في العالم العربي صدور كتاب بعنوان “أندريه تاركوفسكي: النحت في الزمن”. في الولايات المتحدة، وحول العالم، خروج أسطوانة جديدة لتحفة هذا المخرج الروسي “المقتفي”. في الدراسات الأكاديمية يُطرح اسمه كواحد من أهم سينمائيي القرن. في المجلات المتخصصة، يعودون إليه في مقالات ودراسات، وفي مهنة الإخراج هناك دوماً مخرجون جدد من أصقاع مختلفة يحاولون تقليده مختارين سينما قائمة على التأمّلات الوجدانية واللقطات الطويلة ذات المنحى الشعري. ولد تاركوفسكي في 4/4/1932 وتوفي في 29/12/1986 وكان فنّاناً رائعاً أنجز في حياته المهنية، التي بدأت سنة 1958 وانتهت سنة وفاته، أربعة عشر فيلما من بينها سبعة طويلة من إخراجه هي “اسمي إيفان” (2196) و”أندريه روبلوف” (1969)، و”سولاريس” (1972)، و”المرآة” (1975)، و”المقتفي” (1979)، و”نوستالجيا” (1983) و”القربان” (1986). كل واحد من هذه الأفلام السبعة يكتنز قدراً رائعاً من الشعر والفن والروحانيات. والسُلطة، ممثلّة بالحزب الشيوعي الحاكم آنذاك، لم تلتق وأياً من هذه الأفلام. فقط وصول تاركوفسكي إلى قدر كبير من الشهرة خلال السبعينات والثمانينات هو الذي منع سجنه أو حبس أفلامه في الخزائن المنسية. “أندريه روبلوف” مميّز بين أفلام المخرج بأنه الرؤية الفنية الروحانية الكبيرة التي عكست الوضع الاجتماعي السائد في روسيا القرون الغابرة بعد المسيح وموقف السلطة من الدين. بذلك أمكن للمخرج التعبير عن موقف السلطة الروسية تحت الحكم الشيوعي من الدين. لكن الفيلم أكثر من لمز وإيعاز او إيحاء، إنه يعتبر قالباً فنياً ذاتياً خالصاً لا يخشى أن يأتي أكبر حجماً مما اعتادت الأفلام الذاتية أن تأتي به. فوق ذلك، هو فيلم يحمل كل تلك المفردات التي عمل عليها تاركوفسكي فيما بعد: الماء (نهر وبحر ومطر) واللقطات الطويلة المتأمّلة وتلك البواعث النفسية التي تملاً الصورة بأقل قدر من الكلام. قبله، في “اسمي إيفان” هناك وجود لهذه العناصر لكنها لم تكتمل وتتلألأ وتسبح في جوّها الخاص (أو تطير كما مشهد ذلك البالون المتهادي طويلاً) إلا مع “أندريه روبلوف”. “سولاريس” من ناحية أخرى، كان فيلمه الخيالي العلمي الذي قيل فيه إنه الرد الروسي على “أوديسا الفضاء: 2001”، لكن الحقيقة أنه فيلم قائم بحد ذاته وإن كان يلتقي وفيلم ستانلي كوبريك على إدانة العلم الزاحف على الروح كما هو الوضع حالياً. “المرآة” و”المقتفي” حملا ذلك السعي لإثبات حق الروحانيات في البقاء. صراعها مع المادة والتفكير المادي. التأثير الديني (حتى الإسلامي وتاركوفسكي درسه) بارز في تلك الأفلام وبقي بارزاً، بل طاغياً، حتى فيلميه الأخيرين اللذين حققهما خارج وطنه “نوستالجيا” و”القربان” لم يتخليا عن تلك الحرب ضد المادّة. الكتاب الذي بين يدينا “أندريه تاركوفسكي: النحت في الزمن” من تأليف المخرج نفسه، لكن النسخة ذاتها مترجمة عن الإنجليزية بقلم الناقد أمين صالح وصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. لقد خلف تاركوفسكي إلى جانب أفلامه الرائعة هذا العمل الوجداني النيّر. لكن هذا الكتاب أيضاً هو الأفضل بين كل الكتب التي تشرح نظريات العمل السينمائي من وجهة نظر مخرج محترف التي قرأها هذا الناقد او يذكرها. ولا ينصرف “النحت في الزمن” إلى تأكيد أو دحض نظريات الآخرين، بل كان المخرج وضعه كانعكاس لنفسه ولسينماه ولمفهومه، وقرأته حين صدر في مطلع الثمانينات بشغف كبير ثم أتاح لي الناقد الزميل أمين صالح إعادة قراءته مترجماً بالشغف ذاته. إنها مهمّة صعبة تلك التي تصدّى لها الزميل: كيف تنقل إلى أي لغة أخرى، وخصوصاً إلى العربية، تلك الرقّة التي صاحبت كتابات المخرج وهو يشرح سينماه؟ كيف تنقل تلك الأحاسيس وتفسّر تلك الرؤى؟ لكن الزميل فعل ونقل ترجمة ناجحة. الكتاب ذاته ضرورة للهاوي سواء حظى بمشاهدة بعض أفلام تاركوفسكي أو لم يحظ بعد (وعليه أن يفعل وإلا فإن ثروته الثقافية في السينما ستبقى ناقصة). في كتابه، حدد تاركوفسكي رؤيته لأشياء كثيرة من بينها وعلى سبيل المثال فقط مواضيع تتعلّق بالسيناريو وبالمونتاج (تجارب أيزنشتاين) وكيفية خلق الإيقاع (يقول بصواب: “الإيقاع ليس هو التعاقب القياسي، الموزون للأجزاء. إن حركة الزمن ضمن الكادرات هي التي تخلق الإيقاع، وأنا متأكد أن الإيقاع وليس المونتاج، كما يعتقد البعض، هو العنصر المكوّن الرئيسي للسينما”). ترجمة هذا الكتاب كانت خدمة من المترجم، كما من الناشر، لجمهور يجب أن يعلم. هذه الناحية وحدها تفتح العين على معطيات آمن بها وصدّقها كثيرون واعتبروها شبه منزّلة: المونتاج هو سر الإيقاع. لكن تاركوفسكي يلفت النظر إلى أنه في حين أن ذلك صحيح في جانب من جانب العمل، إلا أنه يخلو من النبض الواقعي الناتج عن مضمون الصورة، ومضمون الصورة لا يمكن تجسيده إلا بالاعتراف بالحركة الزمنية التي على المخرج الاعتماد عليها وتجسيدها. والكتاب في النهاية مليء بالاكتشافات من الطينة نفسها: يقول مثلاً: “الإخراج في السينما يعني ببساطة أن تكون قادراً على عزل الضوء عن الظلام”. يا له من تعبير. أحد أفلامه، إذاً، “المقتفي” بات متوفّراً على اسطوانات كما كان متوفراً في البداية على أشرطة فيديو. وإذا كان لديك قريب أو صديق يسألك: ماذا تريد أن أجلب لك معي من أمريكا او من فرنسا لا تفكّر بتي شيرت سيهترئ أو لن يعجبك أو بحذاء قد يكون ضيّقاً على قدمك، بل قل له: اشتر لي فيلم “نوستالجيا. صدّقني ليست هناك تجربة سينمائية مماثلة كتجربة هذا الفيلم التي تلد تجربة رائعة موازية هي مشاهدة هذا الفيلم من حيث المحتويات الإنسانية التي تخرج بها. عنوانه بالإنجليزية: Stalker، وبطله سجين سابق يسمّيه الفيلم “المرشد” أو “الدلال” (يقوم به أندريه كايدانوفسكي) يعيش مع زوجته وابنته الصغيرة على حدود “المنطقة”. إنها منطقة غامضة تكوّنت بفعل كارثة نيزيكية خلفت مساحة كبيرة من الدمار والحكومة فرضت حصراً عليها. هناك عالم (نيقولاي غرينكو) وكاتب (أناتولي سولنستين) يريدان الوصول إلى الغرفة التي يُقال إنها تحوي كل الأسرار والقابعة على سفر بعيد في داخل الأرض المحرّمة. الدلاّل سيكون دليلهم إلى هناك والفيلم من هنا يتألّف من مواقف متعارضة بينه المؤمن بوجود الله وبأهمية الروحانيات وبالعالم المؤمن بالماديات والذي لا يؤمن بوجود الله، سبحانه وتعالى، والمثقف الذي يرفض، معظم الوقت، لعب دوره الفاصل والتخلي عن حياده المصطنع. يتحدث تاركوفسكي عن بطله فيقول: “يكابد لحظات من اليأس حين يتزعزع إيمانه، لكن في كل مرة يصل إلى إدراك متجدد لمهمته: أن يخدم أولئك الذين فقدوا آمالهم وأوهامهم. شعرت بأنه من المهم جداً أن يرصد الفيلم الوحدات الثلاث للزمن والمكان والفعل”. هذه الحركة الثلاثية في الزمان والمكان والفعل تمنح الفيلم صيانة لأبعاده جميعاً. الرحلة تمتد بمجازية الكلمة فهي رحلة في الزمن (المنطقة كئيبة، مدمّرة تعكس حياة انتهت فعلياً على الأرض) وفي المكان (من وإلى) ثم في فعل وتصرف تلك الشخصيات حيال ما تبحث عنه. النهاية تجعلهم يبدون كثلة من الجنود خاضوا حرباً ثم جلسوا يلتقطون أنفاسهم، لكنها أنفاس بائسة. لعبت فيها تيارات مختلفة وضعيفة. قبيل النهاية بقليل يتحدّث السجين السابق، ذلك الرجل البسيط المؤمن بالمعجزات: “إنكما (لشريكيه في الرحلة) لا تؤمنان بالله، كيف لكما أن تؤمنا بأي شيء آخر؟”. اما الفعل فهو مركّب. الحركة الجسدية ثم الحركة الكونية. حين يجلس الثلاثة فوق أنقاض وهناك بركة ماء آسنة قريبة، وتبدأ السماء بالمطر... نقطة، ثم نقطتان ثم أكثر وأكثر حتى ينهمر المطر.... قبح المكان تزيّنه جمالية الطبيعة حتى في دكانتها.
سجل الأفلام ... أغرب من الخيال * يحتوي “أغرب من الخيال” على وضع رجل اسمه هارولد كريك (ول فارل). هذا يستيقظ صباح كل يوم في الدقيقة ذاتها. يدخل الحمّام في الوقت نفسه. يفرك أسنانه بالعدد المحدد ذاته صعوداً وهبوطاً وبالعدد المحدد ذاته يميناً ويساراً. يخرج في اللحظة ذاتها وفي كل يوم يصل إلى الحافلة وهو يجتاز الطريق للموقف. تعرف سريعاً بأن شخصاً كهذا لا يمكن أن يكون سعيداً في حياته. هنا تدخل الشخصية التي ستعاقبه على منوال حياته. اللقطة الأولى للكاتبة كاي إيفل (واسمها مثل برج إيفل نفسه) هي لها وهي تقف عند حافة سطح أحد المباني العالية تنظر إلى هارولد في الشارع. في الوهلة الأولى تبدو مثل ملاك الموت. في الوهلة الثانية والأبدية هي ملاك موت بسيجارة لا تغادر شفتيها. إنها الكاتبة وهارولد هو الشخصية التي يعيش في هذا العالم غريباً عنه، لأنه إلى حد ما له وجود منفصل. هو موجود... لكن هل كل موجود حقيقي؟ * إنها فكرة رائعة وضعها المخرج السويسري مارك فورستر (الذي أخرج من قبل “حلبة الوحش” سنة 2001 و”إيجاد نفرلاند” سنة 2004) وكما تنضح بحالات وجود الشخص المعني من عدمه، فإنها جميعها مبنية على المزج بين الواقع والخيال من دون وجود رغبة في إظهار أي فاصل بينهما أو تفضيل واحد على آخر. العديد من النقاد الأمريكيين كتبوا عن أن هذا النوع من الأفكار يعود إلى الكاتب تشارلي كوفمان كاتب السيناريو الذي وضع “أن تكون جون مالكوفيتش” و”نور شمس دائم على عقل بلا بقع”. وكلاهما فيلمان مثقلان بكتابة المؤلّف المتداخلة والمتنازلة (خصوصاً الثاني). كذلك على عكس فكرة فورستر، أعمال كوفمان تكمن في البال أكثر مما تنتقل إلى حيز رحب من الحياة ذاتها. * الاحتفاء بهذا الفيلم المختلف لا يتم إلا عبر ذكر أن ول فارل يخرج عن نطاق كل أفلامه السابقة مختاراً الأداء الكوميدي الأسود عوض الكوميدي وحده. وبما أن هذا الناقد لا يؤمن كثيراً بالتمثيل لمجرد أداء حركات على الممثل والمخرج الافتراض أن الشخصية ستقوم بها، فإن فارل لم يكن جيّداً أكثر مما هو في هذا الفيلم. إنه الشخصية وليس الحركة منها. الفيلم أيضاً هو عودة جيدة للممثلة البريطانية إيما تومسون لاعبة شخصية الكاتبة أو ملاك الموت. صوتها يملأ الفيلم بتعليق منضبط وظهورها يُضيف اليه بواعث الريبة طيلة الوقت. وإذا كنت تريد قبساً من داستين هوفمان، فهو متواجد في دور بروفسور أدب يعمل أيضاً في الأمن على المسابح لمزيد من الدخل. التعريفات كافية لتضعه في الإطار الذي يرتاح هو فيه. والفيلم ينتقل، أساساً، بين هذه الشخصيات الثلاث والرابط بين الكاتبة والبروفسور هو هارولد نفسه. الرجل الذي كان يعتقد أنه إنسان عادي وواحد من ملايين البشر من حوله، ليكتشف أنه مهدد بأن لا يكون له وجود. المتواري هنا وراء هذه الفكرة هي أن أياً منا يعيش لذاته ليس له وجود في الحياة التي نعيشها جميعاً معاً.
المفكرة ... مهرجانات أكثر من اللازم الناقد الملم ديفيد روبنسون يكتب في “الجارديان” أن هناك مهرجانات أكثر من اللازم في هذا العام. وينادي بأن شيئاً يجب فعله لوضع حد لكثرتها. والحقيقة هي: هناك أكثر من 1000 مهرجان وتظاهرة وسوق في 365 يوماً، هل هذا كثير؟ في الوقت الحاضر، تقريباً كل مدينة رئيسية في العالم لديها مهرجان سينمائي، بعضها يحمل أكثر من مهرجان في العام، هذا للقصير، وذاك للطويل والثالث للسينما السوداء وآخر لسينما المرأة وسينما أفريقيا وسينما أمريكا اللاتينية ومثلها للسينما الكوميدية والسينما الإنسانية الخ.. ولا تنس بالطبع المهرجانات التي تحمل الطابع الدولي وتعرض كل شيء وهي على امتداد القارات كلها. يُلاحظ ديفيد روبنسون أنه حين كانت السينما الأمريكية نشطة ومفعمة بالأفلام الرائعة، وذلك قبل عصر التلفزيون لم تكن هناك مهرجانات سينمائية أمريكية، الآن هناك عشرات منها من نيويورك إلى لوس أنجلوس ومن ميامي إلى بوسطن وسانتا في وسياتل وشيكاغو وسندانس أي طول البلاد وعرضها. والمشكلة، يكمل الناقد، أن عدد الأفلام التي تستحق الاحتفاء بها قليل ويتداول من مهرجان إلى آخر مثل مضغة لا يريد أحد ابتلاعها. وهذا من بين الأمور التي جعلت الفرحة بالمهرجانات تضمحل وجعلت عدداً من المخرجين الجدد يعتبرون أنفسهم عباقرة السينما بينما لو نفّذوا الأفلام ذاتها في الستينات والسبعينات لما استطاعت الخروج من معاملها. إنه عالم يختلف اليوم لكن ليس كل اختلاف للأفضل. خلطة حين انطلق مهرجان لندن السينمائي الذي يحتفي حالياً بميلاده الخمسيني، كان هناك معنى للاحتفاء يختلف عن معناه حالياً. لم أكن حياً أرزق على أيام ما كان رتشارد راود وشيلا وتيكر ورتشارد كومب وديفيد روبنسون وفيليب ستريك في مطلع شبابهم يؤسسون لمهرجان جلّه حب للسينما واختيار أفضل ما شاهده كل منهم في عام. في 1974 تألّف برنامج هذا المهرجان من أفلام لأورسون ويلز ولوك بريسون وموريس بيالا، وآلان رينيه، وفيم فندرز، ورينر فاسبيندر، وترنس ماليك وجاك ريفيت ومازاكي كوباياشي. اليوم يتألّف المهرجان من آخر الأفلام أكثر مما يتألف من أفضل الأفلام وبعض اللوم أن هناك من مات من أولئك العباقرة وهناك من نزل عن مكانته او توقف. والبديل الاحتفال بالمخرجين الذين يختارهم المهرجان وإعلاء شأنهم. فجأة يصبح كل مخرج، مهما كان قدر فيلمه عادياً، أهم مخرج في العالم وينساق نقاد السينما للاحتفاء به. هؤلاء، في كثير من الأحيان، يريدون الكتابة كما تريد الصحف النشر. لا يهم ما الذي يُكتب وما هي الحقيقة في كل هذا الخلطة من كلمات التطنيب التي عادة ما تصاحب الأفلام التي تبدو غريبة... فقط لأنها غريبة. الصامتة قبل أسابيع قليلة قدّمنا مهرجاناً إيطالياً للسينما الصامتة، والآن نقدّم آخر. مهرجان سان فرانسيسكو للسينما الصامتة الذي عرض في الأسبوع الماضي فيلماً نادراً عنوانه “شيكاغو” أنتج سنة 1927 وليست له علاقة ب “شيكاغو” الحديث. “شيكاغو” الصامت لم يكن فقيراً في إنتاجه ومحدوداً في قدراته، بل عكس حقيقة كيف أن السينما آنذاك لم ينقصها، من بين عشرات العناصر الفنية والإنتاجية المتوفّرة، إلا الصوت... وحين تشاهد العديد من أفلام اليوم (بما تحمله من ثرثرة وفقر أداء وأصوات مراحيض ونكات قلة الذوق) تتمنّى لو أنها لم تتكلم. م. ر الخليج الإماراتية في 12 نوفمبر 2006 |
الناقد والمدير العام الذي سئم من السيرة الذاتية... محمد الأحمد: سينما المؤلف لم تأتِ في مصلحة السينما السورية دمشق – فجر يعقوب مشاريع سينمائية كثيرة يجري الحديث عنها الآن في أروقة المؤسسة العامة للسينما في دمشق. بعض هذه المشاريع أقرّ ودارت كاميراه، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء تصويراً كما هو حال فيلم «حسيبة» للمخرج ريمون بطرس. مشاريع كثيرة قادمة ستتحدث عن دمشق سينمائياً، والسبب بطبيعة الحال أن العاصمة الأقدم في العالم ستكون عاصمة للثقافة العربية في عام 2008. عدا ذلك فان العام المقبل سيشهد انطلاق الدورة المقبلة لمهرجان دمشق السينمائي الدولي الذي سيؤرخ اعتباراً من هذه الانطلاقة لمهرجان سنوي تعقد دورته مرة كل سنة، بدلاً من كل سنتين كما جرت العادة في السنوات السابقة. «الحياة» التقت الناقـد السيـنمائي محمد الأحمد، المدير العام للمؤسسة العامة للسينما في دمشق، وأجرت معه الحوار الآتي: · فجأة أصبحت دمشق في مرمى البصر سينمائياً. – طالما كانت دمشق حاضرة في أفلامنا، سواء في الفيلم التسجيلي القصير، أو الفيلم الروائي الطويل. وهناك في أرشيف المؤسسة مجموعة ضخمة من الأفلام التي أرّخت لأسواق وخانات وأثريات دمشق، حققها رواد مثل خالد حمادة وصلاح دهني ومحمد شاهين. ونحن في وزارة الثقافة نجتمع دورياً الآن بغية الإعداد لمشروع دمشق عاصمة للثقافة العربية، وهذا بالطبع يرتبط بفاعليات متنوعة منها السينما. هناك الآن مجموعة من المقترحات، من بينها أن تحقق المؤسسة العامة للسينما عشرة أفلام طويلة، خمس منها عن دمشق. ومن جهتنا نقوم بالإعداد لهذا المشروع، فأن تنتج عشرة أفلام في سنتين فان هذا ليس بالأمر السهل، وبالاتفاق مع وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا قررنا أن ننتج خمسة أعمال في السنة المقبلة وخمسة أعمال في السنة التي تليها. ونحن قمنا حتى الآن بإنتاج فيلم «حسيبة» عن رواية بالاسم ذاته لخيري الذهبي، وهو يمثل تحية لنساء دمشق في النصف الأول من القرن الماضي، والفيلم أصبح قاب قوسين أو أدنى من انتهاء التصوير، بعده سيباشر وليد حريب تصوير فيلم آخر عن دمشق بعنوان «سبع دقائق نحو منتصف الليل» عن سيناريو للكاتب حسن سامي اليوسف. وهناك بعض المشاريع المزمع انتاجها، أذكر منها «موزاييك دمشقي» لحاتم علي عن رواية لفواز حداد، و «دمشق يا بسمة الحزن» عن رواية لألفت الادلبي، وسيناريو يقوم بكتابته الآن رفيق الصبان، وقد يكون انتاجاً سورياً - مصرياً مشتركاً. وهذا كما ترى يتعلق بمدينة دمشق، لكن لدينا مواضيع أخرى، منها «وطن في السماء» مع دريد لحام، ومشروع مع عبداللطيف عبدالحميد، وقد أقرته اللجنة الفكرية، وأعتقد بأنه من أفضل ما كتب في الآونة الأخيرة، وهو بعنوان «أيام الضجر». وكذلك أبدى أنور القوادري رغبة بتحويل رواية «ديكتاتورية الذاكرة» لعادل أبو شنب الى فيلم سينمائي. لقد أردنا بهذه المناسبة أن نفتح الباب أمام كل المبدعين السوريين ممن يعملون في المؤسسة وخارجها، فليس هناك مادة تقول ان فرصة الإخراج في المؤسسة حكر على مخرجيها. وأصدقك القول انه لا بد من قلب الصفحة، فأفلام المؤسسة في السنوات الأخيرة، هي أفلام تشبه بعضها البعض في واقع الأمر، وهذا لا يعني التقليل من قيمتها وبث رسالة ما لمخرجيها، فنحن نحترم أعمالنا ومبدعينا، ولكن لا بد للمؤسسة من أن تخطو في اتجاهات أخرى، وأن تفتح الباب أمام الرؤى الإخراجية الجديدة. مدارس مختلفة · ألا تخشون من أن يكون الموضوع المزمع تنفيذه سبباً في تكرار وتشابه بعض الأفلام والأفكار؟ – الرؤى الإخراجية المتباينة ستضمن لنا عدم التشابه، وأسوق مثالاً مباشراً من السينما المصرية عندما حقق علي بدرخان وخيري بشارة فيلمين عن رواية واحدة، ولم يشبه أحدهما الآخر، لأن علي من مدرسة وخيري من مدرسة أخرى. وكذا الأمر ينطبق على «حادثة النصف متر»، فما قدمه أشرف فهمي في السينما المصرية لا يشبه ما قدمه سمير ذكرى في السينما السورية والرواية واحدة كما تعلم. أعتقد بأن الأفلام المقترحة عن دمشق، والمسندة لمخرجين أصبح لكل منهم بصمة خاصة، ستضمن عدم التشابه الذي قد يلوح في الأفق، ولكن في النهاية كما يقال، لا شيء مضموناً. ونحن في النهاية هدفنا هو فتح النافذة على آفاق أكثر رحابة، وأن نضمن عبر هذه الرؤى الإخراجية المتباينة المزيد من النقاش، وأقول سلفاً ان بعض هذه الأفلام قد ينجح وبعضها لا، ولكن ما سنفيده من هذه التجربة لا بد من أن يتحقق بتراكم العملية الانتاجية، فهذا هو الحل كما أراه بعيداً من كل التنظير والتقويمات النقدية والأحكام الارتجالية. · لاحظنا في الأفلام السورية من قبل هذا التوجه «المناطقي» للمخرجين السوريين، وظلت دمشق مبهمة في أفلامهم! – هذه الظاهرة ارتبطت بسينما المؤلف التي طغت على السينما السورية مع مطلع الثمانينات. ملص في القنيطرة، وذكرى في حلب، وعبد اللطيف وأسامة محمد في الساحل، وغسان شميط في جنوب سورية، وهذا بمجمله لم يصب في مصلحة السينما السورية في رأيي. ربما كان عبداللطيف متيقظاً أكثر من غيره لهذه المسألة، كما تيقظ لها سينمائيون عالميون كبار حققوا أفلاماً شديدة البيئوية، لكنها كانت ذات نفس عالمي. أنا من جهتي لم أكن ميّالاً الى هذه النوعية من الأفلام لسبب بسيط وهو أن سينما المؤلف كما شاهدتها وعرفتها في سينما المؤلفين الكبار تبدأ من ذاتية مفرطة ربما، وتنتهي بكونية مفرطة، وهذا ما تابعناه عند برغمان وفيلليني وكوروساوا وساورا وكياروستامي. الموضوع لديهم مرتبط بالبيئة المحلية ولكنه يخاطب كل الناس وفي كل بقاع الدنيا، وهذا ما لم تستطع أن تحققه السينما السورية في أفلامها. ومن يشاهد بعض هذه الأفلام، ان لم يكن سورياً، لن يصله مضمون الفيلم، لذلك لا أجدني منجذباً الى ما سمي عندنا سينما المؤلف، وأسوق هذا الكلام بوصفي ناقداً وليس كمدير عام للمؤسسة. حديث مفتوح · هل ستحقق الأفلام المقترحة حديثاً عن دمشق بعضاً من هذه الشجون؟ – أنا حريص أشد الحرص على ألا يكون التحدث عن هذه البيئة مغلقاً. يجب أن تكون البيئة مفتاحاً لرؤية إنسانية تخاطب كل من يشاهدها. وأعتقد بأن هذا سيتحقق في معظم الأعمال التي ذكرتها لك عن دمشق، وأعود لأذكر انه قد آن الأوان لقلب الصفحة في المؤسسة العامة للسينما، فقد شبعنا من الأفلام الخاصة جداً والمغرقة في ذاتيتها والتي لا تخاطب الناس وتصب في تيارات فكرية تجاوزتها السينما العالمية. لا أريد للفيلم السوري سواء كنت مديراً عاماً أو ناقداً، أن يحضره خمسون شخصاً فقط لا نجد أحداً منهم بعد مرور نصف ساعة على بدء العرض. · الآن تعودون الى رواية «حسيبة»... وقد يقول قائل إن المؤسسة انما تفتش في دفاترها القديمة.! – إطلاقاً... لربما شاءت الصدف أن يكون سيناريو «حسيبة» وسيناريو «دمشق يا بسمة الحزن» من ضمن السيناريوات الموجودة في المؤسسة، ولكننا اليوم لدينا نزوع في المؤسسة نحو الرواية، فكما قلت لك، لقد سئمنا من السير الذاتية وشبعنا من المواضيع المستلهمة من حياة مخرجينا! نحن تواقون الى إعادة أفلام المؤسسة الى وهج السبعينات يوم كانت تستند الى الروايات والى همّ أكبر يؤسس فعلاً الى كلاسيكيات ما زلنا نعود إليها بحب كبير. العودة الى «حسيبة» ليست نبشاً في الماضي، بمقادر ما هي تكريم للرواية السورية ومبدعيها. · هل تشكل العودة الى الرواية بهذه القوة «استراحة» من سينما المؤلف... والتجريب أيضاً؟! – هذه لا تصدر بقانون أو قرار مدير عام. نحن سنفتح المجال أمام الرواية لمخرجين من خارج المؤسسة، ومن يريد أن يتقد بسيرة ذاتية سنرحب به شريطة ألا يكون مغرقاً في ذاتيته، أو أن يكون منطوياً على حال شديدة الخصوصية. على سبيل المثال فان السيناريو الأخير لعبداللطيف عبدالحميد فيه شيء من سيرته الذاتية، ولكنها ليست المحور الذي تدور عليه أحداث الفيلم. سنشاهد أصواتاً تاريخية وشخصيات من لحم ودم تتفاعل مع حرارة الحديث المروي وتنطلق من الخاص الى العام بحيث انك عندما تفرغ من قراءة النص ستجد نفسك أمام عمل بعيد تماماً عن السيرة الذاتية على رغم أنه ينطلق منها. أنا لست ضد السيرة الذاتية التي تحقق جواز الانتقال من الخاص الى العام، فأعظم الأعمال السينمائية كانت مستمدة من السير الذاتية التي لم تكن منغلقة على نفسها كما في بعض الأفلام التي أنتجتها المؤسسة منذ الثمانينات. التجريب سوف يظل هاجسنا، والمؤسسة لن تبدل شيئاً جوهرياً فنحن نعلم أننا ننتج أفلاماً ثقافية ومنطوية على أفكار ودلالات لا يقدم عليها القطاع الخاص، لكننا نريد فعلاً تلوين الأشياء وإخراجها بحلة جديدة مواكبة لما يجري في سينما اليوم، فليس من المعقول بعد اليوم أن ننتج أفلاماً بالطريقة نفسها التي بدأنا بها منذ 1980. الحياة اللندنية في 10 نوفمبر 2006
«الشيطان يرتدي برادا» يشهد عودة متألقة لميريل ستريب ... كوميديا معبرة تغوص في خفايا عالم الموضة أمستردام – محمد موسى إذا كان هناك ما يميز العشرين سنة الفائتة في أوروبا والعالم الغربي فهو غياب الأفكار السياسية، الاجتماعية، الفكرية والثقافية الكبيرة. بعد نهايات الشيوعية اتجهت المجتمعات الغربية الى مزيد من الفردية الفكرية والإنسانية حتى ان فكرة حديثة كفكرة العولمة بقيت محصورة بمجموعات يسارية تملك مواقف متشددة جداً منها. العشرون سنة الماضـيـة شهدت في ما شهـدت اهتمامـاً غـير مسبـوق بالموضة والأزياء والعوالم التي تتعلق بهما. في السنين القليلة الماضيـة تم إصـدار مئـات مـن المجلات والمطبوعات وتم إنتاج العشرات من البرامج التلفزيونية المتخصصة بالموضة بل حتى أنشئت بعض محطات تلفزيونية متخصصة بالكامل بالأزياء والموضة، مع كل هذا الاهتمام الكبير تحولت الموضة الى صناعة وتجارة رأسمالها بلايين الدولارات. بعض علماء النفس الغربيين ربط بين هذا الأهتمام الكبير بالموضة ورغبة البعض بالانتماء الى مجموعة ما، فمرتدو «برادا» أو» ديور» أو غيرها من ماركات الملابس العالمية يرتبطون برابط اجتماعي طبقي نفسي يمنح هوية معينة يبدو ان البعض لا يقدر عن الاستغناء عنها أو عن أثرها النفسي الفطري. اختيار ثقافي مسلسل تلفزيوني أميركي مثل «الجنس والمدينة» والذي تحتل الموضة فيه مكاناً مهماً جداً نجح بسبب تقديمه الموضة على انها اختيار حياتي ثقافي وليس ترفاً خاوياً يرتبط بالوضع المادي للناس أو سطحيتهم الزائدة. فيلم «الشيطان يرتدي برادا» والذي يعرض الآن في الصالات السينمائية في أوروبا هو واحد من الأفلام القابلة القليلة التي تهتم في شكل أساس بعالم الموضة وعالم مجلات الموضة الناجحة جداً في الغرب والكثير من الدول العربية. الفيلم المأخوذ عن رواية ناجحة جداً بالعنوان نفسه للمؤلفة «لورين ويسبيرغر» يروي تفاصيل الحياة الداخلية لإحدى مجلات الموضة في مدينة نيويورك. البطلة الشابة (تقوم بالدور النجمة الصاعدة آنا هايثوي) والتي ترغب بالعمل كصحافية في جريدة «جادة» لا تجد غير وظيفة سكرتيرة رئيسة تحرير إحدى مجلات الموضة الكبرى (تقوم بالدور الممثلة الكبيرة ميريل ستريب). الفيلم كحال الكثير من الأفلام الهوليوودية يضع صراعاً «أخلاقياً» يأخذ الكثير من وقت الفيلم وقصتة وينتهي بتغلب الطرف «الجيد» في النهاية فالسكرتيرة الشابة تترك عملها في مجلة الأزياء والذي كاد ان يسلبها روحها الخيرة! هذا الاتجاه الأخلاقي الزائد في الفيلم لم يمنع من ان يقدم عالم الموضة كما لم يقدم من قبل. مجلات الأزياء والموضة والتي تبدو للبعض سطحية يقدمها الفيلم نتيجة لجهد لا يقل عن الجهد المبذول في تحرير الكثير من المجلات الرصينة. هذا الفيلم لم يحسم هذه القضية بل قاربها على استيحاء من خلال بعض الحوارات الممتعة للعاملين في المجلة والتي عرضت إيمانهم بالموضة والأزياء كفن وصحافة لكن الفيلم عاد وتضامن مع بطلته الشابة، إذ آثرت أن تبقى بعيدة من عالم الموضة والذي كاد أن يفسد علاقتها العاطفية وحياتها المهنية كصحافية جادة (كأن صحافة الموضة ليست بالصحافة الجادة)! هذا العلم يعج بالكوميديا الذكية والإشارات التي ترتبط بثقافة السنوات العشر الفائتة. النجمة ميريل ستريب والتي يبدو ان أدوراها السابقة الكبيرة بكل الدموع واللهجات المتعددة التي برعت فيها قد انتهت. تبدو وكأن أدوارها الجديدة الأخرى لا تقل إدهاشاً. في هذا الفيلم تلعب ميريل ستريب دور رئيسة التحرير القاسية التي لا تكاد تبتسم لكن خبرة الممثلة الكبيرة ونضجها تجعل المشاهد التي تلعبها مملوءة بالمواقف الكوميدية المضحكة حقاً. الحياة اللندنية في 10 نوفمبر 2006
|
إبداعه حاضر في الكتب والأفلام والدراسات الأكاديمية تاركوفسكي مخرج يرفض الرحيل محمد رضا |