ظهرت الممثلة الإيطالية آسيا أرجنتو (31 سنة) حديثاً في فيلمين مختلفين كلياً هما «ماري أنطوانيت» من إخراج صوفيا كوبولا، ابنة عملاق السينما الهوليوودية فرانسيس فورد كوبولا، حيث أدت شخصية مدام دو باري عشيقة الملك لويس الخامس عشر، ثم «ترانسيلفانيا» للسينمائي الغجري طوني غاتليف الذي منحها دور امرأة غجرية تعاني من ظروف قاسية بعيدة عن حياة القصور والملوك. وقد عرض كل من الفيلمين في مهرجان «كان» الأخير. وإذا كان «ماري أنطوانيت» قد نزل إلى صالات السينما الدولية منذ الصيف الماضي، فإن «ترانسيلفانيا» نزل الى دور العرض قبل فترة قصيرة جداً، في الوقت الذي راحت أرجنتو تنهي العمل في فيلم جديد عنوانه «باب الركوب» للسينمائي الفرنسي أوليفييه أساياس، جرى تصويره بين باريس وهونغ كونغ.

وآسيا هي ابنة داريو ارجنتو المخرج السينمائي الإيطالي المعروف والمتخصص في أفلام الخوف والإثارة، وهي تتبع مشواراً سينمائياً مستقلاً منذ عشر سنوات وتنجح في إثارة اهتمام الجمهور وأهل المهنة السينمائية في آن. ومن أهم أفلامها «الأيام الأخيرة» الذي يتناول الفترة الأخيرة من حياة المطرب كورت كوبين زعيم فريق «نيرفانا» الشهير والذي مات منتحراً في العام 1994.

بدأت أرجنتو التمثيل في أفلام من إخراج والدها، ثم راحت تخوض تجربة العمل مع غيره فلمعت بفضل شخصيتها الفذة ومواقفها الجريئة في المناسبات الرسمية مثل إعلانها عن قبولها العمل في فيلم «نيو روز هوتيل»، فقط لأن مخرجه أبيل فيرارا يتمتع بمظهر وسيم ولأنها أرادت أن تراه في كل يوم طوال فترة طويلة، ومن أجل تحقيق مثل هذه الأمنية ليس افضل من قبول العمل تحت إدارته في فيلم سينمائي يستمر تصويره ثلاثة أشهر. ثم أضافت أنها أدت اللقطات العاطفية في الفيلم مع زميلها الممثل ويليم دافو وهي تفكر في المخرج، فهذا العنصر ساعدها على إنجاز مهمتها على افضل وجه وادعاء الصدق أمام الكاميرا. كان ذلك كله في بداية أسيا الفنية، لكنها فضلت في ما بعد إثارة إعجاب الجمهور عن طريق الظهور في أفلام جيدة، وإتقان دورها في كل مرة من دون تبرير الحدث بأشياء لها علاقة بمدى إعجابها بفلان أو علان. وربما كي تشعر بأنها قادرة على منافسة والدها خاضت آسيا تجربة الإخراج مرتين، الأولى قبل ثماني سنوات حينما أنجزت «سكارلت ديفا»، الذي يروي حكايتها الشخصية ويزخر باللقطات الجريئة، والثانية في العام 2004، بعمل اسمه «القلب خائن قبل أي شيء آخر» وهو يتعرض لحياة صبي تسيء أمه معاملته فينمو في جو من العنف والبؤس الحاد. وقد نجحت أسيا من خلال هذا الفيلم الثاني، في تقديم الدليل على موهبتها الفنية، وعلى قدرتها الخاصة بنقل المشاعر السامية إلى الشاشة من خلال نظرة طفل صغير بائس.

في باريس التقت «الحياة» أرجنتو وحادثتها.

·         حدثينا عن فيلمك «باب الركوب»؟

- أعتقد بأنه أقوى أفلامي كممثلة حتى اليوم، بمعنى أنه يتضمن لقطات عنيفة ومثيرة تفوق كل ما سبق لي المشاركة فيه. تدور أحداث السيناريو في شقة فاخرة في منطقة نويي سور سين في الضاحية الباريسية الغربية، وهي دائرة ثرية مملوءة بالبيوت الكبيرة الفاخرة، إلا أن الأشخاص الذين يسكنون هذه البيوت، بحسب مؤلف القصة، يخفون في غرفهم وفي نفوسهم السود، الكثير من الأسرار الكئيبة. وأنا في الفيلم، أرتكب جريمة قتل بشعة قبل أن أفر إلى هونغ كونغ، معتقدة بأنني سأكون في أمان هناك، من دون أن أدري بأن مصيري سيلحق بي بطريقة غير متوقعة وغريبة الشكل تماماً.

·         تميلين إلى العمل في السينما الفرنسية؟

نعم وبشدة، فأنا أعثر في فرنسا على ما عجزت عن العثور عليه طوال سنوات كثيرة في بلدي إيطاليا، وأقصد الحرية الفنية الخاصة بالتعبير عن الذات والمجردة من القيود التي تفرضها الرقابة لتكبل بها الفنانين. أنا لا أرى في إيطاليا سوى الخبث والمكر والأساليب الملتوية المبنية على الغش والرشوة، بينما تعيش فرنسا في جو من الحرية الحقيقية، مهما ادعى الشعب الفرنسي عكس هذا الكلام.

ليس لديه ما يخسره

·         ألا تعتقدين بأن والدك داريو أرجنتو ينعم بحرية فنية كاملة في إيطاليا؟

- لقد كون والدي لنفسه عبر السنوات، سمعة فنية قوية تسمح له بإنجاز ما يعجبه إلى حد ما من دون أن يواجه اي معارضة. لكن العدد الأكبر من السينمائيين الشبان لا ينعم بهذه الحرية، بينما العكس هو الذي يحدث في فرنسا حيث يسمح المبتدئ لنفسه بأشياء جريئة جداً، يمتنع عنها الجيل الأكبر خوفاً من ردود الفعل ومن النقد السلبي. والسبب في ذلك هو ان السينمائي الفرنسي الناشئ ليس لديه ما يخسره، ويستمد شجاعته من هذه النقطة بالتحديد، في الوقت الذي سيمتنع الإيطالي المبتدئ عن ترك العنان لنفسه خوفاً من أن ينتهي مستقبله الفني قبل أن يرى النور.

·         عملتِ مرات عدة في أفلام والدك، فكيف كانت علاقتكما في أثناء التصوير؟

- كنت شابة حينما عملت في أفلام والدي، وأعترف لك بأن المواقف المخيفة التي كان يضعني فيها أمام الكاميرا، كانت تؤثر فيّ وتجعلني أختبئ إلى جواره عقب انتهاء التصوير مباشرة. لكن والدي كان يردد على مسامعي جملة واحدة في شكل مستمر وهي «الحكاية كلها سينما في سينما يا ابنتي»، ما كان يطمئنني إلى حد ما، على الأقل إلى حين بدء العمل في اللقطة التالية. وللرد على سؤالك أقول إن علاقتنا كانت جيدة، بل عاطفية حميمة، وإنني تعلمت أصول المهنة بواسطته، ولكن أيضاً من خلال متابعة نشاط والدتي في المسرح والسينما على السواء (أمها نجمة السينما الإيطالية داريا نيكولودي).

الإثارة

·         ما الذي دفعك إلى مهنة الإخراج بعدما بدأت حياتك المهنية ممثلة؟

- الرغبة في التعبير عن ذاتي بأسلوب متكامل وليس جزئي فقط. إن التمثيل يسمح لي، بطبيعة الحال، بممارسة التعبير الذي أتكلم عنه، ولكن من خلال الأعمال التي يكتبها الآخرون ويخرجها الآخرون، وأدخل أنا في اللعبة كمجرد عنصر يساهم في تدوير الماكينة، بينما أترأس المشروع من الألف إلى الياء إذا توليت كتابته وإخراجه. صحيح إذاً أن المسؤولية أكبر، والمجاذفة أيضاً، لكن الإثارة تأتي بدورها على هذا المستوى نفسه ولا تقدر بثمن.

·         لكنك تستمرين في ممارسة التمثيل؟

- نعم، ولا أنوي التنازل عنه اطلاقاً، فهو يشكل الجزء الأساسي من حياتي، بينما يأتي الإخراج نوعاً من الفخامة أسمح لنفسي بها بين حين وآخر حتى أحكي للعالم الروايات التي تمسني عن قرب وتهز مشاعري وكياني.

·         ألا تمارسين الإخراج كنوع من التحدي تجاه والدك أيضاً؟

- أنا لا أفتش عن التحدي اطلاقاً، لكن عن تأكيد شخصيتي والتعبير عما في قرارة نفسي بأفضل وسيلة مطروحة أمامي، ولا أعرف أي وسيلة أخرى سوى الإخراج، ربما لأنني كبرت وسط عائلة من الفنانين وفي أستوديوات التصوير السينمائي. وربما أكون في قرارة نفسي أبحث عن طريقة أبهر بها والدي وأجعله يشعر بالفخر تجاهي، لكنني لا أفكر لحظة واحدة في منافسته أو في تحديه بأي شكل من الأشكال.

·         مثلتِ في فيلم «ماري أنطوانيت» تحت إدارة صوفيا كوبولا، فهل اتفقت معها، علماً أنها أيضاً مثلك ابنة أحد عمالقة الفن السابع؟

- اتفقت معها إلى درجة كبيرة، وصوفيا صارت صديقتي الحميمة منذ أن عملنا معاً في هذا الفيلم. أنا سعيدة لكونها فكرت في منحي شخصية مدام دو باري عشيقة الملك لويس الخامس عشر، خصوصاً انني لا أحصل عادة على أدوار من هذا الطراز، وأقصد في الأفلام التاريخية. أنا أتمتع بنظر أهل السينما، بصورة حديثة جداً، ولذا أحيي صوفيا كوبولا على خيالها الخصب الذي جعلها تتصورني في القرن الثامن عشر. وأعترف لك بأننا قضينا الكثير من الوقت في التحدث عن ذكرياتنا مع أهلنا، خصوصاً في أستوديوات التصوير السينمائي، لأن صوفيا بدورها كبرت في هذا العالم.

·         ماذا عن فيلم «ترانسيلفانيا» ودورك كغجرية فيه؟

- عانيت من الظروف القاسية التي دار فيها تصوير هذا الفيلم، لأننا سافرنا إلى أوروبا الشرقية في عز الشتاء الماضي، وصورنا العدد الأكبر من المشاهد في الخارج وتحت الثلج الذي كان يتساقط بغزارة. لقد أعجبتني شخصية المرأة الغجرية، وأنا مقتنعة بأنني أحمل في قرارة نفسي بعض سمات الغجر، لكنني تعذبت واستحقيت في الحقيقة أكثر من الأجر الذي تقاضيته. لكنني في النهاية راضية عن العمل ككل، إذ إنني رأيته فوق الشاشة في مهرجان «كان» الاخير ووجدته يتميز بمستوى سينمائي مرتفع في الإخراج والتمثيل.

·         هل تتذكرين كلامك في شأن المخرج أبيل فيرارا قبل حوالى خمس سنوات، يبدو أنك كنت مولعة بالرجل تماماً؟

- أعتبر فيرارا من أكثر الرجال الذين أعرفهم وسامة وجاذبية وحدة ذكاء. وأتذكر بالفعل انني تكلمت عنه في كل المناسبات عندما عملت تحت إدارته، ومدحت شخصيته وموهبته الفنية، والذي حدث هو انني أخرجت بنفسي فيلماً تسجيلياً عنه وعن مشواره السينمائي كمخرج مرموق، وهكذا استطعت مد علاقتنا إلى مكان أبعد من موقعها الأصلي، وصرت أنا المخرجة وهو الممثل. أنا عكست الأدوار، وبالتالي ساهمت في خلق جو جديد تماماً بيننا، تميز بالإثارة ونوع من الغموض في آن.

·         وهل أنت على علاقة به الآن؟

- نعم ولكن ليس في شكل مستمر.

·         ما هي مكانة الأمومة في حياتك؟

- أنا أعيش من أجل هدفين وحسب، ابنتي الصغيرة البالغة من العمر خمس سنوات الآن، ثم فني.

الحياة اللندنية في 1 ديسمبر 2006

 

السينما في السعودية - البدايات مجتمعة في مدينة فرنسية

نانت (فرنسا) - ندى الأزهري 

عدسات كثيرة كانت تترقب صعود الوفد السعودي على المسرح. إنها «المرة الأولى التي يرافق فيها مهرجان نانت للقارات الثلاث قيام صناعة سينمائية في بلد ما»، كما أعلن فيليب جالادو مدير المهرجان في حفل الافتتاح.

لم يكن الوفد السعودي نجم الحفل فحسب بل كان محط الأنظار أينما حل. تكريم و لقاءات عديدة مع الجمهور والصحافيين، وتظاهرة خاصة لـ «العربية السعودية - البدايات»، عرضت فيها أربعة أفلام. ليس أكثر. بدت الرغبة واضحة لدى إدارة المهرجان، الأقدم في فرنسا بعد «كان»، في مرافقة «ولادة السينما السعودية»، وفي جعلها تنطلق من نانت. عمدة المدينة أيضاً، أشار إلى هذه الانطلاقة الأولى وهو يقلد عبد الله المحيسن مخرج أول فيلم روائي سعودي «ظلال الصمت»، وسام شرف مدينة نانت (مفتاح المدينة).

صحيح أن لا احتراف سينمائياً في هذا البلد ولا دور للعرض، لكن» ثمة رغبة أكيدة وواضحة لتحقيق أفلام» لحظها مدير المهرجان، وبدت لدى الجيل الشاب الذي تمثل في نانت من خلال هيفاء المنصور «نساء بلا ظل» وعبد الله عياف «500 كم للسينما». فيلمان وثائقيان يحكي الأول عن أوضاع المرأة في العربية السعودية، والثاني عن رحلة الـ 500 كيلومتر(من الرياض إلى البحرين) التي يقوم بها شاب لمجرد تحقيق حلم مشاهدة فيلم في مكانه الطبيعي: دار العرض!

ردود الفعل «المستغربة» لاحقت هيفاء المنصور» امرأة من السعودية تصنع فيلماً!» إنها صعوبة إضافية. كان الفيلم «الحدث» في المهرجان. امتلأت الصالة، ونُسيت قواعد الأمن الصارمة في فرنسا، فتغاضت الأعين عن العشرات الذين جلسوا على الأرض وسدوا بذلك منافذ الخروج. لم ير أحد فيلماً سعودياً من قبل، وما هو أهم أن «امرأة» قد أنجزته. يريدون معرفة «كيف تصور المرأة في السعودية من قبل امرأة؟» علق متفرج فيما التصفيق الحاد عند تقديمها يقطع حديثنا. هذا التركيز عليها «كامرأة سعودية» والذي يكون قد فاق أو وازى التركيز على عملها نفسه، لم يضايقها، تقول لنا: «يعطيني اهتمامهم بأقوالي فرصة جيدة للتعبير، لكني أطمح لحصول تحسن وعمق أكبر في الطرح في أعمالي، لتغدو أهمية الفيلم ذاته أكبر». قد يترك شريطها الوثائقي صورة سلبية لدى الغرب» لا خوف من الآخر، لأنه هو الآخر يناقش كل مشاكله من دون أن يعبأ بردود الأفعال. إن لم نناقش قضايانا، فسيقوم الآخرون بمناقشتها عنا! كثيراً ما تطرح قضية المرأة السعودية للنقاش عالمياً، فإذا لم نأخذ المبادرة بأنفسنا ومن وجهة نظرنا فقد يكون لهذا أثره السيئ حقاً.» لقد عبر لها كثر هنا عن تغيير وجهة نظرهم بعد رؤيتها مع فيلمها «حررت جزءاً كبيراً مما في أذهاننا، ومن أفكارنا المسبقة عن المرأة السعودية».

مهندس يعشق السينما

أما عبد الله العياف فهو مهندس عاشق للسينما، كان يعبر 500 كيلومتر لمشاهدة فيلم في البحرين مثله مثل الآلاف من السعوديين الذين يشكلون النسبة العظمى من مرتادي دور العرض هناك. رحلته هذه كانت دافعه الشخصي الى عمل فيلم، ومكنه جو الانفتاح الملموس في السعودية اليوم من تحقيقه. وهذا ما أكدته المنصور أيضاً التي اعتبرت وجودها في نانت ومناقشتها قضايا مجتمعها «دليلاً واضحاً على التغيير في وضع المرأة وأيضاً في نسبة تقدير الفنون.» فهي ترى أنها كمخرجة سعودية تعامل باحترام في بلدها كما يتم تسليط الضوء على إنجازاتها، على رغم أنها مثيرة للجدل وهو ما يجعلها تشعر باعتزاز بلدها بها. وحين أثيرت مع الجمهور الفرنسي قضية عدم وجود صالات في السعودية أكد المحيسن والمنصور وعياف على المعرفة السينمائية التي يتمتع بها السعوديون من خلال متابعتهم الأفلام المدمجة. وبأن هذا «مهم لكنه ليس الأهم». لأن دور العرض ستقوم، كما يجري في بقية بلدان الخليج مثلاً، بعرض الأفلام التجارية الأميركية لا الأفلام ذات القيمة الفنية وكأن لسان حالهم يقول « ما فائدة الصالات إن لم تعرض أفلامنا؟ كما يحصل في الإمارات؟».

تجربة كل من المنصور وعياف شابة، عفوية، وواعدة على رغم الأخطاء (التقنية). تلك الأخطاء التي لا ينكرانها والتي دعت العياف إلى لفت انتباه الشباب، الذين قدموا في دورات تدريبية إلى المهرجان، إلى «عدم التعلم من فيلمه». وفي كل مرة من المرات التي تحدث فيها إلى الجمهور، أثار الإعجاب بكلامه والابتسامات بخفة ظله.

حكاية أخرى

«ظلال الصمت» العمل الروائي الأول لعبد المحيسن الذي وإن كان واعداً، فهو ليس بالعفوي بل جاء مدروساً بعناية ومنفذاً بحرفية. كما انه ليس بالفيلم «المحلي»، بل جاء كما أراده مخرجه «عربياً»، نظراً الى موضوعه الشامل ولغته وعناصره الفنية.

الفيلم يبين الانزلاق التدريجي نحو السلطة، ويعرض الأساليب التي يمكن أن تتبعها الفئات المتسلطة للسيطرة على عقول المفكرين والعلماء وحتى الناس العاديين من عزل وعمليات غسيل مخ لتجعلهم تحت سيطرتها الكاملة. كما يحاول أن يبرز كيفية انزلاق بعض هؤلاء في الفخ وارتكابهم لما لا يريدون ارتكابه، فيما الشعب مشغول «بالأهداف» التي ترمى في ساحات الملاعب. بعد تشابك الأحداث يأتي الخلاص على يد بعض فرسان العرب من البدو.. وهذه النهاية التي تقود إلى احتمالات عدة تدفع أيضاً بالتساؤلات حول هوية المنقذين. يجيبنا المحيسن» أثيرت هذه النقطة كذلك من قبل كثر. لكني بينت أن العلماء أيضاً قد ساعدوا في اختراق المؤسسة، لقد أردت القول إن الحل هو في الأصالة المبنية على أسس عصرية».

لم يتوقف الجدل على هذه النقطة، كما عبّر لنا المخرج. فالأسلوب الذي اتبعه في المعالجة يستخدم الرمز والفانتازيا خارجاً عن إطار الحكاية التقليدية، التي يرى المحيسن أنها كانت ستقيده، إضافة إلى أن هذا الأسلوب قد منحه حرية التنقل والمزج بين الواقع والخيال وهو ما «يوصل الرسالة إلى المشاهد في شكل أكثر جاذبية» حسب رأيه. ووفق المحيسن في استخدامه اللغة الفصحى المبسطة في الحوار حيث ساهم ذلك في تعزيز الأجواء الغريبة السائدة في المعهد حيث يتم غسيل المخ، وفي وضع العمل خارج دائرة المكان والزمان وهو ما خدم السيناريو. من خلال هذه اللغة «المطوعة» يسعى المحيسن الى «إيجاد لهجة مشتركة تتيح استخدام المواهب الكثيرة في العالم العربي». وهو ما سمح له بإشراك ممثلين من السعودية والكويت وسوريا وتونس والجزائر. أما مصر التي غابت فكان ذلك بسبب «انشغال» من عرض عليهم الدور من ممثليها كما قال!

يحسب للعمل كونه أول فيلم روائي سعودي، وقد جاء بعد أفلام المحيسن الوثائقية «اغتيال مدينة»، «الإسلام جسر المستقبل»، و«الصدمة..» والموضوع هو ما جعل المخرج ينتقل من الوثائقي إلى الروائي. أما كونه المخرج «الأول» فيرى فيه «مسؤولية» فثمة «حراك ثقافي عام، وجيل من الشباب يدرس السينما ويرى فيها وسيلة لإبراز الأفكار ونحن في مرحلة ستتمخض عنها تجارب سينمائية ذات رؤى ومعالجات جديدة». أنتج المحيسن الشريط بتمويل ذاتي وكرس له إمكانات ضخمة. وقد تمنى على الفضائيات العربية أن تلعب دورها في دعم السينما الملتزمة والمواهب وليس فقط» سحب الكثير من الأموال من المشاهد العربي والمتاجرة في أفلام العلب المرصوصة وفرضها لأنها رخيصة الثمن وتملأ الوقت».

الحياة اللندنية في 1 ديسمبر 2006

ترجمة عربية لكتاب تاركوفسكي «النحت في الزمن»...

دعوة الى تحرر السينما من سطوة الأدب و«كليشيهات» النقاد

سيد محمود 

امرأة من غوركي وجهت رسالة الى المخرج الروسي الشهير اندريه تاركوفسكي بعد أن شاهدت فيلمه «المرأة»، كتبت فيها: «أشكرك على الفيلم، طفولتي كانت كذلك. احساس مدهش كان يملأ روحي كلها... لكن كيف عرفت ذلك؟ وأنا أنظر الى الشاشة المضاءة بموهبتك، شعرت للمرة الأولى في حياتي بأنني لست وحيدة».

كانت هذه الرسالة من المحفزات التي دفعت تاركوفسكي الى تأليف كتابه «النحت في الزمن» الذي ترجمه الى العربية أخيراً القاص البحريني أمين صالح وصدر في طبعتين في آن، الأولى اصدرتها في بيروت المؤسسة العربية للدراسات والنشر، والثانية صدرت في القاهرة عن دار ميريت للنشر. ومن حسن الطالع أن يأتي صدور هذه الترجمة قبيل الاحتفال بمرور عشرين سنة على وفاة أندريه تاركوفسكي الذي يعد من أبرز الاسماء في تاريخ السينما العالمية وأهمها.

وعلى رغم أن تاركوفسكي أخرج طوال مسيرته الفنية – 25 سنة تقريباً – سبعة أفلام فقط، إلا أن كل فيلم منها كان يعد حدثاً فنياً بحد ذاته، ولعل طول الفترات الزمنية الفاصلة بين تلك الأفلام أعطى له الكثير من الوقت لكي يتأمل تجربته ويحدد بدقة أهدافه الخاصة مقارنة بتجارب الآخرين وأهدافهم.

والكتاب الذي طُبع في المانيا للمرة الأولى في العام 1986 يتضمن مجموعة من اليوميات والانطباعات التي سجلها صاحب «طفولة ايفان» حول تجربته السينمائية في سياق رغبته في «تعزيز التواصل مع الجمهور» الذي قابل افلامه برود أفعال متباينة يسجلها في الكتاب. والاهم أن انطباعاته المدونة لم تأت خالية من تأملات غاية في الأهمية حول مشكلات «التعبير الفني» التي واجهت قبل أن ينتهي الى إبداع تجاربه السينمائية الفريدة. وهي تأملات مثيرة لكل المبدعين الباحثين عن حلول لمشكلات شبيهة.

فن مستقل

ويعترف تاركوفسكي في الصفحات الأولى بأنه توصل الى هذه التأملات بعد استجوابات قام بها للنظريات السينمائية السائدة، ومن خلال الرغبة في التعبير عن فهمه الخاص للقوانين الأساسية للشكل الفني الذي صار جزءاً من تجربته.

وعلى رغم أن معظم المشكلات التي يطرحها الكتاب ترتبط بالفن السينمائي بالأساس إلا أن صاحبها وجد حلولها في أجناس ابداعية أخرى مثل «الرواية الأدبية» أو اللوحة التشكيلية، ما يزكي لدى القارئ فكرة «التجاور» بين مختلف الانواع والاجناس الابداعية لولا أن تاركوفسكي لا يلبث أن يذكره في كل مناسبة بضروة «استقلال الفن السينمائي» عن غيره من فنون الابداع.

وأول ما يبدأ به صاحب «نوستالجيا» هو الاشارة الى ظروف عمل فيلمه الأول «طفولة إيفان» المأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب بوغومولوف منتهياً الى الدعوة الى «فصل السينما عن الأدب نهائياً» ويشير بفرح الى ما انجزته السينما في هذا الخصوص ويراهن على «قدرتها في التحرك ليس بعيداً من الأدب فقط ولكن أيضاً عن بقية الاشكال الفنية المتاخمة»، ويؤكد على نحو حاسم أن «للسيناريو السينمائي بنية تختلف تماماً عن بنية النص الأدبي» وفي سياق المقارنة بين صلاحيات كاتب السيناريو وصلاحيات المخرج ينتصر صاحب فيلم «الحنين» لسلطة المخرج على نحو مطلق وهو يعتقد بأن الاستعارات التي يلجأ اليها البعض لتغذية الفن السينمائي من عناصر فنية أخرى من شأنها ان تعمل ككابح للسينما وعائق أمام تحقيقها لشخصيتها المميزة ومن ثم فإن محاولة تكييف مقومات الاشكال الفنية الاخرى مع الشاشة يؤدي دائماً الى تجريد الفيلم مما هو سينمائي فيه على نحو مميز.

ويحذر تاركوفسكي مما يسميه «الكليشيه» الذي يلجأ اليه بعض المخرجين لكبح خيال المتفرج عبر استنساخ مشاهد تقليدية ألفها المتفرج في معظم المواقف الدرامية، مشيراً الى ان الروائع الفنية تولد من نضال الفنان للتعبير عن مثله الاخلاقية. واذا كان الفنان جاداً في سعيه نحو تعزيز قيمة الحياة، لن تكون هناك خطورة في مرور صورة الواقع عبر «فلتر» مفاهيمه الذاتية نظراً لأن عمله سوف يكون دائماً محاولة روحية تتوق الى جعل الانسان أكثر كمالاً، فالفن كما يراه هو «توق الى المثال».

وللانسجام مع هذا المفهوم «الصوفي» يتحدث الكتاب في فقرات مطولة عن الاتجاه الخاطئ الذي اتخذه الفن الحديث عندما تخلى عن البحث عن معنى الوجود في سبيل توكيد قيمة الفرد لمصلحته الخاصة.

الذاتية لخدمة السمو

ولا يكف تاركوفسكي عن الاشارة الى أن الذاتية في الابداع الفني، لا تفرض نفسها، بل تخدم فكرة اخرى اكثر سمواً ومشاعية. فالفنان هو «خادم» دائماً عليه أن يدفع ثمن موهبته. فلا معنى من وراء القول إن الفنان يعمل بقصد «التعبير عن الذات» اذ إن هذا التعبير يظل دائماً يحتاج الى أن يلقى استجابة من الآخرين.

ولا شك في أن القارئ لهذه التأملات قد يلمح ظلاماً تركته «الواقعية الاشتراكية» في افكار صاحب «المرآة» من دون أن يعني ذلك صلة تاركوفسكي بأي مؤسسة رسمية كانت في بلاده اذ إنه ظل لسنوات طويلة «مهملاً.. شبه منبوذ» من تلك المؤسسات، كما يشير في أكثر من موقع الى مشكلاته مع الجهات الانتاجية أو مع «النقاد المحترفين» أصحاب المساحات الثابتة في صحف بلاده. كما يشن حملة لا هوادة فيها على «الثقافة الجماهيرية المعاصرة» الموجهة الى المستهلك، ويعرف زمنه عبرها بأنه «زمن التدمير الشامل» حيث تسود «حضارة الجراحة الترقيعية» التي تشل أرواح الناس وتقيم حواجز بين الانسان والاسئلة الحاسمة بشأن وجوده.

والى جانب المرجعيات الأدبية التي يلجأ اليها تاركوفسكي لإضاءة أفكاره بنصوص دوستويفسكي وتولستوي وجيمس جويس وبروست، لا يمل كذلك من الاشارة الى الاعمال التشكيلية التي يمكن اعتبارها أحد المداخل المهمة للتعامل مع أفلامه. وهو في أحيان أخرى يلجأ الى اعمال سينمائية لتوضيح الفكرة لا سيما من أفلام لويس بونويل وبرغمان باعتبارهما «الأقرب اليه» وينظر بخاصة الى بونويل بوصفه «حامل الوعي الشعري» فيما يقرأ اعماله بوصفها «نتاج كراهية شديدة للبنى الميتة».

وفي سياق الحديث عن السينما الشعرية تتكرر في الكتاب الاشارة الى «قصائد الهايكو اليابانية» التي يعتبرها تاركوفسكي اكثر الانماط الشعرية قرباً من السينما كما أنها مثال نادر في القدرة على رصد الحياة في شكل صاف وخالص.

وفي فصل يحفل بروعة استثنائية نظراً لعمق التأملات الميتافيزيقية التي يتضمنها يتحدث تاركوفسكي مطولاً عن الزمن الذي هو شرط لوجود «الأنا» لدى كل انسان، ويرى انه أشبه بالوسيط الثقافي الذي يتعرض للتدمير حين لا تعود هناك حاجة اليه، وحالما تكون الروابط صارمة بين الهوية الفردية وشروط الوجود.

ويؤكد السينمائي الكاتب ان الانسان وجد في السينما، وللمرة الاولى في تاريخ الفنون، وسيلة للامساك بالزمن وطبعه. وعلى نحو متزامن، إمكان نسخ ذلك الزمن على الشاشة ما يشاء المرء... أن يكرره ويعود اليه مرة أخرى. لقد اكتسب الانسان منبتاً للزمن الفعلي. بعد رؤية الزمن وتسجيله، صار في الإمكان الاحتفاظ به في علب معدنية لفترة طويلة (الى الأبد... نظرياً). وهنا يشبّه تاركوفسكي المتفرج في صالة العرض بالباحث عن «الزمن المفقود» ويعرّف الصورة السينمائية بأنها هي أساساً رصد لوقائع الحياة داخل الزمن. ويتساءل عن طبيعة عمل المخرج مؤكداً أن هذا العمل هو «النحت في الزمن» فما يفعله صانع الفيلم شبيه تماماً بما يفعله النحات الفارق يكمن في طبيعة المادة الخام فقط.

بعد ذلك يتحدث صاحب «القربان» عن الموسيقى في افلامه مؤكداً ان الموسيقى «كانت مهمة وثمينة» اذ كانت تقوم بما هو أكثر من تكثيف الانطباع بالصورة البصرية، أو تقديم ايضاح مواز للفكرة ذاتها. إنها تفتح الاحتمال لانطباع جديد ذي مظهر متغير، وللمادة نفسها: كما يمكن للموسيقى أن تجلب الى المادة المصورة سمة غنائية ولدت من تجربة المبدع. في فيلم «المرآة»، المتعلق بالسيرة الذاتية، على سبيل المثال، الموسيقى هي غالباً مقدمة كجزء من مادة الحياة، من التجربة الروحية لخالق العمل.

الحياة اللندنية في 1 ديسمبر 2006

 

«صباح الفل» لشريف البنداري ... هند صبري يفاجئها الاستيقاظ يوم العطلة

فجر يعقوب 

يقدم المخرج المصري الشاب شريف البنداري فيلمه القصير «صباح الفل» ربما ليس بدافع التعبير السينمائي عن جوهر قصة ما بأدوات فيلم قصير، بل بدافع تقديم رؤية موجزة للسينما نفسها في اطلالته «القصيرة» من دون أي ادعاء او زخرفة عادة ما تكون زائدة في التجارب الأولى للشباب.

«صباح الفل» – 8 دقائق – المأخوذ عن مسرحية للكاتب داريو فو بعنوان «الاستيقاظ»، يحكي قصة تلك العاملة (هند صبري) التي تستيقظ متأخرة عن عملها، فتنهض لاهثة ومرتبكة بتأثير حلم ثقيل ومتقطع، ويقودها الى ذلك مونولوغ طويل غير قسري امام وليدها الرضيع الذي تنهض به كيفما اتفق من اجل اللحاق بموعد العمل حتى ولو متأخرة. ويتفتح هنا المونولوغ على غلطة الحياة نفسها تتركب من احلام بسيطة للغاية، ولكنها تنهك اصحابها بدرجة بساطتها المعلنة، كما هو حال هذه العاملة البسيطة، وهي تتألم للجدوى الانسانية التي تربطها بوظيفة تصبح احياناً مفخرة للعيش من خلال الاستمرار فيها فقط.

هند صبري تتفاجأ ربما – مثلنا – وهي تتحول ولا تتجول امام الكاميرا في لقطة طويلة كأنها لا تريد ان تنتهي، لأن صاحبتها قد شغفت بها في غفلة عن عين المخرج الشاب، وهي تنفرد امام المونولوغ للتعريف بلذة الاستيقاظ من اجل التوجه الى العمل، وهي تعرف ان ضغوطات الحياة المادية بكل أثقالها قد تعكر عليها صفاء العطلة الاسبوعية اذ تكتشف وهي تبحث في سروال زوجها عن مفتاح باب الشقة الخارجي من اجل الخروج من متاهة المونولوغ نفسه قبل ان يتشعب في اتجاهات تثقل الفيلم. ان اليوم هو يوم العطلة الاسبوعية، وان الحلم الذي دفعها الى الاستـيـقاظ كان كاذباً مثل اشياء كثيرة قد تصادف المرء في الحياة الواقعية.

«صباح الفل» نال جائزة لجنة التحكيم للافلام الروائـيـة القصيرة في مهرجان الاسماعيلية الدولي العاشر في دورته الماضية وهو من انتـاج المركز القـومي لصناعة السينما في مصر وباشراف رئيسه الناقد السينمائي المصري علي أبو شادي.

الحياة اللندنية في 1 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

بطلة فيلم «ترانسيلفانيا» تدربت على يد والدها مخرج أفلام الرعب...

آسيا أرجنتو: وجدتُ في فرنسا حريتي الفنية وفي بلدي إيطاليا الغش

باريس - نبيل مسعد

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك