بعد أمسية افتتاح حافلة بالاستعادات والتكريمات والكلمات الحارة والوعود الرنانة بدورة لا تشبه سابقاتها، انطلقت أمس عروض مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثلاثين المهداة الى روح الاديب الراحل نجيب محفوظ بروتينها العادي من المشكلات التنظيمية (تأخر صدور الكاتالوغ، ايراد الفيلم نفسه في البرنامج بعنوانين مختلفين: "زقاق المدق" و"زقاق" المعجزات فضلاً عن ملخصات بعض الأفلام التي تجدها مكررة على حساب معلومات عن أفلام أخرى تغيب جملة وتفصيلاً) محتفظة بقيمتها الثابتة التي تتولد من التصاق المهرجان بمدينة غير عادية. القاهرة هي القاهرة بسحرها الدفين، تضيف على من وما حوله ولا تأخذ منه الا القدر النزير. انها مدينة تحتاج الى من يقتحمها والا أمضى سنينه واقفاً على ابوابها مكتفياً بما يرشح من باطنها الذي يكاد يكون وافي التأثير مقارنةً بما تمنحه مدن أخرى سهلة المنال او أحادية الرؤى. لذلك لا يدهشنا كثيراً انبهار جاكلين بيسيه بها وقولها ان حلماً طفولياً راودها بزيارة القاهرة أكثر من أية مدينة أخرى في العالم. كما لا يحملنا على التساؤل حماس داني غلوفر الذي تحدث في الافتتاح وهو المكرم بين آخرين عن تأثير المناسبة وصوته المتهدج بإثارة واضحة. والصورة المجازية التي رافقت كل ذلك وقوف عمر الشريف على المسرح كأنه رسول هذه المدينة ومفتاح غموضها وبعضاً من مفاجآتها غير القابلة للتفسير. انه حالة لا تشبه سواها، لفظتها المدينة قل نحو نصف قرن كما يقذف البحر بزجاجة مختومة الى الشاطىء ولم تكررها. انها القاهرة التي شكلت حالة سينمائية مبكرة ظلت حتى اواخر الستينات مواكبة للحركة السينمائية في العالم. وقوف هؤلاء على المسرح الى جانب عمر الشريف وتوجههم الى معانقته قبل تحية الجمهور حتى هو اختزال للحالة ومصدر غموضها أيضاً في أنها بقيت استثنائية وغامضة. كلام من نوع الأسطورة ورمز مصر وسواها مما أطلقها مدير المهرجان عزت أبو عوف وغيره كثر بطبيعة الحال أوصاف تفرغ الحالة من انسانيتها وواقعيتها الحالة وتفسر كيف يسقط هذا العالم في أسطرة أفعاله وانجازاته فيتوقف عن ابتكارها. باختصار، الصورة تزداد حزناً عاماً بعد عام لأنها في جوهرها ليست الا صورة باهتة تتعلق بما بقي من كل مجد هذه المدينة السينمائي وباليسير اليسير من سحرها الذي بفيض على ناسها ويومياتها بما لا يخلو من القسوة ـ فكيف بمهرجان ان يمسك به ـ حتى يغدو منتمياً الى زمنه ومكانه الخاصين المنفصلين عن المسرحية التي تزرع الطرقات ليست الا تعبيراً ـ بذوقها الفني الرخيص وما يرشح عنها من مضامينها ـ عن احتكار جوقة المتواضعين والمتزمتين والرجعيين بالنتاج الفني. وما حالة الشارع الا تعبير عن احتكار المجموعة نفسها بالمجتمع وأهله. والا في أي اطار يمكن تصنيف الحملة على وزير الثقافة بسبب ابداء رأي نقدي بالحجاب في جلسة خاصة مع صحافيين؟ بل الأحرى كيف يمكن تفسير ما قام به هو لتبرير ذلك عندما أقدم على انشاء لجنة دينية تابعة للرقابة على الافلام؟
لا ينفصل مهرجان القاهرة كأي حدث ثقافي آخر عن تلك المعطيات. وهو اذ يؤثر عدم التصادم معها لأسباب لا حصر لها، ينعزل تلقائياً داخل دور مسبق التصورات والقدرات. أمام هول المشكلة، يبقى نافذة مواربة على الممكن. انها ثقافة الممكن التي هي اول خطوة على طريق الدخول في الـ"ميديوكر". هكذا يتحول الحدث الثقافي أياً كان مجاوراً للحياة وليس في قلبها، متحركاً وفقاً لمعادلة ثابتة وليس عنصرا خلاقاً. وهكذا أيضاً تتحول معظم المهرجانات العربية تظاهرات سينمائية للداخل ولقلة من جمهور متابع ومهتم وفرصة للوقوف عند بعض التجارب السينمائية الذي شاهده العالم مبكراً.

مع احتفال مهرجان القاهرة هذا العام بمرور ثلاثين عاماً على تأسيسه، قد يتراءى لبعضهم ان أحوال المهرجانات العربية لا شك ستخضع للتحولات على مر السنوات. ولكنها معادلة بسيطة التي تقودنا الى فهم حالة الجمود: أي مهرجان سينمائي هو انعكاس لرغبة القيمين عليه ولطموحاتهم وهو مرآة للحركة السينمائية في البلد المقام فيه او لمحيطه بشكل او بآخر. بعيداً من المشكلات اللوجستية التي تمنع مهرجاناً كمهرجان القاهرة من ان يكون في طليعة المهرجانات العالمية (موقعه الجغرافي، قدراته الاستقطابية، غياب فرص التسويق...) يمكن القول ان التطور الطبيعي لم يحدث. ثم يطالعنا الواقع السينمائي ليزيد من حالة الجمود. فعندما انطلق المهرجان في العام 1976 تمثلاً بمهرجانات مثل برلين وكان والبندقية في وصف مصر رائدة الصناعة السينمائية في العالم العربي، كان الانتاج المصري مازال في أوجه. ولكن خلال السنوات الثلاثين الفائتة شهد تراجعاً كبيراً ومتغيرات اجتماعية ليفقد المهرجان ـ والمدينة معاً ـ اهم مقوماته: سينماه الداخلية المزدهرة الكفيلة بوضعه على خارطة الحركات السينمائية المتجددة مهدداً مكانته كالمهرجان السينمائي الاول في الشرق الاوسط في غياب الحركات السينمائية الفاعلة في البلدان العربية وتوقف القاهرة عن لعب دورها كعاصمة السينما العربية.يفسر ذلك بالارباك السنوي الذي يصيب المهرجان عندما يصل الى نقطة اختيار الفيلم المصري الذي يجب ان يمثل مصر في المسابقة. اليوم مع انعقاد الدورة الحالية، يبدو المهرجان على مفترق طرق مع ظهور مهرجانين عربيين تحولا منافسين له هما مهرجانا دبي ومراكش. الاول بامكانياته واطلاقه مسابقة للافلام العربية والثاني بمقوماته الضخمة وقوة استقطابه كمهرجان يُراد له ان يحاكي بريق كان ونجوميته. لأجل كل ذلك، يبدو ادعاء التجديد في هذه الدورة مزحة لأن حاجة المهرجان الى التجديد أبعد من تصورات القيمين عليه وقدراتهم الاستشفافية.

المسابقة

في جولة على الدورة الثلاثين التي تنطوي على عدد كبير من الافلام الموزعة على فئات وتظاهرات قديمة ومستحدثة، تطغى أجواء سينما أميركا اللاتينية اذ انها السينما المحتفى بها في فئة "ضيف الشرف" جرياً على عادة المهرجان في تسليط الضوء على واحدة من سينمات العالم في كل دورة من دوراته. الى الافلام الثمانية التي تعرض في هذه الفئة، افتتح المهرجان بالفيلم البرازيلي "ابنا فرانشيسكو" ويترأس لجنة التحكيم المخرج الارجنتيني لويس بوينزو وويضاف الى ذلك تكريم نجيب محفوظ من خلال عرض اقتباسات لأعماله قدمتها سينما اميركا اللاتينية.

المسابقة الرسمية التي تستقطب غالباً اهتمام الصحافة بسبب تنافسها على جوائز المهرجان على الرغم من انها لا تضم بالضرورة أفضل الافلام لخضوعها لشروط العرض الاول وسواه، تضم هذا العام ثمانية عشر فيلماً اي بزيادة ثلاثة افلام عن الدورة الماضية وتقوم على توليفة تضع في الحسبان التوزيع الجغرافي للافلام بحيث تتمثل معظم بلدان العالم المنتجة للسينما. ولعل أهم ملاحظة يمكن سوقها حولها هو تضمنها ثلاثة أفلام مصرية في سابقة أولى وهي: "قص ولزق" التجربة الروائية الثانية بعد "أحلى الاوقات" لهالة خليل و"استغماية" لعماد البهات و"ما فيش غير كده" لخالد الحجر الذي شارك قبل عامين بفيلمه "حب البنات". تتنافس تلك الافلام مع أعمال عالمية: الارجنتيني Velocity Begets Oblivion لمارتشيللو سكابسيس، البرازيلي Zuzu Angel لسيرجيو ريزيندي، الاميركي ـ الكندي Civic Duty لجيف رينفرو، التشيكي Marta لمارتا نوفاكوفا، الفرنسي Le Grand Meaulne لجون دانييل فيرياج، المجري The Eighth Day of the Week لجوديت اليك، الهندي Omakara لفيشال بهاردواج، الايراني Somewhere Very Far لخوسرو معصومي، الايطالي Call Me Salome لكلاوديو سيستييري، المكسيكي Resisting Life لرامون سيرفانتس، المكسيكي ايضاً The Last gaze لباتريسيا اريغا، الاباني Raval Raval لانتوني فيرداغور، السيريلانكي Sankara لبراسانا جاياكودي، السويسري Moon on the Snow لبيلار انغويتا ماكاي والصيني The Road لزانغ جياروي.

في فئة الاختيار الرسمي وانما خارج المسابقة تُعرض مجموعة من الافلام التي لاقت استحساناً في المهرجانات العالمية خلال العام منها: Paris Je T'aime الذي افتتح فئة "نظرة ما" في الدورة الاخيرة لمهرجان كان وهو كناية عن مجموعة من ثمانية عشر فيلماً قصيراً بتوقيع مخرجين من العالم يقدمون قصيدة حب في باريس؛ من كان ايضاً شريط الايطالي ماركو بيللوكير The Wedding Director؛ ومن مواطنه روبرتو بينيني The Tiger and the Snow الذي قدم في دورة برلين الاخيرة؛ ومن السينما الاميركية المستقلة شريطا جيم جارموش Broken Flowers وجورج كلوني Good Night and Good luck.
بمحاذاة المسابقة الرسمية، تم استحداث مسابقة الافلام العربية التي اقتصرت في السابق على الافلام العربية الموزعة على فئات المهرجان. اما هذه الدورة فباتت في فئة خاصة تقومها لجنة تحكيم منفصلة وتضم الى افلام المسابقة المصرية الثلاثة: الجزائري "بركات" لجميلة صحراوي، المغربي
A Heart Edges لهشام عيوش، المصري "آخر الطريق" لأمير رمسيس، العماني "البوم" لخالد الزجالي، السعودي "كيف الحال" لايزيدزر مسلم، التونسي "التلفزة جاية" لمنصف ذويب، التونسي ايضاً "بين الانهار" لخالد بصراوي والاماراتي "حنين" لمحمد الطرايفي. أما لجنة التحكيم فيرأسها الممثل والمخرج السوري دريد لحام وتضم في عضويتها كل من الممثلة الهام شاهين والمخرج رشيد مشهراوي والمخرجة فريدة بنليازيد والممثل محمود قابيل.

كذلك استحدثت فئة تنافسية لافلام الديجيتال تضم افلاماً وثائقية بالدرجة الاولى.

السينما العربية

لا يقتصر حضور السينما العربية على الافلام المذكورة فثمة بانوراما للسينما المصرية الحديثة التي تشكل كل عامين او أكثر مخرجاً للمهرجان لتقديم نتاجات سينماه خارج سياق عروضه الرسمية وأخرى للسينما اللبنانية. على الرغم من ان الاخيرة حضرت في العام الفائت بستة افلام انتجت خلال العقد الاخير، الا انها تحضر ايضاً هذا العام وتحت العنوان نفسه "بانوراما السينما اللبنانية" وهي غالباً خطوة تحاول ان تكون على تماس مع أحداث الحرب الاخيرة التي اعادت تسليط الاضواء على البلد. الافلام المعروضة في الدورة الحالية وفقاً لاختيار الافلام التي لم تعرض العام الفائت هي: "بوسطة" لفيليب عرقتنجي، "يوم آخر" لخليل جريج وجوانا حاجي توما، "زنار النار" لبهيج حجيج و"أرض مجهولة" لغسان سلهب. يستثنى من الاختيار شريط ميشال كمون "فلافل" الذي سيعرض في مهرجان دبي بعد اسبوعين و"أطلال" لسلهب الذي ارادت ادارة المهرجان عرضه في البانوراما ولكن المخرج رفض بسبب من التعامل مع افلامه منذ البداية على انها لا تنسجم مع المسابقة.

اما بانوراما السينما المصرية الحديثة فتضم ثمانية أفلام: "بنات وسط البلد" لمحمد خان الذي رفض في مسابقة العام الفائت، "فرحان ملازم آدم" لعمر عبد العزيز، "ليلة سقوط بغداد" لمحمد أمين الذي شكلت مشاركته باسم مصر في المسابقة في العام الماضي فضيحة، "ملك وكتابة" لكاملة ابو ذكري، "السفارة في العمارة" لعمرو عرفة، "عمارة يعقوبيان" لمروان حامد، "دم الغزال" لمحمد ياسين، "أوقات فراغ" لمحمد مصطفى.

العرب في السينما العالمية فئة أطلقت العام الفائت واقتصرت على مخرجين عرب قدموا اعمالهم في السينما العالمية. تتخصص الفئة هذا العام بالممثلين والمخرجين والمنتجين. فتُعرض افلام تمثل مشاركات هؤلاء: المخرج علي أمين بفيلم Sweet Land، الممثل عمر واكد في فيلم بول غاغان Syriana، الممثل السوري غسان مسعود في فيلم ريدلي سكوت "ملكوت السماوات"، المخرجة ربى ندا بفيلم "صباح"، الممثلون رشدي زيم وسامي بوجايلي وسامي ناصري في فيلم "بلديون" لرشيد بوشارب.

الدورة الثلاثون استدعت استعادة بعض الافلام الفائز بالهرم الذهب على مدي سني المهرجان ولكن الاختيارات انحصرت بين 1993 و2005 الفنلندي: (2005) Mother of Mine، اليوناني The King (2003)، المجري (2002) The Last Blues، الصيني A Sigh (2000)، الهندي (1998) Terrorist والفلسطيني "حتى اشعار آخر" لرشيد مشهراوي.

في فئات المهرجان الاخرى، نعثر على ثلاثة افلام "مثيرة للجدل" كما يصفها المهرجان: "طنجا" لفرانك فان ميشيل و"القدر" للبوسنية جاسمين دوراكوفيتش والكردي "عبور التراب" لشوكت امين كوركي. بينما تستمر فئة "مهرجان المهرجانات" بتقديم باقة من الافلام التي فازت في مهرجانات دولية خلال العام التي تقتصر هذا العام على عناوين مجهولة او في أحسن الاحوال على افلام عرفت بسمعتها التجارية مثل Ask the Dust وNacho Libre وThe Weather Man وGet Rich or Die Tryin7-.

اذ يطلق مهرجان القاهرة دورته الثلاثين في ظروف لا تنبىء بأي تغيير لا يجد المتابع متعة سوى احتمال اكتشاف ما هو خافٍ عنه وربما معاكس لتوقعاته. سنتوقف خلال الايام المقبلة عند تلك الاكتشافات.

المستقبل اللبنانية في 1 ديسمبر 2006

بعدما واجه منافسة مهرجانات عربية ناشئة...

مهرجان القاهرة: تجديدات بالجملة

القاهرة - فيكي حبيب 

«ما زال مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قادراً على المنافسة» لعل هذا هو الاستنتاج الأكثر اختصاراً لجوهر الأيام الأولى في المهرجان الذي بدأ فعاليات دورته الثلاثين ليل الثلثاء الماضي ويستمر حتى الجمعة المقبل.

نقول هذا وفي ذهننا التحديات الكبيرة التي تواجه هذا الحدث السينمائي منذ أن سحب مهرجانا مراكش وخصوصاً دبي البساط من تحته في السنوات الأخيرة. فكانت نقاط قوة المهرجان الأول اعتماده على السينما الخالصة، فيما لا تخفى على أحد الموازنة الخيالية التي وضعت لخدمة مهرجان دبي، ما يعيدنا في الذاكرة سنتين الى الوراء لنسترجع «الفضيحة» التي سببها غياب فناني مصر عن فعاليات المهرجان الأعرق في المنطقة العربية (مهرجان القاهرة طبعاً) لانشغالهم بمهرجان آخر: المهرجان الأكبر موازنة في المنطقة ذاتها (مهرجان دبي). يومها شكك كثيرون في إمكان عودة مهرجان القاهرة الى ساحة المنافسة، لكن يبدو أن الجهود التي تبذل في سبيل استعادة المرجان بريقه السابق كفيلة بدحض كل تلك الشكوك، ابتداء من تسمية الفنان عمر الشريف رئيس شرف للمهرجان ومروراً برعاية رجل الأعمال المتنور نجيب ساويرس لهذه الدورة - نذكر أنه رعى دورات سابقة في المهرجان ايام عهد حسين فهمي - ووصولاً إلى دعم فناني مصر الذين شاركوا في شكل لافت في حفل الافتتاح، اضافة الى فنانين من طراز جاكلين بيسيه وداني غلوفر وشارل ازنافور وسواهم حتى وإن كان معظم هؤلاء أكد أنه انما يشارك تعاطفاً مع مشاركة عمر الشريف ووجوده الكبير في المهرجان، اضافة الى التنظيم المميز في الافتتاح، والعمل بمبدأ «الجميع نجوم»، ما استوجب عدم احتكار نجومنا العرب والأجانب لمتعة السير على السجادة الحمراء، بل شاركهم المدعوون جميعاً هذه المتعة.

إذا كان هدف السينما نشر المبادئ التنويرية وحرية الفكر بين أهداف أخرى، فإن مهرجان القاهرة أصاب الهدف في يومه الأول حين علا تصفيق حار ترحيباً بوزير الثقافة المصري فاروق حسني، كنوع من إعادة الاعتبار - غير المعلن – الى الوزير الذي أقامت تصريحاته حول الحجاب الدنيا ولم تقعدها، حتى وإن أكد البعض ان هذا الاستقبال ما هو إلا عرفان بالجميل تقديراً له ولما قدمه للثقافة المصرية والعربية، وعلى المستوى الدولي، في نجاحات جعلت القاهرة العاصمة الدائمة للثقافة العربية وقلب التنوير في العالم مثل عواصم كبرى تهتم بالثقافة وتضعها في أولويات اهتماماتها.

والحال انه لم يكن غريباً أن يقابل المهرجان وزير الثقافة على هذا النحو، خصوصاً أن هذه الدورة تلقى دعماً مباشراً من الوزير حسني الذي اكتفى في حفلة الافتتاح بالإعلان عن بدء الدورة الثلاثين من دون أي تعليق آخر، بينما تصدرت كلمة مقتضبة له «كاتالوغ» المهرجان وعد فيها الجمهور بأن هذه الدورة ستكون «مغايرة وذلك للجهود والاضافات التي تمثل تطويراً شاملاً للمهرجان حتى نخرج به مهرجاناً يليق بالقاهرة وبالسينما العالمية التي كانت مصر احد مؤسسيها».

عزت أبو عوف

ويؤكد رئيس المهرجان عزت أبو عوف كلام الوزير قائلاً: «كل حاجة جديدة في هذه الدورة بمن فيهم أنا»، وبالفعل كثيرة هي التجديدات في المهرجان الثلاثين، ابتداء من تغيير شعار المهرجان من الهرم الذهبي الى مفتاح الحياة وصولاً الى استحداث مسابقات جديدة، إيماناً من أهل المهرجان «بفتح صفحة سينمائية كبيرة وجديدة أمام الجماهير، تعرض المشكلات التي يمر بها العالم ووجهات النظر حولها» بحسب أبو عوف.

لكن أمام كل هذه الجهود، لم يكن موفقاً اختيار فيلم «ابنجيا فرانشيسكو» للمخرج البرازيلي برينو سيليفرا في الافتتاح، على رغم أنه واحد من أنجح الأفلام البرازيلية، وفيه يروي المخرج القصة التقليدية لصعود مطرب مغمور سلّم المجد على الطريقة المكسيكية التي اعتدنا عليها على شاشاتنا العربية في المسلسلات المدبلجة.

والغريب خلو المسابقة الرسمية من الأفلام العربية، باستثناء مشاركة مصرية من خلال ثلاثة أفلام هي: «مافيش غير كده» إخراج خالد الحجار وبطولة نبيلة عبيد و «استغماية» للمخرج عماد البهات و «قص ولزق» للمخرجة هالة خليل. أما الأفلام الأخرى المشاركة في المسابقة الرسمية فهي: «قمر على الجليد» (سويسرا)، «سنكارا» (سريلانكا)، «رافال. رافال» (اسبانيا)، «حياة حصينة» (المكسيك)، «النظرة الأخيرة» (المكسيك)، «اسمي سالومي» (ايطاليا)، «في مكان ما بعيد جداً» (إيران)، «اومكارا» (الهند)، «اليوم الثاني في الاسبوع» (المجر)، «مولن العظيم» (فرنسا)، «مارثا» (التشيك)، «الطريق» (الصين)، «واجب وطني» (كندا - اميركا)، «زوزو إنجل» (البرازيل)، «السرعة تنتج السهو» (الارجنتين / اسبانيا).

العرب في القاهرة

وإذا كانت السينما العربية غائبة عن المسابقة، فهي حاضرة بقوة في فئات أخرى هي: «مسابقة الأفلام العربية» التي تتمتع وحدها دون المسابقات كلها بجائزة مالية يتطلع اليها السينمائيون العرب بشوق في أحيان كثيرة، «سينما العرب»، «مسابقة أفلام الديجتال الروائية الطويلة»، و «سينما لبنان». وتشارك في مسابقة الأفلام العربية ثمانية أفلام هي: «فلافل» من لبنان و «حنين» (الامارات)، «التلفزة جاية» (تونس) و «بين الوديان» (تونس) و «كيف الحال» (السعودية) و «البوم» (عمان)، و «اشواك القلب» (المغرب)، و «آخر الدنيا» (مصر) و «بركات» (الجزائر)، وكلها تتنافس على الجائزة المالية التي تبلغ 18 ألف دولار.

أما عن فئة سينما العرب فنتابع فيلم «أفارقة فرنسيون» الذي لا يزال يحقق النجاحات في المهرجانات والعروض التجارية، اضافة الى فيلم «خشخاش» للمخرجة التونسية سلمى البكري، وفيلم «علاقات عامة» للمخرج السوري سمير ذكري و «خوانيطا بنت من طنجة» للمخرجة المغربية فريدة بن زيد، و «سيريانا» للمخرج الأميركي ستيفن غاهان، و «الأرض الجميلة» للمخرج علي سليم، و «انتظار» للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي و «صباح» للمخرجة ربي ندا، وعن فئة أفلام الديجتال يشارك فيلمان هما «ايتاكي» (مصر) و «الموجة البيضاء» (المغرب). أما بانوراما السينما اللبنانية فتضم ثلاثة أفلام: هي «يوم آخر»، «البوسطة» و «زنار النار».

وهكذا يقدم مهرجان القاهرة على مدى أسبوعين نحو 130 فيلماً من بلدان مختلفة، وإن كانت حصة الأسد من نصيب أميركا اللاتينية (ضيف شرف المهرجان)، ما يفتح للجمهور العربي نافذة كبيرة على ثقافات شعوب ودول تبعد بيننا وبينها الجغرافيا، لكن تجمعنا تقاليد وعادات واحدة.

أياً يكن الأمر، في اروقة مهرجان القاهرة كلام كثير في «السينما» ونقاشات حول الصورة والإبداع الفني وندوات وثرثرات من هنا وهناك حول ندم جاكلين بيسيه على المجيء الى القاهرة بسبب فقدانها حقائبها في المطار ومحاولة تعرض جوديت فيللر اغاري صاحبة فيلم «لابرويستا» - يشارك في المهرجان عن فئة أفلام اميركا اللاتينية - للنهب عند وصولها ارض الفراعنة.

لكن أيضاً أنظار أهل السينما وعشاقها في القاهرة شاخصة نحو مراكش التي تفتتح مهرجانها هذا المساء، ما يدفعنا مرة أخرى الى السؤال عن سبب التضارب في مواعيد المهرجانات العربية أو سبب عدم الوصول إلى حل لهذه المسألة، التي حلّت جنباً بين القاهرة ودبي الذي يفتتح دورته الثالثة مباشرة بعد نهاية المهرجان القاهري، من دون أن يشمل الاتفاق مراكش، كما يبدو. منافسة شرعية؟ ربما، لكن إعادة النظر واجب الفريقين.

الحياة اللندنية في 1 ديسمبر 2006

 

سينماتك

 

انطلاق الدورة الثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي برئاسة جديدة

المنافسة من دبي ومراكش بدأت والحاجة إلى التجديد أبعد من تصورات القيمين عليه

القاهرة ـ ريما المسمار

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك