المسافة بين مطار تونس ـ قرطاج والفندق المخصص لإسكان الصحافيين من ضيوف أيام قرطاج السينمائية كانت قصيرة. قرابة ربع ساعة في "ميني ـ باص" اجتزنا خلالها طريقاً شبه مستقيمة الى فندق في شارع الحبيب بورقيبة. على الرغم من قصر المسافة وليل المدينة، تستدعي تونس صوراً كثيرة. صور تتجاور وتتوالى على أعيننا المرهقة من سفر غير طويل وانما ليلي. معظمنا كان يحضر المهرجان للمرة الأولى. الفندق ببهوه الواسع وأثاثه القديم ومكتب استقبال من خشب غامق بات معتقاً يذكر بطراز معماري كلاسيكي وموظف يتصرف بما يوحي أنه قضى مجمل عقوده الستة هناك خلف "الكونتوار". في الطابق التاسع "المجدّد" كما قيل لنا حللنا على أرضية من بلاط وأثاث بسيط، هذه المرة أكثر انتماءً الى ذوق معاصر. اليوم التالي كان موعد افتتاح "أيام قرطاج السينمائية" في دورتها الحادية والعشرين محتفلة بمرور أربعين سنة على انطلاقتها وباستمرارية ضنت بها ظروف مختلفة على معظم المهرجانات العربية الأخرى حتى شهدت تقطعاً غير مرة في مسيراتها. الصباح أجلى الرؤية فباتت الصور التي تحركها المدينة واضحة المعالم. انها صور من الشرق والغرب تتداخل في هندسة الشوارع والمباني. فبين شارع الحبيب بورقيبة الفسيح و"نهوجه" ("نهج" تسمية يطلقها التونسيون على الشارع الفرعي او الزقاق) الضيقة القديمة يتجسد ذلك التجاور بين الحديث والقديم والشرقي والغربي. الاول برصيفيه الجانبيين الفسيحين تفترشهما مقاهٍ تستدعي المثال الباريسي لكيفية تحول المقهى جزءاً من اليومي والمعيش ونبضاً حيوياً للمدينة. أما التفرعات الجانبية فعالم آخر من أحياء شعبية ومبانٍ قديمة وأزقة مرصوفة مخصصة للمشاة بما هي صورة عن مدينة عربية عريقة قد تشابه في مواضع كثيرة القاهرة او دمشق او بيروت في واقع كل منها وفي تجسدها الادبي على غرار ما فعل نجيب محفوظ بالقاهرة وهو للمناسبة من مكرمي الدورة الحالية تحت عنوان "نجيب محفوظ في السينما". على ان الصورة الابلغ التي تدلل على مزيج تونس السحري تتشكل اذا وقف الزائر في منتصف الشارع العريض مواجهاً فندق الصحافيين. الى يمينه، يتصل شارع الحبيب بورقيبة بساحة 7 نوفمبر التي ـ للمفارقة ـ "تمجد" تاريخ خروج الاخير من السلطة على يد زين العابدين بن علي في العام 1987. الساحة بالساعة التي تتوسطها ومن مسافة محددة تشبه ساحات باريسية ولندنية. والى يسار الواقف ينتهي الشارع الى المدينة العتيقة بأسواقها الشعبية وأزقتها الضيقة المفضية الى جامع الزيتونة ذلك الرمز الروحي والديني والعلمي المرتبط بتاريخ تونس. هكذا يصل الشارع بحديه بين صورتين وثقافتين وأسلوبي عيش ليست الا مرآة لتاريخ المدينة وحاضرها. مهرجان للجمهور على صورة غير بعيدة من الحياة ومشاهدها المتنوعة، يتشكل مهرجان "أيام قرطاج السينمائية" (من 11 الى 18 تشرين الثاني/ نوفمبر). هو متخصص في السينما العربية والافريقية ولا يضن على رواده ببرامج جانبية من السينما العالمية بما يرفعه الى مرتبة المقارنة بمهرجانات سينمائية عربية دولية الصفة، فيكاد ان يتفوق عليها في معظم جوانبه. ففي المحصلة تتساوى الامور. فما لا يستطيع مهرجان مثل القاهرة او دمشق الحصول عليه لمسابقته الدولية (بسبب اولويات المنتجين المهرجانية) يتحصل قرطاج عليه في برنامجه المحاذي. انه باختصار يتشارك مع المهرجانات العربية الأخرى بآفة سوء التنظيم التي يجمع متابعو المهرجان على تفاقمها في هذه الدورة وليس من اقل معالمها عدم صدور الكتالوغ الخاص بالمهرجان حتى صبيحة اول من أمس الأربعاء اي بعد مرور خمسة أيام على انطلاقة المهرجان. ولكنه يتميز عن المهرجانات العربية الأخرى ببرنامجه ومضمونه وتوجهاته. لا شيء أدل على مكانة المهرجان السينمائي وتجذره في محيطه من طوابير الجمهور التي تتدافع الى الأفلام على اختلافها مع اندفاع خاص الى الافلام التونسية. ليس مبالغاً القول ان الجمهور التونسي هو ركيزة المهرجان وداعمه الاساسي كما انه ليس انتقاصاً من مكانة المهرجان القول انه يتوجه الى جمهوره المحلي بالدرجة الاولى. لعله من الصعب العثور على جمهور سينمائي عربي ينافس الجمهور التونسي الذي يرتبط بسينماه اولاً ارتباطاً عميقاً بعيداً من المعادلات السائدة في أمكنة أخرى. الجمهور الذي اوصدت الابواب دونه عند عرض فيلم "جنون" للفاضل الجعيبي كان يفوق الجمهور الذي دخل الصالة عدداً. والتصفيق الطويل للممثلة القديرة فاطمة بن سعيدون لدى صعودها المسرح قبيل عرض فيلم النوري بوزيد "الفيلم الأخير" المشاركة فيه يفوق الوصف. وهي بحضورها البعيد من البهرجة وتأنق النجوم انما تلفت الى ان العلاقة بين هذا الجمهور وسينماه عضوية وقبلها علاقته بمسرحه التي هي انطلاقة كل شيء. فهذا الجمهورالذي تفتح على المسرح كتعبير عن الثقافة والاخلاق والحضارة والحرية (كما جاء في خطبة الحبيب بو رقيبة الشهيرة حول المسرح الذي أحبه) منذ منتصف الستينات وواكب ازدهاره وانتشاره في المناطق كان النواة لجمهور سينمائي اعتاد الفرجة وطقس المشاهدة وتدرب على تذوق الفن. حتى اذا جاءت السبعينات انتشرت النوادي السينمائية على يد جيل من السينمائيين والنقاد ممن درسوا في فرنسا ورافقت ذلك حركة سينمائية داخلية وقيام "ايام قرطاج السينمائية" قبلها في العام 1966. ينهل المهرجان من كل ذلك ليكون مهرجاناً سينمائياً بحق، يتواصل مع سينما المؤلف بشكل اساسي ويؤثر المخرجين على النجوم على الرغم من الحضور المتألق للممثلة اورنيللا موتي في الافتتاح. الا ان ذلك وان كان واجهة تتشكل من علاقات خاصة لاسيما لمديره الفني لهذه الدورة السينمائي فريد بوغدير الا انها واجهة تخبئ خلفها ما هو أثرى وأعمق. فالمهرجان هو الملتقى الابرز لسينما افريقيا السوداء. افلام من الغابون والكاميرون واثيوبيا وساحل العاج والسينغال والتشاد ونيجيريا وغيرها تجد منصتها هنا لاسيما بانفتاح المهرجان خلال السنوات الأخيرة على البلدان الافريقية خارج النظام الفرانكوفوني. بالدرجة الثانية يأتي اهتمام المهرجان بالسينما العربية من دون ان يشكل منافساً كبيراً للمهرجانات الاخرى بسبب انعقاده كل عامين. بينما يحتفظ بقدرة على مر السنوات بتسليط الضوء على السينما المغاربية والمعروف ان عدداً كبيراً من افلام المغرب العربي ينطلق عالمياً يعد عرضه في قرطاج حيث تتفتح عيون المهرجانات الكبرى (كان والبندقية وبرلين وغيرها) من خلال مندوبيها لاختيار ما يناسبها. وفي هذا المجال، تفرد المهرجان عبر تاريخه بإطلاق سينمائيين من طراز النوري بوزيد وفريد بوغدير ومفيدة تلاتلي ومرزاق علواش ومحمود بن محمود ورضا الباهي وعبد اللطيف بن عمار وغيرهم في انتاجاتهم الاولى. ومن ذلك مثلاً ان يجد النوري بوزيد في عرض قرطاج لفيلمه الجديد انتشالاً للفيلم من الاضطهاد بحسب ما قال على الرغم من ان الجهة التي تحيي المهرجان هي جهة رسمية تتمثل بوزارة الثقافة. تظاهرات موازية اذاً يلعب المهرجان دور الحاضن للانتاجات المغاربية ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسينمائيين التونسيين وبجمهوره المحلي الذي ينتظر المهرجان لمشاهدة افلام غير متاحة له في العروض التجارية وهو ما يقوم عليه اختيار البرنامج الدولي حيث يحاول المنظمون تأليف برنامج من افلام لا فرصة لمشاهدتها خارج المهرجان. هكذا احتوت الدورة الحالية في البرنامج الدولي على افلام مثل The Life and Death of Peter Sellers لستيفن هوبكنز وLe Soleil للروسي الكسندر سوكوروف من ضمن مجموعة افلامه التي تتناول شخصيات ديكتاتورية وTransylvania لتوني غاتليف وDon't Come Knocking لفيم فندرز وBuongiorno Notte لماركو بيللوكيو. بالمعنى عينه وغير بعيد من اهتمام المهرجان بسينما المؤلف، استقبلت الدورة الحالية قسماً خاصاً بسينما كوريا الجنوبية. والصلة بين طبيعة المهرجان واختيار هذه السينما هو انتماء الاخيرة الى سينما ذات خاصية، مقاومة لاشكال التطويع السائد فضلاً عن انها نجحت كنموذج لسينما وطنية قائمة على تغذية نفسها بنفسها من خلال قانون يلزم صالات العرض السينمائي بتخصيص 40% من زمن عروضها للافلام الكورية بما يحقق شيئاً من التوازن مع انتشار السينما الهوليوودية وسيطرتها. انه "الاستثناء الثقافي" في مواجهة العولمة، يجسده اثنا عشر فيلماً تختصر ابرز التيارات المعاصرة في السينما الكورية مثل أعمال إيم كون تايك (Le Ticket وLa Mere Porteuse وLa Fille De Feu). وينضم الى ذلك ملتقى الافلام الاسيوية وأميركا الجنوبية وبرنامج خاص بالسينما المغربية المعاصرة بمحاولاتها هي ايضاً الصمود في وجه نظام القرصنة وانتشار السينما الهوليوودية لاسيما من خلال قانون داخلي حديث يحول نسبة 5% من مردود الاعلانات التلفزيونية الى صندوق دعم السينما المغربية. المسابقة لعل المسابقة ليست أكثر نقاط المهرجان قوة لاسيما في ما يخص الروائي الطويل. فانعقاد المهرجان كل سنتين يؤدي في بعض الاحيان الى استقباله افلاماً جالت في مهرجانات أخرى قبله. ووقوعه في توقيت قريب من مهرجاني "مراكش" وحالياً "دبي" الذي غدا منافساً منذ هذا العام باستحداثه مسابقة للافلام العربية تبلغ جائزتها الكبرى قرابة خمسين الف دولار يحدو ببعض الافلام الى مفاضلة ليست دائماً في مصلحة قرطاج. ولا يسلم المهرجان من مشكلة اختيار الافلام بما قد يدفع ببعض السينمائيين الي سحب فيلمه من المهرجان برمته. كذا كانت حال الشريط اللبناني "أطلال" لغسان سلهب الذي رفض مخرجه عرضه في المهرجان بعد "لعبة" غير مفهومة. فقد اندرج بداية في إطار المسابقة الرسمية في لائحة نشرت على الموقع الالكتروني للمهرجان. ولكنه بعد أيام نُقل الى قسم البانوراما وأُضيف بالتزامن مع ذلك فيلم لبناني آخر الى المسابقة هو "بوسطة" فيليب عرقتنجي الذي لم يكن مدرجاً قبلها. إشكالية أخرى طاولت الأفلام التونسية التي تأخر اعلان عناوينها حتى ايام قليلة من انطلاقة المهرجان لتستقر في نهاية المطاف على: "بابا عزيز" لناصر خمير و"عرس الذيب" لجيلاني سعدي و"الفيلم الأخير" للنوري بوزيد بينما قُدم "جنون" الجعيبي مع ستة افلام تونسية أخرى خارج المسابقة في قسم البانوراما. يبلغ عدد الافلام الروائية الطويلة في المسابقة المتنافسة على جائزة "التانيت الذهب" خمسة عشر فيلماً. جديد بوزيد كان منتظراً بطبيعة الحال من جمهوره المحلي كما من جمهور المهرجان العربي والأجنبي الذي تابع مسيرة هذا السينمائي منذ "ريح السد" عام 1986 ووصولاً الى "عرائس الطين" قبل عامين. ولكن ثمة سبب اضافي لذلك الترقب هو موضوع الفيلم المعروف سلفاً انه يتناول اشكالية العمليات الانتحارية. ربما لذلك اعتبر المخرج ان عرضه يجنبه الوقوع في النسيان متصوراً في سيناريو أبعد ان يكون فيلمه الاخير بحسب ما يقول العنوان. الواقع ان بوزيد يتصرف في فيلمه بوحي من قلق غير مبرر او الأحرى استباقي. فالفيلم الذي ينطلق في نصف الساعة الاولى حيوياً مستلاً من واقع شاب منطلق جريء يهوى الرقص ويعاني كمعظم رفاقه من العطالة وضآلة الفرص، لا يلبث ان يتحول خطاباً ثقيلاً يستعيض عن الصورة بالكلام وعن الالماح بالتبرير والتفسير. حادثة صغرى هي انتحاله شخصية شرطي والتجول في الحارة محاكياً كلامه انما بمضمون شديد الحساسية والتلمس لواقع الامور، تدفع بإسلامي الى اعتباره نموذج الجرأة والاقدام للقيام بعملية انتحارية. هكذا يبدأ الشاب بالتحول على يدي رجل متوسط السن يحتضنه ويبدأ بتلقينه دروس الدين وفق ما يتلاءم وأهدافه البعيدة. الا ان الاحداث لا تلبث ان تتخذ منحىً آخر عندما تلف الكاميرا في الاتجاه المعاكس لتنقل حواراً بين المخرج والممثل الذي يقوم بدور الشاب. فالاخير يقرر وقف التصوير بعيد حوار تمثيلي مع الرجل يعتبر الاخير فيه الرقص حراماً. انها بداية القلق، كما يريدنا المخرج ان نعتقد، لدى الممثل في مقاربته شخصية شاب يواجه أسئلة الدين والجهاد والشهادة. ولكن يتضح من تكرار ذلك الحوار في ثلاثة مواضع ان هدفه ليس استغلال صراع الممثل لاثراء الفيلم بل افساح المجال للمخرج لتوضيح وجهة نظره في موضوع شائك كالعمليات الانتحارية والاسلاميين. فما فعله هاني ابو أسعد في "الجنة الآن" من خلال حوارات شخصياته قام به بوزيد من خلال ادخال نفسه في الفيلم. هكذا يخاطب النوري بوزيد ممثله في واحدة من الاوقات المستقطعة من زمن الفيلم ليقول انه ليس ضد الدين بل ضد تدخل الدين في السياسة. ولكن الممثل يصر على ان الفيلم ضد الاسلام متيحاً للمخرج ان يواجه شكوك المشاهد ويبددها في وقت واحد فيؤكد له ان لا وان الهدف ادانة ممارسات هي ضد جوهر الدين. انها ألعوبة يستخدمها المخرج خوفاً من ان يُفهم خطأً او ان يُقوَّل ما لم يقله ولكنه على طريق ذلك يفقد مصداقية ما لأنه يحاول ايهام المشاهد بان تلك المحادثات واقعية وجرت صدفة امام الكاميرا بينما هي في واقع الحال مركبة ومكتوبة كجزء من الفيلم كما توحي حركة الكاميرا خلال تصويرها وتقطيعها. خلا ذلك، يمكن الفيلم ان يكمل من دون المشاهد المقحمة ومن دون ان يؤثر حذفها عليه بايقاع سلس وقدرة فنية عالية وادارة لافتة للمثلين. نظرة بوزيد الى الاسلاميين لاتخلو من سطحية بتركيزه على الكليشيه وبعزل الظاهرة عن مسبباتها السياسية والاجتماعية وادانتها منفردة. اما الخلاصة فربما تؤكد هواجس الممثل الذي ابدى قلقه من ان يتحول الفيلم وحشاً يلتهم الجميع. الواقع ان بوزيد يجد في عملية تحول الشاب من مراهق يعشق الحياة الى رجل يعانق الموت تحولاً يجعل الحياة مستحيلة فيقتل بطله بميتة سخيفة لا تلاقي طموحه بالشهادة على طريقة تعددت الاسباب والموت واحد. الشريط الجزائري "بركات" لجميلة صحراوي هو رحلة تحول من نوع آخر وان كان في خلفيتها ظل الاسلاميين ايضاً. انها حكاية طبيبة شابة يختفي زوجها الصحافي وسط تأكيدات على اختطافه من قبل جماعة اسلامية متطرفة. هكذا تخوض الشابة درباً طويلة بصحبة زميلة لها في المستشفى متوسطة السن للعثور على الزوج المفقود. غير ان تلك الرحلة ستعيد الى المرأة أحاسيس من زمن آخر ومتعاً صغرى كانت قد نسيت وجودها في الحياة. يتكون الفيلم بمعظمه من لقطات رحلة المرأتين ليقارب بتركيبته فيلم الطريق او الاحرى فيلم "الحقول" حيث تقوم معظم الرحلة على سير المرأتين في الحقول خارج الزمان والمكان. الشريط المغربي "طرفاية باب البحر" لداود اولاد السيد يدور حول قرية مغربية تقع على البحر وتشهد التسلل غير المشروع لمئات المغاربة الى اسبانيا. تصل اليها شابة تبحث عن الوسيط الذي سيمكنها من التسلل ولكنها تتعرض لسلسلة مشكلات بداية مع سرقة حقيبتها التي تحتوي على مالها. يساعدها شرطي القرية في العثور عليها وهو العالم بما يجري من مخالفات. ثم تواجه ادعاءات إمرأة بأنها سرقت مالها وهربت بعد ان عملت لديها خادمة. ولكنه فيلم عن الانتظار وعن يوميات قرية مستكينة الى قدرها يعكرها وصول الفتاة. هكذا يتحول سارق حقيبتها الى طالب لغرامها ويعجز الشرطي الذي اعتاد ان يقبض ثمن سكوته ليلة مع كل فتاة هاربة عن لمسها وتستحيل صاحبة المأوى الذي يلتجئ اليه المتسللون أماً حنونة. الفتاة نفسها تعثر في تلك البقعة المبتورة على موطن وفي اهلها الهامشيين على عائلة. يصوغ اولاد السيد شريطه بايقاع كأنما يمتد بمحاذاة الافق وعلى طول الشاطئ اللامتناهي. ايقاع الحياة الفارغة المرسوم ببطء لا تشوبه سوى جثث يلفظها البحر بين حين وآخر لمغامرين لم يحالفهم الحظ في العبور. "بلاد رقم واحد" لرباح عامر زايمينش فيلم جزائري آخر في المسابقة، وصلها بعد عرضه في الدورة الفائتة لمهرجان كان في فئة "نظرة ما". يتحرك الفيلم في بلدة جزائرية يعود اليها احد شبابها بعيد قضائه فترة في السجن ليتضح ان هذا الخارج من سجنه يمتلك نظرة أرحب الى العالم واكثر تسامحاُ وانفتاحاً. يتوه الفيلم في حكاياته، مستغرقاُ وقتاُ طويلاً قبل ان يختار محوره الدرامي المتمثل بالزوجة الشابة التي تريد الطلاق وامتهان الغناء الذي تعشقه وسط معارضة اهلها وزوجها. ثم لا يلبث ان يتحول الى حكايتها مع شقيقها المتطرف الذي لا يلبث بدوره ان يختفي لتصبح هي حرة بعد ان كانت سجينة. وأخيراً يصل الى الجزء الاخير المنفصل تماماً عن الفيلم حيث يتحول فيلماً وثائقياً في مستشفى الامراض العقلية. الى الخلل الدرامي والاداء المرتجل في احيان كثيرة والحوارات المفلتة، لا يفوت المشاهد تلك النظرة الخارجية او المستشرقة التي يعالج بها المخرج فيلمه، ماخوذاً بمشاهد باتت مكرورة مثل ذبح حيوان وضرب امرأة ومجموعة دينية متطرفة وسواها من اللحظات التي يمكن اي سائح عابر التوقف عندها لدقائق ومن ثم المغادرة في حال سبيله. خلا ان المخرج هنا ارتأى ان يحولها المادة الاساسية لفيلمه. الشريط السوري "علاقات عامة" هو الاول لمخرجه سمير ذكرى منذ "تراب الغرباء" في العام 2001. يغوص الفيلم على العلاقات المركبة في البنية السياسية والاجتماعية للمجتمع التي تتحكم بالعلاقات الانسانية وتنتج نسيجاً مريضاً قائماً على المصالح بدلاً من الاحاسيس. ينطلق الفيلم من فكرة السياحة من خلال حكاية دليلة سياحية "كوثر" (سلافة معمار) وعلاقتها بالتاريخ والتراث لينتقل الى المفهوم المعاصر للسياحة والمنطوي على فكرة الخدماتية او "العلاقات العامة" كما يقول المهندس الكهربائي "فهيم" (فارس الحلو) للفوج السياحي. على هذا المنوال يصوغ الفيلم شخصياته بميل جارف لدى كل منها الى تحقيق أهدافها الشخصية ولو اقتضى الأمر ان تتحالف مع الشيطان. والاخير بمفهوم الفيلم يتجسد في شخصيات فقدت انسانيتها وما تبقى منها ليس سوى واجهة تخبئ انهياراً فظيعاً للقيم الانسانية. هكذا يسخر المخرج من شخصياته وربما من مشاهديه عندما يدعوهم الى تصديق شخصية "فهيم" والى الثقة بأحاسيس "كوثر" والايمان بامكانية التحول لدى المتحكم الأكبر (سلوم حداد) ضمن علاقة ثلاثية بين إمرأة وعشيقها وزوجها حيث الاخيران يتبادلان الأدوار. ولكن في المحصلة نكتشف ان كلاً من الشخصيات الثلاث تخبئ نسيجاً معقداً من الكذب والفساد والاحاسيس المريضة. مشكلة الفيلم انه يقع في الاسقاطات السياسية والتلميحات التي ما عادت تخفى على أحد. هو في جوهره شريط خفيف يحتوي على مقومات جماهيرية لا يستغلها لاعتقاده انها صفة تقلل من شأنه فيغرق بدلاً من ذلك في خطاب موازٍ شديد الثقل يتنافر مع شكله السردي وبنائه الحكائي وتتوجه خاتمة تنسف ما سلفها مما يمكن ان نسميه نقداً او رصداً. انها الخاتمة التي تبيض صفحة ما سبقها وتجدد الايمان بالمستقبل على اسس غير موجودة يكفر الفيلم بوجودها منذ اللحظة الاولى. من الغابون عرض ليون ايمونغا ايفانغا فيلمه السياسي L'Ombre de Liberty الذي تدور حوادثه حول صحافي سياسي لم يعد قادراً على مزاولة عمله بسبب من مضايقات النظام السياسي، فيتحول سكيراً بينما تصبح زوجته مومساً. على خط آخر، يقوم ضابط بتولي مهمة القضاء على الشغب ومحاولة العثور على مدير محطة اذاعية سرية تابعة للمعارضة يشوش بثها على الاذاعة الرسمية. ولكن الضابط يعيش معاناة شخصية بسبب مرض ابنه الخطير. هكذا تتحرك الشخصيات الثلاث للضابط والصحافي والمومس فتتقاطع حيواتهم عند مفاصل يختلط فيها الشخصي بالعام وتنطوي على بحث كل منهما عن ظل حرية في ظل نظام قمعي. الى جانب هذه الافلام التي تنتمي بمعظمها الى الانتاجات الحديثة والتي لم تجل على مهرجانات كثيرة، ضمت المسابقة افلاماً أخرى سبق لها ان قامت بجولة على مهرجانات اخرى عربية وعالمية. من "أحلام" محمد الدرادجي العراقي الذي يرصد العراق في مزيج من الروائي والتوثيقي مازال يحمل صدى اليومي المعيش الى "انتظار" رشيد مشهراوي عن فرقة مسرح وطني تجول المخيمات الفلسطينية بين الاردن وسوريا ولبنان بحثاً عن ممثلين تتشكل صورة المنطقة المتأزمة على ايقاع لا يخلو من عبثية في الفيلمين. على الضفة الاخرى يختال "بوسطة" بخطاب ينبذ الحرب والطائفية وان بالموسيقى والرقص. بينما تفعل بهما جوسلين صعب أكثر من ذلك في فيلمها "دنيا" عن علاقة إمرأة شابة بجسدها السجين ومحاولاتها التحرر عبر الرقص والشعر والحب. فيديو وبانوراما يستحيل على متابع ايام المهرجان الاحاطة بالبرنامج الرسمي الكامل. فعروض الفيديو وحدها يلزمها متابعة منفردة لما تحتويه من افلام قصيرة وطويلة روائية ووثائقية بعضها معروف وبعضها الآخر غير مكتشف. على الرغم من ان حماسة الجمهور بدت أكبر بكثير للروائي الطويل بما هو نوع سينمائي مكرس وخجولة تجاه الوثائقي عموماً، يمكن الاشارة الى عروض أثرت مسابقة الوثائقي بما حملته من اعتراف بها سواء أمن عروضها المحلية او العالمية. على رأس اللائحة شريط تهاني راشد "البنات دول" بعد عرض اول في مهرجان كان خارج المسابقة حاملاً شهادة أطفال الشوارع في قاهرة لا يعرفها كثيرون. انها القاهرة الحديثة تلك التي بدأت بالتشكل والظهور بعد الثورة. في حي المهندسين الذي تسكنه الطبقة المتوسطة ويشكل نقطة اجتذاب للسياح العرب، يحيا مجتمع آخر، حياة أخرى أناسها من أطفال ومراهقين يسكنون الشارع. بشهادة لا تقل واقعية عرضت مي المصري "يوميات بيروت: حقائق وأكاذيب" الذي افتتح الاسبوع الفائت مهرجان الفيلم الوثائقي في بيروت مقدماً متابعة لمرحلة حاسمة في تاريخ لبنان بدأت منذ 14 شباط تاريخ اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري، مازالت ممتدة الى يومنا هذا. اما مواطنها محمد البكري فقدم شريطه "من يوم ما رحت" الذي يستعيد فيه علاقته بالكاتب الراحل إميل حبيبي من خلال أرشيف فيديو منزلي يتجاور مع محاولة الفيلم صوغ صورة للأحداث التي وقعت على صعيدين شخصي وعام منذ رحل الكاتب. ومن البندقية حيث قُدم في عرض اول، عُرض "انا التي تحمل الزهور الى قبرها" لهالة العبد الله وعمار البيك وهو مشروع يحمل احلام ربع قرن من المنفى ويصح القول انها حكايات الخيبات والعزلة والمنفى والفقد والموت هي التي تشكل نسيج الفيلم الداخلي وتتقاطع عندها حكايات الشخصيات مع مسيرة المخرجة. اما "دوار شاتيلا" فتجربة متميزة لمخرجه ماهر ابي سمرا لا يقوم على افكار جاهزة وزوايا نظر مستقيمة مباشرة، بل على رؤية تُبنى شيئاً فشيئاً وتنقّب في الأزقة والوجوه عن تفاصيل لم تُحكَ ولم تستهلكها الكاميرات في مخيم شاتيلا. في بانوراما الافلام الروائية الطويلة عرض فاضل الجعايبي فيلمه "جنون" في تجربة ثالثة تقوم على تحويل عمل مسرحي فيلماً سينمائياً. وللمرة الثالثة ايضاً يثبت فشل المحاولة اذ يغرق الفيلم في مداه المسرحي البعيد من السينما ليبدو كأنه مسرحية مصورة ومعروضة على الشاشة سواء بمنولوغاته الطويلة او تصميم مشاهده او ديكوراته المسرحية. اما شريط الافتتاح "بلديون" لرشيد بوشارب فكان لعرضه وقع مختلف حيث ذاكرة الاستعمار الفرنسي مازالت طرية واستدعاء صورها ليس بالصعب البتة فكيف اذا كانت حوادثه تدور حول مجموعة جنود مغاربة وافارقة حاربوا في الجيش الفرنسي دفاعاً عن فرنسا ضد الالمان ابان الحرب العالمية الثانية. من مصر، عُرض في البانوراما شريط كاملة ابو ذكري "ملك وكتابة" عن علاقة بين استاذ مسرحي اكاديمي كلاسيكي وطالبة تعيد اليه متعة اكتشاف الحياة من جديد. الفيلم يستعيد حكاية مستهلكة بايقاع معاصر. المستقبل اللبنانية في 17 نوفمبر 2006 |
الذهبية لتونس والبرونزية لمصر ختام رائع لمهرجان قرطاج السينمائي * تونس ـ الأهرام العربي ـ عوض سلام اختتمت أيام قرطاج السينمائية مساء السبت18 نوفمبر2006 في العاصمة التونسية تحت شعار'التنوع الثقافي في سينما بلدان الجنوب:إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية' التي شارك فيها15 فيلما طويلا و14فيلما قصيرا في المسابقة الرسمية التي اقتصرت علي البلدان العربية والإفريقية إضافة إلي أفلام الفيديو التي كانت لها مسابقة أخري لعرض العديد من الأفلام من مختلف أنحاء العالم. وحضر حفل الاختتام إضافة إلي المسئولين عن التنظيم أعضاء من السلك الدبلوماسي المعتمدون في تونس وضيوف المهرجان من أهل الفن والثقافة والإعلام وأحباء الفن السابع بصفة عامة. وقد أسفرت هذه الدورة,التي نالت تونس معظم جوائزها و لم تنل مصر سوي التانيت البرونزي في مسابقة الأفلام القصيرة عن فيلم' النهارده30 نوفمبر'للمخرج محمود سليمان وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لـفيلم'البنات دول'من إخراج تهاني راشد, عن النتائج التالية: الأفلام الطويلة التانيت الذهبي أسند إلي فيلم( آخر فيلم) سيناريو وإخراج نوري بوزيد من تونس ويطرح المخرج في آخر أفلامه قضية التطرف الديني والإرهاب السياسي. وجاء الفيلم الجديد باللغة الإنجليزية نظرا لرغبة المخرج في ذلك. الفيلم هو سادس أعمال المخرج التونسي, من مواليد1945 بمدينة صفاقس, والمثير للجدل من خلال القضايا التي يطرحها في أفلامه.وسبق لبوزيد أن أخرج أفضل الأفلام التونسية في العقدين الأخيرين مثل' عرائس الطين' و'بنت فاميليا' و'بزناس' و'صفائح من ذهب' و'ريح السد.'والفيلم هو سرد لسيرة شاب يتحول تحت تأثير الأفكار الدينية الرجعية والمتطرفة إلي أصولي ثم انتحاري يفجر نفسه في آخر الفيلم. وبطل الفيلم هو' بهتة' الذي يقوم بدوره الممثل لطفي العبدلي وهو فتي طائش مغرم بالرقص والأمل في حياة أفضل تنسيه وضعه الاجتماعي البائس.غير أن عجز' بهتة' عن الهجرة إلي الخارج ولو بشكل سري, يرميه في أوساط أصحاب الفكر الديني المتطرف. ويوضح الفيلم أيضا كيف تحول' بهتة' من فنان إلي متطرف بسبب رفض المجتمع لموهبته المتمثلة في الرقص والتي تعد وسيلته الوحيدة للتعبير.وقد أشاد النقاد بجرأة الفيلم في تناول موضوع قالوا إنه كان من المحرمات التي لم يسبق التطرق إليها في أي فيلم تونسي سابق وحتي في أفلام عربية, بينما واجه انتقادات من آخرين بأنه موجه بشكل رئيسي ضد الجماعات الإسلامية. * التانيت الفضي أسند إلي فيلم( دارات) سيناريو وإخراج محمد صالح هارون من تشاد. * التانيت البرونزي منح إلي فيلم( انتظار) سيناريو وإخراج رشيد مشهراوي من فلسطين ويحكي حكاية أحمد الذي يتوجه وفريقه إلي سوريا والأردن ولبنان لاختيار الممثلين الذين سيكونون نواة لفرقة المسرح الوطني الفلسطيني المزمع تأسيسه. وبسبب تطور الوضعية, يتلقون أمرا يقضي بتوقيف المشروع, لكنهم يواصلون عملية انتقاء الممثلين طالبين منهم ارتجال بعض المواقف حول موضوع الانتظار. * جائزة لجنة التحكيم الخاصة أسندت إلي الفيلم الطويل( باماكو) سيناريو وإخراج عبد الرحمن سيساكو من موريتانيا. * جائزة أفضل ممثلة حصلت عليها ثريا علوي من المغرب عن دورها في فيلم( باب البحر) إخراج داود أولاد سياد. * جائزة أفضل ممثل فاز بها لطفي العبدلي من تونس عن دوره في فيلم( آخر فيلم) للنوري بوزيد * جائزة أفضل دور ثانوي نسائي منحت لفاطمة سعيدان من تونس عن دورها في فيلم' آخر فيلم' *جائزة أفضل دور ثانوي رجالي حصل عليها بشير الماجدي من العراق عن دوره في فيلم( أحلام) لمحمد الدراجي. * تنويه خاص لفيلم' عرس الذيب' للمخرج الجيلاني السعدي من تونس. الأفلام السينمائية القصيرة: * أسند التانيت الذهبي للشريط القصير( ع سكت) للمخرج سامح زوابي من فلسطين ويحكي عن صديقين في طريق عودتهما إلي بيتهما بالناصرة, يواجه الطفل الفلسطيني ووالده التوتر السياسي والواقع العسكري المحيط بهما. وهو مناخ ينعكس تأثيره علي علاقة الأب بابنه. * ونال التانيت الفضي شريط( خيط الحكاية) للمخرجة فاطمة الزهراء زعموم من الجزائر. * في حين منح التانيت البرونزي لشريط( النهارده30 نوفمبر) للمخرج محمود سليمان من مصر ويحكي حكاية رجل يغادر كل عام في نفس اليوم غير مكترث بالتقاليد الاجتماعية منزله من أجل الانتحار ولكن هناك دائما اعتراضات من قبل الناس. ولكن في هذا العام يجد نفسه يمنح الآخرين فرصة للحياة. * التنويه الخاص للجنة التحكيم لفائدة( بي كونكو) للمخرج شيخ فانتاماداي كامار من غينيا. مسابقة الفيديو: * جائزة أفضل فيلم فيديو طويل من نصيب( من يوم مارحت) إخراج محمد بكري من فلسطين. *الجائزة الخاصة للجنة التحكيم أسندت لـ'البنات دول' إخراج تهاني راشد من مصر. الأهرام العربي في 25 نوفمبر 2006
أيام قرطاج السينمائية تحتفى بالأدب العالمي رشيد حسني تتسع دائرة العلاقات بين السينما والأدب بشكل كبير إلى حد متشابك ومتداخل، وقد تعسر عملية حصر الفروق الصغيرة بين هذا الفن أو ذاك، ويحسن بنا عندئذ أن نسلم بأن الفرق الوحيد بين العمليتين الإبداعيتين هو أن الأدب يحصل عبر الكتابة على الورق أو المحاميل الأخرى وحتى الرقمية منها، بالاضافة إلى المنطوق. أما السينما فيتم توصيلها الى المتلقى عبر الصورة والصوت. وبما أن الكتابة هى الرابط الأساسي، والمنطلق الأولى عادة فى الأدب والسينما فإن العديد من الشعراء والروائيين والنقاد ورجال المسرح، كان لهم حضور لافت فى تاريخ أيام قرطاج السينمائية، منذ تأسيسها سنة 1966. ويمكن أن نذكر على سبيل المثال إسم السينغالى عصمان صامبان الذى كان له شرف الفوز بأول تانيت ذهبى فى المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة بشريط "سوداء فلان"، ثم أصبح رئيسا للدورة الثانية للأيام سنة 1968. ويبدو أن التوجه العام للمهرجان كان واضح المعالم فى خطاب أحد المؤسسين الفعليين لأيام قرطاج المخرج التونسى الطاهر شريعة فى قوله: حلمى أن يكون المهرجان دعوة مستمرة وحركة طويلة النفس.. أن تكون "أيام قرطاج السينمائية" حدثا خطيرا صالحا جميلا معا تنبع الحاجة إليه من السينمائيين ثم أهل الفن والأدب والفكر عموما فى افريقيا قاطبة والعالم العربى من آسيا.. يتألف ويتحرك ويتقد حيوية وإشعاعا من قوى الخلق وطاقات الإبداع والتقدم.. . كما تم تحويل عدة روايات وقصص أدبية إلى السينما وقدمت فى أيام قرطاج مثل رواية فقيد الأدب الفلسطينى الأديب و"المقاتل "غسان كنفانى "رجال تحت الشمس" وكان ذلك فى الدورة الثالثة سنة 1970 بعد أن حصد جائزة التانيت الفضي، وهو من إنتاج سوري. وفاز شريط فلورا غوميز "غينيا بيساو" "شجرة الدم" بالتانيت الفضى 1996 فى الدوورة السادسة عشرة، الذى عبر عن وجع افريقيا السوداء، افريقيا الأعماق. ولعل أكبر دليل على المكانة التى يحظى بها الأدب والأدباء فى مهرجان قرطاج هو إهداء هذه الدورة إلى روح الأديب المصرى نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل لعام 1988 الذى توفى فى نهاية أغسطس/آب الماضي. وكانت السينما المصرية قد أنتجت للرجل حوالى 40 فيلما طويلا مأخوذة من إبداعاته الروائية، كما ساهم محفوظ أيضا فى كتابة 25 فيلما، بينما اختار النقاد 18 فيلما له ضمن قائمة أفضل مئة فيلم مصرى فى القرن العشرين. ولم تغفل الدورة الحالية التى انطلقت السبت الماضى وتتواصل إلى يوم الأحد 18 ديسمبر/كانون الأول جانب الأدب، إذ يرأس لجنة التحكيم الكاتب الروائى اللبنانى الياس خوري، ويساعده كأعضاء: المخرجة السنغالية رقية نيانق، والمخرج المغربى محمد عسلي، ومدير التّصوير المصرى رمسيس مرزوق، ومدير مهرجان السينما بفرنسا سارج سوبو سينكي، والمخرج مويز ديردرنى نيانغورا من الكونغو الديمقراطية، والممثلة التونسية هند صبري. وسيتنافس فى المسابقة الرسمية الخاصة بالأفلام الطويلة لهذه الدورة 12 فيلما عربيا وإفريقيا، فى حين ستتنافس على جائزة المسابقة الرسمية للأشرطة القصيرة 10 أفلام لمخرجين عرب وأفارقة، أما مسابقة أفلام الفيديو فستحتوى على 12 فيلما طويلا، وذلك للفوز بالجائزة الذهبية "تانيت" "وهو اسم آلهة قرطاجية". وأفرد حفل الافتتاح حيزا هاما للأديبين نجيب محفوظ وليوبولد سينغور، من خلال وضع صورتيهما كخلفية ضوئية لإحدى فقرات الحفل، باعتبارهما أصبحا بمثابة الرمز للأدب العالمى لا لافريقيا فحسب. وحاولنا فى ما يلى جمع قائمة تضم بعض الأدباء الذين مروا من هنا عبر اشرافهم من قرب على الانتاج السينمائى الافريقى والعربى أو ما يعرف بسينما الجنوب أيام قرطاج السينمائية بتونس: الدورة الثامنة 1980 الطيب الصديقى -المغرب- الدورة التاسعة 1982 ميغويل ليتين -المكسيك- الدورة العاشرة 1984 عز الدين المدنى -تونس- الدورة الحادية عشرة 1986 الطاهر قيقة -تونس- الدورة الثانية عشرة 1988 مصطفى الفارسى والناصر خمير -تونس- الدورة الثالثة عشرة 1990 رشيد ميمونى -الجزائر- الدورة الرابعة عشرة 1992 الطاهر بن جلون -المغرب- الدورة الخامسة عشرة 1994 اميل حبيبى -فلسطين- الدورة السابعة عشرة 1998 كاليكيست بايالا -الكامرون- الدورة الثامنة عشرة 2000 أحمد كوروما -كوت ديفوار- الدورة التاسعة عشرة 2002 إدوارد الخراط -مصر- الدورة الـواحدة والعشرون "الحالية" 2006 الياس خورى -لبنان- العرب أنلاين في 14 نوفمبر 2006
«ذهب» أيام قرطاج السينمائية يبقى في تونس احتفظت تونس للمرة السادسة بجائزة «التانيت الذهبي» لمهرجان أيام قرطاج السينمائية في اختتام دورته الحادية والعشرين وبعد ثمانية ايام من العروض والمنافسة، حيث حاز على الجائزة الكبرى «اخر فيلم» للتونسي نوري بوزيد. ويرصد الفيلم رحلة شاب بسيط يدعى «بهتة» الذي يحلم بمستقبل أفضل ينسيه وضعه الاجتماعي السييء لكن امام انسداد الآفاق امامه يجد نفسه تائها فيتلقفه أصحاب «الفكر الديني المتطرف» ويحاولون غسل دماغه حتى يصير قادرا على تحمل مسؤولية عمل إرهابي. لكن الشاب لم يكن يتصور انه سيقدم على قتل بشر آخرين وحين يدرك ذلك يخاف ويهرب ليصبح بذلك عرضة لمطاردة الإسلاميين من جهة و للشرطة من جهة أخرى. ومنحت لجنة التحكيم التي يترأسها الروائي والصحافي اللبناني الياس خورى التانيت الفضي لفيلم «دارات، موسم جاف» لمحمد صالح هارون من التشاد الذي يحكي قصة الطفل «اتيم» الذى يرسله جده محملا بسلاح ناري للانتقام من الشخص الذي قتل اباه خلال الحرب الأهلية التى دمرت التشاد. لكن الطفل يعدل عن ذلك بعد محاولات متعددة حبا بزوجة القاتل التي يتعاطف معها نتيجة ما يسلطه عليها من تعذيب. وفاز بالتانيت البرونزي فيلم «الانتظار» لرشيد المشهراوي من فلسطين. ويطرح المشهراوي قضية أربعة ملايين لاجئ فلسطيني من خلال فكرة بسيطة تتمثل في بحث مخرج عن وجوه تصلح لتشكيل نواة لمسرح وطني فلسطيني في غزة. ينطلق المخرج برفقة مذيعة مشهورة ومصور تلفزيوني في رحلة البحث عن الممثلين عبر المخيمات الفلسطينية في كل من الأردن وسوريا ولبنان وتتمحور عملية «الكاستينغ» حول مفهوم الانتظار. وحصلت الممثلة المغربية ثريا العلوي على جائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلم «باب بحر» او «طرفاية» حول مخاطر الهجرة السرية لداوود أولاد سياد. في حين فاز الممثل التونسي لطفي عبدلي بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم «آخر فيلم» لنوري بوزيد. ونالت الممثلة التونسية فاطمة بن سعيدان جائزة أحسن دور ثانوي نسائي عن دورها فى فيلم «أخر فيلم». في حين أحرز الممثل العراقي بشير الماجدي جائزة أحسن دور ثانوي رجالي عن دوره في فيلم «احلام» لمحمد الدراجي. ومنحت لجنة التحكيم جائزتها الخاصة لفيلم «باماكو» للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيسيكو ونوهت بفيلم «عرس الذيب» للتونسي جيلاني السعدي. وفيما يتعلق بالأفلام القصيرة، حصل فيلم «ع سكت» لسامح الزوابي من فلسطين على التانيت الذهبي بينما حصل الفيلم «خيط الحكاية» لفاطمة الزهراء زعموم من الجزائر على التانيت الفضي. وحصل فيلم «النهار ده 30 نوفمبر» لمحمود سليمان من مصر على التانيت البرونزي. وفي مسابقة قسم الفيديو، أسندت لجنة التحكيم جائزة أفضل عمل للفيلم الفلسطيني الطويل «من يوم ما رحت» لمحمد البكري من فلسطين. واحرز فيلم «البنات دول» للمصرية تهاني راشد على جائزة لجنة التحكيم. وبالنسبة إلى الأفلام القصيرة، كانت جائزة أفضل عمل من نصيب الروائي «ديوينيتي» للسينغالي ديانا غاي بينما أحرز فيلم «يا لها من قوارير» للتونسي فيتوري بلهيبة على جائزة لجنة التحكيم الخاصة. ويحصل الفائز بالتانيت الذهبي في فئة الأفلام الطويلة على مكافأة قيمتها عشرة آلاف دولار. وأكدت لجنة التحكيم خلال حفل الاختتام في صالة الكوليزيه التي حضرها ممثلون ومخرجون من الدول المشاركة، على «أهمية ان تحظى الأفلام بحرية اللقاء مع الجمهور بدون تدخل الرقابة التي تشكل خطرا يهدد الفن كأداة معرفة وخيال». كما انتقدت اللجنة كيف ان «مهرجان مثل أيام قرطاج السينمائية يعد من اعرق المهرجانات والوحيد في مستواه لا يملك بنية مؤسساتية مستقلة» ودعت إلى تحويل المهرجان إلى مؤسسة ثقافية تحظى بالدعم الرسمي. أ ف ب البيان الإماراتية في 21 نوفمبر 2006
|
مهرجان "أيام قرطاج السينمائية" يختتم غداً دورته الـ21 صور الشرق والغرب في تونس وسينما خارج السائد لجمهور عاشق تونس ـ ريما المسمار |