قررت ماري شنايدمان، وهي ربة منزل تعيش في إحدى ضواحي نيويورك الراقية، ان تشاهد الفيلم بعد ان نصحتها الكثيرات من الصديقات بعدم مشاهدته، وقالت 'أحب اوليفر ستون وغالبا ما تكون مواقفه صائبة'. واحتجت اماتو، وهي معلمة في الأربعين من العمر تعيش أيضا في نيويورك، بقولها: 'يكفي أننا عشنا هذه المأساة مرة واحدة. ولا اشعر برغبة في ان ادفع مالا لأشاهدها مرة ثانية عبر الشاشة الكبيرة'. على الجانب المعارض قالت كاري لوماك التي فقدت والدتها تحت أنقاض مركز التجارة العالمي إنها تتجنب عمدا صالات السينما منذ ان بدأت تعرض مقتطفات من الفيلم في مايو، وأضافت: 'لا أريد ان أشاهد جريمة القتل التي ذهبت والدتي ضحيتها'. سيندي ادامز، كاتبة الافتتاحية في صحيفة 'نيويورك بوست'، عبرت عن 'كراهيتها للفيلم' مضيفة ان 'هذه الاعتداءات تركت اثرا عميقا في نفوس سكان نيويورك إلى درجة ان لا شيء في الوقت الراهن يستطيع ان يعبر عن مشاعرهم الحقيقية على الشاشة الكبيرة'. وكانت نقابة الشرطة في سلطة موانئ نيويورك التي فقدت 37 من عناصرها في 11 سبتمبر 2001 قد حذرت موظفيها من التعرض لصدمة في حال قرروا مشاهدة 'وورلد تريد سنتر'، اما مخرج الفيلم اوليفر ستون، فصرح لوكالة الأنباء الفرنسية في نيويورك: 'من الأهمية بمكان ان يتذكر الناس ما حصل لانهم يميلون الى النسيان, وعلى الأطفال ان يعلموا هذا الواقع الحزين'. اوليفر ستون أوضح ايضا لدى اعلان شركة باراماونت المنتجة للمشروع في يوليو 2005: 'انه فيلم يتطرق إلى البطولة في بلادنا، ودولي في بعده الانساني، انه عمل يكمن خلفه شغف جماعي وتأمل جدي بما حصل وسيحمل شحنة عاطفية من شانها ان تشفي النفوس المجروحة'. إنقاذ وحقوق الفيلم يروى قصة عملية انقاذ شرطيين من سلطة شرطة مرفأ نيويورك بعد ان دفنوا تحت أنقاض مركز التجارة العالمي بعد انهياره. وكان الشرطيان جون مكلوخلين ووليام جيمينو، وهما برتبة سارجنت، باعا حقوق نشر قصتهما التي تشكل نواة السيناريو الذي كتبته اندريا بيرلوف لشركة باراماونت. أعطت الشركة اشارة البدء للمخرجين للعمل في الفيلم لتسبق منافستها كولومبيا بكتشرز التي تنتج فيلما اخر عن هجمات 11 سبتمبر. واعلنت كولومبيا في فبراير الماضي انها حصلت على حقوق انتاج 102 دقيقة عن كتاب ألفه صحافيان من نيويورك تايمز يسجل اللحظات الفاصلة بين اصطدام أول طائرة مختطفة ببرج مركز التجارة العالمي وسقوط البرج الأول. وإلى الآن لم يقع الاختيار على مخرج او ممثلين للعمل في الفيلم، الا ان كولومبيا حصلت على مسودة سيناريو من الكاتب بيلي راي. مخرج وموقف كما يبدو من مراجعة لسيرته الذاتية، فإنها ليست المرة الأولى التى يتناول فيها ستون التعرض لحادث جلل فى تاريخ الولايات المتحدة حيث سبق له ان عالج حرب فيتنام في 'بلاتون' (كتيبة)، واغتيال جون كنيدي في 'جاي.اف.كي'، واستقالة ريتشارد نيكسون في 'نيكسون'. وستون حاصل على ثلاث جوائز اوسكار من بينها جائزتا افضل مخرج عن 'بلاتون' عام 1987 و'مولود في الرابع من يوليو' عام 1990، وتضم لائحة افلامه العديد من الأعمال التي طالما اثارت النقاش والجدل، ونذكر منها 'وول ستريت' و'السماء والأرض' و'يوتيرن' وغيرها. وكما تعرضت أفلامه للجوائز تعرضت أيضا للنقد بسبب القسوة الشديدة التي اتسم بها بعضها مثل 'قتلة بالفطرة' المفرط في العنف. ومن خلال سيرته الذاتية أيضا نعرف انه كان معارضا للحرب فى فيتنام، بل للحرب ككل. وهو من المغرمين بالرئيس كنيدي، وكما في أغلب افلامه فان موضوع فيلمه الأخير كان ومازال أيضا مثيرا للجدل. رواية رسمية وتقرير التقرير الأميركي الرسمي حول تفجيرات برجي التجارة في واشنطن وضرب مبنى وزارة الدفاع (البنتاغون) الذي صدر بعد سنوات من وقوع التفجيرات عن اللجنة القومية لتقصي الحقائق، مليء كما قال بعض الناشطين الأميركيين بالثغرات، وتعمد عدم الإشارة إلى عدد من النقاط الجوهرية، مما يؤكد ان اتهام الإدارة الأميركية للعرب والمسلمين بالمسؤولية عن تلك الأحداث محض افتراء يفتقد الدليل الحاسم. وبعض هؤلاء الناشطين كشفوا الكثير من الحقائق من خلال مواقعهم على الانترنت والأفلام التي أنتجوها خلال السنوات الخمس الماضية عقب وقوع التفجيرات، وكلها تشير إلى أن الرواية الرسمية الأميركية حول الأحداث ليست صحيحة ولا يمكن تصديقها لمخالفتها حقيقة ما جرى في الواقع وشهادة الشهود ومنهم عمال الانقاذ الاميركيين الذين سارعوا الى مكان الحادث فور وقوعه، إلى جانب ان القوائم الحقيقية للمسافرين على الطائرات التي زعم انها ضربت البرجين تخلو من اي اسم عربي او مسلم، على خلاف ما قالته المصادر الرسمية الاميركية. بطولة وأمل على كل حال ليس موضوعنا هنا الاسباب والدوافع والحقائق حول ما حدث فى 11 سبتمبر، مع احترامنا لاي جهد يبذله اي ناشط، ومن خلال مشاهدة الفيلم فان ستون كان بعيدا تماما عن مناقشة الاسباب والدوافع كما فعل مثلا مايكل مور في 'فهرنهايت 11/9'. ستون كان واضحا منذ البداية، وهذا ما ظهر بالفعل في الفيلم، انه عمل يكمن خلفه شغف جماعي وتأمل جدي بما حصل وسيحمل شحنة عاطفية من شأنها ان تشفي النفوس المجروحة. فى الفيلم يروي ستون اذن قصة انسانية مثيرة يؤدي فيها نيكولاس كيدج ومايكل بينا دوريهما ببراعة حيث يظهران في الفيلم مطمورين تحت الانقاض، ويكاد كيدج لايستطيع النطق، نرى فقط عينيه تعبران باقتدار عن حجم الكارثة وعن صراع الانسان من أجل الحياة. وكما اشرنا فان ستون تفادى اي تلميحات سياسية، ما عدا في البداية عندما عرض مشاهد نشرات اخبارية (أخذها من ارشيف التلفزيونات) تظهر اناسا في جميع العالم يشاهدون الهجوم على البرجين وهم يبكون. وغير نجاحه في ادارة الممثل، نجح ستون في المزج بين التسجيلي والروائي، واستطاع ببراعة ان يقنعنا بان ممثليه كانوا هناك في برج التجارة الدولي صبيحة يوم 11 سبتمبر ومرة ثانية استطاع ان يقنعنا بانهيار المبنى فوق رؤوس رجال الشرطة الذين مات بعضهم تحت الانقاض، ومرة ثالثة استطاع ان يقنعنا باجواء الحدث ككل وتأثيراته على الجميع الذين وحدتهم المأساة. استطاع ستون ان يتملك ادواته جيدا في هذا الفيلم، فقدم لنا اضاءة موحية وموسيقى معبرة مع الاحتفاظ بايقاع لاهث اثناء الحدث وايقاع بطيء عندما كان الحدث ينتقل الى الشرطيين تحت الانقاض. فيلم 'مركز التجارة العالمي' لا يحلل ولا يناقش ولا يبحث عن الاسباب، وانما هو فيلم انساني بالدرجة الاولى عن بطولة الانسان وعن الامل. وهناك رسالة في روح الفيلم تقول ان الخطر عندما يأتي لا يفرق بين اسود وابيض او بين مسلم او مسيحي او يهودي، فالكل واقع تحت الانقاض والكل في استطاعته النهوض. اذا شاهدت الفيلم فانك لن تضيع وقتك لانه يستحق المشاهدة. القبس الكويتية في 7 نوفمبر 2006
"ورلد ترايد سنتر" لأوليفر ستون رؤية صميميّة لهجمات الحادي عشر من أيلول جان فرنسوا روجِه ـ ترجمة ب.ح قد يكون من قبيل العبث أن يبدي أحدنا دهشته إزاء قدرة السينما الهوليوديّة على تحويل الواقع، على نحوٍ شبه فوري، إلى وسيلة ترفيه، إلى سردٍ سرعان ما يستولي فيه الخيال على مساحته. وإزاء التحدّي الذي مثّلته هجمات 11 أيلول 2001 الانتحاريّة، ولو من حيث فكرة تحوّلها إلى عرض سينمائي، يقترح فيلم أوليفر ستون إجابةً متواضعة، ليست مُلهَمةً على الدوام، غير أنّها مفعمة بالحرص المتبصّر. كان أوليفر ستون، السينمائي، مُدرِكاً لاستحالة المنافسة مع الإخراج الضخم لهذه الهجمات. "ورلد ترايد سنتر" (مركز التجارة العالمي) مقتبس عن القصّة الحقيقيّة لرجلي شرطة من نيويورك هما جون ماك لولين وويل جيمِنو. كان الشرطيان قد استدعيا، على وجه السرعة، إلى موقع البرجين التوأمين لحظة صدمهما بطائرتين (تجاريتين)، ثمّ وجدا نفسيهما مطمورين تحت أطنان من الركام لدى انهيار البرجين. جدير بالذكر هنا أنّ هذين الشرطيين كانا في عداد العشرين ناجياً الذين تمّ إنقاذهم بعيد الكارثة. بعد جزء أوّل يُختتم بانطمار عناصر المفرزة التي ينتمي إليها الشرطيان تحت الانقاض، يعمد أوليفر إلى اعتماد مسارين سرديين متوازيين: الأول عن مقاومة الجريحين اللذين راحا يتبادلان المساعدة والدعم في كنف العتمة وعن انتظار أسرتيهما؛ والثاني، في موازاته، عن رحلة المنقذين، وأحدهم يُدعى دايف كارنز، جندي المارينز السابق، الذي يشعر بأنه مكلّف بمهمّة إلهيّة، فيبحث بين الأنقاض عن الناجين مرتدياً بزّته النظاميّة، ويعثر على الشرطيين وينقذهما. طبعاً من اليسير (ومن المبرّر) أن يؤخذ على الفيلم الطابع المؤثِر المقصود للمشاهد العائليّة المتنوّعة، وبعض الصور التي بدت غير ملائمة (رؤى المسيح المتجلّي لأحد الجرحى)، ورتابة بعض الأفكار (ماك لولين متحسّراً لأنه لم يقبّل زوجته قبل تلبيته نداء الواجب). غير أنّ ما يضفي قيمة فعليّة على "ورلد ترايد سنتر"، والمركّز كلّه تقريباً في الجزء الأوّل، هو الرغبة في تقديم فيلم غير مشهديّ وغير بطولي عن الكارثة، الرغبة في تقديم وجهة نظر الذين لم تتكوّن لديهم، حتّى وهم في صلب الأحداث، إلاّ رؤية جزئيّة ومشوّشة عنها. ففي معرض الردّ على سيل الصور المتلفزة التي صوّرت الهجوم وانهيار البرجين من كلّ زاوية، يقدّم أوليفر ستون رؤيةً ذاتيّة للأحداث "وعلى مستوى الفرد". كان هذا الحرص المتبصّرُ مفيداً جداً لسينمائي اشتهر بميله إلى المغالاة بقدر ما اشتهر برغبته في رسم صورة لتاريخ أميركا المعاصر. غير أنّ إصراره على إنجاز فيلم غير مشهديّ كان، بالتأكيد، عاملاً حاسماً في الاستقبال الفاتر الذي لقيه الفيلم في الصالات الأميركيّة. · فيلمك "ورلد ترايد سنتر" هو، في وقتٍ معاً، فيلم شهادة وفيلم ترفيه. هل كان مشروعك يلحظ في الأصل، الجمع بين هذين الأمرين؟ ـ كلّ فيلم يحتاج إلى التوتّر والتشويق لكي يستأثر بانتباه المشاهد. ولكن في مثل هذه الحالة، يتضح أن الأمر بالغ الصعوبة. فسرد قصّة رجلين عالقين تحت الأنقاض لساعتين من الزمن، أمرٌ مضجر جداً. لذا كان التحدي الذي واجهته هو أن أجعل السرد مشوّقاً. وفي الوقت نفسه كنت أتحمّل مسؤولية أن أشهد على ما حدث بدقّة وواقعية وعلى نحوٍ ملائم. إذ كان ينبغي للفيلم أن يكون أيضاً بمثابة صرح تذكاري لمن قضوا. · هل من الممكن أن يُصنَع فيلمٌ روائي (خيالي) انطلاقاً من أحداث مثل هذه لم يمض عليها زمن طويل؟ ـ لقد تمكّن هذان الرجلان من سرد قصّتهما. لقد تطلّب تعافيهما من الصدمة واتخاذ القرار في سرد ما جرى ما يزيد على العامين. ثمّ استغرق تأليف السيناريو نحو عام. هذا فضلاً عن أن دايف كارنز، جندي المارينز السابق الذي أنقذ الرجلين، رفض التعاون معي. كان يظنّ أنني أعمل ضدّ بوش. لكنّه نشر قصّته وأجريت معه مقابلات في وسائل الإعلام. فاستطعتُ بهذه الطريقة أن أفهم شخصيّته. ولا ينبغي أن ننسى أننا ما زلنا نحيا فصول حرب ضدّ الإرهاب. وكلّما انقضى عام اكتشفنا أمراً جديداً بشأن الأسباب التي أدّت إلى ما نعيشه اليوم. أعتقد أنّ أي سعي وراء رؤية جامعة مانعةٍ لما حدث كان ليوصف بالجرأة المفرطة. لذلك أكتفي هنا بقصّة فرديّة انطلاقاً من رواية من عاشوا الأحداث للأحداث. · ما الذي وجدته لافتاً في هذه القصّة؟ ـ أعتقد أنّها قصّة غير عاديّة. لقد بقي الرجلان عالقين أسفل البرجين التوأمين، في المركز التجاري تحت الأرض الذي أنشئ للوصلِ بينهما. قيض لهما أن يَنجُوَا على الرغم من وجودهما وسط الكارثة لأنهما كانا قرب منور المصاعد المتين البناء. إنّه حقّاً لمجاز مدهش. نحن نعيش مرحلة شديدة القتامة ولدى هذين الرجلين ما نعتبر منه. إنّ إيمانهما بالله والزواج والأسرة قويّ جداً. ويقولان لنا إنّه ما دام هناك بصيص نور هناك أمل. هذه القصة هي أمثولة تضامن. وحتّى لو بدا الأفق اليوم أكثر تلبّداً مما كان عليه سنة 2001، بسبب السياسة التي ننتهجها وبسبب الحرب التي نخوضها. لقد قبلنا، نحن في أميركا، مثل هذه القسوة. وهذا هو التحدّي الذي يواجهه الفنانون اليوم. · ما هي الخيارات التي كنت تملكها في تصويرك لهجمات الحادي عشر من ايلول؟ ـ إنّ فيلم "ورلد ترايد سنتر" هو فيلم كوارث، ولكن لا يمكن للسينمائي أن ينحو في إخراجه نحوَ السينما الهوليوديّة الكلاسيكيّة. فرؤية الهجمات هي رؤية ذاتية. إنّها إدراك حسّي من "الداخل"، إدراك شخصيّات فيلمي ومعظمها لم يكن لديه أدنى فكرة عن حقيقة ما كان يجري. بعضهم لم يدرك مثلاً أن المبنى انهار فوق رؤوسهم. وظنّوا أنّ قنبلة انفجرت في طبقات تحت الأرض من المبنى على غرار ما جرى عام 1993. آخرون ظنّوا أنها طائرة صغيرة اصطدمت بأحد البرجين. ثمّ أدركوا جميعاً حين بلغوا باحة المبنى أنّ الأمر أشد خطورة بما لا يُقاس. كانوا مذعورين لكنّهم دخلوا المبنى. جون ماك لولين مثلاً أظهر قدرةً هائلة على التفكير المنطقي، المنهجي، وراح يجمع المعدّات اللازمة لعمليات الإنقاذ. تصرّف هناك بمهنيّة لافتة. شخصيّات فيلمي هي شخصيّات أناس عاديين زاولوا عملهم المعتاد مذعورين. وحده جندي المارينز السابق الذي يعثر على الناجين تخرج شخصيّته بمقدارٍ عن المألوف. إنّه محاسب عاود ارتداء بزّته العسكريّة لأنه كان يؤمن بأنه مكلّف بمهمّة عُلويّة. وتصرّف بنزوعٍ بطوليّ غريب. · إنها شخصيّة مقلِقةٌ بعض الشيء. كأنّه أصوليّ ـ هذا "البطل" هو أيضاً رجلٌ يعيش على هامش المجتمع. يتضح ذلك من المقابلات التي أجريت معه. غير أنّ جانب السخريّة في الأمر يكمن في أنه التحق مجدداً بالجيش وذهب ليقاتل في العراق. كنتُ لأفهم سلوكه لو أنه تطوّع للقتال في أفغانستان، لكنه اختار أن يقاتل في العراق. وفعلته ليست مجرّدةً من الدلالة. فعقب ما جرى كانت أميركا غاضبة. وكان تدخّلها في أفغانستان مشروعاً لأن الطالبان كانوا يدعمون تنظيم القاعدة. وكان ينبغي للأميركيين أن يُنهوا عملهم هناك. لكنّهم ذهبوا أيضاً إلى العراق وتدخّلهم في العراق يعتبر كارثة عالميّة. · بِمَ تردّ على الذين يقولون إنّك صنعتَ فيلماً مفعَماً بالحماسة الوطنيّة؟ ـ لا أحبّ كثيراً عبارة "حماسة وطنيّة". فتحت رايتها ينضوي كثير من الرعاع. الحقيقة أنني أحبّ أميركا وكم أودّ أن أستردّ بلدي، أن أنتزعه مجدداً من أيدي الذين سرقوه، في نظري. إنّ الحماسة الوطنيّة الحقّة ينبغي أن تكون حبّاً للبشريّة. الفيلم يمتدح بعض القيم. صمود رجلين متزوجين يودّان رؤية أسرتيهما مجدداً، ولا سند لهما في صمودهما سوى الذكريات. الخصومة تحيي الحبّ الذي يستنفده روتين الزواج. أنا أؤمن بقيم (كالأسرة مثلاً) يعتبرها البعض محافظة أو قديمة الطراز. · لقد قلت من قبل إنّ هجمات الحادي عشر من أيلول كانت هجمة ضدّ ستّ شركات تهيمن على العالم ـ كانت هجوماً ضدّ العولمة، لكنّها استهدفت أيضاً صناعة الترفيه الذي يروّج لإيديولوجية وقيم العولمة ونمط الحياة الأميركي. لقد انطوت تلك الهجمات التي غيّرت العالم حقاً على عنصر ثوريّ ما. ويمكن القول إنّ المهاجمين انتصروا لأننا استسلمنا للإرهاب. وها هو بوش يقيم العالم ولا يُقعِده ويولّد المزيد من الرعب لأسباب سياسيّة. · برأيك، بعد كم من الوقت سيستطيع السينمائيون ان يصنعوا أفلاماً روائيّة عن العراق؟ ـ الموضوع مغرٍ غير أن الوضع ما زال ملتبساً. أنا شخصياً لا أعتقد أنني أستطيع أن أصنع فيلماً عن العراق الآن. وعلى جيل جديد من السينمائيين أن يقدم على هذه الخطوة. نشاهد اليوم، وبفضل الأنترنت، كثيراً من الأفلام نفّذها جنود خلال خدمتهم هناك. مّن يعِش يرَ، وسوف يرى أفلاماً كثيرة حول العراق. أنا أرى أن بوش شخصيّة مغرية. أشبه بملكٍ شكسبيري سيئ، متغطرس، ومعزول في حجرة مكتبه. بإمكانه أن يكون هنري الخامس، الإبن الأبله، الذي اصبح ملكاً طيّب القلب، لكنّه تبنّى خيارات خاطئة. ينبغي ألاّ ننسى أنّه يلقى دعم بعض التقدميين في حربه ضدّ العراق. اليسار الأميركي كان مخيّباً للآمال وخسر روحه. أمّا السلطة في أميركا فقد خسرت كلّ صلةٍ لها بالواقع الفعلي. (حاوره جان فرنسوا روجِه، عن صحيفة "لوموند" الفرنسيّة في عددها الصادر في 20 أيلول 2006 المستقبل اللبنانية في 1 أكتوبر 2006
سقطة ستون في مركز التجارة العالمي قيس قاسم "مركز التجارة العالمي" فيلم ليس له علاقة بالسياسة، انه يحكي قصة حقيقة، جسدها بطلان، شرطيان شجاعان، رفضا الموت وأختارا الحياة وهما تحت الأنقاض، فيلم يتحدث عن معاناة الناس وروح المساعدة الكبيرة في دواخلهم. هذا الكلام قاله المخرج أوليفر ستون بأشكال مختلفة قبل عرض فيلمه بمدة ليست بالقصيرة وظل يردده حتى بعد عرضه. من يشاهد الفيلم يفهم أصرار ستون على أبعاد تهمة "السياسة" عن فيلمه، وهو الذي أخرج أكثر الأفلام تماسا مباشرا بالسياسة: "ج ف كندي"، "بلاتون"، "نيكسون"، "ولد في الرابع من تموز"، "قتله بالفطرة". وحتى فيلم "ولا يوم أحد" يحمل السياسة بين طياته رغم أنه يتحدث عن عالم كرة القدم الأمريكية، سيفهم المشاهد، مع حركة الشريط تدريجيا، ان كل ما كان ينتظره من أوليفر ستون لاوجود له في هذا الفيلم: لا بحث عن الحقائق الخفية، ولا متابعة لما أصطلح عليه، نظرية المؤامرة، وما أكثر أنتشارها، بعد تفجيرات 11 سيبتمبر! لا نقد لسياسة بوش، ولا لسياسات الحرب الخارجية التي تبناها صقور الادارة الأمريكية بعد التفجيرات! لا رؤية مستقبيلية بديلة ولا نظرة نقدية للتاريخ كالتي قدمها ستون سابقا. لقد عرف العالم أوليفر ستون مخرجا "سياسيا" وكسب، بفضل همه هذا، أهمية أستثنائية كونه مخرجا مختلفا كان يبحث عن الحقيقة ويرى العالم من منظور فنان مختلف، لايقبل بكل ما يقوله الساسة، فيعري ما يخططون له بالسر ويكذب ما يقولونه في العلن. والأن، وما دام ستون أختار لفيلمه الجديد ان لا يكون سياسيا فعلينا أحترام أرادته، فهذا في نهاية المطاف أختياره الشخصي، والذي يحتم علينا موضوعيا السعي لفهمه، والقبول بفكرة ان "مركز التجارة العالمي" ما هو بفيلم سياسي! لكن، ودون ارادة منا، سيطرح السؤال التالي نفسه علينا مباشرة: إذا لم يكن سياسيا فأي فيلم هو؟ تمهيد عاطفي بذكائة المعروف وقدرته الحرفية العالية يحاول ستون جر المشاهد الى مناخ درامي بحت، يحوي داخله قصة المنقذين ويل جمينو (الممثل مايكل بينا) وجون ماكلولين (نيكولاس كيج) وما تعرضا له في يوم دراماتيكي غير عادي، يوم الحادي عشر من سبتمبر، وهما يؤديان واجبهما الروتيني في وحدة مراقبة الموانيء التابعة لشرطة نيويورك. في فجر ذلك اليوم، وفي مدخل سينمائي رائع، ينقلنا ستون عبر أنتقال رئيس الوحدة جون ماكلولين بسيارته الخاصة الى وحدته، الى أجواء مانهاتن. صورتها وهي تستفيق لاتشبه صورتها التي عرفنها على يد المصوريين الأخرين. نبض الحياة يبعد عنا صورة المدينة التجارية والمراكز العالمية الكثيرة. أنها مدينة رائعة تستفيق على نبض حياة الناس العاديين فيها. مع حركة أنتقال الشرطي الأخر، تكتمل صورة المدينة، لنصل الى مركز الوحدة، حيث توزع المهامات اليومية بالشكل المألوف. لكن وللحظة واحدة يخيم شبح طائرة قريب منهم جدا، ينشر أحساسا ان ثمة شيء قد حدث، أو سيحدث. بعد قليل تصل الأخبار اليهم: طائرة مدنية أصطدمت بأحد برجي مركز التجارة العالمي. وعلى الفور يكلف ماكلولين بتشكيل فرقة أنقاذ صغيرة، والتوجه مباشرة الى مكان الحادث. في الطريق تسري أثار الصدمة بين أعضاء الفرقة وهم ينظرون الى الحريق الهائل والى الدمار الذي سببه الأصطدام. لقطة، دهشة رجال الشرطة، المذهلة ستسري مباشرة الى داخل المتفرج، فيستسلم لشعور الخوف والكارثة. من هذة اللحظة سيحاول ستون الإمساك بالخيط العاطفي للفيلم، وسيشتغل طيلة الوقت عليه، حتى يتستر به على أفكاره السياسية، التي أراد تسريبها بين مصل حقنات العاطفة المتتالية والتي ستغذيها حالة الذعر التي يعيشها أهل وأقارب الشرطيين اللذين طمرا تحت الأنقاض قبل تنفيذ مهمتهما: أنقاذ المحصورين في الطوابق العلوية المشتعلة. سياسية مبطنة بلمح البصر تهبط ناطحة السحاب على رؤس أعضاء فرقة الأنقاذ، وبسرعة هائلة يتنبه قائدها للخطر فيعطى تعلميات سريعة للتوجه الى جهة المصعد. بعد لحظات من الفوضى ومن مشاهد الذعر واليأس تنقلنا الكاميرا الى صورة ركام هائل، ألاف الأطنان من الكونكريت والصلب والزجاج، تحته يرقد ويل وماكلولين الناجيان الوحيدان. خبرة الأخير المهنية ينقلها بحرص الى زميله ويل: لاتنم ، فينام الدماغ ويموت الجسد. من أجل ذلك عليهم الحديث قدر مايستطيعان. حديث أشباه الموتى، والعجز عن الحركة بسبب ثقل الركام فوقهما والكسور والجروح، سيستغله ستون لضخ أكبر كم من التأثير البصري القادر على تهيج العواطف. حديث جله عن عوائلهم. أما ردود أفعالها فستعكس روح المؤازرة والتضامن داخل العائلة الأمريكية. بالتوازي بين مشاهد حياة العوائل في الخارج وبين صورة الرجلين الرتيبة تحت الركام، في العتمة، ستتجمع صورة الوطنية الأمريكية الحقة التي أراد ستون الأعلان عنها، وبالتالي الأعلان عن "موقفه الوطني" أزاء الخطر الذي يهدد أمريكا. ومن أجل ترسيخ هذة الصورة يظهر لنا فجأة ، وكأنه ملاك هبط من السماء، جندي المارينز (الممثل مايكل شانون) رمز الخير والخلاص الأمريكي، أنه المنقذ الذي سيتطوع لتخليص الشرطيين من عذابهما. بمثابرة وعزيمة لاتلين يصل المارينز الى مكانهما فينقذهما، في مشهد يجتمع فيه رجال أخرون هم رمز الخير الأمريكي. في نهاية الفيلم يظهر نص مكتوب يوضح مصير الشرطيين وأيضا أشارة الى توجه جندي المارينز الى مناطق أخرى خارج أمريكا، ربما العراق أو أفغانستان، لينتقم هناك من الأشرار. هذا الإيحاء حرص أوليفر ستون على توصيله، وبه ثبت موقفه من الحروب التي بدأتها أدارة بوش، والتي بررها بطريقة غير مباشرة في فيلمه. فالحرب، حسب ما أراد، بدأها الأشرار وعلى الخيرين الأنتقام منهم وتخليص البشرية من شرهم. ترى هل كان هذا موقف ستون من حرب فيتنام؟ أظنه موقفا جديدا سجله ستون بوعي من حروب أمريكا الأخيرة، والتي تذرعت بهجوم الحادي عشر من سبتمبر لتبريرها، أنه أستجابة الى خطاب بوش الذي ألقاه بعد التفجيرات والتي وصفها بأنها أختبار ألهي لقدرة أمريكا على تجاوز المحن، والذي حرص ستون على تكراره بطرق مختلفة داخل شريطه. الغريب ان ستون وفي طريقه لترويج فيلمه صرح في أكثر من بلد بكلام هاجم فيه سياسة بوش وقال في بعضه (نشر في صحيفة يوتبوري بوستن) .. لقد كان رد فعل أمريكا بعد التفجيرات مبالغ فيه كثيرا. لو وصل المرشح غور الى الرئاسة لما أرتكبت أمريكا هذا القدر من الأخطاء. أن البدء بحرب العراق كان غباءا. كان علينا، كما ظهر في فيلم "ميونيخ"، أرسال مجموعة من الرجال، متدربين تدريبا خاصا، في مهمات للتخلص من الأرهابيين الحقيقيين. هذا الكلام لم نلمسه في فيلمه، بل على العكس قدم لنا فيلما حمل أفكارا سياسية مبطنة قريبة من أفكار أدارة بوش. قد يكون الفيلم سقطة منبعها النظرة الغاضبة لأحداث سبتمبر، نظرة وصلتنا بوضوح لا لبس فيه. لقد قال ستون كلمته في حدث زلزل العالم وما زالت أثاره التدميرية سارية الفعالية، ولنا كلمتنا فيما أنجز: فيلم "مركز التجارة العالمي" متوسط المستوى فنيا، متراجع عما قدمه ستون في سابق أعماله. فيلم سيء على المستوى الفكري. موقع "إيلاف" في 16 أكتوبر 2006 |
"مـركـــز التــجــــارة العــــالـمـــي" لأولــيـــفـــر ســـــــتــون.. تــســـــخـــــيــف 11 أيـــــــلــول ! هوفيك حبشيان أهذا هو الفيلم الذي كنا ننتظره من أوليفر ستون عن 11 أيلول؟ أهذه هي النظرة الثاقبة والرؤية الانقلابية التي نتجت منها افلام رائدة في تاريخ السينما؟ لا أعتقد. بل ربما حان الوقت لاوليفر ستون كي يستقيل من منصبه كـ"مخرج مشاكس وصدامي ومناهض" لكل الانتهاكات الاميركية وتجاوزات الحكام في بلاده، ويتنازل عنه لمصلحة مخرج آخر يستطيع اكمال مسيرته الحافلة بعناوين كبرى، رصداً ونقداً وتحليلاً للسياسة الاميركية. فيلم واحد، مثل "مركز التجارة العالمي"، يكفي للاسف، كي يبدل نظرتنا الى سينمائي كان أبهرنا إبهاراً لا مثيل له، لكنه اليوم لا يجد ما يقوله سوى حماقات وتفاصيل بديهية في حادث هزّ الدنيا. اقل ما يمكننا أن نكتبه عن انتاجه الجديد، الذي توقعناه حاسماً وقاطعاً وصريحاً وراديكاليا،ً انه لا يليق بمخرج "سلفادور" و"بلاتون" و"نيكسون"، وعشرات الافلام المخالفة للفكر السائد، وفي طليعتها شريط يتعذر تقليده Natural Born Killers. من الصادم حقا ان يأتينا ستون بفيلم عادي جداً يخلو من وجهة نظر حقيقية حول ما جرى في 11 أيلول 2001. أكثر ما يبعث على الغضب، هو تسخيفه الحادث: فانهيار البرجين يصوّره ستون كما في ايٍّ من أفلام الكوارث التي باتت من اختصاص هوليوود منذ سحيق الزمن، مع فارق وحيد ان لا مؤثرات بصرية وصوتية تدعم الصدقية وتحاكي البصيرة وتصم الاذان. لا مبالغة اذا قلنا ان ستون ينتقل، بعد سلسلة اعمال ضد السلطة، الى المعسكر المقابل، ويجسّد "النسخة الرسمية لما حدث" في فيلم يوحي أن مخرجنا صار ناطقاً باسم السلطة، وإن لم تكن الخطوة متعمدة من جانبه. ثمة احساس لاإرادي يلفّنا بأن ستون يقف على حافة النقد بخجل واحترام وتريث، متنكراً لتاريخه وجذوره السينمائية التي جعلت بصمته مختلفة عن بصمات معاصريه. يتعاطى ستون مع مسألة الحداد والعنفوان الوطني والوفاء، كما لو كان يُخرج فيلماً من انتاج جيري بروكهايمر: كليشيهات ثقيلة، شخصيات نمطية، عرض مسطح للقيم الاميركية، ورومنطيقية مفرطة في طرح موضوع ذي تشعبات نفسية وجيوسياسية. لا تصمد الفكرة لأنها تصبح رهينة مطولات كلامية غير مجدية، للتعبير عن احساس الندم الذي يشعر به أحد الشرطيين لأنه، كما يقول، لم يتمكن من معانقة زوجته قبل الذهاب الى العمل، وذلك رغم ان المخرج يسعى الى قلب مقاييس الدراما عبر جعل البطلين ينحشران تحت الركام طوال مدة الفيلم. هكذا، لقطة تلو لقطة، يسخّف ستون الحادث عبر تخليه الفاضح عن العام ودخوله في حميمية شخصيات لا نكترث بها كثيراً. أكثر ما يفاجىء، هو استعانة ستون بالرمزية الدينية في أكثر من مناسبة. نعلم ان الفن خيارات وقرارات، وما يصلح في الحياة ربما يصلح للشاشة لكن بمنطق ومعنى مختلفين، اذ يتحمل صاحب العمل اعباء خياراته، ويُسأل ويحاسَب. في هذا السياق، ثمة ترهات كثيرة تأتي إما على لسان الشخصيات وإما نتيجة تقديرات كاتب السيناريو أو تأويلاته، فيختلط حابل الخالق السينمائي بنابل المخلوق. ما يجعل "مركز التجارة العالمي" الشريط الاكثر بهتاناً في مسار ستون، ان المشاهد لا يسعه ان يفصل فكرة المخرج ورؤيته وموقفه عما يجري، أي عن الكلام الذي يخرج من أفواه الشخصيات. وهذا امر في غاية الخطورة لانه ينم على تعاط اخرق مع اساس الكتابة السينمائية المرتكزة على الدال والمدلول. هل يتبنى ستون كل ما تقوله شخصياته التي تنتمي الى الطبقة الوسطى، العاملة والكادحة وذات المستوى الفكري المتواضع؟ لا أظن. لكن كل شيء في الفيلم يدعم النظرية الآنفة. وهل فعلاً، على غرار رجلَي الاطفاء اللذين ينحشران تحت ركام المركز المستهدف، يغرق ستون تحت وطأة واجبات الفن الاخلاقية، فيتفادى التعليق والمعاينة والمراجعة؟ هذا الاستنتاج هو الاكثر ترجيحاً كون المخرج لا يحرك ساكناً ليثبت العكس، ذاهباً الى حيث تقوده غرائزه وعواطفه وانسانيته المبالغ في شأنها. كأنه كان ينتظر مثل هذا الحدث ليتحول متسامحاً حنوناً ورقيقاً. هذا النمط هو امتداد لخاتمة الفيلم التي تلقننا درساً في السلوك الحضاري، اذ نخلص الى رسالة مفادها ان "11 أيلول علّمنا ان للخير وجودا". في قراءة متأنية بين سطور الفيلم، فإن الولايات المتحدة خرجت من هذه الاعتداءات أكثر صلابة وقوة وحصانة، لأنها لم تواجه الشر بالشر بل تلقت الضربة واستوعبتها وتصالحت معها، وتعاطت معها بحكمة! نعم، هذا كله في الفيلم الأخير لأوليفر ستون! في شريط حافل بالمثاليات، يتبع ستون خطاً سيناريستياً بالغ الكلاسيكية، فتضيع حرفته ومعرفته بالتقنيات والابتكارات الاسلوبية التي تجلت أخيراً في "اسكندر"، تحت اعباء الاحاسيس الجياشة وفوضى النيات الحسنة والالتباس الرهيب بين الذاتية والموضوعية. على مدار ساعتين، يمضي في تصوير حوارات ساذجة بين طرفين. من جانب، هناك المقاومة السلمية لشرطيين (نيكولاس كايج ومايكل بينيا) لم يبق لهما سوى الانتظار والصبر، ومن جانب آخر معاناة عائلات المنكوبين التي تنتظر بدورها من يأتي بخبر اعلان وفاة هذا او ذاك. لكن حتى من داخل هذا التضارب، لا يستطيع ستون ان يصنع شيئاً اصيلاً، ذا فحوى، بل يصوره بانتقال مستمر بين مناخين، لتصبح تقنية الانتقال مضجرة ورتيبة في وقت قياسي. ولعل مجمل العمل لا يخرج من دائرة الميثولوجيات الاميركية المبنية على مبدأ المشاركة في الالم والتضحية واعطاء العائلة مفهوماً خاصاً. في هذا المجال، يبدي ستون التزاماً صارخاً لمبدأ الشعبوية والديماغوجية، مخلصاً له الى اقصى درجات الاخلاص، ومستلهماً من جون فورد صورة البطولة، ومن فرانك كابرا التضامن الشعبي غير المشروط. لكن كلا منهما عاد على الفيلم بأضرار جسيمة، تتخطى حجم الاضرار التي تسبب بها الارهابيون. والحق، ان ستون يغالي في الحنين الى زمن قديم وسينما قديمة، الى حدّ نسيانه أنه في زمن جديد. ما يبعث على الاستغراب، انه لم يكن على هذا القدر من العتق في سرده غير التقليدي لتجربة الاسكندر الكبير، فما الداعي اذاً للذهاب الى ابجدية مر عليها الزمن عند تطرقه الى قضية حديثة العهد؟ اما الموسيقى العاطفية لكريغ ارمسترونغ فتأخذ الفيلم الى حتفه، وتغرقه في المزيد من البكائيات. يعمل ستون هنا بعكس سبيلبيرغ: لا اعادة احياء لمأساة، بهمّ واقعي عميق وبموارد سينمائية ضاغطة، بغية التأثير ورفع مستوى الادرينالين لدى المتلقي. ورغم رفض المخرج تحويل الحادث الاليم مادة استعراضية، فإنه لا يفعل شيئاً في المقابل لمنع ذلك. في اختصار، "مركز التجارة العالمي" ينم على رغبة في القول ان السينما عاجزة عن نقل ما حصل، وان الكاميرا ليست امضى الأسلحة في الحروب المعاصرة، وان حتى أكثر العقول تمرداً يحق لها ان تستريح بين انتفاضتين. (¶) يُعرض حالياً في سلسلة صالات "امبير" و"كسليك". النهار اللبنانية في 10 نوفمبر 2006
صنع علي كمبيوتر محمول وتكلف 6 آلاف دولار وشاهده 30 مليونا!! فيلم أمريكي يؤكد أن 11 سبتمبر من تدبير وتنفيذ إدارة بوش محمد البحيري
مع حلول الذكري الخامسة، ورغم اعتبار تنفيذ العرب والمسلمين لتفجيرات 11 سبتمبر من الامور البديهية في كل انحاء العالم، خرج ثلاثة من الشباب الامريكيين، احدهم جندي سابق بالجيش الامريكي في افغانستان والعراق، ليصرخوا من خلال فيلم وثائقي حمل عنوان: التغيير الواسع"، شاهده حتي الآن ما يقرب من 30 مليون شخص من مختلف بلاد العالم، ليقولوا امرا مختلفا، قد يعتبره البعض مجرد هذيان، لكن الحقيقة التي يؤكدها الفيلم الوثائقي تقول ببساطة أن "احداث 11 سبتمبر من تدبير وتنفيذ الادارة الامريكية ذاتها، ولا علاقة للعرب بها!". يبدأ الفيلم بعبارة منطقية تقول: قد نتهم بأننا ضحية نظرية المؤامرة، ولكن ذلك لا يكون صحيحا اذا كان بوسعنا اثبات المؤامرة فعلا!". الامريكيون الثلاثة هم ديلان افيري، كوري رو (عسكري سابق)، جيسون بيرامز، يعيشون شمال نيويورك، مقتنعون بأنهم تمكنوا من اثبات ذلك فعلا، فهم متأكدون بأن من قرروا اسقاط السماء فوق امريكا لم يعيشوا في عشش واوكار من البوص في افغانستان، ولكنهم يجلسون علي مقاعد المديرين وكبار المسئولين في واشنطون. تاثير كبير هذا الفيلم الذي لم يعرض في أي دار سينما، أو محطة تليفزيونية، تم عرضه فقط علي شبكة الانترنت، وتم انتاجه علي جهاز كمبيوتر محمول، بميزانية لا تزيد عن ستة آلاف دولار فقط! ومع ذلك وبسبب هذا الفيلم يزداد عدد المؤمنين بنظرية المؤامرة التي يثبتها هؤلاء الشباب في فيلمهم، لدرجة أن آخر استطلاع للرأي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومع مرور خمس سنوات علي تفجيرات سبتمبر، هناك 42% من الجمهور الأمريكي يؤمنون بأن الإدارة الامريكية ولجنة التحقيق في احداث 11 سبتمبر، قد زيفوا واخفوا معلومات تخفي الرواية الرسمية التي تسجل ما حدث في ذلك اليوم. ويقوم الثلاثة بعرض فيلمهم المثير للجدل في كل انحاء الولايات المتحدة، بالجامعات، النوادي وفي المقاهي، وهم متأكدون تماما من انهم خاضعون لرقابة صارمة من جانب المباحث الفيدرالية الامريكية (اف بي آي)، وان ثمة كاميرات خفية تقوم بتسجيل كل ما يصدر عنهم من كلمات أو حركات. ومع ذلك يقول مخرج الفيلم "ديلان افيري" انه يتوقع رؤية محاكمة لديك تشيني نائب الرئيس الامريكي، بصفته متهما ضالعا في احداث سبتمبر. وثائق من بين الوثائق التي يستعين بها الفيلم الامريكي وثيقة يرجع تاريخها الي سبتمبر 2000، اعدها فريق من مفكري المحافظين الجدد بعنوان "القرن الامريكي الجديد"، وكان من اعضاء الفريق الذي اعد هذه الوثيقة كل من تشيني ووزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد، ومساعده بول وولفوفيتش، وشقيق الرئيس الامريكي جيب بوش! وتحت عنوان "اعادة بناء الدفاع الامريكي من جديد"، تصف الوثيقة المستقبل الذي سيتم فيه مضاعفة النفقات الخاصة بالامن الامريكي والاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين من السلطة. خاصة ان الوثيقة تضيف: "عملية التغيير، حتي اذا جاءت بتغيير ثوري، سوف تتم علي ما يبدو عبر مسيرة طويلة، في غياب حادث كارثي يسرع هذه المسيرة، مثل حادث بيرل هاربور جديد!". ويقول الفيلم انه فقط بفضل هذا الحادث المنتظر نجح بوش في اقناع الشعب الامريكي بالخروج الي حربين، وهكذا قفزت اسعار النفط الي عنان السماء، وكذلك ارتفعت اسعار اسهم شركات السلاح وكل الشركات المرتبطة بتزويد الخدمات والمواد اللازمة لمعركة "الامن الامريكي". أسئلة بلا إجابات تولي الفيلم ايضا تفنيد اغلب المعلومات الواردة بالتقرير النهائي المتعلق بحادث 11 سبتمبر، والذي يصفونه بأنه مجرد هذيان، من بدايته حتي نهايته. من بين الأسئلة التي يطرحها الفيلم نتيجة رصده لأكاذيب التقرير الرسمي هو: كيف يمكن لطائرة بوينج 757، التي تقول الرواية الرسمية انها اصطدمت بمبني وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، كيف يمكن لطائرة بهذا الحجم المخيف ان تختفي داخل حفرة بقطر 7 أمتار؟ ولا تترك علي المبني نفسه آثار أجنحتها البالغ طولها 40 مترا؟! لماذا لم يتم العثور حتي الآن علي الصندوقين الأسودين الخاصين بالطائرتين اللتين ارتطمتا ببرجي التجارة العالمية في نيو يورك؟! بينما أمكن العثور علي جواز سفر احد خاطفي الطائرة سليما دون سوء في موقع الكارثة؟! ماذا كان مصدر التفجيرات التي ابلغ عنها المراسلون وشهود العيان والتي وقعت في الفترة بين اصطدام الطائرتين وبين انهيار المبنيين؟! ما الذي تسبب في طرد الغبار افقيا بعد التفجيرات داخل الطوابق اثناء انهيار المبني؟!.. ما الذي ادي الي انهيار المبني الاداري رقم 7 المكون من 47 طابقا في موقع مركز التجارة العالمي، خلال ست ثوان ونصف فقط بعد ساعات كثيرة من انهيار برجي التجارة؟! كيف يمكن لركاب الطائرة ان يجروا اتصالات هاتفية من ارتفاعات من المفترض الا تلتقطها التليفونات المحمولة؟! اذا كانت الطائرة التي قامت بالرحلة رقم 93 التابعة لشركة طيران يونايتد قد هبطت سرا في مطار كايفلاند، كما اوردت محطة تليفزيونية امريكية محلية، فما الذي تحطم إذن في مدينة شانكسويل ببنسلفانيا؟! مجرد أكاذيب الفيلم ببساطة يقول ان كل ما يعرفه الناس عن احداث 11 سبتمبر هي مجرد اكاذيب، والادارة الامريكية قامت بالترويج لاكبر كذبة في العالم، اما الحقيقة فيرونها وفقا للتصور التالي: "برجي مركز التجارة لم ينهارا بسبب اصطدام الطائرتين بهما، وانما بسبب متفجرات زرعت في جميع انحاء المبنيين مسبقا، بدليل سحابات الغبار والدخان التي تشاهد وهي تتصاعد افقيا من الطوابق السفلي للمبنيين قبل انهيارهما. بل ان تسبب الطائرتين فقط في انهيار المبنيين غير ممكن من الناحية العلمية. ووفقا للفيلم فان الطائرتين اللتين اصطدمتا بالمبنيين، ليستا الطائرتين اللتين نظن انهما تفجرتا بالفعل، فالطائرتين في الحقيقة كانتا خاليتين من الركاب وتم توجيههما من علي بعد! فقد تم هبوط الطائرتين في مكان سري بعيد. والاصوات التي تقول الادارة الامريكية انها صدرت عن الطائرات الاربعة، تم تنفيذها فعليا بواسطة تكنولوجي متقدمة يملكها البنتاجون ولديهم وثائق تؤكد وجود هذه التكنولوجيا لديهم بالفعل! اما بالنسبة للرحلة 93 التي تقول الادارة الامريكية انها تحطمت في مدينة شانكسفيل في بسلفانيا بعد صراع بين الركاب والخاطفين، فهذه اكذوبة ايضا، فلم يحدث شيئ من ذلك، فلم يتم العثور علي جثث او اجزاء من الطائرة المزعومة! بعد الحادث بعام، قال الموظف المحلي المسئول عن التحقيق في حوادث الموت انه لم يشاهد نقطة دم واحدة! ويؤكد الفيلم ان الفجوة التي ظهرت بمبني البنتاجون كانت لصاروخ او طائرة عسكرية، ولكن لا يمكن ان تكون ابدا لطائرة بوينج 757، فمن غير المنطقي ان يقوم طيار من المستوي المتوسط لتنفيذ مناورة دقيقة كهذه لادخال الطائرة داخل جدار البنتاجون الذي اقيم قبل ذلك بوقت قصير لمواجهة تفجير كهذا! كوارث أخري الامريكيون الثلاثة صانعو هذا الفيلم الوثائقي ومعهم الكثير من انصارهم مقتنعون ايضا بأن العصابة التي تقود العالم من خلف الكواليس، لم تكتف بمؤامرة 11 سبتمبر 2001، وانما بادرت ايضا الي تنفيذ تفجيرات مدريد ولندن وحرب لبنان الثانية ايضا. وقبل اربعة عقود قامت نفس هذه العصابة بتدبير الحادث الذي تسبب في اندلاع حرب فيتنام، فيدهم في كل شيئ وبصماتهم واضحة. وبالنسبة لاسرائيل فهي متورطة في هذه الاحداث ولا شك، ولكن كان دورهم ثانويا في التنفيذ، والا فكيف يعمل 4000 اسرائيلي في المبنيين الذين تحطما، ولا يموت سوي اسرائيلي واحد فقط، لان البقية لم يأتوا الي اعمالهم في ذلك اليوم! اما اسامة بن لادن، فيصفه معدو الفيلم بأنه كان متواطئا في الحادث خاصة انه عمل في الماضي لحساب المخابرات الامريكية، وفي نهاية الامر اسقطوه في الفخ! علما بأن بن لادن المطلوب رقم واحد الآن في الولايات المتحدة الامريكية زار امريكا باسم مستعار هو "تيم اوسموند"! اما اعترافه في شريط فيديو بمسئوليته عن ارتكاب التفجيرات، فيقول احدهم ويدعي "بيرامس" ان الفيلم مزور، وان من ظهر علي الشاشة لم يكن بن لادن، فلا هذا انف بن لادن الحقيقي، ولا هذا وزنه الحقيقي الذي يقل عما ظهر عليه بخمس وعشرين كيلو جرام! حتي لون جلده كان اغمق من بشرة بن لادن الحقيقي، ويستخدم يده اليمني بدلا من اليسري، بل وحتي خاتمة الصوت غير متطابقة، بل ان اسامة بن لادن انكر مسئوليته عن احداث سبتمبر لوسائل الاعلام الباكسانية".! اما اسباب لجوء الادارة الامريكية الي تنفيذ جريمة بشعة كهذه فيقول رو: "لقد كانوا في حاجة الي اثارة الخوف بين الناس، وكانت الرمزية متوافرة جدا في الحادث، كانت حربا نفسيا في الواقع، وكان عرضا سينمائيا للجميع. وكانوا في حاجة اليه لبدء سيناريو التغيير. ويقول بيرامز: "كل ما اعلمه ان هذه المباني تم تدميرها بمتفجرات تم زرعها مسبقا، ثم اين أحتفي الركاب الذين كانوا علي متن هذه الطائرات؟ لا شك انهم ماتوا، اذا كانوا فعلا علي متنها! واين الجثث إذن؟ اين البقايا؟ لا اجابة حاسمة علي ذلك! انا اعتقد ان الطائرات تم استبدالها في الجو بطائرات اخري، وتم اخذ الركاب الي اماكن اخري، حيث قتلوهم هناك! جريدة القاهرة في 3 أكتوبر 2006
"بن لادن" في مشروع لأوليفر ستون بعد فيلمه الدرامي الأخير عن أحداث 11 ايلول "مركز التجارة العالمي" World Trade Center المعروض حالياً في الصالات الأميركية، ينوي المخرج اوليفر ستون انجاز فيلم عن الهجوم الاميركي على افغانستان بحثاً عن اسامة بن لادن. سيُقتبس العكل جزئياً عن كتاب صادر حديثاً في عنوان Jawbreaker، يتناول ملاحقة الولايات المتحدة الأميركية للقاعدة والمواجهة بينهما شرقي افغانستان. وسوف يكرر ستون تعاونه مع باراماونت بيكتشرز منتجة آخر افلامه. على أن المشروع عمره أشهر عندما سعت الشركة وستون الى شراء حقوق الكتاب في صفقة أُبقيت سرية حتى أيام مضت حين الاعلان عن بدء العمل على المشروع السينمائي. فخوف السينمائي والاستديو كان ان يؤثر مشروع الكتاب على تلقي "مركز التجارة العالمي" ومنحه صورة سياسية يحاول الاثنان تجنيب الفيلم منها. فبحسب ستون، ينأى الفيلم المذكور بنفسه عن السياسة ويركز على حكاية بطولة شرطيين ينجيان من تحت ركام البرجين، حتى انه وصفه بـ"أقل فيلم سياسي" صنعه. كذلك ينوي ستون في مشروعه الجديد التشديد على الدراما وليس على الخطاب السياسي. غير ان ذلك الطرح يبدو صعباً في مشروع سينمائي يتطرق مباشرة الى ادارة جورج دبليو بوش السياسية وحربه المزعومة على الإرهاب لاسيما انه من المتوقع اطلاقه في العام 2008 اي قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة. الكتاب الذي ألهم ستون والاستديو من توقيع غاري بيرنستاين، الضابط في وكالة الاستخبارات المركزية الذي استوحى عنوان الكتاب من اسم العملية التي أطاحت بتنظيم القاعدة في افغانستان. ولكن المفاجأة انه كان هو من قاد العملية! من المتوقع في ضوء ذلك الوقوع على معلومات غير معروفة منها تأكيده ان بن لادن كان موجوداً في تورا بورا أثناء تنفيذ العملية ولكنه نجح في الهرب. كذلك يقول ان العملية كان بإمكانها القاء القبض عليه او تصفيته فيما لو استجاب المسؤولون العسكريون لطلبه بارسال ثمانمئة جندي اضافي. ولكن تصريحات بيرنستاين تناقض بشكل واضح الكثير من مواقف الرئيس الاميركي العلنية والجنرال العسكري المتقاعد تومي فرانكس، قائد القوات الأميركية السابق في العراق وافغانستان. لم يؤكد اي منهما وجود بن لادن في تورا بورا. تجربة ستون الغنية بالافلام السياسية وعن مراحل سياسية تشعل فتيل ترقب هذا المشروع. فأبرز افلامه في هذا الاطار JFK عام 1991 عن اغتيال الرئيس جون كينيدي وقد أُدين الفيلم بتبنيه نظريات مؤامراتية بالية. يتعاون ستون في المشروع مع الكاتب سايرس نوراستي وذلك سبب اضافي للترقب، فالأخير خرج لتوه من معركة سياسية طازجة قادها الديمقراطيون ضد السلسلة التلفزيونية "الممر الي 11 ايلول" التي كتبها وعرضتها محطة ABC، معتبرين انها مليئة بتفاصيل مغلوطة وتصور ادارة كلينتن بطيئة في تصديها لتهديد الاسلام المتطرف قبل 11 ايلول. كذلك كتب نوراستي الفيلم التلفزيوني The Day Reagan was Shot الذي عمل ستون عليه منتجاً منفذاً. من افلام ستون الأخرى التي نالت جوائز وشهرة Platoon وBorn on the Fourth of July. المستقبل اللبنانية في 21 أكتوبر 2006
|
في "مركز التجارةالعالمي".. توليفة إنسانية ومزج بين الروائي والتسجيلي عرض وتحليل : عماد النويري |