> سيناريو أحمد ناصر وسامي حسام يؤكد موهبتهما الكبيرة التي تجلت في «ملك وكتابة» > محمد علي تفوق في إدارة الممثلين ونجح في التعبير عن الشباب

> جائزة خالد أبو النجا في مهرجان الإسكندرية تكرس لحالة «الذكورية» وتتجاهل الأدوار النسائية الرائعة  

نعم.. أحب هذا الفيلم الجميل أحبه كل ما يحمله من وعود وللعناصر الشابة المدهشة التي تقدمه، والقضايا الأساسية والمهمة التي يطرحها وكيف استطاع أن يعبر عن سينما الشباب التي ندافع عنها ونرجوها ونتمناها بكل هذه البساطة والجرأة والعمق. الثنائي أحمد ناصر وسامي حسام قدما لنا العام الماضي فيلما بديعا أخرجته كاملة أبو ذكري «ملك وكتابة» احسسنا فيه بروح جديدة وحساسية خاصة وجرأة صحية جعلتنا نترقب بشغف واهتمام عملها القادم.. وقد امتلأت قلوبنا بالحذر من أن يكون هذا الفيلم «فلتة» حماس وأن يغلق علي نفسه شأن الكثير من الأعمال السينمائية الحالة التي لم تتعد فيلمها الأول ثم من بعدها الفراغ واللاشيء، ولكن ها هي «لعبة الحب» تأتي لتبرهن أن الموهبة الكبيرة التي لمسناها في الفيلم الأول لم تكن وليدة المصادفة والخطأ وأن هناك فكراً سينمائيا براقا.. ومتجددا يختفي وراءها ويعدنا بالكثير والكثير جدا في المستقبل.

السيناريو في لعبة الحب مليء بالتفاصيل العبقرية والموهبة الموحية ويمس قضايا اجتماعية وعاطفية تؤرقنا جميعا، عرف المؤلفان الموهوبان كيف يعبران عنها وكيف يقدمانها بأسلوب سينمائي مشوق ومليء بالتجديد والحساسية هناك أولاً.. حرية المرأة المعاصرة وحقها في التصرف بجسدها وتكوين علاقاتها، هناك التعصب الذكوري المكبوت والموجود لدي أغلب شبابنا حتي المثقفين منهم.. وحتي الذين يتظاهرون باحترام التقدم الحضاري وتغير المفاهيم القديمة حول المرأة وحريتها، ولكنهم في أعماقهم لا يزالون يعانون عقدة الرجل الأسمي الذي يتصرف في كافة الأمور والذي يعتبر أن المرأة ملك له .. يحق له أن يتصرف بحياتها وجسدها وأحلامها وأفكارها كما يشاء.

الفيلم يركز علي ثلاث نساء مختلفات في الطبيعة والتصرف وموقفهن من الحياة.

علاقة كاملة

الأولي ليلي «هند صبري» اجبرتها ظروف لا يد لها فيها أن تعيش وحيدة بعد طلاق أبويها وسفرهما خارج البلاد، ففضلت ليلي أن تبقي في مصر مع جدتها التي سرعان ما فارقت الحياة لتبقي ليلي وحدها تواجه العالم الخارجي.. وتواجه نفسها وتحاول تحقيق أحلامها بالعمل والحب والاستقرار. تقيم علاقة كاملة مع شاب احبته واحبها.. ووثقت به حتي النخاع، مؤجلة ارتباطها الرسمي به حتي تحين الظروف الملائمة.. وعندما تري ليلي أن هذه الظروف قد سنحت .. يتهرب الشاب من مسئوليته ويرفض الزواج، مما يسبب لليلي طعنة حقيقية تجعلها تشعر أن «حريتها» التي ظنت أنها قد ملكتها، ليست إلا حرية وهمية يساء استغلالها في مجتمع ذكوري متعصب لا زال ينظر للمرأة علي أنها أداة متعة لا تملك من نفسها شيئا.. إن مستقبلها وحياتها مرهونان فقط بقرار الرجل، فهو وحده الذي يملك من اعطائها «الكرامة الاجتماعية» أو يرفضه، وتفوق ليلي من صدمتها لتتابع شحذ موهبتها وهي «تصميم الأزياء» وتقرر العمل مع شركة كبيرة للنسيج وصنع الثياب الجاهزة.

وهناك تلتقي بشاب وسيم سبق أن تعرفت عليه في قطار الإسكندرية بظروف معقدة وطريفة، وعرفت كم هو رقيق في سلوكه رغم أنه يخفي في أعماقه تعصبا ذكوريا لا يحاول اظهاره بوضوح ويهرب تماما من أية مواجهة تجعله يتخذ قرارا بهذا الشأن.

عصام يعمل في نفس الشركة التي ستعمل بها ليلي وهو منذ أن التقاها قبل سنوات تزوج واستقر مع فتاة كان هو الرجل الأول في حياتها ولكن حياتهما المشتركة كانت خليطا من التمرد والمواجهة وعدم الاستقرار النفسي الذي احال الزوجة إلي كتلة من الأعصاب تثور لأي سبب وتعجز عن التفاهم مع زوجها حول الكثير من الأمور الحياتية، إنهما هي وهو قد أحسا بفشل علاقتهما الزوجية، ولكن ما من أحد منهما يجرؤ علي المصارحة أو مراجعة نفسه.. يعيشان كما يعيش أغلب الأزواج في شرقنا حياة ظاهرية متوترة وحياة داخلية خاصة بهما يمكن أن يختلفا حتي الشجار العنيف من أجل مسائل تافهة، يمكن لأي زوجين متفاهمين أن يحلاها بسهولة ويسر.

أما الفتاة الثالثة فهي فتاة بلا رأي لا تعرف كيف تختار شريك حياتها.. إنها ترغب بالزواج خوفا من أن تصل إلي مرحلة العنوسة، ولكنها تتردد في اختيار أكثر من خطيب تقدم لها، تجد في كل واحد منهم عيوبا، لأنها فعلا لم تسقط في الحب بعد ولم يخفق قلبها لأحد.

وأخيرا كي تخرج من ورطتها ومن حيرتها فإنها تقبل الزواج من أحد أقاربها الذي رشحته الأسرة لها واضعة حدا لترددها وبالطبع فإن هذا الزواج ينتهي بأزمة محققة.

نماذج مختلفة

إذن نحن أمام نماذج نسائية ثلاثة مختلفة تماما في توجهها وفي موقفها من الحياة والحب وازدراء المجتمع.

والحق أن المخرج الشاب «محمد علي» الذي يخوض بهذا الفيلم أولي تجاربه السينمائية الطويلة بعد أن لفت الأنظار بأفلامه القصيرة المليئة بالموهبة والتوهج، قد أحسن اختيار الممثلات اللاتي قمن بتجسيد هذه الأدوار.

هند صبري تتألق وتشع في دور «ليلي» إنها كتلة من الأعصاب والحساسية والرهافة لكل نظرة، لها تكشف أعماقها.. وكل حركة من حركاتها.. تلتصق التصاقا كاملا بالشخصية التي تجسدها ليس لهند مشهد اساسي في هذا الفيلم يمكن التوقف عنده والإشادة به فكل مواقفها في الفيلم منذ لحظة ظهورها حتي نهاية الفيلم.. نستحق أن نتوقف عندها وأن نشيد بها. مشاهد التمرد والحيرة والقلق والحب والنشوة وخيبة الأمل والكبرياء وكل هذه المواقف الأخري عرفت هند كيف تعبر عنها وكيف تخوض البحر الشائك وتخرج منه عروسا نضرة علي رأسها الزهور الملونة وفي يدها الأعشاب البرية وفي عينيها تتألق زهور العالم كلها.

مشهد الحب المدهش الذي اخرجه محمد علي بحساسية مخرج عاش السينما منذ أربعين عاما وليس مخرجا شابا يقدم أول أفلامه شهادة ناصعة علي ما يمكن أن تفعله السينما الشابة بنا وبذوقنا وباحساسنا.

هذا المشهد المليء بالحياء رغم جرأته ليس مشهدا خاصا عرف محمد علي كيف يقدمه. بل إنه من خلال الفيلم كله ومن خلال إيقاع متصاعد مليء بالنغم عرف كيف يفرده لمشاهده ثم هذا التوازن الدقيق بين الأدوار النسوية الثلاثة التي سمحت للممثلات الشابات الثلاث أن يقدمن أحسن ما عندهن.

بسمة في دور الزوجة المحبطة المتوترة اثبتت أنها واحدة من أحد نجماتنا الشابات وأكثرهن حنكة ودرامية بطبيعة الدور الذي تمثله وبالمراحل النفسية المختلفة التي تمر بها. أذكر علي وجه الخصوص مشهدها الأخير مع زوجها الذي هجرها ومحاولتها اليائسة لرأب الصدع ثم احساسها باللا جدوي ومواجهتها لنفسها وحيرتها وقلقها تجاه علاقة لم تعرف كيف تحافظ عليها رغم أنها قدمت روحها وجسدها النقي علي محراب ذكورة لا تثق بنفسها ولا تعرف ماذا تريد. امرأة هي كتلة من الاحاسيس والمشاعر المتناقضة عرفت بسمة كيف تمسك اطرافها بموهبة من حديد.

ثمن باهظ

كذلك مثلت بشري في دور الصديقة التي تبحث عن الزوج والاستقرار وفق معطيات المجتمع الشرقي والتي تدفع ثمنا باهظا من سعادتها ويتركها عجزها عن القرار فريسة للوحدة والفشل في هذا المجتمع النسائي الذي عرف الكاتبان كيف يصوران وعرف محمد علي المخرج الذي يشع القاً وموهبة كيف يقدمه أين يقف الرجل.

الرجل الذي هو محور الأحداث كلها والتي تدور حوله هذه النماذج القلقة كما تدور الفراشات حول النور غير آبهات بأن تحترق أجنحتها أو تخسر من كيانها كله. من مجموعة الرجال التي مرت مرورا شاحبا.. لتقول كلمتها ثم تمضي يبقي عصام «خالد ابوالنجا» الشخصية المحورية التي تصور «الذكر» في مجتمع ذكوري. إن الإنسان الذكي والمتطور الذي يختار زوجة عذراء وغير مجربة ليبدأ حياته ثم يسقط بحب فتاة متمردة كل شيء فيها يجذب ويثير إعجابه واحترامه إلي أن تستسلم لديه في ليلة ذات طابع خاص، فتجعله يعود إلي دكتاتورية ذكورته الأولي ويقرر الابتعاد عنها إذ كيف يمكن أن يتزوج فتاة سلمت له نفسها.

إنه يعود هذا الرجل الشرقي المتزمت الذي يطل مرة أخري من وراء الرجل المثقف الحساس ويجعله يتخذ قراره.

خالد أبو النجا في هذا الفيلم ممثل له باع وله وجود وله شخصية عرف كيف يقدمها من خلال مواقف متشابكة معقدة تتصاعد أحيانا وتختلط أحيانا ببعضها.. مظهرة دقات قلب حائر. إنه قدم لنا أداء شبيها بكونشرتو الكمان في ترنحاته وشاعريته وقلقه وعاطفيته العارمة، ولقد كان محكمو مهرجان إسكندرية الأخير علي حلق عندما منحوه جائزة التمثيل في المهرجان رغم أنني أحسست الآن بعد مشاهدة الفيلم أنه حكم يكرس «الذكورية» الكاذبة التي يحاول الفيلم كشفها متجاهلا الأدوار النسائية المدهشة التي زينت الفيلم واعطته بريقه ووهجه.

مهارة إدارة الممثلين

وحول الأداء علي أن أشيد بمهارة المخرج القوية في إدارة كافة ممثليه «الأبطال والمساعدين» حتي عطية البواب الذي وضع بصمته الثقيلة والمليئة بالسخرية علي أحداث الفيلم. المجتمع الذي يقدمه «لعبة الحب» مجتمع متطور حضاري «لم نر في النصف الأول من الفيلم أية سيدة محجبة والتقينا برؤية البعض منهن في مصنع النسيج كعاملات محترفات» يعيش حريته بحب ويتصرف بجسده بكرامة ويشرب الخمر ويعايش عصره دون أن يضع علي عينيه قناع النفاق والتعصب.

فيلم شاب يقول الكثير عن الشباب يقوله بصدق وشفافية وموهبة، يكشف «لعبة الحب» ويضع لها قواعد جديدة نحلم بها جميعاً، ونتمني لكل شبابنا أن يلحق بهذا القطار المتجه إلي الشمال إلي البحر إلي الحرية كما فعل عصام ليلحق بليلي وليعيد للحب قدسيته وللجسد كرامته. ومنذ اليوم علينا أن ننظر إلي الموقع المتميز الذي سيحتله «محمد علي» في قائمة مخرجي المستقبل القريب.. وأحمد ناصر وسامي حسام في ترتيب كتاب السيناريو المجددين الواعين العارفين حقائق الأمور والقادرين علي تحليل مجتمعهم بذكاء وموهبة وبعد بصيره. أما بالنسبة لهند صبري وخالد أبو النجا وبسمة وبقية طاقم الممثلين الأكفاء، فإننا منذ زمن قد حسمنا الموقف معهم .. ووضعناهم عن استحقاق وجدارة في صدارة نجومنا الكبار الذين يرسمون باقتدار خطوط وتوجهات ومصير السينما الشابة في مصر.

جريدة القاهرة في 7 نوفمبر 2006

 

أول من قدم الفيلم الملون

محمد فوزي.. السهل الممتنع

زكي مصطفي  

< هرب من الناس إلي أحياء السيدة والحسين والسيد البدوي ليخرج بمجموعة من الأغاني الدينية أثارت إعجاب الباقوري فلقبه «مطرب التوحيد»

< أجري له الماكيير حلمي رفلة جراحة تجميل ناجحة عند جراح معروف ليقتنع به محمد كريم مخرج «صاحب السعادة»

< توفي في السادسة والأربعين وقدم أربعمائة أغنية و 37 فيلماً وأسس شركة «مصرفون» ومعملاً لتحميض الأفلام  

اختير نجم الأغنية الراحل «محمد فوزي» شخصية الدورة الخامسة عشرة لمهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية الذي نظمته دار الأوبرا المصرية في الفترة من «1 إلي 10 نوفمبر» حيث عرض في حفل الافتتاح أوبريت يتناول حياته بعنوان «تملي في قلبي ياحبيبي» من تأليف الدكتورة رتيبة الحفني أمين عام المهرجان.. سيناريو الشاعر بهاء جاهين وإخراج جيهان مرسي.

امتاز محمد فوزي بريادات عديدة قدمها لعالم الفن «التمثيل والفنان والموسيقي» فكان دائماً يبتكر الجديد ويدرك أنه لن يثبت وجوده إلا إذا قدم الجديد.. ويعد أول من أنشأ مصنعاً لصنع وطبع وتسجيل الاسطوانات في مصر والشرق الأوسط والدول العربية والأفريقية عام 1956 برأس مال مصري باسم شركة «مصرفون» وافتتح وزير الصناعة في ذلك الوقت الدكتور عزيز صدقي هذا المصنع في يوم 30 يوليو عام 1958 وذلك لحرص فوزي علي العملة الصعبة وإنتاج اسطوانة محلية بأرخص الأسعار.. وهو أول من سجل القرآن الكريم علي اسطوانات.. وأيضاً أول من قدم الفيلم الملون بالسينما المصرية عام 1951 وأول من فكر في إنشاء أول معمل مصري لتحميض وطبع الأفلام الملونة وقد تكبد تكاليف باهظة نظراً لما تعرض له في هذه التجربة وهما فيلمان: نهاية قصة.. وبابا عريس.. وبذلك حقق ريادة في دخول أول فيلم سينمائي إلي مصر بالألوان الطبيعية.

وكانت له الريادة في مجال التمثيل وهو أن يختار قالباً جديداً.. مطرب غنائي.. وهو القالب الكوميدي.

ريادة موسيقية

وفي مجال الموسيقي والفنان كان لمحمد فوزي الريادة في الاهتمام بالطفل وضرورة توجيه الفن للاهتمام ولتربية الطفل بالأغنية التي تحمل أسساً للتربية الصحيحة.. فهو صاحب أول أغنية للصغار.. حيث قدم «ماما زمانها جاية» و«ذهب الليل» و«كان وإن» وأغاني المقدمة والنهاية لبرنامج «الساحر الصغير» وبرنام «حدوتة قبل النوم» و«صحصح لما ينجح» لمسرح العرائس «والأرنب والسلحفاة» للتليفزيون.. وفي مجال الموسيقي والغناء أيضاً.. هو أول من أدخل إلي مصر الغناء بدون فرقة موسيقية ومع الكورال فقط من خلال أغنية «كلمني.. طمني».. وأول من يهدي بلداً عربياً «الجزائر» النشيد القومي لتصبح بذلك ذكري له وتخليداً له في عقل وقلب الشعب الجزائري.. وأول من قدم أغنية عن الحج في فيلمه «حب وجنون» عام 1948 «ياللي زرت البيت ومن زمزم أتوضيت.. وعلي النبي صليت.. وبالطبع أمتعنا بكل هذه الريادات بألحانه الشجية وصوته المليء وهو أول من قدم أغنية رمضانية في السينما المصرية من خلال فيلم «بنت حظ» فقد كانت له الريادة الأولي في تقديم أغنية عن المسحراتي للمرة الأولي «يا عباد الله وحدوا الله».. وأول من قدم أول أغنية لعيد الميلاد في السينما المصرية عندما قدمها في فيلم «نهاية قصة» وغناها لزوجته» مديحة يسري «يانور جديد.. في عيد سعيد.. ده عيد ميلادك أحلي عيد».

مطرب التوحيد

من أبرز مميزات محمد فوزي أنه كان يحب التجديد والابتكار.. وكان يبحث وينقب دائماً عن الشئ الذي ينقصه في الحياة الفنية.. و مرت عليه فترة من الفترات غرق فيها لشوشته في التصوف.. وكان يهرب من الناس إلي أحياء السيدة زينب والحسين والمنطقة المحيطة بمسجد السيد البدوي في طنطا وكذلك مسجد إبراهيم الدسوقي بكفر الشيخ ليعيش مع المتصوفين الدراويش ويستمع إلي الابتهالات الدينية وبعد ذلك خرج بمجموعة من الأغاني الدينية التي أثارت إعجاب الناس.. وكانت الإذاعة تذيعها عشرات المرات كل يوم بناء علي رغبة المستمعين حتي إن فضيلة الشيخ «أحمد حسن الباقوري» أطلق عليه لقب «مطرب التوحيد».

تميز

ومحمد فوزي كملحن يتميز بقدرته الفائقة علي الجمع بين عنصري التطريب والتعبير معاً في نسج موسيقي يستخدم غالباً المقامات الشرقية مما يجعل التنويع في اللحن يؤثر علي المستمع وعلي الوجدان في إقبال وحب ويجمع في بعض ألحانه الطابع الغربي والشرقي معاً في اتقان شديد وغالباً في ألحانه للأغنية الوطنية مثل أغنية «القمر وأنت».. وبالنسبة لألحانه الاستعراضية والاسكتشات يتميز بالطرب والرقص.. وقد استطاع تقديم الأوبريت علي الستار الفضي بالمعني المفهوم لكلمة الأوبريت ويكفي الإشارة إلي أوبريت «سندريلا» لأول بطولة له في فيلم مجد ودموع عام 1946.. كان متنوعاً ومجدداً ويتميز بالأغنية الخفيفة سواء منلوجاً أو ديالوجا سينمائياً وبخفة ظل ورشاقة فيدخل القلوب من أول وهلة.

رصيده الغنائي لا يقل عن 400 أغنية بين أغان فردية وأوبريتات وأغاني الأفلام.. ومن أشهر أغنياته: أي والله، الشوق، ياليالي الشوق، فين اللي شغل بالي، وليه عشم، يا جارح القلب، للزهور، السعد واعدك، روحي وروحك، ذهب الليل، فيه حاجة شغلاك، شحات الغرام.. دويتو.. مع ليلي مراد.

فاطمة كمال الدين

وهو أول من اكتشف المطربة والممثلة «شادية» وكان اسمها فاطمة كمال الدين.. واشتهرت باسم شادية وقدمها في أول أفلامه التي انتجها «العقل في إجازة» ولحن لها أغاني خفيفة تناسب صوتها.. وهو الذي لحن كثيرا من الأغنيات الدينية «18 أغنية» بصوته بخلاف الأغنيات التي لحنها لمطربين ومطربات آخريين مثل: يارب.. دعاء.. استغاثات.. تلبية.. قف بالخشوع.. ياتواب يا غفور.. إلهي ما أعدلك.. وقدم بصوته وألحانه 26 أغنية وطنية أشهرها: بلدي أحببتك يا بلدي.. وله 6 مقطوعات موسيقية من تأليفه هي: فتافيت السكر، تمر حنة، ياليل عين، حبايب، واحدة ونص، شهر العسل.

جراحة تجميل

في عام 1944 كانت بدايته السينمائية عندما أسند إليه يوسف وهبي دوراً في فيلم «سيف الجلاد» مع عقيلة راتب مغنياً.. ووضع عدداً من الألحان للفيلم.. فانهالت عليه العروض ثم تعاقد مع استديو مصر علي بطولة فيلم «أصحاب السعادة» قبل تصوير الفيلم لم يكن المخرج محمد كريم مقتنعاً به لمظهره ولهجته الريفية ولكن حلمي رفلة «الماكير» تعهد بإصلاح هذه العيوب فذهب به إلي جراح معروف أجري له جراحة تجميل ناجحة فأصبحت شفتاه صغيرتين وزادت وسامته ونجح في الفيلم نجاحاً كبيراً.. وفي عام 1946 كون شركة إنتاج واختار حلمي رفلة ليخرج له أول فيلم من إنتاجه وهو «العقل في إجازة» وشاركته البطولة شادية التي نالت فرصة الظهور لأول مرة وكانت ألحانه لها من أسباب نجاحها.

أفلام لا تنسي

فرض محمد فوزي نفسه علي السينما الاستعراضية بعبقريته الفنية المتجددة..ويأتي عام 1948 ويقدم فيه أفلاماً.. منها: صاحب العمارة، بنت حظ مع سامية جمال، الروح والحب مع كاميليا فاتنة السينما وقتئذ، قبلني يا أبي مع نور الهدي، صباح الخير مع صباح، حب وجنون مع تحية كاريوكا والذي قدم فيه قصة حياته.. ثم انطلقت ثنائيات السينما المصرية معه. ومن أشهر أفلامه: نرجس، المجنونة، المرأة الشيطان، فاطمة وماريكا وراشيل، في خطر، من أين لك هذا، يا حلاوة الحب، ابن للإيجار، فاعل خير، بنات حواء، دايماً معاك، ثورة المدينة، معجزة السماء، كل دقة في قلبي، ليلي بنت الشاطئ.

ميلاد ونشأة

فناننا الراحل الكبير اسمه بالكامل «محمد فوزي حسين عبد العال حسب الله» من مواليد الثامن والعشرين من أغسطس عام 1918 في كفر أبو جندي.. بطنطا.. محافظة الغربية.. مصر.. وكان ترتيبه في الميلاد «الحادي والعشرين» بين اخوته في القائمة التي تضم 25 أخاً وأختاً حيث تزوج والده 3 مرات.. أنجب من اثنتين 20 ولداً ومن الثالثة أنجب ولدين «محمد وزغلول» وثلاث بنات هن: بهيجة والتي اشتهرت فيما بعد باسم «هدي سلطان» وزوزو التي اشتهرت باسم «هند علام». ورث محمد فوزي جمال الصوت عن والده مقرئ القرآن الكريم ولشغفه بالغناء جعلوه وهو في الثانية عشرة من عمره «صييتاً» في ليالي الأفراح والمناسبات.. ولم يلبث أن تعلم أصول الغناء والعزف علي الناس.. وفي سن الصبا ذهب إلي القاهرة مغامراً ليبحث عن فرصة للغناء.

زوجات وأبناء

تزوج محمد فوزي ثلاث مرات.. الأول من «هداية» وأنجب منها أولاده: سمير ومنير ونبيل.. والزوجة الثانية «مديحة يسري» وأنجب منها «عمرو» و«وفاء» الذين توفيا.. والثالثة «كريمة» التي اشتهرت باسم «فاتنة المعادي» وكانت آخر زوجاته ولم ينجب منها وقد توفيت الشهر الماضي.

و«كريمة» عاشت مع محمد فوزي رحلة الآلام في القاهرة ولندن وأمريكا وألمانيا علي أمل معجزة تعيد له الصحة وتلبسه ثوب الشفاء.. فقد أصيب بمرض غريب وغامض حار الأطباء في تشخيصه وتدخلت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب لعلاجه علي نفقة الدولة.. بدأت قصة مرضه في الستينيات إذ كان يعاني انخفاضاً دائماً في الوزن مع آلام شديدة وقد نقص وزنه نتيجة لهذا المرض من 77 كيلو إلي 44 كيلو واستمر هذا المرض ينهش فيه خمس سنوات.. إلي أن انتقل لجوار ربه في 20 أكتوبر عام 1966 عن عمر يناهز 46 عاماً.

رسالة الوداع

وكان فوزي.. رحمه الله.. قد شعر باقتراب موعد رحيله فبث برسالة إلي جمهوره داخل وخارج وطنه نشرتها الصحف والمجلات.. قال فيها بالحرف الواحد:

- إن الموت علينا حق.. فإذا لم تمت اليوم ستموت غداً.. وأحمد الله أنني مؤمن بربي.. فلا أخاف الموت الذي قد يريحني من هذه الآلام التي أعانيها.. فإذا مت أموت قرير العين.. فقد أديت واجبي نحو بلدي وكنت أتمني أن أؤدي الكثير ولكن إرادة الله فوق كل إرادة والأعمار بيد الله.

جريدة القاهرة في 7 نوفمبر 2006

وليد سيف يكتب عن:

علاء كريم.. الحياة بكرامة.. والموت بشرف  

كان خبر رحيل الفنان المخرج علاء كريم فاجعا لكل من عرفه فهو شخص لا تملك إلا أن تحترم جديته وكبرياءه وموهبته وكفاحه مهما اختلفت معه .. وتأتي الفجيعة - مع التسليم المطلق بإرادة الله سبحانه وتعالي- لأننا كلنا كنا في انتظار أن يستكمل علاء مشروعه الفني وأن يحقق أحلامه وأن يصل إلي المكانة التي تستحقها موهبته الكبيرة وجهده الوافر وعلمه الغزير .. في بداية مشواره الفني وبعد عمله مساعدا للمخرج يوسف شاهين استطاع أن يحقق مجموعة من أجمل الأفلام التسجيلية بدءا من ( باب الفتوح ) مشروع تخرجه من المعهد العالي للسينما الذي كشف عن موهبته الكبيرة وكان بداية مشواره مع الجوائز التي توالت في أفلام (القلعة) و( إسكندرية ) و(رشيد) .. ثم بدأ مشواره مع السينما الروائية مع فيلم محكم الصنع لفت إليه الأنظار بقوة هو ( اشتباه ) 1991قدم بعده خمسة أفلام روائية أخري من أهمها (85 جنايات )1993الذي نال عنه أكثر من جائزة ثم فيلم (الجراج) 1995الذي شاركته كتابته ونال جوائز كثيرة وتم اختياره ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.كان من المتوقع أن ينطلق علاء بعد هذا الفيلم ويحظي بإمكانيات أفضل ويحصل علي مزيد من الثقة والفرص ولكن كانت الفرص تتقلص أمامه كلما تزايد نجاحه! وهذا لغز لا يستطيع أن يفسره إلا من عرفه عن قرب .

ينحدر علاء كريم من أسرة صعيدية امتلك والده جراج الواحات بالسيدة زينب وكان علاء في طفولته يعشق السفر إلي الواحات مع أبيه الذي يسمح له أن يناوبه قيادة السيارة في الطرق الطويلة المفتوحة.. تفتحت عينا علاء علي عالم حر واسع فسيح مليء بالغرائب والأسرار ..أما السينما فكان يلتقي بها مساء كل يوم كمعشوقة من شباك سرير غرفته المطلة علي سينما الهلال الصيفية .. لاحظ والده ذكاءه المبكر فقربه منه ومنحه مزيدا من الثقة والحرية .. ولكن يرحل الأب سريعا ويذوق علاء مرارة اليتم طفلا 00 و يعوضه الله بأم صلبة وقوية وحكيمة فيواصل دراسته رغم قسوة الحياة ويتعلم منها الكثير عن الصبر والاحتمال والأمل وقيمة العمل والكفاح ومقاومة المفاسد وأهمية أن يحقق الإنسان ذاته وأن يتعلم وأن يقرأ وينفتح علي الحياة 00 فيتعرف في صباه علي الأدب و يحب الشعر والفن مبكرا .. قبل أن يبلغ السادسة عشرة عرف مقاهي الفنانين وملتقياتهم في وسط المدينة وكان يبحث بشغف عن المشاهير الذين يراهم ويقرأ أسماءهم يوميا علي تيترات الأفلام من شباك حجرته . إصطحب معه في جولاته رفاقه في الحارة ومن بينهم محمد جابر أو نور الشريف يتعرفون علي الفنانين والأدباء والشعراء ويستمعون إلي حواراتهم ومناقشاتهم يتقربون إليهم ويتشبهون بهم ويتعلمون منهم ويأملون أن يصبحوا مثلهم في يوم ما .. يلتحق نور بمعهد السينما فيقترب علاء من دوائر الفن أكثر .. ويصبح نور نجما وهو في الصف الثالث فيعتقد علاء أن الحلم أوشك علي التحقق فيؤدي بعض الأدوار الصغيرة ويتدرب علي الإخراج في عدد من الأعمال .. ولكنه سرعان ما يكتشف أن الأحلام لا تتحقق من خلال الآخرين فيلتحق بمعهد السينما ويتخرج بتفوق بعد رحلة كفاح مرير لتدبير نفقات معيشته ودراسته كان يفخر بأن يرويها كثيرا.. ولكن طموحه لا يتوقف عند حدود التعيين كمعيد فيسافر إلي أمريكا وهناك لا يستطيع أن يحصل علي منحة فيخوض رحلة أصعب وأشق ويمارس أصعب المهن من تقشير البطاطس إلي محطات البنزين إلي قيادة عربات الموتي إلي كسح الجليد .. كان علاء يدرك وهو يقدم علي هذه الأعمال الشاقة مرغما أنها ستتيح له خبرة حياتية ومخزوناً من القصص والرؤي والشخصيات سوف تضيف إلي فنه الكثير .. وبفضل قوة شخصيته وإصراره استطاع رغما عن هذه الظروف أن يحصل علي أعلي شهادة في الفنون من جامعة كاليفورنيا للفنون بلوس أنجلوس ..
ويعود إلي الوطن حاملا شهاداته وخبراته وأفلامه التسجيلية المهمة ساعيا لتقديم أول أفلامه الروائية .. ولكنه يكتشف أن كل هذه المؤهلات والخبرات بلا قيمة فالأهم هو مصادقة النجوم ومنافقة المنتجين .. وعبثا يحاول الجميع إقناع علاء بقبول الحلول الوسط والرضوخ لشروط النجوم والاستسلام لبخل أشباه المنتجين الذين يسعون للتوفير في النفقات بغباء.. ويصمم علاء علي أن يحقق فنه بكبرياء وبالصورة التي تليق بكرامته كصعيدي حر وفنان دارس لديه أعلي الشهادات ومخرج متمكن حاصل علي العديد من التقديرات الدولية .. آمن علاء بذاته وبقدراته وبمكانته واحترم مهنته كمخرج لابد أن يكون صاحب الرؤية وصاحب الرأي الأول والأخير ولم تفلح معه أي مساومات ..
كان لقائي الأول معه دون أن أراه من خلال مشاهدتي لفيلمه القلعة الذي حفزني لكتابة أول مقال للنقد السينمائي في حياتي .. وقعت في أسر الفيلم من أول مشهد ومن لقطاته الإفتتاحية.. إيقاع متصاعد من مشهد لمشهد ومن لقطة إلي لقطة حتي يتمكن علاء بلغة سينمائية رائعة من أن يجعلك تدرك قيمة هذا العمل
عندما بدأت العمل في مجال كتابة السيناريو كان الشائع في الوسط الفني عن علاء أنه مزعج وعصبي وجلاب للمشاكل .. ولم يكن قد تمكن من تقديم أول أفلامه الروائية عندما وسط صديقنا المشترك المخرج إسماعيل مراد للاتصال بي لمشاركته في كتابة سيناريو ولكني رفضت بشدة ولم أكن أعلم أن علاء مع إسماعيل يستمع إلي ردي .. وبعد مرور عدة سنوات وإنجازه فيلمين التقيت به مصادفة وطلب مني في تردد أن أقرأ تتابعاً مبدئياً كان قد كتبه لفيلم الجراج علني أشاركه كتابته .. ما ان انتهيت من قراءته حتي أدركت أنه مشروع مهم وفرصة كبيرة يتيحها لي فنان حقيقي كونت فكرة خاطئة عنه من سمعة يروجها عنه مجموعة من الحاقدين وتعاملت معه باستخفاف لا يليق بموهبة كبيرة أتشرف بالعمل معها ..

كان علاء يتصل بي في الثالثة والرابعة صباحا ليحدثني عن فكرة طرأت له أو جملة حوار يرغب في استشارتي عن ملاءمتها أو يناقشني في هاجس حول جزئية في السيناريو قد تؤدي إلي تشتيت المشاهد أو إفساد المعني , كنت أنزعج في البداية وأكاد أنفجر فيه غاضبا ولكني سرعان ما أدركت أنني أتعامل مع فنان حقيقي يؤرقه عمله ويشغل تفكيره ليل نهار.. و استغرق العمل في كتابة النسخة الأولي من السيناريو إلي ما يقرب من ستة شهور .. ولكن علاء لم يكن راضيا عن النتيجة فأعدنا كتابة السيناريو لثلاث مرات أخري إستغرقت أكثر من عام ..تشاجرنا خلالها كثيرا وانسحبت من العمل أكثر من مرة لانشغالي بمشروعات أخري ولكن سرعان ما كنت أعود عندما أراجع نفسي وأتأكد من إخلاص علاء ورغبته الصادقة في تحقيق عمل رائع.. بذل علاء جهدا كبير في البحث عن العمارة والجراج الذي يصلح لتصوير الفيلم والذي يتفق مع رؤيته وتصوراته لطبيعة الحركة والصورة وجغرافية المكان .. شاركته رحلة البحث الشاقة في مختلف أنحاء القاهرة حتي وجد ضالته في عمارة بالمهندسين بذل جهدا كبيرا في إقناع صاحبها وسكانها بالموافقة علي التصوير .. فهي تتطابق تماما مع الصورة التي تخيلها ولن يرضي عنها بديلا .. كل المطلوب أن نعيد كتابة بعض المشاهد للاستفادة من مفردات المكان الإضافية التي فاقت تصورات علاء ..
بعد عامين من المعاناة ورفض كل المنتجين لسيناريو الفيلم وافق واصف فايز علي إنتاجه ولكن قبل أن يبدأ التصوير بأسابيع قليلة تمت الاستعانة بالفنان الراحل أمالي بهنسي ليعمل كمساعد لعلاء .. وعندما قرأ أمالي السيناريو قال للمنتج ان الفيلم يبدأ من المشهد رقم 40 ولابد من حذف ما يسبقه من مشاهد ومن تقليص أدوار الأطفال لأنها في رأيه بلا قيمه . تحمست لهذا الرأي النجمة نجلاء فتحي واتصلت بي للاجتماع مع علاء .. ولكن علاء رفض مجرد مناقشة المسألة وصمم علي تصوير السيناريو المكتوب كما هو وعلي تغيير مساعد المخرج بمساعد آخر.. تعطل العمل لبضعة أسابيع ولكن تصميم علاء علي السيناريو أجبر الآخرين علي الاستسلام له .. وثبت للجميع أن علاء كان علي حق حين أبهر الجميع بمشاهد الأطفال وأدائهم الرائع ومشاهدهم المؤثرة والتي كفلت لهم جائزة خاصة من المهرجان القومي إلي جانب ما حصده الفيلم من جوائز.

كان في موقع التصوير يدرك جيدا كيف يحرك الجميع ويحقق رؤياه ويصل مع الممثلين لأفضل أداء ممكن .لا مانع من مناقشة بعض التفاصيل الصغيرة ولكن الرأي النهائي لابد أن يكون له. بعد فيلم (الجراج ) واجه علاء فترات طويلة من التعطل عن العمل ولكنه لم يقبل ما قبله آخرون يفوقونه في الشهرة والمكانه .. في أحد المشروعات الفنية المعروضه عليه قرر إعادة كتابة السيناريو فاتصل به البطل ودعاه لمقابلته وصرح له بأنه لا داعي لتعديل السيناريو فهو لديه تصور كامل لإخراج الفيلم ولكنه لا يستطيع أن يتولي إخراجه بنفسه بشكل رسمي لصعوبة الحصول علي تصريح من النقابة وأن كل المطلوب من علاء أن يتواجد في موقع التصوير يتلقي توجيهات الأستاذ البطل ويقوم بتنفيذها أمام الجميع وفي النهاية يقبض أجره كاملا دون أن يفعل شيئا حقيقيا .. رفض علاء بالطبع هذا العرض الدنيء وكاد أن يدخل في مشاجرة غير متكافئة مع هذا البطل الرياضي .. والغريب أن هذا الفيلم تحقق بالفعل وبشروط الممثل الشاب وبالاعتماد علي مخرج أشهر وأكبر من علاء .

التقي بالفنان الراحل أحمد زكي في أوج نجوميته في أحد المطاعم .. كان أحمد شخصا سخيا يسعي لمساعدة أصدقائه القدامي ورفاق رحلة الكفاح، سأله عن أحواله وظروفه فقال علاء (كله تمام) هم أحمد بأن يقدم له مساعدة مالية فغضب علاء بشدة وثار وانفعل وكاد أن يتسبب لأحمد في مشكلة في المطعم .. كان أحمد يعرف علاء جيدا ولكنه لم يكن يدرك شعوره العالي بعزة النفس والكرامة ولا إيمانه بذاته وقدراته ويقينه بأنه بإمكانه أن يحقق أكبر النجاحات وأن يمر من أعتي الأزمات .. كان علاء يحكي لي هذه الواقعة وهو ينتفض من الغضب مع أن الكثير من الزملاء كانوا سيتقبلون هذه النفحة شاكرين ..

كان علاء يدرك جيدا أنه خلق ليعطي لا ليأخذ .. كان أول من يقف إلي جوار زملائه في الشدائد يقدم لهم العون في حدود استطاعته حتي ولو بالكلمة الطيبة والنصيحة إذا ضاقت ذات اليد .. لكنه بخل عنا كثيرا ولم يمنحنا الفرصة للوقوف إلي جواره في رحلة مرضه الأخيرة التي تكتمها في صبر وثبات ..كان يتماسك ليؤكد لنا أنه بخير زاعما أن المسألة مجرد برد ولا داعي لإزعاج أحد وفي الحقيقة كان المرض اللعين يداهمه بشراسة وسرعة غير عادية .. كانت آخر عبارة قالها لي قبل ثمانية وأربعين ساعة من وفاته (لا أحتاج لشيء) .. وداعا يا عزيز النفس . .يا صديق العمر..

جريدة القاهرة في 7 نوفمبر 2006

 

محمد فاضل باع القضية وسمح لنفسه بتقديم هذا الهراء

«سكة الهلالي» ـ بفتح السين ـ دراما علي طريقة الاتحاد الاشتراكي العربي!

د.إبراهيم السايح  

> أي مكوجي أو قهوجي يستطيع تلفيق المسلسلات والحكايات مثل يوسف معاطي وربما أفضل

> لو كان هذا المؤلف طالبا في أكاديمية الفنون وقدم مسلسله كمشروع تخرج لأعاوده إلي المدرسة الاعدادية

> تميز أحمد راتب ومنة شلبي في أداء دوريهما أمر محير في ظل تهافت الفكرة وضعف السيناريو

منذ الحلقة الثانية من المسلسل الرمضاني «سكة الهلالي»، صار واضحا أن الاسم الذي يستحقه المسلسل هو «سَكَّة» الهلالي بفتح السين وليس بكسرها، فالمسلسل لم يكن سوي حلقة جديدة من حلقات التلفيق الدرامي الذي اعتاد الأخ يوسف معاطي صناعته وتسويقه بين الخاصة والعوام. ولو كان هذا المؤلف طالبا في معهد الفنون المسرحية أو معهد السينما وقدم هذا العمل الدرامي التلفيقي كمشروع للتخرج لحكم عليه أساتذته بالعودة إلي صفوف المدارس الاعدادية مع التوصية بعدم عودته لدراسة الدراما هاويا أو محترفا.

المسلسل لا يحمل سوي حسنة واحدة، فهو يمثل إرهاصة اشتراكية في مجال التأليف الدرامي، الغالبية الساحقة من المشاهدين كانوا يتوقعون معظم تلفيقات الأخ يوسف معاطي، كان من الواضح أن يحيي الفخراني سوف يكسب كل معاركه ويعود إلي الجامعة ويكسب الانتخابات، وكان من الواضح أن الآنسة منة شلبي سوف تكتشف أنها ليست ابنته حتي تتمكن من الزواج من ابنه، وكان من الواضح أن الأخ أحمد راتب لن ينجو من عواقب الفساد والابتزاز وسوف يعود فقيرا كما كان ثم يدخل السجن للتكفير عن شروره وذنوبه ومساوئه، وكان من الواضح أن عصابة رجال الأعمال سوف تتلقي العقاب المناسب علي يد الفخراني ويوسف معاطي، وكان من الواضح أن الفنانة عايدة رياض سوف تعود إلي أرض الوطن بعد أن يتم الله عليها نعمة الشفاء نظرا لارتباطها بأعمال فنية جديدة بعد إجازة عيد الفطر المبارك!!

نجح يوسف معاطي في تحويل فن التأليف الدرامي إلي مهنة اشتراكية يجوز اسنادها إلي أي مواطن من تحالف قوي الشعب العامل. أي مكوجي أو قهوجي أو كمساري أو حلاق أو حتي بصمجي يستطيع تلفيق المسلسلات والحكايات بنفس أسلوب يوسف معاطي وربما أفضل، وأي مواطن معه ورقة وقلم ودماغ فاضية يمكنه إدخال يحيي الفخراني مجلس الشعب وإعادته للجامعة والسماح له بالاطاحة بكل رموز الفساد في المجتمع المصري والعربي والشرق أوسطي، ولو كان في المسلسل جزء آخر لتمكن يوسف معاطي من إسناد مهمة تحرير العراق وفلسطين إلي الفنان الكبير والبرلماني البارع الاستاذ يحيي الفخراني.

تلفيق جدير بالدراسة

القدرة التلفيقية اللا محدودة للفنان يوسف معاطي يجب وضعها تحت تصرف كل الباحثين والدراسين في مجالات التأليف والاخراج الدرامي فضلا عن السادة رجال المباحث والنيابة العامة. ورق مضروب وإيصالات مزيفة وشهادات مزورة وابنة غير شرعية قادمة من ذنب واحد اقترفه البطل في بضع دقائق من عمر طويل يناهز الستين عاما من الشرف والأمانة والصدق والنزاهة والقبول العام والخاص!!

أستاذ جامعي وشخصية عامة وإعلامي بارع يسقط بغرابة شديدة وهبالة أشد في سلسلة من الأخطاء والخطايا شديدة العبط والسذاجة بأوامر من الفنان يوسف معاطي، ثم ينجح في تجاوز كل هذه الكوارث بفضل تدخل نفس الفنان ومساعدة الفنانة المحامية نهال عنبر، ثم يعود ويسمع كلام يوسف معاطي ويمارس الرشوة والابتزاز والفساد ويتحول من ملاك طاهر إلي شيطان من شياطين الفساد بين عشية وضحاها، ثم يشعر باقتراب رؤية هلال العيد وانتهاء حلقات المسلسل التلفيقي فيقوم علي الفور بتقديم استجواب ضد نفسه في مجلس الشعب ويذهب بكامل ارادته إلي السجن حيث يلتقي هناك بكل أبطال المسلسل ماعدا يوسف معاطي ومحمد فاضل
!!!! كل هذا التلفيق والعبط دفعت فيه شركات الانتاج الدرامي مبالغ مالية توازي إجمالي النفقات السنوية المخصصة للبحث العلمي في جمهورية مصر العربية بأكملها(!!) وإذا أضفت إليها عائد الإعلانات والعرض علي القنوات الفضائية تصل تكاليف هذا التلفيق الغبي إلي مايوازي موازنة احدي محافظات الجمهورية في عام كامل وربما أكثر!!

المخرج الاستاذ محمد فاضل يقال إنه شخص محترم يحمل فكرا سياسيا يميل إلي الاشتراكية أو الناصرية أو شيء من هذا القبيل، فهل يري سيادته أن الواقع السياسي والاجتماعي فضلا عن مباديء الكتابة الدرامية وبناء وتطور شخوصها يمسح بمثل هذا الهراء الذي شاهدناه طوال شهر رمضان؟

والفنان المحترم يحيي الفخراني أحد أساتذة التمثيل في مصر والعالم العربي، هل شعر بأن ثمة أي نوع من المنطق يغطي الأحداث التي قام بالمشاركة في أدائها خلال حلقات هذا المسلسل؟

أمر محير

حتي نجاح أحمد راتب ومنة شلبي في أداء دوريهما بصورة بالغة التميز يعد أمرا محيرا فإن كان المشاهد العادي غير المتخصص في الفن والدراما لم يتقبل الأحداث غير المنطقية في هذا المسلسل، فكيف بالفنان الذي يتفاني في أداء دوره رغم تهافت الفكرة وضعف السيناريو وتلفيق الأحداث؟ في إحدي محاورات سقراط كان الفيلسوف الاغريقي الأشهر يحاور مطربا شعبيا يدعي «أيون»، وكان هذا المنشد أو المطرب الشعبي عائدا من مهرجان قومي غنائي حصل فيه علي الجائزة الكبري، سأله سقراط ماذا أنشد في المهرجان فقال «أيون» إنها أغان من الإلياذة والأودسية تدور حول «حرب طروادة»، سأله سقراط إن كان قد شارك بنفسه في الأحداث التي قام بغنائها، فقال «أيون» إنه لم يشارك بالطبع لأن هذه الأحداث وقعت قبل خمسة قرون من تاريخ ميلاد «أيون» نفسه، وعاد سقراط يسأله «أليس الصدق الفني هو العنصر الأهم والأول في أداء الفنان»؟ فأجاب «أيون» بالإيجاب، وعند هذا الحد من الحوار كان سقراط قد نجح في إقناع المنشد الشعبي بعدم أحقيته في الجائزة نظرا لافتقاره إلي الصدق الفني وهو يؤدي أشعار هوميروس.

هذا الصدق الفني الذي كان الاغريق يتحدثون عنه في القرن الخامس قبل الميلاد لايعرفه ولا يحترمه الأخ يوسف معاطي وكل من شارك في مسلسل سكة الهلالي، بمن في ذلك أصحاب الأداء العبقري المحترم وعلي رأسهم أحمد راتب ومنة شلبي، وأيضا كل السادة المشاهدين وبينهم كاتب هذا المقال الذي يكافح في العبط رغم أنه أحد جماهيره وأتباعه وضحاياه، وأحيانا مروجيه!!

جريدة القاهرة في 7 نوفمبر 2006

 

سينماتك

 

رفيق الصبان يكتب عن هذا الفيلم بحب:

«لعبة الحب» عالم مدهش من التفاصيل الصغيرة التي تمس قضايا تؤرقنا جميعا

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك