>> كيف بدأت علاقة حليم بصلاح سالم قبل الثورة >> أسرار لقاءات حليم بعدالناصر.. وكيف أنقذه الرئيس من نفوذ صلاح نصر؟ >> سر علاقة عبدالحليم بزوج ابنة السادات رقية >> لماذا منع السادات عبدالحليم من الغناء باسمه وسمح بذلك لفايدة كامل فقط >> هل كان عبدالحليم هو الواسطة التي دعت السادات للإفراج عن مصطفي أمين؟
كان عبدالحليم حافظ صديقا للرؤساء والملوك بداية من عبدالناصر والملك الحسن الثاني والرئيس بورقيبة وأحمد بن بيلا وأمراء الخليج والسعودية والشيخ كمال أدهم رئيس المخابرات السعودي.. فماذا عن علاقته بالرئيس السادات وكيف تأثرت بتاريخه الطويل مع جمال عبدالناصر. كان عبدالحليم أحد أهم رموز المرحلة الناصرية وأحد أهم أدوات ناصر في الوصول إلي الناس لشرح مبادئه وأهدافه ومواقفه السياسية وعلي المستوي الشخصي كان حليم هو أقرب الفنانين إلي الرئيس بعد أم كلثوم.. وعندما جاء السادات ليسير علي خط عبدالناصر بأستيكة كما كان يحلو له أن يقول في جلساته الخاصة وعندما بدأت حملة التشهير والتشويه لعبدالناصر وفترته كلها بظهور كتابي «عودة الوعي» لتوفيق الحكيم و«حوار خلف الأسوار» لجلال الحمامصي.. ثم انضم لها كثيرون من كتاب وفنانين.. آثر الكثيرون من رموز المرحلة الناصرية ـ الذين لم يهاجروا من مصر ـ ومنهم صلاح جاهين مسايرة الموجة الجديدة فاعتذر صلاح جاهين عن أغنياته التي كتبها أيام عبدالناصر واعتبرها سقطة منه ساهمت في تزييف وعي الناس وتحذيرهم عن مآسي ناصر وحقبته.. ولكن جاهين نفسه عاد واعتذر لتحية عبدالناصر عما قاله في حق الزعيم عندما مرضت وأرسل إليها باقة ورد ولكن ذلك كان بعد وفاة السادات في أكتوبر 1981.. فماذا عن عبدالحليم حافظ الذي لم تواته الفرصة للتراجع عن مواقفه حيث توفي في مارس 1977 في حياة السادات.. فكيف عاش أيامه مع السادات وكيف تأثرت آراؤه في عبدالناصر وحقبته بالجو العام السائد في البلد ومصالحه هو وقتها. > كيف بدأت علاقة عبدالحليم بعبدالناصر وكيف تطورت هذه العلاقة؟ ميلاد نجم - مصادفة ربطت بين عبدالحليم والعهد الجديد.. تفاءل بهذه المصادفة وربما تشبث بها ليتحول من مجرد مطرب عادي إلي شيء أكبر وأعظم وأخلد.. اختاره وجيه أباظة مدير الشئون العامة بالقوات المسلحة التي تشرف علي احتفالات عيد الثورة الأول في يوليو 1953 بعدما استمع إلي صوته.. خاف عبدالحليم لأن كل نجوم الحفلة من الوزن الثقيل.. وكان اخفاقه في حفل الاسكندرية حيث هاجمه الجمهور ومطالبته بنزوله من علي المسرح ليس ببعيد. ولكن القدر يتدخل ليدخل قدرا من التفاؤل إلي نفسه.. ففي نشرة الساعة الحادية عشرة من مساء يوم الحفلة وقبل ظهوره بساعة علي المسرح يذاع نبأ إلغاء الملكية و إعلان الجمهورية ويعلن مذيع الحفل الداخلي النبأ فتنطلق موجة عارمة من الفرح والتصفيق بين الجمهور وعندما يحين موعد ظهوره علي المسرح يقدمه يوسف وهبي قائلا: «مع إعلان ميلاد الجمهورية نعلن ميلاد مطرب جديد هو عبدالحليم حافظ».. ويغني عبدالحليم (صافيني مرة) وتكون المفاجأة هي تصفيق الجمهور تصفيقا شديدا له مما كان يعني له شهادة ميلاده الفنية. وعندما بدأ نجم جمال عبدالناصر يعلو كزعيم بدأ ارتباط عبدالحليم حافظ به علي المستويين الفني والشخصي.. علي المستوي الفني كانت البداية بأغنية «إحنا الشعب» والتي كان نجاحها دافعا قويا لكي يستمر عبدالحليم في تقديم الأغنيات الوطنية علي تقديم أغنية وطنية جديدة كل عام. سيناترا السويس جاء الارتباط الشديد بين الثورة وزعيمها والمطرب في عام 1956 عندما غني عبدالحليم «يا أهلا بالمعارك» من تأليف صلاح جاهين وألحان كمال الطويل والتي صادفت نجاحا فاق كل تصور.. ثم أغنية «ذكريات» تأليف أحمد شفيق كامل و ألحان محمد عبدالوهاب.. وفيها صور أيام الاحتلال البريطاني لمصر وتصادف أن أصيب عبدالحليم في نفس العام بنزيف وكان من الضروري علاجه في لندن فسافر إلي سويسرا ومنها حاول الحصول علي تأشيرة دخول إلي انجلترا فأفهمه الموظف المسئول بالسفارة أنه علي القوائم السوداء لأنه يسب بريطانيا في أغانيه كما يسبها زعيمه عبدالناصر في خطبه وأرادت بريطانيا أن تحاربه فأعلنت إذاعة الـ «بي.بي.سي» نبأ وفاته في صدر نشرات أخبارها قبل أن يصل إلي فندقه في سويسرا وأنقلبت الدنيا في مصر والوطن العربي وسويسرا وأخذت الوفود تتجه إلي مقر إقامته لتلقي عليه نظرة وداع والخارجية المصرية تستفسر من سفارتها في زيورخ لتبلغ عبدالناصر أن الخبر مجرد شائعة لكن صحفي بريطاني يتبني قضية عبدالحليم ويثير الرأي العام العالمي لأن الرجل يريد العلاج وكانت الصحف البريطانية تسمي عبدالحليم سيناترا السويس اعترافا بدوره الكبير في حرب السويس وأمام الضغوط ترسل بريطانيا مندوبا من سفارتها بسويسرا يخبر عبدالحليم بموافقة حكومته علي دخوله بريطانيا للعلاج.. وبعد ذلك اصبح عبدالحليم حافظ رسميا هو مطرب الثورة الذي يسجل انجازاتها الكبري والذي يبسط شعاراتها للناس. المطرب والزعيم والواقع أن علاقة عبدالحليم بالثورة ورجالها كانت ترجع إلي ما قبل الثورة يقول عبدالحليم حافظ في مذكراته لإيريس نظمي: «كنت أعرف صلاح سالم وأخوته خاصة يحيي ضابط البوليس قبل قيام الثورة.. ولم تنقطع الصلة بيننا بعدها.. وذات يوم فوجئت بالصاغ صلاح سالم يقول لي سأقدمك للرئيس عبدالناصر.. ووجدت نفسي أمام الرئيس عبدالناصر الذي ابتسم في وجهي بود حقيقي وهو يقول لي: احنا بنعتبرك ظهرت مع الثورة. ويقول عبدالحليم في نفس المذكرات: - كنت أشعر أن الرئيس عبدالناصر يحبني فعلا وقد تأكد حبه لي في أكثر من موقف.. حدث عندما وضعت الرقابة علي التليفونات أنني عرفت أن تليفوني أيضا من بين التليفونات التي وضعت عليها المراقبة وقد سبب لي ذلك نوعا من الضيق والانزعاج لكن الرئيس أمر فورا برفع الرقابة عن تليفوني.. كنت أشعر أن صلاح نصر مدير المخابرات يحاول أن يستغلني ويورطني في عمل غير مشروع وأنا فنان عملي الوحيد هو الفن إنني لبلدي وللناس ولا أحب إطلاقا أن تكون لي علاقة بأجهزة صلاح نصر وعندما عرف الرئيس هذه المخاوف والشكوك التي تساورني أنقذني منها وبدأت أشعر بالأمان. موقف ثالث أكد حب الرئيس جمال عبدالناصر لي فعندما أثير موضوع الضرائب المستحقة عن أجور ومكاسب الفنانين.. اختارني أنا والاستاذ عبدالوهاب فقط لكي يناقشنا ويسمع آراءنا.. ولم يتكلم الأستاذ عبدالوهاب كثيرا في هذا اللقاء وتوليت أنا شرح موضوع الضرائب ومطالبنا وتحفظاتنا. - كان الرئيس جمال عبدالناصر دائم السؤال عن حالتي الصحية وكان يناديني دائما (يا حليم .. عامل إيه يا حليم).. إن شاء الله تكون مبسوط (يا حليم وصحتك كويسة).. حتي في المسائل الشخصية التي تشغلني دائما كنت أحس إنني قريب منه.. وفي حفلات زواج أبنائه وبناته كنت دائما أول الحاضرين. غير أن عبدالحليم يعتبر أن أكبر تكريم له في حياته هو موقف الرئيس عبدالناصر منه عندما عملت أم كلثوم في أحد أعياد الثورة علي ألا يغني بين وصلتها كما تعود حتي يغني متأخرا بعدما ينصرف الناس ولما علم الرئيس أرسل سكرتيره محمد أحمد ليقول له إن الرئيس يطلب اشتراكه في حفل 26 يوليو في الاسكندرية وهو ما اعتبره رد اعتبار له وتكريما من الرئيس في شخصه. الغناء للرئيس غني عبدالحليم حافظ اسم الرئيس جمال عبدالناصر في العديد من أغنياته.. > في عام 1959 كان عبدالناصر قد أطلق شعار مجانية التعليم وأصبح من حق أبناء الفقراء دخول الجامعة بعدما كانت محرمة عليهم وصور عبدالحليم المسألة في صورة درامية بالغة الجمال والتأثير في كلمات لمرسي جميل عزيز وألحان كمال الطويل أغنية (ذات ليلة) وقد غناها عبدالحليم في حفل أقيم لصالح طلبة الجامعات قال فيها: ذات ليلة.. هبت الريح هزت في عناء بابي.. واطفأت مصباحي.. لم أجد نارا لدي.. لم أجد في البيت شيء.. غير أم هي لا تملك إلا الدعوات.. وأب لم يبق غيري للسنين الباقيات.. والنهايات السعيدة أصبحت عني بعيدة.. دقت الباب قلوب طيبة.. قالت انهض وتقدم لا تبالي.. بالليالي وتصاريف الليالي.. سوف نحمو عن لياليك الحزن.. سوف ننبو بك من كيد الزمن.. قم فباب العلم رحب في إنتظارك.. قم وشارك وابن بالعلم الوطن.. قلت من أين أتي هذا الشعاع.. قال الاهداء: من قلب شجاع.. إنه جد جمال.. إنه قلب جمال > في عام 1960 وفي احتفالات وضع حجر الأساس للسد العالي بكل ما كان يمثله من رمز للصمود والتحدي والارادة المصرية يغني عبدالحليم (ملحمة السد العالي) من كلمات أحمد شفيق كامل وألحان كمال الطويل والتي تبدأ بالكورس يغنون: قلنا حنبي وأدي احنا بنينا السد العالي.. استعمار بنيناه بأدينا السد العالي.. في إشارة واضحة لكيد العزال بالمفهوم الشعبي المصري ويدخل صوت عبدالحليم علي الكورس إخواني.. ويكرر النداء حتي يقف صوت الكورس كما كان يفعل عبدالناصر في بدء خطاباته ليوقف هتافات الجماهير الصاخبة.. ويقول عبدالحليم متقمصا شخصية عبدالناصر.. الحكاية مش حكاية السد.. حكاية الكفاح اللي ورا السد.. حكايتنا إحنا.. هي حكاية حرب وتار بينا وبين الاستعمار. القرارات الاشتراكية > في عام 1963 كانت القرارات الاشتراكية قد صدرت منذ عامين وبدأت تحقق نتائجها توزيع الثروة علي القاعدة العريضة من الشعب وكان إحساسا عاما بالزهو والفرح والنشوة يسود الجميع فالبلد أصبحت دولة بكل معاني الكلمة فيها صناعات حديثة خفيفة وثقيلة فيها استصلاح وإستزارع أراض جديدة والأرض القديمة وزعت علي صغار الفلاحين.. وسط هذا الجو وفي احتفال عيد الثورة الذي حضره جمال عبدالناصر وباقي أعضاء مجلس قيادة الثورة يغني عبدالحليم كلمات صلاح جاهين وألحان كمال الطويل «المسئولية» ويقول: ريسنا فلاح ومعدينا.. عامل وفلاح من أهالينا. ومنا فينا الموج والمركب.. والصيحة والريس و الزينة.. أحلف بقرآني وإنجيلي.. بهدف عظيم دائما يناديلي.. وتلتهب الجماهير وهو يشير إلي جمال عبدالناصر ويقول: أحلف بكل صبي وصبيه.. بعيونهم الحلوة العربية.. وبجمال وجرح قديم في جبينه.. أحلف وأعاهد أعيش مجاهد.. والرب شاهد إني أمين ع المسئولية.. > في عام 1964 يغني عبدالحليم كلمات صلاح جاهين وألحان محمد الموجي (بستان الاشتراكية).. ويفسر فيها معني الاشتراكية التي كادت تصبح لغزا مستعصيا علي الفهم من كثرة ما كتب فيها المتخصصون وغير المتخصصين محاولين تفسيرها ويقول: ما فيش أنا فيه إحنا يا صاحبي.. أنا وأنت.. وأنت وهو وهيه.. علينا نعمل الاشتراكية.. من كلمة حلوه.. للقمة حلوة.. وبيت وكسوة، وناس عايشين.. آدي القضية. > وتجيء الهزيمة في عام 1967 وتذهب الأحلام الوردية لتبدأ مرحلة رفض الهزيمة والتمسك بالزعيم ومحاولة إزالة أثارها ويدرك عبدالحليم دوره في هذه المرحلة فيغني متمسكا بالزعيم: ناصر يا حرية.. ناصر يا وطنية.. يا روح الأمة العربية يا ناصر.. ويغني «من قلب المواكب».. «البندقية اتكلمت».. «إبنك يقولك يا بطل» و«عدي النهار» التي قيل أن عبدالناصر كان يسأل إذا لم يسمعها في الاذاعة وأصبحت عن أصدق أغنية معبرة عن شعور المصريين بالهزيمة ورفضها.. ويغني عبدالحليم «أحلف بسماها» والتي جعلها قسما يردده في كل حفلاته العامة والخاصة قبل أي غناء عاطفي وحتي نصر أكتوبر 1973 وغيرها بعدها إلي أغنية «عاش اللي قال» تحية منه للرئيس السادات. حليم والسادات - عن بداية علاقته بالرئيس السادات يقول عبدالحليم في مذكراته لإيريس نظمي: .. إذا كان صلاح سالم ـ رحمه الله ـ هو الذي عرفني وقدمت للرئيس عبدالناصر فهو أيضا الذي عرفني وقدمني للرئيس السادات.. عرفته إنسانا هادئا رزينا يفكر في كل كلمة يقولها وكل موقف يتخذه.. وأحيانا كنت أشعر بأنه مغلوب علي أمره، وكان شعوري دائما إنه أحد الثوار الحقيقيين الذين كان لهم دور كبير قبل قيام الثورة.. لقد عمل الرئيس فترة بالصحافة.. وهذا ما جعل العلاقة بيني وبينه تقوي أكثر.. دائما كنت أناقشه في أمور كثيرة كواحد من المسئولين عن العمل الصحفي.. وكنت أجد في مناقشاته دائما الآراء العاقلة السليمة. لقد تنبأت بأن هذا الرجل سيبقي استمرارا للثورة. .. ولن يختفي كما اختفي آخرون.. وإذا حدث شيء لعبدالناصر فهو الذي سيخلفه.. لقد كان عبدالناصر منعزلا إلي حد ما.. أما السادات فلم يكن منعزلا بحكم عمله وصلاته بالناس.. إن البعض قد حاولوا أن يعزلوا عبدالناصر وقد نجحوا فعلا في عزله.. ولكن أنور السادات كان يعمل دائما لصالح عبدالناصر.. وأنا أحب السادات وأشعر دائما بأنه يحبني ويحب الفن وهو يريد للفن أن يظل شعلة مضيئة ترفعها مصر.. إنه يريد لمصر دائما أن تظل منبعا للفن والفكر والحضارة وأبناء الرئيس أشعر دائما أنهم إخوتي وقريبون مني مثل أبناء الرئيس جمال عبدالناصر وأبناء المشير عبدالحكيم عامر.. وإن كنت أشعر بأن أبناء الرئيس السادات فيهم بساطة الفلاحين». - بالطبع هذا الكلام قاله عبدالحليم أيام كان السادات رئيسا للجمهورية ـ رغم أنه من المتوقع. أن ينشر بمجرد عودته من رحلة علاجه الأخيرة ليراجعه ويضيف إليه ما قد يكون نسيه من ذكريات حسب ما كتبت ايريس نظمي في مقدمة كتابها. < مقارنة أو نفاقا لذلك لم يكن مستغربا أن يصف عبدالناصر بالانعزال عن الناس مقارنة بالرئيس الحالي وربما نفاقا له ولم ينس أن يجامل أبناء الرئيس الحالي أيضا بأن فيهم بساطة الفلاحين وكأن ابناء الرئيس السابق أو أبناء عبدالحكيم عامر ليسوا كذلك بمبدأ المخالفة.. ولكنه عبدالحليم الذي يحافظ علي مصالحه في الدولة الجديدة التي حظرت إذاعة كل أغنياته الوطنية من الاذاعة والمرتبطة بأعياد الثورة وناصر ومعاركه وإنجازاته.. إنه العصر الذي بدأت فيه وبعد حرب أكتوبر مباشرة أكبر حملة لتشويه جمال عبدالناصر وحقبته التي بدأت بكتاب توفيق الحكيم (عودة الوعي).. الذي يهاجم عبدالناصر .. وكتاب جلال الدين الحمامصي (حوار خلف الأسوار) والذي يصور التعذيب والمعتقلات في سجون عبدالناصر بكثير من التجني بل أنه اتهم عبدالناصر باختلاس بعض التبرعات الخليجية لمصر.. ووصل الأمر إلي مداه عندما هاجموا السد العالي وما جره علي مصر من خراب حتي إن صاحب مطعم شهير دخل المزاد هو الآخر وقال إن السد منع تدفق مياه النيل وجعل منظرها كئيبا وكتب فليب جلاب وقتها كتابا يرد علي كل هذه الافتراءات اسمه (هل نهدم السد العالي). - عموما عبدالحليم حافظ من جانبه دخل المزاد ولكن علي استحياء وحذر.. ويذكر عبدالحليم حافظ في موضع آخر من مذكراته لايريس نظمي مناسبة أخري له مع الرئيس السادات وطعنا في ناصر وحقبته. - لقد كنت أعيش مع مصطفي أمين في نفس المسكن الذي تم فيه إلقاء القبض عليه بتهمة الاتصال بأحد رجال المخابرات الأمريكية.. كانت مفاجأة لي لأنه كان يقول إن هذه الاتصالات تتم بناء علي تعليمات صادرة من شخصيات كبيرة وإذا كانت اتصالات سرية فلماذا يبوح بها ويتحدث عنها بهذه الصورة.. لقد شعرت أن هناك خيانة و أنه وقع في مصيدة أعدت له فالكبار يعرفون أنه يجري الاتصالات مع ذلك الأمريكي فلماذا يلقون القبض عليه وهم الذين يطلبون منه عمل ذلك.. إن هناك من خان هذا الرجل لكن من الذي خانه لا أستطيع أن أعرف.. وبعد أن دخل السجن قدمت طلبا لكي أدخل وأزوره وأطمئن عليه فقد يحتاج إلي علاج أو أدوية استطيع أن أحضرها له.. وأحضرت له كل الأدوية التي طلبها من لندن وكانت تصله باستمرار في زنزانته.. وبدأت محاولات السعي لاخراجه من السجن وحاولت الاتصال بكل الناس الذين أعرف أن لهم صلات قوية بالرئيس عبدالناصر حتي يتدخلوا لديه من أجل الافراج عن مصطفي أمين لكن هذه المحاولات باءت بالفشل وعندما أصبح أنور السادات رئيسا للجمهورية انتهزنا فرصة إقامة حفل زفاف إحدي بناته وتحدثنا معه الأستاذ موسي صبري والاستاذ أحمد رجب والاستاذ أنيس منصور وأنا.. قلنا للرئيس السادات إن مصطفي أمين يعاني من المرض في السجن وإن عيد ميلاده الستين يقترب ورجونا أن يفرج عنه وسأل الرئيس عن علي أمين وقال: - هل هو موجود هنا؟ قلنا: نعم قال الرئيس: خلوه ينتظر لما يطلع أخوه. وفي اليوم التالي مباشرة أفرج الرئيس السادات عن مصطفي أمين علاقات عائلية - علي جانب آخر كانت علاقت عبدالحليم بالسادات من الناحية العائلية جيدة فهو مدعو في حفلات زواج البنات وهو مدعو في الحفلات الخاصة للرئيس في استراحات المعمورة والقناطر بل إن آخر حفلات عبدالحليم قبل سفره مباشرة إلي لندن حيث وتوفي في استراحة المعمورة وشاركته فيها ياسمين الخيام.. كما حضر عيد ميلاد جيهان الصغري كريمات الرئيس وخطبة لبني الإبنة الكبري للرئيس من زوجته جيهان وفي هذا الحفل الذي أقيم في استراحة القناطر تم الصلح الشهير بين عبدالحليم وأم كلثوم حيث طبع علي يدها قبله التقطتها عدسة فاروق إبراهيم.. وكذلك عندما واجه عبدالحليم صعوبة في اصطحاب طبيبه الخاص هشام عيسي معه في رحلة علاجية له لأن الدكتور مجند كضابط احتياط بالجيش طلب عبدالحليم من زوجة الرئيس وصدر قرار من الرئيس بسفر عبدالحليم ومرافقة طبيبة علي نفقة الدولة.. كذلك كان عبدالحليم حافظ علي علاقة وثيقة بالدكتور أمين عفيفي مدير مستشفي المعادي وأحد اطبائه المعالجين وزوج ابنه الرئيس السادات الكبري رقية من زوجته الأولي إقبال ماضي كما ربطته بها وبشقيقتها الصغري كاميليا صداقة. لكن كل هذه الصلات والروابط لم تجعل عبدالحليم مدعوا في الحفلات الرسمية للرئيس فالرئيس يعلم أن حليم أحد رموز فترة عبدالناصر ولذلك منع اغنياته الوطنية من الاذاعة وحظر الغناء باسمه إلا لفايدة كامل عضو مجلس الشعب وزوجه النبوي إسماعيل.. لذلك عندما أراد عبدالحليم أن يغني لنصر أكتوبر غني «عاش اللي قال» ولم يذكر فيها اسم السادات.. وغني خللي السلاح صاحي.. لفي البلاد يا صبيه.. وعندما افتتح السادات قناة السويس للملاحة في 5 يونيو 1975 غني حليم «المركبة عدت.. والنجمة مالت ع القمر.. ولم يكن اسم الرئيس في أي واحدة من هذه الأغنيات فقد كان المطلوب من عبدالحليم حافظ أن يتجول إلي مطرب عاطفي فقط وألا يدخل في جوقة الرئيس السادات حتي لو أراد هو ذلك. جريدة القاهرة في 5 ديسمبر 2006 |
ضوء ... مفارقات إنسانية السينما عدنان مدانات يتضمن الفيلم الجنوب إفريقي “تسوتسي” الحائز جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعام 2006 مفارقة لافتة للنظر وتستحق التأمل فيها. فالفيلم يعكس من خلال حكايته معاناة إنسانية لفتى أسود يرأس عصابة من الفتيان، وهو فتى قاس لا يتورع عن قتل ضحاياه بدم بارد. وفي الفيلم أكثر من مشهد قتل من هذا النوع. يعتدي هذا الفتى ذات ليلة، وبهدف السرقة، على امرأة وهي على وشك الدخول بسيارتها في مرآب منزلها ويطلق عليها النار ويصيبها بجراح خطيرة. ثم أنه يسرق سيارتها وينطلق بها. وبسبب عدم خبرته بالقيادة ينحرف عن الطريق فتتعطل السيارة. وحين يهم بالهرب يسمع صراخ طفل رضيع مستلق في المقعد الخلفي. فما يكون منه، وبعد تردد، إلا أن يخطف الطفل الرضيع ويهرب به. بعد هذا الحادث يتغير مسار الفيلم إلى حد كبير، ولا يعود الموضوع يتعلق بعصابة فتيان، بل بمأساة بطل الفيلم الذي قرر الاحتفاظ بالطفل بعد أن ملأه وجود الطفل معه بعواطف إنسانية جعلته يستعيد بألم ذكريات طفولته البائسة ويحاول التعويض عنها عن طريق تبني الطفل. ومع ذلك يقرر في نهاية المطاف، إثر صحوة ضمير، أن يعيد الطفل إلى أمه التي باتت مقعدة. بغض النظر عن هذا الجانب من حكاية الفيلم المبني وفق قواعد الميلودراما، وهو الأمر الذي يؤثر في النفوس الطيبة وقد يجعل البعض منهم يعتبرون أو يستنتجون أن الفيلم إنساني النزعة، ثمة مشهد قصير في الفيلم بدا لي قاسيا مزعجا وصادما للمشاعر إلى حد يشي بانعدام الإنسانية عند من صنعوه. وهنا لا بد أن استدرك قبل وصف المشهد المعني وأقول إن هذه الملاحظة لا تقتصر على المشهد المعني في فيلم “توتسي”، بل تشمل آلاف الأفلام المعاصرة التي يمكن وصفها بالأفلام السادية والتي تستغرق في تصوير العنف الدموي البشع وكأنها تستمتع بعرضه على المتفرجين. وليس الهدف من هذه الملاحظة تقديم تحليل للفيلم بل الهدف هو استغلال هذا المشهد كنموذج يفيد في توضيح الفكرة. من حيث المبدأ، كان يفترض في مشهد كهذا يتعرض فيه طفل لهذا العنف أن يثير ثائرة المعنيين بحقوق الإنسان عموما والأطفال خصوصا والمنتمين إلى الهيئات والمنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية وربما حتى جمعيات الرفق بالحيوان، غير أن المشهد مر بسلام ولم يعترض عليه أحد والفيلم صار حديث الإعلام بعد أن نال جائزة أمريكية كبرى تسببت في إثارة فضول الناس لمشاهدته. يمكن تفسير هذا الأمر على النحو التالي: المشهد المذكور هو جزء من فيلم هو بدوره جزء من عدد كبير جدا من أفلام تندرج في إطار سينما واسعة الانتشار كانت ولا تزال لا تتورع، يوما إثر يوم، وعلى نحو متسارع الوتيرة وبإتقان غير مسبوق، عن المغالاة في تصوير وعرض العنف الدموي في أقسى ممارساته وأبشع أشكاله وحالاته، وتتسبب نتيجة التكرار في تصوير وعرض مشاهد العنف بمناسبة وبدون مناسبة، في تعويد العين والأذن والنفس على استقبال ومن ثم تقبل صور العنف البشعة المنفرة دونما اعتراض وكأنها من طبيعة الأمور. الجائزة التي حصل عليها فيلم “توتسي” هي جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. تنافس الفيلم على هذه الجائزة مع فيلم المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد “الجنة الآن” والذي يتمحور حول استعداد اثنين من الشبان الفلسطينيين للقيام بعملية انتحارية ضد جنود “إسرائيليين”، وهي نوع من العمليات التي يصفها الغرب بالإرهابية وتركز محطات التلفزيون العالمية على عرض المشاهد المصورة في مسرح هذه العمليات والتي تتضمن صور أشلاء القتلى وأجساد الجرحى الملطخين بالدماء أو المبتورة أجزاء من أعضائهم. يبين المشهد الأخير من الفيلم أحد هذين الشابين وقد نجح في ركوب حافلة مليئة بالجنود “الإسرائيليين” الذين يريد قتلهم. وينهي المخرج المشهد بشاشة بيضاء تماما يقصد منها القول إلى أن الشاب قد فجّر نفسه. ثم إن المخرج يتوقف عند هذا الحد ولا يصور عملية التفجير وبالتالي لا يعرض أمام أنظار المتفرجين صورا بشعة منفرة فيها قتلى وجرحى ودمار، أي أن المخرج التزم بالمبدأ الأخلاقي في التعبير الفني ولم ينجرّ وراء سرطان عرض مشاهد العنف وسار بذلك عكس التيار السائد في السينما العالمية، وهذا ما اعتبره العديد من النقاد الغربيين واحدا من إنجازات الفيلم. من نافل القول انه لا يجوز وضع صورة لوجه طفل تتجول فوق أعداد من النمل في حالة مقارنة مع صورة إنسان مقتول مغطى بالدماء ومحاط بالأشلاء من حيث شكل ومنسوب العنف في كل منهما، لكن بالمقابل، من المنطقي اعتبار أن الصورتين تعتمدان على نفس المبدأ. الخليج الإماراتية في 5 ديسمبر 2006
النقاد الأمريكان اعتبروه دعوة للشيوعية! درس مجانى للعرب فى المشاغب والنمل أحمد يوسف فى الصباح كنت فى إحدى صالات العرض أشاهد فيلم التحريك الأمريكى الطويل المشاغب والنمل، الذى يفترض أنه يتوجه إلى الأطفال، لكننى كنت مع جمهور الأطفال والبالغين نشعر بسعادة بالغة من ذكاء صناع الفيلم فى توصيل رسالة سياسية وأخلاقية رفيعة دون أن يفقدوا للحظة واحدة قدرتهم على الإمتاع الحسى والوجدانى والعقلى للمتفرجين الكبار والصغار معاً. وفى مساء اليوم نفسه كنت أطوف بالصدفة فى إحدى الأسواق المزدحمة بالمقاهى، التى كانت تعرض جميعاً فى تليفزيوناتها فيلماً لنجم المرحلة محمد سعد لا أدرى إن كان عوكل أو بوحة، فأنا لا أذكر اسمه على وجه التحديد برغم أننى شاهدت الفيلمين، وكان الرواد ينظرون إلى الشاشات فى وجوم لكنهم كانوا لا يستطيعون أن يرفعوا أعينهم عنها، وبين الصباح والمساء أدركت مرة أخرى حجم المأساة التى نعيش فيها، فبينما يتعامل الآخرون مع أطفالهم على أنهم ناضجون بما فيه الكفاية لكى يدركوا المعانى العميقة ويحولونها إلى ممارسة للحياة، فإنهم عندنا يعاملوننا على أننا أطفال متخلفون عقلياً، كل مهمتنا أن نستهلك ما يلقون به إلينا من نفايات السياسة والسينما. وإن كنت فى شك من التدنى الذى وصلت إليه صناعتنا السينمائية، فأرجو أن تتذكر عدد أفلام التحريك الروائية الطويلة، أو الأفلام التسجيلية الطويلة، التى تصنعها السينما العالمية وتعرضها فى دور العرض كل أسبوع، بينما تغيب هذه الأنواع السينمائية غياباً مطلقاً عن السينما عندنا، ولا يكاد يكون هناك بريق أمل واحد فى أننا سوف نعرفها يوماً فى المستقبل المنظور، وأصبحت السينما بالنسبة لنا شكلاً خاصاً من الحواديت السينمائية التى قد تذهب مرات إلى التهريج بوصفة الكوميديا، أو إلى النواح وسح الدموع باعتبارهما الرومانسية، أو إلى حرق بعض هياكل السيارات تحت شعار الأكشن، وإن سنحت لك الفرصة لكى تتأمل حوار أى فيلم مصرى رأيته مؤخراً فأرجو أن تعد كم مرة تحول فيها أداء الممثلين إلى الهمس، فالسينما عندنا تطجين وتشويح وصراخ أياً كان النمط الذى تنتمى إليه. على العكس تماماً فإن فيلم المشاغب والنمل يهمس لك بحدوتته شديدة البساطة والعمق معاً، وبرغم أنه لا يخلو من مشاهد الأكشن فإنه لا يحتشد بها فى الوقت ذاته، حتى أن هذه المشاهد لا تبدو مقصودة فى حد ذاتها، وإنما هى فى مكانها تماماً من تطور الحبكة والشخصيات بحيث تدفع إلى الأمام التغير فى الأحداث أو مواقف وآراء هذه الشخصية أو تلك من الحياة. ومثل معظم أفلام التحريك التى تدور فى عالم الحشرات فإنها تضفى عليها ملامح إنسانية، أما أفراد النمل - الذى نراه فى الحياة كأنه نسخة مكررة ملايين المرات - فإنه يكتسب صفات فردية تميز النملة عن الأخرى، بل إن الفيلم يدفعك فى أحيان كثيرة إلى أن ترى العالم من وجهة نظر النمل، فالكاميرا - أو مايفترض أنها كذلك - تزحف على الأرض لكى تبدو الأشياء شديدة الضخامة، ومع اللقطات الأولى نرى نملة تجمع الطعام، وتتعامل مع المواقف فى ذكاء، وتنضم لزميلاتها فى طابور طويل ينتهى فى مستعمرة النمل، حيث ينشغل ذكر النمل زوك صوت نيكولاس كيدج باختراع عقار يقضى به على المدمر الذى يهدد المستعمرة بين الحين والآخر. فى المشهد الثانى ننتقل إلى عالم البشر لنتعرف على هذا المدمر، إنه الصبى لوكاس صوت زاك تيلر آيزن ضئيل الحجم الذى يتعرض لمضايقة طفل بدين، يفرض نفسه فتوة على الحى ويجمع حوله حاشية من الأتباع الصغار. ولأن لوكاس يبتلع الإهانة دون أن يملك لها رداً، فإنه يوجه انتقامه العدوانى تجاه جحر النمل الذى يغرقه برشاش من الماء من مسدس لعبة، وحين نرى الحدث من وجهة نظر النمل فإنه يبدو كما لو أن هناك سيلاً من القنابل ينهمر على الضحايا الذين يتساقطون بالآلاف. إن ذلك يزيد من تصميم النملة زوك على الانتقام، بينما تحاول مساعدته ورفيقته هوفا صوت جوليا روبرتس إقناعه بأن يجد طريقة للحوار مع هذا الوحش البشرى لعله يقلع عن العدوان. سوف ينجح زوك أخيراً فى أن يضع عقاره السحرى فى أذن لوكاس، فإذا به بين غمضة عين وانتباهتها ينكمش حتى يصير عارياً من ملابسه فى حجم نملة، يختطفه النمل ويدخلون جحرهم ليواجه محاكمة تطالب فيها حشود النمل بموته، لولا أن الملكة صوت ميريل ستريب تقرر أن تعطيه فرصة لكى يعيش مع النمل لعله يغير رأيه فيهم. وفى العديد من المشاهد الطريفة نرى مقاومة لوكاس ورفضه لأن يصبح نملة، لكنه شيئاً فشيئاً يدرك أن لحياة النمل جانباً إنسانياً راقياً. إنه يقول إن فى عالم البشر: كل إنسان يبحث عن خلاصه وحده، فيجيبه حكيم النمل: إن هذا شيء بدائى جداً، وبالفعل يكتشف لوكاس قيمة العمل الجماعى، وأن ما يراه الإنسان أمراً مطلقاً من وجهة نظره ليس إلا أمراً نسبياً، فحلوى الجيلى التى تتساقط من البشر على الأرض ينظر لها النمل كأنها المن والسلوى الذى ينهمر من السماء. وفى الجزء الأخير من الفيلم يدرك لوكاس أن صاحب شركة المبيدات الحشرية ستان صوت بول جاماتى سوف يأتى ليغرق الحديقة وجحور النمل بسحبه القاتلة، لنرى مشهداً مثيراً لمقاومة الحشرات ينتهى بالانتصار، ويعود لوكاس بجرعة مضادة من زوك إلى حجمه الطبيعى، وقد أدرك أن على الأرض كائنات أخرى ربما تكون أضعف، لكنها قد تكون أكثر ذكاء وأخلاقية، وأنه يمكنه مواجهة فتوة الحى إذا نجح فى ضم رفاقه من ضعاف البنية إلى صفه. بقدر البهجة التى سوف تشعر بها وأنت ترى ذلك التقدم الهائل الذى حققه فن التحريك بالكومبيوتر، فسوف تستمتع بتلك الرسائل العميقة التى يتوجه بها الفيلم إلى وجدان المتفرجين وعقولهم. فى جانب من هذه الرسائل تأكيد على لا أخلاقية منطق القوة المطلقة، وأنه يجب على القوى أن يتعلم كيف يرى الأمور من وجهة النظر الأخرى للطرف الأضعف. إن الطفل لوكاس يكتشف أن للنمل حضارة وتاريخاً يسجله على الجدران، بل إن لديه أيضاً ميتافيزيقا خاصة به وعلى مقاس رؤيته للعالم، والأهم هو اكتشاف أنه إذا كان النمل صلباً بالخارج فإنه ناعم بداخله، كما أنه يدرك أهمية العمل الجماعى لأنه من غير الإنسانى أن يعمل البعض لصالح البعض الآخر ممن يملكون ولا يعملون. ومن الطريف - والمرير معاً- أن الناقد الأمريكى سكوت هوليران من موقع بوكس أوفيس موجو اعتبر أن الفيلم دعوة للشيوعية، كما أضاف أنه يرفض الفيلم لأنه قد يوحى للمتفرجين بأن يجربوا أن يروا حقيقة المقاومة من وجهة نظر حزب الله، وهو الرأى النقدى الذى يمثل نزعة عنصرية فاشية قد تجد لها أنصاراً فى الثقافة الأمريكية، لكنه يؤكد إدراك صناع السينما الأمريكية ونقادها أن للسينما بعداً سياسياً، حتى فى أفلام الأطفال، وحتى فى بوحة وعوكل والأغلب الأعم من أفلامنا، لكن الفارق هو أنهم هناك يعرفون بوعى أو خبث كيف يصنعون العقول، بينما لا نعرف نحن فى أغلب أفلامنا وكتاباتنا النقدية إلا تدمير العقول بذلك السيل العارم من البذاءات والتفاهات ونفايات الأفكار. العربي المصرية في 3 ديسمبر 2006
مهرجان مراكش السينمائي الدولي في طبعته السادسة: البحث عن الهوية المفقودة أم التطبيع المستمر مع الفرانكوفونية؟ القدوم إلي السينما ليس سهلا بالمرة. والأقسي أن يكون ذلك بوازع ملح، مثل متابعة مهرجان برمته. القضية هنا تتشابك شيئا ما، حيث الرؤية الملحاحة للواقع تبدو مغايرة تماما. الزمن يحتفي أحيانا بالأشياء التي تأتي هكذا، منطوية وغائمة، مثلما الحلم يتجسد علي الفراش فقط... وبعده يكون الصدام مع المرئي اليومي، مع المعيش أيضا. قال صديقي الصحافي محمد أمين العمراني إن المنامة لا تستريح إلا علي أريكة الأفلام، وقت العرض طبعا، والأدهي أن تشكيل الحلم إبان مشاهدة الفيلم في القاعة المظلمة يكون أعتي من دبيب الأنثي وأفصح من الصدر الأثير. ويقدم زميلي تبريرا استشهاديا متحركا، حيث لم يستطع أبدا مقاومة نعسته المتقطعة وهو يتنطع مجاهدا من أجل متابعة فيلم بوبي للمخرج الأمريكي إيمليو إستيبان، والذي كان بطله الخرافي الممثل شارون ستوم الذي جسد دور مريام في سيناريو مدهش اجتمعت من خلاله مجموعة أيقونات مشخصنة لثمانية أشخاص عايشوا اغتيال السيناتور الأمريكي روبير كنيدي، مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية ببهو فندق أومبسادور بلوس أنجلس. ومن دون جدوي خرج صديقي الصحافي من القاعة مبتسما كعادته، رائيا عبر هذه الفسحة المتناقضة من الرغبة والحلم، متسائلا ما إن كان الحديث عن السينما الآن يصلح للمفاضلة، أو الامتداد العقلي. وأنا أصارحكم ها هنا، مع الأسف الشديد بمدي رغبتي في التمدد علي نفس الأريكة التي سحرت صديقنا لمعاقرة الشاشة الكبري، بالمواجهة وتحديد المفهوم. وسأكون مثابرا لو آنستني سيدة البيت، من أجل أن أحصر نوع هذه التحية، فالساحر لا يمانع في ممارسة سحره، من دون دجل أو مغامرة. علي الباسط كفه، فقط الاحتماء بدوال أخري، تسترجع مظاهر السحر ودهاء الساحر. تذكرت حالا معني ديبور وهو يقول إنه عندما يتغير العالم الواقعي ويتحول إلي صور بسيطة، فإن هذه الصور البسيطة تصبح هي الكائنات الواقعية، كما أنها تصبح الدوافع الفعالة الخاصة بالسلوك التنويمي السائد. أتساءل مع صديقي العمراني مرة أخري ما إن كانت طريقة التنويم التي ذكرنا قادرة علي تصحيح رؤي العوالم اللامحررة. العوالم الباطنية التي لا تري إلا في الأحلام؟ خارج المسابقة، داخل المتاهة من المؤسف أن يكون فيلم ذ ديبارتيد لمارتين سكورسيزي الشهير خارج مسابقة مهرجان مراكش في دورته السادسة. ولا أدري ما الذي منع سكورسيزي من إنهاء مهمة بطل فيلمه المفضل (عميل الشرطة الخير بيلي كوستيكان) والذي قام بتجسيد دوره الممثل الشاب الظاهرة ليوناردو ديكابريو، قلت ما الذي منع المخرج من إحياء جذوة الفيلم في آخر المطاف. فقد قتل الكل تحت تأثير العبث والجشع والانتظارية الخانقة، ثم إن سكورسيزي المتفتح علي الحضارات والمحب للسلام العالمي والإنساني ـ بحسب تصريح له ـ يأبي إلا أن يغالط نفسه وهو يجادل في ديمومة قيم الخير. بل إنه يحتمي بالمجتمع الأمريكي، انطلاقا من وقائع ولاية اسمها بوسطن عرفت عبر زمن بعيد مجموعة متغيرات ونتوءات مجتمعية خطيرة، كانت العنصرية إحدي ركائزها الكبري. وأحسبني في هذه المتاهة مجحفا، في حق نفسي أولا، لأني تطعمت مذاق سكورسيزي وهو يفشي دمويته علي طول وعرض الخط الذي رسمه في الفيلم المذكور، علي أن ذلك أغرق التأثير إياه في بحبوحة من الجدل والعطل البذيء، حينما حدثني زميلي الكاتب محمد القنور عبر الهاتف النقال غداة عرض فيلم القتل السالف، عن اندهاشه الشديد من منعه من سحب بطاقة اعتماده الإعلامي من إدارة المهرجان. والغاية أن العرض الافتتاحي لم يكن ممكنا بالنسبة لي من دون حضور القنور، ذي الحضور القوي واللافت في الدرج الأخير لقاعة العرض الكبري حرف دال فوق السحاب، دائما كما ألفت . ليس ذلك إلا مقاربة شخصية لردة فعل ألهبت جوارحي، أو ارتدادا نفسيا متواصلا، كان الفرق فيه متحدرا من المشاهدة ومكافحة القتل، القتل المجاني، القتل الدموي والسيكولوجي... ساحة جامع الفنا: الأرض تتكلم عربيا يقف الجمهور الغفير ساعات وهو يقاوم الصقيع، معلقا بين السماء والأرض ليتابع هو الآخر العروض السينمائية بالساحة الشعبية جامع الفنا. العروض المغرية لا تفسح الطريق لمن يود التأقلم مع أجواء الوسيط الصناعي الضخم، وسط ركام من الأدخنة والازدحام الشديد. علق الإعلامي الصديق الحبيب بوريشة علي طريقة العرض إياه بالإهانة البالغة لشعب ينادم الرصيف، وعلي أهبة للتخلص من رثائيات زمانه المر. فالتواصل مع الجمهور ليس انتقالا من فضاء لفضاء، بذات النهج الذي يفتح الأبواب علي الغوارب، كما أن الاستعراض الفني لا يكون البتة قابلا للرؤية والفهم من دون دمج الحالة التي يكون عليها الناظر أو المبصر، وهو البناء الذي قال عنه كيلز من خلال كتابه الشهير ميديا الاستعراض أو ميديا العرض والمشهد، إنه لا يوافق التماثل اللاطبيعي بين الصورة وإيقاعاتها، والنسخ والتناسخ، في تجسيد معني الصورة وغيرها. ساحة جامع الفنا تستقبل كل يوم أحداثا في مثل حجم مهرجان السينما. إنها لا تنقطع عن مرافقة نجوم العالم، الذين يأوون الأزقة ويمارسون طقوسهم الخاصة داخل أمكنتها وأزمنتها. ومع ذلك كله فالسينما بالنسبة لأهل مراكش هي سحنة أخري، أوجه متعاركة، تحجب رؤيتهم للواقع. فهم يتأملون الهنود في أغانيهم الرومانتيكية ويوتوبياهم الحالمة. بل يشدون الرحال لسينما تقع في الجانب الشرقي الأقصي لمدينتهم سينما الريف التي تمدهم بأحدث أفلام أميتاباشان وشاروخان وكنجور وغيرهم كثير... وإذا جاءتهم السينما هكذا، لا تتكلم عربية بالمرة، وفي قلب ساحة جامع الفنا، وهم واقفون يترصدون مواقعه، علي أهبة للسمر في الليل الحالك البارد، فالحذر كل الحذر أن يتقشر نهمهم ليصير بعد لأي نسيا منسيا، خصوصا وأن الحياة هناك لا تحتاج سوي القليل من المعني، والكثير من الوقوف، ليستمر البهاء بعيدا عن سينما متنقلة. تكريمات: من محمد مجد إلي السينما الإيطالية أعترف مسبقا أنني ضد تكـــــريم الممثل المناضل الأستاذ محمد مجد. ليس حسدا للرجل والعياذ بالله. وليـس قطيعة سينمائية. بــــل غيرة علي تكريس المستهلك. في الساحة المقابلة للمقهي الشتوي وقف الممثل الكوميدي بزيز وكعادته، وبصحبة مشاركين من جمعيات المجتمع المدني الحقوقي، وقف مجاهرا وأمام عشرات الكاميرات العربية والأجنبية، قائلا إنه ممنوع من العمل الفني ومن الظهور في الشاشات المغربية. وأثارني شعاره المكرر المهرجان ها هو ومراكش فينا هو أي أين مدينة مراكش من كل ذلك؟ والحقيقة أن الأمر لا يعني سوي السؤال عن مفهوم تكريم الفنان، وعن الجوائز الممنوحة. ورجوعا للمكرم محمد مجد، يتفاعل تصريحه المتفجر في إحدي الصحف اليومية الناطقة باللغــة العربية لو أحيل ملف تسيير مهرجان الفيلم بمراكش للمغاربة لفشل؟ يتفاعل ومســـــؤولية الاختيار، فالمتابعة الحثيثة للفــنان المغربي برمته تطرح أكثر من دلالـــــة، خصوصا فيما يتعلق بالمــواقف والأطروحات المعادية للهوية الوطنية. إن طرق التعبير التي تخل بالحد الأدني بالإحساس بالذات، كمنجز جماعي أنثر وبولوجي هي خارج الصف، ويجب أن تؤول في النهاية للمحاكمة العقلية وليس التشريف أو التكليف. في المقابل هناك احتفاء استيطيقي لبعض المدارس العظيمة التي رسخت وجودها في الباحة السينمائية العالمية. وما التنويه بدور السينما الإيطالية في الدورة السادسة لمهرجان مراكش السينمائي سوي دلالة حقيقية علي الاستفادة والإفادة من أعمال ظلت إلي عهد قريب محط اهتمام خبراء الصورة والبروباغندا. أنا أتذكر بحب بالغ أفلام كل من مايكل أنجيلينو وجويسبي دي سونتيس ولويكي زامبا وفيطــوريو دو سيـــــكا ودينو ريزي ويويكي كومانيتــــشي، وغيرهم من العباقرة الذين قادوا ملحـــــمة السينما العالمية إلي الأوج... أشياء أخري ستنضاف مع مزيد أيام المهرجان التسعة، وللحديث بقايا. إعلامي وشاعر من المغرب القدس العربي في 7 ديسمبر 2006
|
بعدما تجاهل مسلسل «العندليب» فترة حكم السادات: هل تنكر عبدالحليم حافظ لعبدالناصر ليفوز برضا السادات؟! |