ما زال كتاب "قصة الخيالة العربية الليبية" لمؤلفه الكاتب والمخرج الراحل محمد على الفرجاني، يعد المرجع الرئيسى لتجربة السينما فى ليبيا، ورغم أن مشروع هذه السينما لم يتقدم بخطوات جيدة، منذ البدايات وحتى الآن، فإن أى كتاب يصدر ليسجل خطواتها الوئيدة مسألة ضرورية لا بد منها للتوثيق وتدبر الأمور الأساسية أحيانا لخلق بدايات أخرى جديدة يمكن ان تحدث فى أية لحظة.

ما زال هذا الكتاب هو المرجع الرئيسي، رغم وجود عشرات المقالات المبعثرة التى تحاول أن تتعامل مع هذه السينما، وهذا يعد من الإيجابيات الكثيرة التى قدمها المخرج الراحل للقراء والمشاهدين.

لقد أصدر محمد الفرجانى فى السابق كتابين عن الدار العربية للكتاب.. الأول بعنوان: "تاريخ الخيالة التسجيلية"، والكتاب الثانى بعنوان "فن الشريط التسجيلي". وفى الأصل كان الكتابان موضوعا لرسالة ماجستير اعدها الكاتب فى مصر حول الخيالة التسجيلية وكانت بعنوان: "تطور الاساليب الفنية للسينما التسجيلية وأثر ذلك فى نهضة الفيلم التسجيلي" عام 1974.

قصة الخيالة لها مراحل

للكاتب الراحل ايضا عدد من المقالات المتفرقة التى نشرها فى بعض الدوريات والمجلات، وهى تستحق أن تجمع فى كتاب جديد، وخصوصا ما يتعلق منها بتلك الموضوعات التى تمس تجربته فى الإخراج السينمائي.

والحقيقة أن فكرة إصدار هذا الكتاب "قصة الخيالة العربية الليبية" ترجع الى سنوات سابقة، فقد أعده الكاتب فى البداية اعتمادا على تكليف إدارى لجمع وتنظيم المعلومات الخاصة بالتجربة السينمائية فى ليبيا، ثم تطور الأمر إلى كتاب مستقل، وبقيت المقدمة الدالة على تاريخ البداية كما هي، وهى التى كتبها مدير عام الشركة العامة للخيالة سابقا وهو المهندس البخارى سالم حودة عام 1976، حيث نلمس ذلك الشعور بالعمل فى مشروع تأسيسى سينمائى مهم، ولهذا جاء قوله منسجما مع تجربة البداية:

لقد غيبنا دور الخيالة فى حياتنا الفنية والثقافية، أعطيناها ظهرنا... فأصبنا العاملين فيها بالاحباط الشديد وهم الذين حاولوا بكل شوق الابداع الكامن داخلهم الى خلق بدايات واعدة.. لقد وضعوا خطوتهم الأولى فى رحلة الألف ميل، وهم لا زالوا يعاندون المستحيل من أجل خطوة أخرى وأخرى وأخرى .

لم يطبع الكتاب طيلة الفترة السابقة ولم يجد ناشرا يتولى أمر نشره، الى أن طبع عن طريق الشركة العامة للخيالة باعتبارها الجهة التى يهمها شأن السينما فى ليبيا وهى الشركة التى تمت تصفيتها بشكل نهائي.

وعلى هذا الأساس، فقد احتوى الكتاب على بعض المقدمات. منها ما جاء على غلاف الكتاب الخلفى للناقد الراحل سليمان كشلاف، وهى كلمة تحاول أن تضع كاتب الكتاب فى وضعه الطبيعى المهم من حيث قيمته الفنية: إن محمند على الفرجانى ليس مجرد صفحة عابرة، لكنه أحد الركائز المهمة فى تقدم وتطور صناعة الخيالة فى ليبيا، مهما كان المستوى الموجود عليه الآن، ومهما كانت محدودية الأعمال التى قدمت .

نترك الكاتب ونهتم بالكتاب، حيث سنجد أن المؤلف قد قسم موضوعاته المختارة الى قسمين: المرحلة الأولى تشمل زمن ما قبل تاريخ انشاء المؤسسة العامة للخيالة 1973، والمرحلة الثانية تشمل زمن ما بعد ذلك والى حين صدور الكتاب.

وبالطبع جاءت المرحلة الأولى فى صورة سريعة من حيث العرض، بسبب عدم توفر المعلومات الكثيرة، وبسبب قلة الانتاج، وايضا لا بد من القول بأن الهدف الرئيسى للكتاب هو رصد تجربة السينما فى ليبيا من خلال ما قامت به المؤسسة العامة للخيالة ثم الشركة نفسها من الجانب الفنى والادارى والانتاج.

دور عرض كثيرة

يقول الكاتب إن أول دار عرض تأسست بطرابلس ترجع الى ما قبل 1911، أى خلال فترة العهد العثمانى الثاني، وقد عرفت دار العرض هذه باسم "سينماتوغراف باب البحر" وكان مدخلها قوس ماركوس أوريليوس المعروف، وبسبب ذلك قام الإيطاليون بهدمها مع المنازل المجاورة حتى لا تغطى معالم القوس الرومانى التاريخي.

من جانب آخر تعرض الكاتب أيضا الى عروض واستيراد الاشرطة، ولا سيما وأن العديد من دور العرض قد شيدت فى طرابلس وبنغازى خلال حقبة الاستيطان الإيطالى بطرابلس.

وهنا يقول الكاتب نظريا إن عروض خيال الظل القديمة كانت تعرض فى قاعات بسيطة، ثم تطورت هذه القاعات بعد ذلك لتصبح قاعات رئيسية تعرض الأشرطة الصامتة والجرائد المصورة التى اختارتها إيطاليا للعرض وخصوصا للجالية الإيطالية، ومن ذلك دار عرض "الغرياني" فى طرابلس ودار عرض "الخمس القديمة" بمدينة الخمس.

ويذكر الكاتب أسماء بعض دور العرض ومنها: "البرنيتشي" فى بنغازي، و"الماريماريو" فى ساحة الشهداء، ودار عرض الهمبرا، ودار عرض الرشيد، والغزالة، والرويال، والنصر، والقابي، وغيرها. ومن ضمن ما يذكره الكاتب أن هناك عروضا أخرى كانت تقيمها مراكز القواعد الاجنبية ولا سيما قاعدة الملاحة الأمريكية، وفضلا عن المراكز الثقافية التى كانت تعرض الأشرطة والمركز الثقافى العربى الوحدوى كان المركز الثقافى المصري.

ولا يقدم الكاتب صورا دالة على ذلك، كما لا توجد بيانات يمكن أن تكشف عن نوعية العروض المقدمة، خصوصا وان شركات النفط كانت مهتمة بالعروض السينمائية للعاملين فيها، وكذلك كانت العروض العامة تنظم بشكل أسبوعى عن طريق السيارات المتنقلة للجمهور فى أماكن لا توجد بها دور عرض.

أقسام خاصة للسينما

يقول الكاتب، وقد عاصر بنفسه تلك المرحلة، إن قسما للسينما قد تأسس عام 1959 ويتبع "وزارة الأنباء والارشاد" يتولى مهمة الإنتاج والعرض.

أيضا هناك اقسام للسينما فى وزارات أخرى مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة، وايضا فى بعض المحافظات الرئيسية.

هناك إشارات سريعة يقدمها الكاتب، لا تعنى بالغرض مثل ذكره لنوعية الأشرطة المعروضة دون توسع فى ذلك وكذلك وجود دور عرض صيفية مثل ارنيا جاردينا، ودرنة الصيفي، ومدى اقبال الجمهور على دور العرض.

بالنسبة للإنتاج، لم تشهد مرحلة "ما قبل إنشاء المؤسسة العامة للخيالة" الا تقديم بعض الأشرطة الوثائقية، ومنها الجريدة الناطقة المصورة وهى جريدة وطنية حاولت أن تكون بديلا وطنيا للجريدة الايطالية "ليبيا اليوم" والتى صدر منها العديد من الاعداد لخدمة المشروعات الايطالية فى ليبيا.

من جانب آخر صورت الكثير من الاشرطة الوثائقية السياحية ذات الطابع الدعائى من قبل اقسام الخيالة الرسمية، وبتنفيذ من قبل شركات اجنبية، من ذلك مثلا شريط "طرابلس عروس البحر"، وشريط "غدامس درة الصحراء"، و شريط "حياة فى الصحراء"، وشريط "واحات من رخام" وكل ذلك تم بداية الستينيات.

كما أن الصحراء الليبية قد اختارتها شركات هوليوود لتكون مواقع لتصوير بعض أشرطة المغامرات، مثل شريط "تمبكتو" وشريط "الخيمة السوداء".

أما الأشرطة الإيطالية وخصوصا الحربية منها فقد كانت كثيرة ومتنوعة ولكن الصحراء وحدها كانت المكان المناسب لتلك الأشرطة وبالتالى لم تظهر باقى المدن والقوى الليبية إلا فى حدود ضيقة.

ويسجل الكاتب باختصار اهم معالم تلك الفترة، ومنها تصوير حوالى 80 شريطا تسجيليا، وإنشاء معمل "أسود وأبيض" وتأسيس مكتبة تضم كل الأشرطة الليبية.

محاولات إنتاجية

ومما يذكره المؤلف أن محاولة أولى لتصوير شريط روائى قصير قد انتهت سلبيا والمقصود "صائد الحوت" لمخرجه محمد الفرجانى 1967 حيث تعرض عند طبع الشريط فى الخارج، للتلف التام.

يقول الكاتب إن أول محاولة لتنفيذ شريط روائى طويل، قد تمت عام 1970 وقامت بها الشركة الليبية للإنتاج السينمائى وهى شركة خاصة لصاحبها المنتج على الهلودى ولكن التجربة توقفت فى بدايتها الأولي.

أما التجربة التى تحققت فعليا، فقد تمثلت فى شريط "عندما يقسو القدر" إنتاج الشركة الليبية للإنتاج السينمائى عام 1973 ومن إخراج عبد الله الزروق، وكان أول شريط ليبى يعرض رغم أن بدايات تنفيذه ترجع إلى قبل ذلك بسنوات.

ويذكر المؤلف أن شريط "الطريق" قد أنتجته "ادارة السينما" عام 1973 وهو للمخرج محمد يوسف شعبان.

أما شركة الشرق للأعمال السينمائية، وهى شركة ليبية خاصة فقد عملت فى مصر وأنتجت بعض الأشرطة منها شريط "كلمة شرف" وكذلك شريط "أبو ربيع" هذا ما يقوله المؤلف، والحقيقة أن شركة الشرق مصرية الترخيص ولكن صاحبها الرئيسى ليبي.

المرحلة الثانية التى رصدها المؤلف تمتد من عام 1973 إلى ما بعد ذلك بسنوات أى من تاريخ تأسيس المؤسسة العامة للخيالة 1973. ولقد أشار المؤلف الى أهداف التأسيس والرسم الهيكلى للمؤسسة وبعض المعلومات حول إنشاء بعض دور العرض جديدة وكذلك تبعية كل دور العرض إلى المؤسسة، ثم لتصبح بعد ذلك المؤسسة هى المسؤولة عن كل النشاط السينمائى من إنتاج وتوزيع ورقابة وغيرها.

يهتم الكاتب بتفاصيل كثيرة ذات طابع إدارى ومنها تغيير التسمية من مؤسسة الى شركة، ثم الدمج مع شركة الخدمات الاعلامية، والانفصال عنها بعد شهور قليلة.

جداول وإحصائيات

ما هو مفيد فى هذا الكتاب "قصة الخيالة العربية الليبية" وجود جداول لدور العرض فى كل ليبيا وتواريخ إنشاء هذه الدور، حيث نعلم أن دور العرض العاملة قد وصلت فى بعض سنوات الستينيات الى أكثر من أربعين قاعة عرض. ومن هذه السينمات نذكر دار عرض ماريماريو رسالينوس، وبيرينتي، وبايوكي، وريفولى الصيفي، والكورسو، وليستي، وحديقة تشيركور بلازا، وقابى الصغيرة والكبيرة، والودان، والهمبرا، والرشيد. وهناك ايضا أوديون فى المتروبول، ورويال، وريكس، ولوكس، وبيانكي، وجودايم، والنهضة، والشرق، والبركة، واكس، وهايتي، والجلاء، والزهرة، والاتحاد، والاهلي، وحلمي، والفردوس، وغير ذلك من دور العرض والتى صارت تحمل اسماء مختلفة عربية، كما أن اكثرها قد تحول الى مخازن ومقار لجمعيات وفرق مسرحية.

ومن خلال تتبع الجداول سوف نجد أن عدد دور العرض قد تناقص على المستوى الكلى حتى وصل الى 20 دار عرض فقط عام 1996.

ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى تناول مجالات إنتاج الأشرطة التسجيلية والتى قامت بها المؤسسة ثم الشركة العامة للخيالة، وهى أشرطة قد تم تنفيذها لمصلحة مؤسسات عامة. وفى الكتاب كشوفات لاسماء هذه الاشرطة وذكر الجهة المنتجة وبيان تعريفى بالشريط مع ذكر المصور والمخرج، وسنجد أن الاشرطة مقسمة على مجالات الزراعة والصناعة والاعلام واكثرها تغطية بالسينما لبعض الاحداث والاحتفالات والمناسبات العامة. ويكفى أن نذكر بعض أسماء هذه الأشرطة لنعرف نوعيتها.. لأنها ذات طابع توثيقي، وفى الحقيقة كان عدد الأشرطة كبيرا وشاملا واستفاد منها ذوو الاختصاص التقنى من المتدربين وبخبرات محلية، وكذلك تمت الاستعانة ببعض العناصر من مصر والجزائر ويوغسلافيا وفيرهم.

وبشكل عام، واذا اضفنا الجريدة المصورة باعدادها المتنوعة يمكن ان نقول إن الاشرطة التسجيلية المنتجة قد وصل عددها الى اكثر من 300 شريط.

أشرطة روائية

فى محور آخر يتطرق المؤلف إلى مجال إنتاج الأشرطة الروائية وهى الأشرطة التى أنتجتها المؤسسة العامة للخيالة ومن ذلك شريط "الضوء الأخضر" للمخرج المغربى عبد الله المصباحي، وقد شارك فيه عدد من الفنانين من معظم الدول العربية المعروفة فنيا مثل مصر وتونس والمغرب وقد عرض هذا الشريط فى عام 1976.

ومن الأشرطة المشتركة الانتاج شريط "السفراء" للمخرج التونسى ناصر القطارى انتاج عام 1975.

كما أن المؤلف ذكر بعض الاشرطة الاخرى والتى تدخل ضمن الانتاج المشترك فعليا، مثل شريط "أين تخبئون الشمس" لمخرجه عبد الله المصباحى ولكن المخرج لم يكمل عمله وأكمله الممثل نور الشريف بطل الشريط، ولم يذكر المؤلف الشريط الروسى الليبى المشترك "الذاكرة".

وأشار المؤلف الى بعض الأشرطة المنتجة، ومن ذلك شريط "معركة تاقرفت" الروائى التاريخى الطويل، وهو الشريط الذى اشترك فى إخراجه كل من مصطفى خشيم ومحمود عياد ديرزة. وكان ذلك عام 1981.

ومن ضمن الأشرطة الروائية المذكورة شريط "الشظية" لمخرجه محمد على الفرجاني، إنتاج عام 1984، وهو روائى طويل من إنتاج الشركة العامة للخيالة.

وبالطبع لم يذكر الكاتب شريط "معزوفة المطر" وهو ايضا شريط روائى طويل لأن انتاجه كان متأخرا عام 1993 وقد اخرجه المخرج عبد الله الزروق.

ومن ناحية أخرى ذكر المؤلف بعض المعلومات حول أشرطة لم تستكمل مثل "الحب فى الازقة الضيقة" ـ "يوم فى حياة بئر" ـ "رسالة لم تصل" ـ "الذكريات".

ومن إيجابيات الكتاب وجود قائمة بالأشرطة الليبية التى نالت جوائز فى مهرجانات سينمائية مختلفة مثل شريط "صبرا وشاتيلا"، وشريط "السفراء"، وشريط "الشظية".

وبالطبع لم يتوسع الكاتب فى استعراض الأشرطة، ولم يتناولها بالنقد، ولم يقدم فيها أى رأي، بحكم ان الكتاب المعد يخدم أهدافا إعلامية، بقصد التعريف بأعمال الشركة العامة للخيالة، وليس هناك أى هدف آخر ثقافى أو فكرى أو نقدى يعلو على ذلك الا فى حدود المعلومات القيمة المطروحة.

فى آخر الكتاب هناك معلومات حول الكيفية التى تراقب بها الأشرطة والقوانين الرقابية واللوائح الخاصة بالإنتاج والتوزيع والعرض، وكذلك اللوائح الخاصة بالقطاع الخاص وطريقة استيراد وعرض الاشرطة وذلك منذ عام 1947 الى عام 1990.

هناك أيضا عرض للدورات المحلية فى مجال الخيالة وكذلك البعثات الخارجية، وكما قلنا فإن الجانب الإدارى هو الطاغى على هذه الفصول الأخيرة. واذا قلنا إن مثل هذه المعلومات ليست مهمة بالنسبة للقارئ العادي، فإن التوثيق لها يعد من القضايا المهمة. حسبما أشير فى المقدمة فإن هناك معلومات اخرى حذفت لها اعتبارات زمنية، بقصد التخفيف من وطأة المعلومات الكثيرة التى جاءت فى الكتاب.

بالطبع يحقق الكتاب أهدافا كثيرة، ولكن الحاجة الى كتاب آخر من منظور مختلف، مسألة مهمة ايضا، لا تبطل الجهد الكبير التنظيمى الذى أسس له الكاتب والمخرج الراحل محمد على الفرجانى المعروف بدقة معلوماته وجديته وتوسعه فى كل ما يتناول من موضوعات.

العرب أنلاين في 20 نوفمبر 2006

ألف وجه لألف عام - «الأجمل» للوكينو فيسكونتي: خدعة النجومية وعالم الاستعراض

إبراهيم العريس 

هل هناك «حياة» بعد الاستعراض، أو بالأحرى بعد النجومية؟ ما هي الإجابة الممكنة في كل مرة يطرح فيها السؤال الشائك: أين صاروا الآن؟ نتحدث هنا عن أولئك «النجوم» الذين تحدث عنهم، ومن موقعين مختلفين الأميركي اندي وارهول والفرنسي غي ديبور، فنانا وفيلسوفا النجومية وشريعة الاستعراض. الأول قال مرة ان كل انسان معرّض في حياته الى ان يكون نجماً ولو لربع ساعة. والثاني حدد مكان هذه النجومية: عالم الاستعراض. في فيلمه الرائع «ماغنوليا» يصوّر لنا المخرج الأميركي توماس بول اندرسون، المصير البائس لمن كان ذات يوم طفلاً وفاز في مسابقة تلفزيونية جعلته لفترة شهيراً، ثم زالت تلك الشهرة، وبقي هو الى الأبد يعاني زوالها. من هنا يأتي السؤال الذي افتتح هذا الكلام: كيف يعيش كل أولئك الذين يفوزون على شاشة التلفزة أو يظهرون خطفاً ليختفوا بعد ذلك يعانون وحدهم العودة الى ظلمة الحياة العادية، بعد أضواء «الساحر الصغير». ومن هذا السؤال ينبع آخر: لماذا، أصلاً، يريد كثر ان يصبحوا «نجوماً» ولو لربع ساعة؟ في أيامنا هذه تكثر الدراسات والأعمال الفنية والأدبية التي تعالج هذا الموضوع. وكثر يعتقدون الدنو منه أمراً جديداً. لكننا إذا عدنا أكثر من نصف قرن الى الوراء، سنجد المخرج الإيطالي الكبير لوكينو فيسكونتي، الراحل بعد ذلك بربع قرن، يدنو من هذه الحكاية، وفي كل ما يمكنه من قسوة في فيلم رائد في هذا المجال هو «الأجمل» (بلّيسيما) الذي كان ثالث فيلم يحققه في مسار سينمائي بدأ بحكاية جريمة أميركية الأصل، لينتهي العام 1976 بفيلم مقتبس عن دانونزيو.

> على عكس كثر من المخرجين الذين اتبعوا أسلوب سينما المؤلفين (فكانوا كتاب أعمالهم ومخرجيها)، حقق فيسكونتي كل أعماله تقريباً انطلاقاً من نصوص وسيناريوات الآخرين. وهو في «الأجمل» لم يشذ عن تلك القاعدة. بل يمكن القول انه لم يختر حتى، يومها، نوعية الموضوع – الذي يختلف عن روح سينماه من نواح كثيرة كما سنرى. كل ما في الأمر – كما سيقول لاحقاً – انه أراد منذ بدايته أن يعمل مع سيدة السينما الإيطالية في ذلك الحين آنا مانياني. وحين عرض عليه المشروع، انطلاقاً من سيناريو لسيد الكتابة الواقعية الجديدة تشيزار تزافاتيني، وأُعلم ان البطولة ستكون لمانياني، وافق من فوره حتى قبل أن يقرأ السيناريو... لكنه لم يندم أبداً بعد ذلك. وربما يكون غياب الندم ناتجاً عن كونه تمكن بسرعة من احداث تعديلات في السيناريو وفي جوهر الموضوع ككل جعلتهما ينتميان اليه. فهو من ناحية أبدل هوية البطلة التي كانت – في السيناريو الأصلي – سيدة تنتمي الى البورجوازية الإيطالية الطفيلية، بغية السخرية منها، ليجعل منها سيدة من عامة الشعب البروليتاري. ومن جهة ثانية جعل الفيلم كله فضحاً للشرط الإنساني وموت الطموحات أمام قسوة الواقع، حتى وإن أبقى على النهاية «متفائلة» في الظاهر على الأقل.

> يتحدث «الأجمل» عن رغبة النجومية، إذاً، ولكن من خلال حكاية أم ندرك سريعاً ان خيباتها في حياتها وانهيار أفلام طفولتها ومراهقتها على مذبح الواقع، فتحاول أن تحقق ذلك كله من خلال طفلتها ذات الست سنين. ويحدث هذا حين تسمع مادالينا، من على موجات الراديو ان مدينة السينما (تشينيتشيتا) في روما تزمع إقامة مسابقة لأجمل طفلة في روما، بحيث ان هذه الطفلة التي ستنتخب على ذلك النحو، ستقدم من خلال شركة ضخمة للانتاج السينمائي هي شركة «بلّيسيما»، ما يجعلها نجمة في إيطاليا ذلك الحين. مادالينا (آنا مانياني)، ما إن تتخذ القرار بتقديم طفلتها للمسابقة، حتى تبدأ بخوض النضال في سبيل فرض الطفلة وإنجاحها لإيصالها الى تلك النجومية، على رغم ان الطفلة في حد ذاتها لا تستحق مثل ذلك الفوز. فلا هي حلوة حقاً، ولا هي لافتة في ذكائها، ولا تتمتع بخفة ظل حقيقية. كل ما في الأمر ان امها فقط تراها مميزة في كل شيء، لذا فهي مستعدة لأي شيء من أجل إطلاق نجومية طفلتها. ومن هنا يتخذ الفيلم كله صورة النضال الحاد والمذل أحياناً، مخجل أحياناً أخرى، الذي تخوضه الأم في سبيل الفوز. من الواضح ان مسيرة ذلك الجهد تعطي الفيلم، سمة المكان الذي يكشف الوجه الآخر للديكور. فإذا كان الجمهور العريض قد رأى دائماً عالم السينما في بريق صالوناته الفخمة ونجومه الرائعين والنجاح السريع وقصص الحب المزدهرة، فإنه – أي هذا الجمهور – يجد نفسه هنا في الكواليس، يواجه الحقيقة. وهذه المواجهة تتيح بالتالي للفيلم أن يصور التناقض الفاضح بين الحقيقة ووهمها، بين عالم الاستعراض والنجومية، وعالم الناس البائسين الحقيقيين. وما يكتشفه الجمهور هنا. تكتشفه مادالينا أيضاً، على رغم انها، أول الأمر، تغض الطرف تماماً عن ذلك كله. فما يهمها، هي هنا، ليس ان تتمرد على واقع وحقيقة لم تكن، لا هي ولا أمثالها من البشر العاديين، يعرفون شيئاً عنها، بل ان تحقق لطفلتها تلك النجومية التي راحت تكتشف بالتدريج انها زائفة كلياً، بل حتى ذلك المخرج الذي يبدو أول الأمر فناناً عطوفاً سرعان ما يتكشف عن وحش لا يهمه ان يهين كل الناس في كل لحظة من أجل فيلمه ومهنته. مهما يكن فإن ابنة مادالينا هي التي «تفوز» في المسابقة في النهاية. أول الأمر تعتقد مادالينا بأن الفوز كان لأن ابنتها تستحقه بجمالها وظرفها. ثم تربط ذلك لاحقاً بنضالها هي شخصياً من أجل الفوز. وأخيراً، أمام صدمتها، تكتشف مادالينا مذهولة ان ما جعل الفوز من نصيب ابنتها، إنما هو سخف هذه الابنة وتفاهتها. إذ حين اكتشف «المحكمون» كم ان تفاهة هذه الطفلة ستكون مثار إعجاب جمهور يفضل ان يشاهد التفاهة، أكثر من أي شيء آخر، يختارون ابنة مادالينا لتفوز بلقب «الأجمل». وهذه الحقيقة التي يعرفها متفرجو الفيلم منذ البداية، لا تنكشف أمام وعي مادالينا وإدراكها إلا أخيراً حين تعرض اللقطات التي صورت للطفلة أمام مشاهدين يغرقون صاخبين في الضحك عليها. واللافت هنا ان مادالينا لا تتنبه، حتى الى هذه الحقيقة الماثلة أمام عينيها، إلا بعد أن تلاحظ الدموع في عيني طفلتها التي إذ تشاهد تلك اللقطات مع الآخرين، تدرك – قبل أمها – حقيقة ما يحدث. وهكذا، إذ تشاهد مادالينا الدموع المذلة في عيني الابنة، تفتح عينيها مدركة ما أوصلت ابنتها اليه. وهنا تثور مادالينا، في انتفاضة أخيرة، لكرامة ابنتها وكرامتها، وتقرر الانسحاب وسحب اللقطات ومنع أي بث لها. وعبثاً يحاول اصحاب المشروع إذ بذلوا كل تلك النفقات ودهمهم الوقت، ثنيها عن رفضها لكنها تصر وتعود الى البيت مع الطفلة، حين يكون حب الزوج – الوالد، في الانتظار، تعويضاً عن كل ما حدث. واضح ان هذه النهاية تعيد الأمور الى نصابها، ولكن بعد أن كان فيسكونتي قال كل شيء. وفتح عيني بطلته على زيف عالم الأضواء. ومن خلالها فتح أعين الجمهور العريض.

> طبعاً، لن يكون لوكينو فيسكونتي(1906 – 1976) آخر الفنانين – المفكرين الكبار الذين يتصدون في أعمال قاسية كـ «الأجمل» لتلك الخدعة الكبرى التي لطالما انطلت على الجمهور العريض، لكنه كان الأول والأقسى في مجال فضحه لممارسة لا إنسانية، خصوصاً انه تناول الموضوع من خلال العبث بحياة طفلة وكرامتها، أمام عيني أمها التي كانت النجومية والتسلق الاجتماعي قد أعمياها أول الأمر. و «الأجمل» لم يكن، لا الأول ولا الأخير في سلسلة الأفلام الفيسكونتية التي طبعت الفن السابع، كما كان عمل فيسكونتي في الإخراج المسرحي الأوبرالي، بين فرنسا وإيطاليا، من علامات هذا الاخراج. ومن أبرز أفلام هذا الفنان الذي جمع بين أصول ارستقراطية مرهفة ومرفهة وبين نزعة ماركسية – انسانية، عميقة، الى «الأجمل»، «الفهد» و «موت في البندقية» و «الأرض تهتز» و «روكو واخوته» و «الملعونون» و «الغريب» بين أعمال أخرى.

الحياة اللندنية في 21 نوفمبر 2006

 

فيلم «كازينو رويال».. جيمس بوند يحارب الارهاب

عمان- محمود الزواوي 

بعد غياب دام أربع سنوات تعود سلسلة أفلام الجاسوس الخيالي البريطاني جيمس بوند بالفيلم الجديد «كازينو رويال»، وبوجه جديد في دور جيمس بوند هو الممثل البريطاني دانيال كريج الذي وقع الاختيار عليه ليكون سادس ممثل يجسد شخصية الجاسوس الظريف بعد منافسة شديدة شملت أكثر من مائتي ممثل، كان من بينهم إيوان مكريجور وهيو جاكمان وجود لو وإريك بانا وكلايف أوين.

وفيلم «كازينو رويال» هو الحلقة الحادية والعشرون في سلسلة أفلام جيمس بوند، وهي واحدة من أشهر المسلسلات السينمائية ومن أطولها وأكثرها شعبية ونجاحا على شباك التذاكر. ويواصل جيمس بوند (الممثل دانيال كريج) في فيلم «كازينو رويال» المغامرات المثيرة لهذه الشخصية البوليسية التي تعودنا عليها في الأفلام السابقة في هذه السلسلة. ويستند هذا الفيلم إلى الرواية الأولى التي ألفها الكاتب البريطاني إيان فلمنج في سلسلة روايات وقصص جيمس بوند. وقد استخدم الكاتبان السينمائيان نيل بيرفيس وروبرت ويد الإطار العام للرواية الأصلية، ولكنهما قاما بتطوير القصة بإعطائها طابعا عصريا.

تبدأ قصة فيلم «كازينو رويال» بانضمام جيمس بوند إلى وحدة خاصة في المخابرات البريطانية كعضو يافع وقليل الخبرة، ولكنه يثبت في الخدمة بعد أن يقوم بتنفيذ عمليتي اغتيال بنجاح، ويرسل في مهمة جديدة إلى مدغشقر للتجسس على زعيم خلية إرهابية يدعى مولاكا (الممثل والعداء الفرنسي سباستيان فوكان)، ولكن عندما لا تسير الأمور حسب الخطط الموضوعة يقرر جيمس بوند إجراء تحقيق مستقل دون أن يحصل على موافقة رؤسائه في لندن، وذلك لكي يلاحق بقية أعضاء الخلية الإرهابية. ويقوده ذلك إلى جزر البهاما حيث تستمر المطاردة، وحيث يواجه ديميتريوس (الممثل الفرنسي سايمون أبكاريان) وصديقته الجذابة سولانج (الممثلة الإيطالية كاترينا مورينو) ويكتشف أن ديميتريوس يعمل في خدمة لي شيفري (الممثل الدانمركي مادس ميكيلسون)، وهو مصرفي كبير يقوم بتمويل المنظمات الإرهابية العالمية. وتظهر تحقيقات المخابرات أن لي شيفري يخطط لجمع المال في لعبة بوكر كبيرة في كازينو رويال بالجبل الأسود. وتقرر وحدة المخابرات التي ينتمي إليها جيمس بوند انتدابه لكي يلعب ضد لي شيفري، لأن خسارة هذا المصرفي الشرير ستؤدي إلى انهيار منظمته الداعمة للإرهاب. وتقوم رئيسة وحدة المخابرات «م») الممثل جودي دينش) بوضع جيمس بوند تحت مراقبة الجاسوسة الحسناء فيسبر ليند (الممثلة الفرنسية إيفا جرين). ومع أن جيمس بوند لا يعير أي أهمية لدور فيسبر في البداية، إلا أنه سرعان ما يكتشف أهميتها ويزداد تعلقه بها وتنشأ بينهما علاقة غرامية، ويتعرض الاثنان للخطر معا في سعيهما لإحباط مخططات لي شيفري، بل وللتعذيب على يديه. ويتعاون جيمس بوند في الجبل الأسود مع كل من ماثيس (الممثل الإيطالي جيانكارلو جيانيني) بصفته العميل المحلي للمخابرات البريطانية، وفيليكس لايتر (الممثل الأميركي الأسمر جيفري رايت) عميل وكالة المخابرات المركزية الأميركية. وتتخلل لعبة البوكر الطويلة طائفة من الخدع القذرة وتتزامن معها سلسلة من أعمال العنف والمغامرات والمطاردات والتفجيرات والقفزات المذهلة من مبان شاهقة. وتبلغ هذه الأحداث ذروتها بمواجهة مثيرة استخدم فيها أحدث ما توصلت إليها تكنولوجيا المؤثرات الخاصة وأكثرها تحديا، حسب خبير المؤثرات الخاصة في الفيلم كريس كوربولد.

وفيلم «كازينو رويال» من إخراج المخرج النيوزيلندي مارتن كامبيل، وهو مخرج متمرس وصاحب خبرة سابقة في أفلام جيمس بوند، حيث قام بإخراج فيلم سابق في هذه السلسلة هو فيلم «العين الذهبية» (1995) الذي حقق نجاحا كبيرا وبلغت إيراداته العالمية الإجمالية على شباك التذاكر 350 مليون دولار. وقد جند المخرج مارتن كامبيل لفيلم «كازينو رويال» مجموعة من الممثلين والطواقم الفنية من عدة جنسيات ممن يتحدثون عدة لغات، وبينهم عدد من أصحاب الخبرة في أفلام جيمس بوند السابقة. وينجح المخرج مارتن كامبيل في فيلم «كازينو رويال» بتقديم فيلم مثير آخر في هذه السلسلة السينمائية التي تستقطب جمهورا عالميا واسعا منذ فترة الستينيات من القرن الماضي. يشار إلى أن الممثل الإسكتلندي شون كونري، وهو أول من قام بدور جيمس بوند والذي تقترن شخصيته السينمائية بهذا الجاسوس المثير، كان من بين المرشحين لإخراج فيلم «كازينو رويال» قبل أن توكل هذه المهمة للمخرج مارتن كامبيل.

وقد صورت مشاهد فيلم «كازينو رويال» الذي بلغت تكاليف إنتاجه 72 مليون دولار في عشرات المواقع في مدينة براغ عاصمة جمهورية التشيك وفي إيطاليا ولندن وجزر البهاما، بما في ذلك جزيرة بارادايس في البهاما التي سبق أن صورت فيها مشاهد أربعة أفلام سابقة في سلسلة جيمس بوند بفضل مشاهدها الجميلة ومرافقها السياحية الشهيرة. ويعكس ذلك تنوع مواقع أحداث قصص أفلام جيمس بوند التي تصور عادة في مناطق العالم المختلفة التي تزخر بالمشاهد الخلابة والنساء الجميلات.

يشار إلى أن رواية «كازينو رويال» قدمت سابقا في فيلم تلفزيوني في العام 1954 وفي فيلم سينمائي بالعنوان نفسه في العام 1967، إلا أن ذلك الفيلم خرج عن النمط المألوف لأفلام جيمس بوند، حيث قدم بطابع ساخر ويعد فيلما غير رسمي، حيث تم إنتاجه من قبل شركة سينمائية مستقلة خارج نطاق السلسلة التقليدية التي شملت واحدا عشرين من أفلام جيمس بوند والتي قام بإنتاجها المنتجان السينمائيان هاري سالتزمان وألبيرت بروكلي. وقد مني الفيلم السابق بخسائر مالية جسيمة، خلافا لجميع أفلام جيمس بوند الأخرى، وذلك رغم إخراجه من قبل مخرج مرموق هو المخرج الراحل جون هيوستن، ورغم اشتراك أكثر من عشرة من كبار نجوم السينما ببطولة الفيلم، وبينهم ديفيد نيفين الذي قام بدور جيمس بوند وبيتر سيلرز وديبرا كير وأورسون ويلز وودي ألين وأورسولا أندريس ووليام هولدين وتشارلز بوييه وجورج رافت وجاكلين بيسيت وجون بول بيلموندو.

ويتزامن افتتاح فيلم «كازينو رويال» في 72 دولة، وهو أكبر عدد من الدول يفتتح فيها أي فيلم سينمائي حتى الآن. وبين هذه الدول ثماني دول عربية هي الأردن ومصر ولبنان وسورية وقطر والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.

الرأي الأردنية في 21 نوفمبر 2006

 

سينماتك

 

حول قصة الخيالة فى ليبيا

رمضان سليم

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك