صناعة السينما فن يرينا ما وراء الأشياء دون تقديم بيانات، على حد تعبير فيلّيني. والسينما تزيد معرفتنا بالأشياء والناس، وتفتح لنا عالم المجهول الرائع، وتقدم لنا رؤية متكاملة للواقع لا نعثر عليها في الصحف أو في الشارع، كما رأى لويس بونويل. وقد واصلت المؤسسة العامة للسينما بوزارة الثقافة السورية إغناء مكتبتها السينمائية بالعديد من الكتب المترجمة أو الموضوعة، أو مذكرات المخرجين الكبار، أو نصوص سيناريو، وأصدرت كتباً تلقي أضواء على مفاتيح هذه الصناعة، وأسرار الحرفة، ومن هذه الكتب (لغة السينما) للناقد السينمائي المصري علي أبو شادي، الذي أصدر طبعته الأولى في مصر عام 1989، ثم أغناها بمعلومات جديدة وصدر عن وزارة الثقافة بدمشق عام 2006، وقد أعدت كتب عديدة حول الموضوع، مثل كتاب (الوسيط السينمائي) لمؤلفه لويس جاكوب. والسينما والحياة لمؤلفه تاركوفسكي. إلا أن كتاب أبي شادي ينفرد بإيراد أمثلة تطبيقية على أفكاره من الأفلام الأجنبية والعربية. ذكر أبو شادي في مقدمة الكتاب منهجه الذي يقوم على توضيح طبيعة العملية السينمائية بشكل متكامل، وأكد الأهمية الحقيقية للقيم الإنسانية التي يعبر عنها الفنان، رغم أهمية ابتكار زوايا جديدة للتصوير ووسائل بارعة للإقناع، وحذر من خطورة بعض هذه الوسائل على وعي المشاهد (ص 9). تناول الفصل الأول من فصول الكتاب الثمانية مراحل صناعة الفيلم الثلاث وهي التحضير والتنفيذ والعرض، ولخص العناصر الرئيسة في خلق الفيلم وهي: السيناريو والتصوير والصوت والمونتاج وتصميم المناظر والملابس والمكياج والإنتاج والإخراج. وأفرد لكل من هذه العناصر فصلاً مستقلاً يضم عدداً من العناوين الفرعية. وتوقف أبو شادي في الفصل الثاني عند النص السينمائي وفن كتابة السيناريو، الذي يعد الهيكل الأساسي لأي فيلم (ص 23)، وعين الفوارق بينه وبين النص المسرحي الذي يعد للعرض أو القراءة، ويمكن إخراجه أكثر من مرة، بينما لا يأخذ السيناريو شكله النهائي إلا من خلال تنفيذه، ولا يمكن إخراجه إلا مرة واحدة. وبين المؤلف مصادر السيناريو المتعددة: المسرح والشخصيات التاريخية والوقائع، والأفلام القديمة وسواها. كما لفت إلى مميزات كاتب السيناريو مستعيداً ما ذكره دوايت سواين وهي: العزيمة الحديدية وحضور البديهة والمرونة والتفاني في تقديم أفضل ما لديه، والاستفادة من الموهبة إلى الحد الأقصى، وحسن اختيار المجال السينمائي، والإلمام بتقنيات كتابة السيناريو ومبادئ العمل الإجرائية ص 27. وعرض المؤلف مراحل السيناريو وطرق كتابته، والمراحل الثلاث هي الملخص والمعالجة والنص النهائي، وطرق الكتابة تكون بالشكل المتوازي أو المتقاطع. وميز العنصرين الأساسيين في كتابة السيناريو، وهما الصورة المهنية والصوت المسموع أو الصمت في بعض اللقطات، الذي يؤدي دوراً درامياً قوياً (ص 35). وانتقل المؤلف إلى بيان أجزاء البناء الدرامي، وهي التقديم والموقف وتطور الأحداث وتشابكها، والتعقيد والخاتمة. كما حدد مقومات الشخصية الدرامية الجسدية والاجتماعية والنفسية، وميز الفارق بين الشخصية المركبة والشخصية المسطحة النمطية. وأفرد أبو شادي خمسة فصول للحديث عن تقنيات العمل السينمائي قبل تحول السيناريو إلى شريط مكتمل وهي: التصوير ويشمل أنواع اللقطات وزوايا النظر وأنواع العدسات، وحركات الكاميرا وتوزيع الإضاءة واستخدام الألوان، وأسلوب تكوين الصورة السينمائية، والاستفادة من التباين. ومن عوامل تكوين الصورة: مكان الأشخاص والأشياء داخل الكادر، وحركة الأشخاص والأشياء، وحركة الكادر نفسه. والمؤثرات الصوتية والموسيقا واللغة المنطوقة ومعدات الصوت المختلفة كانت محور اهتمام المؤلف في الفصل الرابع، بينما تناول قضية المونتاج في الفصل الخامس، وبراعة المونتير في تحديد مكان القطع وفقاً للتأثيرات الدرامية المطلوبة (ص 182). وطرق المزج والربط بين اللقطات، والإيقاع الداخلي أو الخارجي المعتمد على طول الزمن الذي تستغرقه المشاهد المستقلة. وأشار المؤلف إلى علاقة الصوت بالصورة، وإلى علاقة الصوت بالصوت، وميز أنواع المونتاج المتوازي على طريقة جريفيث، والفكري على طريقة إيزنشتين. وأفرد الكتاب فصلين لمسألتي تصميم المناظر أي: الديكور والملابس والزينة (المكياج)، والإنتاج المتصل بالتمويل والتنفيذ، بينما تناول الفصل الأخير قضية الإخراج التي تعد محور العملية كلها. إذ يقع على المخرج عبء توحيد العناصر الفنية والمساهمات في إنجاز الفيلم وتكوينه بشكله النهائي. فهو يقود كل الجهود ويوجهها لتنفيذ السيناريو المكتوب إلى شريط سينمائي، ويتحكم بعملية الخلق السينمائي في مراحلها الثلاث: السيناريو والتصوير والمونتاج (ص 257). وتتداخل بعض العناصر مرحلياً وزمنياً مع عناصر أخرى خلال عملية الإخراج، وتظل الأفكار الفنية والفلسفية التي أوردها كاتب السيناريو خاضعة لتعديلات المخرج ورؤيته. وهناك مشاركات لكتاب كبار في كتابة السيناريوهات لمخرجين معروفين، مثل فيلم (هيروشيما حبيبتي) الذي كتبت له السيناريو الأديبة الفرنسية مارغريت دورا،وأخرجه آلان رينيه. وفيلم (أنا حرة) الذي كتب السيناريو له نجيب محفوظ، وأخرجه صلاح أبو سيف. وهناك عدد من المخرجين يكتبون السيناريو بأنفسهم، مثل يوسف شاهين ورأفت الميهي. وللمخرجين مساعدون يعد بعضهم الجداول العامة للعمل ويختارون الكومبارس ويتابعون التنفيذ وحفظ الممثلين لأدوارهم. ويتابع بعضهم تنفيذ اللقطات ويسمى (فتاة التتابع أو الإسكريبت)، ويعد بعضهم أرقام اللقطات ويسمى (الكلاكيت)، ويقوم المخرج بمساعدة هؤلاء في تنفيذ وصل اللقطات أو قطعها أو الفصل بينها، ومطابقة الحركة مع إيقاعها، وتنفيذ لقطات احتياطية لم ترد في السيناريو أصلاً. كما يعمل المخرج مع مجموعات نوعية محترفة مثل فريق التصوير وفريق وحدة الصوت وعمال الموقع من عمال تجهيزات وكهربائيين ومصممي ديكور وملابس ومناظر ومزينين. وتلعب شخصيته القوية ووعيه لما يريد وإدراكه لقدرات كل فرد وقدرته على خلق جو من التفاهم بين أطقم العمل الدور الأهم في نجاح العمل. وتحتل علاقة المخرج بالممثل وأداء دوره المطلوب أهمية بالغة في عمل الفيلم، وهي معقدة ببعديها الاقتصادي والتقني، ويعنى المخرج بتوفير الأمان للممثلين، ويتحدد أسلوب المخرج من خلال عدد من العناصر هي: اختيار الموضوع، وبناء السيناريو، والتكوينات التي تشمل توزيع الضوء وتحريك الكاميرا، وتوجيه الممثلين، وتنفيذ المونتاج، وتوليف المؤثرات الصوتية والبصرية. وتلعب ثقافة المخرج الأدبية والفنية ورؤيته الخاصة للمجتمع والكون وأرقه النبيل، الدور الأبرز في تقديم رسالته عبر الفيلم، فالمخرج فنان خلاق ينسب إليه الفيلم في نهاية المطاف. قدم أبو شادي مادة غنية حول فن أحبه الناس، وشكل أحد علامات التقدم الحضاري للأمم، وقاد القارئ إلى ورشات العمل وكواليسه، وعرفنا بمفردات لغة السينما ومصطلحاتها، وميز بين الرسالة النبيلة للفن وبين استغلال التقنيات الحديثة لتضليل المشاهد وتزييف وعيه وسرقته، إذ تحولت شركات إنتاج إلى خدمة أغراض تجارية بحتة، يغلب عليها الإدهاش والإثارة والضخامة والبذخ، دون تقديم أفكار قيمة. وكان مفيداً أن يلحق بالكتاب ثبت بالمصادر الكثيرة التي استمد منها المؤلف معلوماته، وأظهر اطلاعه الواسع على دقائق موضوعه وذائقته المتميزة كي تكتمل الفائدة. النور السورية في 18 أكتوبر 2006
الفيلم الوثائقي العربي في مهرجان لايبتسيغ السينمائي البحث بلا جدوى عن جمالية جديدة مارتين غيرنير ـ ترجمة يوسف حجازي لقطة من فيلم "يوميات بيروت: حقائق وأكاذيب" للمخرجة اللبنانية مي المصري 17 فيلما من المغرب ولبنان والعراق وسوريا وحتى السعودية شاركت في مهرجان لايبتسيغ الدولي للأفلام الوثائقية، ولكن هل ملكت هذه الأفلام ملامح خاصة بها؟ تقرير كتبته مارتين غيرنير لم يتحمس أحدٌ من صانعي الأفلام العرب الذين توافدوا إلى مدينة لايبتسيغ لمقولة "صراع الحضارات". لعل هذه هي الرسالة الحسنة، التي جاءت من لايبتسيغ. امتنع المخرجون المدعووُّن عن النقاش الذي يثيره الإعلام بالدرجة الأولى. فمعظم المخرجين القادمين من الدول العربية يحبذون الفردية التي تتناقض في أكثر الأحيان مع الأوضاع الاجتماعية السائدة. مذكرات يومية تقول إيلين راهب، إحدى المشاركات في تأسيس أحد المهرجانات السينمائية [مهرجان أيام بيروت السينمائية] وإحدى تعاونيات صناعة الفيلم في بيروت: "لا أرى نفسي باعتباري صانعة أفلام امتدادًا لذراع السياسة، أو للأخبار التلفزيونية اليومية". وتضيف بهذا الصدد: "تنشأ أفلامي عندما تزدحم الأسئلة ويحتدم الغضب في داخلي. ولا أطمح لأن أعطي أية إجابات عامة أو شاملة". عبر طرقٍ متعرجة يبحث فيلم إيلين راهب "انتحار" عن متطوعين عرب يذهبون إلى العراق وهم يحملون أملاً زائفًا بالنصر. ثمة أفلام أخرى مثل "يوميات بيروت: حقائق وأكاذيب" للمخرجة مي المصري التي اختارت أسلوب تسجيل المذكرات اليومية بصريًا. وهذا الحقل يمثل نهجًا دارجًا في الوقت الحاضر. يرسم فيلم مي المصري نهوض وسقوط المعارضة الشعبية في لبنان. المعارضة من خارج مجلس النواب، التي نشأت إثر اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في شباط/فبراير من عام 2005. وتعلق إيلين راهب على ذلك قائلة: "آنذاك كنا مفعمين بالأمل. أما اليوم فقد عادت تركيبة السلطة إلى ما كانت عليه سابقًا". شخص المخرج في المحور أما فيلم «أيام بغدادية» لمخرجته العراقية هبة باسم فيصف السعي المضني لاستعادة الألفة بجوار ضحايا الإرهاب وأجواء التشكيك. لا تشكل هنا الانتخابات الديمقراطية والدستور العراقي الجديد سوى ديكورًا لتدوين سيرة ذاتية يملؤها الشقاء. يبحث المرء دون جدوى عن جمالية سينمائية محددة في الأفلام العربية الجديدة. وغالبًا ما يتم تناول شخص المخرج وظروفه الذاتية، وأيضا تعبير وسائط الإعلام الحديثة بكاميرات الهواتف الخلوية/المحمولة ومواقع المَنْتَجَة الرقمية. يقول ماتياس هيدير Matthias Heeder القيَّم العام (Curator) لسلسلة الأفلام العربية: كان هدفنا أن نعرض أكبر قدر ممكن من الأساليب. ولو كان هناك تمويل يكفي لتوفير التقنيات لكان بإمكان صانعي الأفلام في الدول العربية أن يوازوا زملاءهم". النساء صانعات أفلام أما أفلام الإنتاج المشترك مثل فيلم »ملوك وكومبارس« للمخرجة عزة الحسن فقد تم إنتاجه بمساعدة قناتي ARTE الفرنسية والبي بي سي. ويتجلى هنا كيف أن المخرجة الشابة تتقدم مخلفةً جيل الآباء وراءها، لا بل أنها تعبث شيئًا ما بتِركَتِهم على نحوٍ لا يخلو من بعض السخرية. يرصد الفيلم عملية البحث عن أرشيف السينما الفلسطينية الذي اختفى عن الوجود أثناء الحرب الإسرائيلية في لبنان عام 1982. وسرعان ما يتجلى أن البحث سينصب على بعض الذين عملوا آنذاك في الأرشيف بدلاً من البحث عن مواد الأفلام. ولا يقلل ذلك من كثافة الفيلم، بل كما تكشف الكاتبة: "إن التعامل العابث مع الموضوع أثار حفيظة الجيل الأكبر" مخرجة في بلد بلا دور سينما لم يعد وجود صانعات أفلام نساء في الشرق الأوسط مسألة نادرة، باستثناء السعودية العربية: إذ قُدِّمَتْ هيفاء المنصور في لايبتسيغ باعتبارها "صانعة الأفلام الوحيدة في تلك الدولة الخليجية". تعرض المنصور في فيلمها «نساء بلا ظل» حوارات مع نساء ينحدرن من بلدٍ لا توجد فيه دور للسينما. وتقول المخرجة التي علَّمت نفسها بنفسها عن مؤشرات التغيير في بلدها: "لم يكن لي اعتبار كصانعة أفلام قبل ثلاث سنوات، أما اليوم فقد غدوت أُقابَلُ باحترام". وتضيف هيفاء المنصور: "لا توجد معاهد سينما في العربية السعودية. السينما فكرة غربية، ونحن نستعيرها للتو". كما تعتمد المنصور في عملها على مؤيدين لها من داخل القصر الملكي السعودي. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يأتي التغيير من قلب المجتمع أم من فوق؟ شحة التمويل تغدو شحة التمويل مسألة مشتركة بين صانعي الأفلام العرب في ظل غياب الدعم الحكومي. بينما لا يطمح الكثيرون للدعم المادي الخارجي. من جهته يعلل سعيد تاجي فاروقي وهو مخرج وصحافي مصري يقيم في لندن ذلك بالتالي: "غالبًا ما يتطلع المنتجون المشاركون الأوروبيون إلى كادرات تُظهر الجِمال الغرائبية وقصص تبيّن اضطهاد المرأة. ويسعى الأوروبيون لإدخال صورهم النمطية وتأثيراتها إلى الأفلام". أما المحاولات العابرة للحدود من نوع الشريط الوثائقي المعروف «الطريق 181» للمخرجين الإسرائيلي إيال سيفان والفلسطيني ميشال خليفي فلم تعد محاولات مجدية في ظل الأوضاع الراهنة بالنسبة لإيلين راهب. المسافة الفاصلة وتقول الراهب بهذا الصدد: "لا جدوى بالنسبة لي في العمل المشترك مع المخرجين الإسرائيليين. عليهم أن يسعوا للتغيير في مجتمعهم". في الواقع لا تزال هناك مسافة بعيدة عن انطلاقة حقيقية، حيث تنتج في العراق أفلام وثائقية أجنبية أكثر من الأفلام العربية. المخرج السوري ميار الرومي يشير إلى أنّه: "لا يوجد بالنسبة لي لا (فيلم عربي) ولا (فيلم أوروبي)". ويؤكد أن: "الإنتاج اللبناني متقدم. غير أننا نقفز الآن في وطني سوريا فوق مرحلة بكاملها، حيث نتحول من بلدٍ بلا تاريخٍ سينمائي مباشرة إلى بلدٍ ذي ثقافة (دي في دي)". © حقوق الطبع قنطرة 2006 موقع "قنطرة" في 10 نوفمبر 2006 |
مشاكل الانتاج السينمائي في الخليج عماد النويري* الجهات الرسمية تريد السينما التي تحقق مصالحها وتنظر الي السينما علي انها تسلية يمكن الاستغناء عنها المشكلات التي تواجه الإنتاج السينمائي الخليجي كثيرة ومتنوعة هناك مشكلات تتعلق بالصناعة ، وأخرى تتعلق بالتجارة ، وثالثة تتعلق بالفن. في ما يخص الجانب الصناعي فإن دول الخليج عندما بدأ ت مشروعاتها التنموية بعد ظهور النفط ثم الاستقلال، كان الشغل الشاغل لها هو إقامة مشروعات البنية التحتية، ولم يشغلها كثيراً إقامة منشآت سينمائية مثل الاستوديوهات والمعامل ويعني ذلك أن السينما كإنتاج وكصناعة، كانت وما زالت ضمن المشروعات المؤجلة ، ونستثنى من هذا التفسير دولتان هما السعودية والكويت، فالأولى لم تدخل السينما في حسابات خطتها التنموية، لأسباب مختلفة تتعلق بالسياسة العامة للمملكة، والكويت اتخذت بالفعل خطة تأسيسية لإنشاء مراقبة للسينما ،مزودة بكافة المعدات السينمائية وبطاقة إنتاجية عالية تصل آلي إنتاج ثلاثين فيلماً في العام. الانتاج السينمائي في ذيل قائمة الاهتمامات الا أن هذه المراقبة قد تم إغلاقها، بفعل أسباب تعود آلي الغزو االصدامى وتغير الأولويات. ولأن الإنتاج السينمائي كان في ذيل قائمة الاهتمامات بالنسبة للحكومات في الخليج، فقد أدى ذلك بالضرورة آلي قلة الاهتمام بإقامة معاهد أو كليات لتعليم السينما ، ولاعداد الكوادر اللازمة لتحقيق الأفلام، ويعني ذلك آن الكوادر أصبحت منشغلة ً بأمور ليست لها صلة بالسينما. ونقص الكوادر مع عدم وجود منشآت لازمة للفعل السينمائي، قد أدى بالضرورة آلي تردد المؤسسات الفنية الخاصة،في الخوض في مجال الإنتاج السينمائي. ولو حدث اهتمام رسمي على مستوى المؤسسات الخاصة، بإنتاج الأفلام، فإن هناك مشكلة التوزيع (مشكلات التجارة) ، فحتى لو تم زيادة دور العرض، فيجب أن يؤخذ في الاعتبار الكثافة السكانية في الخليج (عدد سكان كل الدول الخليجية مجتمعة أقل من عدد سكان القاهرة في فترة الظهيرة)، وإذا تم حل مشكلة التوزيع عن طريق فتح أسواق خارجية ، فإن هناك مشكلة اللهجة، وإذا تم حل مشكلة اللهجة عن طريق ألد بلجة أو الترجمة أو التعود، ستبقى مشكلات الفن، وهي الأهم والأخطر من وجهة نظري وأقصد هنا بمشكلات الفن الأفكار أو المقولات أو الموضوعات الخاصة بالأفلام، وكيفية صياغتها فنياً ، ومساحة الحرية المطلوبة ، لتوصيل هذه الصياغات الى الجمهور. مشكلة الخطاب السينمائي الإنتاج والتمويل أقل الأمور أهمية بالنسبة للإبداع، ومن المهم ونحن نتحدث عن مشكلات الإنتاج السينمائي في الخليج أن نسأل ماذا نريد أن نقول من خلال هذا الإنتاج؟ وهنا تأتي مشكلة المشاكل، لأن الجهات العربية المسؤولة تريد من السينما أن تخاطب الناس بما يحقق مصالحها، والجهات المسؤولة سواء في الخليج أو في بقية الدول العربية ، ما زالت تنظر الى السينما على أنها مجرد تسلية،ويمكن الاستغناء عنها بوسائل أخرى. كما أن الجهات المسؤولة لا ترغب في أن تكون السينما مرآة كاشفة للعيوب وأوجه القصور. ولا يعني ذلك أننا نحب السينما، وأن الحكومات تكن لها الكراهية وانما كل منا يحب السينما بطريقته الخاصة، وواقع الأمر أن مشكلات السينما لم تعد تلك المشكلات التقليدية التي درجنا على الإشارة اليها، كما أن الموضوع قد تجاوز حكاية ما نحب، وما تحبه الحكومات . لأنه وبفعل التجاهل، وبفعل التطور الذي هو سنة الكون، ظهرت خلال العقد الأخير مشكلات جديدة ،ولذلك ما يستحق الاهتمام في المرحلة المقبلة، هو البحث الجدي عن إجابات، وافتراض حلول ، وسيناريوهات لمواجهة ما هو آت الشركات العملاقة تتحكم الآن في (12 ترليون دولار) وهو ما يساوي نصف الناتج القومي العالمي , فذا كانت هذه الشركات شئنا أم أبينا ، في طريقها لعولمة الجغرافيا ثم التاريخ، ومن ثم الثقافة، من أجل اقتصاد عالمي وشيك , واذا كان ذلك سيتبعه كما يتخيل المتخيلون (وجزء من هذا الخيال حقيقة بالفعل) إزالة الحواجز الثقافية لكل مشروعات تأكيد هويات الشعوب، فاننا نسأل ما هو موقف صناع السينما في الخليج من حلم (خلجنة) الفيلم في منطقة الخليج؟ ونطبق ذلك على الفيلم في بقية بلاد العرب فذا تم حل مشكلة عولمة الأفلام، من خلال التأكيد على التنوع ،وتعدد الثقافات والتسامح، وإزالة السمات الثقافية التي تشجع الصراع ،وتحول دون تحقيق الانسجام , إذا حدث ذلك بالفعل، يجب آن نفكر جديا في حلول لمواجهة التقنية السينمائية المتطورة، سواء في المادة الخام التي تصنع منها الأفلام، أو في طريقة بث الأفلام. الواقع أن السينما في الخليج كما في بلاد العرب الأخرى، ليست في حاجة ملحة لهذه التطورات المتسارعة ،لكي تستمر وتحقق أفلامها الخاصة، وحتى تتم عملية حسم موضوعات تخص التبعية والإبداع والأصالة المعاصرة والخصخصة والعولمة، وغيرها من القضايا التي يدور حولها الجدل ، لتحديد موقع لنا على خارطة عالم متغير في كل شيء،و حتى يتم ذلك، وحتى لا نكتفي بالأسئلة، فإن هناك مقترحات كثيرة لتجاوز المشكلات التي تواجه إنتاج السينما في الخليج. الاعتماد علي الانتاج المشترك ويمكن في هذا الصدد الاعتماد في المرحلة الأولى على الإنتاج المشترك بين دول مجلس التعاون وبعض الدول العربية ذات التاريخ السينمائي الطويل في مجال الإنتاج السينمائي، كما يمكن الاستعانة بالخبرات العربية والأجنبية لإقامة صناعة سينمائية متطورة، ويمكن أن تلعب التلفزيونات الخليجية دوراً كبيراً في تشجيع إنتاج أعمال سينمائية تسجيلية أو روائية، ويمكن إنشاء مركز للتدريب في إحدى الدول الخليجية، يكون بمثابة نواة لإنشاء معهد للسينما ويمكن الاتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء مؤسسة للإنتاج الفيلمي المشترك، مثل مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك، ويمكن المبادرة الي تدريس مادة خاصة بالتذوق السينمائي في المراحل المتوسطة من التعليم، لإعداد جيل يتذوق السينما بطريقة مختلفة، حتى يعرف أن الفيلم الأجود والأمثل، ليس هو فيلم العنف والأكشن، ويمكن الاكتتاب في شركة خليجية كبيرة للإنتاج السينمائي، تقوم بتقديم قروض ميسرة لإنتاج الأفلام ويمكن دعم اللجنة التأسيسة للسينما في الخليج، حتى تستطيع أن تحقق أحلامها ، ويمكن استحضار أحدث الأجهزة السينمائية في العالم من أجل صناعة سينمائية متطورة، ويمكن إرسال بعثات دورية لدراسة فن السينما في المعاهد السينمائية في الخارج، ويمكن فرض ضريبة قليلة على تذاكر السينما، تذهب محصلتها لإنشاء صندوق لإنتاج أفلام متوسطة التكاليف،من أجل تدوير عجلة الإنتاج، ويمكن نشر نوادي السينما في بقية دول الخليج، لزيادة الوعي الجماهيري بأهمية السينما. وما أكثر الممكنات التي يمكن الحديث عنها . وقد يصلح بعضها للتنفيذ وقد يبقى البعض الآخر في خانة الطموح والأماني. لكن في موضوع السينما، الدعم الحكومي مطلوب، والدعم الشعبي مطلوب أيضاً *ناقد سينمائي ومدير نادي الكويت للسينما سينما إيزيس في 1 نوفمبر 2006
حول لِيلا وزياد الدويري... وأنا! يوخنا دانيال* أثار النصّ الإيروتيكي القصير " لِيلا قالت هذا" . الذي نشرته قبل أسابيع في موقع كيكا الكثير من التساؤلات والتعليقات، وعلى الأخص حول ما إذا كان كتابة إبداعية أصيلة او حكاية من تأليفي. وقد ساهم الناشر صموئيل شمعون عن حسن نية ومحبة بحصول مثل هذا الالتباس "اللذيذ" . كما ان كتابتي "المناورة" ساهمت في خلق اعتقاد بين العديد من القرّاء كما لو أنها نصّ أصيل. وان الاشارة الى فلم او أبطال واقعيين او ممثلين، ما هي إلا زيادة في الخداع والتمويه "الأدبي" ليس إلا. لقد وردتني رسائل وملاحظات من العراق وسوريا وأمريكا والأردن. بعضها من أناس غير مهتمين بالأدب كثيراً، بعضها من أصدقاء يعرفوني بشكل جيد، بعضها يلومني على هذا "الأسلوب" في الكتابة، بعضها اتهمني بنسيان محنة العراق والانشغال بأمور أخرى. لكني آثرتُ ان تهدأ "الإثارة" كي أوضح بعض الأمور. ان النصّ في نهايته يشير بوضوح الى صانع أفلام لبناني متميّز خلف هذا الفلم هو زياد الدويري، صاحب الفلم الرائع "بيروت الغربية" . والذي عمل كفني في التصوير والإضاءة وغيرها من الأعمال لسنوات في هوليوود صحبة المخرج/الكاتب كوينتين تارانتينو في أفلام "كلاب المستودع" و"من الغسق الى الفجر"، وغيرها من الأفلام صحبة المخرج روبرت رودريغز – وهو من أصل مكسيكي ايضاً. إلا ان الإيروتيكا المركّزة يبدو أنها تشلّ العقل أحياناً او تعيق بعض الوظائف المعرفية. أعتذر عن هذه الاختلالات "اللذيذة" والممتعة! لقد شاهدت " لِيلا قالت هذا. " قبل أشهر عديدة على شبكة "الشو تايم" التلفزيونية، وتأثرت به الى حدّ الصدمة على مختلف المستويات خصوصا ان المخرج عربي، والأبطال معظمهم من العرب، وأغاني أليسا تصدح في الفلم . والفلم يطرح التناقضات الشرقية/الغربية على المستوى الجنسي بشكل استفزازي . والأحداث في ضاحية فرنسية حيث يعيش المهاجرون العرب والأفارقة والآسيويين والفقراء او المهمّشين من الفرنسيين . لينتهي كل شيء نهاية غير متوقعة، قاسية ومؤلمة، رومانسية بعض الشيء، لكنها انسانية جداً. فوراً بدأت الكتابة عن الفلم . تذكرت كلمات وحوارات ليلا "القاتلة" . ثم تذكرت المواقف . وأخيراً الشخصيات والأبطال. وعندما تشكّل النصّ بصورته النهائية . فاجأني أولاً . أشعرني بالخجل! إذ لم يكن نقداً سينمائيا بالطريقة المتعارف عليها، كما لم يكن قصة او حكاية . أعترف انها كتابة انطباعية او انفعالية. وعندما قررتُ أن أنشره في أواسط تموز . اشتعلت الحرب الاسرائيلية على لبنان بسبب أسر حزب الله للجنديين الاسرائليين . وعرضته أولاً على الصديق ماهر شرف الدين في لبنان، الذي أبلغني انه استمتع بالنصّ "الفرجي" الجميل . لكن الأوضاع في لبنان كانت خطرة على ماهر، وعلى معظم أصدقائنا في لبنان وسوريا. وبعد ان انتهت الحرب في لبنان . وبعد ان جئت الى عمّان . أرسلت المقال الى كيكا . وقرأه العشرات و"استمتعوا" به .. ونسوا ان وراءه فلماً رائعاً يجدر بهم أن يشاهدوه بأسرع قت . وربما كانت كتابتي مسؤولة الى حدّ ما عن هذا. وللحق، فان كتابتي تشير الى إفلاس الناقد، إذ ليس لديه أحياناً ما يقوله فعلاً حول فلم رائع . والى تفوّق المشاهد المنفتح الذهن، فكتبت ما كتبت كمشاهد او مريدْ . وربما تجاهلت مسؤوليتي كـ "ناقد". اليوم، أريد أن أعيد الاعتبار كلياً الى المخرج المبدع زياد الدويري، الى فلمه الرائع " لِيلا قالت هذا"، الى أبطال الفلم الشباب من العرب والفرنسيين الذين جسدوا الحكاية بشكل مذهل. لقد أثار الفلم الجدل وجذب الانتباه في مهرجاني تورنتو وسَنْ دانس في أمريكا الشمالية قبل عامين، وفي مهرجانات أخرى. وفي هذه المناسبة، أدعو كلّ من قرأ المقال وأعجبه – او حتى كرهه – الى مشاهدة الفلم بأية طريقة. وسوف يُذهلْ! *ناقد عراقي مقيم عمان: leoman572001@yahoo.com خاص كيكا موقع "كيكا" في 4 نوفمبر 2006
|
لغة السينما والرؤية المتكاملة للواقع بقلم: خليل البيطار |