»لقد ذهب الماضي، أما المستقبل فلم يصل بعد، كل ما هو موجود، موجود في الحاضر«.

بهذه العبارة يختتم جيم جارموش رحلة بطل فيلمه »زهور محطمة« بعد رحلة بحث طويلة في الماضي حملته إليها رسالة غامضة: إن لك ابنا وعمره الآن تسعة عشر عاما، لم أخبره بشيء عنك، ولكنه رحل لتقصّي آثارك.

ينفتح المشهد الأول في الفيلم على رجل يتابع فيلما بالأبيض والأسود، عبر جهاز تلفزيون حديث في صالة واسعة توحي بثراء غير قليل، لكن المشهد برمته شاحب وملامح الرجل كئيبة كما لو أن الصمت هو كلّ ما تبقى له.

لكن جارموش يفاجئنا بعكس ذلك في المشهد التالي، فالرجل له صديقة، والصديقة حزمت أمتعتها وتستعد لهجر صديقها الذي يبدو على مشارف الستين من عمره، وفي حوار قصير منفعل نعرف أن »دون جونستون« لا يريد الزواج منها، ولا يفكر في تكوين عائلة أو إنجاب أطفال، وحين تغادر، يبدو أن الشيء الوحيد الذي اعتاده »دون« هو براعته في قطع العلاقات مع من يحب.

يلعب الممثل بل موراي دور »دون« المحبط غير الواثق بشيء في نهاية رحلته سوى بالحاضر، وهو دور جميل وأخاذ، ولكنه ليس بعيدا عن روح أدواره السابقة في فيلم مثل »ضاع في الترجمة« وإن كان دوره في ذلك الفيلم بمجمله يبدو أكثر تأثيرا بقدرته على أن يسكن المشاهد لفترات طويلة، بل ويدفع المشاهد للرغبة ثانية بمشاهدته، كما يُذكر بفيلم جاك نيكلسون ودوره الحزين في فيلم »عن شيميدت« وللحظة يبدو أن نيكلسون قادر على أن يلعب دور موراي هنا دون عناء يذْكَر. لكن هذا الممثل استطاع أن يكون دائما واحدا من أهم الممثلين ذوي الحضور الطاغي على الشاشة بسبب قدرته الفائقة على تقديم أعمال ذات مذاق مختلف.

وكما أخرج جارموش هذا الفيلم فإنه كتبه، كعادته، وهو مخرج مختلف له رؤيته الخاصة البعيدة عن منظور السينما الأمريكية الرائج بل ويبدو غالبا أقرب إلى السينما الأوروبية منه إلى سينما بلاده، ولكنه استعان هذه المرة بعدد من النجوم الكبار بدءا بموراي ومرورا بشارون ستون وصولا إلأى جيسكا لانغ.

رحلة موراي تبدأ، حتى قبل مغادرة صديقته الأخيرة البيت، إذ تصله تلك الرسالة بغلافها الوردي وورقها الوردي، ولكنه يفتحها لاحقا ليعرف ما فيها، وإذا بها تحمل المفاجأة التي تهرب من حدوثها طوال حياته: أن يكون له ولد.

ثمة عالمان داخل »دون« وهو العمود الفقري للفيلم، عالم الهرب من الالتزام بأي علاقة زوجية، العالم الرتيب الذي لا نراه فيه يرتدي سوى بدلة رياضية واحدة، ومن الصنف ذاته، لا تتغير سوى ألوانها، وعالم الوحدة الذي يضمر في داخله توقا جارفا مكتوما لحياة مختلفة، وهذا ما نراه في علاقته بصديقه الأثيوبي »ونستون« المغرم بفك الرموز والحكايات البوليسية، صديقه الفقير وزوجته وأطفالهما الخمسة، ففي كل مشهد يظهر فيه »دون« مع أطفال صديقه يكون في غاية الانسجام والقدرة على التواصل مع هؤلاء الأطفال بفرح، كما أنه يبدي حنانا ملحوظا.

تأتي الرسالة، التي يرفض التعامل معها في البداية بجدية، أشبه ما تكون بطوق نجاة يرفضه بيأسه ولكنه يُقْبِلُ عليه آملاً أن يحدث أي تغيير في حياته، وهنا يقدم جارموش حكاية مأساوية بلمسات كوميدية بين حين وآخر: يرفض »دون جوان« كما يدعوه صديقه الاستجابة لطلب هذا الصديق في حصر أسماء النساء اللواتي عرفهن قبل عشرين عاما، ولكن بعد قليل نفاجأ به يكتب لائحة بأسمائهن، وحين يحدد صديقه عناوينهن بدقة، يرفض »دون« الذهاب، لكنا في المشهد التالي نراه في المطار.

ثمة ممانعة غير حقيقية، تحتاج لمن يدفعها بإصبعه كي تنطلق إلى عكسها، وهذا ما يفعله صديقه، إنه يدفعه، ويتابعه أثناء رحلته بين عدد من الولايات المتباعدة، بالاتصال معه وحثه على المواصلة كلما أبدى رغبة في العودة إلى »شاشة التلفزيون« كما يحدث في المشهد الأخير.

ومن اللافت هنا أن »دون« يتابع في المشهد الأول فيلما قديما، أما في المشهد الأخير فيتابع فيلم رسوم متحركة للأطفال، وليست هذه مصادفة حين يكون الفيلم مكرسا لشخصية موزعة بين ماضيها وما حلمت به وكبحته أيضا، ونعني وجود أبناء له.

أربع نساء على قيد الحياة وواحدة ماتت منذ زمن، نفهم من الكلمات المنقوشة فوق شاهدة قبرها أنها »بلا أولاد«.

يبدأ »دون« لقاءه الأول مع لورا، ولكنه قبل أن يلتقيها يلتقي بابنتها المراهقة التي تحب أن تُنادى باسم »لوليتا« في إشارة لرواية نابكوف المعروفة، حول تلك الصبية التي تحرق قلب رجل أكبر منها بكثير، لكن لوليتا مطالع الألفية الثالثة مختلفة تماما عن لوليتا!! في تلك الرواية، فهي لا تتورّع عن فعل أي شيء كأن تتجول أمامه دون ملابسها وهي تتحدث في الهاتف، لكن »دون« في الحقيقة في مكان آخر، وحين تصل لورا ـ تلعب الدور »شارون ستون« ـ يظهر لنا أي رجل كان، بسبب تعلقها الشديد به وفرحها بوصوله، بل نراها في مشهد وداعه تقبّل يده بحنان بالغ.

لكنها لم تكن أم ولده الموعود، فقد كانت زوجة واحد من أبطال سباقات السيارات الذي انفجرت سيارته ومات في المضمار.

أما دوريس التي تحوّلت لتاجرة عقارات مع زوجها، فتبدو الشخصية الأكثر انسحاقا وأسى، إذ تعيش حياة لا تقل فراغا ورمادية عن حياته، مع زوج مفتون بصورة لها التقطت قبل عشرين عاما وتظهر فيها فتاة جميلة للغاية.

بعد خروج الزوج يقول لها »دون« هامسا: ألم ألتقط لك تلك الصورة؟ أما الزوج فيقول حين يعود: غريبة كيف تتغير حياة الناس!! وهو في الحقيقة يعني هنا أشكالهم.

كانت دوريس بلا أولاد أيضا لكنها الأكثر كآبة مع ذلك الزوج الذي يصغرها بسنوات.

حجم الأسى الذي يلمسه »دون« وقد تحلّقوا ثلاثتهم حول طاولة في البيت يجمعهم عشاء بارد، يدفعه لاتخاذ قرار بالعودة، فكل شيء يبدو هنا منتميا للعبث أكثر من أي شيء آخر، وبخاصة ونحن نرى الزوج مصرّاً على أن يبقى »دون« عندهم لتناول العشاء، كما لو أن وجود شخص، أي شخص، وحتى لو كان صديق زوجته القديم، هو أمر قد يساعد في تبديد ذلك الصقيع المخيم على البيت.

لكن رحلة »دون« تستمر كما أشرنا بإلحاح من صديقه، وهكذا نجده أمام مبنى منعزل للدكتورة كارمي، التي يتبين لنا أنها تركت المحاماة بعد موت كلبها »جونستون« التي أطلقت عليه هذا الاسم وفاء لذكرى صديقها القديم »دون جونستون« واكتشافها فجأة أنها كانت قادرة على التواصل مع ذلك الكلب بصورة عميقة.

تحمل كارمي دكتوراه في سلوك الحيوانات، وتعترف لدون أنها لم تجد ما يعوض عليها خسارتها بفقدان كلبها سوى عثورها على القط »ريمون«.

وفي هذا الفصل من الفيلم، نجد أن هناك فتاة صغيرة هي سكرتيرة الدكتورة، كما ستكون هناك فتاة أخرى هي بائعة الزهور في المشهد اللاحق.

في سيرة »دون« التي تكثفها هذه الرحلة هناك دائما الصبا والشيخوخة، ليس فقط الماثلة في المرأة بل في الرجل، ففي أكثر من مشهد نرى شابا يطل ويختفي، مرة في الحافلة ومرة في محطة القطار ومرتين أمام بيت »دون«.

المحطة قبل الأخيرة كانت موجعة، فالمرأة التي تخلت عنه طردته ثانية وتسببت في نيله ضربا مبرحا على يد اثنين من سائقي الدراجات، مع أن كل العلامات تشير إلى أنها هي من أرسلت الرسالة لأن كل ما رآه من علامات حول منزلها كان لونه ورديا، بل ويجد في فناء بيتها آلة طباعة قديمة وردية، وقد كانت الرسالة التي وصلته قد طبعت على آلة من هذا النوع.

لا يصل دون في النهاية إلى شيء، فيجد نفسه منهارا أمام قبر المرأة الخامسة، يضع زهوره ويعود إلى شاشة التلفزيون حيث الجو الرمادي والحزن الكثيف ومسحة اليأس التي تسكن مسامات وجهه وروحه.

إن ما يثير الانتباه في الحكاية، أن الصديقات القديمات كن موزعات على عدة ولايات، يحتاج المرء إذا ما أراد الوصول إليها إلى طائرة ورحلة طويلة بالسيارة، وهذا ما يدفعنا للسؤال عن المعنى العميق لشخصية »دون« وهل كان فعلا إنسانا مجردا أم رمزا لنمط من الرجال موزّع على طول أمريكا وعرضها، أو إلى نمط حياة ذهب الفيلم لمحاورته ورثائه وإدانته في آن، ومن هنا أخذ هذا الفيلم ثقله الإنساني، كواحد من أفلام »العائلة« التي تفتن الأمريكيين باستمرار، وإن كان جارموش يتناول الظاهرة معكوسة هنا، وهو يقدم حياة الرجل الأبيض الشاحبة، مقابل حياة جاره الأثيوبي الذي ينعم ببيت أليف وصبية رائعين وزوجة ذات حضور إنساني خاص، رغم أن هذا الجار مضطر لأن يمارس ثلاث مهن كي يعيش، لكنه وفي ظل متطلبات العيش هذه يبدو رجلا حيا أكثر من »دون« الذي يحظى بحياة باذخة بسبب عمله السابق في مجال تقنيات الكمبيوتر.

يحمل »دون« باقات زهر وردية إلى حبيباته، طارقا أبوابهن، باقات يانعة، ولكن لا مصير لها سوى ذبولها، مثل تلك الوردات التي تنتظره في بيته ذابلة، وقد كان غادرها يانعة قبل أيام.

فيلم جميل يستحق إلى حد بعيد الجائزة الكبرى لمهرجان »كان« التي نالها، ولعل فتنته قائمة في أداء بل موراي الهادئ والمؤثر، الأداء الذي لا يضعك وجها لوجه مع الحياة لا مع صورتها وهو يقدم مرثية المستقبل المعذب بغرور الماضي. الماضي كان يبدو أشبه ما يكون بسلسلة طويلة من الانتصارات، لكن المحصلة لذلك كله كانت: الهزيمة.

www.ibrahimnasrallah.com

الأيام البحرينية في 28 نوفمبر 2006

 

إليا كازان:

مؤسس استوديو الممثل وضحية المكارثية

خالد ربيع السيد 

في أواخر شهر سبتمبر الماضي حلّت الذكرى الثالثة لوفاة المخرج المسرحي والسينمائي الأمريكي اليوناني (إليا كازان). الشخصية المؤثرة في برودواي وهوليوود، وفي الثقافة الأمريكية الفنية كلها. لاسيما وهو مكتشف ومدرب العديد من نجوم السينما العالمية، من بينهم مارلون براندو وجيمس دين، آل بشينو، روبيرت دينيرو، ميريل ستريب، جاك نيكلسون، جين فوندا، أنتوني هوبكنز والعشرات من الممثلين والممثلات الأكثر تميزاً في تاريخ هوليوود، حيث شرّبهم تلك الفلسفة القائمة على ما أطلق عليه "المدرسة الأسلوبية في الأداء" أو (استديو الممثل) والتي تحث وتعلم الممثل الاعتماد على نفسه كمصدر أساسي في التقمص والأداء بدرجة أكثر مما هو مكتوب في السيناريو أو من توجيهات المخرج ذاته، وبدلاً من أن "يقلد" الممثل الشخصية الخيالية الموجودة في السيناريو، فإنه يتعين عليه أن يقوم بالبحث في داخله عن مشاعر مشابهة لمشاعر الشخصية، فيستوحيها ويتقمصها ثم يتصرف (يمثل) عليى أساس أسلوبه الذاتي ليتحول هو نفسه إلى (الكاركتر) بشرط أن يترك له المخرج حرية الأداء.

ولد (إليا كازان) في السابع من سبتمبر 1909لأبوين يونانيين كانا يعملان في تجارة السجاد في القسطنطينية، و هاجر بعد أربع سنوات من ذلك التاريخ الى الولايات المتحدة، وكان قد كابد خلال دراسته للغة الانكليزية في معهد وليامز، الذي تخرج منه في سنة 1930، قسوة إقصائه من أوساط النخبة البيضاء في الولايات المتحدة التي تضم البيض الانغلوسكسون البروتستانت.

كان يسارياً مقتنعاً ومقنعاً، وناشطاً في التكتل الشيوعي الأمريكي نشاطاً بالغاً ومؤثراً فيه منذ العام 1934الى العام 1936.وقد تنامى دوره في الأوساط الفنية اليسارية قبل الحرب العالمية الثانية تنامياً ملحوظاً. درس قبل ذلك الفن المسرحي في مدينة بال مدة سنتين قبل أن ينضم في سنة 1932الى فرقة "مجموعة المسرح" مؤسسها لي ستراسبرغ وهارولد كلورمان التي كانت تؤمن بالافكار التقدمية وبالعمل الجماعي، وشكلت احد أقطاب الحركة المسرحية في نيويورك إبان الثلاثينيات.

كان كازان ناشطاً أيضاً في "المسرح الفدرالي" الذي أسسه أورسون ويلز وجون هاوسمان، وخلال سنوات الإعداد المسرحي هذه مارس العديد من المهن منها: مسؤولا عن إكسسوارات الممثلين، وممثلاً، ومساعد مخرج، ثم مخرجاً مسرحياً، أخرج العديد من المسرحيات الاجتماعية الجيدة.

وعندما أقفل محترف "مجموعة المسرح" ذهب كازان الى هوليوود، حيث لعب دورين في فيلمين للمخرج أناتول ليتفاك، ولدى عودته الى نيويورك أصبح خلال الحرب العالمية الثانية أحد ألمع المخرجين المسرحيين في برودواي. وصادف أن كانت شركة "فوكس" تبحث عن مواهب جديدة فاستدعته، وكان سنتها في الثلاثينيات من عمره. وقد عرف العمل السينمائي عبر بضعة أفلام وثائقية وأفلام روائية قصيرة، بيد انه بانضمامه إلى "فوكس" حظي بخبرات عملية منهجية، خاصة على يد ليون شامروي الذي سيغدو مديراً لتصوير فيلمه الأول (شجرة تنمو في بروكلين) سنة

1945.توالت أفلامه ذات الطابع الاجتماعي الغزير للمنتج "داريل زانوك" فأنتج له "بوميرانغ" و"جنتلمان" سنة 1947، حيث حاز الأخير على العديد من جوائز الأوسكار، ثم تناول موضوع العنصرية في الجنوب الأمريكي في فيلم "بينكي" أو "القرنفلي" سنة 1949، الذي كان قد بدأه جون فورد. لكن صورة إيليا كازان المخرج الفذّ والمدير البارع للممثلين لم تكتمل إلا مع فيلم "ذعر في الشوارع" والذي صوّر بالكامل في شوارع نيوأورليانز، كفيلم سوداوي يحكي عن تفشي داء الطاعون في مدينة يحكمها رجال العصابات . في بداية عام 1952أنجز كازان أحد أهم أعماله السينمائية للكاتب "تنيسي ويليامز" تحت عنوان "عربة اسمها الرغبة" بطولة مارلون براندو وفيفان لي، وكان قد قدم نفس القصة كمسرحية على خشبة أحد مسارح برودواي عام 1947مع براندو وكيم هانتر. والملاحظ في سيرة كازان أن عمله في المسرح لم ينقطع البتة طوال سني حياته، فكان يعمل في السينما والمسرح في آن واحد، ولكن فيلمه الأثير سابق الذكر "عربة تدعى الرغبة" يعتبر التجربة الأولى والناجحة لمنهجية ومدرسة "الآكتورز استوديو" والتي أسسها سنة 1947مع شيريل كراوفورد وروبرت لويس، والتي أشرنا إليها في بداية الحديث، فقبل أن يترك مسؤولية إعداد الممثلين لرفيقه المخلص "لي سترايبرغ" كان قد أرسى مفاهيمه ونظرياته وفلسفته في النهج الأسلوبي للأداء التمثيلي، وتخرج على يده في عام 1952- وهو عام ابتعاده عنها - كل من : منتجمري كليفت وبول نيومان وعلى رأسهم بالطبع مارلون براندو وجيمس دين.

بكل المقاييس كانت المفارقة السيئة تكمن في أن هذا العام كان عاماً أسود في حياة كازان، ففيه كانت الحركة المكارثية في أوج نشاطها، وهي الحملة التي إستهدفت اجتثاث الشيوعيين في الولايات المتحدة.. وهنا حدثت الواقعة، حيث كشف عن أسماء زملائه القدامى في الحزب الشيوعي أمام "لجنة الأنشطة المناهضة لامريكا"، ليس ذلك فقط ولكنه ارتكب خطأ جسيما آخر، ونشر بياناً في صحيفة نيويورك تايمز يدافع فيه عن شهادته أمام اللجنة، فعرف من لم يعرف، وتفرج من لم يشتر، وإنقلبت الدنيا على رأس الرجل. أولاً وصفوه بالمرشد والخائن والعميل... الخ، وثانياً راح النقاد يحللون أفلامه على أنها أعمال تبريرية لفعلته، حتى أن أشهر أفلامه على الإطلاق "جبهة الماء" أصبح بعض النقاد يعتبرونه دفاعا سافراً وممجوجاً عن جريمته في الإرشاد عن أسماء الشيوعيين.. لقد إنشق كازان على التجمع الشيوعي الأمريكي قبل نحو 17عاما من حادثة الإفشاء واعتبر حينذاك أن الشيوعية تشكل تهديدا حقيقياً للديمقراطية... هذه الوشاية (الخطيئة) الخيانة ظل الهوليوديون والسينمائيون في أوروبا كلها، في حال عجز تام عن غفرانها، وبقيت نقطة سوداء تلطخ سمعته أينما حل، وبعدها تبرأ رفاقه من صداقته، وبقي معلقاً مشوها لا هو مكارثياً شريفاً ولا هو شيوعياً نزيهاً ولا هو محايداً كريماً.. ولن يُنسى احتجاج الجماهير وتصفيرهم وإطلاقهم (أووووو) بطريقة غير ترحيبية ضدّه عند ظهوره في حفل الأوسكار عام 1999ليتسلم أوسكاره التكريمي عن مجمل أعماله.

بأي حال من الأحوال لم تفده وشايته تلك على الصعيد الإنساني، رغم رفضه في البداية الإدلاء بشهادته، إلا أنه سرعان ما وجد نفسه منبوذاً بعد أدائها من رفاقه السابقين ولم يكسب بعدها رفاقاً جدداً. ولكن من الناحية المهنية وفّرت له الوشاية موضوعات كثيرة للأفلام التي التبس فيها هاجس الندم بهاجس التبرير محاولاً توضيح أنه تعرض للضغوط الشديدة التي تناولت حياته المهنية مما أجبرته على الرضوخ لها.. وشهد شهادته التي شوهت صورته الى الأبد. في حين أُعتبر آخرون كأبطال حريات لأنهم رفضوا الاعتراف والوقيعة بأحد، مما كبلهم خسائر جسيمة ودفعوا الثمن غالياً، ولكنهم كسبوا الإحترام والتقدير الإنساني، ولكن التاريخ لا يظلم أحداً فعلى الرغم من أن كازان قد عومل حتى رحيله بوصفه خائناً فليس هناك خلاف حول أهميته السينمائية والفنية.

قدم مع مارلون براندو فيلم "فيفازاباتا" في العام 195.وبعد هوجة المكارثية أنتج فيلم "على رصيف الميناء" سنة 1954مع مارلون براندو أيضا، ثم فيلم "شرقي عدن" 1955الذي قدم فيه لأول مرة جيمس دين في دور بطولة مطلقة، وفيلم "بيبي دول" 1957و"النهر المتوحش" 1960.ثم "امريكا امريكا" 1963المأخوذة قصته عن روايته التي سرد فيها جزءاً من سيرته الذاتية وأبدى فيها تعلقه بأمريكا وهجرته إليها قادماً من القسطنطينية. ثم قدم فيلم "روعة على العشب" و"التدبير" سنة 1969وكانا أكثر أفلامه حميميةً. ثم قدم "الزائران" 1971، وشارك في تمثيل وإعداد فيلم "الأب الروحي" مع صديقه مارلون براندو في السنة 1972وأخيراً قدم "آخر العمالقة" 1976الذي استعاد فيه خيطه الإبداعي الذي كان يربطه بماضيه المشرق،.. بعد ذلك توقف عن الإخراج تماماً وتفرغ الى الكتابة السيرية والتأملية. رحل ايليا كازان في 28سبتمبر 2003عن 94عاماً، وغاب برحيله احد أهم الشخصيات السينمائية العالمية في القرن العشرين، تلك الشخصيةً التي أثارت سجالاً فنياً وسياسياً وأخلاقيا لم ينتهِ حتى اليوم.

الرياض السعودية في 23 نوفمبر 2006

تمنى الموت وراء الكاميرا ففارق الحياة ممسكاً بالقلم

ألتمان مخرج الكوميديا السوداء

محمد رضا 

حين سألت روبرت ألتمان قبل عامين متى يعتقد أنه سيتوقّف عن الإخراج؟ قال أتمنّى أن أموت وأنا وراء الكاميرا. ألتمان (1925-2006) أنجز فيلماً واحداً منذ مقابلتي إياه للمرة الأخيرة هو “صحبة البيت الريفي”  ومات، يوم الثلاثاء الماضي، عن 81 سنة، لكنه لم يمت وراء الكاميرا كما تمنّى بل ممسكاً بالقلم. كان يكتب سيناريو فيلمه المقبل الذي لم يكن اختار له عنواناً بعد. لكن ألتمان خلّف 71 فيلماً معظمها من إخراجه وعدد منها من إنتاجه فقط. وفيها الكثير من الدرر الفريدة. فيلمه الأخير “صحبة البيت الريفي” عُرض في  يونيو/ حزيران الماضي تجارياً في الولايات المتحدة

بعدما شهد عرضه السينمائي العالمي الأول في مهرجان “كان”. قصة محورها محطة إذاعية ينوي صاحبها بيعها بمبناها وحل من فيها. هؤلاء مجموعة من المغنيين الذين يتناوبون على تقديم أغان قديمة من الكانتري والوسترن وراء المايكروفون في قاعة عدد حاضريها قلّة. تقليد ما عاد له مكان في عالم اليوم والمخرج يضع إصبعه على ذلك الجرح الدفين: كيف تموت الأشياء القديمة أمام أعيننا اليوم؟ مثل أنهار تجف وأشجار تموت، الفن، عنده، هو من بين هذه الأشياء. الحقيقة أن روبرت ألتمان نفسه هو من بين هذه الأشياء.

روبرت ألتمان يتذكّره الجميع حول العالم بأفلام عرض فيها لمثل هذه المسائل التي هي في الأساس أخلاقية وصميم أمريكية. اهتماماته كانت دوماً البحث عن ذلك الشيء المقلق في الحياة الأمريكية. الحجر المفقود في بناء مجتمعه. وكان ساخراً يميل إلى الكوميديا السوداء ويمارسها كما لا يفعل أحد غيره.

كما ذكرنا ذات مرّة هنا، لديه نوعان من الأفلام: نوع يرتفع فيه منسوب الأسلوب الذاتي في القراءة فتنتج عن ذلك الأفلام التي تبحث في الشخصيات وفي زمنها الواقعي وتحصر مجالها في مكان واحد في ساعات معيّنة من اليوم، ونوع يرتفع فيه المنسوب الهوليوودي، ولو أنها في النهاية ليست هوليوودية بالمعنى التقليدي. وهناك أفلام أحبها الناقد من هذا النوع ومن ذاك.

ربما كان هناك شيء من الإجحاف إذا ما قورن روبرت ألتمان بالمخرج الإيطالي الكبير فديريكو فيلليني، كما يكتب الآن نقاد غربيون. الإجحاف مردّه أن سينما ألتمان ليست مشابهة بالكامل لأي سينما من مخرج آخر. إذا ما شئنا أن نحلل محتوياتها الظاهرية والضمنية لوجدنا قليلاً من فديريكو فيلليني (لوحاته الإنسانية) وقليلاً جداً من تاركوفسكي (عنصر الزمن في الإنسان والعكس) والكثير من منهجه الخاص.

وُلد في مدينة “كانساس سيتي” (التي كانت لاحقاً عنواناً لأحد أفلامه) ولاية ميسوري. والده جاء من ألمانيا وإنجلترا وكان كاثوليكياً لكنه لم ينشأ ملتزماً كما نشأ والده الذي عمل في شركة تأمين. والده أيضاً كان مقامراً مدمناً. ترك ألتمان البيت لأداء الفترة العسكرية الإجبارية ثم عاد واستقر في نيويورك باحثاً عن عمل في الفن. مثّل قليلاً ثم كتب الأغاني وحاول كتابة الرواية. سنة 1948 نجحت إحدى رواياته في التحوّل إلى لُبنة فيلم أخرجه ريتشارد فلايشر بعنوان “الحارس” (1948). لكن مشواره آنذاك بدا موصداً ما دفعه للعودة إلى كانساس سيتي حيث اشتغل في إنجاز أفلام صناعية (وثائقيات تعنى بشؤون الصناعات المختلفة). حقق من هذه الأفلام أكثر من خمسين فيلماً قصيراً وأخرج بعض الأفلام الدعائية. في عام 1953 سنحت له فرصة دخول التلفزيون ولم يتأخر عن المناسبة.

خلال عامين أصبح ألتمان مخرجاً سينمائياً لأول مرة إذ حقق “دلكنويتس” فيلم حول شاب (توم لفلن الذي لعب بعد نحو عشر سنوات بطولة الفيلم المختفي “بيلي جاك”) يخفق في الفوز بمن يحب فيلجأ إلى حياة عصابات الشوارع. الفيلم التالي لألتمان كان “قصة جيمس دين”، تسجيلي عن أيقونة السينما جيمس دين الذي مات شابّاً. ألتمان سيعود إلى جيمس دين سنة 1982 في فيلمه الروائي “عد إلى مخزن الخمسة سنتات، جيمي دين” أحد أفضل أفلامه إلى اليوم، وأكثرها تجاهلاً من قبل الوسطين النقدي والإعلامي. هنا جيمس دين ليس في الصورة الماثلة بل دوماً في الخلفية الفكرية كون الأحداث، التي تقع في دكّان خارج بلدة، تستعيد ذاكرة الممثل الذي قضى بسيارة مسرعة.

تلفزيونياً بقي نشطاً لبضع سنوات بعد إنجازيه السينمائيين الأول والثاني، فأخرج بعض حلقات البرنامج التشويقي “ألفرد هيتشكوك يقدّم”. وكانت ولادة سينمائية ثانية له حينما أخرج سنة 1968 للسينما، فيلم “العد التنازلي”، على الطريقة الهوليوودية يحمل مضموناً مختلفاً في إطار الخيال العلمي. فيلمه التالي مباشرة كان “ذلك اليوم البارد في الحديقة” طارحاً فيه سؤالا حول ما قد يحدث لامرأة على مشارف الأربعينات (ساندي دَنيس التي عملت مع ألتمان عدّة مرات بعد ذلك) تلتقط من الحديقة التي يشرف عليها بيتها وفي ليلة ماطرة، شاباً (مايكل بيرنز).

ألتمان المرتاح في شرنقته الخاصة ظهر سنة 1970 عندما قررت هوليوود استغلال “ماش”، وهو مسلسل تلفزيوني كوميدي يسخر من الحرب الأمريكية في كوريا، لتحقيقه فيلماً سينمائياً. هنا أنجز ألتمان أولى طلاته التي لا تتقيد بسرد قصصي متواثب ولا بأحداث تنتقل في الزمن أو في المكان بل تبقى محصورة مع شخصياتها في المكان الواحد. الفيلم حقق نجاحاً تجارياً ثم نقديا واسعاً إذ خطف أوسكار أفضل سيناريو مقتبس (نالها رينج لاردنر). ألتمان الذي رُشح لأوسكار أفضل مخرج لم ينل الجائزة ولم ينلها عن أي من المرّات الأخرى. لا سنة 1976 عن فيلمه “ناشفيل” ولا سنة 1993 عن فيلمه “اللاعب” ولا في 1994 عن “اختصارات” ولا حتى سنة 2001 عن فيلمه الجيد أيضاً “غوسفورد بارك”. لكن الأكاديمية منحته في مطلع هذا العام اوسكار شرفياً عن مجمل أعماله.

لم يتوقّف ألتمان عن العمل منذ انطلاقه. أعماله تنوّعت ولو بقيت على أحد منواليه المذكورين أعلاه. “ماكاب ومسز ميلر” (1971) أرّخ للمد الرأسمالي للحياة الأمريكية في الغرب البعيد. “صور” (1972) كان ألتمانياً خالصاً: مجموعة نساء مجتمعات يسترجعن صور الحياة طوال أحاديثهن وذكرياتهن. لم أكترث كثيراً لفيلمه “الوداع الطويل” (1973) كونه سخر من الشخصية البوليسية التي رسمها رايموند شاندلر في هذا الاقتباس عن رواية بنفس العنوان. ولا ل “بافالو بِل والهنود الحمر” (1976) ولو أنه هنا كان على حق في تصوير حقيقة تلك الشخصية (كما أدّاها على الشاشة بول نيومان) فذلك البطل المحتفى به لدى بعض التاريخ الأمريكي كان سفّاحاً تلوّثت يداه بقتل مواطني القارّة الأصليين. المشكلة ليست في المادة بل في الإسهاب في الفيلم الذي لا يحتوي على أي نقلات درامية متطوّرة.

هذا على عكس “بوباي” الذي حققه سنة 1980 مرة أخرى أيقونة أمريكية يضعها المخرج تحت مجهر الحقيقة الأخلاقية ويجد فيها عيوباً. لكن الفيلم مشغول بمهارة لم تُمارس الا في قليل من الأفلام المقتبسة عن شخصيات ومجلات “الكوميكس”.

سألت ألتمان في تلك المقابلة عن منهجه في اختيار الممثلين فقال: “نعم هناك ممثلون أختارهم أكثر من غيرهم، لكني عموماً ما أبحث عن التجسيد. كثيرون نصحوني ضد ممثلين معتقدين أنهم لن يناسبوا نظرتي. لكني لم ألتق بممثل لم يدرك مسؤوليته في أي من أفلامي”.

الخليج الإماراتية في 26 نوفمبر 2006

 

سينما 2006 في الميزان (1) ... أمريكا أنتجت منها 15 فيلماً هذا العام

"الكرتون" منجم ذهب هوليوودي

محمد رضا 

هذه هي الحلقة الأولى من سلسلة تحقيقات حول كيف كان العام الجاري سينمائياً وما أهم مميزاته وأفضل أفلامه أو أكثرها انتشاراً. وهي في ذات الوقت سلسلة تواكب مسابقة الأوسكار وموسم الجوائز الحالي بأسره.

مجموع ما حققه فيلم “موسم مفتوح” الكرتوني في ثماني دول عربية (الإمارات، قطر، عُمان، لبنان، الكويت، مصر، البحرين والأردن) هو 744 ألفاً و576 دولاراً. أفضل الإيرادات تم تحصيلها في الإمارات إذ جلب الفيلم العائلات بكثرة حاصدا 374 ألفاً و423 دولاراً وأقل الإيرادات سُجّلت في مصر 11668 دولاراً تليها عُمان 15732 دولاراً. أما الكويت فحط في الإيراد الأعلى الثاني إذ جلب الفيلم 187 ألفاً و755 دولاراً وبقي لبنان حالة متوسّطة محققا 36 ألفاً و577 دولاراً.

على أن هذا الفيلم الذي تكلّف 85 مليون دولار لصنعه، سجّل 83 مليوناً و638 ألفاً و775 في الولايات المتحدة. أما خارجها فإن الرقم ليس نهائياً لكنه يشارف الخمسين مليون دولار إلى الآن.

لماذا والحال هذه تضع هوليوود يدها على قلبها خوفاً على سينما الأنيماشن؟

مثل كل نوع سينمائي يتكاثر فإن الخطر هو أن يعلن الجمهور، بحركة متناسقة واحدة، اكتفائه من هذه الأفلام فتتساقط في صناديق الإيرادات بأسرع من سقوط أوراق الخريف. ولدى هوليوود أسباب تدعوها بأن مثل هذا اليوم ليس بعيداً. فحالياً، والى جانب “موسم مفتوح” هناك “أقدام سعيدة” و”مغسول”.

وكانت الشاشات الكبيرة ودّعت في مطارح متنوّعة من هذا العام “النملة العنيفة” و”دجاجات صغيرة” و”روبوتس” و”حكاية قرش” و”سيارات” و”وايلد” و”مونستر هاوس” و”عصر الجليد 2” و”فوق السياج” و”جورج الفضولي” وسواها. فمجموع ما تم عرضه من أفلام أنيماشن هذا العام هو خمسة عشر فيلماً أمريكياً. عدا ما تجود به استديوهات باريس وطوكيو وبقية أقطار العالم المنتجة لهذا النوع من الأفلام.

الخوف بالطبع من السقوط له مبرراته. ليس كل هذه الأفلام المذكورة نجحت على نحو متساو. بعضها (“مونستر هاوس” مثلاً) اختفى سريعاً بينما حقق “سيارات” و”عصر الجليد 2” معاً نحو مليار دولار وكثير منها مختلف. مثلاً تتشابه حكايتا “فوق السياج” و”موسم مفتوح” إلى حد أن المرء معذور إذا اعتقد أن قصّة الأول في الفيلم الثاني والعكس صحيح. والخط الرئيسي في “مدغشقر” (من العام الماضي) و”مغسول” و”موسم مفتوح” و”عصر الجليد 2” واحد: عدم قدرة الحيوانات على التآلف في مناطق جديدة تجد نفسها فيها تبعاً للضرورة أو غصباً عنها.

كذلك كم نوع جرذان بات لدينا في هذه الأفلام. الجرذان (او الفئران في بعض هذه الأفلام) تختلف كثيراً من فيلم لآخر. الجرذ الذي في فيلم “فوق السياج” لا يشبه ذلك الذي في “مغسول” وكل الجرذان والفئران عليها أن تبتعد عن ميكي ماوس الذي ابتكرته ديزني وأطعمها في الأيام الخوالي الكثير من الجبن.

تاريخ موجز

ولمن لا يعلم، كونه وُلد في أحد السنوات القريبة، فإن سينما “الكرتون” كانت من إنتاج شركة واحدة في هوليوود هي ديزني. هي التي تخصصت في هذا النوع منذ أن كان وولت ديزني رسّاماً. لم تكن الوحيدة دائماً، لكن الأفلام الكرتونية التي تم إنتاجها خارج ديزني كانت قليلة جداً.

ديزني كانت الملكة بالنسبة لهذا النوع لكنها كانت تنتج أفلاماً أقل مما تفعل هوليوود الآن. المعدّل “الطبيعي” لإنتاج أفلام الكرتون في هوليوود حتى نهاية السبعينات كان فيلمين في العام. ولم يكن بالإمكان إنتاج الكثير منها لسببين: النجاح غير مضمون الا إذا حمل الفيلم علامة ديزني الفارقة كونها “بيت الكرتون” كما كانوا يطلقون عليها، وإنتاج فيلم من هذا النوع كان يستغرق سنوات كونها كانت منفّذة باليد آنذاك.

لكن حتى ديزني كانت تعتقد أن هذا المنوال من الأفلام -الذي كان مخصّصاً للأولاد- لن يدوم طويلاً، لذلك لم تتأخر في تحويل نفسها من استديو متخصص بأفلام الكرتون وأفلام المغامرات الطبيعية والكوميديات العائلية إلى ستديو عام ينتج أفلاماً مثل براماونت وورنر.

في نهاية السبعينات كانت هوليوود تعتقد أن سينما الرسوم آيلة للتوقف عملياً كما فعلت أنواع سينمائية أخرى باتت بلا مشاهدين. لكن في منتصف الثمانينات أخذت هوليوود تدرك الفرص الواسعة لمثل هذه السينما، ذلك أن نجاح الكرتون بين الصغار على شاشات التلفزيون يؤكد أن نجاحاً مماثلاً يمكن أن يتحقق سينمائياً. وذلك دفع ديزني لمواصلة تحقيق هذا النوع بل لخوض شركات أخرى، مثل وورنر وفوكس وباراماونت ومترو جولدوين ماير الغمار ذاته بنتائج مشجعة في البداية ثم مربحة فيما بعد.

المنافسة على الأوسكار

التنافس بين شركات هوليوود على إنتاج أفلام الأنيماشن وصل إلى حد أنه حين انطلقت شركة “دريمووركس” (آخر الشركات الإنتاجية الكبيرة في هوليوود وأسسها ستيفن سبيلبرج وديفيد جيفن وجفري كاتزبيرج الذي كان مدير إنتاج أفلام الكرتون في ديزني) أشعلت لتوّها حرباً مع ديزني لا تزال مستمرّة حتى الآن على شكل التنافس على إطلاق العدد الأكبر (والأنجح) من هذه الأفلام.

الذي ينقذ هذه السينما من العدم السريع، حقيقة أن الفنون التي تمارسها مختلفة. كل فيلم يتبع لوناً أو أسلوباً أو مدرسة خاصّة به. “مونستر هاوس” يختلف عن “عروس جثة” وكلاهما مختلف عن “والاس وجورمِت” المختلف عن “سيارات”، أو عن “على السياج” و”مدغشقر” أو سواها.

في الاختلاف مسألة من يطرح ماذا. مثلاً شركة أردمان التي قدّمت الفيلم الذي ربح الأوسكار في العام الماضي كأفضل فيلم كرتوني وهو “والاس وجروميت: لعنة الذين كانوا أرانب” تترك القصّة هي التي تحدد الأسلوب، بينما شركة لاسيتر تترك القيادة للمخرج وأسلوبه، أما بيكسار فتركّز على اختيار الموضوع وتحرص على أن يكون مختلفاً من هذه النقطة وما بعد.

لكن أحداً لم يجر إحصاء بين المشاهدين الصغار أي نوع من الرسوم المتحركة يفضّلون. فالمسألة متروكة للكبار في أكاديمية العلوم والفنون الموزّعة للأوسكار. منذ أربعة أعوام وهي تمنح، الى جوانب بقية جوائزها، جائزة خاصّة لأفضل فيلم كرتوني. والمنافسة التي عادة ما تقع في الأسواق التجارية تنتقل إلى المنصّة حين تعلن الترشيحات. “سيارات” و”فوق السياج” و”مونستر هاوس” و”عصر الجليد 2” تبدو الأكثر حظّاً في دخول السباق الكبير في هذا العصر الذهبي لسينما الكرتون. المشكلة هي أن أحداً لا يستطيع امتلاكه والحجز عليه، لذلك وحسب وصف أحد مديري شركة أردمان فإن الوضع يشبه منجم الذهب أو “المزرعة الثرية بمنتوجها إلى الحد الذي بات يغري الجميع بزيارتها. يوماً ما سينفض الجمع بعد هلاكها”.

الخليج الإماراتية في 19 نوفمبر 2006

 

سينماتك

 

«زهور محطمة» الفائز بجائزة مهرجان «كان» الكبرى

رثــــــاء المستقبل المعــــــذب بغــــــرور المـــــــاضي

رؤى - إبراهيم نصر الله:

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك