باريس...

يحار راوي تجربة كلود شابرول من أين ينطلق في الحديث عن واحد من آخر عمالقة الفن السابع وأكثر رواد "الموجة الجديدة" نشاطاً وكثافة انتاجية. فالسينمائي البالغ من العمر ستة وسبعين عاماً هو اسطورة حيّة، عاصر الكبار وترك بصمات دامغة في تاريخ هذا الفن. ما ان دخل الصالة المظلمة ابن الصيدلي - المقاوم هذا، حتى أيقن ان القدر سينتهي به في حضن الصورة والحلم البهيّ، هو الذي كان مهيأ ليتابع مسار العائلة ويرثها، مهنة وافكاراً وانتماء. لعل خروجه من كليتي الاداب فالحقوق بعد فترة انتساب وجيزة اليهما ("كانت الاجواء لا تحتمل")، لم يكن الا برهاناً على ان ما من ميدان سيروي عطشه الفطري للسخرية واللؤم والمعاينة، سوى الوقوف خلف الكاميرا، وخصوصاً ان مصادقته الروائي بول غيغوف جعلته يتخلص من تربيته البورجوازية. في قرية العائلة النائية، كروز، التي لجأ اليها هرباً من الخطر المحدق بباريس ابان الاحتلال النازي، كان الهاً حياً، محباً، عطوفاً وطريفاً. هناك حثّ الناس على حب السينما. هناك تلقى صدمته السينمائية الاولى، فأدرك ان ليس كل ما يقال له صحيحاً، وان ثمة ملاذاً من دروب الواقع العادي والرتيب. بعدما عمل لفترة في مهن صغيرة، اهمها مسؤولاً عن العلاقات العامة لـ"فوكس" - فرع فرنسا، استفاد شابرول في السادسة والعشرين من ارث عائلي حصلت عليه زوجته الاولى، فأنتج فيلم صديقه اريك رومير "ضربة الراعي"، وانجز "سيرج الجميل" (في اقتباس اسلوبي لروسيلليني اضاءه مدير التصوير المعتمد لدى "الموجة" هنري ديكا) الذي حقق نجاحاً جماهيرياً، ثم "أولاد العم" في السنة التالية، منضماً الى حركة "الموجة الجديدة" الناشئة حينذاك، الى جانب فرنسوا تروفو وجان - لوك غودار وألان رينه واريك رومير، ضمن تجربة رائدة لطالما ارتبطت بتاريخ مجلة "دفاتر السينما"، وكان مخرجنا يساهم فيها ناقداً ومحللاً (1952 - 1957). لم تكن زمرة "الاتراك الشباب" تعلم آنذاك انها تقلب مفاهيم السينما رأساً على عقب، ورغم ان هذا اليساري النزعة سبق تروفو بأشهر قليلة، في زرع بذور هذه الموجة، فإنه لم يطعّم سينماه بأفكارها وسلوكيتها، بل كان لها دوماً في المرصاد مديناً تجاوزاتها وتعصبها. وظل سنوات طويلة الرابط الاساسي بين كل اطياف "الموجة" بحكم طبعه الحسن (الكل يجمع على ذلك) وجنوحه الى السخرية وعدم قبض نفسه على محمل الجد واللامبالاة الخلاقة، حتى ازاء حوادث ايار 1968، التي صارت سمة من سمات الشخصية الشابرولية واحدى علامات سينماه الفارقة. منذ بداياته، اهتم بالموضوعات المتصلة بنفاق الاثرياء وتدهور القيم لدى البورجوازية في القرى الفرنسية، جاعلاً من هذه التيمة شغله وهوسه، لكن بتنويعات مختلفة، على مدار ثلاثة عقود من الزمن. بعد "النساء الجيدات" (مع ستيفان اودران التي تزوجها لاحقاً)، اجتازت سينماه نفقاً مظلماً، اذ تراكمت الافلام الرديئة ذات الخيارات الفنية غير الموفقة والميلودرامات الغامضة، علماً انه كان يستعين بأسماء مهمة، وكان أورسون ويلز واحداً من الذين نُصب لهم الفخ القاتل. ثم جاء "الغزلان" ليشكل انعطافة في مساره: نجاح كاسح، نقدي وجماهيري، علماً ان الفيلم الذي صدر في خضم ثورة الطلاب كان خالياً من السياق السياسي. كرّت سبحة من العناوين الكبيرة المقتبسة، إما من سيمونون وإما من حوادث عرضية، وهذا كله عكس ميله الى ادخال عنصر الجريمة في أفلامه ("ابسط المواقف تتحول الى ما هو بالغ الدلالات عندما تحصل جريمة")، ومنها: "دكتور بوبول" مع بلموندو؛ "اشباح صانع القباعات" مع سيرو؛ "دجاج بالخلّ" مع بواريه؛ "قناع" مع نواريه. في "ليمت الوحش"، و"الجزار"، وكلاهما مع جان يان في كاراكتيرين كاريزماتيين، تجلت اسلوبية شابرول، سرداً وتفاصيل جمالية، جعلت منه أحد الابناء الروحيين لهيتشكوك، تشويقاً واعتناء صارخاً بالكادرات، مع نحت الذخر الانساني نحتاً قوياً في جسد الصورة. كان شريراً يلسع حيث الجرح، مظهراً ان كثرا من ابناء الطبقة الميسورة يسارعون الى انقاذ صيتهم، لا الفضيلة، عندما يدق الخطر بابهم. لم تستحوذ سينما القضية والرسالة والهدف النبيل على اهتمام شابرول، بل وقف مراراً على عتبة الفيلم السياسي حتى عندما قارب موضوعات ذات صلة بصراع الطبقات، كما في فيلم "عرس الدم" (مع بيكولي) أو لاحقاً "الحفل". هذا الفيلم يعتبر قمة في الفن الشابرولي وجاء ثمرة تعاون مع ايزابيل هوبير التي ادارها معلم السينما الفرنسية في سبعة أفلام، واستطاعت بكفاية لافتة ان تخدم نظرته اللئيمة الى المجتمع الفرنسي، وتجسد المرأة - الضحية، فأقحمته في مرحلة جديدة من مساره المهني انجز خلالها أفلاماً بديعة مثل "قضية امرأة"، وفي مرحلة لاحقة "مدام بوفاري"، فخرجت من اختبار تقمص بطلة فلوبير أكثر نضجاً، مما جعلها تحمل عمل شابرول الجديد، "سكرة السلطة"، الى أبعد ما يمكن حمله، اداء وحنكة تمثيلية، في دور مستوحى من شخصية القاضية ايفا جولي التي حققت في ملف "elf" الشهير. لم يكن الحصول على موعد مع شابرول لاجراء أول مقابلة له مع صحيفة عربية بالمهمة السهلة، بل تطلب اشهراً عدة من الاتصالات، ليس تكبراً منه على صحافي يأتيه من دولة نامية، بل لأنه كان شديد الانشغال عشية استعداده لفيلم جديد. رحّب المتذوق الرفيع وصاحب الاناقة الدائمة بفكرة اللقاء حول مأدبة غداء في مطعمه المفضل "ما بورغون" (ساحة فوش) للتحدث عن نحو خمسين عاماً من صناعة الصورة، انطلاقاً من تحفته الاخيرة "سكرة السلطة". اكتشفنا، خلف الصورة التي كُرّست له في الاعلام، رجلاً لا يزال يؤمن بالانسان، ويتصدى للحماقة التي يعتبرها اختصاص البشر، بقهقهة فريدة ترنّ في الاذنين الى الابد.

·         هل تعرف لبنان قليلاً؟

- لا، زوجتي هي "المجنونة" بلبنان. قبل سنوات عملت على تحضير فيلم لم يُنجز، وهذا ما جعلها تتعرف الى عاصمتكم الكريمة، ولها ذكريات مدهشة عن بيروت هذه، التي سمع عنها معظمنا، بيروت ما قبل الحرب الاهلية. تقول لي باستمرار "هيا لنذهب الى لبنان لفعل شيء ما".

·     هل تفرح اذا قلت لك ان الطبقة السياسية الفاسدة التي تصورها في فيلمك الجديد، "سكرة السلطة"، كأنك جئتَ بها من لبنان، اذ تتشابه الطبقات السياسية الفاسدة، اسلوباً وهدفاً وتقنيات؟

(مقاطعاً بحماسة) ما استغربه استغراباً شديداً أني عندما باشرت اخراج الفيلم، قلت في قرارة نفسي: لا شك في انه سيفوز بفضول الجمهور الفرنسي، كونه مطلعاً على خفايا ملف "elf"، لكن مَن من المشاهدين في الخارج سيعني له هذا الموضوع شيئاً؟ الحقيقة، أن موزعين من كل بلدان العالم طلبوا الفيلم، مما يدل على أن الأحوال السياسية متشابهة الى حدّ ما، والساسة أينما كانوا ينتهجون أساليب الفساد والطغيان نفسها. اذاً، أكثر ما يسلّيني اليوم هو هذا الاهتمام في شأن الفيلم. لست احمق، فأنا كنت اعلم ان هذا النوع من المؤامرات موجود في كل الامكنة، لكن ما كنت اجهله، واطلعني عليه الآخرون، هو تشابه اساليب الاحتيال.

·     اللافت هو الاسلوب الساخر الذي تتناول به هؤلاء السياسيين، والذي يكاد يكون كاريكاتورياً عمداً. ونرى ان سخريتك هذه حريصة على تحويلهم دمى والاعيب طريفة.

- أن يعتبر هؤلاء انفسهم فوق القانون وفوق الآخرين وفوق كل شيء، يجعلهم يتصرفون كالاغبياء. وتالياً، تثير طبيعة سلوكهم التهكم والازدراء. ما اكتشفناه خلال اعمال التوثيق التي اجريناها، ان معظم المتورطين في هذا الملف، لم يكن يهمهم الا الذهاب الى باهاماس وعرض مؤخراتهم السمينة تحت أشعة الشمس كي تكتسب لوناً ذهبياً. ما لا افهمه هو: ما داموا يسرقون ويجمعون المال - طبعاً لن نطلب منهم التبرع لجمعيات خيرية - فليقوموا بنشاطات شيّقة.

·         اتهمتك قاضية التحقيق ايفا جولي بأنك انجزت فيلماً رجعياً ويرتدّ الى الخلف.

- يضحكني هذا الامر. ألم تتخلّ هذه القاضية عن الملف الذي كانت تعالجه؟ قل لي، ماذا يعني ذلك؟

·     بالتأكيد، تخليها عن الملف بالغ الدلالات. في "سكرة السلطة" تظهر ايضاً ان للسلطة دوماً تأثيرا سلبيا على من تمارس عليه نفوذها.

- ثمة انطباع عندي بأن طلاب السلطة يهدفون في بداية الامر الى الحصول على النفوذ للقيام بالاعمال الحسنة، لكن ما ان يجدوا نفسهم في موقع القوة، حتى يدركوا ان في مقدورهم تنفيذ أعمال لم تخطر في بالهم من قبل. هذا ما اسميه السكرة. فالسلطة مثل الكحول، قليل منها لا يعود عليك بالضرر، لكن ما ان يجري الافراط فيها، حتى تخرج الامور من دائرة السيطرة. في هذا الفيلم اردت أن اظهر ما الشيء الذي في امكان السلطة أن تمنحه لصاحبها، وما الشيء الذي في امكانها ان تأخذه منه. "سكرة السلطة" ليس فيلماً سياسياً. الشخصية التي تؤديها هوبير لا يسعها أن تفصل حياتها العامة عن الخاصة، مما يؤدي بها الى الكارثة.

·     في "سكرة السلطة" لم تعمد الى فصل اؤلئك الذين يمارسون السلطة عن الذين يخضعون لها، لكن "غرورك" السينمائي يصل الى حد التسليم بمنطق محاكمة النيات، في حين انك تستمر في خطابك المناهض لصراع الطبقات.

- لم ارد احالة هذا الفيلم على منطق المرافعة ضد حادث يعرفه الجميع. كان في ودّي ان اظهر طبيعة التداعيات التي يمارسها النفوذ على الطبيعة البشرية، والى اي مدى يستطيع هذا النفوذ ان يذهب بفريسته. تقريباً، جميع الذين نراهم في الفيلم اصحاب نفوذ. الطريف ان الشخص الذي يعطي الانطباع بأنه يترأس الجوقة ويحسن قيادة الاخرين، هو لا شيء. فالسيناتور، حامل السيكار، هذا الذي يتكلم بطاووسية، هو بورتريه لسياسي فرنسي معروف جداً (شارل باسكوا). نموذج لعجوز حثالة، لكنه يثير اعجابي، إذ اجده طريفاً وجديراً بالتصوير لروعته وبهجته. يسلّيني هذا المخلوق! من المفترض أن يخطط هذا الرجل لكل شيء، لكن في نهاية المطاف، لا ينجح في فعل أي شيء، لانه يسقط ضحية الافكار السيئة، شأنه شأن الآخرين، ويقع في الفخ المنصوب له. بالنسبة الى صراع الطبقات، أعيد طرح نظريتي القائلة ان كل منا هو "القائد الصغير" لأحدهم. ما يبعث على الفضول في وضع القاضية انها، نظرياً، تملك كامل الصلاحيات، لكنها في الواقع، لا تملك الا الصلاحيات المعطاة لها! نثمل عندما نعتقد انه ليس في امكان احد انتشالنا من السلطة التي اعطيت لنا.

·         من المستغرب انك واجهت متاعب مع القضاء من اجل فيلم يسلّم بحق القضاء في التخلص من آفة التسييس.

- أجل، هذا طريف. في المقابل، يجب عدم تضخيم المسألة. في الحقيقة، وضعنا حداً لها. هذا النوع من التعاطي مع المثقف يجب ألاّ نخاف منه. قد تستأنف القاضية الدعوى التي اقامتها ضدنا. لا احد يعلم. من جهة اخرى، اعرف ان الفيلم مُنع في النروج، حيث تقيم القاضية حالياً وتشغل منصب مستشارة الحكومة النروجية. هذا يضحكني كثيراً. أليس الامر مدعاة للهزء؟ بل هو كذلك. بئس هؤلاء، اذا لم يدركوا أنهم مادة للتهكم من الجميع.

·     قلت كلاماً مميزاً في شأن "سكرة السلطة" مفاده ان كل من يتعرف الى نفسه في الفيلم يكون يوجه الى نفسه اصبع الاتهام. في هذا المعنى، هل ينصب الفيلم فخاً للسياسيين؟

- هذا صحيح. اذا اعترف سياسي انه وجد شبهاً بينه وبين الشخصية، فمن حقنا ان نسأله، ما الذي يجعلك تعتقد ذلك؟ يلمح الفيلم الى امكان وجود بعض الذين قد يمكننا نعتهم بالحثالة، بين اصحاب النفوذ في فرنسا، وتالياً امتصاصهم بالـ"كارشر" (ملمّحاً الى التعبير الشهير الذي استخدمه وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي في سياق كلامه عن شباب الضواحي الذين قاموا بأعمال شغب احتجاجاً على وضعهم الاجتماعي المتردي في تشرين الثاني 2005).

·     تمضي في ادانة السلطة والإفرط في استخدامها عشوائياً، لكن ينبغي تذكيرك ربما بأنك، بصفتك مخرجاً، صاحب سلطة مطلقة على البلاتوه!

- من الاسباب الكامنة خلف الاستعانة بأفراد عائلتي في صناعة أفلامي انهم سيقمعون تجاوزاتي الناتجة مما قد تتسبب به السلطة من إفراط في سلوكي. ثمة دوماً ثلاثة أو اربعة اشخاص من المقربين يضعون حداً لتصرفاتي، قائلين لي: "هدىء من روعك". هذا يعيدني الى رشدي. لا شك في ان للمخرج هيبة تفوق الوصف. لا اعرف شخصاً يملك سلطة اكبر من تلك التي يمتلكها السينمائي. نفوذه، في كل حال، يتجاوز نفوذ بابا الفاتيكان. سأعطيك مثالاً على ذلك: في اثناء زيارة البابا لاحد المسؤولين الكبار، يخرج من الباحة المطلة على القصر الجمهوري، فيلفت انتباهه الحشيش المزروع هناك، فيقول: "لا احب اللون الاخضر، أليس في إمكانكم تلوين الحشيش بالاحمر؟". ينظر مرافقوه بعضهم الى بعض: "يبدو انه فقد عقله". ويقودونه الى الفراش ليرتاح قليلاً بعد أن يعتذروا من الرئيس لحالة البابا. أما أنا، فأصل الى مكان ما، واصرخ في وجه الحاضرين: "ما هذا الحشيش الاخضر؟ اريده احمر الآن". سرعان ما يأتي اربعة عمال ويدهنونه باللون الاحمر. لا يجادلون، ولا يعتقدون أني معتوه.

·         لكن ينبغي ان تكون شابرول كي تحظى بمثل هذه الامتيازات، أليس كذلك؟

- لا، رأيت مبتدئين يستخدمون النفوذ كيفما اتفق. وهؤلاء يقضي عليهم الإفراط بعد اربعة ايام من بدء التصوير.

·         في رأيك، ألا يحتاج بعض الموضوعات الى مسافة زمنية، كي تختمر الفكرة في رأس المبدع؟

-ـ لم أكن انوي معاينة ميكانيزم السلطة، كان في وديّ ان أظهر الى اي درجة هؤلاء الذين اختلسوا الاموال العامة، هم عديمو الذوق والفهم، وكم يثيرون الازدراء والشفقة. اما القاضية "المسكينة" فتعتقد اني اصنفها مع البقية. ما يدعو الى الغرابة انها عندما تتهمني بالشعبوية، لا تأتي على ذكر ما صدمها ولكن ما لم يصدمها. ثمة تناقض غير معقول في كلامها (...). لست قوّالاً (شانسونييه)، بمعنى اني لست مهووساً بالحوادث اليومية. أنا انسان شيوعي، لكن هذا لا يعني انه يتوجب عليّ انجاز افلام عن حصاد القمح.

·     في رأيك، لماذا يخلص التعاون بينك وايزابيل هوبير (من خلال افلامكما السبعة)، الى إنتاج يتسم دوماً بالقسوة ويغلب عليه طابع لئيم الى ابعد حّد؟ ما السر الذي يجعل عملية حسابية مثل شابرول + هوبير = فيلم شرير؟

- تعجبني لدى ايزابيل، قدرتها على لعب شخصيات متطرفة في لؤمها، لكن من دون ان تغفل جانبها الانساني. كثر هم الممثلون الذين يستطيعون ذلك، لكن هي تفعله بأسلوب جاف، اي اننا نجهل من اين تخرج النزعة الانسانية لدى الشخصية، لكنها تظهر للعلن. أقول لك بصراحة: كان يصعب عليّ انجاز هذا الفيلم من دونها. لا ارى من كان يمكنه تقمص هذه الطراوة الصلبة التي تتسم بها. كذلك، هي التي حثّتني على انجاز "مدام بوفاري" الذي كنت اطمح الى انجازه منذ سنوات، لكني كنت خائفاً. فجأة، قلت لنفسي: "هيا، صرت في الستين، اذا لم تنجزه الآن، لن تنجزه ابداً". غير اني نقيض برغمان: لست في حاجة الى ان اطارح ممثلاتي الغرام (ضحك). لا أحب الصخب على البلاتوه!

·     رحلتك السينمائية تتميز بالهبوط والصعود المستمرين. ثمة نوع من التواطؤ بين افلام شكلت محطات في تاريخك، وأخرى مرت مرور الكرام. أنت، نفسك، اعلنت ذات يوم انك صنعت بعض الافلام الرديئة.

- في نهاية الجولة، اعتقد اني اخرجت عدداً قليلاً فقط من الافلام الرديئة. أجد نفسي متسامحاً في تقويم الافلام التي انجزتها. لنقل اني ارتكبت بعض الحماقات، ونتجت منها خمسة او ستة أعمال سيئة، لكن حتى في هذه الافلام هناك ما يبعث على الضحك والتسلية.

·         نفسياً، كيف تعيش الفشل بعد النجاح؟

- لحسن الحظ، لم يسحق أيّ فيلم من أفلامي شباك التذاكر محطماً ارقاماً قياسية. من غير المستحسن ان ننجز فيلماً يلقى اقبالاً جماهيرياً ضخماً، لأننا، في المنظار التجاري، نعلم ان الفيلم التالي سيكون اقل نجاحاً. فهذا يضعنا في ازمة مواجهة مع انفسنا وعملنا، الامر الذي يزعجني اشد الازعاج. بحسب ارقام المركز الوطني للسينما، فأنا المخرج، الذي، منذ عام 1945، استطاع ان يكون له اكبر عدد من الافلام التي تجاوز مشاهدوها رقم النصف مليون. وهذا امر افتخر به. في المقابل، يؤلمني الفشل حين يطال فيلماً يعز على قلبي، لأن ذلك يولّد لديّ سلسلة تساؤلات من نوع: هل انجزته في الوقت غير المناسب؟ لماذا لم يفهمه احد؟ هل هذا ذنبي ام ذنب الآخرين؟ احاول ان اعالج المسألة، لعلني اتجنب الوقوع في البلاهة مجدداً. في المناسبة، يفرحني عندما يكون احد أفلامي التي لا احبها عرضة للفشل الجماهيري. أقول في قرارة نفسي: "بئس المنتج الابله الذي غامر بتمويله". ثمة موقف آخر اجد نفسي فيه احياناً على حين غرة، هو عندما يحظى احد الافلام التي لا احبها، بنجاح باهر. اشعر نفسي سارقاً!

·         تقول دوماً ان على المرء ان يعلم متى يتوقف عن فعل الحماقات.

- أولاً، يجب الا نخاف من الاعتراف بأننا ارتكبنا حماقة، وبعد أن نكون اقترفناها يجب معالجة الـ"كيف" والـ"لماذا"، وهذا يحدّ من امكان ان نكررها مجدداً. في الواقع، يبهرني الغباء أكثر مما يبهرني الذكاء الآدمي: ثمة حدود للذكاء خلافاً للحماقة. مراقبة شخص في منتهى الغباء تبعث فيك الثراء!

·     عندما يكون المرء آخر عمالقة الفن السابع وصاحب تجربة تمتد على نحو نصف قرن من الزمن وتحتوي جعبته على نحو 60 فيلماً، ماذا يريد من السينما؟ ما الذي يحرك طموحه في اتجاه هذا الفن؟ حب السينما وحده؟

- ثمة امران يجعلانني اكمل مسيرتي. الاول اني، ولسبب اجهله تماماً، اشعر بصحة جيدة حين اصوّر. عملية التقاط المشاهد اشبه بإجازة بالنسبة اليّ. كثر يصرحون بأن التصوير هو المرحلة الأصعب، اما انا فأرى انه الامتع لأن كل ما هو معقد ومزعج يكون قد ولّى عندما نشغل محرك الكاميرا. ما اود قوله انك عندما تكون منهمكاً في التفاصيل المهنية، لا تشعر بالالم الذي يصيبك، وهذا كله يختفي عندما تعمل جاهداً. اذاً، اقله بالنسبة الى صحتي، السينما هي افضل طبيب معالج. ويتجلى السبب الاخر في انه لا يزال عندي ما ارويه. في الواقع، لديّ حلم، مع انه يصعب تحقيقه، هو ان احوّل الكرة الارضية الى مكان، حيث الكل يعشق الكل. لذلك اظهر في افلامي ما يمنع تحقيق هذا الهدف. لهذا السبب افلامي رهيبة. لا اسعى ابداً الى تصوير ما ليس له وجود، بل اعالج اسباب عدم وجوده وأقول ان العالم هكذا. لذا، تراني "اقرص" في المكان الذي يؤلم.

·         كسينمائي، عرفت أزمنة أفضل من التي نمر بها الآن. كيف تعيش صعود الاصوليات وموجات التطرف في العالم كله؟

- لا اعتبر ان الاصولية الى تصاعد. سأبدو غريباً، لكني اعتقد انها تشهد تراجعاً لافتاً. في رأيي ثمة صعود لضعف البشر فحسب، ومن هم أقل ضعفاً يستخدمون قوتهم ضد الآخرين. اعتقد ان الانسانية تتقدم في الاتجاه السليم. مراحل الازدهار الكبرى تسبقها ازمنة شديدة العادية كزمننا. خلال خدمتي العسكرية، كان لي صديق جزائري، وبحكم اقترابي منه ادركت كم هو خاطىء الانطباع الذي يتولد عن البلدان غير الغربية. يا له من امر أبله ان نطالب بالحق في الاختلاف. ما يجب ان نطالب به هو حق التشابه بين بعضنا البعض. يحق لنا ان نتشابه، أليس كذلك؟ لكن، يبدو انه يصعب تحمّل هذا الامر، والناس يفضلون ان يتوافر امامهم من يعتبرونه مختلفاً عنهم، لأن هذا يفتح المجال لهم لكي يعتبروا الآخرين أقل شأناً منها. هكذا يولد التعصب والعنصرية. من بين الحكام الحاليين، لا استطيع ان اشير الا الى بوش كحاكم اصولي ومتعصب، مع انه يجب ان نكون سيئي الظن تجاه اصولية كهذه، لانها تنتهي عند حدود المال والنفط. انجرار بوش الى هذا النوع من الاصولية يجعلنا نعتقد انه لا يدرك الحماقات التي يرتكبها. هو في الواقع، يدركها جيداً، لكنه يعتقد انه على حقّ. على حدّ علمي، هو رئيس الدولة الوحيد الذي قال ان الله خاطبه (يضحك عالياً). لكن، رغم هذا كله لا أزال أؤمن ان هناك أملا ما لأولادنا. حسنا، اعتقد ان الوقت حان لتناول الغداء. ماذا تريد أن تأكل؟

النهار اللبنانية في 30 أكتوبر 2006

»الرحيل« لمارتن سكورسيسي في السيف

الوجه الآخر لتاريخ مدينة

الوسط - نبيل عبدالكريم 

منذ سبعينات القرن الماضي اشتهر المخرج مارتن سكورسيسي بفيلمه »تاكسي«.

هذا الشريط السينمائي لعب بطولته روبيرت دي نيرو. مسرح الحوادث كانت مدينة نيويورك التي لضخامة حجمها تسحق الأفراد وتحولهم إلى كم مهمل في الأزقة والشوارع وتدفع بهم إلى الانحراف في سلوكهم الاجتماعي أو اللجوء إلى العنف وسيلة للخلاص من انسداد شرايين الحياة.

الآن يطل علينا المخرج سكورسيسي بفيلم »الرحيل« أو«الترحيل« الذي يعرض في سينما السيف. مشاهد الشريط مصورة في مدينة بوسطن التي لا تقل ضجيجاً عن نيويورك ولكنها تتميز بتاريخ مستقل في تنوعه وتركيبه. فالمدينة تعتبر عاصمة للأثرياء منها تخرج الكثير من رؤساء الدولة الأميركية. وتعيش فيها شريحة من العائلات السياسية التي تتحكم بالكثير من المفاصل الاقتصادية وتهيمن على مجلسي الشيوخ والنواب.

فيلم سكورسيسي لا يتحدث عن السياسة وإنما يكتفي بأخذ الجانب الاجتماعي لتطور المدينة. فبوسطن هي ساحة العمليات وتحديداً لذاك الإطار الخفي الذي أسهم في تكوين شخصيتها. »الرحيل« يتناول الجريمة مسرحاً للمشاهد العنيفة التي تنتهي بسلسلة من القتل والقتل وأخيراً القتل.

تسلسل حلقات القتل يستهدف إعادة إنتاج ذلك التاريخ الذي أسس هيكل المدينة الاجتماعي وتطورمن حال الى حال آخر لتستقر الجريمة في سياق مبرمج تكتسب أحيانا صفة الشرعية المنظمة أو المراقبة من الأجهزة.

الفيلم عنيف في مشاهده ومتوتر في لقطاته ولكنه يتمتع بقوة درامية تجعل المشاهد في حال قلقة ينتظر النهاية. وهي كانت مفجعة، إذ يتساقط في آخرها كل الأبطال.

بوسطن المدينة هي المسرح والعصابات المتعددة الأشكال والألوان التي تسيطر على شوارعها الخلفية تلعب دور الصانع الخفي لذاك الاقتصاد المجهول المصدر. حتى تكتمل الصورة أعاد المخرج عقارب الساعة إلى زمن سابق وقدم مختصرات سريعة عن المجموعات الأهلية التي تشكلت منها عصابات القتل والتهريب وفرض الخوات على المؤسسات والمحلات.

الشريط السينمائي يغوص إلى داخل النسيج الاجتماعي لبوسطن. في هذه المدينة تتعايش الجماعات وتختلف. فهناك الحي الصيني والايرلندي والآسيوي واللاتيني. وكل هذه الأحياء تتنافس على تزعم الاقتصاد غير المشروع. فهذا الاقتصاد ينتج المال ويراكم الثروات ويوسع من دائرة الاستثمار والتوظيف وينعش الحياة الليلية، ولكنه أيضاً يؤسس الجريمة.

من شريط هذه الجماعات المتخاصمة والمتقاتلة تظهر زعامات الأحياء التي تحاول أن تفرض سطوتها على الناس وتسلطها حتى في مواجهة عصابات القتل والإجرام. ومن هذا الشريط يتسلسل تاريخ المدينة ويتطور إلى أيامنا.

سكورسيسي انطلق من الماضي إلى الحاضر ليضع المشاهد في عصر ينتمي إلى فترة سابقة ولكن لايزال يفرض قانونه وأحياناً شروطه على الهيئات والمؤسسات الرسمية بما فيها الشرطة والمخابرات.

بطل فيلم »الرحيل« هو جاك نيكلكسون فهو زعيم عصابة نجحت في السيطرة على الأحياء الخلفية مستخدماً طرق القتل والبطش والتخويف وفرض الخوات على الناس. وشخصية هذا الزعيم تتميز بالعنف والبذاءة والعنصرية والكره للأجنبي. ولكنه بسبب فساده لا يتردد في التعامل مع »الأعداء« في التهريب وتبادل البضائع والممنوعات.

من هنا يبدأ الفيلم سياقه التصويري. فهو لا يتحدث عن الماضي بل يستخدمه كمادة أرشيفية لتشكيل صورة قديمة عن حوادث معاصرة. فالفساد لا يزال على حاله، والقتل كذلك، والرشوة وأخيراً اختراقات العصابات للشرطة والأجهزة المكلفة بحفظ الأمن ومحاربة الجريمة وملاحقة عمليات التهريب. فالمخرج أراد أن يروي قصة زعيم عصابة معروف بأعماله القبيحة وسلوكه الشرير وتملك الشرطة عنه الصور والمعلومات الكافية لاعتقاله وإدانته. ولكن الشرطة تتركه يتصرف ويتحرك ويهرب ويقتل من دون ملاحقة جدية. والسبب أنها تريده لحاجات أخرى ولذلك تتعاون معه وتستخدمه في وظائف معينة وهو أيضاً يحتاج لتغطية أموره وعدم كشفها.

وهذا النوع من تبادل الحاجات والوظائف أتاح لزعيم العصابة سلطة مخيفة إلى درجة أسعفته في تحقيق اختراقات لأجهزة الشرطة والتحقيقات. فهو يجند الأشخاص ويدربهم ويرسلهم إلى مدارس الشرطة تمهيداً للالتحاق بدوائرها ويقوم باستخدامهم لتهريب المعلومات وتضليل المحققين والتغطية على أفعاله. وأخيراً وبعد ان تنتهي وظيفة المدسوس يكشف اسمه للشرطة حتى تتخلص منه. وبهذه الطريقة كان يشتري الأجهزة بالكشف عن العملاء كذلك كانت الشرطة تساعده في التخلص منهم حين يلاحظ أن دورهم انتهى.

مقابل ذلك كانت الشرطة تدرب المجرمين وتعيد تأهيلهم لمساعدتها على كشف المعلومات عن عمل العصابات وأفعالهم. الاختراق متبادل. فالشرطي يخترق »الشرطة« والمجرم يخترق »العصابة«. وبين العميلين تدور وقائع قصة الفيلم وتتطور بشكل متوتر ومثير للدهشة.

تفصيلات الشريط السينمائي كثيرة، وسكورسيسي استخدم التقنيات المعاصرة (أجهزة الهاتف النقال) واسطة حديثة لنقل المعلومات. لذلك نرى ان الهاتف (النقال) والانترنت والكمبيوتر يتشكل منها الإطار العام الذي منه تنفذ الجريمة المعاصرة.

العصابات قديمة العهد ولكنها نجحت في التطور وتحديث وسائلها في الاختراق والاحتيال وكشف المعلومات وتضليل الشرطة وغيرها من أدوات يمكن استخدامها في أكثر من وجه وحقل.

سيناريو الفيلم بسيط والمخرج تعمد منذ اللحظات الأولى إلى كشفه أمام المشاهد. فهناك مجرم اخترق الشرطة وهناك شرطي اخترق العصابة. والمعركة تدور بينهما، فهذا يريد كشف المجرم وذاك يريد فضح الشرطي. والمشاهد هنا هو المتربص لأنه يلاحق بتوتر الموضوع لمعرفة من هو الأكفأ والأسبق.

ينتهي الفيلم على مشاهد قتل يذهب الجميع ضحيتها حين يخاف »المجرم« المتخفي انكشاف أمره كذلك يخاف »الشرطي« المتخفي افتضاح أمره . وبسبب الخوف القاتل يتجه الكل إلى نهاية دموية عنيفة يقتل فيها زعيم العصابة على يد أصحابه، ويقتل صاحبه (الشرطي المتخفي) ويقتل (المجرم المتخفي) ويقتل أيضاً رئيس الشرطة... إلى آخره.

الجميع قتلى. ولكن الجريمة باقية لأنها أصلاً مؤسسة على تقاليد وموزعة على أنشطة تقوم على شبكات منظمة ومخترقة من الأدنى إلى الأعلى والعكس. وهذه النتيجة التي توصل إليها مخرج الفيلم تطرق إليها بذكاء من خلال عرض الاختراقات وتورط الأجهزة وتداخلها وتنافسها وتراتبها سواء على مستوى الدولة (أف. بي. آي) أو الولاية وأخيراً المدينة: بوسطن.

الوسط البحرينية في 1 نوفمبر 2006

 

بتقنية جديدة وطرح جريء: »بوعلي« يطرق عالم الجن في أولى محاولاته »الفيلمية«

الجفير - منصورة عبدالأمير  

نظم نادي البحرين للسينما مساء الخميس الماضي عرضاً خاصاً لفيلم الرعب الشبابي القصير »بينهم« الذي قام بإخراجه وتأليفه وكتابة نصه محمد راشد بوعلي.

حضر العرض مجموعة من الصحافيين والمهتمين بتشجيع الطاقات الشبابية في هذا المجال، بالإضافة إلى طاقم الفيلم وعدد من أعضاء مجلس إدارة نادي البحرين للسينما.

قبل بداية العرض أعطى بوعلي نبذة موجزة عن فيلمه، مشيراً إلى أن المشاهد بحاجة إلى التركيز في مختلف المشاهد ليتمكن من فهم الفيلم والربط بين العوالم الثلاثة التي يستعرضها، وهي كما يفيد »عالم الواقع، الخيال، وعالم تصوير الفيلم«، ويفصل بينها غشاء رقيق.

يتناول »بينهم« قصة مجموعة من الشباب يرغبون في إنتاج فيلم رعب وإثارة فيلجأون إلى عالم الجن وإلى إحدى المناطق النائية التي يعتقد أنها مسكونة بالجن. وعلى رغم ما يتوقعه البعض من »ربكة« قد يقع فيها المشاهد نتيجة المزج في استعراض هذا العوالم الثلاثة، فإن المخرج تمكن وبذكاء شديد من جعل الألوان تلعب دوراً في الفصل والتمييز بين كل من هذه العوالم.

في هذا الفيلم يقول المخرج إنه تطرق إلى قضايا لم يتم تناولها مسبقا في أي عمل شبابي آخر، كما طرح نماذج مجتمعية لم يجرؤ أي عمل خليجي سابق على طرحها مثل نموذج الفتى الناعم أو »البناتي«، ومجموعة الفتية »المصبنجية«.

بوعلي، الذي يخرج ويكتب لأول مرة، ترك نهاية فيلمه مفتوحة، وقدم قصته بأسلوب غريب معتمدا تقنيات جديدة على الأفلام الشبابية، مستفيدا كما يؤكد من بعض أشهر أفلام الإثارة النفسية مثل فيلمي »Memento« و »Mulholland Park« وهو على رغم استفادته تلك، صاغ التقنيات التي استعارها بأسلوب جديد وقدمها برؤية شبابية خاصة به. كذلك تعمد المخرج جعل نهاية فيلمه مفتوحة غير واضحة متيحاً الفرصة للمشاهد ليفكر ويفهم الحوادث من وجهة نظره الخاصة، فاتحاً المجال لمختلف التفسيرات والتأويلات.

لم تتجاوز مدة عمل الطاقم على الفيلم الأسابيع الثلاثة، فقد بدأ التصوير منذ الليالي الأولى التي ظهر فيها القمر في شهر رمضان. ولزيادة صدقية الحوادث يؤكد بوعلي اختياره وطاقمه إحدى مناطق البحرين التي تنتشر شائعات كثيرة عن كونها مسكونةً بالجن فعلاً وهذا كما يؤكد بوعلي: »أعطى الفيلم لمسة واقعية وجعل الشباب يتفاعلون مع العمل بشكل أكبر«.

لحد الآن لم يقرر بوعلي، الذي بذل هو وطاقمه جهدا كبيرا لصناعة هذا الفيلم، أي المهرجانات التي ينوي المشاركة فيها بفيلمه لكنه يحتمل أن يتوجه إلى مسابقة أفلام من الإمارات، وذلك بهدف الاطلاع على أعمال الأخرى وكسب الخبرة وفي الوقت نفسه الحصول على المزيد من الملاحظات التي من الممكن أن تطور أداءه في المستقبل

وعلى رغم إقراره ببعض العيوب في فيلمه الذي استخدم فيه كاميرا تصوير عادية صغيرة الحجم، فإن بوعلي يؤكد أن عملية المونتاج غطت على كثير من أخطاء الفيلم الذي لا تتجاوز مدته 45 دقيقة. كذلك ساهمت المؤثرات الخاصة الصوتية والبصرية التي نفذها كل من عبدالله رشدان وعلي الشهابي إلى حد كبير، في إعطاء قوة خاصة للفيلم وخلق أجواء رعب وإثارة عاليين، تماما كما ساهمت الموسيقى في إضفاء الأجواء ذاتها.

عن مشاركته في العمل أكد رئيس اللجنة الثقافية وعضو مجلس إدارة النادي وأحد ممثلي الفيلم نضال بدر: »كانت تجربة جميلة ومميزة بالنسبة إلي، وخصوصاً أني أعمل مع شباب معظمهم يشارك في تجربة فيلمية للمرة الأولى«، مؤكداً أن مشاركته تلك »تأتي في إطار دعمي الوجوه الشابة والطاقات الشبابية الجديدة« مفيداً قيامه بدور وجده مميزاً.

وعن نشوء فكرة الفيلم، قال بدر: »جاءت الفكرة عن طريق المخرج والمؤلف وهو من الشباب المهتمين بالجانب السينمائي، وله كتابات في هذا المجال. وعرض فكرته تلك، المصاغة بأسلوب جديد وغير تقليدي، على الكاتب فريد رمضان فلقي الدعم والتشجيع منه«

بعدها، كما يضيف بدر »عرض بوعلي الفكرة عليّ وعلى الفنان القدير عبدالله السعداوي وعبدالله سويد وعبدالله رشدان، فوافقنا على الفور، وخصوصاً أننا جميعا عملنا في أفلام مشابهة مسبقاً، ونحمل خبرةً في هذا المجال«.

ويقول بدر إن »العمل لم يخلُ من الثغرات والسلبيات باعتبارها أول تجربة للمخرج سواءً من حيث الكتابة أو الإخراج«، لكنه »واثق بأن المشروعات المستقبلية لبوعلي ستكون أكثر تطوراً ونجاحاً«.

يذكر أن نادي البحرين للسينما يعمل دائما على تشجيع ودعم المشروعات الشبابية في مجال صناعة الأفلام وذلك بهدف خلق قاعدة قوية في سبيل تطوير السينما البحرينية.

يمكن اعتبار فيلم »بينهم« محاولة جيدة تستحق الوقوف عندها فهو وعلى رغم كل أخطائه قدم جديدا في مجال صناعة الأفلام الشبابية القصيرة، وتمكن من وضع لبنة من لبنات صناعة فيلم رعب شبابي قصير، استطاع صانعوه - على رغم قلة ومحدودية إمكاناتهم - أن يجعلوا مشاهده يعيش جواً من الرعب والخوف الذي عاشه أبطاله وممثلوه.

الوسط البحرينية في 1 نوفمبر 2006

 

حباب وكلاب الساحر.. ريادة بحرينية تخترق سينما الأطفال الخليجية

سينما الدانة - منصورة عبدالأمير  

دائماً هي البحرين كذلك، سباقة ورائدة على جميع الأصعدة، الثقافية الفنية خصوصاً، فمنذ القرن الماضي كانت هي أول من احتضن كثيراً من الإنتاجات والإبداعات الفنية خليجياً، سواء المسرحية منها أو الدرامية أو حتى السينمائية.

اليوم تثبت البحرين ريادتها تلك مرةً أخرى، إذ تحمل شرف تقديمها أولى المحاولات السينمائية الموجهة إلى الطفل خليجياً، وذلك عبر فيلم »حباب وكلاب الساحر« الذي بدأت دار سينما الدانة عرضه في غرة عيد الفطر المبارك.

الفيلم الذي كتبه السيناريو الخاص به وأخرجه الكاتب البحريني المعروف حمد الشهابي، جاء مغامرة جريئة، محسوبة نعم، لكنها - على أية حال - تحد كبير قبلت مؤسسة المسرح الأهلي للإنتاج الفني والتوزيع دخوله على الأقل لكونها أول تجربة سينمائية خليجية موجهة إلى الأطفال. عدا ذلك كانت المؤسسة على علم بكل ما يحيط بهذا الانتاج من صعوبات وعراقيل تقنية أو اخراجية أو غير ذلك، لكن المؤسسة اعتمدت على تاريخها الطويل والناجح في تقديم أعمال راقية تمكنت من خلالها من مخاطبة الأطفال ودخول عالمهم. هذه الانتاجات التي بدأت بعد 3 سنوات من تأسيسها العام 1979، وتحديداً العام 1982 إذ قدمت أول مسرحياتها الغنائية على خشبة المسرح الأهلي وهي من تأليف الشاعر علي الشرقاوي، بينما قام حمد الشهابي بكتابة نصها المسرحي.

كذلك وجدت المؤسسة في الشهابي ضالتها المنشودة، وهو الكاتب ذو الباع الطويل في كتابة السيناريو عموماً، إذ ألَّف الكثير من الأعمال الدرامية المحلية والخليجية من أهمها »تالي العمر«، »بوهباش«، »عجايب زمان«، و »مواطن طيب«. وهو - أي الشهابي - كذلك الكاتب المتمرس في الكتابة للأطفال والذي حققت مسرحياته نجاحات باهرة لتمكنها من مخاطبة الأطفال ودخول عالمهم.

وطوال 13 عاماً، استمرت المؤسسة في توجيه عطائها إلى الأطفال عبر أعمالها الهادفة التي تحمل في مضامينها كثيراً من الدروس والعبر التي تغرس أجمل وأرقى المعاني والقيم في نفوسهم، وآخر أعمالها الغنائية الجميلة جاء في صيف العام الماضي حين قدمت مسرحية »ترن ترن« وهي كذلك من تأليف الشهابي.

هذا العام أرادت المؤسسة أن تعود إلى جمهورها لكن بعمل مختلف لا في مضامينه وأهدافه فحسب بل في نوعه وأسلوب طرحه. أرادت المؤسسة أن تطرق باب الانتاج السينمائي وتقتحم هذه الصناعة التي أضحت اليوم ذات تأثيرات كبرى لا يمكن تجاهلها.

اعتمدت عملا قام عبدالقادر عقيل بترجمته الى العربية، ليقوم الشهابي بتحويله الى فيلم سينمائي روائي موجه إلى الأطفال، ويعد كما ذكرنا أول عمل روائي سينمائي خليجيا، مرة أخرى ليأخذ البحرين الى موقع الريادة، وهو كما يصف الشهابي »السهل الممتنع«. وبحسب الشهابي فإنه كان يمكن تحويل القصة الى عمل درامي أو مسرحي ضخم، لكنه أراد اقتحام عالم السينما وأخذ البحرين الى مصاف الدول التي خاضت هذه التجربة.

وفكرة العمل الدرامي لم تطرق بال الشهابي، على رغم ما قد يبدو لمشاهد العمل، من إمكان تحويلها إلى عمل درامي تلفزيوني يمكن أن تعرضه جميع المحطات الخليجية قد يكون كفيلا باستعادة تلفزيون البحرين أمجاده السابقة في مجال الأعمال الموجهة إلى الأطفال.

لكن الشهابي وجد في العمل الدرامي مغامرة، ليست فنية تقنية أو على مستوى الاخراج والكتابة كما هي مغامرة العمل السينمائي، بل مغامرة تسويقية، إذ قد لا يتمكن من توزيع عمله وعرضه في بعض المحطات الخليجية مثل السعودية وعمان.

أما تحويل القصة إلى عمل مسرحي فكان أمرا سيتم بمنتهى السهولة، وكان يمكن للشهابي - كما يؤكد - عمل ديكور مسرحي ضخم يصل الى 30 متراً، يضمن جزءاً كبيراً من نجاح العمل، لكنه أراد أن يقدم عملاً سينمائياً يضع من خلاله بذرة صناعة سينمائية بحرينية، وهو ليس متخوفاً من خوض هذه التجربة التي يصفها كثيرون بالمغامرة، بل إنه على علم بكل مخاطرها وصعوباتها، إذ يقول: »وأعلم تماماً أن العمل السينمائي يحتاج الى صبر طويل ويستغرق فترة طويلة«.
فعلاً استغرق العمل على فيلم الشهابي الذي لا تصل مدته إلى الساعتين (ساعة و45 دقيقة) سنة كاملة، وتم تصويره في مواقع مختلفة في البحرين، إذ منه ما صُوِّر في ضاحية اللوزي وقلعة أحمد الفاتح في الرفاع، كما تم تصوير باقي المشاهد في عمان، مدينة صلالة وضلكوت تحديداً.

وكما يذكر الشهابي في حديثه إلى الصحافيين »كان إنتاج الفيلم متعباً لكن اصرار جميع أفراد طاقم العمل على اتمامه ذلل جميع الصعوبات، وسهل إنتاج الفيلم«.

يتناول فيلم »حباب وكلاب الساحر« العائلي مغامرة مشوقة ومثيرة، يعيشها الأطفال مع »حباب« الفتى الطيب، المحب للخير الذي يسافر طلبا للعلم بحسب رغبة والده، وهو على رغم معارضة والده لما عاد به اليه فإنه يتمكن من أن يحقق منفعة كبرى من ذلك العلم. وأكثر ما يميز العمل اضافةً الى الدروس القيمة التي يقدمها إلى الأطفال، هو العودة الجميلة للفنان محمد ياسين (بابا ياسين) الذي جاء في دور الراوي لحوادث الفيلم. هذا الفنان المبدع الذي يمكن الجزم بتعلق كثيرين من أطفال الخليج به وهو صاحب الخبرة الطويلة التي تمتد ثلاثين عاما في مجال تقديم أعمال الأطفال.

كذلك ضم نخبة من أبرز الممثلين المسرحيين الذين يتألقون جميعا بأداء رائع جميل على رغم كون العمل أولى تجاربهم السينمائية. وهم يبررون ذلك بقرب الأداء السينمائي من المسرحي على عكس ذلك المقدم في دراما.

يبرز من بين هؤلاء حسين العلوي في دور المهرج جوجو، الذي استطاع بخفة ظله ورشاقة حركاته لفت انتباه مشاهدي الفيلم، كما ظلت الصالة تمتلئ بضحكات الصغار والكبار كلما ظهر على الشاشة. »جوجو« أو العلوي قدم عدداً من الأغنيات الجميلة التي أضفت على الفيلم جواً مرحاً وممتعاً يبهج المشاهدين الصغار. كذلك تتألق غادة الفيحاني في دور امرأة عجوز تقطن الغابة يلتقيها »حباب« في بداية مشواره لتقدم إليه نصيحة مهمة.

كذلك تميز الفيلم بتحقيقه مفهوم العمل الخليجي المشترك، على رغم كونه ريادة بحرينية، فـ »حباب« هو الممثل السعودي أحمد الحسن، كما يشترك في العمل عدد من الممثلين العمانيين.

لاتزال سينما الدانة تعرض »حباب وكلاب الساحر« ولايزال الاقبال على مشاهدته كبيرا من الجمهورين البحريني والخليجي، كما يفترض أن يتم عرضه قريبا بدور العرض العمانية، تحديدا في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل بينما يفترض عرضه في دولة قطر في عيد الأضحى المبارك. ولاتزال مؤسسة المسرح الأهلي تنتظر نجاح عملها هذا لتفكر في تقديم انتاج آخر يؤكد الشهابي انتهاءه من كتابة السيناريو الخاص به، وهو الذي خاض لحد الآن تجربتي كتابة سينمائيتين تعد هذه ثانيهما بينما جاءت الأولى العام 1994 في فيلم الرعب »بيت الجن«.

الوسط البحرينية في 1 نوفمبر 2006

 

سينماتك

 

"النها" تحاور كلود شابرول لمناسبة صدور "سكرة السلطة":

الساسة أينما كانوا ينتهجون أساليب الفساد والطغيان نفسها.. لأعترف أني ارتكبت حماقات وأخرجت عدداً قليلاُ من الأعمال الرديئة.. إذا فشل أحد أفلامي أقول بئس المنتج الأبله الذي غامر بتمويله

هوفيك حبشيان

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك