رغم الفترات الطويلة التي علينا ان ننتظر فيها فيلم على نمط فيلم "موديغلياني"، إلا أنه من المفرح ان تعرض لنا شركة البحرين للسينما فيلما بمثل هذه النوعية من الأفلام المتميزة يبن وقت وآخر.

في هذا الفيلم الذي اخرجه "ميك دافيس" نحن أمام العصر الذهبي للفن التشكيلي في العالم حيث "ببابلو بيكاسو" و "رنوار" في أيامه الأخيرة، وشعراء بحجم "جان كيكتو"، وشخصية الفيلم الرئيسية العبقرية " اميديو موديغلياني"، حيث الفنان المتمرد السريالي الذي يعيش حياة فقيرة وبائسة، لا يقبل بمال في رسم وجهاء باريس إلا حسب مزاجه، صعلوك حقيقي على مستوى الحياة والفن الإبداعي والذي غادر الحياة في سن مبكرة حيث يموت وهو في السادسة والثلاثين من العمر، بعد قبوله التحدي في الدخول في مسابقة للرسم اقيمت في باريس، وشارك فيها العبقري بيكاسو، الذي كان يشكل التحدي الكبير لهذا الفنان المتمرد.

ان فيلم  "موديغلياني" هو فيلم عن الفن التشكيلي والحب والتضحية والفناء والألم والفقر. الفيلم تسرده لنا عشيقة "موديغلياني"، "جان" والتي تؤدي الدور فيه الفنانه " زيلبرستين السا"، في حين إبدع الفنان "أندي غارسيا" في تشخيص دور هذا الفنان الإيطالي الذي هاجر إلى عاصمة الفن باريس، وعاش حياة تراجيدة مؤلمة، فهو يصاب بمرض السل منذ الطفولة، وحين تظهر عليه اعراض المرض مرة أخرى ويكتشف انه لم يشف منه، وعليه ان يمتنع عن التدخين والحشيش والكحول، هنا نجد حبيبته التي هامت في حبه، وصبرت على جنونه، وهروبه الدائم من مسئولية مراعاة أبنته التي انجبتها منه، تتخلى عن حياة الارستقراطية لتعيش معه حياة الفقر.

جان العاشقة للفن تواجه أب رافض لهذه العلاقة، من فنان فقير ويهودي مرفوض من قبل المجتمع المسيحي، وظهور النزعة النازية. تدفع بالأب لزج طفلتها الصغيرة إلى دير للأطفال. هذه الأم تضحي بأبنتها من أجل ان تظل قريبة من حبيبها "موديغلياني". الذي يأخذه قدره بعد رسم لوحة من اهم لوحاته الفنية بعنوان "جان" وهي حامل منه للمرة الثانية، وهي في حالة تعب نفسي شديد تغلق عينها لتترك له حرية رسمها، فيرسمها بعينين مفتوحيتين، مع أنه في بدايات علاقتهما، يرسم لها بورترية بعينين مغمضتين، وحين تسأله لماذا فعلت ذلك، يقول لها: "حين أسبر روحك سوف اكون قادرا على رسم عينيك" وهو الأمر الذي يفعله قبل أن يموت، بعد ان يذهب إلى مجلس البلدية طالبا عقد زواج منها، يذهب بعدها ليحتفل مع نفسه بأن يشرب ولا يملك قيمة شرابه، وفي الوقت الذي تكشف المسابقة عن فوز لوحته، بشهادة بيكاسو الذي يصفق احترامنا لعمل موديغلياني، يأمر صاحب الحانة رجاله بضرب موديغلياني حتى الموت.

الفيلم يختصر حالات إنسانية عديدة، الحب في مواجهة تمرد مبدع على كل أشكال الواقع الأجتماعي، الانحياز للفن كحالة شمولية للفنان، واقع تطور الفن التشكيلي من خلال بروز اسماء فنية كبيرة شكلت تاريخ الفن الحديث، صراع الهويات، الصورة التشكيلية وهي تتقاطع مع الصورة الفوتوغرافية والسينمائية في مشاهد تعبر عن حياة سريالية في واقعها المأساوي، التضحية من اجل الآخر، والذي تجسده شخصية جين حين تنتحر بعد موت حبيبها. الفنان وذاته، حيث الطفل الذي يمثل موديغلياني وهو صغير، ويرافقه في العديد من المشاهد. الانحياز للفن، فعند موت موديغلياني يقوم أصحابه وهم في معزل عن حالة فقدان صاحبهم، بقيامهم بصب وجهه بمادة الجبس ليخلد كفنان مبدع خانته الحياة، التي كانت سخية مع غيرة، والغيرهنا هو بيكاسو.

لقد نجح الفنان أندريه غارسيا في  اداء شخصية موديغلياني في محاولة للنهوض بكل حالات هذه الشخصية من عناد وثقة بالنفس، من انهزام وانحدار وهلوسة وجنون المبدع المنتصر لتجربته الفنية. أداء يستحق اهتمامنا في كل الاوقات ، وجعلنا نرى هذه الاخفاقات التي حاصرت موديغلياني في الحياة.

الوطن البحرينية في 20 أكتوبر 2006

 

Review

»مودغلياني« الفنان الذي هزم بيكاسو.. حين يتحول صراع الأذكياء إلى جنون عظمة

المنامة - نبيل عبدالكريم 

في سينما السيف يعرض فيلم »مودغلياني« وهو من القطع الفنية النادرة التي تتحدث عن فترة شهدت فيها باريس ذلك الصراع بين الأذكياء على فرض حضورهم في حقل الابداع في رسم لوحات خالدة.

مودغلياني هو رسام ايطالي من أسرة يهودية. عاش في مدينته تلك اللحظات المفارقة في تاريخ أوروبا وهي لحظات لاتزال تتوالد حتى أيامنا بأشكال وألوان مختلفة، ولكنها في الجوهر تلتقي على موقف سلبي من الغريب أو الأجنبي أو المختلف في دينه وعاداته وتقاليده.

الفيلم لا يتحدث عن العنصرية والتمييز والعداء للسامية أو الآخر وإنما يروي قصة فنان عبقري عاش لحظات تنافس مع أشهر الرسامين في العصر الحديث.

مودغلياني هذا دخل في صراع مع بابلو بيكاسو. وبيكاسو أيضاً نزح إلى باريس هرباً من صعود الفاشية في إسبانيا. وحاله لا تختلف كثيراً عن مودغلياني في الموقف من تلك الجماعات الهائجة التي اخذت تزحف على المدن وتسيطر على الأحياء.

باريس إذاً كانت المكان الذي التقى فيه هؤلاء العباقرة الذين بحثوا عن مدينة جذابة تحتضن الأذكياء من دول الجوار (ألمانيا، ايطاليا، اسبانيا) وتوفر لهم سبل التنافس. هذا اللقاء الكبير في مدينة كبيرة كان أضيق من أن يتحمل هذا الكم من الاذكياء في فترة واحدة. لذلك نشب بين هذه المجموعة ذاك الصراع الخفي الذي يجمع بين العبقرية وحب التفوق والنزعة نحو السيطرة والخوف من المنافسة والطموح إلى الصدارة من دون منازع.

هذا هو جوهر موضوع الشريط السينمائي الذي يحمل اسم مودغلياني (الفنان المبدع) الذي عاش فترة شبابه في باريس في مرحلة انتقالية بين الحرب العالمية الأولى التي انتهت في 1918 وبداية الحرب العالمية الثانية التي بدأت في العام 1939على وقع احذية الفاشية. في هذه الفترة شهدت باريس اخصب لحظة فنية حين ظهر فيها دفعة واحدة اعظم الفنانيين في حقل الرسم. هؤلاء العباقرة دخلوا مع بعضهم معارك جانبية لأسباب تتصل بنظرة الفنان إلى فنه.

بيكاسو تعامل مع الفن على مستويين: الأول، هو فن ولابد من صرف كل حياته من أجله. والثاني، هو سلعة للبيع يستفيد منها للعيش في حياة مستقرة تسعفه على تطوير نفسه من دون قلق أو خوف.

مودغلياني تعامل مع رسوماته بخشوع واحترام. فهو كان يجل فنه ويحاول قدر الإمكان أن يرفعه الى سوية عليا تتجاوز السلعة. فالفن برأيه له قيمته الخاصة التي لا تثمن ولا تباع ولا تشترى... إنها فوق المال.

شكلت هذه النقطة مصدر توتر بين الفنانين. فالأول نال الشهرة وكسب المال وتمتع بفنه وبات في موقع يسمح له بالتلاعب وفعل ما يريد. والثاني اكتسب الشهرة ولم يكسب المال فكان يعيش حياة صعبة ومقهورة ويعاني من الفقر والجوع مع ثلة من أصحابه الفنانيين.

وتحت السقف تدور معارك فنية بين العباقرة. وكل فريق يتمسك برأيه ونهجه في الحياة ويرى أن سلوكه هو الصحيح. بياسكو الذي راكم الشهرة والمال كان يحترم مودغلياني ويخشاه ويرى فيه المنافس الحقيقي له. ومودغلياني كان يحتقر بياسكو ولكنه في الآن يعترف بقدراته الفنية وموهبته الخارقة.

الصراع إذاً بين مبدعين. وهذا النوع من الصراع هو الاشرس لأنه يحصل بين ذكيين مشهود لهما بالتفوق ويتنافسان على حقل واحد من زاويتين مختلفتين.

بيكاسو يظهر في الفيلم في شخصية انتهازية ومؤذية ولا تتردد في استخدام أية وسيلة لقمع الخصوم والحد من طموحات المنافسين. وأيضاً يظهر في وجه آخر يتمثل في الشخص الخبير الذي ادرك لعبة الحياة باكراً وتعامل معها بسهولة وموضوعية ونجح في اخضاع كل العقبات وضبطها إلى مصلحته.

مودغلياني يظهر في الشريط السينمائي في إطار شخصية مضطربة تعاني من الاضهاد والتمزق بين سمو الفن في داخله وصعوبة التعامل مع حياة تضغط يوميا عليه.

حاول بياسكو الذي يهاب منافسة مودغلياني أن يكسب وده من خلال تحاشي اللقاء به أو التهرب منه. إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل وكانت دائما تلك الصداقة/ العداوة تتحول إلى صدامات بين شخصيتين تعيشان الحلم نفسه ولكن كل واحدة على طريقتها.

في الفيلم مشاهد مثيرة ومفارقات غريبة. مثلاً يحاول بيكاسو تعريف مودغلياني على الرسام العظيم رونوار لسبب بسيط وهو أن رونوار العجوز كان الاعظم في عصره ومحط اعجاب كل الفنانيين ولكنه في طريقة حياته وتعامله مع الفن والرسومات أقرب إلى نهج بيكاسو... أو بالاحرى بيكاسو الشاب آنذاك كان يتخذ من رونوار نموذجه في تبسيط الدنيا وعدم تعقيدها وصولاً إلى الجنون. اللقاء لم يترك اثره الكبير على مودغلياني الذي انحرف كثيراً في حياة الشرب والملذات واللهو وتدخين الافيون والعيش بطريقة غير آبهة لا بالقانون ولا بعواقب الدنيا ومتطلباتها. بيكاسو لا يقل عنه ولكنه يتميز بالقدرة على السيطرة على نفسه وضبط انفعالاته ومتطلباته عند حدود يقررها.

بين بيكاسو ومودغلياني تدور حوادث الفيلم المباشرة. ولكن القصة التي ترويها عشيقة/ زوجة مودغلياني تشكل الخيط الخفي الرابط من المشهد الأول إلى الأخير. فهذه المرأة كانت الوحيدة القادرة على فهم شخصية هذا الفنان الفريدة في عبقريتها والمزاجية في سلوكها. وهذه المرأة اعطته كل شيء وتركت أهلها وطفلها من اجله. فهي احبته الى درجة الأنانية ولم تكن تتصور أنها يمكن أن تعيش من دونه لحظة واحدة.

هذه المرأة كانت السر الخفي في شخصية هذا الفنان العبقري. فهو رسمها ورسمها واعاد رسمها وحاول بيكاسو منافسته عليها. إلا أنها لم تكن إلا له لأنها كانت تدرك ذاك الإنسان الجميل في داخله.

بقي الحال على حاله من الجنون الى أن وقع ذاك التحدي بين الفنانين والقبول بالمنافسة على جائزة باريس الأولى للرسم. وشارك في الحفل ابرز الفنانين في ذاك العصر وبينهم بيكاسو الذي رسم مودغلياني في لوحة حطمت شكل وجهه وكسرته إلى مربعات هندسية. وشارك مودغلياني في لوحة كانت الأخيرة في حياته وهي ذاك الرسم لحبيبته/ زوجته الحامل تقعد على الكرسي واضعة يدها حول بطنها وعنقها يميل الى اليسار. هذه اللوحة الخالدة التي تحمل اسم »جان« فازت بالجائزة الكبرى وحل بيكاسو في المرتبة الثانية.

أخيراً انتصر مودغلياني ولكنه في يوم فوزه (نال 5 آلاف فرنك) الذي دخل التاريخ في العام 1929 يتعرض هذا الرسام الشاب العبقري إلى حادث اعتداء يسفر عن قتله في زقاق من أزقة باريس. وهذه المأساة تعتبر قمة الفيلم الدرامية. ربما تكون الحوادث متباعدة ولكن المخرج لعب لعبة ذكية حين ربط سلسلة حلقات في يوم واحد.

في هذا اليوم يسجل مودغلياني انتصاره في اعظم لوحة تنتمي إلى مدرسة انطباعية اخذت تتلاشى في عصره. وايضاً يفشل بيكاسو في تبوء المرتبة الأولى ولكن لوحته (المحطمة الاشكال) تؤسس لاحقاً ملامح عصر جديد من الفن سيقوده هذا الفنان العبقري الاسباني إلى اعلى المستويات ولفترة طويلة ستمتد نحو نصف قرن.

فيلم مودغلياني يتحدث عن فترة محددة ساد فيها الجنون الفني على مختلف المستويات، ولكنه ايضاً يتحدث عن صراع العباقرة وقدراتهم في التطوير والتنافس والتحطيم والجمع بين المألوف والمخالف لكل الاعراف والتقاليد. إلا أن الشريط السينمائي يقدم فكرة رائعة عن التطور المجنون لهذا الفن وانتقاله من عصر رونوار الانطباعي إلى عصر بيكاسو التكعيبي... وبين هذا وذاك هناك شخصية شابة غابت عن مسرح التاريخ باكراً ولكنها تركت لنا محطة للتوقف بين عصرين. مودغلياني ولوحته الخالدة: جان.

الوسط البحرينية في 18 أكتوبر 2006

الفيلم الفلسطيني "عطش"

الدعوة لالغاء سطوة الأب

كتبت: فريد رمضان 

يثير الفليم الفلسطيني "عطش" والذي عرضه نادي البحرين للسينما الأسبوع الماضي، العديد من الاسئلة الجوهرية في الخطاب السينمائي الفلسطيني، فالمخرج الشاب توفيق أبووائل، يقدم فيلما إجتماعيا من واقع ملتبس بين الهوية والانتماء، بين الصراع والقبول، بين التمرد والاستسلام. ان المخرج الفلسطيني الأصل الإسرائيلي الجنسية، يعمد على اختيار موضوع يبدو للوهلة الأولى بسيط ومكرر في السينما العربية، هيمنة الأب في مجتمع اسري محاصر. ومبالغة لا يبررها إلا هوية العمل والمكان، حيث هي فلسطين في بعدها الرمزي "فأم الفحم" هي القرية التي عاش فيها المخرج طفولته، قبل ان يدرس السينما في جامعة تل ابيب.

في فيلم "عطش"، وهو التجربة السينمائية الروائية الأولى لمخرجها، حيث عائلة تتكون من أبو شكري وأم شكري وشكري وجميلة، وحليمة، يعيشون في وادي معزول، يقوم فيها الأب بصناعة الفحم. ويشكل عنصر الماء والنار ثيمتان متكررتان بقوة في الفيلم، بل أن جماليات اللقطة السينمائية عنده تعتمد في كادرها على عنصر الماء، ودخان الفحم. الماء الذي يبدأ مع أول مشاهد الفيلم حين يهدم الأب المتوحش والمسكون بهموم غامضة، خزان الماء الوحيد الذي يزود العائلة بحاجاتها الضرورية من الماء، هذا التوحد نراه مطبوعا بشكل جلي على جميلة وحليمة، من خلال لقطات متوسطة وقريبة، لقطات ثابته، لا يتحرك فيها إلا الماء المنسكب على الأرض العطشى، الأرض الجافه.

الفيلم لا يظهر تاريخ العائلة ما قبل الانتقال إلى هذا الوادي المهجور، والذي كان فيما مضى مركز تدريب القوات الإسرائيلية على حرب الشوارع والمدن، هنا يتحول أبوشكري وعائلته إلى مستوطنين غير شرعيين، لأن المكان يخص السلطات الإسرائيلية، وهو يقبل بهذه الحياة القاسية التي يفرضها على عائلته بسبب تعرض أبنته جميلة لحالة الأغتصاب وإنتهاك شرفها من قبل شخص لم نرَ منه إلا صورته الشخصية التي إحتفظت بها "جميلة" في صندوق أسرارها، مما يثير الدهشة، هل هو اغتصاب أو علاقة عاطفية، لأنها حرصها الشديد على ابقاء صورته مع رواية محمد شكري "الشطار" وزجاجة عطر، كل هذا يخلق حالة من عدم الوضوح في فهم هذه العقدة التي دفعت بالأب للانتقال مع عائلته إلى منطقة معزولة.

لأن الماء عنصر الحياة، فأن ابوشكري يروافق على مد أنابيب من اقرب قرية له، على ان يعود إلى بيته السابق، ويتحول وصول الماء وتدفقه على الأجساد العطشى، في خلق حالة من التمرد على الأب، فجميلة تهرب ولكنها تفشل، والأبن شكري يتمرد على أبيه بأن يفك اخته من سجنها الذي وضعها فيه الأب.

ان ثيمة العطش تتجسد على عدة مستويات، فهناك العطش للحياة، للحب، للأرض. للاقائمة مع الآخرين، للمواجهة والخروج من العزلة. العطش يأخذ بعده التأويلي في فهم العلاقات الخاصة بين العائلة وبين الحياة في معناها الشوملي، فحلمية التي تصادر عنها آلة القانون، تحول المسامير وأغطية المشروبات بعد ان تربطها في حبل إلى آلة موسيقية، وجميلة تجد في رواية محمد شكري حياة أخرى تقرأ عنها ولكن لا تعيشها، وامهم آمال تفرح حين ترسم اسمها على الجدار، وشكري يصارع الأب في اصراره على الذهاب إلى المدرسة رغم رفض الأب.

وهكذا يخفي المخرج وكاتب السيناريو توفيق أبو وائل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا من رمزية أنابيب الماء، والمبنى الذي يعيش فيه والذي يخص الجيش الاسرائيلي، والمسدس الذي لا يعمل، والمشهد الذي يظهر فيه ضعف الأب في مواجهة صورة لجندي عسكري وهو يعجز عن اطلاق النار عليه. والأم آمال حين تقول لزوجها: لماذا تحتفظ بمسدس لا يطخ! مما يعطي دلالة في طبيعة المواجهة الداخلية بعد مرور أكثر من 50 عاما على الاحتلال!

فيلم "عطش" ينحاز إلى لغة سينمائية معبرة، مشاهد عديدة تعتمد على روح الفوتوغرافيا، حيث الشخصيات ثابته، اللقطة ثابته، والماء العنصر الوحيد المتحرك. وكأول فيلم روائي لمخرجها الشاب توفيق أبو وائل فهو ينجح في تقديم خطاب سينمائي رغم العثرات الطبيعية في التجربة الأولى على مستوى النص والأداء التمثيلي حيث اعتمد على عناصر جميعها تمثل لأول مرة، إضافة إلى فقدان الفيلم  إيقاعه المتوازن خلال مدة العرض.

الوطن البحرينية في 20 أكتوبر 2006

 

السينما المصرية تتحدي نفسها: تجارة سرية لأفلام الاستنساخ والأعياد موسم نشاط القراصنة

القاهرة ـ القدس العربي ـ من كمال القاضي:  

تختلف المواجهة في الموسم السينمائي الحالي بين الأفلام المتنافسة عنها في المواسم السابقة، فبينما ينتظر المنتجون أيام عيد الفطر للفوز بالنصيب الأكبر من الايرادات حيث يزيد الاقبال علي دور العرض تطفو علي السطح مشكلة كبري ويظهر قراصنة جدد يحولون دون وصول الجمهور الي دور السينما، إذ يعكف هؤلاء القراصنة علي نسخ الافلام الحديثة وطبعا علي اسطوانات ليزر سي دي وطرحها في الأسواق بأسعار تقل عن اسعار تذكرة السينما بنحو 60% فضلا عن توفير ميزة اقتناء الافلام المنسوخة وهو الشرط المفتقد في السينما بطبيعة الحال، وتعود بنا هذه الظاهرة الي ظاهرتين سابقتين مثلتا خطرا جسيما علي رواج الأفلام وحركة توزيعها بالخارج، الظاهرة الأولي نشأت مبكرا حين تم اختراع الفيديو كاسيت وانتشاره في مصر منذ ما يقرب من عشرين عاما، وقد مثل الفيديو للموزع الخارجي مشكلة حقيقية وهدد المنتجين بالافلاس حينئذ، حيث استغني عدد كبير من محبي السينما عن الذهاب لدور العرض واعتمدوا علي شرائط الفيديو كوسيط سهل ومريح يمكن من خلاله مشاهدة الفيلم اكثر من مرة دون عناء والاحتفاظ به مدي الحياة بل وصل الأمر الي لجوء بعض الجمهور الي تأسيس مكتبات لأفلام اضافة الي انتشار نوادي الفيديو الخاصة وقيامها بتأجير أهم الافلام بأسعار زهيدة، ولعل مَن كان اكثر المتضررين من ظاهرة الفيديو كاسيت علي المستوي المحلي هم أصحاب دور عرض الدرجة الثانية الذين كانوا يقومون بعرض اكثر من فيلم في بروغرام واحد ويدر نشاطهم ربحا وفيرا لهم وللمنتجين.

امتد خطر الفيديو لفترة طويلة الي أن حدثت طفرة الاتصال التكنولوجي في مجال البث والارسال والأقمار الصناعية وظهر الدش كعدو جديد للمنتجين ودور العرض أشد ضراوة من الفيديو كاسيت، فالغزو الفضائي برغم محدوديته في باديء الأمر قلص مساحة توزيع الافلام المصرية بمنطقة الخليج العربي أحد البؤر الرئيسية والأساسية لرواج صناعة السينما وكبد المنتجين خسائر فادحة بعد أن تعاقدت المحطات الفضائية مع شركات انتاجية منافسة من مختلف أنحاء العالم علي شراء أفلامها وبثها لقطاع كبير من المشتركين في خدمة البث، وبالتالي اصبح للمنتج المصري أكثر من منافس وباتت الحاجة الي دور الموزع الخارجي في سوق السينما العربية غير ذات ضرورة، وبمرور الوقت وبتأثير الاعتياد فقد الدش بريقه وعاد نشاط الافلام المصرية مرة اخري بعد تنظيم تجارة الفيديو وحظر بيع الأفلام قبل نهاية عرضها بدور عرض الدرجة الأولي والاتفاق علي صيغ دبلوماسية وتجارية تحمي صناعة السينما المصرية من تهديد الفيديو والدش. ولكن سرعان ما لاحت في الأفق بوادر غزو تتاري آخر جاء مع اتساع دائرة الاتصال التكنولوجي واستحداث شبكات الانترنت وتقدم تقنيات النسخ والطبع ونقل الافلام من الشاشة مباشرة عن طريق كاميرات المحمول وطبعا علي اسطوانات ليزر سي دي وطرحها بالأسواق في الأسبوع الأول للفيلم بدور العرض ليصبح الفيلم منافسا لنفسه أي أنه يعرض سينمائيا في نفس الوقت الذي يباع فيه علي أرصفة شوارع العاصمة بسعر خمسة جنيهات للأسطوانة، وهذه القرصنة التي لم تلتفت اليها رقابة المصنفات الفنية حتي الآن تتسبب في خسارة بالملايين للمنتجين ودور العرض علي السواء، حيث يعزف قطاع كبير من الجمهور عن ارتياد دور العرض ويكتفي بشراء السي دي واقتنائه ومشاهدته عشرات المرات وهو جالس أمام الكمبيوتر مطمئنا في منزله بعيدا عن زحام السينمات وطوابير الانتظار الطويلة امام شباك التذاكر وعمليات الابتزاز التي تمارس ضده من العاملين في كافيتريات دور العرض الذين يبيعون السلعة بثلاثة أضعاف ثمنها الاصلي. الغريب أن ظاهرة القرصنة أو استنساخ الأفلام بدأت في وقت مبكر ومع ذلك تتعامل معها الاجهزة الرقابية علي انها مجرد حالات محدودة برغم ان اول واقعة من هذا النوع حدثت في بداية الألفية الثانية، وكان من ضحايا هذا الابتكار التكنولوجي المتقدم في السرقة والسطو فيلم أيام السادات للمخرج محمد خان وبطولة أحمد زكي، فالفيلم تم نقله بكاميرا الموبايل في العرض الخاص وطبع علي اسطوانات وزعت بالمئات علي متعهدي هذه التجارة الرابحة في نفس اليوم الذي عرض فيه الفيلم بدور العرض التجارية الأمر الذي جعل أحمد زكي يشعر بأن ثمة مؤامرة دبرت ضده لاسقاط الفيلم ووضعه هو شخصيا في مأزق مالي بوصفه شريكا في الانتاج ومنذ ذلك التاريخ لا تزال جرائم الاعتداء علي حقوق الملكية الفكرية تتم يوميا وتنشط في المواسم والأعياد ولكن الجديد في هذا العام أنها تحولت من تجارة سرية الي عمل مشروع بات مسارا للحديث والتداول كما لو كان مجازا ومصرحاً به قانونيا، ومما يؤكد ذلك ان الغالبية العظمي من الأفلام المعروضة حاليا بالأسواق في دور عرض الدرجة الأولي متوافرة علي الأرصفة بأسعار مخفضة بما فيها أفلام القمة عمارة يعقوبيان، حليم، أوقات فراغ بالاضافة الي فيلم كتكوت لمحمد سعد، و وش إجرام لمحمد هنيدي وأفلام أخري مثل عودة الندلة لعبلة كامل وحمد حلمي و الغواص لحسن حسني وعامر منيب وما يستجد من أفلام ينتظر أن تأخذ فرصتها في المنافسة طوال أيام العيد والذي يتوقع ان يكون من بينها أفلام لكبار النجوم نور الشريف ونبيلة عبيد وإن كانت حتي الآن لم تظهر أية بوادر تؤكد هذا الظن خاصة أن دخول نجوم كبار غمار الحرب وسط هذه الأجواء الملبدة بالغيوم غير مضمون العواقب!

القدس العربي في 20 أكتوبر 2006

 

سينماتك

 

Screen

عن فيلم موديلغلياني: حين اسبر روحك، ساكون قادرا على رسم عينيك

كتب: فريد رمضان

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك