«الحقيقة مرآة كبيرة هبطت من السماء. انكسرت وتبعثرت في ألف قطعة. كل واحد يملك قطعة صغيرة جداً، لكنه يعتقد أنه يمتلكها كلها». يتصدر قول الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي (1210-1273) هذا شريط «بابا عزيز، الأمير السابح في روحه» الذي أخرجه التونسي ناصر خمير.

أبرز العمل الذي يشكل الجزء الثالث من ثلاثية «الهائمون في الصحراء» و «طوق الحمامة المفقود»، الوجه المتسامح للإسلام من خلال قصة عشتار الطفلة التي تقود بابا عزيز الدرويش الأعمى عبر الصحراء بغية الوصول إلى تجمع صوفي كبير. تتقاطع مصائر أشخاص كثر وتتداخل حكاياتهم ولغاتهم عبر بحث كل منهم عن مراده. وقد أراد المخرج من خلاله إعطاء وجه لمئات الملايين من المسلمين الذين هم غالباً كي لا نقول دائماً ضحايا الإرهاب الأولون. إنه «واجب» يراه المخرج و «نوع من الضيافة» موجه نحو الجار حتى لا يختنق كل واحد بجهله للآخر. عمل «متخم» بالجمال والحب والمعاني ولقاء حقيقي.

بعد لوس انجليس وقرطاج، التقينا في باريس ناصر خمير بمناسبة عرض فيلمه في الصالات الفرنسية واشتراكه في مهرجان قرطاج السينمائي.

·         هل جاء توقيت الفيلم لإعطاء وجه لهؤلاء الذين لا وجود لهم على الخريطة، للتعريف بغير المعروفين...

- يبلغ تعداد المسلمين ملياراً وثلاثمئة مليون نسمة، وهم يشكلون نسبة مهمة من التعداد العام للبشرية (6 مليارات). لكن آلافاً قليلة شوهت حضارة كبيرة. إن استعادة صورة أكثر نقاء وفاعلية للإسلام كحضارة وثقافات لهي اليوم من الأمور الأشد إلحاحاً. والتصوف في رأيي هو الباب. تنطلق أعمالي من مفهوم حضاري يضرب جذوره في القرنين التاسع والعاشر، كوني السينمائي الوحيد الذي اهتم بمسألة العروبة والإسلام وحاول أن يخرج من المرجعية الاجتماعية وما إليه... والمغلوطة في كل الحالات!

·         ماذا تقصد؟

- الأمر بسيط. حتى لو وددت التعبير عن واقع المجتمع في أي بلد عربي فهذا غير ممكن بسبب الرقابة. المجتمعات العربية تعيش كرهينة. رهينة لحكامها إلى درجة جعلت كل أبواب التفكير والتعبير والخلق مريضة لا يمكنها تجاوز حالتها. السياسة مريضة، لذلك حاولت التجذر في مرجع زماني أبعد ليـتـعدى الظروف الحالية ويعود بنا إلى الأرضية الصحيحة. الحرية المفقودة تجعلني أجد في أعمالي، التي تبتعد من الزمن الحالي الموقوف، منبعاً للحرية.

·         إلامَ رمزت بالعنوان» الأمير المتأمل أو المتمعن في روحه»؟

- يزخر التراث العربي الإسلامي بمقولات وإشارات نحن في أشد الحاجة اليها. لقد وجدت العنوان على صحن نقش في قاشان (إيران) في القرن الثاني عشر، ويمثل أميراً يتأمل صورته. وكتب عليه بالفارسية «الأمير المتأمل في روحه». وأنا أفضل ترجمتها «السابح». في الغرب، يعتبر من ينظر إلى صورته نرجسياً، أما هنا فالأمير يتأمل في روحه أو يسبح فيها، فهو إذاً قد خرج عن نطاق الأنانية والذاتية. لقد زالت الأنا ليحل مكانها تجلٍ للكون. الفيلم ببنائه يحاول مساعدة المشاهد على نسيان أناه، على محوها للانفتاح في شكل أفضل على حقيقة العالم.

·         الصحراء مكان محبب اليك وحاضر في أعمالك الثلاثة، ماذا تعني لك؟ وما الصعوبات التي واجهتها أثناء التصوير فيها.

- لدى الطوارق مثل يقول «ثمة بلاد ملأى بالماء لراحة الجسد، وثمة بلاد ملأى بالرمال لراحة الروح». الصحراء هي أيضاً اللغة العربية وهي مرجعها.

حين صورت في الصحراء الإيرانية (أتاراك)، كان أقرب مركز للهاتف يبعد أربعين كيلومتراً عن مكان التصوير! وعلى بعد عشرة كيلومترات، وجدنا منجماً مهجوراً للرصاص، فاتخذنا ما كان معداً قربه لسكن العمال مقراً لنا! لن أتحدث عن الثعابين والعقارب، وعن الحصان الذي وجدناه ميتاً ذات صباح بسبب لسعة. لقد صورنا في آب (أغسطس) حيث الحرارة في أقصاها. كنا نبدأ مع الفجر، ونتوقف عند التاسعة تقريباً، فعندها لم نكن نرى إلا صورة بيضاء، كان الضوء باهراً الى درجة يمحي معها كل أثر. كما لم يكن ممكناً مثلاً المشي بحذاء عادي في هذا الوقت المبكر. وكنا نعود للتصوير عند الرابعة عصراً ونستمر حتى الغروب.

·         أشرت إلى حبك للغة العربية، وهذا معروف عنك، لكنك تتحدث دائما بالفرنسية!

- هذه اللغة المحاصرة التي وإن كنت مغرماً بها فأنا لم أنم القدرة الجدلية فيها. كفرد، وكمجموعة أيضاً، لم نبحث عن معادلات لبعض المفاهيم والألفاظ... اللغة أيضاً رهينة ثقل الممنوع. إنها أم حنون مغلوبة على أمرها وممنوعة من أن تفتح مجال الشك! لقد زرت العالم أجمع وتسنى لي النقاش والجدال بلغات عدة باستثناء العربية.

المفاهيم تعطلت

·         ليس أشهر من العرب بالجدال والنقاش؟

- نعم في السياسة فقط! تركوا الثقافة والفكر والفلسفة تتعطل، فتعطلت بذلك المفاهيم. نحن في حال من الجمود. النقاش هو أن تنصت إلى ما يقوله الغير وأن تتفهمه وهذا غير موجود. وأنا أعانيه مع الصحافيين بوجه خاص. إنهم لا ينصتون. يأخذون منك ما يبنون به شيئاً كان موجوداً مسبقاً لديهم!

·         شكراً! ولنعد إلى الفيلم. لماذا صورت في إيران؟

- لسببين، فالصحن من إيران وقد رغبت في إيجاد تواصل بيني وبين فنان من القرن الثاني عشر، وفي أن يكون الجواب عن سؤاله في القرن الواحد والعشرين. وثانياً قبول منتج إيراني بالعمل. إن لديهم أسئلة عن الحضارة غير موجودة في مصر ولا في غيرها! (ثم مبتسماً) لو كانت العروبة في زمن عبدالناصر ثقافية وليست سياسية لكنا وصلنا إلى حل!

·     الممثلون من إيران، العراق، الجزائر، تونس.... الفيلم يذهب من شرق العالم الإسلامي إلى مغربه، هل هو اختيار أم شروط إنتاج؟

- إنه اختيار هدف إلى تمثيل هذه الحضارة بتعددها وتنوعها. لقد طلبت إحضار بعضهم من عبادان جنوب إيران كي تظهر وجوه إسلامية سود. الحضارة العربية الإسلامية هي حضارات داخل حضارة، ويجب أن ننصت إلى هذا الوجود الغني الداخلي قبل أن ننصت إلى أي شيء خارجي. وإذا لم تكن لدينا القدرة على الفخر بغنى هذا الوجود فكيف يمكننا أن نقبل الآخر؟ إن عملي ملتزم، ويدعو إلى الإنصات إلى من في الداخل وقبول التعدد. الاعتقاد اليوم يستند الى الفكرة الواحدة التي ليست بفكرة بل استبداد، لا من جانب السلطة فحسب بل من المجتمعات نفسها. إنها لا ترحم، ولا تقبل كل ما هو مغاير. بينما الإسلام يتحدث عن الرحمة والرحيم، عن اليسر..

·         قلت عن فيلمك انه «فيلم عن السينما»، ما الذي عنيته؟

- اكتشفت السينما في المدرسة الداخلية حيث أقمت من عمر ست سنوات إلى 18 سنة. كانوا يعرضون علينا فيلماً كل يوم جمعة. رأيت أفلاماً من كل الأنواع والجنسيات. وحين كانت الأضواء تطفأ، كان ينتابني الإحساس بأنني حر لأن الرقيب لا يراني في الظلام. كانت الإنسانية كافة مجسدة أمامي. لقد تولد إحساسي بالإنسان هنا، من الشاشة وليس من المجتمع. لأن المجتمع منغلق. لقد طورت فيّ السينما شعوراً عميقاً بالحرية. في الفيلم حين كان عثمان ينظر من نافذة القصر إلى الخارج، كان القصر في تونس فيما كان المشهد الخارجي من إيران! إن السينما هي الوحيدة القادرة على إعطاء هذه المعادلة. وثمة أمر آخر، هو أنه من خلال مشهد مثل المسجد المطمور بالرمال والذي هو حالة الإسلام اليوم، تحقق السينما هذا الترابط بين الصورة الموجودة في الذهن وتلك الموجودة في الواقع.

·     ثمة حضور طاغ لعالم شخصي في أعمالك: الصحراء، الملابس الشرقية، الألوان الحارة، الحدائق، المعمار القديم... هل يمكنك أن تصور في إطار مختلف؟

- كتبت سيناريوات عدة تتحدث عن الواقع، ولم أجد أي تمويل! أحدها يتحدث مثلاً عن «يوم الانتخابات»! حين أناقش الحاضر فلن أمنع نفسي من مناقشته حقاً ولن أكتب سيناريو يحتوي على أقل مما أفكر به! ومن ناحية أخرى، حاولت أن أضع في السينما إطاراً كلاسيكياً للتصور العربي الإسلامي بمراجعه التي ذكرتها في سؤالك، أن أعطي فكرة جلية تشكل جسراً بين الإنسان العربي الحالي وبين حضارته التقليدية. إنها محاولة للفت الانتباه والحديث عن الأصول لا كشيء ميت بل كتركيبة حضارية. محاولة يمكن أن تعطي الإنسان المسجون داخل حاضر مغلق، إحساساً بالاعتزاز وبأنه حي وقدم الكثير للإنسانية وفي مقدوره أن يتصور مستقبلاً مغايراً لواقعه من خلال البحث في جذوره. هذا لجهة مخاطبة الداخل، أما الخارج فالمخاطبة تتم بتقديم حضارتنا مقابل الحضارة الأخرى وتبيان فعاليتها، فلسفتها ومساهمتها في بقية الحضارات. وتصحيح النظرة إلى الإسلام كدين يسر لا عسر، فيه جماليات وإنسانية عميقة.

السينما أساسية

·         كيف ترى العلاقة بين الشرق والغرب؟ وكيف تجسد نظرتك إليها من خلال أعمالك كافة: السينمائية والأدبية والتشكيلية؟

- أحسن جواب هو أن أصنع فيلماً عن الإسلام والتصوف. حال من حالات الوجود الإلهي الموجودة في كل الأديان. إن نجاح الفيلم في سويسرا حيث شاهده سبعون ألف متفرج يدل على أن السينما ليست قضية تسلية وإضاعة وقت واستهلاك. إنها عملية أساسية. حين يشاهدك إنسان مغاير، فلأنه يشاهد نفسه في أعمق أعماقها. عندها لا يوجد حد فاصل، هنا ينتهي الشرق ليبدأ الغرب. ثمة تواصل وتفاعل منذ القدم على رغم المشاكل والتاريخ الدموي. الشرق ليس مغايراً. لقد ساعد على تطور الإنسانية وعلى الوصول إلى الحضارة. وإذا لم يفهم ذلك، فيمكن أن ينغلق على نفسه. الفن يبدع تواصلاً فورياً يجعل العلاقة تنفتح أكثر مما يفعله العمل التاريخي. نحن بحاجة الى بناء إنسان هو اليوم مشكوك فيه. وهو مطالب بتوضيح هذه الشخصية وإعطائها وجهاً. إنني الوحيد المتجذر في حضارتنا والذي يشتغل على هذا الموضوع!

·         أليس هذا غروراً؟

- لا! اعمل على ذلك منذ عشرين سنة. ولا أحد آخر. أنا مجبر على ذلك! لكن كوني أعمل عليه لا يعني أنني أعمل على الماضي بل على الحاضر ليكون هناك مستقبل.

·         وكيف ترى تقبل الجمهور الغربي للفيلم؟

- بعضهم لم يحب الفيلم، من الجمهور ومن النقاد. ثمة أمور تزعج فيه كفكرة الموت مثلاً. من المهم بالنسبة إلي ألا يحب الجميع الفيلم. إذا أحبه كل الناس فهذا يعني أنه لـ «الجميع»، أي قابل للمرور في كل مكان! ما يهمني هو أن نعي أن العمل على حضارة منذ 15 قرناً هو الوسيلة الوحيدة لأن نبني أنفسنا في التاريخ وفي المستقبل.

الحياة اللندنية في 8 ديسمبر 2006

 

يوسف شاهين يرسم مع أبطال «هي فوضى» خلل المجتمع

القاهرة - أحمد فرغلي رضوان 

كان أمراً مثيراً الذهاب الى استوديو مصر لحضور اول ايام تصوير فيلم «هي فوضى» للمخرج يوسف شاهين الذي تجاوز الثمانين، ومع ذلك ها هو يعود الى الوقوف وراء الكاميرا على رغم ضعف حالته الصحية في الفترة الأخيرة. وهو أمر يؤكده العاملون في الفيلم مدهوشين اذ يرونه يقوم بالتصوير منذ التاسعة صباحاً ومعه كمخرج منفذ للفيلم اقرب تلاميذه المخرج خالد يوسف.

يوسف شاهين الذي يعمل بالإخراج السينمائي منذ منتصف أربعينات القرن الماضي عندما قدم أول أفلامه كمخرج وهو «بابا امين»، يدخل، ومعه تجربة فريدة في السينما المصرية والعربية بعد أن قدم خلال رحلته الطويلة عدداً من الأفلام ليس كثير العدد نسبياً ولكنه من علامات تاريخ السينما المصرية إذ غاص بأفلامه في قلب مصر بماضيها وحاضرها. ولذلك كان طبيعياً ان تثيره حالة الفوضى والتي لن نجاوز الحقيقة إذا وصفناها بالفوضى العارمة التي أصابت المجتمع المصري في سنواته الأخيرة. وهذا ما جعله يوافق على فكرة الفيلم بعد دقائق من سماعها من المؤلف ناصر عبدالرحمن. ولكن على عكس سهولة الموافقة المبدئية بدا تنفيذ السيناريو صعباً. ويقول المؤلف عبدالرحمن: «كنت قلقاً وانا ذاهب لمقابلة شاهين بسبب أسماء كبار كتاب الأدب والسيناريو الذين عمل معهم ولكن فوجئت بموافقته السريعة اذ قال لي: «هي دي الفكرة التي أريدها» وبدأت كتابة السيناريو قبل نحو سنة وسبعة اشهر ثم جرت مراجعته 25 مرة عرفت خلالها مدى اهتمام يوسف شاهين بأدق تفاصيل السيناريو والحوار. ولكن التعديلات التي أدخلتها لم تكن في الدراما الأساسية للفيلم التي لم تختلف كثيراً عن النسخة الأولى للسيناريو. أنا اعتبر أن ثقة شاهين فيّ لكتابة أحد أفلامه شرف كبير». وسبق لناصر عبدالرحمن تأليف فيلم «المدينة» ليسري نصرالله الذي ينتظره الآن لاخراج فيلم آخر.

نذكر أن من اشهر أفلام يوسف شاهين في هذا الاتجاه الغاضب نفسه «الاختيار» و «عودة الابن الضال». وكما يحدث في هذين الفيلمين سيحاول أبطال «هي فوضى» الآن البحث عن الحب والحرية.

وعن الفوضى التي يقصدها الفيلم يقول ناصر عبدالرحمن: «هي الحال التي تسود المجتمع وأفراده والتي يمكن لي تشبيهها بالعقد الذي فرط، فتبحث كيف تلملمه مرة أخرى. بمعنى أن الإنسان صار لا يعرف كيف يسير والى اين. المشاعر الأصلية للإنسان «اتلخبطت» والجميع محكوم بقيود حتى السلطة التي يجسدها هنا أمين الشرطة «خالد صالح» بقسوته ومشاعره التي فقدها في ظل خلل أصاب أهل المجتمع المصري الذي شغل عقل شاهين لأكثر من نصف قرن، بمن فيهم الفلاحون في رائعته «الأرض» أو المهمشون في «باب الحديد». يقوم ببطولة «هي فوضى» خالد صالح ومنة شلبي وهالة صدقي ويوسف الشريف وهالة فاخر ورولا محمود.

الحياة اللندنية في 8 ديسمبر 2006

 

"الأوسكار" لهذا العام:

اختيار بين العنيف والأعنف

جهاد الترك 

غالباً ما تخاض معارض "الأوسكار" وراء الكواليس. تعلق صحيفة "النيويورك تايمز" على هذه المسألة في عددها الصادر يوم الخميس الماضي بالقول، ان المشاهد الحقيقية لهذه الجائزة العالمية، تبدو ساطعة في الأسابيع القليلة التي تسبق الاحتفال الرسمي بهذه الجائزة. في الغرف المغلقة حيث تجري المداولات، تفوح أجواء مفعمة بالفوضى والطعن بالظهر والخيانات القبيحة. تضيف الصحيفة، ان لا داعي، هذا العام، لهذا الهرج والمرج والمشاعر العدوانية المتبادلة بين أعضاء اللجنة المانحة للأوسكار. فالأفلام المرشحة لسنة 2007 تنطوي على سفك غزير للدماء، والقتل، والمؤامرات وأصناف من العنف لم تشهد هوليود مثيلاً لها. الطبيعة العنيفة لهذه الأفلام تكاد تلجم المشاحنات الأكثر عنفاً التي بدأت تتوالى فصولاً، في الخفاء، بين أفراد اللجنة التحكيمية. أعمال سينمائية رائعة في شراستها وإظهار فنون الغرائز المنفلتة من عقالها. والسؤال المطروح، في هذه الآونة الصغيرة التي تسبق الأوسكار: هل ثمة مدعاة بعد ذلك للتقاتل بين حكام اللجنة وهم يستعرضون ثلة من الأفلام التي تستوحي العنف الدموي في أشكاله القصوى؟

من بين الأعمال المرشحة للأوسكار، هذا العام، يستلهم شكلاً متطرفاً من الإغراق في مشاهد العنف القاسي "فتيات الاحلام"، "الراحل"، "رايات "أجدادنا" من إخراج كلينت ايستوود، ويدور حول المعارك الطاحنة التي خاضها الجيش الأميركي، متعمداً الذهاب بعيداً في تصور الجثث الممزقة. يضاف اليها: "الماسة الدموية"، "آخر ملوك اسكوتلندا" "أزمنة خطيرة ودموية"، وسواها من النمط عينه. ووفقاً للذهنية التي تدير ترشيح الأفلام لجائزة الأوسكار، لم يحدث ان امتنعت لجنة التحكيم عن اختيار افلام تعالج موضوع العنف بشتى أبعاده، غير أنها كانت تشترط بأن يقترن هذا الأمر بقصة ذات مغزى تمثل وعاء موضوعياً لسنياريو العنف. الأرجح، في هذا السياق، قد نفاجأ، هذا العام، بأن مشاهد العنف الوفيرة للأفلام المرشحة، تشكل، في حد ذاتها، المغزى الروائي المطلوب. العنف يصادر الحبكة الروائية بأكملها. يطغى على السنياريو والحوار. يلقي بظله الثقيل على مساحة العمل السينمائي، بحيث لا يعود الفيلم ذا قيمة تذكر من دونه.

يعزو أعضاء جمعية السينما في هوليود، وعددهم يقرب من ستة آلاف، هذه الظاهرة، الى التطور الكبير الذي طرأ على تقنيات التصوير واستخدام برامج الكمبيوتر بكثافة غير مسبوقة. وهذه من شأنها أن تضعف المضمون الروائي لمصلحة المشهد الذي يخاطب العين قبل العقل. ومع ذلك، تستجيب هذه الاعمال، على الأرجح، للقلق الكامن في الثقافة العالمية المعاصرة، للاضطهاد الكبير الذي يخيم على الفرد.

المستقبل اللبنانية في 8 ديسمبر 2006

يسرا: المهمة صعبة ولكنها غير مستحيلة وخدمة الناس متعة شخصية لي

القاهرة ـ من عمر صادق:  

أربع مناسبات سعيدة تعيشها الفنانة يسرا هذه الأيام مع خبر سيئ، المناسبات السعيدة الأربع هي تكريمها لأول مرة في مهرجان القاهرة الدولي السينمائي في دورته الـ30 والثاني اختيارها كسفيرة للنوايا الحسنة للصندوق الانمائي التابع للأمم المتحدة والثالث عرض فيلمها ما تيجي نرقص في دور العرض الآن، والرابع عودتها للمسرح بعد غيبة طويلة من خلال مسرحية جديدة يشاركها البطولة فيها أشرف عبد الباقي ومحمد هنيدي.

أما الخبر السيئ حدث قبل أن تحزم حقائبها للمشاركة في مهرجان دبي السينمائي وفوجئت بخبر وفاة خالها، والطريف أن أصدقاءها لم يعرفوا كيفية التعامل في هذه المواقف وهل يقدمون لها التهنئة علي تكريمها بمهرجان القاهرة واختيارها كسفيرة بالأمم المتحدة أم يواسونها علي رحيل خالها؟

·         كيف استقبلت كل هذه الأخبار دفعة واحدة؟

الحمد لله علي كل شيء، وأنا انسانة راضية بقضاء الله، ولا بد أن أتقبل كل الأمور بصدر رحب رغم انني عشت مرحلة بين الفرح والسعادة والحزن والألم علي رحيل خالي.

·         ما هو الدور المنوط بك من جانب الأمم المتحدة، وفي أي المجالات؟

اختياري كسفيرة اقليمية للبرامج الانمائية في كافة المجالات المختلفة مثل المرأة وحقوق الأطفال والفقر والثقافة وغيرها.

·         وماذا يشد انتباهك في هذه المجالات تحديدا؟

موضوع الفقر لأنه سبب كل الكوارث التي تحيق بالعالم وتتعرض لها المجتمعات.

·         هل أضاف اليك هذا المنصب الجديد؟

أعمل متطوعة في المقام الأول وبالمناسبة هو منصب شرفي رغم أن هناك من ينظر لهذا المنصب علي أنه مزايا يتمتع بها الفنان وسفريات وبدلات وهذا خطأ ولا أضع هذه المزايا ضمن اهتماماتي وأولوياتي واهتمامي الأول والأخير محاولة مساعدة البسطاء والفقراء والمحتاجين ومكسبي الحقيقي اضافة بسمة للمحرومين.

·         برغم تكريمك في مهرجانات عديدة بالداخل والخارج الا أن تكريمك في مهرجان القاهرة السينمائي له طعم آخر فما السبب؟

لأنها المرة الأولي التي أُكرم فيها من هذا المهرجان اضافة الي أن التكريم جاء أيضا من بلدي وهذا معناه أنه يمثل قيمة كبيرة لي كفنانة صاحبة مشوار سينمائي طويل وأعمال بلغت أكثر من 75 فيلما وبالتالي أنا أعتز بهذا التكريم وأري أن له طعم تاني ومختلف عن التكريمات السابقة.

·         تعودين للمسرح هذا العام بمسرحية جديدة من وراء اقناعك بالعودة؟

حدثني المنتج عصام امام وشرح لي التجربة وتحمست لها جدا وكان من المفروض أن تعرض في الصيف الماضي ولكنها تأجلت لهذا الموسم ويشاركني البطولة محمد هنيدي وأشرف عبدالباقي وبدأنا بروفاتها في الأسبوع الماضي، ولم نستقر حتي الآن علي اسمها.

·         تجربة فيلم ما تيجي نرقص تعرضت لنقد، وهجوم عنيف، فما رأيك فيما وجه اليها؟

أحترم كل الآراء سواء التي أشادت بالفيلم أو التي انتقدته، والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية لأن الاختلاف وارد في كل الأحوال، والفيلم بشكل عام يناقش قضية محورية في المجتمع هي الملل الذي يصيب بعض الأزواج ولا يجدون للخروج منه الا بالرقص!

·         لماذا رفضت فكرة التكريم بمهرجان القاهرة السينمائي في البداية، ثم عدلت عن رأيك؟

عندما حدثني الفنان عزت أبو عوف وطلب تكريمي اعتذرت حتي لا يقال بأننا متفقون عليه، ولكنه أصر، وبالمناسبة أنا لم يسبق لي التكريم في هذا المهرجان، ولم أحصل منه علي شهادات تقدير رغم حصولي علي جوائز عديدة في مهرجانات أخري.

·         برغم اختيارك في مهرجان دبي كعضو لجان تحكيم، لماذا كان التراجع؟

بسبب وفاة خالي.

·     هل تؤيدين اختيار نجوم شباب مثل المخرجة كاملة أبو ذكري وخالد النبوي في لجنة تحكيم مهرجان القاهرة؟ وما رأيك في التجربة بصفة عامة؟

لا بد أن نضخ في شرايين المهرجان وجوها شابة جديدة خاصة أن الجيل الجديد لديه ثقافة سينمائية، والقدرة علي الاطلاع بالنسبة للسينما العالمية، وأنا أؤيد جدا هذا الاتجاه وأطالب بوجود عنصر الشباب في هذه المحافل الدولية.

·         محطات مهمة في مشوار يسرا، ما أهمها؟

مازلت أعتز بمشواري السينمائي حيث قدمت أكثر من 75 فيلما سينمائيا منها تقديم 14 فيلما مع النجم عادل امام و الدويتو الناجح الذي صنعناه معاً، وأتذكر أيضا تجربتي مع المخرج يوسف شاهين وأراها بانها أفادتني علي الصعيدين الفني والانساني.

·         وماذا تسقطين من هذه الرحلة؟

لا أستطيع أن أتنازل عن أي تجربة قدمتها لأنني كنت مخلصة جدا فيها، وتحملت مسؤوليتها من الألف للياء وبالتالي من الصعب أن أتجاهلها.

·         كيف حافظت يسرا برغم أنها تنتمي الي جيل الوسط في التواصل مع جيل الشباب الجديد؟

أنا حريصة علي أن أعيش علي شاشة السينما مراحل تطور حياتي ولم أقع في فخ مرحلة عمرية واحدة وأقدم ما يناسبني في كل رحلة ويناسب وضعي كفنانة ومكانتي التي وصلت اليها.

·         وسر سعادتك بفيلم ما تيجي نرقص ما أسبابه؟

لأنها العودة مرة أخري الي المخرجة ايناس الدغيدي منذ فيلم الوردة الحمراء ولم نلتقي خلالها في أي أعمال، الي جانب أن العمل يطرح قضية مهمة مع احترامي للنقاد الذين انتقدوه.

·         انشغالك بالمسرح ومنصبك الجديد كسفيرة للنوايا الحسنة وقراءتك لعدة سيناريوهات في السينما، كيف توفقين بينها؟

اعترف بأن المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة وبعون الله سوف أستطيع القيام بحمل هذه المسؤولة وسوف أنظم وقتي بينها جميعا وربنا يوفقني في هذه المهمة ودعوات جمهوري لعظيم الذي منحني ثقته طوال مشواري الفني.

القدس العربي في 7 ديسمبر 2006

 

 

عراقي ينظر الى بلده من خلال فيلم لبناني من السويد...

زوزو ... في مهب الريح!

عمان - يوخنا دانيال 

احتفلت لجنة السينما في مؤسسة عبدالحميد شومان في عمّان بالسينما اللبنانية خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت بعرض أفلام روائية طويلة وقصيرة وتسجيلية ورسوم متحركة، اضافة الى مختارات من أفلام تعود الى أعوام سابقة. وقد بدأت التظاهرة بالفيلم الروائي اللبناني/ السويدي «زوزو» للمخرج جوزيف فارس، وتلاه الفيلم الروائي «البيت الزهر» من إخراج جوانا توما وخليل جريج. وهنا وقفة عند «زوزو» الذي لفت أنظار جمهور عمان حقاً.

في اليوم الذي تُكمل عائلة زوزو كل إجراءات السفر الى السويد وتقرر الرحيل فعلاً... يقتل أفراد العائلة نتيجة سقوط قذيفة عشوائية على الشقة التي تسكن فيها، ويبقى منها على قيد الحياة زوزو وأخوه الأكبر داني فقط، اللذان كانا خارج المنزل وقت القصف. لكنهما سرعان ما يفترقان عن بعضهما بعضاً بسبب الاقتتال الضاري في المدينة المجنونة بيروت التي يهيمن عليها المسلحون الملثمون من مختلف الميول السياسية والطائفية. وتبقى مع زوزو جوازات السفر والتذاكر... تذكّره بضرورة السفر الى السويد ليلتحق بالجد والجدة.

زوزو طفل حساس، يدخل في علاقة صداقة مع «صوص» صغير، يتبادل معه الأحاديث «الوهمية» حول البلد والهجرة والحب والبنات، يهيم على وجهه بعد مقتل العائلة. يدخل في عوالم فنتازية أحياناً، ويتعرف الى فتاة صغيرة جميلة، يحلم معها ببيت وعائلة و... و... وأخيراً يركب الطائرة بمعونة قائد ميداني لإحدى المليشيات، ليصل الى السويد... ويبدأ حياة جديدة مع جده وجدته بعد كل هذه المعاناة.

لكن كوابيس الماضي القريب تؤرقه، وهو لا يستطيع ان يكون قوياً وعنيداً مثلما يريد له جده، ويعجز عن مواجهة العنصريين الصغار في المدرسة.

المخرج جوزف فارس يكتفي بالعرض ويتجنب تقديم الحلول، يتعاطف ولا يلجأ الى الخطابة... لذا تبرز الكاميرا بقوة في فيلمه، مثلما يبرز الشريط الصوتي «الحربي» المصاحب... ليعيد خلق مشاهد الحرب والتفجيرات في شكل واقعي مذهل، لا بل يبالغ في خلق هذه المشاهد حتى في السويد الهادئة... لخلق التأثير الدرامي اللاحق.

لكن تظلّ أضعف نقطة في الفيلم التمثيل او الأداء... لكن هذه ليست مشكلة المخرج الرئيسة، وربما هو لا يهتم بها كثيراً... حتى الحوارات بسيطة، وغير مقنعة أحياناً. لكن كل هذا لا يهم كثيراً، أمام هيمنة الصورة في المشاهد الفنتازية، والصوت في المشاهد الحربية. وتقريباً، نستطيع القول ان الفيلم يبدأ فعلياًً بمشهد قصف منزل عائلة زوزو، حيث يأخذ الفيلم منحى سريعاً جداً... ولا يتوقف الفيلم أبداً للتأمل في ما جرى... لكن ما جرى يعود أحياناً بصورة رؤيا «سماوية»... يسائلها زوزو لماذا حصل ما حصل، وهل يمكن أن تعود أمه الى الحياة؟

زوزو... طفل لبناني في الحادية عشرة من العمر... صورة الانسان العربي في بلدان مزقتها الحروب والفتن الداخلية و/ أو الخارجية مثل لبنان وفلسطين والعراق والسودان وغيرها... الوطن فيها يختزل في النهاية الى حقيبة وجواز سفر وذكريات مرّة وحميمة... أما الثروات فيهيمن عليها المسلحون والسياسيون الفاسدون.

وللحق، إنه شيء جميل ومهم ان يصنع في هذا الوقت فيلم بطله طفل صغير، فيلم يعيد الى الذاكرة تلك الحرب الطويلة المجنونة في لبنان، ويرجّع أصداءها التي تتكرر الآن في العراق والسودان وفلسطين؛ اقتتال شبه أهلي، إرهاب، احتلال، فساد ورشاوى، هجرة يومية للأهالي بالآلاف الى دول الجوار وأبعد منها.

في عمّان، وأنا أشاهد الفيلم... شعرت بالعراق، الذي تركته، بقوة. كنت مثل زوزو بعدما وصل الى السويد، كنت آمناً... لكنني مصدوم ومجروح... والجرح يصعب علاجه. أشباح الماضي والذكريات تطارد الحاضر والمستقبل. لقد استطاع المخرج ان يثير تساؤلات إنسانية راهنة على رغم موضوع فيلمه القديم، الحرب لا تزال قائمة في العالم العربي وتمسّ الجميع... حتى في البلدان التي لا تعاني منها في شكل مباشر... الحرب أصبحت حالة ذهنية!

يحمل الفيلم رسالة مطلقة ضد استخدام العنف، ويختار زوزو وصديقه السويدي «المنفتح» ان يسلكا بطريقة مختلفة – عمّا يريده جد زوزو – في صراعهما ضد العنصريين في المدرسة، فيتجنبان الاشتباك بالأيدي... لئلا تنتقل التفجيرات والعنف الى السويد أيضاً. لكنني أتساءل أحياناً، أمام تنامي كل أنواع الأصوليات والعنصريات والرجعيات، أمام تنامي كل أشكال العنف وأساليب الإرهاب... ماذا علينا ان نفعل... هل ان خيار عدم المواجهة و/ أو المواجهة بالكلام فقط كافيان في هذه الأوقات! انه مجرد تساؤل، يذكّرني بالفيلم الجميل «عزيزتي ويندي» عن مجموعة من المراهقين المسالمين، على هامش المجتمع، يعشقون الأسلحة النارية، ويتفننون ويبرعون في استخدامها باعتبارها فناً ورياضة وأناقة... ولا يستخدمونها أبداً لحلّ المشكلات أو للدفاع عن النفس. لكنْ، في النهاية يضطرون لاستخدامها، ويموتون جميعاً في مجزرة رهيبة!

الحياة اللندنية في 8 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

ناصر خمير «بابا عزيز ...» في حوار مع «الحياة»...

السينما طوّرت شعوري بالحرية لكن الرقابات تعيدني الى الماضي

باريس - ندى الأزهري

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك