السينما التقليدية بعدم مشاهدته فهو عمل تجريبي خالص من المستحيل متابعته مالم تكن تحب هذه النوعية ومالم ينجح هذا العمل في اجتذابك من مشاهده الأولي الطريق ـ الصين - إخراج عبر عدة عقود يمكنك أن تطل علي الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في الصين من عهد ماو تسي تونج في الستينيات وحتي عصرنا الحديث 00 الأوتوبيس وسائقه ومحصلة التذاكر ماهم إلا نماذج لأشياء وشخصيات تنعكس عليها التغييرات التي تعتري المجتمع 00 قد تتصور مع المشاهد الأولي أنك أمام أحد أفلام الطريق ولكن رحلة الأوتوبيس في المكان تقطعها رحلة الشخصيات في الزمان 00 لا يمكن أن تخطيء العين مهارة المخرج في التكوينات ولا قدرته علي صنع صورة سينمائية جديدة ومختلفة 00 رسم الشخصيات أيضا يعتمد علي مهارة خاصة في البناء يوازيها قدرات مميزة للمثلين 00 مجموعة من المشاهد الرائعة التي يصعب أن تنمحي من الذاكرة 00 منها مشهد المحصلة بعد أن صارت عجوزا وهي مصممة علي السير بالأوتوبيس القديم المتهالك في شوارع الصين الحديثة 00 وكذلك مشاهد إجترار ذكريات الماضي الجميل في عمق الكادر ومع خلفية الأوتوبيس مع ابتسامة رضا وقبول أو استسلام من البطلة للواقع الجديد.. مجرد محظوظ ـ روسيا - إخراج أندريه أنكودينوف قصة تقليدية جدا قدمتها السينما العالمية كثيرا والمصرية أيضا في عدة أفلام منها المليونير الشهير لإسماعيل يس عن كومبارس فقير شديد الشبه برجل غني مطارد ومعرض للقتل ويتم الاتفاق مع الكومبارس علي انتحالي شخصيته لعدة أيام لإنقاذه من المؤامرات التي تحاك ضده مقابل مبلغ مالي كبير 00 المخرج والمنتج والممثل والراقص الروسي أندريه أنكودينوف يقدم هذا الموضوع في معالجة روسية وعصرية جديدة وبمضمون جاد جدا رغما عن كل ما يتضمنه من كوميديا هزلية 00 يوظف الفنان قدراته العالية جدا في الرقص في تقديم مشاهد حركية وموسيقية رشيقة 00 كما يمنح العمل خطا إنسانيا رائعا بعلاقة البطل الفقير الحميمة بطفلته التي تفضل العيش معه في بيته الفقير عن الحياة مع أمها في قصرها المنيف رغما ما تتمتع به من رفاهية 00 درس بليغ تطرحه السينما الروسية عن ضرورة الحفاظ علي أشياء كثيرة في الحياة لن يستطيع المال أن يحققها 00 فهل أدرك الروس فساد الحلم الأمريكي 0لا أعدك أن تضحك كثيرا مع هذا العمل فالهزليات الروسية شديدة المحلية ولا تضحك إلا مواطنيها عادة ولكنك بالتأكيد سوف تستمتع بما يطرحه الفيلم من أفكار وما يثيره من تأملات وما يتضمنه من صورة سينمائية مبتكرة وبليغة ليس هنا مكان للحب (نوت هير تو بي لافد ) ـ فرنسي - إخراج ستيفاني بريزي قطعة فنية نادرة من السينما الفرنسية الخالصة 00 قصة حب مغرقة في الرومانسية بين رجل متقدم في العمر صارم وقور وفتاة علي وشك الزواج من رجل آخر باهت الروح والملامح 00 يلتقيان في نادي لتعليم الرقص .. تتلاقي العيون والمشاعر والأحاسيس ولا يمكن لأي شيء أن يقف عائقا في سبيل هذا الحب الجارف إلا عندما يكتشف الرجل أن فتاته مرتبطة فيقرر أن يقطع علاقته بها وعبثا تحاول أن تبررله موقفها فقد اتخذ قراره بشكل قاطع ولكن هل سيستطيع أن يقاوم هذه المشاعر القوية وتلك المرأة التي تتفجر رقة وأنوثة وهل تستسلم هذه الفتاة لقدرها وتتزوج من هذا الرجل الممل البارد وتتخلي عن حبيبها 00 لا يعبر هذا التلخيص المخل عن روعة الإبداع في هذا العمل الجميل بل إن أي محاولة لتناول هذا العمل بالنقد والتحليل من المستحيل أن تعطيه حقة وتتضاءل أمام اللغة السينمائية البليغة أي محاولة لشرحها أو تفسيرها 00 فالقصة بسيطة وتقليدية جدا ولكن المعالجة في منتهي الروعة والجمال 00 والسيناريو والصورة السينمائية والحركة والإيقاع وحدة متكاملة من التفاصيل المعبرة والبليغة.. تمتزج الموسيقي مع تبادل النظرات مع الأداء الحركي لتتحقق وحدة منسجمة ..ليصبح الرقص تعبيرا عن الحب .. ويتمكن المخرج مع المونتير بمهارة من تقديم وحدات سينمائية متكاملة شديدة الترابط والتكثيف يبدو من أجملها ما نراه من الانتقالات البليغة من مشهد التعرف علي أن الحبية مرتبطة مصادفة داخل الأسانسير إلي بكائها وطرقها علي زجاج سيارة البطل ومحاولتها اللحاق بها وهو ينطلق بها مسرعا ..ينجح المخرج في توظيف التعبير الصامت ببلاغة ورشاقة غير عادية اعتمادا علي أداء رائع للثلاثي أبطال الفيلم ..ويختفي الحوار من مساحات كبيرة دون أن تشعر بغيابه .. ويمتلك الكاتب حسا دراميا عاليا وقدرة علي صنع المواقف التي تعبر عما يجيش في النفس وما تحاول أن تقمعه من ثورة داخلية وغضب ومرارة.. وفي حبكة موازية نتعرف علي علاقة البطل بأبوه وهما يمارسان لعبة المونوبولي ونلاحظ حالة العصبية غير العادية من البطل أثناء اللعب كانعكاس طبيعي لأزمته العاطفية.. ويوجه لوالده اتهامات قاسية بظلمه وعدم اعتداده بتفوقه الرياضي في طفولته ..ولكنه عندما يفتح دولاب الأب بعد الوفاة لأول مرة يكتشف أنه كان يحتفظ له بكل الميداليات والكئوس والصور .. يعبر الفيلم بمقدرة سينمائية ودرامية عالية عن ضرورة أن نكشف عن مشاعرنا وألا نكبتها داخل نفوسنا وخاصة لو كانت مشاعر حب عميق .. فيلم أكثر من رائع أتمني أن يعرض في الحدائق العامة وأن يشتريه التليفزيون المصري وأن يذيعه في عيد الحب وأن يتم عرضه علي كبار المسئولين قبل صغار الموظفين فالمواطن ليس في حاجة إلي موظف يبتسم في وجهة ولكننا في أشد الاحتياج إلي مسئولين يحبون وطنهم وشعبهم ويعبرون عن حبهم هذا بالعمل لا بالقول .. وهو درس لا يفوت الفيلم أن يقدمه عبر علاقة البطل بمرؤوسه في العمل. جريدة القاهرة في 5 ديسمبر 2006
|
مهرجان القاهرة وأفلام نقد الذات سعيد أبو معلا** |