نجح دريد لحام في أيام الولدنة في تقديم صورة واقعية لما تقوم به أجهزة الأمن العربية بحق الإنسان العربي

تتابع الدراما العربية في رمضان، وللعام الثالث على التوالي.. التركيز على موضوع الإرهاب كموضوع أساسي من موضوعات عدد من المسلسلات التلفزيونية لهذا العام.

فبعد أن كنا في العام 2004 مع مسلسل "الطريق إلى كابول" الذي حاول كاتبه الأردني جمال حمدان، ومخرجه محمد عزيزية لأول مرة، أن يقدما قراءة درامية في ظاهرة الأفغان العرب، وعلاقتهم بحركة طالبان وبالمخابرات الأمريكية التي شجعت جهادهم ضد السوفييت من قبل... وهي محاولة وئدت على الهواء مباشرة؛ إذ تم إيقاف العمل الذي أنتجه تلفزيون قطر، وعرضته (إم.بي.سي) ولكنها أوقفته بعد عرض ثماني حلقات فقط.

وبقيت الأسباب الحقيقية لإيقافه مجهولة، رغم اتهام القناة التي عرضته لتلفزيون قطر بعدم تزويدها بباقي الحلقات باعتباره الجهة المنتجة، ورغم زعم تلفزيون قطر بتلقيه تهديدات من إحدى المنظمات المسلحة التي نسب إليها بيان حافل بالتهديدات لكل من شارك بالعمل، فإن حضور موضوع الإرهاب في الدراما العربية تجدد في العام التالي 2005، من خلال سلسلة من الأعمال، كان أبرزها "الطريق الوعر" لكاتب مسلسل "الطريق إلى كابول" نفسه، ومن إخراج التونسي شوقي الماجري.. وهو مسلسل استوعب محاذير سلفه الموؤد في العلب، فعمل على العودة إلى موضوع الأفغان العرب نفسه، لكن من خلال تقديم دراما بلا جغرافيا، وبلغة عربية فصحى بعيدة عن تحديد أية لهجات تجنبا لإثارة الحساسيات الرقابية، وضغوطات الاعتبارات السياسية التي قد تتحكم بالعرض والتوزيع.

ثم ظهر مسلسل "الحور العين" الذي أنتج بأموال ودعم سعوديين، والذي أخرجه المخرج السوري نجدت أنزور عن نص للدكتورة هالة أنيس دياب، ساهم في مراجعته الممثل الأردني جميل عواد، وأشرف على الجانب الديني فيه السعودي عبد الله بجاد.

وفيه حاول صناع العمل، من خلال استعراض نماذج 4 أسر عربية تعيش في مجمع سكني واحد (مصرية وسورية ولبنانية وأردنية)، التركيز على أخطاء التربية والعنف المنزلي التي تقود بعض الشباب لسلوك سبيل الإرهاب والتطرف كما أراد أن يقول العمل، إنما وسط طغيان الحبكات الفرعية على الخط الرئيسي، وحمى الحوارات والمشاجرات المنزلية المكررة، والتطويل الإنتاجي، مع غياب التمثيل الفعلي لنموذج الأسرة الخليجية التي يفترض أن المسلسل يتوجه إلى أبنائها أولا، مستعيضا عن ذلك بحضور المسجد الذي تتجاذب ساحته الجماعات المتطرفة، والشيخ الإسلامي المستنير والمعتدل في حوارات ذهنية عن التكفير والتنوير!.

نفاق "المارقون"

وقد عاد نجدت أنزور هذا العام، ليعزف على نغمة الإرهاب الرائجة إنتاجيا هذه الأيام، من خلال مسلسله الأحدث "المارقون" الذي عرضته حصريا قناة (L.B.C) اللبنانية في شهر رمضان، وقد قسم أنزور مسلسله هذا إلى عشر ثلاثيات، كل ثلاثية تروي قصة تتمحور حول الإرهاب وتداعياته في العالم العربي، أو على العرب في الخارج... وقد ساهم في كتابة قصص المسلسل عدد من الكتاب السوريين والعرب، نذكر منهم: د. هالة دياب وإيمان السعيد وعبد المجيد حيدر وحسن يوسف.

طبعا ما زالت مشكلة التطويل تطل برأسها في هذا العمل الذي لا تصلح معالجات بعض قصصه إلا أن تكون فيلما تلفزيونيا في حلقة واحدة وليست ثلاثية.

أما المشكلة الأساسية في هذا العمل فهي النظرة النمطية الجامدة التي تطلق الأحكام المسبقة على كل ما له علاقة بالجانب الإسلامي في المجتمعات العربية؛ ففي ثلاثية "بين جبهتين" مثلا للكاتب حسن يوسف نرى أن بطل العمل يتجه إلى الجامع بعد فشله عاطفيا... والسؤال: ألا يمكن لأي شاب أن يتجه للجامع في ظروف طبيعية تتوافق مع ما يؤمن به، أو ما يعتقده في سلوكه التعبدي... ولماذا تصوير كل من يتجه إلى الجامع تصويرا مأزوما قائما على حالة اضطراب أو فشل؟!.

وبعيدا عن هذا التنميط الذي اعتادت عليه الدراما العربية عموما في تقديم صورة الإسلامي، فإن مسلسل "المارقون" يقدم لنا صورة شديدة النفاق والتزوير لأجهزة المخابرات العربية، ومنها مثلا استعانة أجهزة المخابرات بدكتورة جامعية في علم النفس للمساعدة على حل المشكلات الأمنية التي تعترضهم.. ناهيك عن أسلوبهم المهذب الرقيق في الاستجواب، والذي يجعلك تشك أنك أمام محققين عرب، يعرف القاصي والداني كيف يستنطقون المتهمين الذين يقعون تحت أيديهم، وأي أذى وامتهان لكرامة الإنسان يلحقونه بمن يقع تحت دائرة الشبهات الأمنية، ولعل أوضح الأمثلة على ذلك قصة السوري "ماهر عرار" وفضيحة التعذيب التي تعرض لها حين رحِّل إلى بلده قسرا.

الغلبة لرأي الأمن

طبعا قضية الإرهاب تحضر هذا العام في الدراما والكوميديا معا؛ ففي المسلسل السوري "أحقاد مخفية" للكاتب يوسف عرور والمخرج مروان بركات، ثمة خط درامي عن الإرهاب ضمن بانوراما من عالم الفساد الذي يعرض له العمل، ورغم حيوية بعض الخطوط الدرامية الأساسية في العمل، فإن خط الإرهاب لا يكف عن تنميط صورة الإسلامي وتجريده من البعد الإنساني والدرامي لصالح الشعار الذي يعبر عن رأي أجهزة الأمن ورؤيتها المفضلة لكيفية تصوير الإرهابي المطلوب.

والواقع.. فالكوميديا التلفزيونية كانت أصدق وأكثر مرونة وجاذبية في التطرق لقضايا الإرهاب هذا العام.. رغم أن واقع الحال يقول إن الدراما يجب أن تكون هي المكان الملائم لمعالجة مثل هذه القضايا.. ففي الجزء الرابع عشر من سلسلة "طاش ما طاش" للفنانين السعوديين ناصر القصبي وعبد الله السدحان، ومن إخراج عبد الخالق الغانم.. ثمة رؤية كوميدية ساخرة وخفيفة الظل لعوالم الجماعات الإرهابية، من خلال قيام إحدى الجماعات بتحقيق تجربة تلفزيون الواقع لاختيار أفضل إرهابي ضمن برنامج "إرهاب أكاديمي"، والحلقة المذكورة التي تعرضت لانتقاد شديد اللهجة في الصحافة السعودية تقدم الكثير من الإشارات الساخرة والانتقادية بروح فكهة، لكن دون غوص في العمق أكثر مما تحتمله المعالجة الكوميدية أصلا.

"دريد" يشذ عن القاعدة

أما مسلسل الفنان دريد لحام الجديد (أيام الولدنة) الذي كتبه حكم البابا، وأخرجه مأمون البني... فهو يكاد يشذ عن قاعدة مغازلة أجهزة المخابرات العربية، وتصوير رقيها المزعوم في تعقب هذه (الفئة الضالة)، ومحاولة إعادتها إلى جادة الصلاح وحب المجتمع بالحسنى(!!!)؛ إذ يصور في بعض الحلقات كيف يتحول تجمع بريء لمجموعة رجال يلتقون بهدف ممارسة الألعاب الصبيانية في أحد الشوارع إلى تهمة تنظيم إرهابي، يتم انتزاع اعترافات أعضائه تحت الضرب والتعذيب، والتهديد باستخدام الكهرباء والدولاب وبساط الريح والكرسي الألماني.. وكيف تتم فبركة الاتهامات الإرهابية لحل أي مشكلة أمنية أو تعقيدها، مع التأكيد على ضرورة أن يكون الزي الموحد للإرهاب هو الزي الإسلامي حصرا !.

وفي هذا يسجل لمسلسل "أيام الولدنة" شذوذه عن قاعدة النفاق في ممالأة أجهزة الأمن العربية؛ فهو يتحلى بقدر مدهش وغير مسبوق من المشاكسة والجرأة في تصوير خفايا الألاعيب المخابراتية التي تكاد تتحكم بكل كبيرة وصغيرة في حياة المواطن العربي، وتجعل منه ألعوبة حين يتصل الأمر بتهمة الإرهاب!.

وقصارى القول: فموجة الإرهاب في الدراما التلفزيونية العربية مستمرة ومؤهلة للمزيد، وهي تكاد تتحول إلى فن خاص للتعبير عن رأي أجهزة الأمن وتلميع صورتها؛ إذ لا أحد يقول في هذه المسلسلات شيئا عن دور غياب الديمقراطية في تفريخ الإرهاب والتطرف، وعن دور الفساد وانهيار دولة المؤسسات والعنف الذي تمارسه بعض الأنظمة على مواطنيها، في حمل بعض هؤلاء المواطنين إلى الجهاد ضدها باسم الإسلام؛ بحثا عن حياة أخرى.

* نقلا عن صحيفة القدس العربي بتاريخ 28/10/2006.

** كاتب سوري.

إسلام أنلاين في 29 أكتوبر 2006

 

«العندليب حكاية شعب» .. الشخصيات العامة فـي الدراما

نزيه أبو نضال 

بعد أن أسدل الستار على كرنفال رمضان للإعلانات والمسلسلات بات بالإمكان الحديث عن بعض ما تابعناه، ومنها مسلسل عبد الحليم حافظ الذي استحوذ مبكرا، ومنذ برنامج العندليب من يكون؟ على اهتمام الكثيرين، رغم أن نتيجة السباق الماراثوني آنذاك كادت أن تكون معروفة سلفا، من قبل اللجنة والجمهور، بنجاح شبيه عبد الحليم الشاب شادي شامل.

يبدو أن كاتب دراما العندليب السيناريست مدحت العدل كان مسكونا، وهو يعد عمله، بهاجس مسلسل أم كلثوم، وهو في رأيي الدراما الاستثنائية غير المسبوقة في تاريخ الفن العربي المعاصر، سواء على مستوى تقديم الشخصية أو على مستوى المضامين الاجتماعية والفكرية والسياسية التي وضع تاريخ أم كلثوم في سياقها.. حيث حقق أقطاب العمل: محفوظ عبد الرحمن وإنعام محمد علي وصابرين وحدة إبداع جدلية مدهشة بين الذات المفردة والموضوع العام، وهو ما حاول العدل والمخرج جمال عبد الحميد تحقيقه دون نجاح يذكر، حيث شاهدنا بديلا لذلك مسلسلين مكتملين بتذكرة واحدة: مسلسل يتناول سيرة عبد الحليم وآخر يتناول سيرة ثورة عبد الناصر، ولعل الأمر، حتى بالنسبة للقائمين على العمل، قد بات أكثر من واضح على هذا الخلل المخجل في البناء الدرامي.. فجرى الاحتيال على ذلك بتوليف اسم جديد فصار لآالعندليب.. حكاية شعب''، صحيح أن العدل/عبد الحميد حاولا إيجاد بعض خطوط التقاطع لجعل المسلسلين واحدا، ولكن بلا جدوى تذكر.. فقد كنا ننسى مسلسل عبد الحليم ونحن نتابع مسلسل عبد الناصر وبالعكس. وهذا هو الخلل الفني القاتل الذي ضيع الجهود الهائلة التي بذلت لإنجاح المسلسل.

إلى جانب ذلك يطرح مسلسل عبد الحليم حافظ قضية التناول الدرامي للشخصيات العامة، وعن مدى حق القيمين على العمل بالتلاعب بالأحداث والوقائع والتواريخ خدمة لمتطلبات العائلة أو حتى لمتطلبات الدراما؟!

والأمثلة على ذلك لا تحصى سنكتفي منها بواحدة أمتلك أنا نفسي شهادة مبكرة عليها، وهي نفي دخول عبد الحليم حافظ إلى ملجأ للأيتام بالزقازيق.. فقد أخبرني الشاعر أحمد فؤاد نجم ذلك في السبعينيات حيث كنت ألتقيه في سهرات الشيخ إمام في حوش أدم بالغورية، فقد قال ردا على انتقادي لسخريته الحادة من حليم ما نصه: ''دا عبد الحليم حبيبي، وكنا سوا سنين بملجأ الأيتام بالزقازيق، وأنا لما بغني ''لماليمو الشخلوع الدلوع'' عاوز أسخر من نظام عبد الناصر اللي بمثل عبد الحليم أحد أبواقه'' وحقيقة وجود عبد الحليم في الملجأ سبق وأكدها عبد الحليم نفسه في أكثر من لقاء صحفي.

إن إلغاء هذه الحقيقة واستبدالها بمعلومة مزيفة عن تردد عبد الحليم على الملجأ لتلقي دروس في الموسيقى لا يساعد على تصوير حجم المعاناة والبؤس التى عاناها في طفولته وبالتالي في تفسير هذا المزاج العاطفي الحزين الذي صبغ تجربته الفنية.

لقد سبق لنا في مقالة سابقة في الرأي أن تناولنا «العندليب» من زاوية عملية الاستنساخ من مسلسل أم كلثوم وبما يتصل بأبسط التفاصيل، من زمن الطفولة إلى قمة النجاح.. من استخدام صندوق الغناني (الغرامافون) والراديو ، إلى وصول المغني المفضل عبد الوهاب إلى بلدة عبد الحليم (الزقازيق) تماما كما وصل المغني المفضل الشيخ أبو العلا إلى قرية أم كلثوم كما ..وكذلك عن دور عبد الناصر وحرب فلسطين الخ..

تتشابه التفاصيل والأدوات وبالتالي المؤثرات نفسها، رغم أن الفارق الزمني بين الاثنين هو ربع قرن بالتمام والكمال (أم كلثوم 1904-1975) وعبد الحليم حافظ (1929 - 1977).

ولكن إلى جانب هذه الملاحظات على أهميتها ثمة جهد طيب وكبير يقف خلف العمل، وبمعزل عن دوافعه التجارية والتسويقية، وحتى بمعزل عن مدى التوفيق الفني في توظيف هذا الجهد إلى دراما ناجحة على مستوى الفن.. فقد تمت عملية إحاطة شاملة بالتجربة الشخصية في حياة عبد الحليم شبانة (حافظ لاحقا) وإسماعيل شبانة وعائلته، كما في السياق الاجتماعي الفكري السياسي الثقافي الفني لتلك المرحلة عبر عناوينها الكبرى: الاحتلال، القصر، الأحزاب، الاخوان المسلمون وحسن البنا، اليسار المصري، حرب فلسطين وعبد الناصر وثورة الضباط الأحرار، الريف والمدينة، عبد الوهاب وأم كلثوم، والفنانون والشعراء من مجايليه، ثم احسان عبد القدوس، السينما ... تأميم القناة، عدوان السويس، الوحدة مع سوريا، حرب حزيران، استقالة ناصر، قضية المشير عامر، السادات، حرب الاستنزاف، مرض وموت عبد الناصر.. الخ ..

وبالطبع ليس من السهل فنيا توظيف كل هذه الأحداث وبمثل هذا الحشد الهائل من الشخصيات في دراما تلفزيونية، وهنا لا بد أن نسجل التوفيق الملحوظ في اختيار معظم الممثلين المعروفين والجدد لتأدية أدوار هذا العدد الكبير من المشاهير، والذين تميز منهم بوضوح الذين أدوا أدوار عبد الناصر(مجدي كامل) والسادات (محمد نصر) والموجي (مفيد عاشور) وكمال الطويل (حلمي فودة) وجاهين (محمود عبد الغفار) والأبنودي (محمود البزاوى) وأمل دنقل (يوسف عيد) وحسن البنا (عمرو عبد الجليل) وشادية (داليا إبراهيم) وعبد الوهاب (أيمن عزب) .. الخ..

ولا بد هنا من أن نسجل أن شبيه عبد الحليم الشاب شادي شامل كان من العناصر الأكثر توفيقا في العمل، قياسا لتجربته الفنية، خاصة بعد أن تجاوز رهبة الحلقات الأولى.. فقد استطاع اقناعنا لفترة طويلة أنه هو هو عبد الحليم حيث كاد أن يتقمص روحه، ولكن في السنوات الأخيرة من حياته لم يساعده المكياج ولا الإخراج باقناعنا أننا أمام رجل في الأربعينات لا شاب في العشرينات، ولا بد أن يسجل في حقل التفوق بالطبع المتميزة دائما عبلة كامل في دور علية، وكمال أبو رية في دور الفنان اسماعيل شبانة شقيقي عبد الحليم.

في دراما العندليب ولأسباب سياسية نفهمها إيجابا، على صعيد الموقف لا الفن، فإن الكاتب ظل مشدودا إلى التجربة الناصرية، والغوص فيها فتأخذه إلى تفاصيل العلاقات داخل مجلس قيادة الثورة والى تفاصيل الوحدة والانفصال عن سوريا، بعيدا عن تجربة العندليب، وهي الموضوع المباشر، وكان الأولى أن يذهب أعمق إلى تفاصيل تجربة عبد الحليم الحياتية والفنية، واستكمال الصورة بالدخول إلى حيوات مجايليه: الموجي والطويل وبليغ والأبنودي ودنقل وشادية وسعاد حسني التي لا نعرف هل ارتبط معها بعلاقة بل وتزوجها كما يردد المقربون وكما يلمح مسلسل السندريلا، أم لا، كما يصر مسلسل العندليب؟!

لقد كان أولى بدراما العندليب أن تشتغل على هذين البعدين بديلا عن الانصراف نحو القضايا العامة، فمن شأن ذلك لو تم أن يفتح وينسج أبعادا إنسانية أوسع وأكثر تماسكا فنيا،وبما يضيء تجربة عبد الحليم حافظ نفسها، وربما أنقذت المسلسل من كل هذه الملاحظات، ولكن يبدو أن تجربة مدحت العدل المحدودة في حقل كتابة الدراما التلفزيونية (مسلسل محمود المصري) لم تسعفه، ولم يستطع المخرج جمال عبد الحميد بالتالي أن يفعل شيئا، رغم نجاحه الملحوظ في مسلسلات زيزينيا وريا وسكينة وبنت من شبرا.

وفي كل الأحوال ورغم كل الملاحظات فقد قضينا مع مسلسلي العندليب وعبد الناصر رفقة طيبة ومفيدة، في شهر مزدحم بمسلسلات لا تستحق عناء المشاهدة، وتحمل ما يبث معها من إعلانات!

nazihabunidal@hotmail.com

الرأي الأردنية في 30 أكتوبر 2006

ضوء ... السينما واليهودي الذي يحتقر ذاته

عدنان مدانات 

من المعروف تاريخيا أن ثمة موقفاً عنصرياً شعبياً أوروبياً مضاداً لليهود، والسبب لا يخفى على أحد ويتعدى الرواية التاريخية المرتبطة بدور اليهود في صلب السيد المسيح نحو استنكار ممارسات واقعية تتخصص بالديون الربوية اشتهر بها اليهود، تمتد عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، وكان شكسبير أول من أفصح صراحة عن احتقار هذه الممارسة المتجذرة في الشخصية اليهودية من خلال شخصية المرابي اليهودي شايلوك في مسرحيته الشهيرة “تاجر البندقية”.

على الرغم من ذلك فإن السينما الأوروبية و الأمريكية تبرهن باستمرار على أنها تحت سيطرة أحفاد شايلوك، ولهذا السبب لم تجرؤ السينما الأوروبية والأمريكية على فعل ما جرؤ على فعله في أواسط القرن السادس عشر المسرحي الإنجليزي شكسبير عندما عمم مواصفات اليهودي الجشع عبر شخصية المرابي شايلوك الفاقد لإنسانيته لدرجة التحول إلى وحش بشري.

يوجد في السينما الأمريكية استثناء واحد يرتبط بالموقف الساخر من الشخصية اليهودية ويتسم بصراحة خاصة، موقف جاء موقعا من قبل ممثل، مؤلف ومخرج يهودي المولد لكنه غير يهودي الانتماء بتأثير من والده اليساري الاشتراكي النزعة، عبّر عنه في أواسط سبعينات القرن العشرين في فيلم “آني هول” الذي لعب فيه أيضا الدور الرئيسي.

يبدأ فيلم “آني هول”، بمشهد للمخرج وودي آلان نفسه في دور ممثل يقف أمام الجمهور ويتطلع للشاشة مباشرة ويخاطب مشاهدي الفيلم كما لو أنه في لقاء مباشر معهم. وهو يروي مجموعة نكات للمشاهدين، النكتة الثانية منها فيها إشارة واضحة للشخصية اليهودية يعبر وودي آلان من خلالها بشكل ساخر عن عزلة اليهودي اجتماعيا وواقع احتقار اليهودي لنفسه. يقول وودي آلان: “النكتة الأخرى المهمة بالنسبة لي، هي التي تعزى عادة للممثلين الكوميديين الأخوة غروشو ماركس، لكني أعتقد أن أساسها الأصلي يرتبط بآراء فرويد حول “الوعي وعلاقته باللاوعي”، والتي تعبر عنها النكتة التالية: “أنا لا يمكن أن أوافق أبدا على الانضمام لأي ناد يمكن أن يقبل شخصا مثلي عضوا فيه””.

ففي هذا الفيلم الذي يتضمن مشاهد كثيرة يعود فيها المخرج إلى ذكريات طفولته ونشأته في كنف أسرة يهودية، وهي مشاهد تتضمن إشارات ساخرة ناقدة تفضح تفكك التقاليد اليهودية وعيوب الشخصية اليهودية، يؤدي وودي آلان دور اليهودي المهزوز الشخصية والذي لا ينسجم مع العالم من حوله و يعاني من عجزه عن الاتصال مع الآخرين وهذا ما يعكس نفسه في فشله في إقامة العلاقات مع النساء. وحين ينجح في إقامة علاقة مع فتاة أمريكية فهو لا يجد وسيلة لقضاء الوقت معها وتسليتها وصولا إلى إغوائها، غير اصطحابها لحضور فيلم في إحدى صالات السينما يدور موضوعه حول الاضطهاد النازي لليهود، وهو يظل يكرر دعوتها لحضور ذات الفيلم في كل مرة. وفي ليلة وبعد عودتهما من المشاهدة الثالثة لنفس الفيلم يظن إنها باتت جاهزة للاستلام لرغبته في ممارسة الغرام معها غير انها تصده وتعرض عن مداعباته مبررة بذلك بأنها لا ترغب في ذلك لأنها حزينة حيث صارت تسيطر عليها مشاعر عقدة الذنب تجاه اليهود بعد مشاهدتها للفيلم عدة مرات، فلا يستغرب ذلك بل يجيبها ساخرا بان هذا بالضبط هو المطلوب وهذا هو الغرض من إنتاج مثل هذه الأفلام.

وفي حين فاز هذا الفيلم في حينه بست من جوائز الأوسكار على الرغم من سخريته من اليهود، وربما كان شفيعه في ذلك أن المخرج يهودي ونجم من نجوم السينما الأمريكية، فإن الفيلم الأوروبي الوحيد الذي لم يعان من عقدة ذنب تجاه اليهود و خصص موضوعه للصراع العربي “الإسرائيلي”، محاولا أن يكون موضوعيا في طرحه لوجهة نظره التي لم تخل من التعاطف مع الفلسطينيين، ووجه بحملة عنيفة ضده من الأوساط اليهودية الصهيونية ومن الواقعين تحت تأثيرها من الأوروبيين، ناهيك عن الأمريكيين. وهذا الفيلم هو “هانا 00 ك” للمخرج الفرنسي اليوناني الأصل كوستا غافراس، وهو المعروف بنزعته اليسارية وباختيار بعض مواضيع أفلامه بالعلاقة مع الحركات السياسية والثورية اليسارية و القضايا السياسية المرتبطة بها، والذي أعطى البطولة فيه للممثل الفلسطيني الأصل محمد البكري في دور الفلسطيني الذي يسعى لتأكيد حقه التاريخي في أرضه وبيته في فلسطين المحتلة وتتضامن معه وتدافع عنه محامية “إسرائيلية”، وهو موقف مارسته بقناعة تتناقض مع السياسة “الإسرائيلية”” وحتى مع قناعة وموقف زوجها الصهيوني النزعة.

لم يظهر بعد فيلم كوستا غافراس هذا أي فيلم أوروبي آخر فيه إشارات لليهود لا يلزم نفسه بالتعبير عن عقدة ذنب تجاه اليهود، بل تكاثرت الأفلام الأوروبية، والمصرة على تحميل الأوروبيين معاناة عقدة الذنب، بما يقود ضمنا إلى مناصرة الدولة الصهيونية أو على اقل تقدير، تأييد أيديولوجيتها. ومن المفيد هنا أن نشير إلى أن بعض الأفلام الأوروبية الممهورة بتوقيع مخرجين كبار، مثل جوزيف لوزي (فيلم “مسيو كلاين”) وفرانسوا تروفو(فيلم” المترو الأخير”) ولوي مال (فيلم “وداعا يا أطفال”) وغيرهم من المخرجين الأوروبيين والذين لم ترق أفلامهم هذه إلى مستوى سمعتهم كمخرجين مبدعين.

والمفارقة هنا أن ما تعكسه الأفلام الأوروبية من مواقف لتحقيق هذا الغرض، لا يجد تعبيرا عنه أو دعما له في المواقف الشعبية الأوروبية المتابعة أو المتفاعلة مع الأحداث السياسية لا سيما منها المتعلقة بالصراع في الشرق الأوسط والتي تتميز بتزايد مظاهر الاحتجاج الشعبي الأوروبي على السياسات العدوانية “الإسرائيلية”” ضد فلسطين ولبنان، تلك المظاهر التي تنقل صورها يوميا شاشات التلفزيون العالمية ولا تجد مكانا لها في الأفلام السينمائية، ذلك لأن التعبير عن عقدة الذنب تجاه اليهود التي تعكسها الأفلام الأوروبية، على الأغلب، أمر مفروض على السينما وشركات الإنتاج في أوروبا فرضا من قبل الحركة الصهيونية العالمية وممثليها في شركات الإنتاج والتوزيع وحتى وسائل الإعلام بكافة أنواعها، وليس نتاج مشاعر طبيعية وقناعات صادقة.

الخليج الإماراتية في 30 أكتوبر 2006

 

السيرة الذاتية للمخرج الاميركي كابرا .. الاسم فوق العنوان

عمان ـ ناجح حسن 

يعتبر فرانك كابرا( 1897- 1991) من ابرز المخرجين السينمائيين في عالم هوليوود ، وهو الذي ذاع صيته واشتهر بأعماله السينمائية المتنوعة التي تركت صبغتها على المشهد السينمائي بالولايات الاميركية المتحدة وكانت بمجملها دروسا في التثقيف السينمائي ونبراسا لكل مخرج اختار صناعة الأفلام حرفة له ليس في أميركا فحسب وإنما في سائر أرجاء العالم من هنا اهتمت مدارس وتيارات عالمية بأعماله التي عدت مدرسة راقية في الإلهام السمعي البصري وهو المخضرم الآتي من السينما الصامتة إلى الناطقة وفي جعبته قائمة كبيرة من الأفلام المتفاوتة الطول والنوع والعديد منها غدا اليوم من اشهر الكلاسيكيات العالمية مثلما هو في أفلام : '' السيد سميث يذهب إلى واشنطن '' ، '' السيد ديد يذهب إلى المدينة '' ، '' لا يمكنك أن تأخذها معك '' ، '' ، '' ، ''حصل ذات ليلة '' ، و '' إنها حقا حياة رائعة''.

لقد جسدت تلك الأعمال مجتمعة حال المجتمع الاميركي في أكثر من محطة وعدها النقاد وعشاق السينما منارات تحاكي عبر شخصياتها ألوانا من عناصر البطولة والتصميم في الارتقاء والتفرد بعد طول معاناة بلغة بليغة ومقنعة دون الإبهار الهوليودي المعهود وتلامس الواقع بفرادة ومهنية عاليتي المستوى وهو المخرج الذي استطاع بفطرته وإمكانياته البسيطة الولوج إلى أضواء الفن السابع ويحفر من اسمه علما في هذا المضمار وما زالت أعماله تلقى الرواج والاحتفاء في العديد من المناسبات السينمائية العالمية.

حديثا صدرت عن دار الانتشار العربي في بيروت الترجمة العربية الكاملة لكتاب يتضمن السيرة الذاتية الوافية للمخرج كابرا تحت عنوان '' فرانك كابرا ـ الاسم فوق العنوان '' الذي يقع في 900 صفحة من القطع الكبير ويشتمل على ثلاثة وعشرين فصلا هي محطات أساسية في حياة كابرا الغنية بالتفاصيل والعلاقات المميزة والمتفاوتة الأهمية مع عدد وفير من العاملين في هوليوود ولا سيما أولئك الشخصيات اللامعة من مخرجين ونجوم وتقنيين كانوا قد تركوا بصمتهم على العصر الذهبي للسينما الاميركية بشكل خاص والفن السابع عموما .

تجيء أهمية الكتاب الذي حظي وقت صدوره العام 1971 بالمراجعة الواسعة في كبريات الصحف والمجلات والمطبوعات المتخصصة نظرا لما يكشف فيه المؤلف / المخرج فرانك كابرا كواليس العمل داخل هوليود وتلك التفاصيل الدقيقة التي عاشها نفر من الشخصيات السينمائية في رحلة الصعود والهبوط إلى عالم هوليوود عدا عن كونه يرسم صورة واقعية عن حال هوليوود في فترة مبكرة من عمرها بلوغا إلى ما وصلت إليه من ذروة النجاح العالمي .

يسرد فرانك كابرا سيرته الذاتية بقالب من التشويق الممتع والفريد وفيه يقترب كثيرا من الكفاءة والبراعة المستمدة من قدرته على الكتابة السينمائية التي اشتغل عليها في أفلامه الكثيرة والمطعمة بروح المفارقة والدعابة الذكية والمواقف التي تأسر القاريء العادي والمهتم ، فالقصص التي ينثرها كابرها على صفحات الكتاب تحمل جاذبية الرجل الخبير والحاذق آلاتي من صميم الأحداث والشخصيات خاصة وأن المؤلف /المخرج كابرا كان على اتصال وثيق مع العديد من القامات السينمائية والاجتماعية الرفيعة المكانة والأهمية في الولايات الاميركية المتحدة بدءا من ماك سينيت وشارلي شابلن وباستر كيتون إبان السينما الصامتة وانتهاء بعصرها الذي اصطلح على تسميته بالذهبي أيام عمله إلى جوار أسماء النجوم كلارك غيبل وجيمس ستيوارت وكاري جرانت وجاري كوبر وبربارة ستانويك وسواهم كثير من رجالات السياسة في المجتمع الاميركي مثل الجنرال ايزنهاور والجنرال جورج مارشال خلال الحرب العالمية الثانية حين تولى الإشراف على سلسلة أفلام وثائقية تتحدث عن الحرب تحت عنوان ى'' لماذا نحارب''.

سيرة كابرا أشبه ما تكون بفيلم من توقيع كابرا نفسه فقد حذر القاريء منذ الصفحات الأولى للكتاب بأنه لا يسرد سيرة ذاتية بقدر ما يناقش أوضاعا وأحوالا ووقائع لعالم هوليوود وموثق بالإشارة إلى الأسماء والتواريخ والشهود في استعادة لأبرز المحطات من ذاكرته البعيدة والقريبة وكلها تشهد على عصر هوليوود بكل ما يختزنه من دفء وبرود وحرارة وجفاء بالعاطفة ودعابة وزيف بالمشاعر وإنساني حقيقي صادق ومتصدع بالعلاقات .

إذن الكتاب يبدو للوهلة الأولى عن مخرج في حجم كابرا بيد أن الاشتباك مع صفحات الكتاب يقود القاريء حتما إلى نواحي أخرى لا تقل عنفوانا وأهمية وهو التأريخ لعالم وقيم والأسس والأحكام التي تسير على نهجها هوليوود في أكثر محطاتها صعودا وهي تمزج التجارة والصناعة بشكل فظ بالفن الحقيقي ويرسمها كابرا في صور حافلة بالشر والفساد والضغينة والمحسوبية والشللية وهي في الوقت ذاته خلية من النشاط والعمل والبحث عن المواهب والطاقات الحقيقية وتمنح الفرصة لأصحابها ببلوغ ذروة المجد لتصل إلى ما هي عليه الآن من حلم وجنة الراغبين في العمل بالفن السابع.

الكتاب فرصة ثمينة لعشاق الفن السابع في متابعة مشوار مخرج سينمائي مثل كابرا من داخل السيستم الهوليودي وإطلالته الذكية على الكثير من الأحداث والتجارب والتحولات التي تعصف بالناس في سبيل اللحاق بعالم المجد والشهرة والأضواء والبهجة الأثيرة بالتنوع والاهتمامات في تفاصيل العمل السينمائي واشكالياته من ناحية ويطلع القاريء على حرفية ومهنية صاحب السيرة وهو يعمل على تثقيف القاريء في الأبجديات الأولى لمحاولة صنع فيلم من ناحية أخرى من خلال الأخذ بيده إلى الإلمام بأساليب الإعداد واختيار الممثلين وكتابة النص السينمائي ومرورا بمراحل التصوير وما يحيط بأجواء العمل ومواقع التمثيل وتلك الحدود الفاصلة بين دراية المخرج ومفاهيم رجال المال وأصحاب النفوذ على الصناعة السينمائية سواء بحدود سطوة المنتج على العمل أو بحظوة ومكانة سطوة الاسم الذي غدا في حالة صاحب الكتاب '' فوق العنوان '' .. دائما وأبدا!

الرأي الأردنية في 30 أكتوبر 2006

 

سينماتك

 

"دراما الإرهاب".. إخفاق متواصل*

محمد منصور**

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك