> أعمال نخشي أن تنتهي حتي لا نعود إلي زمن الركاكة والتفاهة والسطحية

> مسلسل تاريخي والثاني معاصر والاثنان يتمتعان بصراحة لم نعتد عليها وبجرأة في التناول كنا نتمناها

> المسلسلان أثبتا أن التليفزيون قادر أحيانا علي التفوق علي السينما  

خارق هذا المسلسل خارق حقا بكل جوانبه .. كتابة وأداء وديكورا وإضاءة خارق ببعده التاريخي وبعده المعاصر.. خارق بمعالجته «تيمات» لا عهد للتليفزيون بها ومن خلال حوار راق وعميق ومؤثر لم نعتد علي سماعه منذ زمن طويل علي الشاشة الصغيرة أو علي خشبة المسرح.

حوار يدخل إلي القلب مباشرة بصفاء وجمال أسلوبه وقوة تعبيره خصوصا عندما يجيء علي لسان ممثلين أكفاء لا أدري كيف أصفهم أو كيف أعبر عن إعجابي بهم سواء من قاموا بأدوار البطولة أو من لعبوا أدوارا جانبية أو حتي هؤلاء الذين يقفون علي الهامش.

نعم إنما أشير إلي مسلسل «أولاد الرشيد» الذي تقدمه إحدي القنوات العربية الفضائية والذي اشتركت في انتاجه سوريا والأردن معا.. وقام بتصويره واحد من أساتذة التصوير السينمائي والتليفزيوني في العالم .

أولاد الرشيد يتحدث عن الحقبة الأخيرة من حكم هارون الرشيد بعد أن نجح بالقضاء علي ملك الروم الذي تمرد عليه، وبعد أن عين في خلافته ابنه الأمين ابن السيدة زبيدة العربية الأصل والنسب.ثم ابنه الثاني من زوجته الفارسية الراحلة .

الرشيد الذي ارضعته أم جعفر البرمكي واعتبرته كجعفر ابنا حقيقيا لها مما جعله يفسح للبرامكة نفوذا كبيرا في الحكم والسلطة والذي عاد من معركته الحربية المظفرة ليجد أن النفوذ البرمكي الفارسي قد ازداد إلي درجة تثير الشكوك خصوصا في مناطق خراسان، ويكتشف أيضا أن زواج جعفر من العباسة أخت الرشيد والذي تعهد له جعفر أن يكون زواجا، صوريا قد أسفر علي زواج حقيقي وأن العباسية حملت من جعفر أي أن الوريث قد يكون في يوم من الأيام هذا الوليد الذي أصبح الرشيد خاله، والذي يحمل الدم الفارسي إلي جانب الدماء العربية .. فما كان عليه إلا أن يأمر بقتل جعفر أخيه في الرضاعة دون رحمة، لأن حماية الإرث العربي من أيه مزاحمة حق من حقوق السلطة لأن ابنيه الأمين والمأمون لم ينجبا بعد أطفالا وأن يأمر بحبس أبيه الذي رباه «أبا جعفر يحيي بن خالد» وأن ينفي أخته عن بغداد.

أحداث أخري

كل هذا يدور في خطوط رئيسية وبينما تدور في الجوانب أحداث أخري لا تقل أهمية .. وتتعلق بنمو نفوذ ابن حنبل ومناقشاته الفقهية والتعصب الإسلامي وحق الجدل والنقاش إلي جانب مؤامرة الوزراء سهل بن ربيع والسهل به هارون ومحاولة الأستحواذ علي زمام الأمور في المملكة ويلعب دور السهل بمقدرة خارقة الممثل السوري المبدع «فايز قزق» في أداء سهل ممتنع يذكرنا بأجمل وأقوي أدوار «لورنس أوليفية أو جون ميلجود».

وإلي جانب الزواج القصري الذي يفرضه واحد من علماء المسلمين علي ابنته والتي تحاول بدورها مقاومة تنفيذ هذا الزواج عن طريق الصمت المطبق وعدم مبادلة الحديث مع من اختاروه زوجا لها كنوع من الدفاع السلبي عن حقوقها المهضومة، كل ذلك إلي جانب الأزمة النفسية التي يمر بها المأمون بعد قتل جعفر والإطاحة بالبرامكة وامتناع أبيه عن سماع صوت العاصفة والاكتفاء بمطالب الحكم القاسية.

وإلي علاقة الأمين بغلامه طريف.. وهي علاقة حب ملتهبة تنتهي بإصرار زبيدة علي تزويجه لإنجاب ولي للعهد، وما يسبب ذلك من فتور في العلاقة العاطفية بين الرجلين وتزيد من تجاهل الأمين لزوجته الشابة ورغباتها رغم المحاولات اليائسة التي تحيطها حوله.

وعلي ما أعتقد وأذكر أن هذه العلاقة المثلية تقدم لأول مرة علي الشاشة الصغيرة بمثل هذه الصراحة وهذه الجرأة، وبمثل هذا الذكاء والشفافية «خصوصا أن هذه العلاقات المثلية كانت شبه مشروعة ومقبولة ضمنا في العهد الذهبي للخلافة العباسية وكان أشهر شعراء ذلك الزمن أبو نواس يجعلها معبرا له في اشعاره ويطلب في مدجها.

لا أريد أن اتكلم والمسلسل لم ينته بعد عن جمال الأزياء والأكسسوارات التي جمعت بين الصدفيات الفارسية والأموية في والأرائك والخزائن.. ولا عن جمال الحلبي الخارق للعادة ولا عن الأزياء التي وصلت إلي حد الأدهاش في تنوعها وألوانها ودقتها، ولن أتكلم أيضا عن فنية التصوير وجمال الإضاءة ورهافتها مما جعل كل كادر وكل صورة في المسلسل تبدو وكأنها لوحة مكتملة الألوان والبناء.

ولكني اتوقف معجبا مدهوشا غارقا في غمامة من الشوق أمام مشاهد درامية كان الحوار فيها متوجا كالحوار بين أم جعفر التي أتت تسترحم ابنها بالرضاع «هارون الرشيد» العفو عن زوجها العجوز الذي أودعه السجن بعد أن قتل جعفر، هذا الحوار الذي وصل إلي درجة من البلاغة والاحكام لم أسمع مثلها منذ زمن بعيد، والتي جاءت علي لسان أم جعفر التي كانت تحاور مستشهدة في حديثها بآيات من القرآن والأحاديث النبوية وردود الرشيد عليها علي نفس مستواها مستشهدا هو أيضا بآيات وأحاديث تفند قولها.

مشهد يدرس

مشهد يصلح للتدريس في كافة المعاهد الفنية ليتعلم النشأ كيف يكون الحوار وكيف تكون المجادلة، ولقد أبدعت أيما إبداع مني واصف في هذا المشهد ولم يقل عنها إبداعا رشيد عساف الذي أعتقد أن دور الرشيد هو واحد من أقوي الأدوار التي لعبها في حياته الفنية والتي ترشحه لآن يكون واحدا من أهم ممثلي الشاشة العربية اليوم.

ثم هذا المشهد الذي يجمع بين المأمون والرشيد في جدال حول حق الدولة وحق الدم والأخاء، والنظر إلي المستقبل من زاوية السياسة لا من زاوية القلب أو المناقشات الدينية والجدلية التي كانت تدور في مجلس ابن حنبل والذي جعلنا نسمع لأول مرة علي الشاشة جدلا دينيا يخاطب العقل والضمير، وليس مجرد كلمات محفوظة لا قيمة لها وحتي عندما ينعدم الكلام .. وكثير من المشاهد لا تتضمن حوارا قدر ما تقدم أداء داخليا للممثل في أعنف صراعاته العاطفية كمشهد الوداع بين الأمين وغلامه بعد أن وافق الأمين علي الزواج بإصرار من الملكة الأم زبيدة.

أو مشهد الأمين وزوجته وقد بدأ يحن إليها رغم عواطفه الهائجة تجاه غلامه وهي تغسل قدميه بماء الورد وتنشفها باطراف ثوبها مشهد بلا حوار ولكنه يغني عن كل حوار .

أو مشهد المأمون وهو يتكلم بعمق فلسفي عن جذوره العربية والفارسية وتأثره بالدين وموقفه من السلطة ومن حكم أبيه، وتطرقه إلي المستقبل. أو مشهد موت يحيي بن خالد أبو جعفر في سجنه.

تحليل وشرح

لو سمح لي أن أذكر كافة المشاهد المثيرة والرائعة والتي تخطف العين والبصر معا، «مشاهد المعارك خصوصا مشهد المبارزة الودية بين الشقيقين أو مشاهد المعركة مع الروم.. ومشاهد تآمر الوزراء واعوانهم وخلق انشقاق بين المسئولين» لما كفتني الصفحات لأن كل واحد من هذه المشاهد يستحق الوقوف أمامه بالتحليل والشرح التي بالطبع لن تغني ابدا عن المشاهدة والاستمتاع بالعين والأذن معا.

المسلسل لم ينته بعد ولكن «أولاد الرشيد» حقق المستحيل إذ عوضا عن أن يشعرنا بالملل والتطويل مع امتداد حلقاته، تمكن من جذب انتباهنا وشوقنا إلي متابعته مع ارتفاع نسبة التشويق والتصاعد الدرامي في حلقاته، بحيث أصبحنا نخاف علي أنفسنا من أن ينتهي وأن نعود إلي زمن الركالة والتفاهة والسطحية التي تحتل شاشاتنا منذ زمن بعيد.. والذي اتي هذا المسلسل ليذكرنا بأن هناك فنا حقيقيا للتليفزيون «لو أعطي الخبز لخبازه».

مسلسل آخر لا يقل في أهميته عن هذا المسلسل الخارق .. هو مسلسل «المارقون» الذي تذيعه محطة فضائية واحدة بعد أن رفضت كافة المحطات الأخري إذاعته والذي يجمع بين قصص مختلفة تدور كلها حول الإرهاب وتجري حوادثها في أكثر من بلد عربي ويكتبها كتاب مختلفون، ولكن تجمع بينهم رؤيا إخراجية درامية واحدة لنجدت انزور الذي يفجر في رمضان هذا قنبلة أشد فتكا وتأثيرا من القنبلة التي فجرها العام الماضي في مسلسله الذي تدور حوادثه بالسعودية. حتي الآن قدم انزور صورا أربعة للإرهاب أولاها تدور أحداثها في سوريا، حيث يتزوج رجل من الجماعات المتطرف ارملة مات زوجها كما يستغل ابنتها الصغيرة التي لم تستكمل السنوات العشر في ربط حزام نأسف علي جسمها الصغير وإرسالها إلي الهدف المنشود.

أما الصورة الثانية فتدور في لندن من خلال أسرة سورية مهاجرة يتعرض أفرادها إلي كافة أنواع الاضطهاد بعد تفجيرات سبتمبر بسبب التزام ابنها الاصغر بتعاليم الدين.

المسلسل رسم صورة مدهشة للتعصب الانجليزي سواء من أفراد الشعب أو من رجال الشرطة والتحقيق من خلال نماذج انسانية لا تنسي (الابنة العقلانية التي تحب رجلا انجليزيا. والابن الذي نسي نفسه وانتماءه العربي ودينه وارتبط بصاحبة بار تكبره سنا، ولكن هذا أيضا لم يشفع له وأصبح حائرا بين جذوره القديمة وانتمائه الجديد.. في مشاهد مكتوبة ببراعة ملحوظة وأداها ممثلون غير معروفين إلي جانب ممثلين انجليز وفي حوار يدور معظمه بالانجليزية.

أحسن ممثل

أما الصورة الثالثة فتدور في أفغانستان حيث يذهب صحفي مشهور (يلعب دوره بامتياز فايز قزق الذي كرمه المسرح التجريبي هذا العام احسن ممثل عن دوره في مسرحية حوار الاسلوب (حمام بغدادي) لإنقاذ ابن اخيه المليونير الذي انضم إلي الجماعة وسافر إلي أفغانستان.. يساعده في بحثه صديق قديم بلاين. ويتعرض الرجلان للاعتقال والتعذيب.. وتوضح الصورة خلفية مايدور في افغانستان والقاعدة بحيادية تثير الاعجاب وبحوار عاقل متزن يشرح القضية من كافة جوانبها بحكمة وبعد نظر .

أما الصورة الرابعة وهي اقلهم شأنا من كافة الزوايا (تمثيلا وكتابة وهدفا) فتدور بالمغرب حول توأم من البنات.. تجبرهن ظروف قاسية علي الانتماء إلي منظمة دينية متطرفة . الصورة ينقصها الإقناع والإيقاع وجودة الأداء. ولا زلنا في انتظار الصورة الباقية وواحدة منهما كتبها صديقنا الكبير وحيد حامد وتدور أحداثها في مصر.

مسلسلان.. الأول تاريخي والثاني معاصر والإثنان يتمتعان بقوة ضرب خارقة، وبصراحة لم نعتد عليها وبجرأة في التناول كنا نتمناها جميعا.

مسلسلات اعادت لنا ثقتنا بالشاشة الصغيرة ورجالها .. واثبتت أن التليفزيون قادر أحيانا علي التفوق علي السينما، إذا وقف وراءه فنانون كبار من هذا الطراز وأن باستطاعته أن يكون متعة حقيقية للعقل والعين معا.

وهذا مايبدو أن تليفزيوننا الحالي قد نسيه تماما.. رغم الأداء الشديد المتميز لفنانين من أمثال نور الشريف محمود الحديني وخيرية أحمد.. ولكن هذا يستلزم منا حديثا آخر.. أكثر رحابة واتساعا.

جريدة القاهرة في 17 أكتوبر 2006

 

عن توظيف الموسيقي في دراما الشهر الكريم

تترات المسلسلات .. الفائز الأول في الدراما الرمضانية

د. ياسمين فراج  

> صناع «آن الأوان» استهلكوا ثلاث حلقات كاملة لعمل «فرشة» لوردة

> أغنيات المسلسل مقحمة عليه وجعلتنا نتحسر علي أغنيات «أوراق الورد» التي كانت في صميم الدراما

> أيمن بهجت قمر نجح في التعبير عن واقعنا في تتر «سكة الهلالي» بسخرية وبساطة

> عمار الشريعي تألق في «العندليب» لكن التيمات اللحنية الجديدة جاءت أقل من المقاطع المأخوذة من أغنيات حليم  

أصبحت الكثافة الدرامية سمة من سمات شهر رمضان خاصة بعد انتشار القنوات الفضائية التي شجعت المؤسسات الإنتاجية للدراما التليفزيونية تكثيف الإنتاجي وتنوعه بغض النظر عن جودة العمل، وقد وصل عدد المسلسلات الدرامية بأنواعها هذا العام مائة وثلاثة مسلسلات ما بين الدراما الاجتماعية، الكوميدية، التاريخية، والتوثيقية.

ومع هذا الكم الهائل من المسلسلات ازداد بالتبعية عدد الموسيقيين والمطربين المشاركين في هذه الأعمال سوا ء بألحان وغناء التترات أو داخل المشاهد الدرامية، وقد حفل رمضان لهذا العام بعدد من المسلسلات التي اشتملت علي طرق غنائية متعددة.

> آن الأوان

كان عودة السيدة وردة إلي الوسط الفني حدثاً هاماً بعد غياب مدة طويلة خاصة من خلال الدراما التليفزيونية التي تغيبت عنها أكثر من ربع قرن، وكان من الطبيعي أن يتوقع المشاهد أن مسلسل «آن الأوان» سوف يحتوي علي أغنيات لكل من السيدة وردة والمطرب خالد سليم، كما أن المخرج والمؤلف استمرا في تقديم «فرشة» للسيدة وردة طوال الحلقة الأولي بأكملها والتحدث عن تاريخها الفني في الحلقتين الثانية والثالثة باستخدام أجزاء أرشيفية من حفلاتها وبرامجها التليفزيونية وما شابه ذلك وفي الحلقة الرابعة قدم المخرج أغنية آن الأوان بطريقة الفيديو كليب وألصقها بالحدث الوحيد في هذه الحلقة مما أضعف من الحبكة الدرامية، كذلك قدمت السيدة وردة بصوتها غناءً حياً مقاطع من أغنياتها في الحلقات السابقة علي هذه الحلقة دون أن تتطلب هذه المشاهد التحميل عليها بالغناء، كذلك قدمت جميع الأغنيات المسجلة مع الفرقة بطريقة الفيديو كليب طوال حلقات المسلسل سواء للسيدة وردة أو للفنان خالد سليم، يستثني من ذلك المغني الشعبي سعد الصغير الذي لم يكن لوجوده في أحداث المسلسل أي داع بل كانت مشاهده مجرد إقحام للحدث الدرامي.

أغنية «كأنك معايا» قدمها المخرج في ثلاث حلقات متتالية بصوت ملحنها فاروق الشرنوبي وبصوت السيدة وردة ثم خالد سليم مما أصاب المشاهد بالملل، هذه الملحوظات لا تمنع أن جميع الأغنيات التي قدمت في المسلسل علي مستوي جيد من الأداء والشعر والألحان ولكن طريقة تقديمها ضمن الحدث الدرامي كانت مسطحة، وهذا يذكرنا بأغنيات مسلسل «أوراق الورد» التي كان تصويرها أبسط من أغنيات «آن الأوان» من حيث تقنيات التصوير والديكور ومجاميع الرقص ولكنها كانت في صميم دراما المسلسل وليست مقحمة عليها.

كل ذلك لم يمنعنا من الاستمتاع بصوت وطلة الفنانة القديرة وردة وأيضاً خالد سليم بألحان صلاح وفاروق الشرنوبي.

> العندليب والسندريللا ودراما التوثيق

من المسلسلات التي لعبت فيه الموسيقي والغناء أيضاً دوراً رئيسياً «العندليب حكاية شعب، والسندريللا» وقد صاحب هذين المسلسلين حملة دعائية مسبقة منذ ما يقرب من سنة ولا يزال هناك لغط وقضايا حول مصداقية المؤلفين في كتابتهما.

الموسيقي التصويرية والألحان في «النعدليب» للعملاق عمار الشريعي الذي وضع الموسيقي التصويرية وألحان فيلم «حليم» أيضاً، وقد استخدم عمار الشريعي في كل من المسلسل والفيلم نفس الفكرة في التنفيذ الموسيقي حيث اعتمد علي مقتطفات ومقاطع لحنية من أغنيات عبد الحليم حافظ وتوزيعها موسيقياً بشكل جديد وجعل من ذلك القيمة الرئيسية المصاحبة لمعظم قيمات لحنية جديدة في مشاهد أخري من المسلسل ولكن كانت التيمات اللحنية الجديدة أقل من المقاطع اللحنية التي اشتقت من أغنيات حليم ولكن بتوزيع موسيقي جديد. ساهمت التكنولوجيا الحديثة في فصل صوت عبد الحليم حافظ عن الموسيقي في الأغنيات المسجلة بصوته لتكون صوتاً لمن يجسد شخصيته في الحلقات مرة، ولتكون في مرة أخري دلالة علي حدث تاريخي محدد، بخلاف استخدام مقاطع من أغنيات حليم بالتسجيلات الأصلية له للتعليق علي أحداث درامية أخري.

سيرة ذاتية أخري

وهناك مسلسل «السندريللا» الذي يندرج تحت أنواع دراما التوثيق، أي التي تسرد السيرة الذاتية لشخص معروف أو مشهور.

موسيقي المسلسل كانت للموزع الموسيقي أسامة الهندي الذي قدم مقاطع من أشهر أغنيات السندريللا ودمجها مع بعضها البعض ليكون تتري البداية والنهاية، وكذلك كانت الموسيقي التصويرية داخل الحلقات مطعمة بأغنيات بصوت الفنانة سعاد حسني، ولا نستطيع أن نمر علي مسلسل السندريللا دون أن نذكر الآداء الغنائي والدور المتميز الذي قدمته غادة رجب، فهي اثبتت أنها أيضاً ممثلة متمكنة كما هي في الغناء.

> تترات المسلسلات الفائز الأول

كانت المسلسلات الرمضانية ولا تزال بوابة الشهرة للعديد من الملحنين والمطربين والمطربات ونذكر منهم حنان ماضي، والملحنين محمود طلعت، عمر خيرت، ياسر عبد الرحمن.. وغيرهم، ذلك لأن تتري البداية والنهاية لأي عمل درامي رمضاني يظل يقدم لمدة ثلاثين يوماً، مما يجعل الأغنية أو التيمة اللحنية للتترات تعلق بأذهان المشاهدين ومن أهم المطربين الذين ارتبطت أصواتهم بتترات الدراما الرمضانية علي الحجار ومحمد الحلو، ولكن في السنوات الخمس الأخيرة أصبحت أغنيات التترات محط اهتمام نجوم الغناء من شتي الأجيال والأقطار العربية فنذكر مثلاً «أصالة» التي قامت بغناء تتري مسلسل «قاسم أمين»، وهشام عباس الذي قام بغناء تتري مسلسل «أميرة من عابدين» في الأعوام السابقة.

ومن نجوم الغناء الذين اشتركوا في تقديم تترات مسلسلات هذا العام كان محمد الحلو في مسلسل «درب الطيب» وعلي الحجار في مسلسل «حدائق الشيطان» وكلاهما من ألحان الموسيقار عمار الشريعي الذي استعان بفكرة الراوي من المأثور الشعبي للتعليق علي أحداث العمل الدرامي من خلال أبيات شعرية بسيطة ملحنة ومغناة إما علي آلة موسيقية واحدة أو بمصاحبة مجموعة آلات موسيقية.

كما قدم الشريعي ألحان تترات مسلسلات أخري مثل مسلسل «قلب حبيبة» الذي قدم فيه صوتاً جديداً غاية في التمكن والإحساس هو صوت سماح إسماعيل، وهذه صفة من صفات عمار الشريعي الباحث دائماً عن الأصوات الجديدة الجيدة.

من المطربين الذين خاضوا في غناء تترات المسلسلات منذ عدة سنوات قليلة المطرب مدحت صالح الذي قدم لنا هذا العام تتري مسلسل «سكة الهلالي» كلمات الشاعر المتميز أيمن بهجت قمر وألحان محمود طلعت، وقد نال تترا مسلسل سكة الهلالي تحديداً إعجاب الجمهور ولفت انتباهه منذ الحلقة الأولي، ونحن نرجع السبب في هذا للكلمة الساخرة المعبرة عن الواقع الراهن التي كتبها أيمن بهجت مطعمة بعناصر الغناء واللحن والتوزيع، ويعد هذا التعاون الثاني لهذا الرباعي حيث إن نفس الثالوث الموسيقي «مدحت- أيمن- طلعت» قدم تتري مسلسل «عباس الأبيض» بطولة الفنان يحيي الفخراني أيضاً في العام السابق.

من المغنين الذين خاضوا هذه التجربة للمرة الأولي كان «بهاء سلطان» الذي غني تتري مسلسل «سوق الخضار»، أيضاً «حنان عطية» في مسلسل «حبيب الروح»، وامتعتنا بآدائها المتميز «أمال ماهر» في مسلسل «أولاد الشوارع» من ألحان ياسر عبد الرحمن، كذلك الملحن والمطرب المقل بالرغم من جودة موهبته «طارق فؤاد» في تتري مسلسل «الجبل».

جريدة القاهرة في 17 أكتوبر 2006

 

قالوا: "كلما رأيت بنتاً حلوة قلت يا سعاد"

السندريلا منزوعة الروح... ومعقّمة للأخلاق الحميدة

هاني درويش 

في أحد مشاهد الحلقة السادسة عشرة من مسلسل السندريلا يجتمع مفيد فوزي وصلاح جاهين ومحمد الموجي ومجدي العمروسي أمام غرفة حليم يوم النكسة، تدخل السندريلا عليهم لتطمئن على حالة العندليب فيتحول الحوار للحديث عن النكسة. يهاجم مفيد الضباط بينما ثقلت رأس صلاح فأراحها على الحائط تأثرا بنكبة البلاد. يتحدث الجميع عن الوهم الذي روّجوا له عبر أغاني حليم وإحساسهم الشخصي بهزيمة أحلامهم. ينسحب صلاح تاركا ممر المستشفى لشماتة مفيد فتلاحقه سعاد حسني جريا فيستأذنها في الرحيل وحيدا.

المشهد كما هو مكتوب عزيزي القارئ بلغتي محمّل بمشاعر أكثر من المشهد الفعلي الممثَّل، وربما أيضا أفضل مما كتبه السينارستان عاطف بشاي وممدوح الليثي اللذان، على ما يبدو، لفّقاه بالكامل وتركا للممثلين "إلقاءه" دون أي توجيه. السندريلا في طلة منى ذكي المسطحة تبتسم ببلاهة والبقية يصدحون بعلو الصوت كما مسرح الراحل يوسف وهبي. وصلاح جاهين على هيئة الأراجوز تامر حبيب يتمايل في مشيته كممثل هزلي. المشهد كما تقدم يلخص أزمات عمل يدعي البحث في "خفايا" حياة السندريلا، وعندما نتحدث عن خفايا ما في حياة إحدى أهم ممثلات السينما المصرية فنحن محالون ضمنا الى تأمل ما بين سطور رحلة تاريخية موثقة، رحلة صعود وهبوط أيقونة فنية تركت أثرا حلميا على أجيال من مشاهديها. لذا كان من الطبيعي أن نستدعي فيما نحن نفكر في السندريلا كما نعرفها أو كما ترسخت في ذاكرتنا، أن نسترجع كمّ الذاكرة الشفاهية التي تناقلت حياتها كمروية "شائعاتية" بامتياز، وليس بوصفها أيقونة نمت على ما يمكن توثيقه. السندريلا في ذاكرتنا هي ابنة الخام والإشاعة، ابنة ما تركته من شخصيات على السلوليد وما تناقلناه عنها من فضائح. ولا يستطيع أحد ادعاء أن ثمة حكاية واقعية عنها، مرت كالسهم المضيء وتدثرت حتى في موتها الفاجع بغلالة من الأسرار تنضم الى سلسلة حياة كاملة اختزنتها في صدرها ورحلت. سعاد حسني في دراما هذا العام منزوعة الدسم ومعقّمة الروح. حاول الجميع على ما يبدو سلخها من غياهب غموضها لأجل حقنها في وريد الاستهلاك الرمضاني بحقنة منى زكي التي تبدو كإعلانات الجراحة بدون ألم. إنها بالفعل جراحة لا دراما تلك التي نشاهدها على وجه تلك المنطفئة الأحاسيس. ولنبدأ من منى زكي التي فشلت رغم كل المقاربات المكياجية الضخمة في استنطاق الطاقة الشعورية الهائلة التي كانت تتركها لدينا سعاد كلما أطلت.

أتحدّث هنا عن مقاربة نمطية لاقتباس الملامح الخارجية، فمثلا يبدو التكوين الجسماني المتأقزم لجسد منى زكي الخجول على تعارض، كمي وكيفي، مع تماسك وحضور الجسد الحسي العارم لسعاد حسني. فيزيقياً نحن أمام تصغير مخلّ بمفاتن أيقونة الإغراء الشقي. على مستوى العلاقة بالجسد وانفعاله تبدو بطلة المسلسل ميكانو أو ماريونيت تبالغ في أداء ديناميكية الانفعال الجسدي للسندريلا. المتابع للقطات التيتر المتتابعة والتي تمزج بطريقة المورفينج بين الأداء الحركي للأصل والصورة يرى حجم الخلل الحركي في تقليد الطاقة الجسدية. ثم إذا انتقلنا للتعبير عبر الوجه، وهو نافذة هامة للسندريلا الأصل، نكتشف كمَّ اللامبالاة التي صبغت اللقطات القريبة لوجه المستنسخة. هنا انطفاء خجول لِعَينٍ يفترض فيها البريق، هناك ابتسامة بلهاء منفعلة تطفئ الطاقة الدرامية لأي مشهد، هذه دموع "البروزولين" ـ قطرة للعين تستخدم في مشاهد البكاء ـ وليست دموع الحزينة بنبل من لم يولدوا للحزن.

تتحرّك تلك الدمية لتشغل زمنا قياسيا على الشاشة في ادعاء أنها السندريلا، فعن أي سندريلا يتحدثون؟.

من الخام الى الخام يتحرك المخرج سمير سيف بدميته التي لا تجيد حتى تقليد مشاهد السندريلا الممثلة داخل المسلسل. يتحرك سمير سيف بحنين السينما فيوجزها في معمل بصري فوتوغرافي لا أكثر. لا شيء يعلو على الحسّ الفوتوغرافي المزجي بين المادة الخام من أفلام سعاد حسني والأرشيف الصحافي لها لوصل تلك المتتاليات من المشاهد الدرامية المفككة. سمير سيف سحرته الصورة فعلّب السندريلا في أزياء الأفلام ولم يقدمها كإنسانة. السندريلا لديه متتابعة بصرية للقاءات صحافية بين بلاتوهات التصوير. أين الإنسانة ذات المزاج الحاد المتقلب كما وصفها كل من عمل معها؟، أين تلك المتوحدة الفصامية خارج أضواء موقع التصوير؟. لاشيء يفوق الشكلانية التي تموه على ضعف الحكاية الخلافية الضخمة التي ربما تسببها معالجة جادة لسعاد حسني التي يعرفها الجميع. سعاد العائشة في موج الشائعات التي وإن انقشعت أدخنتها بين حين وآخر لم تنف وجود النار المستعرة، وجود ذلك السعار المتفجر في طاقة موهبة أبت حتى في لحظات انكسارها الأخيرة أن ترى خدشا في صورتها لدى الناس إذا أطلت عليهم مهزومة بفعل الزمن. سعاد العائشة في ثنايا الحكايات تبدو أكثر واقعية من هزلية السندريلا الأخيرة، فالمعالجة المتحسسة بخوف أخلاقي تخشى ما قد يثيره المسلسل من مشكلات إذا ما رجح سيرورة حكائية مختلفة عما لفقته صحافة ذلك الزمن عن لسانها. هل سيتحمل مجتمعنا المغلف برقائق الأكاذيب الأخلاقية الخوض في الحياة العاطفية والجنسية لسندريلاته؟، هل يستطيع المشاهد الآن تحمل تعدد ومازوشية وسادية علاقاتها كما حكي عنها؟، لا وقت إذا إلاّ للصور المعلبة التي تجانب فتح مجارير التكذيب ـ وإن لم تنجح حتى الآن فالمسلسل يتعرض لمتابعة قضائية ـ من أشخاص عاصروها واختلفت معهم أو اختلفوا معها؟. لا شيء حقيقياً في ذلك الهزل. فقد تابعتُ مثلا تطور علاقتها بحليم من أول مشهد بينهما وحتى الحلقة السابعة عشرة، ولم أفهم رغم كل المباشرة في التبرير الساذج السبب الحقيقي لعدم اكتمال علاقتهما. هل نحن بلهاء الى مستوى تصديق أن النجمين انفصلا بتبرير حليم كي لا تشارك جمهوره فيه؟، ربما يقولها كاذب مدعٍ ينسج غلالة من الرومانتيكية عن علاقتهما كما يفعل مفيد فوزي في الحقيقة وفي المسلسل، لكن ألم تكن بينهما غيرة النجوم؟. المسلسل يمعن في تسطيح العلاقة لمستوى لا ندري وصفا مناسبا له، لا حياة حقيقية درامية في أي مشهد بينهما وكأن علينا إكمال الفراغات الدرامية كل حسب خياله. تلك الفجوات الدرامية تعيدنا مرة أخرى الى سيناريو المسلسل الذي يعاني من خلل زماني مكاني مع الإصرار المخلّ على المط والإطالة بلا مبرر أو التسريع المبالغ فيه بلا مبرر أيضا، ففي ثلاثة مشاهد تم طلاق سعاد من زوجها الأول وعرفنا ذلك في مشهد تالٍ مع حليم لتتعرف إلى علي بدرخان في المشهد الثالث وتتزوجه في المشهد الرابع، ثم أكبر المصائب المتمثلة في كسر الإيهام العمدي عبر الخروج من المشاهد لمشهد ثابت تحكي فيه قصتها الى أحد الصحفيين، هذه التقنية التي توهم بمستويين من الحكي وتحاول الأيعاز بروح وثائقية كاذبة تحيلنا الى ملل متابعة شهرذاد الحكاءة في مطلع كل حلقة من مسلسل شهرزاد الشهير. وضعية الحكي تلك وكسر الإيهام لا مبرر دراميا لهما إلا تلبيس منطق الفجوات الدرامية ثوب الوجاهة والفنية.

عندما نفشل في استعادة زمن الحكاية الأصلية بتشوشه وعصيانه على الفهم، نبقى أسرى انطباعات التاريخ، وإذا ترافق ذلك مع ضعف الموهبة نرزح تحت عبء الركاكة. ما أصعب مصير التاريخ والموهبة في أزمنة الانحطاط، وما أصعب القتل الثالث لجسد وروح في زمن معلّب يبلغ نيفا وعشرين ساعة. سعاد حسني الحقيقية وكما أعرفها، إقبلي اعتذاري بالنيابة عن الزمن الرديء.

المستقبل اللبنانية في 15 أكتوبر 2006

العولمة و السينما ..خدمة وتأثير متبادل من كلا الجانبين

السينما بين العولمة والعالمية

رمضان سليم

سلسلة "آفاق السينما" بعددها هذا تكاد تطل على مشارف العدد رقم 50 وهى بذلك تحتاج إلى وقفة نقدية باحثة فى إيجابيات وسلبيات هذه التجربة المختصة بالنشر السينمائى فى إطار الكتاب الشهرى أو الفصلي، وفى كل الأحوال فإن التجربة مهمة لو أنها جعلت من المطبوعة السينمائية مسألة ثقافية دورية ومنتظمة وأيضا بسعر شعبى بسيط فى متناول كل قارئ.

لسنا فى محل التطرق إلى رصد تجرية آفاق السينما بشكل عام والتى تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر ويشرف عليها كل من الناقدين أحمد الحضرى ومحمد عبد الفتاح، لكننا نتحدث عن أحد آخر إصداراتها وهو كتاب "السينما والعولمة" للدكتور محمد فتحى والذى يحمل رقم 46، يندرج الكتاب فى إطار الحديث عن العولمة وتأثيراتها على الفنون، وكذلك استجابة هذه الفنون لفكرة العولمة مع تطور التقنيات والوسائط الحديثة وانفتاح العالم على بعضه إعلاميا وثقافيا والتداخل الثقافى بين الثقافات بما يزيد من حدة التنافس وتنامى أدوات التلقى حينا والرفض والتمسك بما هو محلى فى أحيان أخري.

لقد سبق للمؤلف أن أصدر كتابا يقترب من العنوان الحالى فى موضوعه وهو كتاب التلفزيون والعولمة عام 2002 كما أنه تطرق لتطور التقنيات الحديثة فى مجال الوسائط المتعددة من خلال كتابه الكمبيوتر والثقافة والفنون عام 2001. وإن كان كتابه الأهم كان بعنوان "سينما العصر والإنسان" من ضمن سلسلة كتاب الهلال عام 1991.

إن المؤلف د. محمد فتحى يكاد يجمع بين المنظور العلمى التقنى والرؤية السينمائية التى تنظر إلى السينما باعتبارها أداة فعالة من أدوات العصر الحديث للتعبير عن قضايا الإنسان المعاصر وكذلك التأثير فى الجمهور العام وفى السياق العالمى الذى تفرضه خصوصية السينما باعتبارها أداة وتقنية فى حالة تطور مستمر لا يتوقف.

يقع الكتاب فى 231 صفحة من النوع المتوسط وهو نفس المقاس المعتاد لسلسلة "آفاق السينما" مع التغيير الواضح فى أحجام الكتب بحسب الموضوع، ولا يندرج موضوع العولمة وعلاقتها بالسينما وفق أقسام تراتبية ولكن جاءت العناوين مفتوحة ومتتالية فى شكل فصول تنظر إلى السينما على أنها فن عالمى بطبيعته منذ النشأة الأولى ومدخله إلى العولمة أينما كان من بال العالمية الواسع.

وإذا بحثنا فى مدخل الكتاب وجدناه ينطلق من التطورات الجارية فى مجالات العرض والتوزيع فالأفلام صارت تتداول عبر الإنترنت وبواسطة الموبايل الشخصى وبتسعيرة مخفضة نسبيا، مما يعنى انتهاء فكرة الرقابة المحلية وأحيانا انهيار السينما الوطنية لأنها لا تستطيع أن تصمد أو تنافس بعض السينمات العالمية وبالأخص هوليود وإنتاجها الذى تثار حوله الكثير من الأسئلة.

والفصل الأول وهو يحمل نفس عنوان الكتاب "السينما بين العولمة والعالمية" يصوغ المؤلف نفس المعانى التى جاءت فى المقدمة والتى يمكن اختصارها فى قوله بأن الجهود المتشابكة قد أسهمت متكافلة على نحو عالمى "عولمي" حقا فى ولادة فن السينما وتطوره وشيوعه فى مختلف أنحاء كوكب الأرض.

ولكن هذا المنظور العالمى الذى قاد السينما إلى تصور جديد يقوم على أن فكرة العولمة قد سيطرت عليه هوليود بشكل مطلق وبتدبير سياسى مرسوم، بحيث يصل التأثير إلى سيادة مفهوم الاستهلاك والترفيه.

ورغم المحاولات الداخلية والخارجية للخروج من سيطرة الفيلم الأمريكى فإن الدائرة ظلت مغلقة إلى أن جاءت الثورة الرقمية والتى ربما استطاعت أن تفتح أفقا جديدا مغايرا يسمح للجميع بأن ينتج ما يخطط له ويبحث عنه، اعتمادا على المحلية فى مواجهة هيمنة الآخر.

ومؤلف الكتاب هنا يربط بشكل حاد غير مقنع بين العولمة والعالمية، كما أنه يقدم النصائح المباشرة ويجزم بالحلول ويقترب من التصورات النظرية الجاهزة.

الفصل الثانى له طابع تاريخي، حيث يتطرق المؤلف إلى البدايات الأولى للعروض السينمائية وهى بدايات عالمية متداخلة بين أمريكا وفرنسا وألمانيا كما أن هناك بعدا عالميا لاختراع السينما من حيث نظرية استمرارية الرؤية، ومحاولات اختراع آلة التصوير وأخرى للعرض، وغير ذلك من التطبيقات والكاتب فى هذا الجانب يرى أن استقبال الجمهور لاختراع السينما كان يغلب عليه عامل الإدهاش سواء كان الأمر فى أمريكا أو فرنسا أو فى مصر، وهو ما تؤكده بعض الصحف التى يستعين بها الكاتب لوصف الكيفية التى تلقى بها الجمهور فى مصر بعض العروض السينمائية الأولي.

الفصل الثالث يحتوى على تصورات نظرية عامة حول العولمة بمعناها الاقتصادى وقراءة أولية لبعض المظاهر الثقافية والإعلامية والاجتماعية للعولمة من خلال مفهوم المركز الغربى والأطراف الأخرى الذى تدور حوله الفصول الباقية من الكتاب هى تلخيص لنشأة وتطور السينما العالمية مثل التعريج على السينما الصامتة باعتبارها تمثل أحد مظاهر العولمة لأن الشريط يفهمه أى مشاهد فى العالم بدون الحاجة إلى لغة معينة ويتحدث الكاتب أيضا عن الاقتباس فى بدايات السينما الأولى وهو مظهر عالمى أيضا لأن موضوعات الأفلام تنتقل من مكان إلى آخر.

يستمر الكاتب فى التطرق إلى بعض الأفكار المتناثرة والتى تنقل من مؤلفات سينمائية كثيرة لها طابع تاريخى مثل الحديث عن شارلى شابلن العالمى وتأسيس مكتبات للأفلام وإقامة بعض المهرجانات السينمائية العالمية كما يعيد صياغة بعض المعلومات حول السينما الفرنسية فى بداياتها الأولى وكذلك السينما الإيطالية والألمانية والروسية.

فى الفصل السادس هناك تعريج على صعود نجم هوليود بكل ما تمتاز به من أنظمة إنتاج وأسواق مفتوحة وشركات إنتاجية كبرى وهذه منظومة جعلت من هوليوود حاضرة للسينما العالمة.

فى الفصل السابع يدخل المؤلف بعض الاتجاهات السينمائية مثل الواقعية الإيطالية الجديدة والموجة الفرنسية الجديدة فى سياق محاولات التملص من هوليود كما أنه يضيف بعض الظواهر الأخرى من دول عالمية مختلفة ويجعلها فى نفس الإطار الفضفاض الذى تدعمه حجة واضحة وتعبيرا عن ذلك يقول الكاتب: ومن هنا فإن حركات السينما الكثيرة المناهضة لسينما هوليوود وضمن هذه الحركات قطاع من السينما الأمريكية بالطبع وهى تحمل صفات، الطليعية والمستقلة والحرة والشابة والبديلة والمستقبلية والابتكارية والدوجمائية وهى تحاول الاسهام فى عملية ازدهار التعبير السينمائى عن واقع وأمانى مختلف الشعوب فى عالمنا بدلا من الانسياق وراء الأفلام الترفيهية الهابطة التى تجتاح العالم كله نقلا عن هوليوود .

وبالطبع تبدو الموضوعات التى اختارها المؤلف بعيدة عن فكرة العولمة ولا تقترب منها إلا من بعيد ولذلك جاءت الجمل فى آخر كل فصل تشير إلى الإرث العالمى والكونية وتطلعات الإنسان الواحدة، مما يعنى أن كل ما طرح يدخل فى سياق العولمة حتى وإن كان الأمر لم يكن كذلك.

يسمى المؤلف الفصل الثامن باسم "الاندماج بين التلفزيون والسينما والسيطرة الامريكية الماحقة" وهو فصل مخصص لقراءة العلاقات المتشابكة بين التلفزيون والسينما والتى تسير بشكل أو بآخر نحو سيطرة التلفزيون.. أى حسب رأى الكاتب: وهكذا فإن اعتماد الوسيطين كل منها على الآخر وأساليبهما المتشابكة وقيامهما على نفس الكوادر الفنية قرب الفارق بين الوسيطين بالذات بعد أن صارت الفروق تضيق بفضل التعديلات والتحسينات التى طرأت على آلة التلفزيون مما زاد من قدرة أعماله على التعبير الصادق، وكل ذلك مما بشر بتعايش طويل الأمد، وإن زاد فيه الثقل النوعى لما هو تلفزيونى فى مجالات كثيرة بما فى ذلك مجالات الترفيه الجماهيرية عامة .

ومن خلال بعض العناوين الفرعية يتناول المؤلف بعض التطورات التقنية الحديثة فى مجال البث المرئى والصراع بين الشركات الكبرى فى عالم الإنترنت أوفى هذا الفصل تحديدا يقترب د. محمد فتحى من مفهوم العولمة بمعناه المعاصر من خلال ما تثبته القنوات من أفلام وبرامج وخصوصا القنوات العالمية التى تؤثر على الجمهور فى بلدان العالم النامى بشكل سلبي.

فى الفصل الثامن مناقشة لبعض الأطروحات النظرية الخاصة بالثقافة والهوية والخصوصية وهى مناقشة لا تخلو من دعوات ونصائح للتعامل مع العولمة من منطلق الاستفادة، لكن يبقى التصور نظريا يقارب العولمة بمعناها الشامل ولا يركز على العلاقة المباشرة بين السينما من ناحية والعولمة من ناحية أخري، كما أن العنوان العام يبقى بعيدا عن المعالجة رغم الجهد النظرى المبذول من قبل المؤلف... يتكون الفصل الثامن من شذرات ومتفرقات مثل: الصورة فى ديناميتها - قشور نمط الحياة الامريكى - القنوات الموجهة - استسلام السينما - مصير الفن والثقافة فى العالم المعاصر.

ورغم أن هناك بعض المعلومات الاضافية فى هذا الفصل فإنه فى مجمله لا يخدم ولا يناقش اطروحة العولمة.

أما الفصل التاسع فقد احتوى على ملخصات لبعض الافلام وكأن المؤلف قد تنبه إلى أهمية التطبيقات وذكر النماذج المتعددة التى تخدم الموضوع من جانبه السينمائى ولقد جاءت الافلام المختارة، على رغم من حسن اختيارها، مجرد أفلام مثل غيرها وليست لها خصوصية معينة ولا تعبر عن الموضوع بشكل مباشر إلا فى حدود تصورنا لما يمكن أن تكون عليه القرية العالمية.

من هذه الأفلام: طائر فوق عش المجانين - بيير وجميلة - فى مساحة 40 مترا مربعا المانية - بين عالمين - أورجا - تحت الارض - حلاق درب الفقراء - صرخة النساء - الطهارة - عيد ميلاد فتاة - الطريق إلى قندهار - بين الحدود - الحدود.

ورغم أن هذه الأفلام قد اختيرت للتعبير عن مفهوم القرية الصغيرة فى عالم واسع يتواصل بين أطرافه، فإن المؤلف يعود دائما إلى فكرته الرئيسية والتى طغت على الكتاب وتتلخص فى تقديم الانتقادات إلى سينما هوليود بالمعنى السياسى والاجتماعي.

يتصف الكتاب بالبساطة فى طرح الافكار رغم أن هذه الأفكار ذات طابع إعلامى مباشر كما أن الاسلوب واضح ويسير نحو الهدف بطريقة مباشرة، لكن الكاتب يعيد أفكاره بين كل فصل وآخر كما أنه يختار بعض الموضوعات الجانبية ولا يعطيها حقها ففى الفصل العاشر يتحدث عن سينما البلدان النامية ومشاكلها، فيقدم معلومات حول السينما الهندية بشكل سريع وكذلك الامر بالنسبة للسينما الصينية والسينما الإيرانية، مع كلمات بسيطة حول السينما العربية.

ومع أن ظروف كل سينما مختلفة بالنسبة للبلدان النامية ومن الصعب وضع هذه السينما فى سلة واحدة لاختلافها من حيث تحقيق النجاحات والمستوى الفنى والتوزيع العالمى فإن النقد يوجه إلى الفرضية التى تدعم مقولة السينما النامية فالفرق كبير بين السينما الهندية العالمية والسينما اليابانية التى لم يذكرها المؤلف بالإضافة إلى سينمات أخرى نشطت فى السنوات الأخيرة مثل السينما المكسيكية والسينما الإفريقية وسينما كوريا الجنوبية والسينما التركية وغيرها.

فى محاولة لتوضيح العلاقة بين السينما والاستخدامات الرقمية الجديدة يعمل مؤلف الكتاب على شرح الإيجابيات التى جاءت بها هذه الثورة الرقمية ومرة أخرى من أجل الخروج من دائرة السينما الأمريكية بل والخروج من سيطرة شركات الإنتاج الكبرى والصغرى بحيث يمكن لأفراد أن يقدموا أعمالهم السينمائية بالاعتماد على أنفسهم وتعاونهم ومعداتهم التقنية الحديثة والتى تسمح بالعمل الفردى المحدود مع انخفاض هائل فى تكاليف الإنتاج وسهولة فى العرض والتواصل مع العالم.

لكن الانتقال إلى الحداثة الرقمية وكما يقول المؤلف يتطلب تغييرات كثيرة فى طريقة التعامل مع السينما من حيث الإنتاج والعرض واستخدام وسائط غير معتادة تكشف جميعها عن متغيرات جوهرية فى قلب العملية السينمائية ليس فقط باعتبارها أداة بل أيضا أسلوبا فى التعبير.

فى الفصل الحادى عشر يتطرق الكاتب إلى دور العرض وتطور مراحل الإنتاج ومشكلة القرصنة العالمية ومحاولة تدريس السينما بالمدارس مختتما الفصل بالتعرض لبعض المحاولات العربية فى استخدام الوسائل الرقمية لصناعة أشرطة بميزات محدودة كما فى محاولة محمد خان الذى أخرج "كليفتي" اعتمادا على كاميرا ديجيتال وكذلك الأمر بالنسبة لمحمد ملص فى "باب المقام" وخيرى بشارة فى "ليلة فى القمر" وغير هؤلاء الكثير.

على نفس النسق تقريبا يسير الفصل رقم 12 من الكتاب فهو موضوعات قصيرة جانبية تتطرق إلى الموسوعات السينمائية الحديثة على الكمبيوتر وبرامج أخرى تساعد على إنجاز الأشرطة نقلا عن طرق الكاتب إلى موضوع جانبى وهو الحديث عن شريط "صوت الموسيقي". ومثل هذه التفاصيل الجانبية لم تخدم الكتاب كثيرا بل أضعفت من قيمته والتى ارتفعت نسبيا فى مستواها الثقافى عند الحديث عن بعض الجوانب المتغيرة فى الثورة الرقمية.

وفى فصول باقية تناول المؤلف بعض الموضوعات التى لها علاقة غير مباشرة بالعولمة ولكن الحديث جاء مبسطا وسريعا ويتناول المظاهر العامة لما يمكن أن يفعله الكمبيوتر من حيل سينمائية وخدع بصرية واختراعات افتراضية فى أشرطة ذكر المؤلف بعضها وخصوصا عندما تناول موضوع الكرتون عالم خطر فى الفصل الخامس عشر.

إن كتاب "السينما والعولمة" إضافة جديدة للمكتبة السينمائية العربية التى تفتقر إلى مثل هذه النوعية من الكتب مهما كانت نوعية الانتقادات الموجهة إليه.. والحقيقة أن الكتاب يفتح بعض النوافذ من أجل المزيد من البحث والدراسة فى هذا الموضوع. وبالطبع من الصعب أن تكون الكتب المؤلفة والموضوعة هى المدخل الجيد لقراءة هذه المتغيرات اليومية فى عالم السياسة والسينما والتقنية بل يمكننا القول بأن الكتب المترجمة هى الأساس والأهم وهى التى يحتاج إليها القارئ فعليا. ومن المهم بالنسبة لسلسلة "آفاق سينمائية" أن تتعرض للعديد من الموضوعات وبأشكال مختلفة. وهذا ما حدث فى هذا الكتاب والذى يعد الأول من نوعه فى المكتبة السينمائية العربية، والذى يتطرق إلى علاقة السينما بالعولمة رغم أن الكتاب كما قلنا لم يقترب كثيرا من الأطروحة التى ادعى البحث فيها.

"*" ناقد سينمائى ليبي.

الحياة اللبنانية في 10 يوليو 2006

 

 

zoom
حليم ومأزق السندريلا

منصورة عبدالأمير 

على رغم قيام بعض المحطات الفضائية ببث مسلسل درامي يناقش سيرة المطرب المصري الراحل عبدالحليم حافظ، وعلى رغم كل ما يحاط بهذا المسلسل وسواه من المسلسلات التي تناقش سيرة المشاهير من أهل الفن، فإن كثيراً من محبي العندليب الأسمر، لايزالون ينتظرون بفارغ الصبر وصول فيلم »حليم« الى شاشات السينما.

هو انتظار قد يطول قليلاً خصوصاً إذا علمنا أن الفيلم لايزال يتنقل بين مختلف المهرجانات، ولاتزال الرؤية غير واضحة فيما يتعلق بموعد عرضه. لكن كل ذلك الانتظار لم ولن يتمكن من أن يقتل رغبة ولهفة جمهور العندليب لمشاهدة أول عمل سينمائي يناقش سيرته الذاتية. وربما يكون الجزء الكبير من تلك اللهفة يعود لكون الفيلم ثاني انتاج تقدمه شركة غود نيوز التي اتحفت الجمهور العربي في وقت سابق من هذا العام، بإنتاجها الأول »عمارة يعقوبيان«. وكما هو معلوم فإن ذلك الفيلم، شكل علامة مميزة ونقطة فاصلة في التاريخ الحديث للسينما المصرية. هو بحق رائعة، إن جاز وصفه كذلك، على الأقل لتمكنه من إسترجاع روح أفلام الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وهي الفترة التي بلغت فيها السينما المصرية أوج تألقها وقمة نضجها، سواء عبر نصوص أفلامها المتينة البناء، أوعبر مناقشتها الجريئة لكثير من قضايا المجتمع السياسية والاجتماعية بشكل لم يتكرر في تاريخ السينما المصرية. »يعقوبيان« جاء بنص محكم واستعرض بجرأة كبيرة جزءاً من التاريخ الحديث والمعاصر لمصر، وقدم قصة جميلة تمتلئ بكثير من الاسقاطات السياسية على الواقع المصري الراهن اليوم.

بالطبع يكمن السر الأكبر لدى حليم أولاً، قبل غود نيوز ويعقوبيان، فالعندليب الراحل لايزال حيا في الذاكرة العربية ولاتزال أغانيه تحقق أعلى المبيعات في سوق الأغنية العربية التي يصعب اليوم على أي مطرب مهما بلغت قوة ادائه من الصمود فيها. لكن حليم الذي غادر هذه السوق، قبل عقود عدة، لايزال هو الأول، في قلوب كثيرين، ولايزال واحداً من أفضل الأصوات، ولاتزال ألحانه وكلماته وقصة نجاحه تلهم الكثيرين من السائرين على الدرب ذاته.

حليم وغود نيوز هما عاملا نجاح الفيلم الأولان إذاً، لكن ماذا عن بطل الفيلم وعن الممثل الاسطورة، أحمد زكي، الذي يقدم هنا آخر أدواره، بل إنه قدم بعض مشاهد الفيلم التي تصور نهاية حليم، على سرير المستشفى الذي يرقد فيه زكي نفسه وعلى فراش موته!. وليس ذلك بمستغرب من فنان مثل زكي وهو الذي طالما عودنا على تقمص الشخصيات التي يؤديها على الشاشة وعلى تحري أقصى درجات الدقة والواقعية في تقديمها . وهو هنا لا يفعل سوى أن يواصل سيرته تلك إذ يأبى إلا أن يعتمد الواقعية نهجاً له حتى النهاية ليموت وهو يمثل، وليجسد موت حليم بأشد ما يمكن أن تكون الواقعية!

هي عوامل كثيرة إذاً ما يمكن لها أن تضمن للفيلم نجاحاً مدوياً، هذا إلى جانب الدعاية الضخمة التي قامت، ولا تزال تقوم بها، الشركة المنتجة للفيلم، وهي دعاية مدروسة آتت أكلها مع »عمارة يعقوبيان« وأظنها ستفعل الشيء نفسه هذه المرة، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار اعتماد الشركة عامل التشويق و«التمنع« على المشاهد كنوع من الدعاية للفيلم!

وعلى رغم أن كثير من النقاد ممن حالفهم الحظ لحضور العروض التي اقيمت للفيلم في مختلف المهرجانات، خرجوا بتقييمات سيئة له، ووصفوه بالضعف الدرامي تارة وبالفشل في خلق الانفعال والتعاطف لدى المشاهد تارة أخرى، وبالافتعال مرة ثالثة! باختصار حاولوا إفساد متعة مشاهدته وتنفير المتفرجين المتلهفين منه، قبل أن يرى نور شاشات دور السينما، مع ذلك ظل كثيرون يحملون اللهفة ذاتها! لم يقتل طول الانتظار ولا انتقادات المختصين لهفة المشاهدين إذاً، لكن ما فعل ذلك هو ما لم يكن في حسبان صناع الفيلم، ولم يطرأ على بال أي من المشاهدين ولا حتى النقاد. هناك عاملان تمكنا إلى حد كبير من أن يفسدا الأمور على غود نيوز، وعلى حليم، وحتى على زكي الذي رحل قبل أن يحقق حلمه في تقديم هذا الفيلم أو اتمام تصويره!

اول هذه الاعمال حمل اسم العندليب، بينما جاء الآخر تحت اسم السندريللا. أول هذين العملين جاء مملاً بنصه المشتت الذي لا نعلم إن كان يناقش سيرة العندليب أم يستعرض بعض ارهاصات تلك الفترة من تاريخ مصر. كذلك اعتمد صناع المسلسل بطلاً لا يمت للتمثيل بصلة، تم اختياره لا لشيء سوى لحمله قليلاً من الشبه بحليم، وهو شبه في المظهر فقط. وعلى رغم محاولات هذا الشبيه تقمص روح العندليب، فإن الناتج كان عملاً لا طعم له ولا نكهة فيه ولا حاجة لأي من محبي العندليب لأن يضيعوا أوقاتهم في مشاهدته.

أما العمل الثاني وهو السندريلا الذي يناقش حياة الفنانة الراحلة، سندريلا الشاشة العربية، سعاد حسني، فهوعمل لم يأت ليستعرض قصة نجاح هذه الفنانة المميزة، لكنه جاء ليفضح الكثير...و الكثير من أسرار حياتها الخاصة. هو عمل اشبه بيوميات بابارازي »صحافي فضائح« حاول تتبع بعضاً من حوادث حياتها وجاء هنا ليفضح كل شيء على الشاشة وأمام الملأ. طبعاً كاتب السيناريو عمل على أن يقدم صورة ملائكية للسندريلا لكنه على رغم ذلك لم يتمكن من أن يقدم نفسه سوى على أنه كاتب فضائح، متلصص على حياة البشر وأدق أسرار حياتهم. ما الذي يمكن أن يجنيه المشاهد من وراء معرفة أسرار حياة هذه الممثلة الراحلة والتفرج على أدق تفاصيل حياتها العاطفية والزوجية. وليس ذلك وحسب بل يمكن للمشاهد أن يطلع على أسرار بعض ممن عاصروا الفنانة وممن لايزالون على قيد الحياة، والذين لم يجد صناع المسلسل حرجاً في فضحهم على الشاشة كنجاة الصغيرة، الشقيقة الكبرى للسندريلا التي لا أظن قارئاً لن يدعم موقفها الرافض لما جاء في المسلسل ورغبتها في رفع قضية ضد صناعه. باختصار، لا يمكن احترام صناع المسلسل، بل إن وجودهم يجعلنانسأل عما يمكن أن يكون قد ناقشه فيلم »حليم«. هل سنجد أنفسنا مقتحمين لخصوصيات العندليب، حتى وإن رحل، كما حدث مع السندريلا؟ هل سيتعين علينا قضاء ساعات نتعرف فيها على تفاصيل لا تمت بصلة لواقع قصة نجاحه الفني وخلود اسمه في عالم الغناء؟ وهل سيقع صناع فيلم حليم في ذات المأزق الذي وضع فيه صناع مسلسل السندريلا والعندليب أنفسهم، مع الورثة ومع شخصيات العمل ، ومع الجمهور أولاً وأخيراً؟!

الوسط البحرينية في 18 أكتوبر 2006

 

سينماتك

 

د. رفيق الصبان يكتب عن مسلسلات مضيئة في رمضان

«أولاد الرشيد» خارق و«المارقون» مدهش

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك