< تحويل الوحش فجأة إلي حمل جريمة تستوجب معاقبة إسماعيل عبدالحافظ والمؤلف

< محمد جلال عبدالقوي جاء بنهاية من صلب الدراما غفرت له ما أمطرنا به من حكم ومواعظ طوال الشهر

< محمد فاضل ويوسف معاطي فضلا الإمساك بالعصا من الوسط في «السكة الأخيرة» وأخذا بالأحوط خوفا مما لا تحمد عقباه  

بشكل مفاجئ وعجيب لكل ما بناه وصعده المؤلف صفاء عامر طوال ثلاثين حلقة انهي مسلسله حدائق الشيطان نهاية تخاصم قواعد الدراما بمفهومها الصحيح في الصراع بين الخير والشر، والذي درسناه وحفظناه عن ظهر قلب، والمفترض أن أي كاتب يعرف ألف باء هذه الدراما لابد أن يحترم هذه القواعد و ألا يسقط كل ما بناه مهما علا شأنه، لأنه يكون خان القيمة التي كان لابد أن يعليها أو بالأحري لحظة التنوير النهائية التي كان المشاهد ينتظرها، بمعني آخر أن القواعد تقول ان نهاية أي عمل درامي لابد أن تنبع من خلال المواقف والأحداث التي ينسجها المؤلف وتطورها بما فيها شخصياته فتقودنا بالحتمية إليها و إلا ضاعت المفارقة التي بنيت عليها الدراما، وهذا هو ما أرسي قواعدها أرسطو منذ الإغريق في نظرية الدراما، وحتي اليوم في الدراما الحديثة " Modern Drama "، وغير ذلك يصنف تحت مسمي آخر وهو الميلودراما التي هي أسوأ أنواع الدراما، وحتي يكون لهذا الكلام معني تعالوا نطبقه علي مسلسل «حدائق الشيطان»، لقد بدأ الموقف بداية قوية بتقديم الشخصية المحورية " مندور أبو الدهب "، صعيدي قوي متغطرس شرس لا ترد له كلمة، قادر علي البطش بأي مخلوق يعارضه أو يقف في طريقه بواسطة رجاله المسلحين بالبنادق الآلية والذين ينفذون أوامره كالآلات الصماء، له علاقاته المتشابكة إلي حد فرض نفوذه علي أجهزة الأمن وعلي عضو مجلس الشعب عن الدائرة التي يعيش فيها، بل هو الذي سمح بترشيحه ونجاحه علي حساب الآخرين!

وصف غير مسبوق

وهذا بعض من كل لا تكفي المساحة لسرده مما تفنن الكاتب في رصده في وصف مجرم وإلصاق كل نقيصة به، وبما لم يجسده مسلسل مصري شاهدته حتي الآن، ربما فقط في السينما في شخصية عتريس في الفيلم الشهير " شيء من الخوف " بل إن الفيلم يتضاءل إلي جواره، فما المصير الذي يجب أن تنتهي إليه شخصية مثل هذه!!، وما هو القصاص الذي يجب أن يحصل معه!!؟، في نهاية هذه الدراما الملحمية المفجعة بحق، وحتي تطفأ النار التي اشتعلت فينا كلما تطورت أحداث المسلسل وتطورت أفعاله الإجرامية، بمعني أننا لو تساءلنا ما هي أزمة مندور أبو الدهب الدرامية هنا فإن الإجابة هي تماما كما جاءت علي لسان المغني في العناوين " يا فرعون إيش فرعنك.. جال عبيدي "، يعني أن المفارقة الدرامية " Paradox " أو التناقض الظاهري لدي هذه الشخصية يكمن في اقتناعه الكامل أن الكل يخضع له نتيجة أنهم تحولوا جميعا لعبيد له تحت ضغط جبروته بينما ما لا يعلمه هو أن الضغط يولد الانفجار، حتي لو طال الزمن والذي يصل به إلي النهاية الحتمية أن يعصف به هذا الانفجار، سواء من شخص ينجح في قتله أو من تحرك الدولة ضده والقضاء عليه كما بدأت تقودنا الأحداث في الحلقة قبل الأخيرة، أو كما في فيلم شيء من الخوف مثلا بثورة بلدة عتريس بكاملها عليه مشعلة فيه وفي قصره النار، وعندئذ يحدث ما يسمي بالتطهير "Catharsis " أو التخلص من الانفعالات المكبوتة التي ظلت حبيسة طول الوقت لدي المشاهد، ومن ثم يحدث أيضا ما يسمي التنوير علي الحقيقة، وهو أن كل طاغية لابد له من يوم يدفع فيه ثمن جرائمه، وأي نهاية أخري تصبح غير حتمية أي من خارج العمل وتقوم علي لي ذراعه لفرضها قسرا، فتظل مشاعر الغضب لدي المشاهد، وينتهي الأمر إلي كراهية العمل كله، لعملية التزييف التي تمت علي يد كاتبه، وأيضا لعدم احترامه لعقل متفرجيه نتيجة عدم تصديقهم واقتناعهم بالنتيجة التي وصل إليها.

استهانة واستخفاف

وفي حدائق الشيطان تصل الاستهانة والاستخفاف بنا كنقاد ومشاهدين لمدي لا يمكن تصوره، حينما تتوقف الخطوط التي كانت بدأت تحاصر مندور فجأة من أجل القضاء عليه من دياب الذي أصبح عضوا بمجلس الشعب وعضو مجلس آخر مناضل يسانده واللذان بدآ يحركان الدولة وأجهزة أمنها ضده بالتعاون مع شباب القرية المتعلم، لنجده فجأة " آل إيه " يبدأ يصاب بإغماء متكرر يتضح أن سببه إصابته بمرض عضال في المخ يجري بسببه جراحة يخرج بعدها محطما، شاعرا بكل جرائمه التي يكفر عنها بأن يوزع أملاكه علي رجاله.. تصوروا!!.. كذلك يحرق حقول المخدرات أو السموم التي يبيعها للشعب المصري والتي يتأسف عليها أحد رجاله أنها بالملايين!! يا خسارة وألف خسارة.

إنني لا أكاد أصدق حتي الآن كيف جرؤ كاتب مثل صفاء عامر ومخرج مثل إسماعيل عبد الحافظ علي الإقدام علي هذه النهاية، حيث يتحول الوحش إلي حمل بعد مرضه وكم من وحوش مرضت وحتي وهي تموت تزداد توحشا، بمعني آخر ما دام الاحتمالان قائمين فلا يعتد بها كنهاية حتمية، ثم الأخطر ما تحمله هذه النهاية من دعوة إلي الصفح والعفو عنه، وبصرف النظر عن كل ما حاولا إثباته من أنه عرف خطاياه، لأنها دعوة للقبول بكل من يسرقنا وينهبنا ويقتلنا ما دام مرض وكفر عن ذنوبه، ويا لها من نهاية بائسة مؤسفة ودعوة تستحق معاقبة كاتبها ومخرجها بدلا من مندور أبو الدهب...

حالة خاصة

برغم الحكم والمواعظ التي أمطرنا بها محمد جلال عبد القوي مؤلف مسلسل «حضرة المتهم أبي» في الكثير من مشاهده وحلقاته والذي أخرجته رباب حسين، وكأن العمل الدرامي لا يكفي بما فيه من مواقف في استخلاص الحكمة والموعظة الحسنة، فهو في رأيي كاتب أصبح لديه حالة خاصة أتقبلها شخصيا لأنه له رصيد من الأعمال ذات القيمة وهو أيضا نتاج متغيرات رغما عن أنفنا، ولو أنني أتمني له أن يشفي من هذا الداء الذي أصابه في مسلسلاته الأخيرة، إلا أن هذا المسلسل بكل الصدق أدرجه ضمن أفضل وأجمل ما كتب خصوصا في تحليله لأوضاع الطبقة المتوسطة المصرية ( أو البرجوازية )، هذه الطبقة الموجودة في العالم كله والتي خرجت منها أكثر دعاوي التحرر والأفكار الثورية كذلك أكثرها رجعية، أو ( كما سماها المخرج الكبير " لويس بونويل "، الأسباني الأصل والفرنسي الإقامة، " آفة هذا العصر " وجعل كل أعماله معولا لفضحها وتعريتها )، وهنا يحدثنا عبد القوي عن هذه الطبقة عبر شخصية معلم اللغة العربية " عبد الحميد دراز " نور الشريف في واحد من أروع أدواره علي الشاشة المرئية، الرجل الذي اختار أن يطبق مسماه علي حياته، من أول ربطه بين اللغة التي يعلمها والتي تحمل كل المعاني السامية لدينه الإسلامي، متصورا أنه بذلك يحقق ما أمره به الله والأخلاق والشرف والمبادئ التي ولد وتربي عليها، من وجهة نظره فلا يلجأ للدروس الخصوصية، والتي في حالته مثلا أصبحت منجم ثروة لأغلب مدرسي مصر في ظل نظام التعليم الحالي، وجعلت بعضهم يعيش كالملوك (بيد أن هناك ملحوظة للكاتب لم يتنبه فيها أن لغة الضاد هي لغة يتحدث بها أقباط مصر وكل المعاني التي تحملها رسالة الإسلام تحملها المسيحية وكثيرون منهم يؤمنون بما يؤمن به عبد الحميد، أي لا فرق بين عربي أو أعجمي في هذه النظرة من مبادئ وأخلاق وشرف، وإن كنا نعتبرها لدي هذا الكاتب من مشاكل سبق ذكرها )، والمهم أنه جعل مدرسه يفعل ذلك بصدق من أجل أن يكون مثلا في مدرسته قبل بيته وزوجته وأولاده، ( وهي مكرمة أيضا في أي دين حتي لو كان غير سماوي مثل البوذية )، وتلك هي أزمة عبد الحميد دراز والمفارقة الأساسية التي تعصف به وتحول حياته إلي جحيم مقيم، لأنه جهل أن هذه القيم التي تحلي بها أصبحت في خبر كان، بعد متغيرات السياسة والاقتصاد التي تبلورت مع منتصف السبعينات، وبعد نمو طبقة جديدة في ظل متغيرات الانفتاح والعولمة وأصبحت قوة مخيفة في جبروتها في مجتمع متخلف فقير قفز إلي القرن الواحد والعشرين بدون مؤهلات تحمي طبقاته من بعضها، فأصبحت الثروة والسلطة في يد الذين حققوها مدخلا لصنع عوالم خاصة بهم، لا يجرؤ أحد علي الاقتراب منها ولو بالحب بين شاب من الطبقة السابقة هو ابنه أحمد عبد القوي "، وبنت من تلك الطبقة " ( نيجار ) " إيمان العاصي لكن من منا ينسي أن هذه الطبقة المتوسطة هي نفسها التي ذكت يوما كل متغيرات السبعينات أملا في حياة أكثر رغدا وكرما لأنها بالفعل آفة هذا العصر في تطلعاتها الممقوتة!! ).

نهاية درامية

لملم المؤلف خطوطه في الحلقة الأخيرة ووضع الكل في قفص الاتهام سواء من هم خارجه بين الحضور أو داخل القفص في المحكمة، وهذا ربما أجمل ما في المسلسل، تلك النهاية الرائعة الشجاعة والتي أتت من داخل العمل، بعدما نسج خيوط أحداثه ببراعة لتوصلنا إليها ومن دون حكم ومواعظ هذه المرة!!، وبحيث جاءت كل كلمة أو جملة حوار لتنورنا وتطهرنا من كل ما أصبنا به من ثورة وغضب، أضف إليها أنها اقتصت من الذين كانوا الطرف الباغي في الصراع، بل وفضحت بلا رحمة الأوضاع الشائنة التي نعيشها الآن، كآثار لسياسات دولة اندفعت في تطبيق فلسفة اقتصادية، من دون أن تكون مؤهلة لها سوي بقرارات، لكنها لم تنفذ أو توازي بين عمق ما وصلت إليه نظم عتيدة في الاقتصاد الحر فقننت كل شيء وقللت بنسبة كبيرة كل الآثار الخطيرة التي يمكنها تدمير كل ما بنته، أي الفرق بين من يبني باليمين ليدمره الفشل والعجز والفساد بالشمال، إن محاكمة الجميع في نهاية المسلسل هي نهاية حتمية حقيقية، بقدر ما فيها من بعض الرمزية، إلا أنها نورتنا علي من هو المجرم ومن هو الضحية، وفي نفس الوقت دقت ناقوس الخطر الحقيقي الذي يمكنه العصف ببلدنا في لحظة، ما لم نتنبه جميعا ونصحح أو نصلح ما أفسده الدهر.

أنصاف الحلول

في الحلقة أو ( السكة الأخيرة ) التي أتحفتنا بها المقدمة الغنائية لشاعرنا أيمن بهجت قمر ومطلعها " العمر بيجري زي القطر والسكة مسافات "، وأغنية النهاية " دي لا باظت ولا خربت ولا جابت جاز لا مؤاخذة !! "، تقودنا هذه السكة إلي ما يمكن أن أسميه وبكل الثقة نهاية ( البين بين ) أو مسك العصا من المنتصف أو أنصاف الحلول، ومن حق أي أحد أن يسأل ماذا تعني هذه التسمية، هل هي تقع ضمن النموذج الساخر المدهش الذي توفر عليه كاتبه " يوسف معاطي "، أم أنه حرصا منه علي مرور المسلسل خوفا مما لا تحمد عقباه، بعد كل ما طرحه من مصائب وكوارث في صلب نظام يعيش فيه ورأي أنه فعلا " جابت جاز بعدما باظت وخربت "، فقرر ومخرجه الكبير محمد فاضل، الأخذ بالأحوط أي كفي ما قيل, وأساسه مهزلة ما وصلت إليه حالة السلطة التشريعية والتي من المفروض تمثل الرقيب علي السلطة التنفيذية أي الدولة بمجلس وزرائها ورئيسه، ومن خلال حصانتها وحقوقها الدستورية في المساءلة والاستجواب والتشريع قادرة أن تغير هذا البلد وتضعه في المكانة اللائقة به، حيث لا يتردد الكاتب في العودة إلي أصل البلاء والداء والمتمثل في اللعبة الانتخابية نفسها دراميا، واضعا يدنا علي الحقيقة وهي أن هذه السلطة قبل أن تتبوأ مكانها وتتربع علي كرسي المجلس، سلطة مضروبة في كثير من أعضائها.

لعبة الفائز والخاسر نحن أمام مؤلف واع بقواعد اللعبة، أي لعبة الفائز والخاسر، لكن الفائز يخرج من المعركة مثخن بالجراح، والتي ستعوقه عن أداء مهام رسالته وهي الدفاع عن نفسه أولا وعن المظلومين ثانيا.

الاعتراف بالخطايا

حتي مصطفي الهلالي رمز العفة والفضيلة لوث بما يكفي ليجعله عاجزا عن أداء دوره التشريعي، فيعترف بخطاياه في النهاية فيكون مثل الذين سقطوا وسجنوا بسببه، وأشرف له السجن مثلهم من أن يكون بوقا للفساد، وحتي يحتفظ من جانب آخر بنقاء حياته الشخصية مع زوجته " نهال عنبر " وابنه " أحمد السعدني " وابنته " منة فضالي "، وفتاة " منة شلبي " ظل طول المسلسل يتصورها ابنته مستميتا في إنقاذها من الضياع، فتزوجت ابنه بعدما تأكد أنها ليست أخته كما كذبت عليه أمها الراقصة المعتزلة عايدة رياض " التي قضي معها ليلة واحدة، وكانت تبحث عن صمام أمان ينقذ الابنة من حافة الهاوية فاستغلت الموقف وصورت له أنه في تلك الليلة حملت بها، وزواج ابنته الفعلية من " خالد سرحان " ابن بكري سلمان " أحمد خليل " رجل الأعمال الفاسد باعتبار الابن انصلح شأنه، بصرف النظر عن أبيه، الذي سجن علي يديه وآخرين، ثم سجن أيضا في تركيبات ميلودرامية، هدف إليها الكاتب والمخرج، فعصي الفهم علينا كمشاهدين ونقاد، في إطار لوي الأحداث بحثا عن نهاية سعيدة نجح المؤلف ومخرجه الكبير في تلفيقها، كي ما يخرج المشاهدون مرتاحوا البال، فكل الفاسدون والمتآمرون في السجن، لكن ماذا فعل مصطفي الهلالي ليكون مصيره مصيرهم، سوي أنه تنازل في آخر لحظة بدون أي تمهيد، فتحول من شخصية أثيرية لدينا إلي مجرم باع نفسه للخروج من المصيبة التي تورط فيها، وهو الترشح والنجاح في هذا المجلس، حيث وجد أن من يصل لهذا المنصب عليه أن يخلع ورقة التوت الباقية لديه قبل أن يصله، فأسقط مؤلف ومخرج العمل بطله في أعيننا مع الرأفة، أي جعلاه بين بين!! أي بطل نحبه ونجله مهما ضعف وسقط، أو كما ذكرت أنصاف الحلول بمسك العصا من المنتصف، فهو كرجل شريف فإن العقوبة التي يقضيها سيخرج بعدها مرفوع الرأس يمنح فيها فرصة ثانية بما له من رصيد واحترام، ورغم أنني لا أحب هذه النهايات علي طريقة " بس أصل.. " لأن الدراما أبدا لا تقوم علي أنصاف الحلول لأنها مثل العقيدة التي تحدد لنا المسار وهو " أن الحلال بين والحرام بين "، ومهما كانت أيضا النهايات السعيدة تلقي استحسانا شعبيا، لكنها تظل للأسف مثل حقنة المخدر أو المنوم تعطي للمشاهد فينام وعلي شفتيه ابتسامة عريضة!!.

جريدة القاهرة في 7 نوفمبر 2006

 

عبدالنور خليل يكتب:

مشاركة العائدات بالحجاب لمسلسلات رمضان.. صفر كبير!  

< المخرج كان يهرب من بدانة سهير رمزي إلي وجهها المحاط بالحجاب!

< ليس من قبيل المصادفة أن يقدم التليفزيون لسهير البابلي «ريا وسكينة».. بعد «قلب حبيبة»!

< محجبات موجودات بحكم العادة مثل مني عبدالغني ومديحة حمدي

< وردة.. العائدة بلا حجاب.. لا غنت ولا مثلت كما أرادها المشاهد.. وتركت ذلك لكل من أحاطوها!  

هل أضافت عودة «المحجبات» من نجوم السينما والمسرح.. والتليفزيون أيضا أي جديد إلي المسلسلات الرمضانية التي عادوا بها؟!.. هل أضفت سهير رمزي بدور«روح» في مسلسل «حبيب الروح» جلالا أو قدسية أو رونقا إلي الدور، أم أنها فعلا قد نوعت وشكلت ألوان الحجاب الذي تحيط به رأسها ووجهها، وهي تحاول الهرب من بدانة اصابتها بحكم السن أو بحكم البعد عن النشاط الفني؟!

المفروض أن مسلسل «حبيب الروح» دراما اجتماعية تبحث عن العلاقة الوثيقة بين «روح» وهي طبيبة وأم وولدها من زوج طلقها، وابنة من زوج ثان تزوجته «روح» (سهير رمزي) هو أمجد (مصطفي فهمي) وعلي الرغم من أنني لم أتبين لأمجد هذا حرفة معينة، وهل يملك مكتب محاماة أم مكتبا تجاريا أم يدير مصنعا كان يملكه طليق زوجته وآل إليه بحكم زواجه منها، إلا أنه كان أشبه ببطل شكسبير «عطيل» الذي يستغله سكرتير مكتبه، بالدس والتآمر وتدبير جرائم القتل وهو أي السكرتير (سيد راضي) يتحرك حوله حتي آخر مشهد من «حبيب الروح».. ودعوني أسأل: أي مجتمع هذا الذي تستهدفه هذه الدراما الرمضانية.. مسلسل ضمت أهدافه ثلاث جرائم قتل، وزيجات سرية، أبرزها زواج مصطفي فهمي من بثينة رشوان والجريمة الرابعة ترتكب في آخر مشهد من المسلسل، ونفس هذا المشهد يقدم لنا مفاجأة أن زوجة أمجد الثانية، بثينة رشوان تنطق الشهادتين، وتسلم له كنوع من التكفير عن الذنب.. المسلسل وأحداثه ووقائعه كلها عبثية، مبنية علي الصدفة والمبالغة والتطويل والبعد عن الواقع اليومي أو مايشبه الواقع في حياتنا.. وقد صيغت كل هذه الوقائع والأحداث بمنطق يتلاءم مع عودة سهير رمزي إلي الشاشة وكسر فترة الاعتزال و«تسبيل العيون» علي فرض أن المخرج قد ركز اللقطات المكبرة علي وجهها وعينيها.

القلب الذي عادت به «حبيبة

» كنت منذ أعوام ضيفا علي أول مهرجان ثقافي أقيم في قطر.. وفوجئت وأنا أقف بين مجموعة من الصحفيين والإعلاميين في رواق فندق شيراتون بالدوحة، بسيدة نحيلة ترتدي السواد من قمة رأسها إلي أخمص قدميها، تتجه إلي مباشرة، مخترقة زحام الموجودين ولم أعرفها في البداية، لكنها عندما وجهت حديثها إلي دلني عليها صوتها، وان كنت تهت لحظة أسأل نفسي من هي صاحبة الصوت.. قالت: «جئت أحييك بحكم صلتنا الوثيقة القديمة.

دعاني الأخوات القطريات للزيارة ولبيت» .. كانت سهير البابلي، وكانت مازالت بعد فترة من ارتدائها الحجاب والاعتزال تحدث ضجة.. ومازالت حديث الناس في الساحة الفنية وخارجها. وهاهي تعود، في واحد من المسلسلات في رمضان الذي ودعنا آسفا علي حال الدراما والمسلسلات، وحتي البرامج، التي أثارت السخط والملل عند المشاهد.. مسلسل «قلب حبيبة».. وسهير البابلي، بالحجاب، تتضمن دور أم من الصعيد الجواني هي «الست حبيبة» رحل زوجها وترك لها ابنين وبنتا، وكمية لا بأس بها من الطين تضم بعض حدائق الفاكهة، ومصنعا ـ لم نعرف ماذا يصنع فيه ـ وكان من الطبيعي أو من تقاليد الصعيد أن يحل الابن الاكبر (فتحي عبدالوهاب) محل رب العائلة، وأن يتولي شئونها حتي لو تخلي عن الدور الطبيعي له في حياته.. أن يتعلم ويحصل الثقافة والعلم في المدارس..

ترعاه السيدة حبيبة، وتدربه في حماس ليصبح رأس الأسرة، وتحوطه بكل ما يحتاجه من مساندة ومساعدة، حتي يصبح «معلما» قد الدنيا، لكن الطريق الذي أخطأه إلي الدراسة والعلم تفتحه الست حبيبة لأخيه الذي يصغره إلي أن يصبح معيدا في الجامعة ويفوز بمنحة دراسية إلي فرنسا.. ويجيء الوقت الذي يثور فيه الابن الاكبر، رأس العائلة علي أمه الست حبيبة، وينزع سيطرتها وقيادتها لكل شيء في المجتمع المحيط به وبها، وينفرد بإدارة أملاك الأسرة وتجارتها بالفواكه والخضروات وإدارة المصنع، ويرغمها علي القعود في البيت مع زوجتيه وخلفهما من «البنات» لم يمن الله عليه بالولد، رغم زواجه للمرة الثانية.. وفي الوقت الذي تستسلم فيه الست حبيبة لرغبة ابنها البكر، رأس العائلة وتتحول إلي حماة وجدة وأم رءوم، ينطلق الابن جامحا غاضبا، ثائرا، عليها طول الوقت، وكأنما أراد الممثل فتحي عبدالوهاب أن يحول شخصية حواس إلي شخصية هاملت الشكسبيرية بالانتقام من أمه.. علي آية حال، كان في المتحجبة العائدة سهير البابلي، عبق النجوم القديم، ولعله ليس من قبيل الصدفة أن يعيد التليفزيون في احدي سهرات أيام العيد أبرز مسرحياتها علي المسرح «ريا وسكينة».

صفية وفاطمة.. بالحجاب

وإذا كانت عودة سهير رمزي وسهير البابلي، شرطها الاحتفاظ بالحجاب، وكسر دائرة الاعتزال، فهناك من توجدن بحجابهن أيضا في مسلسلات هذا العام، مثل مديحة حمدي، التي ارتضت في السنوات الماضية ارتداء الحجاب وهي تقدم أدوارها، وربما ساعدها علي هذا أن هذه الأدوار تقدمها في مسلسلات تنتجها أو تساهم في انتاجها، كما فعلت وهي تقدم دور «صفية» زوجة الأخ الأكبر عبدالقادر (عبدالرحمن أبوزهرة) في «امرأة من الصعيد الجواني» وقد ساعدتها طبيعة الدور أن ترتدي الحجاب.. و«مني عبدالغني» بالحجاب والرداء الأبيض في مسلسل «علي باب مصر» في دور «فاطمة» بنت آخر سلاطين آل عباس (جلال الشرقاوي) الذي أسقطه التتار عن كرسي الخلافة، ودمروا بغداد وأحرقوا تراثها العلمي والثقافي، وقتلوا أهلها عن بكرة أبيهم، حتي الذين اختاروا الخيانة والعمالة مثل ابن الديلمي (غسان مطر) وزير الخليفة.. علي آية حال، كانت مني عبدالغني، رغم أنها لم تغن أو تستخدم صوتها وفي دور «فاطمة» القصير إطلالة جيدة.

وردة .. العائدة بلا حجاب

وأتوقف كثيرا أمام المطربة وردة وعودتها إلي شاشة التليفزيون، ممثلة ومطربة في مسلسل «آن الأوان».. لا غنت وردة كما يجب أن تغني، ولا قدمت فاصلا تمثيليا يليق بكل هذا الضجيج الإعلامي الذي صاحب هذه العودة.. ان المسلسل الذي كتبه يوسف معاطي وأخرجه أحمد صقر الذي يملك حصادا جيدا في المسلسلات الدرامية الناجحة، وآخرها «الطارق» في العامين الماضيين، لم تكن المطربة المعتزلة «الست حورية» البطلة المطلقة، وأن كانت الأحداث قد أدارها المخرج، بل والمؤلف أيضا، حولها في براعة.. فالزوج اللواء كمال (حسن حسني) يتصرف في كل شيء ويدير مقادير الأسرة، وزوج ابنته وأحفاده، كأني به مازال في الخدمة، بينما يتعرض للنصب وتباع أرضه التي يملكها خلسة تحت سمعه وبصره..

وبعد أن تفوز «الست حورية» بجائزة أحسن مطربة من المحطات الفضائية العربية، تقرر العودة إلي الغناء، وتحول قصرها إلي صالة بروفات، وتمارس دورها كمطربة مشهورة بل وفي المرحلة الأخيرة من المسلسل تقدم وهي وسطهم في أوبريت تقدمه في الأوبرا..

هذا اللون من المسلسلات يطلقون عليه في أوساط التليفزيون العالمية اسم «سوب أوبرا» أي «شوربة الأوبرا» لكن أحداثه تجري مثل المياه الباردة، بلا تسلسل درامي منطقي ولا إثارة لها قاعدة ترتكز عليها، حتي ولو حاول التشكيك في علاقة ما بين «الست حورية» والمطرب الذي تبنته مما دفع زوجها اللواء كمال إلي ترك البيت غاضبا إلي أن يعود فيظهر معها علي خشبة المسرح ـ مغنيا ـ في المشاهد الأخيرة من المسلسل.

جريدة القاهرة في 7 نوفمبر 2006

يا عيني عليك يا سعاد حسني

حلمي سالم 

كانت سعاد حسني - ولا تزال - جنية خيال ثلاثة أجيال من المصريين والعرب عبر النصف الثاني من القرن العشرين، وذلك بسبب التركيبة السحرية التي كونت شخصيتها الفريدة: خفة ظل شعبية مصرية، جمال هادئ أليف بلدي، أنوثة طافرة وطفولة هادرة في لمسة واحدة، وشقاوة محببة محبوبة، ومعها أسعدتنا الحياة المنطلقة في الثلاثة يحبونها وتأزمها معها في الاختيار وكرهنا معها الاستبداد البوليسي في الكرنك، ونقمنا معها علي رجال الأعمال السفاحين في علي من نطلق الرصاص، ثم أدركنا معها جبروت الغرائز البشرية في الراعي والنساء.
وحينما عرف الناس - منذ شهور قليلة - أن رمضان سيعرض مسلسلا عن حياة سعاد حسني بعنوان السندريللا استبشر الجميع خيرا، إذا ستعود إليهم روائح من عطر جنيتهم التي باغتت الكل بالانتحار في لندن منذ ثلاث سنوات، لكن المسلسل جاء مخيبا للآمال: شخصياته الأساسية يجسدها ممثلون غير مناسبين، أحداث كثيرة تروي لا من وجهة نظر التاريخ بل من وجهة نظر كاتب الحلقات ممدوح الليثي، مط وتطويل وميلودراما، وتمثيل خايب، وسيناريو مفكك مرقع.

وزاد من سوء الحال أن التليفزيون كان يعرض، في نفس الشهر، مسلسلا عن حياة عبد الحليم حافظ باسم العندليب، مما ضاعف من لخبطة التاريخ والأحداث والتشخيص والحقيقة والزيف والواقع والوهم، فإذا انتقل المتفرج بين المسلسلين، وجد اثنين سعاد حسني واثنين عبد الحليم حافظ واثنين عبد الوهاب واثنين عبد الناصر واثنين صلاح جاهين، فضلا عن الأشخاص الأصليين لكل هؤلاء، ووجد مسارات متضاربة للأحداث، حتي ليبدو كل مسلسل مختلف العصر والمكان والمسيرة.

وكانت مشادات قانونية وقضائية قد نشأت، قبل شهور، بين أسرة سعاد حسن والشركة المنتجة للمسلسل، ومع عرض المسلسل ازداد استياء أسرة السندريللا واحتجاجها علي المسلسل والقائمين عليه.

اتهمت عائلة السندريللا - علي لسان أخيها عز الدين حسني - المسلسل باتهامات عديدة: فهو مؤامرة للتشهير بسعاد حسني، وهو مليء بالكذب والتضليل والتلفيق، وهو إنتاج مصري يشهر برموز مصر وهو انتهاك لحرمات الأموات يتنافي مع الدين الحنيف، وهو نبش لسيرة من صار في صحبة الرفيق الأعلي، وهو نوع أكيد من أنواع الفساد.

وقد رصد عز الدين حسني في ورقة مكتوبة كمية كبيرة من المغالطات والأكاذيب: حول معاملة والدة سعاد حسني لوالدها، وحول وضعهم الاجتماعي المادي، وحول تعاملهم مع نجاة الصغيرة، وحول علاج سعاد من آلام الظهر، وغير ذلك مما يعده افتئاتا وتشويها للحقائق ولسمعة العائلة والنجمة الراحلة.

ولا ريب أن بعض - أو كل - ما تقوله أسرة سعاد حسني لا يخلو من صواب، وذلك إذا نظرنا للأمر من زاوية حق أسرة أي فنان كبير راحل في الحفاظ علي صورة الفنان في عيون الجماهير، وفي الدفاع عن حرمة حياته الخاصة وعدم التفتيش في الدهاليز المظلمة لحياة العلم الراحل.

لكن هناك زاوية أوسع يبدو الأمر فيها مختلفا، فحياة أي علم كبير راحل هي ملك للناس والتاريخ والحياة، قبل - أو بعد - أن تكون ملكا لورثة العلم، كما أن المعالجة الفنية للتاريخ - تاريخ الأشخاص أو الأحداث - ليس من الحتم أن تكون مطابقة للواقع الحاصل مطابقة حرفية، فعادة ما تأتي هذه المعالجة من منظور الراصد القائم علي العمل الفني الروائي أو المخرج، ومن زاوية اختياراته التي يري أنها أكثر تعبيرا عن الشخصية المرصودة أو الحدث المرصود، هنا تنحرف الرواية الفنية عن الأصل الحرفي للوقائع، بعض الانحراف، الشرط هنا ألا يصل ذلك الانحراف إلي النقيض الكامل للحقائق أي أن يظل مسقوفا بسقف عام للحقيقة والواقع.

وهذا ما حدث في حالات عديدة مشابهة: لم تكن الأفلام التي صنعت عن بيكاسو أو غاندي أو تروتسكي أو جيفارا أو ليوناردو دافنشي أو إيفا براون أو سيد درويش، كلها لم تكن مطابقة للحقيقة الوقائعية مطابقة حرفية كاملة تامة، لقد دخلها جميعا قدر - قليل أو كثير - من الانحراف والخيال والتأليف ومخروط رؤية صناع الفيلم، فنجح بعض هذه الأفلام في تقديم عمل جميل من الناحية الفنية بصرف النظر عن الأمانة الواقعية، ونجح بعضها في تقديم عمل أمين من الناحية الواقعية بصرف النظر عن الجمال الفني، وقدم بعضها عملا جميلا من الناحية الفنية ودقيقا من الناحية الواقعية معا، وفشل بعضها في الأمرين، فلا قدم عملا أمينا ولا قدم عملا جميلا.

ولو أن أسر بيكاسو وجيفارا وغاندي وسيد درويش وتروتسكي رفعوا قضايا تشويه رمزهم الراحل علي المنتجين، والمخرجين والمؤلفين، لما صار بين أيدينا الآن ذلك التراث الفني السينمائي العظيم لهؤلاء الفنانين العظماء، ولما أجترأ أحد علي إنجاز مثل هذه الأعمال الضرورية في المستقبل.

المشكلة الجذرية في مسلسل السندريللا - إذن - ليست عدم الأمانة الوقائعية، كما يري عز الدين حسني وأسرة النجمة الراحلة فحسب، بل هي أساسا الرداءة الفنية والركاكة الدرامية: تطويل ورهرطة في الحلقات حتي يزيد دخل السيناريست والممثلين والمخرج (علي عكس ما كانت تفعل سعاد حسني في أفلامها المكثفة المشحونة، وفي مسلسلها الوحيد هو، وهي)، ممثلة تقوم بدور سعاد حسني لكن عينيها تخلوان - علي رأي رفيق الصبان - مع لمعة التوهج في عيون سعاد حسني، فضلا عن خلو الروح من الروح، ممثل يقوم بدور عبد الحليم حافظ هو أبعد ما يكون عن عبد الحليم حافظ مع أنه غني مقدمة وخاتمة مسلسل "سكة الهلالي" ببراعة فائقة مخرج سمير سيف يتقافز بين الأصل والصورة، فيظلم الأصل بالصورة بعد أن يظلم الصورة بالأصل، انتقائية مرتبكة في اختيار الأحداث الوطنية العارمة الموازية، فتطغي أحيانا طغيانا كليا، وتغيب أحيانا غيابا كليا، استثمار سطحي للعلاقة بين ألم سعاد حسني في الحب أو الحياة أو المرض وبين توهج الإبداع الصادق الجارف الصادر عن روحها المتألمة.

إن مسلسل السندريللا لم يقع في جريرة أخلاقية بسبب مجافاته للدقة والوقائع والحقائق، بل بسبب كونه صنيعا فنيا رديئا: فتقديم عمل رديء عن فنانة ليست رديئة جريرة أخلاقية، وتقديم عمل منطفئ عن فنانة متوهجة جريرة أخلاقية.

نحن أيضا أهل سعاد حسني، ووارثوها: أقصد جيلي، والجيل الذي سبقني، والجيل الذي تلاني، هذه الأجيال الثلاثة التي كان أي فرد فيها يدخل بيته بعد يوم شاق، فيسأل أهل بيته: مفيش فيلم لسعاد حسني في التليفزيون؟. هكذا أفعل أنا، ويفعل شقيق لي، ويفعل كثيرون وكثيرون، نحن الذي ذكرناها في الشعر كثيرا، وأشرنا إلي بعض أفلامها في قصائدنا (كالحب الضائع في قصيدتي باب مراكش)، والحب الذي كان في ديواني يوجد هنا عميان، كثير من زملائي أشاروا إليها في الشعر: عبد المنعم رمضان ومحمد فريد أبو سعدة ومحمد عيد إبراهيم، وقبلهم كان الشاعر السوري الكبير الراحل محمد الماغوط، قال مرة نصف مصيب نصف مخطيء: ليس في مصر إلا شعر العامية وسعاد حسني! أما مشهد صبها الماء علي يدي صلاح منصور في الزوجة الثانية وهو يغرز عينيه الجاحظتين في صدرها العامر الثري، فقد كان مشهدا أساسيا في ديواني مدائح جلطة المخ.

ثم نحن الذين حفظنا عن ظهر قلب قصيدة صلاح عبد الصبور أحلام الفارس القديم التي قيل إن بعض مقاطعها كانت موجهة إلي سعاد حسني، نستدعي صورة سعاد حسني في المخيلة، ونردد لها: صافية أراك يا حبيبتي/ كأنما كبرت خارج الزمن/ وحينما التقينا يا حبيبتي/ أيقنت إننا مفترقان. وإنني سوف أظل واقفا بلا مكان/لو لم يعدني حبك الرقيق للطهارة.

لم تزل ضحكتها ترن في إذني، حيما شاهدناها في منزل الدكتور عبد المنعم تليمة عام 1974، بعد أن عرض فيلم الكرنك بصحبة علي الشريف وعلي بدخان، سعاد حسني: اختنا كلنا، وحبيبتنا كلنا، وطفلتنا كلنا.

لقد عاش الناس طوال شهر رمضان، مع صور سعاد حسني الأصلية التي كانت تظهر في التتر، ومع لقطات سعاد حسني الأصلية التي تظهر في الحلقات، ولم يعيشوا مع المسلسل الذي كان مسخ الروح لينتهي الأمر إلي فساد الواقع والحلم معا.

لذلك كله نصرخ: يا عيني عليك يا سعاد حسني.

ونسأل: تري ماذا يفعل الآن مجنون سعاد حسني؟     

الأهالي المصرية في 8 نوفمبر 2006

 

سمير الجمل يكتب عن «سوق الدراما» الرمضانية

بعض الأعمال رفعت شعار محاربة الإرهاب لكن بمنطق أمريكي كأنها من إنتاج شركة «بوش وكوندي»!  

> مسلسل «خالد بن الوليد» فاكهة رمضان هذا العام بفضل صورة محمد عزيزية التي غطت علي السيناريو التقليدي

> هلل البعض لعلاقات الشذوذ في «أبناء الرشيد» وكأنها عاصفة مقصودة لوضع الشواذ علي لائحة الدراما بأنواعها

> جمال سليمان مفاجأة من العيار الثقيل أنهت السجال العبيط بين الدراما المصرية والسورية

> «المارقون» يظل الرسالة الدرامية السوبر لهذا العام  

هو سوق يقام وينفض.. ربح فيه من ربح.. وخسر فيه من خسر.. انه سوق الدراما الرمضانية الذي يشبه «الدنيا» وهي أحيانا تعطي.. من لا يستحق.. وتحرم من يستحق لحكمة يعلمها الله.. في رمضان 2006 تكالبت علينا المسلسلات.. وتسلسلنا أمامها ـ من المحيط إلي الخليج ؟.. وقد سألت بعد انتهاء المولد، وما العمل الذي يمكن لهذا الأمة العربية أن تترجمه وتقدمه للغرب.. لكي يكون كاشفا لافكارنا.. وأحوالنا في عصر الصورة وقد رأينا أمريكا تنقل إلينا حرب الخليج الاولي ثم الحروب التالية علي الهواء مباشرة كأنها مباريات كرة القدم.. مائة مسلسل!

ولمن لم يحضر معنا من أول الشهر أقول.. بان المسلسلات التي عرضت في رمضان علي مستوي الشاشات العربية بلغت المائة أو يزيد قليلا.. إذا ضمت الحسبة ما أنتجته.. شاشات ليبيا وتونس والجزائر والمغرب من أعمال.. للاستهلاك المحلي.. إلي جانب الانتاج الخليجي الذي بلغ حوالي 25 مسلسلا.. والشامي أكثر من 40 عملا والمصري حوالي الستين. فان بالعرض حوالي 50 عملا تناثرت هنا وهناك.. ولفتت الانظار في كل هذا المهرجان اعداد قليلة.. ومع ذلك احتشد المولد بكل ألوان الطيف الدرامي.. وكانت الموضة ظهور بعض الأعمال التي ترفع شعار محاربة الإرهاب.. لكن بمنطق ومنهج امريكاني كأنها من انتاج شركة «بوش» و«كوندي».. وظهرت بعض المسلسلات الفارغة بميزانيات ضخمة لكي تثير الشك والحسرة في نفس الناقد والمتفرج..!!

الفاكهة

وإذا كان مسلسل «خالد بن الوليد» قد اعتبره الكثيرون وأنا منهم فاكهة رمضان هذا العام.. فانني فقط أقول.. إن الصورة المبهرة التي صنعها المخرج محمد عزيزية غطت وطغت علي كتابة تقليدية للسيناريو.. عالجها عزيزية بأقل قدر من الحوار واطلاق العنان للصورة لكي تتكلم بالنيابة عن الحوار وهو في المسلسلات التاريخية الدينية سلاح اساسي لايقل عن السيف والدرع.

أما علي صعيد «أبناء الرشيد» فهو يطرح رسالة مهمة في علاقات العرب والفرس ولكن يختلف عن رشيد عبدالسلام أمين، ونورالشريف في الكشف عن علاقات الشذوذ بين الأمين وغلامه وهي العلاقة التي هلل لها البعض واعتبرها فتحا غير مسبوق علي الشاشة الصغيرة.. في سنة «يعقوبيان» وحاتم رشيد وكأنها عاصفة مقصودة لوضع الشذوذ علي لائحة الدراما بكل أنواعها..

وقد لا يرقي «الامام المراغي» لحسن يوسف، إلي مستوي الانفاق الضخم للأعمال التاريخية السورية.. ولكنه يقف شامخا ويكاد يصبح علامة مميزة لهذا اللون من دراما الحياة التي يختلط فيها الماضي بالحاضر والمستقبل.. والتاريخي والديني والاجتماعي وخاصة أن المسلسل يكشف دور الأزهر وهو المؤسسة السنية الأولي في العالم.. وفي ظل تلك الحروب علي الإسلام واكتفاء الأزهر بتصريحات باهتة.. كان صوت الشارع.. أقوي منها.. حتي داخل الأزهر الشريف نفسه بأصوات المتظاهرين بعد صلوات الجمعة.

الخروج من الدئراة

وقد يكون من مزايا دراما 2006 أنها خرجت قليلا من الدائرة المعتادة وبدلا من السجال العبيط عن تنافس الدراما المصرية مع السورية علي طريقة الأهلي والزمالك.. جاء جمال سليمان لكي يكون مفاجأة من العيار الثقيل لمحبي التنافس المحمود ولانعاش الحياة الدرامية الراكدة التي كادت تختنق بدلع الباشوات النجوم والهوانم النجمات.. والاكتفاء برفع أرقامهم إلي الملايين..

وكان الشارع المصري بصفة خاصة في قمة الوعي والنضج.. وهو يتوج جمال بالحب والترحاب.. رغم أنف بعض الأصوات المعارضة بسذاجة وغيظ.. لا محل له من الاعراب نهائيا.. في زمن انقسمنا فيه كعرب حتي اصبحت إسرائيل لبعضنا اقرب إليه من أهله وماله وولده. واحب أن أقول بأن نجوم سوريا قادمون.. وقد سبقت .. جومانا مراد وقبلها ليزا سركسيان (ايمان) ومادلين طبر.. من لبنان.. ولا يمكن أن تدخل الدراما العربية دائرة السموات المتقدمة.. والفضائيات العابرة للقارات.. بدون حضور عربي متكامل في الموضوع بعيدا عن النظرات الاقليمية المحدودة.

الثنائيات

ومن ايجابيات دراما رمضان.. تأكيد الانسجام الفني.. بين مجموعات من المؤلفين والمخرجين، وبينما عاب البعض علي محمد صبحي وعادل إمام ارتباطهما بطاقم فني يكاد لا يحيدا عنه في معظم أعمالهما.. إذا بنا نري محمود محمد صفاء عامر مؤلف وإسماعيل عبدالحافظ يزداد انسجاما في حدائق الشيطان.. ونفس الأمر بين مصطفي إبراهيم والمخرج إبراهيم الشوادي في «الجبل» وأيضا مع الثلاثي هشام سليم ونادر جلال والكاتب بشير الديك في درب الطيب.. وكانا قد قدما في العام الماضي «أماكن في القلب».

اتجاه الشباب

وكسرت سمير أحمد هذا الحصار، واتجهت إلي الشباب واختارت في «دعوة فرح» المؤلف أحمد عبدالفتاح وقد كان أول دفعته بقسم السيناريو بمعهد السينما وحصل علي جائزتها.. ومعه المخرج الشاب محمد حلمي.. وأرادت أن تجدد وتغير ثوبها المعتاد كإمرأة مثالية.

وعلي صعيد التجديد نري أن حضور أحمد جلال عبدالقوي كبطل شاب أمام نورالشريف ومعالي زايد وسمير صبري وأشرف عبدالغفور كان أيضا من العلامات فهي سابقة جديدة ان يحصل شاب علي فرصة بهذا الحجم.. وأمام بطل تباع الأعمال باسمه مثل نورالشريف.. وهنا.. تأتي علاقة الأبوة بين المؤلف محمد جلال والشاب أحمد.. لكي تطل برأسها.. ولكن نور كان يستطيع بسهولة أن يرفض وان يختار مايريد بل ويتدخل في النص لكي يتم تحجيم دور الابن.. لصالح الأب.. لكن مهارة المؤلف تتجلي هنا.. في انعكاس ما يزرعه الابن المتهور.. لكي يحصده الأب المثالي الذي يرسم صورة مختلفة للمدرس.. بعد أن تحول إلي مسخرة في عشرات الأعمال.. ولهذا انصح نقابة المعلمين أن تقوم بتكريم نور الشريف علي دوره هذا.. مع جلال عبدالقوي ورباب حسين.

نصوص ولصوص

ولا يكاد ينقضي الموسم الرمضاني بدون اتهامات توجه إلي مؤلفين كبار بأنهم لطشوا أفكار مسلسلاتهم من شبان وأدباء مجهولين أخذوها منهم أو وصلوا إليها بشكل أو بآخر .. وطالت الاتهامات أكثر من عمل.. لكن من الواضح أن جمود أفكار المسلسلات عند نوعيات معينة.. ودوران معظم الأعمال في دوائر محددة ضيقة يكاد يتحول إلي دليل دامغ ضد الكبار.. بأجورهم الكبيرة والطلبات التي تنهال عليهم.. واليد القصيرة والقاصرة وهو ما يجعلنا نسأل ما هي الافكار البراقة التي دارت حولها المسلسلات ستجد أن الغالبية قديمة جدا ثم يعاد دهانها خارجيا.. وتغيير ما فيها من «عفش» واستبداله..من باب زغللة العين.. وإذا نظرنا إلي مستوي السيناريوهات ستجد أن العودة إلي المنابع الأدبية.. ضرورة أحس بها بشير الديك في مسلسل «درب الطيب» رغم اتهامه بالتعديل والتبديل في الرواية التي كتبها شمس الدين الحجابي.. وأنا أقول بأن حق النظر بعين جديدة مكفولة لكاتب السيناريو بالعكس، أضاف الديك إلي العمل مساحات أخري تحتمل أن يطل علينا في 30 ليلة وربما أكثر وبأسلوب سريع بعيدا عن مشاهد «فتح الباب» وياتري مين بيخبط علينا في الساعة دي».. و«طيب طيب مستعجل علي ايه ياللي بره».. إلي آخر هذا العبط الدرامي لتضييع الوقت مثلما يفعل الفريق الفائز بهدف مشكوك فيه ويريد الاحتفاظ بهذا الفوز بأي طريقة فيلجأ إلي اللعب السلبي.

مع الغجر

ويقتحم محمد الغيطي منطقة الغجر ويربطها بما فيه الابحاث ومحاولات إسرائيل المستمرة لسرق عقولنا وأفكارها وتسميمها واختراق مؤسساتنا العلمية.. وهي منطقة يستحق التحية عليها.. وقد ازداد الغيطي نضجا باختياره لموضوعات مثيرة الجدل مثلما ذهب مع صبحي إلي الملاحات وما فيها وما حولها.. ويلعب فداء الشندويلي علي وتر التسامح والغفران.. ومحاولات الانسان أن يفتح كشكول أخطائه ويحاول أن يداوي جراح من نالوا أذاها.. في مسلسل «كشكول لكل مواطن»..

وتواصل تيسير فهمي اقتحام اسوار الدراما المودرن التي تتناول قضايانا المعاصرة وبعد «أماكن في القلب».. تقدم «قلب الدنيا» مع السيناريست الطيب محمد رفعت عن فكرة للدكتور أحمد ابوبكر.. ورغم المآخذ علي بعض ما في العمل .. لكنه يخرج عن الدائرة التي انتهت صلاحيتها.. ويتجهون إلي العراق وما أدراك ما العراق..

السوبر

ويظل مسلسل «المارقون» لنجدت انزور الرسالة الدرامية السوبر لهذا العام.. فالتجربة مختلفة شكلا وموضوعا.. وقد حشد لها عشرة مؤلفين ومنح كل واحد منهم ثلاثية.. يقول فيها ما يشاء عن الإرهاب ثم جمع الكل في باقة واحدة واسماء الكتاب كبيرة بين درامية وروائية.. والعمل مهم.. وهو أفضل كثيرا من عمل آخر حاول أن يسلك نفس الطريق وهو «دعاة علي أبواب جهنم» لكن بأسلوب مباشر وسخيف وأمريكاني في أغلب الأحيان.

فضها سيرة

أما عن مسلسلات السيرة فانني أقول نفضها سيرة.. لأن التجارة غلبت وبشكل فاضح.. وبدلا من أن تعيد هذه المسلسلات تقديم النماذج الشامخة شوهتها وحولتها إلي مسخرة.. سواء في السندريللا «أحر رموش» أو في العندليب «العيل» كما وصفه الشاعر الكبير الابنودي أحد أصدقاء حليم ومن عاصروه.. وجاءت عودة «وردة» مخيبة جدا للآمال تحولت إلي «سبوبة» رخيصة ومهما كسبت منها فانها خاسرة!

جريدة القاهرة في 7 نوفمبر 2006

 

سينماتك

 

ماجدة موريس تكتب: عن نهايات مسلسلات رمضان

نهاية «حدائق الشيطان» مؤسفة.. و«حضرة المتهم أبي» رائعة... و«سكة الهلالي» بين بين!

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك