< لم يأخذ السينما التسجيلية كخطوة للعمل في السينما الروائية ولم يبق فيها مضطرا لأن أحدا لم يستدعيه لإخراج فيلم روائي

< أفلامه التسجيلية تبرز مدي جديته وصبره ومعاناته في معايشته وإخراج هذا النوع من الأفلام

< عن طريقه عرفت أعلام السينما الموجة الجديدة في السينما الفرنسية وأقطاب السينما البولندية واليوغسلافية والروسية والتشيكية

< في آداب عين شمس درس علي يد عمالقة الفلسفة وعلم النفس مثل عبدالرحمن بدوي ود. محمود الخضيري ود. مصطفي زيوار  

يستحق المخرج السينمائي أحمد راشد أن نطلق عليه «عاشق السينما التسجيلية» فمنذ أن عمل في هذا المجال وهو لا يرضي عنه بديلا. إعتاد الكثير من المخرجين أن يدخلوا مجال إخراج الأفلام الروائية عن طريق العمل في بداية حياتهم الفنية في الأفلام التسجيلية ثم الانتقال بعد ذلك إلي السينما الروائية. واضطر البعض إلي الاكتفاء بالعمل في السينما التسجيلية لأن السينما الرورائية لم تناديهم أو يرحب بهم المنتجون. ولكن المخرج التسجيلي الراحل أحمد راشد عشق هذا ووجد فيه ما كان يصبو إليه.

بداية المعرفة

عرفت أحمد راشد في آواخر الخمسينيات من القرن العشرين وذلك من خلال نشاط سينمائي ثقافي وهو «ندوة الفيلم المختار» التي كان يقيمها الأديب الكبير يحيي حقي عندما كان مديرا عاما لمصلحة الفنون.. كانت تلك الندوة تقدم عرضا كل أسبوع يقام في حديقة قصر عابدين وأذكر ثمن التذكرة لغير المشتركين كان ثلاثة قروش.. كانت تلك الندوة تعرض الأفلام الأجنبية المنتقاة بعناية وكذلك بعض الأفلام المصرية الجيدة. كان يعقب العرض ندوة تبدأ بتقديم سريع من المشرف علي هذا النشاط وهو الناقد السينمائي وأحد رواد الثقافة السينمائية في مصر فريد المزاوي الذي كان يعمل في نفس الوقت مديرا للمركز الكاثوليكي السينمائي.

ويعقب عرض الفيلم تحليل سينمائي من فريد المزاوي ثم يفتح باب المناقشة بينه وبين الحاضرين. وعندما كان يغيب فريد المزاوي عن الحضور كان يقوم أحد حوارييه بالمهمة وكانوا كثيرين أذكر منهم عبدالحميد سعيد ويعقوب وهبي وأحمد راشد وهاشم النحاس وأحمد الحضري ومحمد سعيد. وكان الأديب الكبير يحيي حقي حريصا علي الحضور كل أسبوع هو وزوجته الفرنسية بل كان أحيانا يتولي الترجمة الفورية إذا كان الفيلم ناطقا باللغة الفرنسية وليس به شريط ترجمة. وغالبا ما كانت هذه الأفلام تأتي عن طريق المكاتب الثقافية للسفارات الأجنبية.

لم تكن تربطني أي معرفه بمجموعة هؤلاء المعلقين من الشباب ولكني أدركت أنهم مجموعة كان عشق الفن السينمائي هو الذي قرب بينهم وجعل منهم أصدقاء حتي الموت. وكنت بيني وبين نفسي أحلم بأن أكون واحدا منهم ولذلك تمكنت من قراءة كل مايقع تحت يدي من كتب السينما أو المقالات التي كانت تكتب في ذلك الوقت ولكن ذلك لم يشف غليلي فأخذت أبحث عما يكتب عن الفن السينمائي باللغة الانجليزية.

عضو مؤسس

وأذكر أيضا أن فريد المزاوي أراد توسيع نطاق «ندوة الفيلم المختار» بحيث لا تقتصر علي العروض السينمائية ومناقشتها بل أضاف إليها الثقافة السينمائية النظرية، وذلك عن طريق المحاضرات. أقام سلسلة من المحاضرات عن السيناريو السينمائي حيث كانت أصول هذا الفن من الناحية النظرية مجهولة ولم يصدر عنها أي كتاب في ذلك باللغة العربية. وقام بالقاء تلك المحاضرات صلاح أبوسيف وعلي الزرقاني وتوفيق صالح وآخرون لا أذكرهم الآن ولكن أذكر أن كامل التلمساني ألقي أيضا محاضرة عن فن العبقري شارلي شابلن ثم أصدر بعد ذلك عنه كتابا بعنوان «عزيزي شارلي».

توقفت تلك الندوة لأسباب لا أعلمها وربما أهمها تحول مصلحة الفنون إلي مايعرف في ذلك الوقت علي أنها «مؤسسة دعم السينما». وفي هذه الفترة اجتمع أحمد الحضري مع رفاقه الذين كانوا يشاركون في «ندوة الفيلم المختار» وقرروا أمرا يعوضهم عن توقف هذا النشاط الهام. كان أحمد الحضري عائدا من بعثة في انجلترا لا علاقة لها بالسينما ولكنه هناك اهتم بأمر هذا الفن الذي يعشقه وتعرف علي جميعات الفيلم البريطانية.

وعندما عاد إلي مصر كان يحمل في رأسه بذور فكرة إنشاء جمعية فيلم. واختمرت في رأسه الفكرة بعد توقف «ندوة» الفيلم المختار» ووجود مجموعة من العناصر البشرية المثقفة سينمائيا لانشاء أول جمعية للفيلم في مصر. كان المؤسسون لجمعية الفيلم هم: أحمد الحضري وعبدالحميد سعيد ويعقوب وهبي وأحمد راشد وهانم النحاس وفتحي فرج وآخرون من لا أتذكرهم الآن. كان نشاط «جمعية الفيلم» وأعتقد أنه مايزال حتي الآن هو امتداد لنشاط «ندوة الفيلم المختار» وربما زاد عليه المهرجان السينمائي الذي تقيمه الجمعية كل عام للأفلام المصرية وتمنح فيه الجوائز لكل فروع الفن السينمائي.

تعارف حقيقي

كانت جمعية الفيلم هي بداية تعارفي الحقيقي بأحمد راشد، وذلك عندما التحقت بها في آواخر عام 1961 أنا ورفيق العمر رأفت الميهي، أذكر أن الاشتراك كان زهيدا ربما كان خمسة وعشرين قرشا كل ثلاثة أشهر.

وعندما التحقت بعد تخرجي من الجامعة عملت بضعة شهور مدرسا للغة الانجليزية ثم جاءتني الفرصة التي كنت أحلم بها عندما التحقت بالعمل في «الشركة المصرية العامة للانتاج السينمائي التي كان يرأسها صلاح أبوسيف. وفي تلك الشركة وجدت أن أحمد راشد من بين مجموعة قسم القراءة والاعداد الذي التحقت به. وتوثقت الصلة بيني وبين أحمد راشد حتي إننا لم نكن نفترق إلا ليعود كل واحد منا إلي بيته للنوم. كان يتميز بحسن الخلق وتجرده الكامل من الأنانية وحبه الشديد لأصدقائه وجديته الشديدة في العمل واخلاصه وتفانيه فيه وولعه بالقراءة وسعة ثقافته السينمائية. كان حاصلا علي ليسانس الآداب في الفلسفة من جامعة عين شمس وقد قام بالتدريس له عمالقة أساتذة الفلسفة وعلم النفس مثل الدكتور عبدالرحمن بدوي والدكتور محمود الخضيري والدكتور مصطفي زيور وأتقن اللغة الفرنسية التي منحت له آفاقا واسعة في مجال الثقافة السينمائية فاشترك في مجلة «كراسات السينما» الفرنسية ولذلك كان يعلم الكثير في ذلك الوقت عن السينما الفرنسية خاصة سينما الموجة الجديدة ومخرجيها.

وكنت أستزيد من ثقافته هذه عندما يتحدث معي عن أعلام هذه السينما فعرفت عن طريقه جان لوك جودان والكسندر أستروك وآلان رينيه وفرانسوا تروفو وشابرول وأنيش فاروا وميشيل دي في وغيرهم من أعلام الموجة الجديدة في فرنسا وعرفت عن طريقه أيضا المخرجين الكلاسيكيين مثل بريسون ورينيه كلير وكلوزو ومن بعدهم رينيه كليمو الذي عشقت فيما بعد كل أفلامه. وعن طريقه أيضا عرفت أقطاب السينما المجرية مثل استيفان زابو وزولتان فابري وميكلوش يانشو والمخرجة الشهيرة ميزاروش.

وعرفت غيرهم من أقطاب السينما البولندية والتشيكوسلافية والسينما اليوغوسلافية والروسية. وأنا أذكر ولعه الشديد بالمخرج الروسي الكبير سيرجي أيزنشتين.

عبير الثقافة

كانت صحبة أحمد راشد طوال اليوم هي استنشاق لعبير الثقافة في كل المجالات وذلك لعلاقاته العديدة باقطاب الأدب والفن التشكيلي والفن السينمائي. وكانت صلته الأكبر هي بالمخرج السينمائي أحمد كامل مرسي. كان أحمد راشد يعتبر أحمد كامل مرسي هو أبوه الروحي وكان أحمد كامل مرسي يعتبر أحمد راشد ابنه بالتبني المفضل فقد فضل الرجل أن يعتبر مجموعتنا كلها أولاده وبيته مفتوح لنا في أي وقت ولا يبخل علينا كل شهر بدعوة غداء أو عشاء في أحد المطاعم الفاخرة أو في بار الأنجلو رغم أن الرجل في كثير من الأحيان يمر بضائقة مالية.

اعتادت مجموعة الاصدقاء المكونة مني ومن أحمد راشد ورأفت الميهي وإسماعيل البنهاوي وفتحي فرج وسيد عبدالمحسن ومحمد قناوي السير ليلا في شارع سليمان باشا ويكون ذلك عقب خروجنا من إحدي دور السينما أو ذهابا إلي إحدي دور السينما ونقابل في الطريق صلاح أبوسيف أو حلمي حليم فنقف علي قارعة الطريق نتحدث في أي شيء يدور عن السينما أو نقابل مجموعة أخري من الاصدقاء سيد جاد ومصطفي حسين وبدر نشأت ويقودنا سيد جاد إلي صديق لهم يسكن في شقة في الدور الأول في عمارة جروبي في ميدان سليمان باشا. ويكاد هذا الصديق أن يكون كفيف البصر وللأسف لم أعد أذكر اسمه الآن. كان يدعونا هذا الصديق في شقته الجميلة إلي كأس واحد من الويسكي فقط كأس واحد دون ثلج أو أي شيء ثم نبدأ حديثا طويلا في إحدي القضايا الثقافية إلي أن نشعر برغبة صاحب البيت في النوم.

كان بيت أحمد راشد هو الملتقي لأفراد مجموعة الأصدقاء. كنا نعتبر أمه أما لنا جميعا. وكانت هي بالفعل تعاملنا وكأننا أولادها وإذا صادفت أي واحد منا مشكلة كان يعرضها عليها ويأخذ رأيها وكانت هي الأخري تأخذ رأينا في بعض المشاكل التي تقابلها مع أولادها. وأذكر عندما تقدم فتحي فرج للزواج من ابنتها شفيقة أخذت رأينا وبالطبع وافقنا فقد كان فتحي صديقا عزيزا جدا علينا. ولم تكن شفيقة أخت أحمد راشد متحمسة في البداية. أخبرني أحمد راشد وأخبر رأفت الميهي بذلك فتطوعنا باقناعها حتي وافقت وتزوجته.

رائد النقد

عندما كنت أذهب إلي أحمد راشد في البيت كنت أجده دائما يكتب مقالا أو يعد لكتابة موضوع سينمائي. وهو يعتبر من رواد النقد السينمائي الحقيقي في مصر بل في العالم العربي. هو الذي اتبع كتابة تتابع المشاهد التي يحتويها الفيلم بشكل أشبه بالمعالجة السينمائية. كان يكتب هذا التتابع في حوالي عشرين صفحة قبل أن يبدأ بتحليل الفيلم ونقده بحيث من يقرأه يخيل إليه أنه شاهد الفيلم بأكمله.

وسار بعد ذلك علي هذا المنوال كل من إسماعيل البنهاوي وأحمد الحضري. والتزم كل من كتبوا في نشرة نادي السينما بهذا المنهج عند التعرض للفيلم الذي يقوم النادي بعرضه. وقد التزمت أنا شخصيا بهذا المنهج فكنت أشعر وكأنني أقوم بكتابة المعالجة السينمائية للفيلم. وقد بدأ أحمد راشد هذا المنهج عندما قام بكتابة نقد لفيلم «المستحيل» من إخراج حسين كمال. كان يصطحب معه قلما أشبه بالبطارية يضيء له في الظلام ليكتب كل ما يطرق علي ذهنه أثناء عرض الفيلم.

وقد شاع هذا القلم في ذلك الوقت بين لصوص الأفلام السينمائية من الكتاب الذين كانوا يتسللون إلي دور العرض في الظلام ليقوموا بنقل أحداث الأفلام الأجنبية. كان ذلك بالطبع قبل اختراع جهاز الفيديو وشرائطه. ونشر أحمد راشد هذه الدراسة الأصيلة لفيلم «المستحيل» في مجلة «المجلة» في الفترة الذي كان يرأس تحريرها يحيي حقي وهي تعتبر من أرقي المجلات في الفكر والثقافة وكان لا يكتب فيها سوي صفوة الصفوة من المفكرين والنقاد وكان أحمد راشد من صفوة النقاد.

كانت صداقة أحمد راشد الذي لم يكن سنه يصل إلي الثلاثين في فترة الستينيات بعد نديم الذي كان قد تجاوز الأربعين في ذلك الوقت هي العامل الأكبر في جعل أحمد راشد يعشق السينما التسجيلية. فالبرغم من عشق أحمد راشد بوجه عام للفن السينمائي إلا انه بدأ يميل إلي هذا النوع السينمائي وبدأ يهتم بكل مايعرض أو يكتب عن السينما التسجيلية حتي اصبح خير من يتحدث عن فلاهرت وجرير سون وبول روثا وغيرهم من رواد السينما التسجيلية في العالم. وأخذ يجلب لنا في «جمعية الفيلم» روائع الأفلام التسجيلية العالمية. وأذكر أن المخرج السينمائي العالمي جون فيني أتي لمصر في هذه الفترة ليخرج فيلما تسجيليا عن النيل أطلق عليه اسم «ينابيع الشمس» الذي يعتبر تحفة سينمائية لانظير لها. واقترب أحمد راشد من هذا المخرج الكندي رغم أن أنه كان يلقي صعوبة بالغة في الحديث معه لأنه لم يكن يتقن الانجليزية ولكنه استطاع أن يقنعه بأن يعرض لنا في «جمعية الفيلم» بعض أفلامه التسجيلية القصيرة. لم تكن هذه الأفلام مجرد أفلام سينمائية بل كانت قصائد سينمائية أو حتي الشعر السينمائي بمعني الكلمة. وكثيرا ما كنت أصطحب أحمد راشد لزيارة جون فيني في شقته في عمارة كانت ملاصقة لفندق سميراميس القديم ثم هدمها بعد ذلك لضمها المساحة الفندق الحالي «إنتركونتنينتال» كان جون فيني قليل الكلام في غاية من الرقة وحسن الخلق والتواضع الشديد. كان يترك ابداعه هو الذي يتحدث عنه فلم يكن يحب أن يتحدث عن أعماله ولا أعرف لماذا كانت أعمال هذه الفنان العبقري الكندي تثير غيره المخرج التسجيلي صلاح التهامي حتي أنه أصر هو الآخر بعد ذلك علي أن يخرج فيلما علي النيل ولكن كان كبيرا ولم يكن في صالح المخرج المصري.

أنا وهو زملاء

عمل أحمد راشد في البداية مساعدا للمخرج سعد نديم وكتب أيضا سيناريو أحد الأفلام له ربما علي ما أذكر «العار لأمريكا» وذلك بعد هزيمة 67. وعمل مساعدا للمخرج إحسان فرغل وإخرج فيلما من إنتاج جمعية الفيلم لا أذكر اسمه الآن. وفيلما عن بائعي الكتب في سور الأزبكية ربما بعنوان «القراءة للجميع. وعندما تم إنشاء المركز القومي للأفلام التسجيلية برئاسة الفنان التشكيلي حسن فؤاد كان أحمد راشد من أول المرشحين للعمل في هذا المركز وكنت أنا من آخر المرشحين ولكني سعدت كثيرا عندما أصبحت واحدا من العاملين في هذا المركز واصبحت مخرجا للأفلام التسجيلية وسعدت أكثر لأنني لم أفارق في العمل صديقي أحمد راشد رغم عدم ميلي للأفلام التسجيلية واهتمامي الشديد بكتابة سيناريو الفيلم الروائي. وكانت النتيجة أنني أخرجت مايقرب من عشرين فيلما تسجيليا وسافرت عدة مرات إلي مهرجان ليبزج للأفلام التسجيلية بألمانيا الشرقة وهو أهم مهرجان في العالم لهذا النوع من السينما.

قدم أحمد راشد من خلال عمله في المركز القومي للأفلام التسجيلية الكثير من الأفلام التي تبرز مدي جديته وصبره ومعاناته في معايشة واخراج هذا النوع من الأفلام السينمائية . أذكر من هذه الأفلام فيلم «أبطال من مصر» عن عبدالعاطي صائد الدبابات في حرب 73 وأذكر فيلم «بورسعيد 71» وفيلم «توفيق الحكيم» وفيلم «أم كلثوم واللحن الأخير» وفيلم عن الأديب صديقه يحيي حقي بعنوان «عطر الأحباب».

وأخذ بصر أحمد راشد يضعف تدريجيا وكنت أتابع هذه المشكلة في قلق بالغ ولكنه كان يطمئني بأن الدكتور عبدالمنعم المفتي يرحمه الله وكان أكبر أطباء العيون أخبره وهو يعالجه بأنه سوف يظل مبصرا حتي يموت. ولكن ما أن مات الدكتور المفتي حتي كان أحمد راشد قد فقد بصره تماما. كان أهون عليه أن يفقد أي عضو في جسده وألا يفقد نعمة البصر حتي لا يحرم من مشاهدة حبيبته الأثيرة وهي السينما.

في يوم الخميس 5 نوفمبر عام 2006 رفض أحمد راشد أن يذهب إلي النادي كعادته مع أفراد أسرته وفضل البقاء في البيت. عندما عادت الأسرة إلي البيت كان أحمد راشد جالسا في مقعده المعتاد مستندا بظهره إلي الوراء في وضع من يفكر في شيء هام كعادته.

لم يندهش أحمد من أفراد الأسرة في البداية ولكنهم مالبثوا أن اكتشفوا بأنه فارق الحياة.. تري هل كان يعلم أن هناك موعدا مع الموت ولذلك لم يغادرا البيت وفضل أن يستقبله وهو جالس جلسته المعتادة وكأنه يرحب به؟.. الله أعلم

جريدة القاهرة في 28 نوفمبر 2006

 

حســـــين فهمي‏..‏ نجم بدرجة مواطن

حوار‏:‏ عــلا السـعدني 

بعيدا عن السينما‏...‏

كانت أنشطة النجم السينمائي الكبير حسين فهمي كثيرة ومتعددة خلال الأشهر الماضية‏,‏ وقد أثارت استقالته من منصب سفير الأمم المتحدة للنوايا الحسنة إعجاب الكثيرين‏,‏ فقد كانت بسبب الغزو الإسرائيلي للبنان‏,‏ ثم فاجأ الجميع ببرنامج الناس وأنا الذي كان بطله الأول المواطن المصري البسيط‏,‏ لكنه أخيرا قام بمهاجمة الحجاب والمحجبات‏,‏ ثم اعتذر‏...,‏ وبجرأته وصراحته تحدث حول هذه الأزمة وحول برنامجه‏,‏ وإلي أي مدي يمكن أن يبتعد أكثر من ذلك عن السينما‏:‏

*‏ كيف واجهت الحملة الموجهة ضدك بعد تصريحاتك عن الحجاب؟

ـ كان الأمر مأساة‏,‏ وقد قدمت اعتذاري في القنوات التليفزيونية والجرائد‏,‏ وأتمني أن يتقبل الناس والمحجبات خاصة اعتذاري مرة أخري‏.‏

*‏ ولماذا هاجمتهم أصلا وأنت المعروف بثقافتك ودبلوماسيتك الشديدة؟

ـ صدقيني أنا لم أكن أقصد أي إساءة للمحجبات أو للحجاب‏,‏ فأنا ابنتي الكبري محجبة‏,‏ ولكني قصدت أننا أمام ما يحدث حاليا من قضايا محلية وعربية شديدة الصعوبة‏,‏ يجب ألا نتوقف عند موضوع الحجاب‏,‏ لكن خانني التعبير وأنا أتكلم فقلت ما قلته‏,‏ وثقتي كبيرة في أن جمهوري سيغفر زلة لساني‏.‏

*‏هل نجاح برنامجك التليفزيوني الناس وأنا بمثابة تعويض عن الغياب السينمائي؟

ـ لا أحسب الأمور بهذا الشكل‏,‏ فأنا فنان ولدي طاقة‏,‏ ومايهمني هو تقديم أعمال ذات مضمون جيد سواء كانت سينمائية أو تليفزيونية أو مسرحية أو حتي برامج‏.‏

*‏لكن تبقي السينما هي الأهم والأبقي؟

ـ هذا الكلام يحتاج الي مراجعة الآن‏!..‏ فالتكنولوجيا جعلت الأمر سواء بين السينما والتليفزيون بدليل استمرار إعادة المسلسلات عدة مرات مثلها مثل الأفلام وتحظي بنفس نسب المشاهدة‏,‏ ولاتنسي أني سينمائي في الأصل‏,‏ وأفلامي موجودة في ذاكرة السينما‏.‏

*‏وماذا عن المشروعات السينمائية الجديدة؟

ـ قرأت سيناريوهات عديدة‏,‏ ولكن لم أجد من بينها مايحفزني للرجوع للسينما‏..‏ فالعودة ثانية لابد أن تكون من خلال عمل متميز‏,‏ ويليق بمكانتي وتاريخي‏.‏

*‏مارأيك في عودة بعض النجوم الكبار للسينما؟

ـ شيء جميل أن يعود النجوم الكبار الي الشاشة الكبيرة‏,‏ فهذه ظاهرة صحية من شأنها أن تعيد الأعمال الجيدة ذات المضمون الهادف‏.‏

*‏من خلال قراءاتك لواقع السينما‏..‏ هل تشعر بالتفاؤل لمستقبلها؟

ـ أعتقد أن الغد سيكون أفضل بحكم التقدم التكنولوجي الذي حدث في الكاميرات وأجهزة الصوت‏,‏ وكل ما خلف الكاميرا والذي لم يكن موجودا من قبل‏,‏ وكل ذلك سيؤدي الي فتح باب السينما علي مصراعيه أمام كل النجوم الصغار والكبار‏,‏ وبالتالي تتنوع الأعمال والأفلام ولن تظل مقتصرة علي السائد حاليا‏.‏

*‏في تصورك ماسبب نجاح البرنامج الرمضاني الناس وأنا؟

ـ فوجئت بهذا النجاح‏,‏ وأنا سعيد بذلك لأنه يمثل تجربة جديدة‏,‏ ومايزيد من سعادتي أن فكرته جاءت مختلفة عن البرامج الموجودة‏,‏ وفي الحقيقة كانت فكرة البرنامج في خاطري منذ فترة‏,‏ ومن أجلها رفضت كل ماعرض من برامج في الفضائيات لأنها كانت أما عن المشاهير أو منوعات‏,‏ ولكن كنت أريد عمل برنامج عن الناس البسطاء ومشاكلهم وهمومهم وأردت ايضا أن يكون ذلك من خلال تليفزيون مصر‏,‏ وسعدت عندما اتصل بي المخرج شريف عرفة وعرض علي فكرة البرنامج‏,‏ وفرحت لأن التليفزيون سهل للبرنامج كل العناصر التي أهلته للنجاح.

‏*‏ وأين أعمالك الدرامية التليفزيونية؟

ـ موجود من خلال مسلسل مواطن بدرجة وزير الذي عرض حصريا في الكويت‏,‏ وبالمناسبة أنا أصبحت لا أهتم بعرض المسلسل في رمضان‏,‏ لأني اكتشفت أن العمل الجيد يفرض نفسه في أي وقت‏.‏

الأهرام اليومي في 28 نوفمبر 2006

في "العالم الجديد" رؤية حالمة في الزمان والمكان

كتب عماد النويري

سافر جيمس سميث المغامر في عام 1607 إلى قارة أميركا الشمالية ليقع في غرام بوكاهانتاس. وكرس سميث الحقيقي، الكثير من وقته لكتابة التسلسل الزمني لمغامراته في اوائل القرن السابع عشر وفي إحدى رواياته، يتذكر سميث مشاهدة تأثير 'رؤى الأحلام' و'الخيالات' التي يمر بها 'البدائيون المدنيون' الذين يشاهدون خيالات لأجسام الأطفال الموتى التي يجري إخراجها من قبورها ـ أي ان الماضي يعود لكي يطارد الحاضر. ذكريات واحلام ورؤى سميث وما حدث بين سميث وبوكاهانتاس الابنة المفضلة لرئيس القبيلة الذي كان يدعى بوهاتانهو هي المحاور التي يرتكز عليها فيلم المخرج تيرانس مالك 'العالم الجديد'.

لقاء تاريخي

نحن اذن بصدد رؤية شاعرية حالمة تمتد لمدة ساعتين و15 دقيقة ومن خلالها يعود بنا مالك إلى الماضي القريب لتقديم بعض حيثيات اللقاء التاريخي بين حضارتين، وبين منظومتين ثقافيتين متباينتين، هي الحضارة الأوروبية وحضارة شعوب الهنود الحمر. ويتوقف بنا الفيلم عند لحظة اساسية من هذا التاريخ، لحظة بناء اول مستعمرة بريطانية في اميركا الشمالية / العالم الجديد.

المخرج استلهم قصة فيلمه من أسطورة واسعة التداول عن شخصيتي الفتاة بوكاهونتاس والضابط سميث، ومن ثم اعاد قراءتها وتقديمها من خلال رؤية بصرية مزج فيها بين التاريخ والذات، وبين الواقع والحلم وتمكن من أن يتابع بدقة تجربة الحب بين عاشقين، فرقتهم ظروف النشأة والتكوين ووحدتهم قصة حب تنحو لتنزع عن نفسها ثياب المحلية لتنطلق في ما بعد الى افاق كونية عالمية. وتحكي قصة الفيلم، كما يشير لذلك عنوانه، عن جزء مهم من تاريخ مرحلة الاكتشافات الجغرافية خلال القرن السادس عشر والسابع عشر في أوروبا والعالم الحديث، حيث تلجأ سفن بريطانية بقيادة القبطان نيوبور إلى الشمال الأميركي. وفي جهته الشرقية تتجه ثلاث سفن إلى الشواطئ الأميركية، وباسم شركة 'فيرجينيا' يقيم شالمستعمرون الجدد أولى المستعمرات الكبرى القادمة بمهام رئيسية اقتصادية 'البحث عن الذهب والنفائس' وأهداف أخرى لا تقل أهمية عما سبق، قد تكون دينية اوسياسية او ثقافية.

وفي الوقت الذى اعتقد فيه المستعمرون الجدد أن الأراضي الجديدة المكتشفة فضاءات شاسعة خالية من الإنسان، نفاجأ بجحافل من البشر منتمية إلى مجتمع الهنود الحمر وبأعداد مهمة تعيش بالقارة وفق نظام اجتماعي محكم وبطقوس وتقاليد خاصة عريقة في القدم.

تصوير وتمرد

مالك والمصور السينمائي ايمانول لوبزيكي الذي يقوم بالتصوير في الغالب في ضوء النهار، يسيران جنبا الى جنب ويصوران 'البدائيين' وهما يمران عبر الغابات، ويشاهدان منظر السفن الثلاث الغريبة في البحر بتعجب وخوف.

وهنا ينظر كريستوفر بلومر 'الكابتن نيوبرت' إلى الغابات وينظر البدائيون إلى زائريهم، وهو مشهد يبعث على تقديم رنين وصدى للأجواء الخيالية، بفضل مقدمة 'داس رهينجولد' لموسيقى فاجنر. ويحتفظ الفيلم بإيقاعه الخلاب والساحر لمدة 45 دقيقة، حتى بالنسبة إلى الذين يشعرون بالقلق مع ما سيحدث بعد ذلك.

ويلعب الممثل فاريل دور سميث وفي نسخة القصة يجري تغيير سمعته الخشنة كقرصان سابق وجندي عنيف بحيث يصل في عام 1607 إلى فيرجينيا وهو مكبل بالسلاسل، بانتظار الإعدام بسبب التمرد.

وقد جرى إرساله بواسطة نيوبورت لكي يقوم بإبرام تحالف مع البدائيين، وهناك يقع سميث في حب منظر وصوت والجمال الطبيعي لبوكاهانتاس، التي تقوم بدورها كى اورينكا كليتشر البالغة من العمر 14 سنة.

وقت عصيب

وفي قلعة فورت التي جرى تأسيسها حديثا، والتي قام جاك فيسك، وهو المدير الفني السابق لدى مالك، بإعادة تأسيسها، يواجه المستعمرون وقتا عصيبا. ففي وقت الشتاء الصعب يجري إنقاذهم من خلال الطعام والمساعدة من البدائيين. وعند هذه النقطة يخطف بوكاهانتاس بشكل او آخر ويجري إحضارها إلى المستوطنة، لمنع قبيلتها من شن الحرب على الإنكليز.

كيلتشر، كان لها حضور واضح بالنسبة إلى الكاميرا، بحيث لا يمكنك تصور تمثيل افضل لهذا الدور الرمزي. وتقوم كيلتشر بتبادل النظرات مع فاريل بشكل معبر ومؤثر للغاية، وبشكل طبيعي داخل اطار بصري يجري التحكم فيه بشدة، وعادة مع النباتات التي تهزها الرياح في الخلفية.

ويقول الممثل ويس ستودي الذي يلعب دور ابيشانكانوف في مقابلة مع موقع للأفلام عبر الإنترنت (انه يقوم حقا بالتقاط صور عظيمة للنجيل والنباتات). والمقصود هنا بالطبع تيرانس مالك.

ويقدم لنا المخرج ماليج صورا عن الثقافات المختلفة في 'العالم الجديد'، فعند زيارة محكمة الملك جيمس في لندن، يجري تغيير اسم بوكاهانتاس إلى ربيكا، ويجري اصطحاب بوكاهانتاس ورولف بواسطة افراد من قبيلتها.

السرد الفيلمي نهج مسلكا خاصا به، مزج فيه المخرج بين حصيلة التراث السينمائي المتداول حول طرائق قص مغامرات وحياة الهنود الحمر، وبين إبداعات قدمت رؤى جريئة لما هو سائد.. من هنا نجد أن نهاية الفيلم قدمت رؤية مغايرة للمألوف.

من الصعب الحديث عن فيلم 'العالم الجديد' للمخرج تيرانس مالك من دون استحضار رحلته السينمائية الحافلة من جهة، ومن دون استحضار أيضا مقارنات ممكنة بين 'العالم الجديد' وتجارب سينمائية لمخرجين اخرين، تجارب قريبة / بعيدة على مستوى التناول والرؤية وطبيعة الكتابة السينمائية، وكذا مستوى حضور بعض مكونات العمل السينمائي عامة.

يبدو إذن أن 'العالم الجديد' يحمل مواصفات فنية مميزة.

كذلك ساهم الزمن بالفيلم في تشكيل المواقف والصراعات والشخصيات، كما أن المؤشرات الزمنية للفيلم توزعت إلى نوعين: مؤشرات زمنية موضوعية، وأخرى متخيلة.. فإذا كانت المؤشرات الأولى تتجه إلى تقسيم فهم منطقي لسيرورة المحكي فإن المؤشرات الزمنية المتخيلة تقصدت لفت انتباه المتلقي إلى كينونة الإنسان العاشق، باعتبارها كينونة تعيش دوماعلى إيقاع قلق خاص. من هنا لم يتناس المخرج تسليط الأضواء على تحليل النفس البشرية وهويتها المتنكرة وتفكيك بعض مرتكزاتها مع إبراز جمالية الجسد والروح.. لهذا ترددت جمل دالة بالفيلم من قبيل 'لماذ لا أكون أنا ما أنا راغبة فيه؟'.

تمتلك جل مشاهد الشريط بعدا جماليا لافتا، فبدأ بمشاهد رسو بواخر الغزاة الجدد، عبورا بمشاهد يوميات عشيرة الأوطوكنون وطقوس الحياة والرقصات والأقنعة، وانتهاء بمشاهد الطبيعة الخلابة، أرضا وسماء، يابسة ومياه، تربة وأعشابا.

ويبدو أن للطبيعة والخلاء وقعا خاصا في حياة المخرج والسيناريست تيرانس مالك، باعتبار منشئه في بلدة (واكو) بولاية تكساس، ولاحقا بأكلاهوما، حيث سيعيش ـ لاحقا في سنوات الكبر ـ بنزوع دائم لحنين ذكرى تلك الفضاءات الشاسعة ولحقول الحبوب والذرة وكذا حقول البترول الممتدة على مساحات من دون حدود.. من هنا راهن المخرج داخل الشريط على منح فضاءات الطبيعة جمالا برؤية وخلفية خاصة، سواء لقطات لحظات الأصيل أو لحظات الشروق، أو غيرها.

تعيش الفتاة الجميلة، داخل الوحدة العسكرية، حياة جديدة تتمكن من خلالها التعرف على لغة الغزاة، ونظام حياتهم ونماذج عن طبيعة ثقافتهم.

وإن ظلت الوحدات الموسيقية في كثير من المشاهد ذات طابع اركسترالي مسكونة بمسحة متنوعة تمزج بين حنين إلى مسائلة أو متاعبة مسار المغامرة لدى سميث، وبين انتصار الحياة والحب لدى الفتاة، فإن تلك الوحدات الموسيقية رسمت لنفسها لحظات إنصات جميلة بتنويعات موسيقية مقامة على هامش حضور مشاهد الحرب، أو مشاهد الرقص لدى عشيرة أوطوكنون للهنود الحمر، أو مشاهد عبور السفن، أو مشهد لقاء ملك بريطانيا، أو غيرها.

وحين تأتي ريبيكا إلى القصر البريطاني زائرة، بعد دعوة من الملكة الإنكليزية، يقرر الزوج وضع حد لمأساة زوجته، ويحضر سميث مباشرة أمام العشيقة.. تجري جلسة حوار مكاشفة، تقرر بوكاهانتاس، بعد تمل وتفكير عميق في الماضي والحاضر 'الطفل المولود' والمستقبل، التخلي عن حبها الذي سكن روحها لمدة عقود، ولتفضل مؤسسة الزواج، التي منحها ابنا جميلا واستقرارا وهدوءا وسكينة.. وحين تقرر مع زوجها العودة نهائيا إلى البلد العالم الجديد/أميركا الشمالية للاستمرار في العيش، هناك تتعرض للمرض وأخيرا للوفاة.

تأتي زاوية التصوير شاملة أطراف الجسد، وبعضا من الشجر متدليا ورقه، وسيولة ماء منجرف متسلل، وضياء أشعة متشتت لشمس دافئة، محدثا تلقيا خاصا في النص السينمائي.. يجعل ذهنية المشاهد تحدس روحانية اللحظة، وكذا تسهل تحصيل معان ودلالات نص سينمائي آت بناء على استشراف ذكي حول الشكل السينمائي المعلن، نص سينمائي يطمح إلى تأسيس مرتكزات نظرية محكومة بخطاب غير منفصل عن السيرورة الدرامية اللاحقة.

القبس الكويتية في 28 نوفمبر 2006

 

لوحات مبعثرة...

«برج التجارة العالمي»

محمد راشد بوعلي 

بذكرى مرور عام على أحداث التفجيرات الإرهابية التي ضربت عدداً من فنادق العاصمة الأردنية ''عمان'' وذهب ضحيتها العديد من الشهداء، يتقدمهم الشهيد البحريني ''حمد يوسف جناحي'' إضافه إلى عدد من الشخصيات البارزة أمثال المخرج العالمي مصطفى العقاد مخرج فيلم ''الرسالة''، فوجئت بأن يعرض في مثل هذه الذكرى الحزينه فيلم ''برج التجارة العالمي'' والذي يتكلم عن أحداث تفجير 11- سبتمبر.

في الوقت الذي لازالت فيه الجراح طرية نقوم بسياسة غبية من دون التفكير بمشاعر وجراح المجتمع، بعرض فيلم ينبش لنا هذه الجراح ويذكرنا بهذه المحنة التي لم تنس بعد!، ألا نرى أمريكا أو هوليوود تحديداً ونتعلم من سياستها، رغم مرور 5 سنوات على الأحداث إلا أنها لا زالت تتردد بطرح هذه الأعمال المأساوية لأنها تعرف أن جراح شعبها لم تندمل بعد.

ما تحدثت لا ألوم به هذا العمل فقط الذي قامت به دور العرض في سينما الأردن، ولكن أريد أن يتفهم المسئولون هذه الفكرة ومراعاتها بطرح الأفلام في السينما بالبحرين مستقبلاً.

فيلم برج التجارة العالمي للمخرج ''اوليفر ستون'' المستوحى من قصة حقيقية تتمثل في عملية انقاذ اثنان من رجال الشرطة الذي احتجزوا تحت أنقاض برجي التجارة العالميين،الفيلم من بطولة كل من ''نيكولاس كيج'' مجسداً شخصية ''جون ماكلوفلين'' والذي كان الخيار الثاني بعد الممثل ميل غبسون والذي قرأ النص وأعجبه إلا أنه ضحى بالدور لنيكولاس حتى يقوم بإخراج وتصوير فيلمه ''ابوكلايبتو''، إضافه إلى الممثل ''مايكل بينا'' أحد أبطال الفيلم الحائز على الأوسكار في العام الماضي ''اصطدام''  مجسداً شخصية ''ويل خيمينو''.

المخرج اوليفر ستون رغم أنه أحد أعظم مخرجي هوليوود إلا أنه لم يبهرني يوما بأي من أعماله، فدائماً ما أرى أسلوب تقليدي بدون لمسات فنية أو ابداعية تستحق الإشادة، فأسلوبه الذي بدا في أفلامه التي وضعته على خارطة عظمة هوليوود من بداية الثمانينينيات هو نفسه لم يتغير به شيء!

يكفي مشاهدتنا للمأساة ''الكسندر'' قبل عامين وسبق أن تحدثت كثيراً عن هذا الفيلم.
فعلى الرغم من المساحة المتاحه للمخرج للابداع في تصوير المشاهد وتصوير الأحداث فقد كانت جداً تقليديه ما عدا بعض خدع الكمبيوتر التي كانت تستحق الإشاده كمرور ظل الطائرة على البناية قبل اصطدامها ولكن أهذا ما يمكن أن يقدم من إبداع من هذه الحادثه؟

كما أن أحد الأفكار الأساسية التي أراد أن يوصلها لنا الفليم هي المعاناة التي يعانيها الأبطال تحت الركام، ولكن ماذا شاهدنا! مجرد زاوية واحدة للكاميرا لم تبين لنا حتى كيف احتجزوا تحت الركام وما الأضرار التي أصابتهم أو كيف لا يستطيعون التحرك !

يبدوا أنه أراد الاعتماد بشكل أساسي على تعابير الوجوه للممثلين ولكن ظلام الصورة وامتلاء وجههم بالأتربه يمنع حتى هذا الشيء، اعتقد أن وجود نيكولاس كيج بالأساس لم يكن إلا مجرد ليكون اسماً قوياً لدعم الفيلم وإلا أن دوره كان بإمكان أي ممثل ان يقوم به!

ان اكثر ما أبغضني في الفيلم هو تصوير ذلك البطل ''جندي المارين الأمريكي'' الذي يأتيه الإلهام بعد الدمار من الله للذهاب للمساعدة والانقاذ فيذهب متفاخراً بتلك الشخصية التي دائماً ما يظهرون أنفسهم بها متخطياً الحواجز ومخالفا للقرار المتخذ بالتوقف عن البحث ليلاً فقط ليجد الأبطال ويقوم بانقاذهم!

طبعاً الفيلم لم يتطرق للسياسة نهائياً، بل تكلم عن المحنة الإنسانية بشكل مباشر ليس إلا لكسب التعاطف مع الشعب الأمريكي وهو الهدف الرئيسي الدائم لمثل هذه النوعية من الأفلام التي دائماً ما تسئمنا بها هوليوود، وتظهر من خلالها أفراد شعبها بالأبطال.

لقد كان برج التجارة العالمي ثاني أفلام هذا العام الذي تحدث عن نفس الموضوع فقد سبقه الفيلم ''يونايتد ''93 للمخرج الأيرلندي ''بول غرينغراس'' والذي بعد مشاهدتي لفيلمه قلت: إني لا أريد أن اكتب عنه حتى لا أضيع جماليته.

إذا ما وضعنا صورة مقارنة بين الفيلمين فان يونايتد 93 تفوق تفوقاً ملحوظاً على برج التجارة العالمي سواءً من ناحية وضعك في قلب الحدث أو معايشتك لما كان يحدث بالمعلومات الدقيقة ويجعلك أشبه بما تشاهد فيلماً وثائقياً مليء بالاثارة!

بينما برج التجارة العالمي يريد أن يريك قوة ومناضله الشعب الأمريكي وكيفية تقبلهم للحدث بأسلوب عادي جداً لسحب قطرات الدموع من عينيك.

لقد كان تصوير وقوف الأمة وقفة واحدة جميلاً جداً فحتى لو لم يكن حقيقياً أو كان، رددت في نفسي'' كم هو جميل تكاتف الأمة'' ولكن لا نرى هذا الجمال للاسف إلا عند حلول المصائب.

كما هي عادة الأفلام التي تحاكي الماسي الأمريكية دائماً ما يكون لها نصيب كبير بجوائز الأوسكار لكن اتمنى أن لا يظلم يونايتد 93 على حساب هذا الفيلم لأنه بصراحه أحق بمقعد الترشيح للجائزه حتى وإن لم يفز.

الوطن البحرينية في 29 نوفمبر 2006

 

سينماتك

 

مصطفي محرم يرثي صديق العمر

أحمد راشد عاشق السينما التسجيلية

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك