شعار الموقع (Our Logo)

 

 

نادر تكميل همايون هو ناقد سينمائي إيراني، منغمس في مضمار الثقافة البصرية. وقد إتخذ من باريس مستقراً له منذ مدة طويلة. وهو مدير لمهرجان " بورتريهات من طهران " الذي يُنظم بالتعاون مع " منتدى الصور في باريس " وقد إستمر هذا المهرجان لمدة 40 يوماً، عُرض خلالها 110 أفلام وثائقية طويلة وقصيرة. وهذا إنجاز كبير بحد ذاته سواء للسينما الإيرانية أو لإيران نفسها مُمثلة بمدينة طهران التي عرفت كيف تقتنص هذه الفرصة الذهبية لتقدّم عصارة ذهنها على صعيد الثقافة البصرية التي تُعد بحق لغة العصر الأكثرذيوعاً، ويسراً، وسهولة. صدر للمؤلف والناقد السينمائي نادر همايون خمسة كتب قيّمة وهي على التوالي: ألفريد هتشكوك، سيرجيو ليون، كارل ثيودور دراير، تمرين في كتابة السيناريو، والسينما الوثائقية. وللتعرف على مهرجان " بورتريهات من طهران " إلتقته " سينمائيون " في باريس، وكان معه هذا الحوار.

  • كيف إنبثقت في ذهنك فكرة إقامة مهرجان كبير يتخذ من ملامح مدينة طهران محوراً له. وما دور " منتدى مؤسسة الصور في باريس " في تعزيز هذا المهرجان؟

- للإجابة على هذا السؤال لابد من تقديم فكرة سريعة عن مؤسسة " Forum des Images " الفرنسية، إذ أنها تعمل منذ سنوات على تكوين ذاكرة بصرية لمدينة باريس من خلال الصور والأفلام السينمائية الوثائقية التي يتم الإحتفاظ بها في هذا المركز. ولكي يتمكن الباحثون من الإفادة منها، فهم يقومون بتبويبها، وأرشفتها على نحو ممتاز. كما تتبنى هذه المؤسسة إقامة المعارض الفنية، والمهرجانات السينمائية في الإتجاه ذاته. وإنطلاقاً من فكرة أن التعرّف الجيد على بلد ما,لابد أن يقترن بمعرفة المكونات الثقافية لهذا البلد، ولأن الأفلام سواء أكانت روائية أم وثائقية فإنها تقدّم مادة ثرية في هذا المضمار. فقد أنجز المهرجان برامج ومهرجانات لمدن عالمية أخرى مثل برلين، ومكسيكو سيتي، وطوكيو، وروما، وبوينس آيرس. وللمرة الأولى إتجهت المؤسسة إلى الشرق، وصممت على إختيار المدينة الشرقية التي لها سينما عريقة، ويمكن أن يكون لها حضور جيد.

            وسيكون بالمستطاع تقديم برامج سينمائية على مدى أربعين يوماً. وقد قمنا بالإعداد لهذا المهرجان منذ عامين. وجدير ذكرة أن عمر السينما في طهران يبلغ مائة عام، لذا لم يكن الهدف أن نقدم أفلاماً لمرحلة ما بعد الثورة، وإنما كان الهدف أن نقدّم المدينة للمشاهد، أي ألا تغفل تاريخها. فالهدف ثقافي، أي التعريف بالبعد الحضاري والمديني لطهران. وقد وافقت إيران وللمرة الأولى أن تفتح أرشيف الأفلام القديمة، وتضعه تحت تصرف مؤسسة ثقافية غير إيرانية، لذا تسنى لنا أن نعرض 110 أفلام روائية ووثائقية خلال مدة أربعين يوماً. ويمكنني أن أقول إن ما يقارب السبعين بالمائة من هذه الأفلام لم يعرض في أي مكان في العالم قبل الآن. وقد دعونا ضيوفاً كثيرين من إيران. فالهدف أن يعرض الطهرانيون في طهران وجهات نظرهم، وليس أولئك الذين لديهم فنطازيا معينة بخصوص إيران. . إن الهدف ليس سينمائياً بحتاً. . أقمنا وبإبتكار من صحيفة اللوموند الديبلوماسي خمس جلسات حوار تخصصية كانت محاورها كالآتي:

إنجازات السينما الإيرانية بعد الثورة / الهوية الإيرانية / الثورة الإيرانية من منظور سينمائي / المرأة الإيرانية / المجتمع المدني في إيران. وقد دعونا مخرجين ممتازين من إيران أذكر منهم داريوش مهرجوئي، كامران شيردل، وهو الأهم في مجال الأفلام الوثائقية، السيدة رخشان بني إعتماد، مخرجة فيلم " تحت ضوء القمر " وهو أول فيلم يقتحم الحوزات الدينية، إذ يتطرق إلى قصة رجل شاب يطمح أن يكون رجل دين. كما دعونا المخرج ناصر رفاهي الذي شارك في هذا النشاط بفيلمه الشهير " إمتحان " إذ يستعرض مشاكل الفتيات الإيرانيات اللواتي يشاركن في إمتحان الكونكور من أجل الحصول على مقعد في الجامعات. فضلاً عن ذلك فقد وُجهت دعوة لباحثين إيرانيين مرموقين كالأستاذ تكميل همايون المتخصص في مدينة طهران، والدكتور بلوك باشي، الباحث في مجال الإنثروبولوجيا. ومن دواعي الفرح والسرور أن السيدة شيرين عبادي كانت من ضمن المدعوين إلى هذه التظاهرة، وقد وصلها خبر حصولها على جائزة نوبل للسلام في أثناء حضورها إحدى جلسات الحوار، وهذا دليل على أن إختيارنا كان موفقاً. كما أقمنا على هامش المهرجان برامج موسيقية متنوعة تعكس نماذج من الفن الإيراني.

  • كيف كان إستقبال الجمهور الفرنسي لهذه التظاهرة؟

- أستطيع القول إن هذا النشاط هو أحد أكثر نشاطات مؤسسة " Forum Des Images " نجاحاً، فقد إمتلأت صالات المؤسسة كلها بالحضور الفرنسي والإيراني، ولم يخلُ أي برنامج من الحوار الجاد بين الإيرانيين والفرنسيين. لقد أعرب الكثير من الحضور الفرنسي عن فرحهم بهذا النشاط، إذ أن نسبة عالية منهم كانوا من الباحثين والمتخصصين في الحياة الإيرانية. . كما ذكر لي العديد منهم أن البرامج وفرت لهم الإجابة على تساؤلات عديدة كانت تدور في أذهانهم بخصوص المجتمع الإيراني وهذا يعود إلى نوعية الأفلام والبرامج التي تم إختيارها، فالبرامج بشكل عام لم تكن فلوكلورية، وإنما كانت هناك برامج متنوعة تعكس شتى جوانب الحياة في مدينة طهران.

  • شارك في المهرجان مخرجون إيرانيون تبلورت تجربتهم الحياتية والفنية في المهجر كالمخرج بابك شكريان بفيلمه " أمريكا الجميلة " والمخرج سو آبادي بفيلمه S.O.S ، هل تعتقد أن رؤية المخرجين الإيرانيين المقيمين في الخارج تساهم في إثراء مفهوم الهوية الإيرانية؟

- منذ أكثر من مائة عام ترسل إيران بعثات دراسية إلى الخارج من أجل التعليم، إلا أن هذه البعثات لم تكن من الناحية الإجتماعية لم تكن ذات تأثير لأنها إنحسرت على الشباب، أي لم يكن حضوراً للعائلة فيها. كان الطالب يدرس بعض السنين ثم يعود إلى إيران، إلا أننا نشهد ومنذ سنوات ظاهرة الهجرة بلا عودة، والتي إبتدأت في منتصف السبعينات وتضاعفت في سنوات الحرب. هنا نحن إزاء ظاهرة العوائل التي تعيش في مجتمعات مغايرة، ولا تنوي العودة إلى البلد، وعلينا في هذا السياق أن نبحث عن مفهوم جديد للهوية، فيما مضى كنا نبحث عن مفهوم الهوية ضمن سياق آخر. فعلى سبيل المثال يعيش في إيران العربي الإيراني، والتركي الإيراني، والفارسي الإيراني، وأبناء قوميات أخرى، لكننا الآن مطالبون ببلورة وصياغة أخرى لمفهوم الهوية، إذ أن المهاجرين لا يتكلمون اللغة الفارسية مثلما هو الحال مع العربي الذي يعيش في إيران. نحن إذاً أمام جيل جديد لا يعيش في إيران، ولا يتكلم اللغة الفارسية، وكل ما يمتلكه من إيران هو الذكريات والصور، بل أن أغلبية هذا الجيل تعلم اللغة الفارسية في المهجر. في مجال السينما قلما رأيت مخرجين إيرانيين من هذا الجيل لم تتطرق أفلامهم إلى الحياة في إيران، وهكذا هو الحال في المجالات الفنية الأخرى، إذ ثمة تأكيد على الشطر الثاني من الهوية. خذ بابك شكريان مثالاً، إنه شاب في الثالثة والثلاثين من العمر لم يرَ إيران قط، ولد في لوس أنجليس، لكنه أخرج فيلماً يناقش الهوية الإيرانية، كذلك السيدة سبيدة فارسي، لأنها تعيش في فرنسا منذ سنين طوال، وبإمكانها أن تخرج فيلماً فرنسياً بسهولة، لكنه في فيلمها " سفر مريم " الذي صورته في إيران إرتأت أن تتطرق إلى المشاكل التي يعيشها الإيرانيون سواء في المهجر أو في داخل إيران. وهذا دليل على أن الهوية الإيرانية مترسخة حتى في هذا الجيل الجديد الذي لم تتسنَ له فرصة العيش في إيران، كما أن لها خصوصية أخرى هي أنها لا تسلب من هذا الجيل إنخراطهم وإندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة. إن هذه الهوية المزدوجة، أي أن يكون المخرج إيرانياً وفرنسياً في آن معاً تمنح المبدع أن يغذي رؤيته وتجربته الإبداعية من دون أن يفقد هويته الإيرانية. أنا أعرف إيرانيين كثيرين لم يشترطوا اللغة الفارسية على أبنائهم في المهجر، إلا أن الجيل الثاني هذا وبرغبه منه أصر على تعلّم اللغة عبر المعاهد والمؤسسات.

  • برأيك هل تستطيع السينما كفن حي يعكس حاضر الإنسان الشرقي والمشاكل الحياتية أن تكسر حاجز النظرة إلى الشرق عند المشاهد الأوربي كماض جميل؟

- للإجابة على هذا السؤال سأذكر لك أمثلة من آراء الجمهور الفرنسي خلال نشاطات هذا المهرجان. إن أغلبية الفرنسيين الذين حضروا لمشاهدة الأفلام أكثر ما شدهم إلى السينما الإيرانية، خصوصاً في مرحلة ما بعد الثورة الإسلامية، هو تطرقها لمشاكل مشتركة. . كانوا يعربون بإستمرار عن دهشتهم بالرؤية الفنية والجمالية والأخلاقية للمخرجين في تناول مشاكل يعاني منها الفرنسي، كمشكلة الفقر، السكن، البطالة، وتشرّد الأطفال، وهي كما تعلم مشاكل لم تُحل في الغرب أيضاً. إن ما جذب الجمهور الفرنسي للأفلام التي تتطرق إلى المشاكل الإجتماعية هو المعالجة التي إبتكرها المخرج الإيراني بنفسه. . إنه لا يطبق مناهج ونظريات علمية أو شبه علمية تكون محصورة في القرارات الرسمية والبحوث العلمية أو الأكاديمية، بل يدعو المشاهد إلى الإسهام في معالجة هذه الإشكاليات عبر رؤية فنية أخلاقية، وهذه الدعوة، إلى أن يتبنى الجمهور معالجة الإشكاليات التي يعاني منها المجتمع الإيراني تتناسق مع رؤية الناشطين في مؤسسات المجتمع المدني. في الندوة التي تم تخصيصها لمناقشة مسائل وقضايا المجتمع المدني أعربت سيدة ناشطة في هذا المضمار عن تفاؤلها بالمواطن الإيراني في تبنيها لإيجاد حلول للمشاكل الإجتماعية، وأن يكون فاعلاً في هذا المضمار بدل أن يلقي المسؤولية على عاتق الدولة. إن إلقاء المسؤولية على عاتق الدولة في إيجاد الحلول للمشاكل الإجتماعية هي خصوصية شرقية. . ولم تترسخ فكرة أن يأخذ المواطن في الشرق مهامه بشكل لائق بعد، ومن هنا تأتي ضرورة أن يرسم المواطن مستقبله بنفسه، وهذا ما يتم عبر مؤسسات المجتمع المدني، في إيران ثمة آلاف المؤسسات المستقلة عن الدولة يعود تاريخ بعضها إلى مئات السنين" كالجمعيات الخيرية لمساعدة الأيتام "، المهم هو تحديث بنية هذه المؤسسات من أجل الوصول إلى نتائج مثمرة.

موقع "سينمائيون" في  14 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

الناقد السينمائي الإيراني "نادر تكميل" لـ "سينمائيون":

الهدف من مهرجان "بورتريهات من طهران" هو التعريف بالبعد الحضاري والمديني لطهران

محمد الأمين