في فيلم ''رواية الجيب'' (Pulp Fiction)، وهو إحدى تجليات المخرج المشاكس ''كوانتين تارنتينو'' رأينا صامويل جاكسون وهو يستعير عبارة من سفر حزقيال.. ''سأُلقي عليهم انتقاماً عظيماً'' ثم يُجهز على ضحيته بكل برود.

في هذا الفيلم الجديد لجاكسون يصبح الانتقام هو عصب الفيلم ومزاجه، بل هو جسَّد الحبكة كلها، ليست الأحداث التي تجري في سياقها وعلى هوامشها مجرد مشاهد تكميلية، بل هي سِيَر تتقاطع، وحيوات وتمتد كي تكون سنداً وظلاً لما ستحويه الخاتمة من زخم وتدمير ونوازع، قصة الفيلم نفسها مأخوذة وبتصرّف من مذكرات مدّرس ثانوي في لوس أنجلوس، ''لقد كان هناك طالب يهددّني بالقتل، لم أأخذ المسألة بالجديّة المطلوبة، ولم أخبر أحداً بذلك، إلا أنني اكتشفت لاحقاً إنه قام بطعن أحد المدّرسين المساعدين وفي نفس المكان الذي أعمل به-استهلال مرعب لذلك عندما قرأ المخرج كيفن رينولدز سيناريو (187)، أصيب بهوس التعرّف على الحقيقة، فبعد أفلام تاريخية مثل: ''روبن هود: أمير اللصوص''، الذي أصاب بعض النجاح، وبعد فيلم مستقبلي سقط جماهيرياً ونقدياً وهو ''عالم مائي'' (Water world) أصبح سيناريو فيلم (187) بمثابة ممر سرّي أو خلفي تجاه أفلام الضواحي (Urban) وصخب الانتباهات المرّة، والتي أغرت المخرج تجاه هذا النوع من الأفلام الطلابية، وإن كان أكثرها مجّرد كليشيهات فشل مخرجون آخرون في اقتحام مجالاتها الخصبة والسرية.

هنا كان على ''كيفهن رينولدز'' أن يخرج عن نمطية أفلام الرعب التي تدور أحداثها في الأروقة الجامعية أو في المدارس الثانوية، ليس الرعب الشكلاني، والذي يصبح في أغلب الأحيان مكرراً هو ما لهث خلفه المخرج في هذا الفيلم.. بل وجدناه مقارباً بشكل أو بآخر لمناخات هيتشكوكية تحفر في الدواخل والرغبات وتمضي بشكل عمودي نحو صنوف وضروب وجودية ونفسانية.

وما عزز هذا المنحى في الفيلم هو أداء ''صامويل إل جاكسون'' نفسه، حيث يبدو في أدائه وكأنه ساحر الانفعالات الخفية، وهذا النقاء الأدائي الذي يسم معظم أدواره، إنما هو منبع افتتان بغوامض النفس البشرية، وما يتماوج فيها من براءات سحيقة وطهر مغيب تحت نوازع الشر والتوحش واللارحمة.

ينزع هذا الفيلم نحو الجو التدميري الخالص والمستتر في الأحياء والمدارس والشوارع الخلفية... تلك التي تتفتح فيها الذات على إشكاليات وجودها. الآن، وهنا، وفي داخل المصهر الكبير الذي هو مأزق الروح والتباسها.

ويبدو أيضاً أن مجال هذا الفيلم ومناخه ليسا سوى حقل إشارات وضرب من تلميحات وحيل هي في النهاية اختصار لحياة غاربة وسيرة مبتورة، ابتداءً من عنوان الفيلم (187)، الذي هو رمز أو شفرة لغرفة التشريح في مصطلحات الشرطة الجنائية، ومروراً ببعض الثيمات والاختصارات التي نراها في الكتابة على الجدران مثلاً والوشم على أجساد الطلبة وبعض اللقطات الضارية والمباغته في آن ''مشهد الحشرة التي يصعقها الجهاز المعلق في أحد المطاعم أثناء حوار المدرس (تريفور) مع صديقته، وتلك النبتة التي لم تعد تزهر في منزل (تريفور)، ثم إن تكرار مشاهد الأحذية الفارغة التي يرميها المراهقون في الحواري كي تتدلى من الأشجار وأسلاك الكهرباء فيها من زخم واحتشاد صوري وتعبيري ما يحتصر صفحات من الحوار الإنشائي الذي يلهث للشرح والتفسير دون أن يظفر بهما في النهاية، نرى الفيلم ونتذاكر أيضاً تلك اللقطات الفخمة من الطبيعة التي انحاز لها المخرج الفذ ''تيرأنس مالك'' في فيلميه اللذين ما زالاً محتفظين بألق إخراجي نادر وملغز ''أيام النعيم'' (Days of Heaven) و(الأراضي البور) (Bad lands) دون أن ننسى فيلمه الأخير الذي لحق به ظلم تجاري وجماهيري كبير.. وهو فيلم (خط أحمر رفيع)، ومن هنا رأينا لجوء ''كيفن رينولدز'' لما هو أرضي وترابي.. ''الأحذية، الجثة الملقاة في نهر ضحل، الأسورة الإلكترونية المربوطة في القدم، والتي ألقاها القاتل على الأرض، ثم هناك الاستخدام المكثف والهذياني للإضاءة الصفراء الباهتة، حيث بدت الشاشة في معظم الأحيان وكأنها ترفل في غلالة شبحية غامضة، الأصفر هنا هو لون الروح العاطلة، واللاهثة نحو أنوار مستحيلة، عزز ذلك الموسيقا الشرقية والهندية وإيقاعات فرقة ''مدريديوس'' المنحازة كلياً لحنين متخيّل ومشهد غائص في زمن أسطوري ومطلق.

يقول كيفن رينولدز: ''لم أشأ ببساطة أن أضع الكاميرا في غرفة دراسة وأن أقوم بالتصوير مباشرة، لقد قمت بجولاتي في المدارس الثانوية واقتربت من الأجواء الدراسية هناك، إنها عوالم راكدة ومملة، ولذلك أردت كسر هذا الملل بإعطائي كل مشهد طبيعة بصرية مختلفة''.

وحاول المخرج مع مدير التصوير ''اريكسون كور'' كسر الرتابة المتداولة في أفلام من هذا القبيل وتم التطرق لها مشهدياً في أفلام سابقة، فكان اللجوء لأنماط ولقطات غير تقليدية باستخدام مرشحات ألوان مختلفة ومشاهد مزجت بين الأجواء الدراسية في نيويورك بتلك التي في لوس أنجلوس، فكان الشكل أو الإحساس المديني واضحاً ومطروحاً بكل التباساته وشكوكيته'' ''استخدمت هنا تقنية التداخل والتقاطع بين لقطات مصورة على أفلام ''35 ملم'' وتلك المصورة على الفيديو من أجل إبراز التصوير النقطي أو المتبلر (Grainy look) رأينا ذلك بكثافة شديدة في لقطة الإنزال على ساحل النور ماندي في فيلم ستيفن سبيلبرج ''إنقاذ الجندي رايان''.

لم تكن عملية الطعن التي تعرض لها المدرس (تريفور) شيئاً من الماضي، ولم يعد التذكر مجرد استرجاع ينمحي في التو، بل هو شروع ومجابهة مع الخوف ذاته، هذا الخوف الذي يبحث عن ذرائع يحتمي خلفها دون جدوى، ويتشكل في ثيمات مقابلة أو نقيضه، كالفشل والانتقام، وعندما تختلط هذه الثيمات بشكل جنوني وهستيري؛ فإن النتائج لا تكون متوقعة على الإطلاق.

إن البحث في شخصية ممزقة بهذا القدر يستلزم أدوات إخراجيه حاذقة ومتقنة، ورغم بعض الهنات في السيناريو، إلا أن رينولدز حاول التقاط الخيوط من الشخصيات الأخرى المحيطة، وبإسقاطاتها غير المباشرة، حتى تكون للشخصية الرئيسية حضورها اللافت والمعبر.

يقول رينولدز: ''المشاريع التي عملت عليها سابقاً كانت ضخمة نوعاً ما ضخمة، مثل وحوش لوجستية، لقد تعبت أنا وطاقم العمل من هكذا مشاريع، أردت القيام هذه المرة بشيء دراماتيكي أكثر ومعتمد على ثقل أدائي في التمثيل''.

يبدو أن رينولدز أراد التخفف من أفلام الإثارة الشكلية والنزوع الفيلم أكثر تماسكاً وذي إيحاءات ضمنية، شيء ينقاد بالتمثيل حيث الأداء هو عصب الفيلم ومحوره، وليس الإبهار التكنولوجي وتوافر المعدات والميزانيات الضخمة.

شخصية المدرِّس (تريفور) نفسها، وبحجم الضغوطات الممارس عليها كانت تحتاج لدراسة عميقة وعارفة، فليس من السهل طرح إجابات هنا ولملمة الشخصية واختصارها بردات فعلها فقط.

إن الأرضية التي انبنت عليها هذه الشخصية هي من الوعورة والقساوة بحيث تبقى الأسئلة معلقة حولها إلى ما لا نهاية... إن ردات الفعل هنا لا يمكن التنبؤ بها مطلقاً، ولذلك لم يكن تحقيق الفيلم - رغم خلوه من المؤثرات والحيل - شيئاً قابلاً للمحاكمة والتنفيذ، فهو فيلم لا يحتمل تفسيراً كلاسيكياً واحداً، هنا ضروب وصنوف وتفاسير وأسئلة، تتشابك وتَنْحَلّ، تتعانق وسرعان ما يصيبها النفور والتضاد.

إنه الجحيم مرّة أخرى مفروشاً بالنوايا الحسنة؟

إنها الذروة إذن، حيث الصراع بين مدرّس محطم من إثر طعنة سابقة، ومن حياة دراسية لاحقة مشحونة بحس غابوي موحش، وبين طلبة مراهقين يحميهم قانون السن ويملكون في دواخلهم بذور الفطرة الوحشية، خصوصاً وأنهم ينحدرون من أصول لاتينية أصبحت هجينة ومقحمة في الأخرى في عوالم الفقر والفوضى والعنف.

في المشاهد الأخيرة كانت الحالات الكابوسية والهذيانات والترويع بسلسلة انتقامات صغيرة هي محاولات دفاع شخصية بحتة من المدرّس، حتى بدت وكأنها طقس شيطاني لتلويث قدسية المدرّس فيه، ونزع الهالات المحيطة به ورميها في فراغ الضمير والذاكرة والألم.

هذا الانتقام بدا لنا في النهاية وكأنه انتقام انتحاري، لأنه كان ينتظر ردة الفعل من الطلبة وبغريزة عمياء، ومستسلمة، ففي حوارات (تريفور) مع صديقته كنّا نجد مثل هذه العبارات تتكرر معه.

''الوحدة هي المركز''، ''البديل هو الفوضى''، ''إنني أسعى للانتصار البيروسي'' والانتصار البيروسي هو إشارة للمحارب الذي فقد الكثير، ولكن ظلّ انتصاره في النهاية مؤثّراً ولامعاً. في مشهد النهاية، رأينا الطلبة وهم يبدؤون طقسهم الانتقامي المضاد بحلاقة شعر الرأس. مشهد يذكرّنا على الدوام بروبرت دي نيرو في سائق التاكسي، ويتجهون مباشرة لمنزل (تريفور جارفيلد) الذي ترك الأبواب مشرعة وبقصدية واضحة، وعلى جدران منزله ثلاثة حروف كتبت بعلب البخ (O.Ka.S).

وفي إحدى أجمل لقطات الفيلم على الإطلاق تتداخل الإيقاعات الهندية المؤلمة في الموسيقا التصويرية مع مشهد المجابهة المشتركة بين المدرّس والطلبة، بحيث فقدنا التمييز طلقاً بين تسميات محددة مثل: الانتحار والتضحية والقتل والهزيمة والفوز.. لم نميّز شيئاً، ولكن ما كان واضحاً هو الهوس الغريزي تجاه التدمير الكلي والذهاب بشراسة نحو روليت أمريكي جديد لم نعهده في أفلام سابقة.

إنه فيلم عن ''الانتصار البيروسي'' كما كان يردّده المدرّس، ولكن السؤال الكبير يظلّ ماثلاً: من ضد من؟؟

الوطن البحرينية في 8 نوفمبر 2006

 

»بنات وسط البلد«..الكشف عن معطيات اجتماعية جديدة

كتبت فريد رمضان: 

هل تمكن المخرج المتميز محمد خان في فيلمه الجديد ''بنات وسط البلد'' من تقديم رؤية نقدية جديدة لمتغيرات المجتمع العربي والمصري بالخصوص؟ هذا السؤال الذي ربما تحمله معك بعد مشاهدة هذا الفيلم. فما يسعى إليه محمد خان، وهو هنا صاحب القصة والإخراج، هو محاولة جادة لتقديم فيلم شبابي خفيف، لكن يحتوي على طرح جاد في تناول عالم الشباب الآن مع الألفية الجديدة، والطموح، وصدمة الواقع، وتغير المفاهيم الاجتماعية، وتغير في السلوك العام، وتغير الذائقة الفنية، والعمل المتعب الذي لا يحقق جزءاً يسيراً من الأحلام الكبرى.

في فيلم ''بنات وسط البلد''، يضعنا المخرج محمد خان وسط القاهرة، في عمق علاقة صداقة قوية تجمع بين بنتين، تعيشان في الطرف الجنوبي من مدينة القاهرة، حيث ''حلوان والمعصرة'' وينتقلان يومياً من مسكنهما إلى وسط المدينة عن طريق ''المترو''، وهنا يشكل المترو أول المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في الواقع المصري الحديث، المترو هنا نقطة التقاء يومي، ونقط الافتراق. في المترو تتعرفان على بعضهما بعضاً، في المترو تتبادلان الشكوي من ظروف عملهما المتعبة، والتحرشات اليومية من أرباب العمل، من المثقفين والكتاب، ومن الشباب الذين يسيرون في سياراتهم المكشوفة.

إن البنتين ''ياسمين وجمانة'' لا تظهران في شخصية البنت النمطية الفقيرة التي تخرج كل يوم لأداء عملها وتتعرض باستسلام لواقعها، لا، إن ياسمين وجمانة وتقوم بدوريهما ''منة شلبي وهند صبري'' هما من بنات القرن الواحد والعشرين، حذقات، ومشاكسات، وقويات، ومنسجمات مع واقعهن رغم المرارة الداخلية، إلا أنهن يقدمن حضوراً للفتاة الشابة العصرية التي مازالت تواجه بطش الذكورة، حتى وإن كان من أخيها الذي يصغرها في السن.

إن علاقة الحب التي تنشأ بينهما وبين سمير وعثمان، الأول يعمل طباخاً والآخر موظفاً في شركة للاتصالات، يقعان ضمن لعبة ياسمين وجمانة، حين تتبادلان الأسماء، مما يخلق نوعاً من الهروب من الواقع في مواجهة علاقة عابرة تهدفا من ورائها المزحة لا أكثر. هذه العلاقة ومفارقاتها التي تحدث بين الشابين والبنتين تكشف العديد من الظواهر التي تمثل نماذج لحالات شبابية نجح محمد خان في الكشف عنها.

فيلم ''بنات وسط البلد'' ينحاز إلى لغة سينمائية شبابية نجح فيها في تقديم فيلم لشريحة معينة، متناولاً بذكاء العديد من القضايا التي تهمها وتشكل لها تحد في مجتمع صعب وملتبس. مشاهد عديدة تعتمد على روح الأغنية الشبابية التي تطاردك في رنات هواتف الممثلين، وفي الأغنيات التي يغنونها. الشخصيات في حركة دائمة، والكاميرا تتابع بسرعة إيقاع عصر سريع. حركة المترو التي تشكل جزءاً حيوياً في تقاطع حكايات الشخصات مع بعضها بعضاً. وثمة مسحة من الكوميديا يتشبث بها المخرج ربما لإعطاء نوع من الإفراط في الروح الشبابية التي تشكل هوية الفيلم، حتى وهو يذهب في زواج غير تقليدي، في مجتمع بدأ ينفض عنه قوانينه التقليدية.

ولكن كيف يستطيع فيلم ''بنات وسط البلد'' بالثيمات العديدة المتناثرة في زمن الفيلم أن تكون ناجحة لنقل مثل هذه المواقف في قراءة صادقة لمجتمع متعقد الأطراف والقضايا والهموم؟

الوطن البحرينية في 8 نوفمبر 2006

 

تريد معرفة أسرار الخلافات الزوجية؟ ابحث عن البرود الذي يسببه الختان

الرقابة تفرج عن فيلم يتناول ختان البنات  

'دنيا' فيلم نسائي يتصدى لمشكلة ختان الإناث وآثارها السلبية على حياة الكثير من الزوجات المصريات.  

القاهرة ـ وافقت الرقابة المصرية على عرض فيلم "دنيا" للمخرجة جوسلين صعب في دور العرض السينمائي رغم ردود الفعل التي قوبل بها منذ عرضه لأول مرة العام الماضي ضمن أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

وأثار فيلم "دنيا" ردود أفعال عنيفة عقب عرضه في المهرجان بسبب تناوله مشكلة ختان الإناث في مصر وأثارها السلبية على حياة الكثير من الزوجات، حيث تدور أحداث الفيلم حول ''دنيا'' التي تخرجت في كلية الآداب جامعة القاهرة وتسعى إلى أن تكون راقصة مثل أمها، وتتقدم "دنيا'' لمسابقة في الرقص الإيقاعي وتجتازها لتبدأ تحقيق حلمها بالتدريب على الرقص على يد مدرب رآها خامة جيدة لراقصة إيقاعية.

وبجانب عشق "دنيا" للرقص فإنها تتذوق الشعر لذلك كان موضوع رسالتها للماجستير هو ''الحب في الشعر العربي''، أما الأستاذة الجامعية المشرفة على رسالة ''دنيا'' فتعيش في منزل بحي شعبي ومن خلال ''دنيا'' تتعرف الأستاذة على سائقة تاكسي تسكن المنزل الذي تسكنه ''دنيا''، في حين تتعرف ''دنيا" من خلال الأستاذة الجامعية على الأديب ''بشير'' الذي يكتب في السياسة والأدب وهو أيضا شاعر وتجد ''دنيا'' لديه ما يشبع نهمها العاطفي، خاصة أن علاقتها بزوجها الذي كان زميلا لها بدأت تفتر بسبب اتهامه الدائم لها بالبرود الجنسي.

وتتهم "دنيا" عادة الختان بأنها السبب في هذا برودها الجنسي وتتفق معها الأستاذة الجامعية وسائقة التاكسي اللتان تعانيان نفس المشكلة ولان حياة "دنيا" مع زوجها أصبحت مستحيلة تترك له المنزل وتذهب إلى الأديب الذي تشعر معه بالراحة النفسية ويتزوجها فتشعر بسعادة كانت تفتقدها مع زوجها بسبب الفارق الفكري والعاطفي بينهما·

أما الأديب المعروف فهو رجل على علاقة جسدية مع صاحبة الفندق الذي يسكنه وقد أصيب بالعمى بعد أن ضربه مجموعة من الأصوليين الذين يحرمون ظهور النسخة الهندية من كتاب ''ألف ليلة وليلة'' وهي النسخة التي يدعو الأديب لإعادة طبعها حتى يتمكن الناس من قراءتها·

وعلى الجانب الآخر نجد ابنة سائقة التاكسي وهي طفلة يتم ختانها فتصرخ أستاذة الجامعة مع ''دنيا'' وسائقة التاكسي لكنهن لم يتمكن من إنقاذها وتختن الطفلة بناء على رغبة جدتها لتنضم فيما بعد إلى قائمة النساء اللاتي يعانين بسبب ختانهن·

وتقول المخرجة جوسلين صعب أن "تأخر عرض الفيلم كان بسبب الرقابة التي أرجئت قرار عرضه بعد ما أثير حوله في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وقد صممت على عرض الفيلم في مصر رغم ردود الفعل التي قوبل بها في المهرجان".

وأضافت جوسلين أن الهجوم جاء لصالح الفيلم لأنه بعد مشاهدة 700 شخص فقط ظهرت حوله التعليقات فماذا لو شاهده الجمهور العريض.

وعن الجهات التي شاركت في إنتاج الفيلم، قالت جوسلين "فرنسا وكندا مولتا الفيلم بنسبة لا تزيد عن 50% والباقي تحملته بمفردي وقد أعطيت الكثير من جهدي ومالي لتقديم هذا العمل الذي استغرق أكثر من سبع سنوات".

وأضافت جوسلين "الفيلم لا يعالج مشكلة ختان الإناث فقط، ولكنه يعالج مشكلة أعمق لم يتعرض لها أحد رغم خطورتها وهي عدم وجود حرية التعبير وهو ما تكشفه شخصية 'دنيا' المتخبطة التي تحاول باستمرار الوصول للفكر الصحيح، وتحاول من خلال الرقص أن تجد طريقها، وتحاول كذلك عن طريق أستاذها المثقف أن تتخلص من تلك العقدة".

الفيلم من تأليف وإخراج جوسلين صعب وشارك في بطولته محمد منير وحنان ترك وفتحي عبد الوهاب وسوسن بدر وعايدة رياض وخالد الصاوي، وقد تم عرضه في كل من فرنسا وسويسرا والبرتغال وسنغافورة وفي الوقت نفسه يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان قرطاج السينمائي الدولي.

ميدل إيست أنلاين في 8 نوفمبر 2006

الخبز الحافي لرشيد بن حاج: قوة الخرق والانتهاك للأعراف الاجتماعية

عدنان حسين أحمد 

بروكسل ـ القدس العربي توطئة لا بد منها نجح مهرجان الفيلم العربي الأول في بروكسل والذي انطلقت فاعلياته للمدة من 25 ولغاية 30 تشرين الاول (أكتوبر) الماضي في انتقاء عدد غير قليل من الأفلام الروائية والوثائقية، الطويلة والقصيرة التي تمتلك سوية فنية عالية، بل ان أغلبها أفلام مثيرة للجدل، وقد حازت علي اعجاب النقاد والمشاهدين، كما حصدت العديد من الجوائز المهمة، ويكفي أن نشير هنا الي بعض هذه الأفلام الناجحة فنياً والتي انتقاها انتشال التميمي، المدير الفني لمهرجان روتردام للفيلم العربي، وكذلك عبد العزيز بن الغالي، رئيس مهرجان أزرو المغربي، بالتعاون مع رشيدة شباني، رئيسة المهرجان، ويوسف أرشيش، مدير مؤسسة ايماج فيلم في بروكسل. ومن بين هذه الأفلام صباح لربي ندا، و الرحلة الكبري لاسماعيل فروخي، و ملك وكتابة لكاملة أبو ذكري، و هي وهو لالياس بكار، و نظرة لنور الدين لخماري، و تحت السقف لنضال الدبس، و أحلام لمحمد الدراجي، و السمفونية المغربية لكمال كمال، وأفلام عديدة أُخري. وتجدر الاشارة الي أن المركز الثقافي العربي في بروكسل الذي يديره الأستاذ علي خضر، قد ساهم هو الآخر في تنظيم عدد من المحاضرات والأنشطة الثقافية الموازية لعروض هذا المهرجان السينمائي الذي ولد متكئاً علي خبرات فنية وثقافية لا يستهان بها مثل مهرجان روتردام للفيلم العربي، والمراكز والمؤسسات الثقافية والفنية المشار اليها آنفاً.

علامات فارقة

تنطوي حياة المخرج الجزائري رشيد بن حاج، ايطالي الجنسية، علي علامات فنية فارقة سواء في الفيلم الروائي أو الوثائقي. فقد أنجز قبل الخبز الحافي ثلاثة أفلام روائية طويلة مهمة وهي وردة الرمال عام 1989، وفاز هذا الفيلم بعدة جوائز، وفيلم توشيا الذي رُشِح في حينه الي مهرجان فينيسيا السينمائي، وقوبل باستحسان كبير من قبل النقاد والمتلقين العاديين. وفيلم ميركا عام 1999، وقد أسند فيه دور البطولة الي النجمة فانسيا ريدغريف الحائزة علي جائزة الأكادمية، كما تضمن طاقم الفيلم نجوماً آخرين حاصلين علي الجائزة نفسها من بينهم فيتوريو ستورارو وجياني كوارانتا. لم يقتصر انجاز رشيد بن حاج علي الأفلام الروائية الطويلة، وانما تعداها الي الفيلم الوثائقي، حيث أخرج بالتعاون مع ماركو بوليتشيو عدداً من الأفلام الوثائقية لراديو وتلفزيون راي الايطالي، من بينها لا ألبيرو دي ديستيني سوسبيسي وغيرها من الأفلام التسجيلية المخصصة للتلفزيون الجزائري. وحينما أقدم علي اخراج فيلم الخبز الحافي عام 2005 بعد أن صاغ هو نفسه السيرة الذاتية ـ الروائية سينمائياً كان يدرك سلفاً أن هناك عدداً من المعوقات والمصاعب التي سوف تصادفه بعد الانتهاء من الفيلم، ولعل أبرزها امكانية عرض هذا الفيلم الجريء في الصالات السينمائية، ودور العرض العربية أم لا. فالفيلم أو السيرة الذاتية نفسها تنتهك العديد من التابوهات والقيم العربية الراسخة دينياً وجنسياً وأخلاقياً. فهذه السيرة الذاتية ـ الروائية التي كتبها باللغة العربية عام 1981، وترجمها الطاهر بن جلون، ظلت محظورة في عدد غير قليل من الدول العربية بما فيها المغرب، ولم تُفَك من الأسر الا بعد عشرين عاماً بحجة انتمائها الي نمط الكتابات الصريحة المُتحررة التي تتناول المكبوتات والمحرمات بأسلوب خادش للحياء، وجارح للذائقة العامة.

السينما الواقعية أو عين الحقيقة

قبل الخوض في المحاور الرئيسية للفيلم لا بد من الاشارة الي أن هذا الفيلم الواقعي يمزج بين تقنية الفيلم الروائي والتسجيلي في آن معاً، فثمة لقطات أرشيفية انتقاها المخرج بعناية فائقة من حقبتي الاحتلالين الفرنسي والاسباني، اضافة الي اللقطة الرئيسية التي صور فيها محمد شكري قبل وفاته بقليل، وهو يزور قبر أخيه عبد القـادر شكري، ويري مصادفةً طفلاً صغيراً يبحث عما يسد به رمقه بين القبور، فيستعيد شكري جانباً من طفولته المليئة بالتعاسة والألم، وكأن هذه الدائرة التي طوت حياة شكري وأنهتها قد بدأت مع طفل فقير آخر هو امتداد لسلسة طويلة من الفقراء والمعدمين.

لا تكمن جرأة هذا الفيلم في المواقف الايروسية التي يصورها محمد شكري وهي كثيرة جداً، وانما في الانتقاد العنيف والصريح للدين. ففي المشهد الافتتاحي للفيلم نري محمد سعيد طغماوي وهو يفتش في صناديق القمامة عما يسد به رمق العائلة التي بات فيها الخبز الحافي أمراً مستحيلاً، فيعثر علي دجاجة ميتة، وحذاء رياضي، وحينما ينهمك في ذبح الدجاجة علي الطريقة الاسلامية تكتشف أمه أن الدجاجة ميتة أصلاً، والميتة محرمة في الاسلام باستثناء السمك والجراد، فكلاهما يؤكل ميتاً، فتصرخ أمه بوجهه قائلة: الانسان لا يأكل الجيفة! .

استطاع المخرج رشيد بن حاج أن يجسد الفقر المدقع الذي عانت منه عائلة محمد شكري، وأن يصوِر بأمانة كبيرة قساوة الأب وفظاظته غير المعهودة. فحينما يتضور عبد القادر، الأخ الأصغر لمحمد شكري، من شدة الجوع، ويبدأ بالبكاء والأنين المتواصلين، يحاول الأب اسكاته، فيكعم فمه بوحشية ويقتله من دون عمد أو نية مسبقة لقتله. غير أن هذه الحادثة تستقر و تتثبت في ذهن محمد شكري الذي يري في والده قاتلاً ومجرماً سفاحاً لا بد له من القصاص العادل.

ولأن محمد لا يزال طفلاً صغيراً لا يقوي علي مواجهة والده القوي والعنيف أصلاً، فانه ينتقم منه رمزياً أو في أحلام اليقظة والمنام، اذ كان يتخيل نفسه ممسكاً بزجاجة فارغة يضرب بها رأس والده بقوة شديدة فيسيل الدم من سمت رأسه مغطياً معالم وجهه الصارمة القاسية. وثمة مواقف كثيرة يحاول بواسطتها الحاق الضرر بوالده غير أنه ينجو في كل مرة من هذه المحاولات غير المحسوبة جيداً. فذات مرة سدد الي رأس والده حصاة كان قد وضعها في عرادته غير أنها أخطأت الهدف، وأصابت جرة فخارية علي مقربة منه. ان درجة التحامل علي الوالد قد بلغت ذروتها لدي هذا الصبي المقموع بحيث أنه كان يتشفي بوالده عندما يقبض الدرك الأسباني عليه، ويزجوه في السجن لمدة طويلة نسبياً، لكنه حينما يخرج يعامل زوجته وأولاده معاملة فظة أشد قساوة من السابق.

ورغم جسده الرياضي وقوته الجسمانية الواضحة للعيان، كان الأب كائناً اتكالياً مُستخذياً يعيش علي ما تكسبه زوجته وأولاده من نقود. ومع ذلك فلم يسْلموا من لسانه السليط، وكلماته البذيئة التي يكيلها لهم ليل نهار. لم تتغير حالة الأسرة من الناحية المادية سواء أكانت في تطوان أو طنجة أو وهران أو أية مدينة ينتقلون اليها، اذ غالباً ما تكون الطرانكات أو بيوت الصفيح أو المنازل العشوائية سكناً لهم، أما غذاؤهم فلا يتعدي الحساء الذي يصنعونه من ريحان المقابر وبقولها، أو من فتات موائد الأحياء الثرية التي تلقي في صناديق القمامة.

يشعر محمد شكري بوطأة الفقر في مدينة طنجة حينما يتفتح ذهنه علي وجود القطعات الفرنسية التي حكمت المغرب منذ اتفاقية الحماية التي أبرمتها فرنسا مع المغرب في 30 آذار (مارس) 1912 مع مولاي عبد الحفيظ، حيث يظل هذا التاريخ راسخاً في ذاكرته ومخيلته، وربما يتفتق بقوة بعد أربعين عاماً حينما تندلع مظاهرة عارمة يفجرها المرواني في 30 اذار (مارس) 1952 مطالباً بجلاء الفرنسيين عن المغرب، وتحرير البلاد من الهيمنة الأجنبية بشقيها الفرنسي والاسباني. ورغم ثورية المرواني ووطنيته فان بعضاً من المغاربة يتهمونه بالتواطؤ مع الاسبان، أو بالعمل السري مع المخابرات الاسبانية. وحينما تشتد المواجهة بين المتظاهرين الذين لا يمتلكون غير الحجارة سلاحاً، وبين عناصر الجيش الاسباني المدججين بالأسلحة النارية تقع العديد من الخسائر بين صفوف المتظاهرين، وقد أوشك محمد أن يقع بين ايدي أفراد الدرك الاسباني لكنه هرب بمساعدة صديقه الكبداني الي أحد الأزقة الداخلية حيث صادفا المهرِب قابيل وهو في طريقه الي كوخ سيدي بو قنادل حيث تنتظره هناك كل من سلافة وبشري اللتين يبعن الهوي في سوق الرقيق الأبيض.

لم تكن سلافة هي المرأة الأولي التي ولجها محمد شكري فقد جرب الحب مع عواهر المبغي، والجنس المثلي مع أصدقائه في الحي، والتلصص علي المحرمات وغير المحرمات، فمحمد شكري لم يكن يتورع من التلصص علي أبويه وهما يمارسان الحب ليحقق رغبته الجنسية، كما كان يتلصص علي آسية وفاطمة وزوجة صاحب المقهي الذي يعمل فيه، وعلي سيدته مدام مونيك التي كان يخدمها، وهذا ما يفسر لنا خشية أية منتج من المجازفة بانتاج هذا الفيلم لما ينطوي عليه من جرأة وصراحة غير معهودتين تنسفان جل القيم التي تربينا عليها في العالمين العربي والاسلامي. فاللذة الجنسية بالنسبة لمحمد شكري هي فوق هذه العادات والتقاليد والأعراف والقيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية المتعارف عليها. كان محمد مُنتهِكاً لهذه القيم جملة وتفصيلاً، بل انه كان يمارس شذوذه أو انحرافه الجنسي وكأنه لم يقترف ذنباً أو اثماً معيناً. وقد ساهم جهله وأميته التي استمرت حتي سن العشرين في تثبيت هذه العُقد والانحرافات، كما لعبت قسوة الأب وفظاظته دوراً كبيراً في ترسيخ شذوذه، وتمرده علي سكة العادات والتقاليد المعروفة في الوسط الاجتماعي المغربي. وقد بلغت درجة الكراهية والقطيعة بين الأب والابن ذروتها، ولم تعد هناك أية فرصة لتطبيع العلاقة بين الطرفين. فالأب كان يعلق محمداً علي شجرة بالمقلوب من قدميه، ويوسعه ضرباً بحزام عسكري سميك وكأنه جلاد يعذب ضحيته، لهذا كان الابن يقتل أباه في مخيلته، بل انه كان يتمني أن يزور والده حينما يموت لكي يتبول عليه، وبحسب تصور شكري فان قبر والده لا يصلح الا لمرحاض!

امتهن محمد شكري العديد من المهن المتواضعة مثل نادل في مقهي، أو بائع في محل للخضراوات والفواكه، أو بائع صحف، أو حمال، أو عامل في معمل آجر، لكنه لم يكن مقتنعاً بكل المهن التي زاولها، غير أن مهنته كحمال للبضائع المهربة كانت الأقرب الي نفسه رغم المخاطر الجدية التي تنطوي عليها.

جرأة الأدوار النسائية في الخبز الحافي

رغم أن الاشتراطات الانتاجية فرضت علي المخرج أن يختار بعض الشخصيات الفنية الايطالية كنوع من تهجين الخبرات الثلاث الايطالية والفرنسية والمغربية، الا أن الممثلات المبدعات سواء الايطاليات منهن مثل مارزيا تيديسكي التي جسدت دور البغي سلافة أو جيوفانا سبوريا التي أدت دور المومس بشري أو الفنانة المغربية سناء علاوي التي لعبت باتقان عالٍ دور أم محمد شكري أو بقية الأدوار الجريئة التي ظهرت في متن الفيلم لآسية وفاطمة ومونيك وللا حرودة وسواهن من الفتيات والنساء اللواتي مررن بحياة محمد شكري، كل هذه الأدوار اتصفت بالجرأة والشجاعة النادرتين، بل تقتضي الاشارة هنا الي أن الفنانة الايطالية مارزيا تيديسكي قد حلقت شعرها بالكامل لكي تنسجم وتتكيف مع دور المومس التي يسجنها صديقها المهرِب قابيل خشية أن تهرب منه، وتتخلي عنه الي الأبد. فهو يحبها حباً جماً رغم أنه يعرف تماماً أنها تخونه مع غيره من الرجال، وهذا ما فعلته تماماً مع محمد شكري سعيد طغماوي حينما تركه قابيل غير مرة في المنزل، بل ان سلافة نفسها قد طلبت منه أن يهرب معها الي الدار البيضاء أو الي أية مدينة أخري في المغرب. أما المشاهد الايروسية فجدير بنا الاشادة بكل الفنانات اللواتي توفرن علي جرأة كبيرة، سواء الايطاليات منهن أو المغربيات، اللواتي أدينَ أدوار الحب والممارسات الجنسية العابرة مثل سلافة وبشري وللا حرودة وآسية، أو اللواتي سمحن لمحمد أن يتلصص علي مفاتنهن الجسدية.

النهاية المفتوحة

ظلت لعبة الخرق والانتهاك قائمة حتي نهاية الفيلم أو السيرة الذاتية ـ الروائية التي لم تنته أصلا، فرغم تطور الكثير من الأحداث وبلوغها الذروة مثل موت الكبداني الذي اصطدم زورقه بالصخور، وسجن قابيل الذي تحاول السلطات أن تثبت تورطه في موت الكبداني، وهروب سلافة وبشري الي الدار البيضاء، وغيابهما النهائي عن عيني محمد شكري، والقبض علي حميد الزيلاشي، وبوشتي، ومحمد شكري، وفوزية، ونعيمة الذين سيُخلي سبيلهم بعد مدة قصيرة، الا أن الانعطافة الرئيسية في هذا الفيلم تحدث في السجن، اذ يبدأ المرواني بتعليم محمد شكري القراءة والكتابة، ويفك له طلاسم الحروف بدءاً من الـ أ ملك الحروف الذي لا يختلط بالحروف الأخري، مروراًبالـ باء الذي يشبه الفلوكة المبحرة الي الأفق البعيد، وأن الجمع بينهما يؤلف مفردة أب التي ظل محمد يقتلها في مخيلته وأوهامه اليومية، وهي التي فجرت فيه محمولات المعرفة الأولي التي انطلقت من أسٍ وطني لأبيات أبي القاسم الشابي، ذائعة الصيت والتي تتمترس خلف البيت الأول الذي بات يدور علي الألسنة دوران الأمثال اذا الشعب يوماً اراد الحياة / فلا بد أن يستجيب القدر . ومن خضم هذه البداية العميقة والمؤثرة ينطلق محمد شكري الي أفق جديد مغاير تماماً لتجربته الحياتية الماضية حيث يقرر بشكل نهائي أن يذهب الي قرية العرائش ليعلم التلاميذ الصغار القراءة والكتابة وفك الحروف مستعيراً تجربة الشخصية الوطنية المرواني الذي ساعده علي فك طلاسم اللغة العربية وأسرارها. وربما يكون لقاء محمد شكري الأخير مع عبد المالك هو اللقاء الأكثر درامية وتأثيراً ووقعاً علي النفس، اذ يطلب منه محمد شكري أن يقرأ بعض الآيات القرآنية علي قبر أخيه عبد القادر الذي ضاعت ملامحه، وسُوي بالأرض، وكان مقتنعاً بأن توفر النية الخالصة كاف لتحقيق غرض القراءة حتي وان كانت علي قبور أخري، لكنه فجأة يتذكر مقولة الشيخ الذي حضر مراسيم دفنه وخاطب محمد قائلاً أخوك الآن مع الملائكة . ومن خلال هذه الفكرة البريئة يصوغ محمد شكري نهاية الجزء الأول من سيرته الذاتية ـ الروائية حيث يختتم نصه السيري بالقول: أخي صار ملاكاً. وأنا؟ سأكون شيطاناً، هذا لا ريب فيه. الصغار اذا ماتوا يصيرون ملائكة والكبار شياطين. لقد فاتني أن أكون ملاكاً. . وفي الختام لا بد من الاشارة الي أن الناقد والصحافي المغربي أحمد نجيم رأي في الفيلم مادة بصرية ضعيفة قياساً بقوة النص الأصلي، كما وجد في دبلجة حوار بعض الشخصيات، وبالذات مارزيا تيديسكي، افساداً لمتعة الحوار الذي خلا من الحرارة، وساهم في ترهل الفيلم واضعافه من الناحية الفنية. أما الناقد والروائي المصري سعد القرش فيري أن فكرة الفيلم الأساسية التي تتمركز حول الفقر والجوع الذي يعد أكثر حرمة من موضوعة الحلال والحرام قد تناولها قبل محمد شكري الكاتب المصري يوسف ادريس في قصة طبلية من السماء حيث يهدد بطلها باعلان كفره ان لم يقدم اليه الناس مائدة عامرة بطعام يسد به الجوع. وكنت أتمني علي الناقد المبدع القرش أن يفرد دراسة نقدية خاصة يبين فيها أوجه التشابه والاختلاف في التعاطي مع هذه الفكرة الحساسة، وطريقة معالجتها لدي كل من الكاتبين المعروفين. أما الرأي النقدي الثالث الذي أحب أن أشير اليه فهو رأي الناقد السينمائي المعروف صلاح هاشم الذي رأي في رواية محمد شكري عملاً سينمائياً بديعاً، يشمخ بالرواية، ويمسك بروحها، وقد اعتبر هذا الفيلم من أنضج أعماله الفنية علي الاطلاق. وجدير ذكره أن فيلم الخبز الحافي قد فاز بأكثر من جائزة من بينها جائزة الجمهور في مهرجان مونبلييه للسينما المتوسطية، و جائزة الشباب ، ونتوقع أن يحصد جوائز أُخري في المهرجانات السينمائية القادمة.

القدس العربي في 10 نوفمبر 2006

 

سينماتك

 

فيلـــــــــــــــــــم «781 »:

ســـــــيرة مبتـــــورة.. وحيـــــاة فارغــــــة

كتبت - إبراهيم الملا:

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك