على الرغم من أن أحداث الحادي عشر من أيلول ونتائجها كانت كارثية على مختلف الصعد، فإن شريط ستون الاخير يرى فيها شيئاً إيجابياً.

"لقد ظهر للوجود الجانب الطيب فينا، بعدما كنا قد نسيناه".

هكذا تصنع هوليوود مرة اخرى واقعاً ايجابياً خاصاً بها.

لقد راح ضحية تلك الاحداث نحو ثلاثة آلاف شخص جرّاء انهيار المبنيين وتساقط "أمطار" الخرسانة والصلب. برغم ذلك، فقد نجا عدد قليل (نحو 20 شخصاً) من الّذين وجدوا أنفسهم فجأة، محشورين في فضاءات وزوايا تكوّنت نتيجة اتخاذ الركام المتساقط اشكالآ مائلة أو منحنية. وبفضل شجاعة فرق الانقاذ، عُثر على هؤلاء ليخرجوا أحياء بأعجوبة. هؤلاء كان الحظ والمصادفة حليفيهم. الامر ليس أكثر من ذلك.

في كل الكوارث عدد ضئيل من الناجين. وفي هذه الاحداث كان هؤلاء الاستثناء في كارثةٍ لم يكن متوقعا ان ينجو منها احد. الأمر الجوهري الذي توخاه مخططو هذه الجريمة ومنفذوها، هو الاجهاز على آلاف الضحايا. أما الناجون فلا يمكن أن يلعبوا هنا الا دوراً ثانوياً. وبالتالي فشريط سينمائي حول عملية انقاذ هذا الاستثناء، لا يمكن له أن يعكس كارثة كهذه.

لقد أدرك مخرج فيلم "يونايتد 93" (أول الافلام عن 11 أيلول) بول غرينغراس هذه المسألة. فشريطه حول الطائرة الرابعة المختطفة والتي سقطت في مزرعة ببنسلفينيا، لم يقدم أي أمل يذكر. فجهود ركّاب الطائرة اليائسة أخفقت في التغلب على الخاطفين ولقوا مصيرهم المعروف. ولذا اعتبر الفيلم قاسياً: لا أبطال، لا عمليات انقاذ، لا معجزات ولا كلمات أمل أخيرة. هذه هي بساطة الواقع العدمي.

وليس مصادفة أن غرينغراس بريطاني لا أميركي. فشريطه الذي يفتقد "الرسالة الوطنية" يُرَى مناقضاً لتقاليد هوليوود السينمائية التي ترى في كل كارثة بارقة أمل أو نقطة ضوء.

إن أبرز مثال على هذا المنحى في التناول، شاهدناه في شريط ستيفن سبيلبيرغ "قائمة شندلر". فهذا ينظر الى كارثة الهولوكوست من خلال 1100 يهودي أنقذوا بمعجزة. أنه لا يطرح مسألة هلاك ستة ملايين يهودي في عملية إبادة منظمة، بل يقدم جُزءاً صغيراً جداً نجا من هذه المطحنة. مرة أخرى، انه فيلم عن الاستثناء، رافضاً الإقرار بأن قوى الشر في بعض مفاصل التاريخ شيء لا يمكن النفاذ منه. فبوجه هتلر، يجب أن يكون هناك أوسكار شندلر. يجب إيجاد أمل ما.

وهذا ما يتوافق بالمناسبة مع إحدى حكم التلمود: من ينقذ روحاً، ينقذ عالماً بأسره... كلمات طيبة، إلا أن أرواح الملايين الستة لن ترجع أبداً.

إن هذه الحكمة التلمودية، يمكن لها ببساطة أن تصبح شعار شريط أوليفر ستون، الذي يبحث هو أيضاً عن هذا الاستثناء الاعجازي.

مع اختلاف جوهر المأساتين، ينتمي الشريطان الى طريقة تفكير واحدة.

"قائمة شندلر" يرفض الاعتراف بالابادة الجَماعية المنظمة التي لم تستثن أحداً، وبالتالي لم يبق للامل أي معنى. و"مركز التجارة العالمي" يرفض هو الاخر جوهر كارثة 11 أيلول.

"إنها حكاية عن الشجاعة والنجاة". هذه العبارة التي جاءت تحت عنوان الفيلم، تشير بوضوح الى أن صانعي هذا الشريط لا يريدون الاقرار بأن الذي جرى هو جريمة لا رحمة فيها، حيث لم ينج منها إلا نفر ضئيل حظيظ. إنهم أرادوا إضفاء معنى ما لشيء لا معنى له اطلاقاً.

الشريط يبدأ بأحداث روتينية يومية في صباح 11 أيلول في نيويورك: أناس في المترو، شخص يقود سيارته، أغنية من الراديو، طقس جميل... ثم شبح طائرة فدوي مُرعِّب. بعد هذه البداية المثيرة، يتخذ الفيلم منحىً تقليدياً في السرد الدرامي. ضابط الشرطة نيكولاس كيج مع خمسة من معاونيه يتجهون للمساعدة في إخلاء أحد المبنيين.

"من لا يجرؤ، لا حاجة له للمجىء"، بهذه العبارة يدخل فريق الانقاذ المبنى، الذي سينهار بعد ذلك بدقائق. بعد زوال سحابة الغبار، نكتشف أن اثنين من الفريق قد لقيا مصرعهما. الثلاثة الباقون أحياء وسط ركام هائل. أحدهم لا يطيق حالته، ليموت منتحراً تحت تأثير اليأس فيبقى نيكولاس كيج ومايكل بينا يشجع أحدهما الآخر لئلا يقعا في حالة إغماء. مستوى الحوار بينهما شديد السطحية: "الألم شيء جيد... فعندما تتألم، يعني أنك في الحياة" و"إذا مت، فسأموت أنا أيضاً". وفي ثنايا الحديث، تجري الاشارة الى أفلام تركت أثرها فيهما، يدور معظمها عن بطولات المارينز والشرطة! وبمرور الوقت والمزيد من الانهاك والالم جرّاء الجروح، يتوهم مايكل بينا بأن المسيح يناديه بـ"ستذهبون قريباً سالمين الى بيوتكم".

وهنا تبدأ عملية إنقاذهما على يد المارينز المتديّن الذي سيغدو بطلا (مايكل شانون). نراه يتطوع في فِرقة للانقاذ بعد زيارته لقس. أنه لا يعبأ لنصائح زملائه بخطورة البحث عن أحياء بين هذا الركام المرعب. مرة أخرى نشاهد حواراً من مستوى "سوف لا نترككم هنا، فنحن المارينز وهذه مهمتنا"، ليعلو بعد ذلك صوت معلّق ما "أحداث 11 أيلول بيّنت مدى استعداد الناس للتضحية. نعم هنالك شر، لكن الطيبة التي نسيناها تتجلى أيضاً".

إن شريط "مركز التجارة العالمي" لا يبحث عن حقيقة الحادي عشر من أيلول. لعلّه تفسير معاصر لحكاية المعاناة المسيحية. فإضافة الى "ظهور" المسيح لدى مايكل بينا، فإن عملية إنقاذ هذين الشرطيين الاعجازية تذكر بقِصّة قيام المسيح نفسه.

إن لدى المحافظين في أميركا أكثر من سبب لتحمسهم لفيلم كهذا. فإلى جانب ما جاء على لسان جندي المارينز من دعوة للانتقام من مرتكبي الجريمة، نشهد حوارات أخرى تحمل شحنة عالية من الرطانة الشعبوية من قبل "هذا امتحان لأميركا واننا عازمون على اجتياز ذلك، وسنريهم هذا".

كيف اقتنع مخرج عنيد و مشاكس كأوليفر ستون بهذا المستوى من الحوار والتناول؟ وهو صاحب أفلام قدّمت رؤى غير تقليدية بل ومعاكسة للمألوف والسائد، كفيلميه عن حرب فيتنام (بلاتون) و(ولد في الرابع من تموز)، أو من خلال تقديمه لاشكالية العنف في المجتمع الاميركي (قتلة بالفطرة)، أو في شريطه قبل ألاخير (الكسندر) حينما قدّم بطلاً مضاداً (ذو ميول جنسية مثلية) لما هو معروف عن هذا القائد الاسطوري. وحتّى عندما روّج لنظرية المؤامرة في اغتيال كيندي في فلمه (ج ف ك)، سار في اتجاه معاكس للتفسير الرسمي عن هذه العملية. وفي اعتقادي انّه لو كان قد قدّم هنا تفسيراً لأحداث 11 أيلول مثل التي قدّمها في (ج ف ك)، لصدّقه الكثيرون في العالم!!

أمّا عملية تسويق شريطه الاخير هذا، فقد أكّدت مزاعمنا. لقد طلب الاستوديو المنتج للفيلم (باراماونت) من مكتب شهير للدعاية والاعلان (شارك في حملة بوش الانتخابية الأخيرة)، أن يعمل لتحسين صورة المخرج لدى قطاع كبير من الرأي العام. وقد تم وصف الفيلم في وسائل الأعلام بأنه غير سياسيّ البتة. و هذا ما التزمه ستون جيّداً. حتى إن صَحَفيّاً بارزاً ومعروفاً باتجاهاته المحافظة، قد وصف شريط ستون بأنه: أكثر فيلم مساند للقيم الأميركية، محافظ على قيم الدين، مؤيّد لتقاليد العائلة ومشجع لقيم الذكوريّة.

ولعلّ كلمات جندي المارينز البطل، إذ وطئت قدماه حُطام المبنى، تلخّص مغزى هذا الفيلم: "كأنما الله قد خلق ستارا من الغبار والدُخَان ليحمينا مما ليس في أستطاعتنا بعد أن نراه".

ليس الله مَنْ خلق هذا السِتار، بل إنه شريط "مركز التجارة العالمي".

المستقبل اللبنانية في 22 سبتمبر 2006

 

يوم 11 سبتمبر في مهرجان فينيسيا السينمائي

أمير العمري  ـ فينيسيا

كان اليوم الثاني دون جدال، يوما لتذكر أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الدورة الثالثة والستين من مهرجان فينيسيا (البندقية) السينمائي التي أقيمت في الفترة من 30 أغسطس/ أب حتى 9 سبتمبر/ أيلول.

في هذا اليوم عرض فيلمان: الأول هو الفيلم الأمريكي المنتظر "مركز التجارة العالمي" World Trade Centre للمخرج الشهير أوليفر ستون، والثاني فيلم فرنسي بعنوان "بضعة أيام في سبتمبر" إخراج سانتياجو أميجورينا وهو أول أفلامه كمخرج بعد أن كتب السيناريو لنحو 30 فيلما.

الفيلم الأمريكي مباشر في موضوعه وفي طريقة سرد الموضوع. والفيلم الفرنسي هو أول فيلم يخرجه صاحبه أميجورينا الأرجنتيني الذي يعمل منذ سنوات طويلة في نطاق السينما الفرنسية كمنتج وكاتب للسيناريو لأكثر من 30 فيلما، وهو يلجأ هنا إلى سرد غير مباشر يخفي أكثر مما يكشف، أو يكشف تدريجيا وباقتصاد شديد.

كان فيلم أوليفر ستون منتظرا لأنه أول فيلم لمخرجه يتناول موضوعا سياسيا منذ فيلم فيلم "نيكسون" (1995)، وقبله كان فيلم "جي إف كيه" J. F. K عن اغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي عام 1962، قد أثار جدلا كبيرا واعتبر مناوئا للمؤسسة ومراجعا للنظرية السائدة المستقرة، أو بالأحرى التي كانت كذلك قبل ظهور الفيلم، عن اغتيال الرئيس جون كنيدي.

وكانت كل أفلام ستون "السياسية" مثل فيلم "السلفادور" ثم ثلاثيته عن حرب فيتنام (بلاتون، مواليد الرابع من يوليو، السماء والأرض) قد أثارت الكثير من الجدل، وتعرضت للكثير من الهجوم من جانب نقاد اليمين في الولايات المتحدة، الذين نظروا بتشكك إلى رؤية ستون التي وصمت بـ "المغالاة" و"التبسيط" "والمجانية" والخضوع لـ "نظرية المؤامرة".

غضب النقاد

أما الفيلم الجديد الذي شهد مهرجان فينيسيا عرضه العالمي الأول خارج بلاده، فقد قوبل باستياء واضح من جانب النقاد الذين كانوا عادة ما يتخذون صف ستون، ويدافعون عن أفلامه.

في فيلم "مركز التجارة العالمي" يعود أوليفر ستون حقا إلى الفيلم السياسي، ولكن بقواعد الكتاب المدرسي للفيلم الأمريكي الذي يخرج من هوليوود عادة.. كيف؟

يتبع الفيلم أسلوبا تقليديا في البناء: رواية قصة تدور حول البطولة الخارقة والشجاعة، بطلاها رجلان من رجال شرطة ميناء نيويورك، كانا ضمن قوة الشرطة التي اقتحمت برج التجارة العالمي بعد ضربه ووقع انهيار المبنى وهما في الداخل فدفنا على عمق 20 قدما تحت الأنقاض.

هذان البطلان وهما ويل جيمينو (يقوم بدوره مايكل بينا)، وجون ماكلوجلن (نيكولاس كايج)، والدان وزوجان مخلصان، علاقتهما بزوجتيهما وأطفالهما علاقة نموذجية، فهما إذن مثال للزوج والأب المخلص من الطبقة الوسطى الذي يستطيع جمهور السينما التعاطف معه.

خلال الفيلم نقضي نحو ساعتين منذ انهيار البرجين ونمر بكل صنوف المعاناة التي يمر بها البطلان.

إنهما مدفونان تحت الأنقاض تماما فيما عدا الرأسين، إلا أنهما لا يستطيعان أن يريا بعضهما البعض، فكل منهما في ناحية، لكنهما مع ذلك ينجحان عن طريق تبادل الحديث والعودة إلى ذكريات الماضي واستعادة علاقتهما بأسرتيهما، من البقاء على قيد الحياة لمدة 12 ساعة.

لحظة الخلاص

وفي النهاية تجئ لحظة الخلاص أو كما تعرف في الدراما السينمائية بـ "الإنقاذ في آخر لحظة" على طريقة رائد الفيلم الأمريكي جريفيث، بعد أن يكون الجمهور قد انغمس تماما في معاناة البطلين، وتابع تمزق الأسرتين: الزوجتان والآباء والأبناء، وشاهد من خلال أسلوب "الفلاش باك" أو العودة إلى الماضي، مشاهد من علاقة ضابطي الشرطة بزوجتيهما، وهي كما أشرنا علاقة نموذجية يتعاطف معها جمهور الطبقة الوسطى (أي معظم مشاهدي الأفلام ودافعي ثمن تذاكر الدخول).

يتمكن أحد ضباط المارينز الشجعان مع فريقه من إنقاذ الضابطين بعد جهود عنيفة وينقلان إلى المستشفى، ثم نراهما في المشهد الأخير بعد مرور سنتين على الأحداث وقد تقاعدا وأصبحا يعيشان في سعادة مع أسرتيهما.

هذا الفيلم يروي قصة شجاعة الضحايا، ويختار اثنين من بين 20 شرطيا نجوا من تحت أنقاض مركز التجارة العالمي، كما يصور أيضا شجاعة فرق الإنقاذ وكيف يخاطر ضباط المارينز بحياتهم لإنقاذ مواطنيهم من تحت الأنقاض، إلا أن الفيلم لا يتعرض لجوانب أخرى مثيرة للجدل من أحداث 11 سبتمبر.

وقد يكون هذا هو الفيلم الثاني من الإنتاج الكبير عن أحداث ذلك اليوم الذي ستظل السينما الأمريكية تعود إليه لفترة طويلة، بعد فيلم "الرحلة 93" عن الأحداث المتخيلة لما وقع على متن طائرة شركة أمريكان إيرلاينز التي تقول الرواية الشائعة أنها تحطمت فوق بنسلفانيا قبل أن يبلغ بها المختطفون هدفهم.

أوليفر ستون يبدو هنا وقد تبنى تماما الرؤية السائدة بشأن الأحداث، أو على الأقل يتجاهل طرح أي تساؤلات حولها، كما يتجاهل المغزى السياسي لأحداث سبتمبر وما تلاها، ويظهر الرئيس جورج بوش وهو يقول إن الإرهابيين أرادوا اختبار إرادة أمريكا، وإن أمريكا ستنجح في هذا الاختبار.

ويصور الفيلم في النهاية كيف يطالب جندي المارينز السابق بالاتتقام لما وقع، ويرتدي ملابسه العسكرية مجددا ويقول إنه سيعود إلى العراق.

إننا نشاهد في هذا الفيلم إعادة تجسيد مذهلة لسقوط البرجين، باستخدام كل إمكانيات السينما الحديثة: المؤثرات الخاصة والديكورات والمجموعات الكبيرة من الممثلين الثانويين، أصوات ارتطام جسم الطائرة بالبرج الثاني والحرائق وتصاعد كرات اللهب الضخمة والانفجارات وتطاير الشظايا وسقوط الأنقاض.. وغير ذلك.

ويجعل المخرج بطله الأول يرى في لقطات متخيلة وهو يحلم، المسيح يفتح له ذراعيه، وإناء من الماء إلى جواره، وتتكرر اللقطة في مغزى شديد الدلالة، غير أنه أيضا يحمل قدرا كبيرا من السذاجة.

رؤية مباشرة

إن "مركز التجارة العالمي" هو "أبوكاليبس" ولكن دون "رؤية" ولا "فلسفة"، وهو فيلم واقعي حقا، يستند إلى التفاصيل الحقيقية لأبطاله كما وقعت، لكن بعد إغراقها في أضواء هوليوود، وحرقها بالرسالة الأخلاقية المباشرة الساذجة: التضحية الوطنية المعمدة بالدين.

إنه أكثر أفلام ستون إخلاصا لهوليوود وللأفكار السائدة في الوقت نفسه، لذا فإنه لا يثري معرفتنا بالموضوع أو بمغزاه حتى على صعيد المجتمع الأمريكي، فلم يكن الأمر يتلخص قط في مجرد حدث خارق واجهه الشخص العادي بشجاعة، بل أكبر من ذلك بالتأكيد وأكثر تعقيدا.

والأمر الأكثر غرابة أن يأتي أوليفر ستون إلى مهرجان فينيسيا ويعلن في المؤتمر الصحفي الكبير الذي عقده لمناقشة فيلمه وحضره مئات الصحفيين هناك، أن الشعب الأمريكي بعد أحداث سبتمبر، كان في حاجة إلى الانتقام، وأنه شخصيا كان يؤيد ذلك، وأن الأمريكيين أرادوا تعويضا عما حدث لذا كان الهجوم على أفغانستان مبررا وطبيعيا.

وقال ستون إنه لا يزال يعارض التدخل الأمريكي في العراق ولكن لأنه يعتبره "انحرافا عن الهدف"، وأكد أنه لا يخالجه أي شك في أن تنظيم القاعدة يقف وراء أحداث سبتمبر.

وقد أثارت هذه الآراء دهشة الصحفيين الحاضرين مما دفعهم إلى توجيه الكثير من الأسئلة إلى ستون بشأن تغيير موقفه والكف عن توجيه الانتقاد للسياسة الأمريكية الرسمية.

غير أن ستون رد قائلا إنه لم يغير موقفه وإنما كان من الضروري أن يعبر عن الواقع وأن يصور كيف تفجرت مشاعر الأمريكيين العاديين في ذلك اليوم، وكيف عاشوا المحنة وتعاملوا معها.

بعض الأشياء في سبتمبر

أما الفيلم الفرنسي فهو على النقيض من فيلم أوليفر ستون، فمخرجه يلجأ إلى أسلوب غير مباشر في رواية الموضوع، لكنه يوجه - بشكل ما - رسالة تكاد تكون مباشرة، فهو يقول من خلال موضوعه المكتوب ببراعة، إن هناك جهة ما داخل أجهزة المخابرات الأمريكية كانت تعرف مسبقا بما سيقع في ذلك اليوم.

وتدور أحداث الفيلم في الفترة من يوم 5 إلى يوم 10 سبتمبر 2001.

ويدور الفيلم حول شخصية "عميل" أمريكي كان يعمل لحساب المخابرات الأمريكية ثم استقل وأصبح يعمل لحسابه لأكثر من جهاز مخابرات بغرض الحصول على أكبر مكاسب مالية لتأمين مستقبل طفليه.

هذا الرجل الأمريكي "إيليوت" كان متزوجا من فرنسية، أنجب منها ابنة هي "أورلاندو" عاشت لفترة مع جدتها في فرنسا بعد مقتل أمها أثناء عودتها مع أبيها من العراق عام 1991 فيما كان إيليوت هو المستهدف من الاغتيال لأنه يعرف أكثر مما ينبغي.

وأورلاندو غاضبة من والدها ولا تريد رؤيته لأنها تعتبره مسؤولا عن موت أمها.

إيليوت يعرف الكثير من الأسرار: عن علاقات جهات أمريكية بصدام حسين، وعن أجنحة داخل المخابرات كانت تعلم بما سيقع في 11 سبتمبر إلا أنها لم تبلغ بما تعرفه، وبالكثير من الصفقات مع مجرمي حرب وتجار سلاح ومهربي مخدرات.

ولدى إيليوت أيضا ابن أمريكي بالتبني، في العشرينات من عمره، وقد جاء إلى باريس لكي يقابل والده الذي لم يره منذ سنوات.

وهناك أيرين الفرنسية (جوليت بينوش) التي كانت زميلة لايليوت عملت معه قبل عشر سنوات، وقد اتصل بها أخيرا طالبا منها اصطحاب ابنته إلى فينيسيا في ايطاليا لمقابلته.

ونحن لا نرى إيليوت إلا قبل نهاية الفيلم بدقائق، يظهر لكي يموت أخيرا بعد أن ينجح القاتل المحترف المستأجر (من طرف المخابرات الأمريكية) في الخلاص منه.

ومن خلال اسلوب الفيلم البوليسي يكشف الفيلم تدريجيا عن الشخصية الرئيسية التي لا تظهر في الأحداث وإن كانت الأحداث كلها تدور حولها.

في الفيلم أيضا جهة أخرى تسعى لمعرفة مكان ايليوت، هذه الجهة جهة عربية من الشرق الأوسط، وهي مؤسسة مصرفية كبرى تابعة للمملكة العربية السعودية.

توفد هذه المؤسسة اثنين من رجالها إلى باريس للعثور على ايليوت عن طريق إيرين التي تجيد اللغة العربية.

والسبب كما نعرف فيما بعد، أن إيليوت يعمل مستشارا لهذه المؤسسة، وقد نصح القائمين عليها بسحب أموالهم المودعة في البنوك الأمريكية بدعوى أن البورصة الأمريكية ستشهد انخفاضا بنسبة 25 في المائة وهو ما يرون أنه أمر لا ينتج إلا عن وقوع كارثة اقتصادية هائلة إو اندلاع حرب مما سيؤدي إلى انهيار تام للسوق، وهم لذلك يرغبون في معرفة طبيعة هذا الحدث.

تدور حوارات كثيرة في الفيلم حول العلاقة بين أوروبا وأمريكا، وعن الكراهية الفرنسية للأمريكيين بسبب التناقض بين الشخصيتين، من خلال الحوار بين أورلاندو وديفيد (الابن بالتبني).

حب وكراهية

غير أن هذه العلاقة تتطور من الكراهية إلى الوقوع في الحب، كما يصور الفيلم القاتل المحترف (الذي يقوم بدوره جون تورتورو) باعتباره مبدعا أيضا، فهو يقرض أبياتا من الشعر في الفترات ما بين التصفيات الدموية التي يقوم بها.

هل كانت هناك معرفة مسبقة بوقوع هجمات سبتمبر، كيف ولماذا ولمصلحة من كان الصمت، هذه التساؤلات يطرحها الفيلم من بين طيات نسيجه، دون أن يجيب عليها بشكل واضح.

ولعل فيلم "بضعة أيام في سبتمبر" من الأفلام الجديدة التي تقدم الشخصية العربية في صورة إيجابية، فالشخصيات العربية التي تظهر هنا تبدو شديدة الرقي في تعاملها مع "إيليوت" على العكس من الأجهزة الأمريكية التي تسعى لتصفيته جسديا، وكذلك في تعاملها مع أيرين وعدم اللجوء إلى استخدام الوسائل العنيفة في دفعها إلى الاعتراف بمكان ايليوت.

وتدور الأحداث ما بين باريس وفينيسيا، وفي الفيلم ذكر لعلاقة إيليوت بأفغانستان والعراق والسعودية، كما تتداخل الأحداث وتتداعى اللقطات من الماضي إلى الحاضر، ومن المواجهات المباشرة إلى لحظات التأمل التي تساهم في تهدئة الإيقاع التقليدي للفيلم البوليسي.

والمؤكد أن الأفلام عن أحداث 11 سبتمبر لم تبدأ بعد في الظهور كما أشار أوليفر ستون في حديثه خلال المؤتمر الصحفي المشار إليه، فالأمر يقتضي مرور بعض الوقت حتى تتضح الصورة أكثر. ولننتظر ونرى.

الـ BBC العربية   في 9 سبتمبر 2006

بطلة فيلم «مركز التجارة العالمي»... ماريا بيلو: عشتُ 11 أيلول مرتين ... في الواقع وأمام الكاميرا

دوفيل (فرنسا) - نبيل مسعد 

مضى على ماريا بيلو ذات الجذور الإيطالية، أكثر من 15 عاماً في عالم السينما الا ان شهرتها جاءت اثر ظهورها في فيلم «كويوتي أغلي» الذي نزل إلى الأسواق في العام 2000، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف عن المشاركة في أعمال جيدة، مثل «ثنائي» مع غوينيث بالترو، و«الإستيلاء على مركز الشرطة رقم 13»، و«تاريخ العنف» مع فيغو مورتنسن بطل «سيد الحلقات»، و«ذي كولر» مع ويليام ميسي، والآن «مركز التجارة العالمي» لأوليفر ستون الذي يروي أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وفيه تتقاسم ماريا البطولة مع النجم نيكولاس كيج، ثم «نشكرك لأنك تدخن» من بطولة النجم أرون إيكهاردت وهو عمل فكاهي يسخر من طغيان شركات التبع ودورها في الحياة الإقتصادية الأميركية.

وجاءت ماريا بيلو إلى مهرجان مدينة دوفيل في منطقة نورماندي الفرنسية المخصص للسينما الأميركية من أجل الترويج للفيلمين بعد زيارتها مهرجان البندقية مباشرة حيث تم تقديم «مركز التجارة العالمي»، فالتقتها «الحياة» في هذا الحديث.

·         كيف حصلت على دورك في فيلم «مركز التجارة العالمي»؟

- إن حكايتي مع هذا الفيلم تختلف كلياً عن أي عمل آخر شاركت فيه، فأنا كنت في نيويورك يوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001 مع أمي، ووجدنا أنفسنا أنا وهي فوق مسرح الأحداث وراحت أمي ، الممرضة وعلى رغم إصابتها بمرض السرطان الذي كان يتعبها إلى حد كبير، تشرف على إنقاذ بعض الأطفال وعلاج جروحهم واصطحابهم إلى مكان خصص لاستقبالهم. ومن جانبي وقفت إلى جوارها وبذلت قصارى جهدي كي أقدم لها المساعدة في مهمتها محاولة في الوقت نفسه عمل أي شيء مفيد في مثل تلك الظروف المروعة.

وعندما طرح على أوليفر ستون الدور النسائي الأول في فيلمه «مركز التجارة العالمي» شعرت بخوف كبير فأنا معتادة، كممثلة، على وضع مسافة بيني وبين كل شخصية أؤديها أمام الكاميرا أو فوق المسرح حتى لا أتأثر حقيقة بما تعيشه هذه المرأة الوهمية الخارجة مباشرة من خيال أحد المؤلفين. وها أنا أجد نفسي في موقف يتطلب مني تقمص شخصية ليست خيالية بل واقعية، وإضافة إلى ذلك أن أعيش أمام الكاميرا ما عشته أنا شخصياً في ذلك النهار، ولم أكن متأكدة أبداً من قدرتي على تحمل مثل هذا الوضع طوال فترة التصوير فترددت كثيراً وفي النهاية سمعت كلام وكيل أعمالي الذي ظل يؤكد لي أن المشاركة في عمل يروي حكاية عشتها في الحقيقة قد تكون بمثابة علاج نفسي يخلصني من الكابوس الذي يلازمني منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. ثم أنه من الصعب جداً على أي ممثلة أن ترفض فرصة العمل تحت إدارة أوليفر ستون أحد أكبر عمالقة السينما الهوليوودية حالياً، وأضاف أنه لن يساندني إذا رفضت العمل بل أنه قد يتخلى عني في المستقبل. فكرت في كل هذه الأمور واقتنعت بصحتها خصوصاً في شأن استحالة رفض العمل مع مخرج من طراز أوليفر ستون، وفي الواقع لو فعلت لكنت بكل تأكيد ندمت عليه طوال حياتي.

أدنى التفاصيل

·         وكيف دار التصوير لاحقاً؟

- كانت بعض اللقطات صعبة علي لأنني اندمجت فيها في شكل حقيقي وليس عن طريق مهنية الممثل مثلما يحدث عادة، وكم من مرة وجدت نفسي أنهار وأبكي في غرفتي بعد الانتهاء من تصوير مشهد ما بصحبة نيكولاس كيج أو أحد الأطفال. ولقد سعيت كي لا يدري الفريق من حولي بالحالة التي لازمتني إلا أن أوليفر ستون يرى كل ما يدور في الأستوديو ولا تفوته أدنى التفاصيل ولا أعرف كيف يفعل ذلك على رغم مسؤولية الإخراج التي تكفي لشغل يومه من أوله والى آخره، وعلى العموم فهو أبدى اهتمامه بي أكثر من مرة وتكلم معي من أجل أن يرفع من معنوياتي ويعبر لي عن شكره كوني وافقت على العمل معه، وكان في كل مناسبة صغيرة أو كبيرة يفتخر أمام الفريق بأنه اختارني إلى جوار نيكولاس كيج من أجل الدور النسائي الرئيسي في فيلمه. وأعترف لك بأني شكرت السماء في اليوم الذي حُدد لتصوير المشهد الختامي، لكنني الآن بعد مضي الوقت أفتخر بكوني رفعت التحدي وقبلت الدور، خصوصاً لأنني عملت في فيلم من إخراج أوليفر ستون.

·         قدمتِ الفيلم بصحبة أوليفر ستون في مهرجان البندقية قبل مهرجان دوفيل مباشرة، فهل أنت راضية عن إستقبال الجمهور له؟

- نعم، وأؤكد لك أن جمهور مهرجان البندقية معروف بصعوبة ذوقه، وهو على رغم ذلك وقف ليصفق في ختام العرض لأكثر من عشر دقائق متواصلة، أما هنا في دوفيل فأنت رأيت بنفسك، بحسب ما أعتقد، كيف احتفى بنا الحضور في ختام العرض وفي بدء الندوة الصحافية التي تلته.

·         ما هو شعورك عند مشاهدتك الفيلم، مثل أي متفرجة عادية في الصالة؟

- أنا فعلاً أراه مثل أي متفرجة عادية وأنسى إنني أمثل فيه فأندمج في الأحداث وأتذكر وجودي الفعلي في الساحة مثلما رويته لك للتو فيهتز كياني وتسيل دموعي.

·     أنت هنا في مهرجان السينما الأميركية من أجل تقديم عمل أخر أيضاً هو «نشكرك لأنك تدخن» فكيف تنتقلين من عالم فيلم أوليفر ستون إلى الجو الكوميدي الذي يسود الشريط الثاني؟

- أنا ممثلة وهذا عملي، وأعترف لك بأنني مرتاحة جداً لتقديم فيلم «نشكرك لأنك تدخن» لأني لا أشعر بأي ضغط نفسي أو توتر حينما أفعل ذلك وأعتبر نفسي انني انتقلت في غمضة عين من عالم ثقيل وكئيب إلى دنيا والت ديزني فأحس بأنني خفيفة مثل الريشة وينتابني الضحك ربما لأعوض به ثقل «مركز التجارة العالمي» الذي أحمله فوق كتفي في كل الندوات والعروض التي تخصه.

·     الفيلم يسخر من شركات التبغ ويتميز بطابع قاسٍ جداً تجاهها، فهل تعتبرينه ذا أهمية معينة في شأن حضّ الناس على الامتناع عن التدخين؟

- لا، أنا في الحقيقة اعتبر ان هذا الفيلم يهدف إلى تسلية المتفرج فقط لا غير، وكان في إمكانه أن يتحول بسرعة إلى شريط شبه تسجيلي يهاجم شركات صناعة التبغ ويفضح الأرباح الطائلة التي تحققها هذه الشركات، لكن المخرج جيزون رايتمن فضل إيصال رسالته إلى الجمهور بواسطة الضحك ولا شيء سواه، وجاء ذلك في النهاية على حساب جدية الموضوع الأساسي للحبكة.

·         هل تعتبرين ذلك نوعاً من الفشل؟

- لا أبداً، لأن الفيلم لا ينتمي إلى اللون التسجيلي بل إلى الخيالي الروائي الكوميدي، وهو من هذه الناحية يحقق هدفه كلياً فالجمهور يضحك بصوت عال في صالات العرض وفي مواقف عدة.

فقدت الأمل

·     أنت تمثلين في السينما منذ أكثر من عشر سنوات واكتشفك الجمهور من خلال الفيلم الناجح «كويوتي أغلي» فكيف تصفين مشوارك مع الفن؟

- أصنف نفسي في قائمة الممثلات اللاتي بدأن يعرفن الشهرة بعدما تجاوزن سن الثلاثين وهو أمر نادر، خصوصاً للنساء في عالم السينما. انني موجودة في الساحة منذ أكثر من 15 سنة وليس عشر سنوات مثلما تقول وعمري الآن 39 سنة، لكن فيلم «كويوتي أغلي» فتح أمامي أبواب هوليوود العريضة بفضل رواجه العالمي وسمح لي بالعمل من بعده إلى جوار نجوم مرموقين وبإدارة سينمائيين من الدرجة الأولى. لقد فقدت الأمل أكثر من مرة وأقنعت نفسي بأنني لا أصلح إلا للظهور في أفلام صغيرة الحجم وأميركية محلية فقط لا تعبر الحدود، والحظ جاءني في فترة زمنية شهدت تساؤلي الشديد من حول إستمراري في المهنة أو الإنسحاب منها والإتجاه نحو عمل مختلف كلياً، خصوصاً إنني أحمل شهادة جامعية في المحاماة.

·         ما الذي جعلك ممثلة إذا كنت محامية أصلاً؟

- شاركت مرة في مسرحية في إطار فرقة من الهواة واكتشفت في نفسي قدرات فنية لم أكن أعرفها أو حتى أشك في وجودها، فرحت أترك كل شيء تعلمته ومارسته لأجرب حظي في التلفزيون. كنت مجنونة فعلاً لكن جنوني كان في محله بدليل إني حققت ذاتي كممثلة، وأقول بصوت عال الآن إني إمرأة سعيدة مهنياً إلى أبعد حد.

محيط قاس

·         يعتبر فيلم «ذي كولر» من أجمل ما شاهده الجمهور من أعمالك السينمائية، فما هي نظرتك أنت إليه؟

- أنا سعيدة بكلامك هذا لأنني حقيقة عثرت في هذا الفيلم على أحد أجمل الأدوار النسائية التي عرفتها السينما الأميركية حتى الآن، والشخصية التي مثلتها فيه نابعة مباشرة من أفلام العبقري الراحل جون كاسافيتس، بمعنى أنها امرأة تتميز بمظهر جذاب وتبدو سعيدة بل سطحية في تصورها أمور الحياة لكنها في قرارة نفسها تتمتع بحساسية قوية جداً وتعيش في جو صعب وفي محيط يقسو عليها إلى أن تقع في غرام رجل فاشل يحتقره الجميع ما عداها كونها تقرأ في عينيه الحنان والعاطفة والطيبة والإنسانية. وقد مثل الدور الرجالي إلى جواري ويليام ميسي أحد أقوى نجوم المسرح في الولايات المتحدة الآن وهو ساندني بمجرد وجوده إلى جواري في اللقطات المختلفة، والفيلم حاز نقداً إيجابياً ممتازاً وحصد بعض الجوائز في مهرجانات سينمائية دولية. والطريف أن أوليفر ستون شاهده وأحتفظ به في ذاكرته وإثر ذلك فكر في منحي بطولة «مركز التجارة العالمي» مع نيكولاس كيج.

الحياة اللندنية في 22 سبتمبر 2006

 

 

9/11 سينمائيا: أفكار كبيرة وأفلام قليلة

أحمد صلاح زكي - لندن  

في حلقات المسلسل الأمريكي "Friends" التي أنتجت بعد يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 اختفى برجا مركز التجارة العالمي من الصورة التي كانت تعرض ضمن ديكور بعض المشاهد لتبين أن الأحداث تدور في نيويورك.

ولم تختف صورة البرجين من حلقات "Friends" فحسب بل امتد هذا الاختفاء ليشمل جميع الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي تدور أحداثها في نيويورك والتي كان مخرجوها قد اعتادوا على اختيار البرجين للإشارة إلى وقوع الأحداث في العاصمة المالية للولايات المتحدة.

لكن مشهد ارتطام طائرتي الركاب بالبرجين ومن ثم انهيارهما ظل محفورا في ذاكرة الأمريكيين وذاكرة كل من شاهد تلك الأحداث عبر شاشات التلفزيون.

كان المشهد سينمائيا بامتياز، لذا كان من المستغرب ألا تتناوله هوليوود في أفلامها الدرامية إلا بعد انقضاء قرابة الخمس سنوات على وقوع هجمات نيويورك وواشنطن.

فيلما هوليوود الأبرز كانا فيلم المخرج البريطاني بول جرينجراس، United 93، وفيلم المخرج الأمريكي أوليفر ستون، World Trade Center، واللذان تناولا أحداث يوم 11/9 لكن من زاويتين مختلفتين.

فالأول تناول الحدث من خلال ما مر به ركاب رحلة طائرة "يونايتد أيرلاينز" رقم 93 قبل ارتطامها بالأرض في ولاية بنسلفانيا، أما الثاني فتناول الحدث من خلال رجلي مطافئ شاركا في إنقاذ من علقوا في البرجين بعد ارتطام الطائرتين بهما إلى أن انهار البرجان وتحولا إلى ضحايا في انتظار المساعدة.

11 فيلم، 11 مخرج

لكن اللافت للنظر عند الحديث عن الأفلام التي تناولت هجمات نيويورك وواشنطن أن العمل السينمائي الأول عن هذه الهجمات كان فرنسي الإنتاج عالمي الإخراج وهو فيلم "11'09''01" الذي خرج الى النور عام 2003.

فقد شارك في صنع الفيلم 11 مخرجا من 11 بلدا، قاموا بإخراج 11 فيلما مدة كل منها 11 دقيقة و9 ثوان، وذلك في إشارة إلى تاريخ الهجمات 11/9.

ومن يرى الأفلام الأحد عشر يلاحظ تباينا في رؤية كل مخرج وفي الزاوية التي اختار منها النظر إلى الحدث الذي هز العالم.

فالمخرجة الإيرانية سميرة مخلمباف اختارت في فيلمها أن تتناول هجمات الحادي عشر من سبتمبر من خلال عيون أطفال أفغان يعيشون مع ذويهم كلاجئين في إيران، حيث تقوم معلمتهم بإخبارهم أن حدثا جللا قد وقع في مدينة نيويورك الأمريكية وأن برجا عظيما قد هوى، لكن الأطفال لا يعيرون كلامها أي انتباه، فهم لم يروا برجا في حياتهم.

أما في فيلم المخرج الفرنسي كلود ليلوش فإننا نشاهد الحدث من خلال رسالة تكتبها فرنسية صماء لحبيبها خلال انهيار البرجين.

وفي الرسالة نقرأ أن "أمريكا ليست موطنا للعاجزين... أمريكا تحب الأبطال"، وفي الخلفية نرى البرجين لحظة انهيارهما.

المخرج الانجليزي كين لوش اختار مواطنا تشيليا يعيش في لندن كي يكون محور فيلمه عن الحدث.

وفي الفيلم نرى هذا المواطن التشيلي وهو يكتب رسالة تعاطف وعزاء لضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر يبدأها بتذكيرهم أن يوم 11/9 يمثل له يوما حزينا أيضا.

ففي يوم 11/9/1973 فقد هذا المواطن أحباءه عندما قام أوغستو بينوشيه، مدعوما من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بانقلاب عسكري على رئيس تشيلي المنتخب سلفادور أليندي.

وفي الرسالة يخبر المواطن التشيلي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر عن الجرائم التي ارتكبها حكم بينوشيه وعن الدعم الذي تلقاه من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وذلك في نقد قاس للسياسة الخارجية الأمريكية.

أما فيلم المخرج والممثل الأمريكي شون بن فكان الأقسى في نقده للنموذج الأمريكي، حيث قدم الحدث من خلال رجل مسن يعيش وحيدا في شقة في نيويورك، ولا يفعل شيئا سوى الاعتناء ببعض الزهور واختيار ملابس لوضعها في المكان الذي كانت تنام فيه زوجته المتوفاة.

وعندما ينهار البرجان يدخل الضوء إلى شقة الرجل فتتفتح الزهور التي كان يعتني بها، وعندما يهم الرجل بإخبار "زوجته" يدرك أنها قد توفت منذ زمن بعيد وأن ما كان يعيشه قبل انهيار البرجين وهم.

وفيما اختار الياباني شوهوي إيمامورا تناول الحدث من خلال جندي في الجيش الإمبراطوري الياباني عاد من معارك الحرب العالمية وقد فقد عقله ليقول إنه "لا توجد حرب مقدسة"، اختار المصري يوسف شاهين "ذاته" كي يقول للولايات المتحدة عبر شخصيته التي جسدها نور الشريف أن السياسات الأمريكية في المنطقة هي التي تسببت في أن يخسر شاب أمريكي حياته في الانفجار الذي استهدف معسكرا للمارينز في بيروت عام 1983 وأنها هي أيضا التي أفرزت الانتحاريين في الشرق الأوسط.

إدريسا أودراجو من بوركينا فاسو اختار صبيا فقيرا يحلم في أن يسلم أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، إلى السلطات الأمريكية من أجل الفوز بخمسة وعشرين مليونا من الدولارات وضعت كجائزة لمن يحضره إليها.

عاموس جيتاي من إسرائيل اختار مراسلة تلفزيونية تجد صعوبة في أن تنقل على الهواء تفاصيل عملية انتحارية وقعت في إحدى المدن الإسرائيلية بسبب توجه أنظار العالم إلى نيويورك حيث "عملية انتحارية أكبر" قد وقعت.

أما الهندية ميرا نير فاختارت قصة حقيقية وقعت لأسرة باكستانية تعيش في الولايات المتحدة، حيث اختفى ابنها يوم الحادي عشر من سبتمبر وبدأ المحققون الأمريكيون في نسج اتهامات حول ضلوع الشاب في تنفيذ الهجمات على نيويورك لكن لاحقا تكتشف السلطات الأمريكية أنه مات أثناء محاولته إنقاذ ضحايا برجي مركز التجارة العالمي وأنه مات تحت أنقاضهما وتحوله إلى "بطل أمريكي".

دانيس تانوفيك من البوسنة اختار فتاة بوسنية تتظاهر كل يوم ثلاثاء للفت أنظار وسائل الإعلام للمأساة التي يعيشها أهالي من ماتوا في الحرب الأهلية التي عصفت بيوغسلافيا السابقة لكن اليوم الذي اختارته للتظاهر تتحول فيه الأنظار إلى نيويورك وواشنطن حيث الهجمات قد وقعت، فتختار الفتاة التظاهر من أجل ضحاياها وضحايا الحادي عشر من سبتمبر.

وأخيرا كان الفيلم الذي أخرجه المكسيكي أليخاندرو جونزاليز إيناريتو مميزا من حيث خلو الأحد عشر دقيقة وتسع ثوان الخاصة به من أي صورة.

فقط صورة سوداء وأصوات الضحايا خلال اصطدام الطائرات وانهيار البرجين وتعليقات مذيعي الأخبار خلال نقل الحدث إلى العالم.

بالرغم من أن ما حدث يوم 11/9 كان كبيرا إلا أن عدد الأفلام التي أنتجت حوله كان قليلا.

فآثار يوم 11/9 لم تنته بعد، بينما هوليوود مازالت منشغلة في إنتاج أفلام حول الحرب العالمية الثانية والعالم الذي أفرزته هذه الحرب.

ويبدو أن العالم يحتاج لمزيد من الوقت كي يعي ما حدث في 11/9 وأن هوليوود تحتاج لمزيد من الوقت أيضا لتعكس ما حدث سينمائيا.

الـ BBC العربية   في 9 سبتمبر 2006

 

سينماتك

 

أحداث 11 أيلول في شريط "مركز التجارة العالمي"

أوليفر ستون يجنح نحو اليمين الأميركي المحافظ

هولندا ـ نوزاد بكير

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك