> عرض 248 فيملا من 22 دولة .. وحضره 75 ألف متفرج

> تهاني راشد تتبرع بجائزتها لـ«البنات دول»

> «أطلال» أسوأ فيلم لبناني .. و«مواقيت ورياح » تحفة من تركيا

> «مونبلييه» سيوضع مستقبلا علي رأس المهرجانات المتوسطية التي تضم باستيا والإسكندرية وتطوان  

احتفل مهرجان مونبلييه السينمائي المخصص لسينمات البحر الابيض المتوسط بختام ايام واعمال دورته السينمائية 28 التي عقدت في الفترة من 27 اكتوبر الي 5 نوفمبر بحفل مختصر بسيط،، وزعت فيه جوائزه من دون " دوشة " وصخب. وكان للسينما العربية في تلك الجوائز نصيب كبير، بالقياس الي عدد الافلام الجديدة التي عرضت في المهرجان،او شاركت في مسابقاته،ووصل عددها الي أكثرمن 248 فيلما من بلدان المتوسط، وبمشاركات متميزة من مصر ولبنان والمغرب وسوريا وفلسطين وغيرها. وعلي الرغم من أن الوقت لم يحن بعد ، لتكوين وبلورة كشف حصاد للدورة 28، علي مستوي التقييم النظري و الفكري والنقدي، ورسم خريطة لجغرافية وتضاريس السينما المتوسطية الجديدة، يمكن القول إن المهرجان نجح بتقدير جيد جدا في التعريف بإنتاجات وإبداعات المتوسط في السينما، وبسط ساحته للعديد من النشاطات والفعاليات، التي، ومن خلال تراكم الخبرات والاضافات السينمائية الغنية التي حققتها دورات المهرجان السابقة، سوف تضع مونبلييه مستقبلا علي رأس قائمة المهرجانات السينمائية المتوسطية، التي تضم مهرجانات باستيا والاسكندرية وتطوان وغيرها، وتمنحه حق الريادة، وتجعله سباقا الي استكشاف تلك الابداعات السينمائية الجديدة والتعريف بها ، والدعاية لها، وللقيم والافكار والمباديء التي تمثلها..

"مواقيت ورياح" رائعة سينمائية من تركيا

حيث أن مونبلييه السينمائي يطمح كما يقول جورج فريش عمدة المدينة الي تأسيس : " أندلس " جديدة للتقارب والتفاهم والسلام بين شعوب المنطقة، علها ترقي - وبمرور الزمن- الي ذلك المستوي الانساني والحضاري الرفيع، الذي بلغته الحضارة العربية في أوج تألقها وازدهارها في " الاندلس " لفترة امتدت الي أكثر من سبعة قرون. " وهنا ينتهي كلام العمدة..

وأعتبر أن مونبلييه قد حقق أهدافه المنشودة خلال هذه الدورة 28 ، وفقط علي المستوي السينمائي البحت، فقد عرض فيلمين رائعين هما : فيلم " درب البطيخ " للكرواتي برانكو شميت، وفيلم " مواقيت ورياح " للتركي ريحا ارديم، ضمن 12 فيلما شاركت في مسابقة الافلام الروائية الطويلة، وتألقت بسحر السينما في تلك المنطقة المتوسطية التي كانت مهدا للاديان السماوية والحضارات الانسانية العريقة، وحققت بالفعل " متعة " اللقاء مع تلك السينما المتوسطية الجديدة، وسنفرد لها ماتستحقه من تقييم واشادة لاحقا. ونستطيع فقط ان نرصد هنا ماحققه مونبلييه السينمائي الـ 28 بالأرقام، فقد استقبل 221 مدعوا و269 محترفا وأكثر من مائة صحافي، وعرض 248 فيلما من جميع الانواع روائي طويل وتسجيلي وتجريبي وروائي قصير من 22 دولة ،واقام معرضين للتصوير الفوتوغرافي، ونظم حفلا موسيقيا بعنوان " الموسيقي والسينما " في دار أوبرا برليوز في مدينة مونبلييه، وعقد ندوتين حول " المهرجانات السينمائية في الصحافة " و " صناعة الافلام في اقليم لانجدوك روسييون " الاقليم الذي تنتمي اليه مدينة مونبلييه وتعتبر عاصمة للاقليم، كما نظم العديد من الطاولات المستديرة التي ناقشت جملة موضوعات من ضمنها " افلام الاسكتشات الايطالية " وعقد مسابقة لدعم السيناريو تقدم اليها 16 مشروعا ، ومنح 24 جائزة في 3 مسابقات للروائي الطويل والتسجيلي والروائي القصير بلغت قيمتها الاجمالية 104 آلاف يورو..

ونجح المهرجان في دورته 28 في استقطاب أكثر من 75 الف متفرج، كما ساهم بالطبع في نجاح هذه الدورة الحضور السينمائي الكبير لعدد من أبرز النجوم والسينمائيين المتوسطيين مثل المخرج جان جاك بينيكس " ديفا "، وكاتب السيناريو الكبير جان كلود كاريير الذي كتب سيناريو " سحر البرجوازية الخفي " للمخرج الاسباني العملاق لوي بو نويل واشتغل مع ميلوش فورمان، والممثلة جولي دوبارديو، والمخرجة جولي جافراس وغيرهم من فرنسا،وعدد كبير من النجوم والمخرجين من انحاء الدول المتوسطية الاخري، من ضمنهم المخرج الاسرائيلي الكبير آموس جيتاي، الذي حضر بمناسبة تكريمه في المهرجان، وعرض فيلمه التسجيلي الطويل المتميز " أنباء من البيت " الذي يختتم به ثلاثيته الفيلمية " بيت " وأعجبنا به كثيرا، وسنعرض له لاحقا مع حوار مع مخرجه..

أشواك القلب

كذلك حضرت المخرجة تهاني راشد من مصر، التي شاركت بفيلمها «البنات دول » التسجيلي الطويل في مسابقة الافلام التسجيلية، والمخرج المغربي هشام عيوش الذي شارك بفيلمه الروائي الاول " أشواك القلب " في مسابقة المهرجان، والمخرج المصري الصاعد شريف البنداري الذي شارك بفيلمه " صباح الفل " في مسابقة الفيلم القصير، والمخرج اللبناني بهيج حجيج الذي شارك بمشروع سيناريو فيلم جديد له بعنوان " شتي يا دنيا " في مسابقة دعم السيناريو، والمخرج اللبناني الشاب شادي زين الدين الذي شارك ايضا بسيناريو فيلم " ابراهيم احكي لي حكايتك "، والمخرج المصري احمد عاطف " عمر 2000 " بسيناريو فيلم " الاندلس "..

كما حضر مدير مهرجان تطوان السينمائي احمد حسني ونائبه حميد عيدوني، والصحافية المصرية نعمة الله حسين من مجلة " آخر ساعة " التي شاركت كعضو في لجنة تحكيم النقاد، والمخرجة الفلسطينية نجوي النجار التي شاركت بفيلم " اغنية ياسمين " في مسابقة الفيلم القصير.

وتعتبر مسابقة دعم السيناريو( للأفلام الروائية الطويلة فقط ) من اهم الآليات التي استحدثها المهرجان منذ اكثر من 15 عاما لدعم مواهب السينما المتوسطية الجديدة وهي تمنح جوائز مالية اكثر من 5 جوائز بقيمة 7 الآف يورو للسيناريو الفائز وهو مبلغ محترم يساعد حتما علي دفع المخرج علي سكة تحقيق فيلمه . وكان تقدم الي المهرجان هذا العام اكثر من 500 مشروعا للسيناريو من انحاء البلدان المتوسطية ، تم اختيار 16 مشروعا منها فقط، للتقدم الي المسابقة ، حيث قامت لجنة مكونة من السينمائيين المحترفين بمناقشة مخرجيها ، الذين دعاهم المهرجان للحضور، ووزعت جوائزها في حفل الختام..

اما افلام السينما العربية في مونبلييه فقد حضرت علي استيحاء، من خلال فيلم لبناني ردييء بعنوان " اطلال " لغسان سهلب في مسابقة الافلام الروائية الطويلة، ولم يكن في رأينا يستحق الاختيار والمشاركة، وسنعرض له لاحقا ونشرح الاسباب، لكنها دخلت من خلال فيلم تهاني راشد مسابقة الافلام التسجيلية بعمل قوي ومتميز، بعدما عرض «البنات دول " في مهرجان " كان " السينمائي 59، وحصد اعجاب الجمهور والنقاد، ثم فاز بالعديد من الجوائز في مهرجانات اخري كثيرة، من ضمنها بينالي السينما العربية السابع الذي عقد في يونيو الماضي في باريس. كما شاركت السينما العربية ايضا في مسابقة الافلام التسجيلية بفيلم " السقف " للفلسطيني محمد الجعفري، وشارك فيلم " رحلة الي نهاية العالم " للسوري محمد الرومي في مسابقة الفيلم القصير..

البنات دول يتقاسمن الجائزة

والجدير بالذكر ان المخرجة المصرية تهاني راشد التي يحكي فيلمها «البنات دول " عن فتيات الشوارع الضالات المشردات، اللواتي يعشن بلا مستقبل علي رصيف الشارع المصري، واعدادهن في تزايد بسبب الاوضاع الاقتصادية المتدنية، ومشاكل ومتناقضات المجتمع المصري المتفاقمة، من تخلف وبؤس وفقر، وعدت بعد أن فاز فيلمها بجائزة " عوليس " لأحسن فيلم تسجيلي - انظر قائمة الجوائز - أن توزع جائزتها المالية وقدرها 3000 يورو عليهن عند عودتها الي البلاد، فلولاهن، ولولا تعاطفهن وتعاونهن معها، كما قالت عند تسلم الجائزة، ما كانت صنعت فيلمها المتميز ذاك الذي شاهدناه في " كان " السينمائي 59 وكتبنا عنه، والجميل في مهرجان مونبلييه كما يقول جان فرانسوا بورجو المدير العام للمهرجان : " اننا نعتبر الاخبار التي تحملها لنا الافلام، أهم بكثير، وأكثر واقعية ومصداقية من الاخبار التي تبث علي شاشة التليفزيون في نشرات الاخبار، وعلي الرغم من معرفتنا بأن تلك الافلام الروائية، هي من صنع المخيلة المتوسطية السينمائية، أي انها من صنع الخيال والاحلام والمشاكل والطموحات النبيلة لافراد عائلة المتوسط الكبيرة في تركيا ومصر، وفرنسا واسبانيا وايطاليا ولبنان، وغيرها، وبكل ما في بلدان تلك المنطقة الملتهبة من جروح وحروب، ومآس وويلات. وكان عمدة مونبلييه الاشتراكي جورج فريش نبه في كلمته في حفل الختام، الي قسوة هيمنة السينما الامريكية علي أسواق العالم، بما في ذلك فرنسا ، علي الرغم من وجود افلام امريكية جد رائعة ومتميزة كما ذكر، وأشار الي اهمية اضطلاع مهرجان مونبلييه مستقبلا ببرمجة الافلام المتوسطية، وفتح سوقا لها في فرنسا، والاشراف بنفسه علي توزيعها ،حتي لاتظل تعرض فقط في تلك المهرجانات ، وتحصد فيها الجوائز، ثم تبقي حبيسة العلب، وعلي المهرجان كما أشار، أن يبحث مستقبلا عن افضل السبل الممكنة لتوزيعها داخل البلاد..

جوائز المهرجان

في مسابقة الافلام الروائية الطويلة:

Ø    منحت لجنة التحكيم برئاسة المخرج الايطالي الكبير جيان فرانكو منكوزي جائزة المهرجان الكبري " الانتيجون الذهبية لمدينة مونبلييه " الي La Route Des Pastequesالفيلم الكرواتي " درب البطيخ " لبرانكو شميت.

Ø    قيمة الجائزة 15 الف يورو تمنح للمخرج، و30 الف يورو منحة توزيع، تمنح للموزع لتوزيع الفيلم في فرنسا ، و2300 يورو منحة لترجمة الفيلم..

Ø       كما منحت اللجنة جائزة تقديرية للفيلم التركي Des Tempe Des «Vents» أوقات ورياح " اخراج اريحا ارديم

Ø       منحت لجنة تحكيم النقاد جائزة احسن فيلم ( بقيمة 2000 يورو ) للفيلم الايطالي " مثل ظل " للمخرجة مارينا سبيد.

Ø    جائزة الجمهور( 4000 يورو ) : منحت للفيلم الاسباني " المعزولون " لدافيد ماركيه > جائزة أحسن موسيقي ( 1200 يورو ) : منحت للفيلم الكرواتي " درب البطيخ " الحاصل علي " انتيجون الذهبية "..

Ø       جائزة اذاعة ومجلة نوفا( اعلانات مجانية عند خروج الفيلم للعرض في فرنسا ) : منحت للفيلم التركي " أوقات ورياح "..

Ø    جائزة الجمهور الشاب ( 1500 يورو ) : منحت للفيلم التركي " أوقات ورياح " .. > جائزة الدعم التقني ( خدمات تقنية بقيمة 4500 يورو ) : منحت للفيلم الاسباني " ايام في اغسطس " لمارك ريشا..

في مسابقة الافلام التسجيلية:

Ø    منحت لجنة تحكيم الافلام التسجيلية جائزتها الكبري" عوليس " (3000 يورو ) لفيلمCes Filles-La " البنات دول " للمخرجة المصرية تهاني راشد..

Ø       ومنحت اللجنة جائزة تقديرية لفيلم " السقف " للفلسطيني كمال الجعفري

في مسابقة الافلام القصيرة:

Ø    فاز الفيلم السوري " رحلة الي نهاية العالم " لمحمد الرومي بجائزة سينيه سينما سينيه كور وتمنحها محطة تليفزيون خاصة لتوزيع الافلام، وستشتري الفيلم وتعرضه ضمن برنامجها المخصص لعرض الافلام القصيرة

في مسابقة دعم السيناريو:

Ø       فاز مشروع سيناريو فيلم " احك لي ياابراهيم حكايتك " للبناني شادي زين الدين بجائزة من الجوائز الخمس وقيمتها سبعة الآف يورو.

Ø       وحصل فيلم " شتي يا دنيا " للبناني بهيج حجيج علي جائزة تقديرية..  

جريدة القاهرة في 21 نوفمبر 2006

محمود قاسم يكتب:

«لعبة الحب».. سهرة تليفزيونية أو إذاعية يمكن أن تستمع إليها وأنت نائم!  

> الفيلم قطعة سكر سرعان ما تذوب في الفم وتعتمد فقط علي الحوار

> الأفيش مسروق عمدا من فيلم أمريكا والشخصيات بلا جذور

> الطريقة الدائرية في الحكي عمرها أربعين عاما.. والفيلم يبعث علي الملل لأنه يسير علي وتيرة واحدة  

أول ما يقابلك في فيلم «لعبة الحب» لمحمد علي في أول أفلامه الروائية هو تصميم الأفيش المسروق عمدا من الفيلم الأمريكي الحديث «كيف تفقدين شابا في عشرة أيام».

وتأتي غرابة هذه السرقة في أننا أمام فيلم ينتجه جهاز السينما وأن صانعه مخرج شاب، هو بالطبع مسئول عن تصميم الأفيش ووافق عليه، خاصة أن الأفيش الأمريكي لايزال عالقا بذهن الناس حيث حل خالد أبوالنجا مكان بازيك بالجنواي وحلت صورة هند صبري مكان كيت هدسون. لكن دعنا من الأفيش فهذه مسألة جانبية تماما، فمن الواضح أيضا أن «لعبة الحب» يعزف النغمة نفسها التي عزفت عليها بقوة أفلام أمريكية في الفترة الأخيرة وهي العودة إلي الرومانسية ومنها الفيلم المذكور ففي «لعبة الحب» لا نكاد نخرج عن واحد من الأفلام الكثيرة التي تزاحم بها قاعات العرض وتنتهي جميعها بانتصار الحب علي كافة المشاكل الأخري مع بداية القرن وهي تقوم علي مقالب ولحظات ملل، وأبطالها أناس يحلقون في عوالم سامية ليست لهم علاقات بالسياسة ولا بما يحدث في العالم من حولنا فتمثل هذه الأفلام حالة هروبية مما نراه كل لحظة من عنف ودماء في نشرات الأخبار.

وقبل أن نتناول الفيلم فقد خيل إلي وأنا أشاهده أنه لا يتعدي أن يكون سهرة تليفزيونية قليلة التكاليف بسيطة الموضوع إن لم يكن سهرة إذاعية لا تزيد علي أنها «قطعة سكر» سرعان ما تذوب في الفم تعتمد علي الحوار وهو هنا أروع ما في الفيلم ـ ويمكنك أن تستمع إلي الفيلم وأنت مغمض العينين ونائم.

أبطال بلا جذور

أما أبطال الفيلم فهم مثلما نري دوما في السينما المصرية فإنهم بلا جذور لا نعرف لهم أسر أو عائلات وهم يعيشون في أماكن بلا معاناة أو مشاكل وكل متاعبهم هي الملل، رغم الحب الشديد الذي يربط فيما بينهم مثل الصداقة وما شابه.

وإذا كانت أغلب قصص الأفلام الرومانسية في السنوات الأخيرة قد خرجت من جعبة «سهر الليالي» مثل «حب البنات» و«عن العشق والهوي» و«كلام في الحب» و«لعبة الحب» لا يتعدي أن يكون فصلا صغيرا من «سهر الليالي» باعتبار أننا في هذا الفيلم عشنا مع أربع قصص حب متوازية أما في «لعبة الحب» فإننا أمام قصة واحدة وأن القصص الأخري مثل قصة «سمر» تخدم أساسا قصة الحب الأساسية في الفيلم بين ليلي وعمر.. هي قصة بسيطة تحتاج إلي المزيد من التفاصيل فحسب ما عرفنا فإن هناك علاقة قديمة ربطت منذ سنوات بين الزميلين عصام «خالد أبوالنجا» وليلي «هند صبري» وقد مزج الفيلم بين لقاء قديم تم بين الاثنين في محطة قطار... ثم بين لقاء تم في بداية عودة العلاقة وذلك في أكثر مشاهد الفيلم حيوية ففي اللقاء الأول بدت مشاعر عمر وهو يشعر بالغيرة من رجل آخر تحدثت معه ليلي، وهو يتركها خارج العربة المكيفة كي تدخن يخرج إليها ثم يعود.

أما اللقاء الجديد فيتم في محطة القطار نفسها وفي ظروف مشابهة جدا وسوف نري أن خاتمة الفيلم قد تم نسخها كربونيا عن قصد.

من هذا اللقاء الثاني: تسأل مسافر واللا مستني حد.. فيرد عليها أنه يحمل حقيبة فلابد أنه مسافر وكلاهما متجه إلي الإسكندرية كما أنها تتذكر فجأة أنها لم تشتر تذكرة فتسرع إلي شباك التذاكر وتتجاوز الطابور مما يؤدي إلي مشادة بينها وبين البعض في الطابور فيتدخل عمر كصديق شهم وينال علقة ساخنة.

طريقة دائرية

وهذه الطريقة الدائرية في الحكي عمرها الآن بالنسبة لي أربعون عاما وقد رأيتها لأول مرة في الفيلم التونسي «حبي حبي» إخراج نادين ترنينيان ومن الواضح أنها لاتزال تلقي صدي لدي المتفرج فقد شاهدتها في الفترة الأخيرة أكثر من مرة أي إنها النهاية تكون مماثلة تماما للبداية وكأننا سوف نبدأ من جديد.

والغريب أنه بعد هذا الاستهلاك المليء بالحيوية فإن الفيلم صار حال مثل حال العلاقة بين عصام وزوجته حنان «بسمة» مليء بالملل والوتيرة الواحدة يستحق الطلاق البائن، رغم الأداء الجيد من هند صبري وخالد أبوالنجا وأيضا باستثناء شخصية بليغ التي استعانت به ليلي ليؤدي دور حبيبها.

من الواضح أن ليلي قد استمدت مواقفها تجاه طبيب الأسنان الذي تحبه وتتردد علي بيته من خلال حكي سمر لها عن علاقتها بإبراهيم وترددها في الزواج منه ثم وجود شخص ثان في حياتها وظهور ابن الخال بليغ تردد سمر أنها الآن في السابعة والعشرين مما يدفع بليلي أن تبدأ في حسم علاقتها بحبيبها فهي أيضا حسب السيناريو تود أن تتزوج وتعرض عليه أن يحسم الأمر بطريقة أقرب إلي الإلحاح لدرجة أنها تدخل عليه عيادته أثناء عمله، كي تسأله عن رأيه ويحدث هذا بتقاطع مع صعود حدة الخلافات بين حنان وعصام، فكلتا العلاقتان تتفسخان مما يوحي لك أن هناك علاقة جيدة سوف تتولد بين طرفين هما ليلي وعصام اللذان يجمع بينهما عمل جديد في إحدي شركات تصميم الأزياء، وفي مشاهد مكثفة تبدو الأحداث وهي تتحرك وفقا للعلاقة الجديدة.

نحن إذن أمام طرفين كل منهما في حالة مخاض انتظارا لتجربة جديدة ويعيدنا هذا إلي مسألة الحكايات المتوازية في «سهر الليالي» مما يعني أن الأمور تتم فيما يشبه الشكل الهندسي ومما يجعلنا نفتقد تلقائية الحياة.

مثل قيام عصام مناداة زوجته باسم ليلي، مما يجعلها تقاطع زوجها وأيضا قيام ليلي بمناداة عمر «لو ماسكتش يا عصام ح أرميك جوه العربية» فيردد: «أنا مش عصام أنا عمر». وعلي مستوي آخر فإن هند تختار أن تكذب علي عصام بأنها معقود قرانها بدون أي سبب واضح ربما لمجرد أن يسير السيناريو في طريقه نحو تصنيع علاقة متعمدة بين ليلي وعصام.

جفاء شديد

وعلي جانب آخر فإن الفيلم صور الجفاء الشديد بين عصام وزوجته في أكثر من مشهد يبدو كل طرف كأنه لم يعد يحتمل الآخر بأي شكل ورغم ذلك فإنه عندما يغادر عصام البيت إلي بيت أعده له رئيسه في العمل فإن حنان تشعر بالقلق علي زوجها وتدبر لقاء بينهما وتذهب إليه لتعترف له أنها دائما عملت علي طاعته لتكون الزوجة المثالية وكي تمشي أمور البيت «تركت العمل وارتديت ما تحب من ملابس كي أرضيك» و «بطل يتفرج علي حياتك كأنها فيلم ليس له دور فيه».

بالمناسبة الحوار الأدبي الموجود هنا لو أنه موجود في رواية لجعل منها نصا بالغ الأهمية لكنه هنا يبدو في غير مكانه وهو ينطق علي ألسنة أبطال الفيلم بنفس المنطوق وذلك مع وجود بعض الاستثناءات «لو اللي ح يريح ورقة الجواز ياللا نتجوز» فهو ليس حوار عشاق ولكنه حوار كاتب سيناريو سجله علي الورق وصالح لنص روائي.

من المشاهد الجميلة بين عصام وزوجته أن ليلي تنصحه أن يرسل للزوجة باقة ورد وأن يذهب لمصالحتها بعد وصول الباقة بقليل، حيث قد تكون المرأة مؤهلة للعتاب والمصالحة لكن بعد أن يخرج عصام من البيت يفاجأ أن حامل الورد قد وصل متأخرا فيلقي في وجهه بالباقة.

ومن الواضح أن العشاق هنا أو كل الأطراف غير متوافقة حتي عصام وليلي ورغم ذلك فإن بعض الحياة تمشي لدي ثنائي بينما يبدو البعض الآخر وقد صار لا يحتمل شريكه فبليغ شخص لا يطاق رغم ذلك اضطرت سمر إلي أن تقبله بعد فشل تجربة سابقة سطحية أما عصام فإنه يبدو في أغلب الأحوال متنافرا مع ليلي خاصة في مشاهد القطار لكنه يحاول الوقوف بجانبها في العمل باعتبار أنه المكان الذي يجمعهما أو يعيد شملهما معا.

وفي الفيلم مشاهد دافئة حين يذهب عصام إلي شقة ليلي بعد أن دعته لزيارتها لاحتساء شوربة عدس فيفاجئ أنها دعت إلي البيت أشخاص آخرين منهم رئيسهما في العمل وبليغ وسمر فيردد لها في تودد «حبيت نكون لوحدنا».. ما يعني أن التقارب لم يأت مهرولا ولا من أول خطوة.

هذا التقارب البطيء يبدو كأنه التبرير الوحيد للموقف الذي سيتخذه عصام بالانفصال عن زوجته ودون أن نعرف كيف تم الطلاق بعد هذا الحوار الطويل الذي رددته حنان، محاولة به استعطاف عصام ولاشك أن الاختصار هنا لم يكن لمصلحة النص، حتي وإن عرفنا أن بطلنا قد صار حرا.

حل أمريكي

قد نتقبل هذا الحل إذا كنا في فيلم أوروبي أو أمريكي لكن لا يعني في عالمنا الشرقي قيام علاقة جديدة أنها ستقوم علي أنقاض علاقة قديمة في أسعد رجل حظا في حياته مثل هاتين المرأتين. وبنفس المفهوم بدا موقف عصام عقب قضائه ليلة في منزل ليلي غير مقبول فهو يشرب الخمر ويفقد توازنه فتأخذه معها إلي منزلها ويبدو العشاق هنا في وسط مأزق عاطفي يتم حله عن طريق قضاء الليل في منزلها، ومن المعروف أن ليلي كانت تعاشر حبيبها الأول معاشرة الأزواج لكن لم تكن هناك إشارة إلي أن عصام قد صدم في ذلك بدليل أنه رجع إليها وانطلق يبحث عنها عندما علم بسفرها إلي الإسكندرية فيما يسمي «لحاق اللحظة الأخيرة».

موقف عصام كان غريبا وهو لا يرد علي الهاتف ثم حين تأتيه حالة من الشرود غير المبرر حتي لنا كمتفرجين فهو يردد عليها بجفاء ملحوظ: «خلينا نتكلم في يوم تاني» ثم مثلما هو انقلب فجأة تجده يطاردها عندما تقرر السفر ويتكرر المشهد الدائري السابق الإشارة إليه.

كل هذه الدوائر من التفاصيل المملة المكررة تجعلنا ندرك أن لعبة الحب تعني عند صناع الفيلم «ملل الحب» و«ملل المشاهدة» والحقيقة أنه لولا بليغ والبواب ما احتملنا الفيلم فقد تمت صياغة الشخصيتين بما يجعل العلاقة بين البواب وليلي جديدة تماما فيما نشاهده من أفلام، وأيضا في الواقع وقد أتاح التركيب الدرامي للشخصيتين: بليغ والبواب أن يغري الممثلان الجديدان اللذان أسندا اليهما الدوران أن يكونا في أحسن حال مما يعني أن المخرج محمد علي هو واحد من الجيل الجديد الذي يعرف كيف يدير ممثليه بشكل جيد، وقد فعل ذلك أيضا مع بشري بالإضافة إلي هند صبري وخالد أبوالنجا.

جريدة القاهرة في 21 نوفمبر 2006

 

سينماتك

 

صلاح هاشم يكتب من باريس:

السينما العربية تتألق في مهرجان «مونبلييه» دون صخب

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك