«الفيلم الرائع المثالي، لم يحققه احد بعد!» هذه العبارة تفوه بها ذات يوم، قبل عقد ونصف العقد من الزمان، امام أصحابه السينمائيين والنقاد، مخرج كان في ذلك الحين يقترب من السبعين من عمره، ومع هذا لم يتردد في إجراء عملية زرع قلب وهبته إياه امرأة، إذ أقعدته ذبحة قلبية كادت تميته. هذا المخرج هو روبرت آلتمان، الذي رحل عن دنيانا قبل ثلاثة ايام عن عمر يناهز الحادية والثمانين. على رغم سنه المتقدمة، دهش كثر من الذين يعرفون آلتمان عن كثب، فهم ما كانوا ليتصورونه ابداً، ميتاً... بهذه السرعة وبذلك الشكل المفاجئ. فالرجل حتى ايامه الأخيرة كان يبدو فائق الحيوية مدججاً بالمشاريع مقبلاً على الحياة كدأبه دائماً. وخصوصاً منذ أطل على عالم السينما من باب عريض وهو في الخامسة والأربعين. خلال العقود التالية من حياته بدا وكأنه يحاول التعويض على تأخر إطلالته. ومن هنا اشتغاله على ما لا يقل عن فيلم في السنة، لسنوات طويلة من حياته. فلماذا تأخر آلتمان في سلوك درب الإخراج السينمائي؟ لأن هوليوود، ومنذ البداية ماطلت في قبوله، فهي ما كان يمكنها في ذلك الحين ان تقبل مشاكساً عنيفاً مثله. ما كان يمكنها ان تقبل فناناً يحطم اساطير تاريخها أسطورة بعد الأخرى. وروبرت آلتمان، المولود في كانساس سيتي بولاية ميسوري الأميركية العام 1925، كان مشاكساً منذ بداياته، وظل مشاكساً حتى النهاية. ولكن مشاكسته لم تقتصر على هوليوود وحدها، بل امتدت لتشمل كل ما يصنع الأسطورة الأميركية، وأسطورة الحلم الأميركي، من العائلة الى الجيش المنتصر، الى رعاة البقر، الى المدن الكبرى، إلى القمار الى التحري والمرأة والغناء والتسابق والرياضة... كل شيء. والأدهى من هذا، بالنسبة الى هوليوود، ان مسلكه الفني لم يكن ابداً لا طليعياً ولا نخبوياً... بل شعبياً، وأحياناً شعبوياً. لو كان آلتمان نخبوياً لما اهتمت به هوليوود، بل كان من شأنها ان تمول له أفلامه حتى النهاية كنوع من «البرستيج» فيحققها وتعرض في مهرجانات ثم تنسى. لكن حسه الشعبي، واشتغاله على سينما مسلية مقبولة جماهيرياً، كان أمراً لا يغتفر. من هنا، لم يلبث الرجل بعد بدايات هوليوودية ناجحة او ملتبسة ان توجه الى نيويورك، ثم الى فرنسا، حيث عاش معظم سنوات حياته الأخيرة. وحقق افلامه التي كانت، دائماً متفاوتة الجودة متفاوتة القوة متفاوتة القبول. وبالتالي اعتبر، صنو مثيله في السينما الأميركية وودي آلن، الأكثر أوروبية بين السينمائيين الأميركيين. غير ان التشابه بينه وبين آلن لا يسير الى مسافة طويلة. فآلتمان لم يمثل، وليس هزلياً وإن كان معظم افلامه يتمتع بحس سخرية وفكاهة سوداء هائلين. كما ان آلتمان اقل نرجسية من آلن بكثير، ما جعله يهتم بإنتاج افلام لمخرجين شبان، مثل آلان رودولف، وروبرت بنتون ما كان لهم ان يظهروا لولا عونه لهم. قاذف القنابل سابقاً آلتمان، كما كان سينمائياً كبيراً، كان معطاء كريماً، حتى في رفده الإنسانية بخمسة أبناء من ثلاث زيجات. وهؤلاء الأبناء يشكلون الجانب الإنساني من «تركة» الرجل التي تضم اكثر من ثمانين فيلماً (بين أعمال سينمائية وتلفزيونية)، حققها آلتمان خلال أكثر من نصف قرن. فإذا كان هذا المخرج الظريف والدينامي، كما يصفه المقربون إليه، لم ينطلق حقاً، وعالمياً، إلا أوائل سبعينات القرن العشرين حين انفجر فيلمه الكبير الأول «ماش» كالقنبلة وسط بلادة كانت لا تزال سائدة في هوليوود ذلك الحين، فإن بداياته سبقت ذلك بكثير. فهو منذ انهى خدمته العسكرية، كمساعد طيار في قاذفة للقنابل خلال الحرب العالمية الثانية، وقرر ان يعيش في لوس انجليس حيث إمكان تحقيق الحلم السينمائي، حتى بدأ يكتب السيناريوات ويرسلها الى الشركات الكبرى، لكن اياً منها لم يقبل. فما كان منه إلا ان التفت الى الشاشة الصغيرة محاولاً استخدامها اداة للتعبير. وبالفعل قُبل به هنا، عكس ما كان الأمر مع السينما، وراح يحقق بتقنية كان هو يسميها «سينمائية» لمجرد حفظ ماء الوجه، عشرات البرامج والحلقات، بما فيها بعض حلقات «بونانزا» و «ألفريد هيتشكوك يقدم». وهو كان كلما فرغ من عمل تلفزيوني وشاهده مع رفاقه يقول لهم: «ها هو فيلمي الخاص عن رعاة البقر»... «ها هو فيلمي الهتشكوكي الخاص»... الخ. والحقيقة ان ذلك العمل اذا كان لم يضف الى حياته شيئاً، حيث انه اعتبر نفسه فيه موقتاً لا أكثر، فإنه وضعه على تماس مباشر مع الأنواع السينمائية اذ راح التلفزيون يقلدها. ومن هنا، حين قيّض له في العامين 1970- 1971، ان يحقق «ماش»، بعد تجارب سينمائية سابقة لم تحقق نجاحاً نقدياً أو جماهيرياً، وجد منذ تلك البداية ان أفضل ما يمكن له فعله هو نسف الأنواع السينمائية نوعاً بعد الآخر، كثأر من العقلية الهوليوودية التي علبت الأنواع وحولت المخرجين الى معيدي إنتاج لا يتوقفون لكل نوع من الأنواع. ومنذ «البداية» إذاً بدا واضحاً ان «ماش» عدا عن حسه الساخر من الحرب وأطباء الحروب – اذ تدور أحداث الفيلم في الجبهة الأمامية في الحرب الكورية، وتحديداً من المستشفى الميداني، مع إسقاط واضح على حرب فييتنام التي كانت في عز اندلاعها في ذلك الحين – بدا واضحاً ان هذا الفيلم إنما هو تسخيف لأسطورة الحرب التي طالما شكلت واحدة من أهم اساطير السينما الهوليوودية وأكثرها رواجاً. وهنا اذا كنا نعتبر «ماش» البداية، فإن هذا لا ينبغي ان ينسينا خمسة افلام حققها آلتمان قبله، لكنها كانت مجرد إرهاصات أو تمارين ضئيلة الكلفة، اذا استثنينا من بينها «العد العكسي» (1966) – مع جيمس كان وروبرت دوفال – و «ذلك اليوم البارد في الحديقة» (1969)... إذ ان العودة اليوم لمشاهدة هذين الفيلمين المأخوذين عن روايتين شعبيتين (تدور أحداث اولاهما في الفضاء والثانية من حول احتجاز امرأة لرجل، بغية جعله عاشقاً لها)، ستكشف لنا انهما حملا معظم الأساليب والتقنيات، بل ربما ايضاً المسارات، التي ستحملها افلام آلتمان التالية. طائفة الحواريين بعد «ماش» (الذي حُوّل لاحقاً الى مسلسل تلفزيوني عديد الحلقات لم يرض آلتمان بالعمل فيه على الإطلاق)، لم يعد في وسع أحد ان يوقف هذا الفنان الذي أحس بأنه وجد طريقه الحقيقية اخيراً، ولا سيما منذ راحت الصحف اليمينية المحافظة وذات النبرة «الحربجية» تحاربه بقوة. أدرك انه على صواب إذ ذاك... وبدأ ينبش من ذاكرته كل مشاريعه القديمة، مسبغاً عليها ابعاداً جديدة... وراحت أعماله تتوالى، وكأن في الأمر خطة منظمة تنفذ خطوة خطوة، من قبل آلتمان طبعاً، ولكن كذلك من قبل مجموعة من فنانين وفنيين أحاطوا به وراحوا يشتغلون معه فيلماً بعد فيلم في ما يشبه الطائفة المؤمنة بزعيمها. وهكذا ولد «بروستر ماكلاود» (1970) عن فتى يتوق الى ان يطير مثل عصفور، بالتوازي مع سلسلة جرائم تحدث وتستدعي جلب محقق شهير من سان فرانسيسكو الى هيوستون. بعد ذلك حقق آلتمان واحداً من أجمل وأقوى أفلامه «ماكيب ومسز ميلر»، من بطولة وارن بيتي وجولي كريستي عن لقاء مقامر وعاهرة في الغرب الأميركي، لقاء ينسف جزءاً كبيراً من البعد «الأخلاقي» الذي أقامت عليه هوليوود تلك الأسطورة، ليس في الموضوع والشخصيات فقط، بل حتى في المشاهد (وأروعها مشهد المبارزة فوق الثلج... والتي لا ينجو منها أحد). في الفيلم التالي، «صور» (1971) الذي حققه آلتمان في كندا، نراه يدنو من أسطورة الزوجين ليحكي لنا حكاية زوجة تحب زوجها حقاً الى درجة انها تقتله في نهاية الأمر. أما في «الوداع الطويل» عن رواية لرايموند شاندلر، فإن آلتمان آثر السخرية من أسطورة التحري والفيلم البوليسي، كما انه في الفيلم التالي له «لصوص مثلنا» (1974) – وهو الفيلم الذي سيبني الأخوان كون، لاحقاً، عليه موضوع فيلمهما الرائع «اين انت يا أخي» – سيصور لنا ثلاثة مسجونين يهربون ليقوموا، وسط اجواء بؤس سنوات الثلاثين في الجنوب الأميركي، بسرقة مجموعة من المصارف. العام 1974 نفسه كان عام زخم في مسار آلتمان المهني، اذ نجده يحقق فيه فيلمين مهمين آخرين من أفلامه: «كاليفورنيا سبليت»، الذي يدنو فيه مجدداً من عالم شغل باله دائماً: عالم القمار، ثم «ناشفيل» احد أقوى أفلامه وأنجحها على الإطلاق، والفيلم الذي أوصل فيه سخريته من الذهنية الأميركية الى الحدود القصوى. وذلك من خلال فيلم اسكتشات لا حكاية فيه سوى مباراة غناء «الكاونتري» التي تخوضها نماذج اجتماعية يتوقف الفيلم عند نحو عشرين منها، معظمها يرتجل دوره وحواراته وأغانيه ايضاً (الى درجة ان كيث كارادين فاز بأوسكار افضل اغنية سينمائية في ذلك العام، عن اغنية كتبها بنفسه). من خلال تلك المباراة وخائضيها قدم آلتمان اذاً، كوميدياه الإنسانية عن الفرد الأميركي واستلابه امام مفاهيم الفوز والمنافسة. هذا الفيلم رشح يومهاً لأكثر من اوسكار، لكنه لم يحقق فوزاً كبيراً على عكس «ماش» الذي كان فاز بالسعفة الذهبية في «كان» قبل سنوات، ما رسخ لآلتمان سمعة عالمية ضاعفت من الإقبال على «ناشفيل» لاحقاً. مع «ناشفيل» كان آلتمان أضحى نجماً راسخاً في السينما الأميركية والعالمية، غير ان ذلك لم يرو ظمأه لمواصلة السخرية من الأساطير الأميركية والهوليوودية، وهكذا نراه في «بوفالو بيل والهنود» يتناول إحدى اساطير الغرب الأميركي: البطل المعبود الذي حطمه فيلمه تحطيماً. وحسبنا ان نشاهد ماكياج بوفالو (بول نيومان) المضحك حتى ندرك هذا كله. معشوق الأوروبيين بعد ذلك بعامين، سيعود آلتمان في فيلم تال له هو «العرس» الى وضع المجتمع الأميركي وأفراده الامتثاليين تحت مجهره القاسي، من خلال ملء الفيلم بأكثر من سبعين شخصية اساسية، دفعها الى التصرف على سجيتها وكأنها تعيش حياة عائلية حقيقية، في عرس سخيف حقيقي. غير ان آلتمان كان بين «بوفالو...» و «العرس»، وضع سخريته العنيفة جانباً، ليحقق واحداً من أكثر افلامه حميمية وتجريبية حتى ذلك الحين:» «ثلاث نساء» (1977) الذي يحتوي قدراً كبيراً من الالتباس – الخلاق على أي حال – في نظرته الى المرأة، وذلك من خلال رصد فصول من حياة نساء يعشن في عزبة معزولة وسط الصحراء، ويحاربن الرجال حتى ينتهي بهن الأمر وحيدات وسط طائفة خاصة بهن. وهذه الحميمية التي أثارت أسئلة عاد إليها آلتمان في السنة التالية، بعد إنجازه «العرس»، في فيلمه الغريب «خماسية» والذي يفترض ان يكون فيه نسف لأسطورة نوع الخيال – العلمي السينمائي، بيد انه اتى أكثر جدية وحزناً وقوة في خلق الجو القارص والعلاقات بين الشخصيات، مما كان يمكن توقعه من آلتمان. ومن هنا ظل هذا الفيلم، الذي صوّر بدوره في كندا، نسيج وحده في عالم آلتمان، كما حال «ثلاث نساء». بعد «خماسية» شعر آلتمان كما يبدو بأن عليه ان يستريح بعض الشيء من الإخراج، فاكتفى بتحقيق فيلمين خلال سنتين، جاءا عاديين في مسيرته، يحاول احدهما («ثنائي كامل» – 1978) ان يكمل مسيرة «صور» السابق ذكره، فيما يحاول الثاني («الصحة» – 1979) ان يكمل ثلاثية «المجتمع الأميركي تحت مجهر عين قاسية» الى جانب «ناشفيل» و «العرس»... والحقيقة ان هذين الفيلمين لن ينجحا إلا في إقناع آلتمان، من ناحية بأنه لم يعد له مكان حقيقي في هوليوود كمخرج مبدع للأفكار، ومن ناحية ثانية بأن الوقت حان ليخدم حوارييه كمنتج، وذلك عبر شركة «ليونز غيت» التي كان اسسها منذ سنوات لتنتج له أفلامه المرفوضة من استديوات هوليوود. والحقيقة انه في الوقت الذي كانت فيه هوليوود تتجاهله إن لم تحاربه، كانت أوروبا بجمهورها المتحمس، ومهرجاناتها العريقة («كان»، «البندقية» و «برلين») تغدق عليه جوائزها. إذاً، انصرف آلتمان الى انتاج افلام روبرت بنتون وآلان رودولف وروبرت يونغ، قبل ان يجد في العام 1980، أن ثمة أسطورة أميركية عليه ان يتصدى لها: أسطورة «بوباي»، وهكذا حقق ذلك الفيلم الغريب والطريف، بل الرائع، الذي لعب فيه روبن ويليامز واحداً من أول أدواره الكبرى، فيما عادت شيرلي دوفال الى عالم أستاذها ومكتشفها، في دور امرأة بوباي، أوليف اويل (زيت الزيتون). مهما يكن لا بد من الإشارة هنا الى ان آلتمان صور «بوباي» في مالطا، ليشكل بدء ملحمته الأوروبية، التي ستتواصل، متقطعة بعض الأحيان، حتى أيامه الأخيرة، ولكن من دون ان يعني هذا ان تصوير أفلامه وإنتاجها في اوروبا، أبعده عن المواضيع الأميركية، وبشكل اكثر تحديداً: عن المواضيع الناسفة للحلم الأميركي. فروبرت آلتمان لم يشعر ابداً انه صفى حسابه مع كل ما لا يعجبه في أميركا. والأمور التي لم تكن تعجبه في أميركا كثيرة, وهكذا، بعدما بدأ نشاطه الأوروبي في فيلم للتلفزة عن علاقة الرسام فنسان فان غوغ بأخيه ثيو، وخلال عقد الثمانينات الذي امضى معظمه في أوروبا، واصل آلتمان تحقيق افلامه وإن بوتيرة أقل مما في السابق، وحقق في نهاية ذلك العقد فيلم «اللاعب» الذي أوصل فيه سخريته من هوليوود الى ذروة لم يصل إليه أي فيلم من قبل، وذلك من خلال حكاية منتج، وسلسلة جرائم، وتهديدات تكشف الوجه الآخر للميدالية، والطريف ان آلتمان تمكن، لتصوير هذا الفيلم، من إقناع عشرات النجوم الكبار بلعب أدوارهم في الحياة والفن، متحلقين من حول تيم روبنز في دور المنتج وهو نفس ما فعله حين صور لاحقاً «ثياب جاهزة» عن عالم الموضة. «اللاعب» عرض في «كان» العام 1992 ونال إحدى الجوائز الأساسية، غير ان ذلك الفوز الجديد لم يلغ مرارته من هوليوود التي لم تمنحه أي أوسكار حقيقي كبير... وانتظرت آذار (مارس) هذه السنة التي مات فيها، لتعطيه أوسكار شرف عن مجمل أعماله. وهو على أي حال، عاد ورد على التحية بمثلها في فيلمه الأخير «رفيق بيت في البراري» الذي اعتبر تعبيراً عن حنين استبد به آخر عمره الى وسط أميركا الريفي. هذا الوسط كان تحدث عنه على أي حال في بعض أفلام عقديه الأخيرين لا سيما «ثروة كوكي»، كما انه تحدث عن لوس انجليس في شكل حنون وساخر في آن معاً، من خلال فيلمه «مقاطع صغيرة» عن نص للكاتب رايموند كارفر... (فاز عنه بالأسد الذهبي في مهرجان البندقية – 1993)، اما حنينه الى مسقطه كانساس سيتي وإلى الموسيقى الشعبية فقد عبّر عنه بفيلم حمل اسم تلك المدينة. وحكى عن علاقته بالفن والمسرح ورقص الباليه من خلال «الفرقة». اما «غوسفورد بارك» فإنه فيلم عاد فيه الى ما سماه هو نفسه «الجدارية السينمائية»، حيث، على غرار «العرس» «ناشفيل»... يقدم مجموعة كبيرة من الشخصيات الأساسية (30 شخصية هنا) راصداً من خلالها ذهنية المجتمع في تحولاته. طبعاً ليس هذا كل إنتاج روبرت آلتمان، لكنه يبدو في تنوعه واستفزازيته وقوته، كما في الاستجابة – الأوروبية على الأقل – التي كانت وتبقى له، كافياً لعدد كبير من السينمائيين. ومع هذا، حين سئل هذا الفنان الساحر الساخر، ذات يوم: لماذا تواصل العمل، أجاب: «لأن الفيلم الرائع المثالي لم يحقق بعد». ويقيناً ان روبرت آلتمان حين لفظ الروح قبل ايام، وفي وقت كان ينهال فيه بالشتائم على رأس جورج دبليو بوش الذي سبب انتخابه نكسة كبيرة للشعب الأميركي في رأيه، كان واثقاً، ليس فقط من انه لم يحقق ذلك الفيلم المثالي، بل ان أحداً لن يحققه على الإطلاق. الحياة اللندنية في 24 نوفمبر 2006
أفلام من خمسين دولة وتتويج أفضل نتاجات العام...
أيمن يوسف لمناسبة احتفاله بيوبيله الذهبي منذ بداية الشهر الجاري عرض مهرجان لندن السينمائي أهم ما أنتج في خمسين دولة العام الحالي، إضافة الى بعض أعمال العام الفائت، بحيث وصلت عروضه الى 181 فيلماً روائياً طويلاً و131 فيلماً قصيراً وتسجيلياً و «تحريك»، منها أربعة أفلام في عرضها العالمي الأول و32 فيلماً كعرض أوروبي أول الى جانب 128 فيلماً تعرض للمرة الأولى في انكلترا. لهذه المناسبة أيضاً عرض المهرجان في صورة استثنائية، خمسين فيلماً من «أفلام مفاجأة» في خمسين دار عرض وهو أكبر قدر من هذه النوعية يعرض في مهرجان دولي حتى الآن. كما استضاف المهرجان أكثر من أي وقت مضى نخبة من ألمع نجوم السينما العالمية ومخرجيها المألوفين لدوراته السابقة في الوقت ذاته الذي استضاف بالاهتمام والحماسة نفسهما مخرجين موهوبين جدداً عرضوا على شاشاته أعمالهم المميزة الأولى وناقشوها مع جمهور المهرجان. أما أبرز الملامح التي احتفل المهرجان من خلالها بعامه الخمسين فهي صنع وعرض فيلم خاص بعنوان «بورتريه للندن، ميدان الطرف الأغر» وهما أي لندن والميدان، شهدا على مدى نصف قرن دورات المهرجان المختلفة واستضافة أكبر نجوم السينما في العالم إضافة الى كونهما موقعاً أثيراً لتصوير عدد كبير من الأفلام المميزة والباقية في الذاكرة. كلف بإخراج هذا الفيلم (130 دقيقة) المخرج الكبير مايك فيجيز مخرج فيلم «الرحيل من لاس فيغاس». مهرجان المهرجانات ينطبق هذا العنوان تماماً على نشاطات مهرجان لندن وعروضه وأيضاً على أهدافه انطلاقاً من ترتيبه السنوي الذي يأتي في نهايات العام، وكونه أعرق مهرجان أوروبي بتوجهه الجماهيري، ولأنه من دون مسابقة رسمية، ما يتيح له عرض الأفلام المهمة التي توجت بجوائز مهرجانات العام الدولية الكبرى ليصبح المرآة العاكسة لأفضل أفلام العام. ومن هنا عرض المهرجان عبر أقسامه المختلفة فيلم «حياة متوقفة» وهو الفيلم الصيني الذي انتزع – ربما عن غير جدارة كبيرة – أسد البندقية الذهبي كأفضل فيلم في آب (أغسطس) الفائت، والفيلم البريطاني «الدرب الأحمر» للمخرجة اندريا ارنولد في عملها الروائي الأول وكان حاز جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان «كان» في أيار (مايو) الماضي، وفيلم «غربافيتسا» لمخرجته البوسنية جاسميلا زبانيش الذي حاز دب برلين الذهبي في شباط (فبراير) من هذا العام وغيرها من أفلام المهرجانات الكبرى. واستمراراً لعرض الأفلام المهمة التي شاركت في مهرجانات دولية في هذا العام وحازت تقدير النقاد، شهد قسم «عروض خاصة» فيلم «باماكو» للموريتاني عبدالرحمن سيساكو و «بابل» لمخرجه المكسيكي اليخاندرو غونزاليس ايناراتو، الذي عرض أيضاً كفيلم الختام، وكان كلاهما من اختيارات مهرجان «كان» الرسمية الى جانب أحدث أفلام انطونيو منجيلا «الاقتحام والدخول» بطولة البريطاني الصاعد جود لو، وعشرة أفلام أخرى. وبعيداً من السينما الأوروبية والأميركية، حرصت إدارة المهرجان على عرض أفلام آتية من الفيليبين وأميركا اللاتينية والجزائر («بركات» لجميلة صحراوي)، ومصر التي عرض لها كما هو متوقع «عمارة يعقوبيان» الذي ذكرت عنه إدارة المهرجان في مطبوعاتها انه الفيلم الذي حطم الأرقام القياسية في شباك التذاكر هذا العام. فيلم الافتتاح والجوائز افتتح المهرجان الفيلم البريطاني «آخر ملك في اسكتلندا» من إخراج كيفين ماكدونالد وتمثيل فورست وايتكر وجيليان اندرسون، وينطوي عنوان الفيلم على مفارقة ساخرة فالفيلم لا علاقة له بملوك اسكتلندا وليس تاريخياً بالمعنى المألوف، وتتلخص علاقته باسكتلندا من خلال طبيب شاب شعر بالملل في حياته في اسكتلندا فعزم على السفر الى افريقيا بنية طيبة في تقديم المساعدة للقارة السمراء الفقيرة فتستقر به رحلته في أوغندا ويحدث أن يتقابل مع حاكمها عيدي أمين الذي يقوم بتعيينه طبيباً خاصاً له. وسرعان ما يسند اليه مناصب مهمة ورفيعة في حكومته ليطلع الطبيب من خلال ذلك على ظلم عيدي أمين لأبناء شعبه والفظائع الإنسانية التي يرتكبها في حقهم لكنه لا يدري ماذا يفعل خصوصاً بعد أن وصل الى هذه المكانة الرفيعة المقربة من الحاكم وكأنه ملك كأنه آخر ملوك اسكتلندا. ومن المواقف النبيلة والمؤثرة التي شهدها حفل الافتتاح بعد انتهاء عرض الفيلم وصعود طاقمه لتحية المشاهدين والنجوم والسينمائيين في القاعة، ان النجم الكبير فورست وايتكر لم يتوقف كثيراً أمام تصفيق جمهور القاعة له ولأدائه المميز لشخصية عيدي أمين وفضل أن يحظى ممثل مغمور من أوغندا بذلك الثناء والأضواء وفلاشات الكاميرات، وحدث هذا عندما نادى الممثل ستيفن رونجيزي الذي شاركه التمثيل بالفيلم. من ضيوف المهرجان من النجوم وصانعي الأفلام سواء الذين حضروا حفل الافتتاح أو نشاطات المهرجان الأخرى البريطاني المخضرم بيتر أوتول، وداستن هوفمان وتيم بيرتون وبوب هوسكينس وكيت ونسليت وناني موريتي وبول فيرهوفن، والمخرج التركي نوري بلج سيلان وآخرون. أما الندوات التي عقبت الفيلم والتي يتناقش فيها مخرجوها مع الجماهير فلم تخل من جدل سياسي بخاصة ندوتي الفيلمين البريطانيين «الأشباح»، إخراج نيك برومفيلد الذي يدين المعاملة غير الانسانية التي يواجهها المهاجرون غير الشرعيين في انكلترا وهم تحديداً هنا الصينيون الذين مات منهم حديثاً 21 شخصاً بفعل القيام بمهن تنطوي على مخاطر كبيرة. أما الفيلم الآخر فهو «هذه هي انكلترا» اخراج شين ميدوز الذي يرصد متغيرات المجتمع البريطاني وسلبياته الكبيرة من عنف وعنصرية وسياسات متشددة في الثمانينات من القرن الماضي فينتقد سياسة مارغريت ثاتشر وعهدها وحرب فوكلاند. وتُسرد أحداث الفيلم من خلال صبي في الثالثة عشرة يقتل أبوه في هذه الحرب ويعاني الفراغ فينضم الى جماعة من حليقي الرؤوس المتمردين الذين يتحول بعضهم الى نازيين عنصريين جدد. الأفلام التي تمنح جوائز المهرجان وهي خمس جوائز هذا العام، يتم اختيارها من بين تلك المعروضة في بضعة اقسام من أقسامه التسعة، وكل جائزة تشكل لها لجنة تحكيم خاصة: جائزة سوزرلاند التي تمنح لمخرج قدم أول عمل في شكل أصيل ومبتكر لا يخلو من الخيال الفني ذهبت للبريطانية اندريا رينولد عن فيلمها «الدرب الأحمر» الذي يدور حول موظفة رصد تلفزيوني في دائرة أمنية تلمح على شاشتها يوماً صورة رجل كان صدم وقتل زوجها وابنها، فتطارده حتى تنتقم منه. أما جائزة لجنة تحكيم نقاد السينما فكانت من نصيب الفيلم الفرنسي الإسباني «لولا» للمخرج جافيير ريبول ويدور حول رجل يعيش مع أمه طريحة الفراش، تتغير حياته بالكامل عندما تأتي امرأة اسبانية للإقامة في المبنى نفسه الذي يسكنه فتستحوذ على كل تفكيره الوقت كله ما يولد عواقب وخيمة لكليهما. جائزة الفريد دانهيل للمواهب البريطانية الشابة سواء في مجال الإخراج أو الانتاج أو كتابة السيناريو وقيمتها المالية 15 ألف جنيه استرليني، منحت لمارك هربرت منتج فيلم «هذه هي انكلترا». ومن الجوائز التي استحدثها المهرجان العام الماضي جائزة غريرسون التي يمنحها معهد الفيلم البريطاني بالتعاون مع جريدة «تايمز» لمخرج أفضل فيلم تسجيلي طويل يعرض في المهرجان، وحصلت عليها المخرجة الأميركية لورين غرينفيلد عن فيلم «نحيفة» الذي يناقش استحواذ مفهوم النحافة والجسد الرشيق على اهتمام المرأة الأميركية للدرجة التي يمكن معها ان تصبح حياتها مهددة بالفناء. أما جائزة «ساتياجت راي» الذي تمنح لفيلم يستطيع ان يضاهي القيمة الفنية والانسانية الكبيرة التي تميزت بها أعمال المخرج الهندي الكبير الراحل، فحصل عليها الفيلم الألماني «حيوات الآخرين» لفلوريان هينيكل الذي يرصد الصورة القاتمة التي كان يحيا في إطارها مواطنو ألمانيا الشرقية تحت النظام الشيوعي. الحياة اللندنية في 24 نوفمبر 2006 |
بعد اختيار فيلمها «قص ولصّق» للمسابقة الرسمية في مهرجان القاهرة... هالة خليل: طموحي منتج لأفلامي القاهرة – أحمد فرغلي رضوان اختار مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام فيلم «قص ولصّق» للمخرجة هالة خليل ضمن أفلام المسابقة الرسمية لدورته الثلاثين وهو ما لم تكن هالة تتوقعه ولم يكن في حساباتها. وعن ذلك تقول: «الظرف الاجتماعي والاقتصادي للإنسان المصري هو الشيء الذي يوحي بمواضيع أفلامي». بالنسبة الى هالة خليل هذا هو فيلمها الثاني بعد «أحلى الأوقات» الذي حقق نجاحاً لافتاً وحصد جوائز عدة محلية وإقليمية، وهو ما كان حدث مع فيلمها القصير «طيري يا طيارة». واللافت ان هالة خليل لم تعمل مساعدة إخراج إلا في عمل واحد فقط عكس معظم المخرجين. وفيلم «قص ولصّق» من بطولة شريف منير وحنان ترك وفتحي عبدالوهاب ومروة مهران. «الحياة» التقت مؤلفته ومخرجته خليل في هذا الحوار: · عند تنفيذ الفيلم هل كان في ذهنك مشاركته في المهرجان؟ - لم يكن ذلك وارداً إطلاقاً، فموضوع الفيلم كان فكرة ملحة في ذهني منذ عامين وكنت أبحث عن أحد ليكتبه، لكنني قررت كتابته بنفسي وكنت أخشى الإنتاج لأن الموضوع جاد واجتماعي وليس كوميديا، لكنني فوجئت بالمنتج يوسف الديب يرحب بإنتاجه. · وعما يحكي «قص ولصّق»؟ - عن ظروف الشباب المصري ومشاكلهم الحالية الاقتصادية والاجتماعية وعن فكرة «الهجرة» المسيطرة دائماً ومنذ وقت طويل على عقولهم. وعلى رغم ذلك هناك علاقات حب بينهم من خلال علاقة «يوسف» شريف منير و«جميلة» حنان ترك وكذلك العلاقات بين بقية الأبطال التي تجسد هموم الشباب. ثقة اسعدتني · وكيف جاء اختياره لمهرجان القاهرة؟ - فاجأني المهرجان بطلب مشاهدة الفيلم وهو كان في مراحله النهائية. شاهدوه في المونتاج وأخبروني باختياره ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان وهو ما حدث مع مهرجان دبي ايضاً. · بماذا يشعرك هذا؟ - هذه ثقة أسعدتني كثيراً خصوصاً وكما قلت ان الفيلم كان لا يزال في مراحل إنجازه النهائية، ما عوّضني عن تعب فترة العمل وطولها وسط ظروف صعبة وتأكد لي أننا عندما نعمل بصدق وحب ونمس هموم الآخرين سننال التقدير. · هل هو مهم ارتباط المخرج بهموم المجتمع؟ - بالطبع لأن هذا يمثل جزءاً كبيراً من الدوافع لتحقيق أعماله، وعلاقتي بالمجتمع تولد صدامات معه وتساؤلات وهو ما يفجّر أفكاراً لموضوعات تصلح لشريط السينما. · بصراحة هل تتوقعين جوائز لعناصر معينة داخل فيلمك؟ - المشاركة في حد ذاتها أفرحتني بغض النظر عن إمكان حصول الفيلم على جوائز. ولو جاءت هذه ستكون اضافة مهمة بالطبع. فيلمي القصير وفيلمي الروائي الأول حصلا على جوائز لم أتوقعها. وهذا الفيلم أعتقد أن عناصره مكتملة، فمعي طارق التلمساني في التصوير وتامر كروان في الموسيقى والديكور لشيرين فرغل والمونتاج لخالد مرعي. وجميع الممثلين شريف منير وحنان ترك وفتحي عبدالوهاب ومروة مهران وسوسن بدر كانوا ممتازين. لذلك صعب توقع الفوز لأي عنصر دون الآخر. نحن اجتهدنا لتقديم عمل جيد ويبقى حكم الآخرين عليه. · هل تفضلين كتابة أفلامك بنفسك؟ - الكتابة ليست اختياراً إنما هي إلحاح داخلي يظهر وأحاول مقاومته. ونجحت أحياناً لكن في النهاية لم أستطع وقبلت تحمل المسؤولية وسأقبل النتيجة أياً كانت لأنني أريد أن أتعلم. · وما الذي تبحثين عنه في موضوعاتك؟ - الظروف الاجتماعية والاقتصادية للإنسان المصري هي التي أبحث عنها دائماً ولا سيما منها القريبة مني والتي أعايشها وتقترب من فكري. · وما هذا الفكر؟ - سؤال صعب... ولكن يمكنني ان أقول أنه الإطار والنسق الفكري للمرحلة الحالية من حياتي والذي أحس به وأقيّم الأمور من خلاله على أساس ثقافتي وتقاليد المجتمع الذي أنتمي إليه. إن لدي ميزاناً داخلياً أقيس به وعندما أجده في سيناريو ما سأوافق عليه من دون تردد. · ما هو طموحك الحالي؟ - أهم شيء أن أجد دائماً منتجاً لأفلامي لأن أصعب شيء وجود منتج يتحمس لموضوعات جادة. الحياة اللندنية في 24 نوفمبر 2006
تظاهرة السينما العربية تجول في هولندا... الهموم العربية تهيمن على أفلام صُنعت بعيداً أمستردام – محمد موسى بعد توقف سنتين تعود تظاهرة «السينما العربية» مرة أخرى الى العاصمة الهولندية أمستردام وأربع مدن هولندية أخرى. منظمو التظاهرة السينمائية الذين ذكروا في دليل الأفلام انهم كانوا مشغولين خلال الفترة الماضية في البحث عن أفلام مناسبة تستحق العودة الى الجمهور الهولندي نجحوا في الحصول على 11 فيلماً روائياً طويلاً و29 فيلماً قصيراً بين روائي قصير وتسجيلي. الأفلام المعروضة أنتج معظمها بعيداً من العالم العربي لمخرجين عرب أو من منطقة الشرق الأوسط يعيش معظمهم في أوروبا وبعض الدول الغربية الأخرى. ولا تشمل التظاهرة مسابقات أو ندوات بل تتضمن عروضاً سينمائية فقط. تظاهرة هذه السنة التي عقدت خلال النصف الأول من الشهر الجاري أرادت «الاحتفال بتجارب المخرجات العربيات الشابات اللواتي وجد بعضهن في تقنية «الديجيتال» الفرصة لتحقيق أعمالهن والوصول الى المتفرج العربي والأجنبي». أفلام المخرجات العربيات لا تتوقف فقط عند قضايا المرأة بل تتعرض الى الكثير من الموروث بجرأة كبيرة. فالتظاهرة تعرض مثلاً الفيلم الروائي الأول للمخرجة المصرية الشابة كاملة أبو ذكرى «ملك وكتابة» والفيلم الوثائقي للمخرجة السعودية هيفاء المنصور «نساء بلا ظلال» وفيلم اللبنانية ديمة الجندي «خادمات للبيع». تشكيلة الأفلام المعروضة في التظاهرة متنوعة. علماً أن الكثير من الأفلام كان عرض في مهرجانات عدة في العالم العربي وأوروبا وكذلك في مهرجان روتردام للسينما العربية في هولندا أيضاً. أفلام مثل «الرحلة الكبرى» للمخرج المغربي المقيم في فرنسا اسماعيل فروخي وفيلم «أيام جديدة في صنعاء القديمة» للمخرج البريطاني اليمني بدر بن هيرسي وفيلم السعودي عبدالله أياف «500 كيلومتر سينما» صارت معروفة للمهرجانات السينمائية والمتفرج السينمائي المتابع. وتضمنت عروض هذه السنة 3 أفلام مصرية قديمة ضمن ما أطلق عليه «السينما الدينية». وهي: «فجر الإسلام»، «رابعة العدوية» و «شفيقة القبطية». ولمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس فضائية «الجزيرة» القطرية قدمت 4 أفلام وثائقية تتناول إحدى الظواهر الإعلامية الجدلية في الإعلام العربي. الى ذلك وفرت التظاهرة الفرصة لعرض بعض الأفلام التي أثارت ضجة عند عرضها في مهرجانات سينمائية أخرى منها فيلم الأميركي جيمس لونغلي «العراق في أجزاء» وفيلم الكردي هينار سليم «الكيلومتر صفر» وفيلم المخرج ناصر الخمير «بابا عزيز» الذي سيطلق تجارياً في هولندا قريباً. مهمة صعبة وعلى رغم ان تظاهرة السينما العربية توفر الفرصة لمشاهدة القليل الجديد من المنتج السينمائي العربي، فقد أثارت عودتها هذه السنة استغراب كثيرين من الوسط السينمائي الهولندي لم يفهموا تماماً سبب وجود مهرجانين للسينما العربية في بلد صغير مثل هولندا. فمع وجود مهرجان السينما العربية في روتردام الهولندية الذي يتجه الى ان يكون أحد أكبر مهرجانات السينما العربية في أوروبا تصبح مهمة مهرجان سينمائي آخر في هولندا مهمة صعبة. مهرجان روتردام للسينما العربية، الذي أنهى السنة الحالية دورته السادسة، بدأ منذ سنتين تنظيم عروض لأفلامه في بعض المدن الهولندية الكبيرة ومن ضمنها أمستردام. والمهرجان الذي يتضمن الكثير من المسابقات للأفلام القصيرة والطويلة والوثائقية يضم أيضاً ندوات ويستقبل ضيوفاً من مخرجين وصناع سينما عرب وأجانب للحديث عن أفلامهم والدعاية لها. تظاهرة «السينما العربية» لم تقدم الأسباب الكافية لتبرير وجودها. وكان يمكن أن يغفر ضعف الدعاية الذي سبق التظاهرة أو فقر المعلومات المقدمة عن الأفلام أو غياب المخرجين وصناع السينما عن التظاهرة إذا كانت الأفلام نالت الاهتمام الجماهيري الذي تستحقه من الجمهور العربي المقيم في هولندا أو من المتفرج الهولندي، لكن قاعات العروض كانت شبه فارغة في معظم العروض وذكرت مجدداً بمشكلة الكثير من المهرجانات السينمائية العربية التي تفشل في الدعاية لنفسها وتفشل أيضاً في الوصول الى الجاليات العربية الضخمة التي تعيش في المدن الكبرى الهولندية وغيرها من المدن الأوروبية. مشكلة ضعف الإقبال الجماهيري ليست فقط مشكلة تظاهرة «السينما العربية» لكنها مشكلة مهرجانات أكبر مثل مهرجان روتردام للفيلم العربي ومهرجان معهد العالم العربي في باريس. ومع هذا فإن الانتاج العربي السينمائي القليل اصلاً والذي يواجه مشاكل كبيرة للوصول الى المتفرج العربي عبر الصالات السينمائية العربية التقليدية أو عبر التلفزة يعتمد كثيراً على فرص المهرجانات السينمائية لتحقيق الدعاية المهمة للوصول الى جمهور أوسع. والكثير من المهرجانات السينمائية العربية يضيع هذه الفرصة على الفيلم السينمائي العربي الجاد بسبب مشاكل هذه المهرجانات التي تبدو مستعصية وبسبب منظمين يبدون بعيدين من الفهم الكامل لطبيعة المهرجان السينمائي وشروطه وتحدياته. الحياة اللندنية في 24 نوفمبر 2006
متعة الاكتشاف في مهرجان نانت نانت (فرنسا) – ندى الأزهري ثمة أفـلام «تعبت» من كثـرة مـرورها على المهرجانات، وثمة قراء تـعبوا من كثـرة ما ترددت أسماء أعمال وهي تـعـرض هنا وتكرم هناك فيما هم قابعون بانتظارها، انتظار قد يطول ويطول أو يتوج بمجـرد اكتفاء «برؤيتها» على صفحات الجرائد، أو التزود بمقاطع محدودة منها على شاشات التلفزة. إنما هذا الواقع السائد في العديد من البلاد العربية، لا ينطبق هنا. فما ان يبدأ الكلام عن الأفلام المشاركة في مهرجان كان على سبيل المثال، حتى يكون عدد منها قد تصدر الشاشات في كل المدن الفرنسية، ما يتيح لمن قرأ وسمع ان يشاهد. اما في مهرجان من نوع آخر كمهرجان نانت مثلاً، فالحال مختلفة تماماً. اذ باستثناء عدد محدود من الأفلام السابق ذكرها، أي التي دارت على مهرجانات مختلفة، يمكننا ان نطلق لقب «خام» على معظم ما تبقى. فهي هنا تعرض للمرة الأولى، ومن هنا تنطلق بعد ان يكتشفها العاملون في الحقل السينمائي لتزور مهرجانات اخرى، أو لتوزع تجارياً في الصالات الأوروبية. من هذا المهرجان المخصص للقارات الثلاث (آسيا، افريقيا، أميركا الجنوبية) انطلقت عالمياً أفلام كياروستامي وناصر خمير وسيسيكو، ومن هنا بدأت شهرة السينما الإيرانية، وعرفت سينما دول الاتحاد السوفياتي سابقاً: طاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان، والسينما التشيلية والأرجنتينية... إنها حقاً متعة الاكتشاف مع كل ما قد يحمله هذا من سعادة أو من خيبة. في الدورة الثامنة والعشرين لمهرجان نانت الدولي، والتي تبدأ في 21 وتنتهي في 28 من الشهر الجاري، سنتمكن اخيراً من رؤية «فلافل» اللبناني ميشال كمون في المسابقة الرسمية بعد ان وصلت اصداء تميزه. ومن ايران فيلمان «فاير وورك ونزدي» لأقشر فرهادي و «بضعة كيلوغرامات من التمر من اجل الجنازة» لسمان سالور. لكن سنرى أفلاماً اخرى لم يسبق ان تناهى الى أسماعنا بعد شيء عنها. من الأرجنتين (دييغو ليرمان)، والإكوادور وكازاخستان (دانيار سالامات)، واليابان (شنجي أوياما)، والصين وكوريا وإندونيسيا وماليزيا. كما ستتحقق متعة الاكتشاف (بصرياً بعد ان تحققت قراءة) كذلك مع أفلام من المملكة العربية السعودية في تظاهرة مخصصة لها بعنوان «العربية السعودية – البدايات» مع «ظلال الصمت» لعبدالله المحيسن، الذي يُعتبر الفيلم السعودي الأول، «سينما 500 كلم» لعبدالله اياف، وبالطبع «نساء بلا ظلال» هيفاء المنصور، و «كيف حالك» للكندي ايزدور مسلم. وسيعرض الفيلم العماني الأول «ألبوم» لخالد الزدجالي. ومن ضمن التظاهرات الأخرى العديدة نشير الى عرض «الكامل» من اعمال المخرج الهندي ساتياجيت راي الذي وصف المخرج الياباني الكبير أكيرا كيروساوا عدم مشاهدة افلامه بأنه «كالعيش من دون رؤية الشمس أو القمر». يعرض المهرجان لساتياجيت راي، الذي يعتبر من احد الكبار في تاريخ السينما، والذي نال الأوسكار عام 1992 عن مجمل أعماله، الثلاثين فيلماً روائياً التي حققها خلال حياته (توفي عام 1992) وكل شرائطه الوثائقية والقصيرة. الحياة اللندنية في 24 نوفمبر 2006
|
رحل في الحادية والثمانين منتقداً بوش وواثقاً من عدم تحقيق الفيلم المثالي... روبرت آلتمان: نصف قرن من السينما والمشاكسة والغضب الهوليوودي ابراهيم العريس |