قدم المخرج الأميركي جايمس لونغلي فيلمه الوثائقي الجديد "العراق في أجزاء" خلال مهرجان "أيام بيروت السينمائية" الذي انعقد في بيروت بين 16 و23 ايلول/سبتمبر الفائت. والشريط هو الثاني للونغلي بعد "قطاع غزة" الذي أنجزه في العام 2001. أمضى المخرج ثلاث سنوات في العراق مصوراً فيلمه الحالي جامعاً قرابة 300 ساعة تصوير وحكايات كثيرة تقلصت الى ثلاث حكايات في فيلم من ساعتين. حاز الشريط عدة جوائز من مهرجان صندانس السينمائي وسيخرج في الصالات الاميركية الشهر المقبل. عن تلك التجربة المثيرة للاهتمام، تحدث المخرج خلال زيارته بيروت لتقديم الفيلم.

* * *

·         هذا فيلمك الثاني عن الشرق الاوسط بعد "قطاع غزة" في العام 2001. كيف بدأ اهتمامك بالمنطقة ولماذا؟

ـ ليس هناك سبب شخصي لاهتمامي بالمنطقة سوى ان ما يحدث فيها يشكل القصة الاولى في العالم ونقطة الاهتمام الاساسية للولايات المتحدة. بعضهم يرى ان الصين هي "القصة" الاهم بالنسبة الى اميركا ولكن الشرق الاوسط مازال يشكل اهتماماً لاسباب عديدة. ثم ان المنطقة تبدو ضبابية تماماً بالنسبة الى الشعب الاميركي. وهناك تبسيط في الاعلام لما يجري. كمستهلك لهذا الاعلام، أجد ذلك غير مرضٍ ومضللاً لذلك وجدتني مدفوعاً الى الذهاب واكتشاف ما يجري بنفسي. لم يعد يهمني ما يتصدر صحيفة "نيويورك تايمز" مثلاً عن غزة او العراق لأنني بعد ذهابي اليهما بت أعرف الحكاية.

·         كيف ولد مشروع "العراق في اجزاء"؟

ـ ولدت فكرة الفيلم من الخطاب السياسي الاميركي الذي سبق الحرب على العراق. فقد اظهر الاخير بوضوح ان اميركا ستضرب العراق مما يعني ان كارثة ستحل بالمنطقة وان الحرب ستكون طويلة. ففي هذا النوع من العمل الوثائقي، يجب التفكير في تداعيات الحدث. بمعنى آخر، لم يكن ممكناً انجاز فيلم كهذا لو ان المقصود كان توجيه ضربة سريعة وقصيرة لأن ذلك كان سيعني انتهاء الفيلم مع انتهاء الحرب او الحدث. هكذا وصلت العراق للمرة الاولى في ايلول 2002 ومكثت في بغداد لعشرة ايام. حتى سقوط نظام صدام حسين، كان مسموحاً للصحافيين بالتجول والحصول على التصريح للتصوير. فكرتي الاولى كانت العثور على عائلة والتصوير معها قبل الحرب وخلالها وبعدها للخروج بوجهة نظر عراقية خالصة عن الموضوع. ولكن الصعوبة تجلت منذ اللحظة الأولى اذ بدا واضحاً انني لن اتمكن من الحصول على نظرة عراقية خارج سيطرة النظام. لقد عرفت انني سأنتهي الى الاستماع الى ما يريد نظام صدام من هؤلاء قوله. في نهاية المطاف، تخليت عن الفكرة ولم أصور الا بعد وقوع الهجوم.

·         ألم تكن تُسأل من الناس عما تفعله لاسيما ان المرحلة كانت حساسة وانت صحافي اميركي يستبق الامور؟

ـ معظم الأحاديث التي خضتها كانت مع رجال المخابرات. كانوا يسمعونني دائماً ان ما من سلاح نووي وكنت أحاول افهامهم ان ذلك لن يغير في الامر شيء. أذكر أيضاً طالباً جامعياً اتجه ناحيتي في مقهى انترنت وسألني ان كنت أظن ان الاميركيين آتون فأجبته بنعم فشكرني وذهب. عندها قلت له تشكرني الآن ولكنك سترى ماذا سيجري لاحقاً.

·         أين كنت عندما بدأت الحرب؟

ـ كنت في القاهرة. ذهبت الى بغداد أواخر نيسان فوجدتها مدينة أشباح. لم يكن أحد يجرؤ على الخروج الى الشارع. قصدت حياً كنت قد زرته في رحلتي الاولى. اسمه شيخ عمر وسجلت مقابلات مع الناس. كنت أبحث عن قصص مثيرة وعن شخصية محورية لتروي الحكاية. هناك ملايين القصص في العراق ولكن لا يمكن قول كل شيء. أردت أن أخبر قصة من داخل العراق. هكذا عثرت على الصبي بطل الحكاية الاولى في أيار وصورت معه نحو سنة وكذا الأمر بالنسبة الى الحكايتين الأخريين. لقد صورت قصصاً أخرى لم أضمنها الفيلم.

·         لماذا اخترت القصص الثلاث بالتحديد التي تكون الفيلم؟ ما كانت فكرتك؟

ـ أردت قصصاً مختلفة من أماكن عدة. وقتذاك، لم يكن مقتدى الصدر قد صعد بعد. قصدت مكتبه للحصول على اذن بالتصوير في المنطقة حيث أردت تصوير طلاب دين. ولكنني لمست بعد فترة انهم خائفون من ان يتكلموا بدون استشارة الأعلى منهم كما انهم لم يستطيعوا التعبير عن انفسهم بانفتاح. هكذا تحولت الى فكرة تصوير شخصية واحدة بدلاً من مجموعة وبدا الشيخ عويس الأقدر على لعب الدور لقدرته على الكلام والتعبير عن نفسه. ولكنني لم أستطع تصويره في حياته الخاصة.

·         الجزء الثاني عن الشيعة هو أكثر أجزاء الفيلم عنفاً. الا تعتقد انك صورتهم كما لو انهم "غيتو"؟

ـ الكل يعرف ان الشيعة ليسوا فريقاً واحداً. الشيخ عويس يمثل حركة مقتدى الصدر والمثير بالنسبة الي كان ان تلك الحركة السياسية كانت تسعى الى التحرر من الاحتلال عبر الانتخابات ولم يكن قد توضح في ذلك الوقت الاتجاه الذي سيسلكونه. كانوا مجرد مجموعة تحاول التخلص من الاحتلال أردتهم أن ينجحوا وأن ينالوا بتوحدهم من الأميركيين. ولكن للأسف هم أنفسهم لم يكونوا موحدين.

·         مشهد مهاجمة سوق الخمور مثلاً دفع بكثيرين الى التساؤل ان كان واقعياً. واذا كان كذلك فكيف استطعت ان تنال ذلك "الامتياز"؟

ـ صورتهم لوقت طويل وعايشتهم قرابة تسعة أشهر. ذات يوم، كنا في الناصرية وأحسست بحركة غير عادية. سألتهم عما يجري فقالوا انهم سيهاجمون سوق الخمر. طلبت الاذن بتصويرهم فوافقوا. هم اساساً يقومون بتصوير تلك العمليات.

·         ماذا قلت لهم عندما طلبت تصويرهم؟ أقصد كيف شرحت لهم ما تنوي فعله؟

ـ قلت لهم إنني أصور فيلماً مستقلاً لا سلطة لأحد عليه. اشترطوا علي فقط الا يبث ما أصوره على الـ"سي.أن.أن" في اليوم التالي. خلا ذلك، كانوا متعاونين جداً، بعد دخول الأميركيين المنطقة وعملياتهم فيها، أصبح الأمر أصعب ولكنهم ظلوا لطفاء. كانت هناك ثقة متبادلة بيننا.

·     خطر لي انه يمكن تسمية أجزاء الفيلم تباعاً: الواقع، جهنم، الجنة. الواقع في القصة الاولى، وجهنم في الشق الثاني والجنة هي عند الأكراد كما يبدون في الفيلم.

ـ أحب هذا التقسيم وأعتقد انه ينطبق على كل شق على حدة، اي ان كل حكاية تضم تلك العناصر. قصة الصبي هي في ظاهرها حكاية ولد يريد أن يدرس ولكن يتوجب عليه في الوقت عينه أن يعمل وهناك تلك العلاقة بينه وبين رب عمله التي هي مزيج من الحب والخوف. هذه القصة تعكس علاقة العراقيين عموماً بالسلطة والقوة وحتى علاقتهم بالأميركيين فهم يحبونهم ويكرهونهم في آن واحد. الجزء الأخير هو الأكثر تحرراً لأنه بعيد عن الحدث ولكنه لا يخلو من مأساته الانسانية الخاصة وضحيتها مراهق مضطر لترك العلم لمساعدة والده جرياً على التقاليد والعادات.

·         الشق الاول سينمائي حتى ليبدو أحياناً ان هناك سيناريو ومشاهد مركبة.

ـ طوال فترة تصوير الجزء الأول، كنت أصحو يومياً وأتوجه الى بيت الصبي. أصوره يصحو من نومه وأرافقه الى المكان الذي يعمل فيه وأجلس هناك أصور وأنتظر لالتقاط شيء غير عادي بينما أقوم بعملية مونتاج اولية في رأسي. لذلك ربما يشعر المشاهد بأنه أقرب الى فيلم سينمائي. صورت كل شيء بدون رقابة. كان لدي الوقت الكافي لأبني الفيلم ولأتآلف مع الشخصيات ومحيطها ولأجعل الكاميرا جزءاً منه. في كل فصل من الفصول الثلاثة، حاولت الحصول على أمربن: الواقع وقصة خارج الزمان والمكان. أعترف ان الفصل الثاني لم ينجح في ذلك لأن ما من شخصية محورية أو قصة انسانية.

·         اليوم بعد مشاهدة الفيلم، الى أي مدى تعتقده يمثل العراق؟

ـ كل شيء في الفيلم حقيقي ولكنه يبقى جزءاً صغيراً من الحقيقة. لا يمكن وضع العراق في فيلم ولا حتى في مئة فيلم. انه بلد معقد ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه يتمثله في فيلم.

·         الفيلم هو خليط من اسلوبين: التأملي الذي يظهر في الجزءين الاول والثالث ونقل الحدث الخام الذي نلمسه في الجزء الثاني.

ـ مهاجمة السوق كانت حدثاً خاماً ولكنه ايضاً مبني. أحب الأفلام المركبة والمبنية. الكاميرا التي تصور فقط مهمة كوثيقة. ولكن ثلاث سنوات من العمل يجب ان تثمر قطعة سينمائية. المشكلة ان ثمة فكرة مغلوطة لدى كثيرين تقول بأن هناك شروطاً يجب على الفيلم الوثائقي لاسيما الواقعي ان يلتزم بها. ولكن الحقيقة ان العمل مهما كان واقعياً هو في نهاية المطاف فيلم. فمثلاً في فيلمي ينساب الصوت بين اللقطات. بالنسبة الى البعض، هذا يخالف شروط الوثائقي الواقعي. ولكن من قال ان تصوير نصف ساعة متواصلة بدون توقف هو الوثائقي الحق؟ كل فيلم مهما اختلفت تسميته او نوعه هو عمل شخصي.

·     ثمة تشابه بين "قطاع غزة" و"العراق في أجزاء" لجهة عدم وجود راوٍ واحد والارتكاز بدلاً من ذلك على وجهة نظر الناس لاسيما من الأطفال.

ـ لو كنت إمرأة لما ركزت على الأطفال الصبية والرجال. ثمة فوارق كبيرة على مستوى الاجتماعي بين الجيندر. كانت الطريق الأسهل لدخول المجتمع العراقي من خلال عيون طفل او رجل. قبل اتخاذ ذلك القرار، حاولت العثور على مترجمة لأتمكن من إدخال شخصية إمرأة في الفيلم. ولكن العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية حالت دون ذلك. لم يكن ممكناً على إمرأة ان ترافقني طوال الوقت وان تتنقل معي بين المناطق العراقية وتبيت خارج منزلها. ثم ان العمل مع الأطفال أسهل لأنهم لا يمانعون ان تلاحقهم الكاميرا على مدى سنة كاملة.

·     على المستوى الفني، الفرق شاسع بين الفيلمين. في الاول كنت في قلب الحدث. اما في الفيلم الحالي فتأخذ مسافة وتقوم بخيارات فنية سينمائية.

ـ منذ البداية قررت أن أصنع الفيلم حيث الكاميرا ليست حاضرة بقوة وحيث المشاهد لا ينتبه كثيراً الى وجودي. للحصول على ذلك وفي الوقت عينه البقاء وفياً للواقع والابتعاد من اعادة تمثيل المشاهد، كان علي ان أمضي وقتاً أطول مع الشخصيات. هذا ما شكل الفرق الاساسي بين الفيلمين. "قطاع غزة" صور في ثلاثة أشهر بينما "العراق في أجزاء" استغرق ثلاث سنوات. والفرق الآخر هو التزامي بالحفاظ ليس فقط على خطوط الحكاية بل على الشكل ايضاً على طول الفيلم.

·         هل كان لموقفك السياسي مما يجري الدور الأساسي في اختياراتك السينمائية؟

ـ الخيار بحد ذاته سياسي. أن أختار عمل فيلم وثائقي عن العراق والعراقيين باللغتين العربية والكردية فهذا خيار سياسي. الأفلام التي يُطلق عليها وصف أفلام عن العراق هي في واقع الحال أفلام عن الأميركين في العراق. موقفي من مهاجمة أميركا للعراق منح الفيلم توجهه حتماً ولكنني لم أصنع الفيلم لأعبر عن ذلك الموقف. الفيلم عن العراقيين وعنصر الاكتشاف أساسي فيه.

·         كيف تتوقع أن يكون صدى الفيلم بين الجمهور الأميركي؟

ـ الفيلم سيخرج في الصالات الأميركية في الثامن من تشرين الثاني المقبل. لن أقول إنني صنعت الفيلم للجمهور الأميركي ولكن يمكن القول انه لن يقول جديداً للعراقيين. الأميركيون معزولون عن العالم. من المهم أن يسمعوا شيئاً مختلفاً عما يرونه على "سي.أن.أن." وفوكس نيوز. لا يهمني ألا يفهموا او أن يضيعوا. أعتقد أنه من الصحي ان يشعروا بالحيرة وأن يدركوا أنهم لا يعرفون ماذا يجري. ذلك أفضل بكثير من أن يتوهموا أنهم يفهمون كل شيء من خلال متابعة "سي.أن.أن." لمدة خمس دقائق. أريدهم أن يفهموا انهم لا يفهمون.

·         اذاً انت لا تطمح مثل مايكل مور الى ان يغير فيلمك الرأي العام؟

ـ أعتقد ان الافلام تستطيع ان تغير شيئاً ولكن ليس في هذه الحالة مع التوزيع الضيق للفيلم.

·         وسط الكم الكبير من الأفلام الذي ينجز عن العراق، ماذا يميز فيلمك؟

ـ كل فيلم هو وجهة نظر خاصة. آمل صنع أفلام أكثر عن العراق. الأمر ليس كما يشاع. ليست هناك أفلام كثيرة عن العراق بل عن الجيش الأميركي في العراق. الأفلام التي تتحدث عن العراقيين قليلة جداً وجميعها لا يحظى بتوزيع جيد.

·         ما هو مشروعك المقبل؟

ـ لم أقرر مشروعي المقبل. ربما ايران.

·         هل تشتم رائحة هجوم أميركي على ايران اذاً؟

ـ لا أستبعده ولكنني أحب اكتشاف العالم من خلال الأفلام. أفضل الذهاب الى مكان ما لمعاينة ما يجري بدلاً من السماع عنه.

·         هل كنت لتهتم بالعراق لولا أن أميركا طرف في ما يجري هناك؟

ـ ربما ولكن ضلوع أميركا يجعلني أهتم أكثر. في مكان ما، أشعر بمسؤولية مدنية تجاه ما يجري كمواطن أميركي لا يوافق حكومته في ما تقوم به في العراق. أشعر بضرورة القيام بشيء مضاد. لربما الفيلم هو اعلان لذلك الموقف.

المستقبل اللبنانية في 13 أكتوبر 2006

 

"وجوه معلقة على الحائط" للبناني وائل ديب:

الغائب الذي يعذبنا بالبندقية الأخرى

الاسماعيلية (مصر) ـ فجر يعقوب 

يذهب المخرج اللبناني الشاب وائل ديب في فيلمه التسجيلي "وجوه معلقة على الحائط" إلى موضوعة صعبة ومعقدة، فهو يختار لفيلمه ثيمة "المفقود"، لتكون هي الرمز المعلق على الحائط الذي يقصده، وليس هناك من رمز غيرها.

المفقود في الحرب الأهلية اللبنانية هو من يرفض أن يسدل الستار، وهو من يقرر اللحظة التالية، ليس في الفيلم فحسب، بل في الحياة التي يعيشها اللبنانيون بعد أن وضعت الحرب أوزارها منذ زمن، وهم قد قرروا أن تتوقف هذه الحرب فعلياً.

تعيش مريم في الفيلم على وقع غياب ابنها ماهر، وهي تنتظر عودته بين لحظة وأخرى.ومريم لاتكف وهي تجلس وراء ماكينة الخياطة عن تقديس الانتظار نفسه، فيصبح في حالتها بمثابة كينونة ثانية لها، فهو (أي المفقود) قد طالت غيبته، وطالت حكايته، وربما زاد الغياب من طول قامته. جلوس الأم وراء الماكينة لايذكر هنا بـ"بينلوب" من أي نوع، وهي تنسج على نولها الخاص قماشة من عشرين سنة، وتنتظر زوجها الذي سيعود حتماً من حرب طروادة التي لم تنته منذ ذلك التاريخ. لا.. ليس الأمر كذلك، فهي تجلس لأنها تجلس ببساطة وراء الماكينة، وتقرر أن "الغُرز" التي تفتح الطريق أمام الخيوط الملونة، هي من تمهد الطريق أيضاً لصلاح الفكرة نفسها: هاهو ابني ماهر يقف أمامكم في الصورة الأولى، انظروا اليه، وتمعنوا في الجوهر، فالبندقية التي يحملها بين يديه لاتشبه أي بندقية أخرى من تلك التي استعملت في الحرب، أو هي بعبارة أدق لاتشبه بندقية الحرب. هنا بندقية ماهر المشار اليها بالابرة والخيط تشبه الجيتار، فالوقفة، وقفة المفقود تذكر بهارب من فرقة للخنافس مثلاً، وقد ضيّع شيئاً من أناقته أمام عدسات المصورين .ماهر يفعل الشيء نفسه أيضاً، فهو يقرر في لحظة الصورة المنكوبة التالية ألا يشبه الا نفسه، ولذلك لا يهتم بأناقته المسروقة من طراوة عمره، ولايكترث بهندامه، أو تصفيف شعره .مايخشاه في لحظة تثبيت وقفته، وماسيخشاه المشاهد لهذا الفيلم، هو أن تضيع وقفته، فاذا ماضاعت، فقد تضيع معها اللحظة الحاسمة التي تشير إلى فقده، واذا ماضاعت هذه اللحظة، أو العلامة الفارقة، فستتعزز امكانية ضياع الحكاية كلها. ماهر في الفيلم هو صاحب الخيط الطويل المؤرق للأم مريم، وهي تتعلم الرسم والنحت في سن متأخرة من أجل التدرب على اتمام عودته. هاهنا تنفتح كوة رمزية في جدار رمزي، وماتقوم به الأم من تزوير فاضح لبعض الكلام على أنه قول شعري يحقق لها معادلاً في القدرة على التحمل والصبر، وهي المرأة التي اضطهدت وتعذبت وكبر عندها الشعور بالاثم، وهي تحاول أن تعوضه بالبقاء الطويل خلف ماكينة الخياطة لتسرد قصتها، أو قصة "الغُرز" في الذاكرة اذ لايعود مهماً وجود القماش الملون بين أصابعها، فما تقبض عليه في هذه اللحظات الثقيلة هو حكايتها عن المفقود الذي لانعرف له مكاناً، أو لروحه الهائمة مستقراً. فمن أين لفتى يمسك بالبندقية مثل جيتار كهربائي، ويمجد وقفته أمام المصور الفوتوغرافي، وأمامنا نحن، أن يغلق الباب على قضية ماتزال الشغل الشاغل للكثير من الأفلام التي ستصنع في المستقبل، والأفلام التي لاتريد أن تقول شيئاً عن الحرب، ليس لأنها لم تكن الا مجرد خاطرة ثقيلة عنّت على بال اللبنانيين يوماً، بل لأن من يقاسمنا اياها مفقود ليس له قبر، ولايخاف من تحريف أمه لما هو مقدس في خاطر الأطراف المتحاربة فيما بينها.

تتنهد السيدة مريم .تتنهد وكأنه كان لزاماً عليها أن تقرّب الشمعة من اللهب، فقد تخفي فعلتها، وتخفف من وطأة الفضيحة التي لاتغلق أبوابها حتى مع موت الحرب نفسها، فهنا قضية ستظل تثار دوماً، ليس لأنها من صنع الخاطرة التي عنّت على البال يوماً، فتقاتل أصحابها طويلاً، بل لأن الوجوه ستظل معلقة على الحائط حتى عندما يغادر أصحابها "ميزانسينات" الأناقة والهندام والوقفة الصالحة التي لم تولد من ركاكة الحرب في يوم ما. فاللوحة التي تتدرب الأم على رسمها تقبض على النظرات الشاردة للابن المفقود الذي كان يستعد لسفر طويل، وهي ذات النظرات المعلقة في جواز سفر لم يستخدمه أبداً، فما نراه في الصورة أو على الجدار اللوني الذي لايشبه أي جدار لايتعدى جوهر الغياب نفسه.

في فيلم "وجوه معلقة على الحائط"، وقد شارك به المخرج وائل ديب في مسابقة الأفلام التسجيلية في مهرجان الاسماعيلية الدولي العاشر المنعقد في الفترة مابين 15 ـ 22 أيلول الماضي، ستبدو مريم بعد قراءات طويلة في الكتب، وتأمل في جدوى "الغُرز"، والخيط الطويل الذي لاينتهي، أمّا "محايدة" في مشاعرها، ولاتقرأ فصلا من فصول الحرب البشعة على أحد، اذ تبدو ـ في الفيلم ـ كما لو أنها تسرد الحكاية على نفسها فقط، وأمام هذا الحياد سوف تتراكم أمامنا كل تلك الوجوه المعلقة على الحائط الذي تبتكره ريشة الأم، وليس عدسة المصور الفوتوغرافي غير المعروف لنا. فمن أوصاها بالرسم، كان يدرك أن الحياد الذي تصطبغ به شخصية هذه المرأة الفولاذية المصنوعة من الشمع لاتذوب، لأنها لو ذابت، فستضيع حكمة تقريب الشمعة من اللهب، كما فعلت هي، وسيضيع عذابها. فما يفعله المفقود بنا، لايفعله الميت عادة، فالميت نعرف قبره وشاهدته، ولحظة انطفاء شمعته .المفقود بهذا المعنى لاشغل له الا أن يعذبنا ويقتلنا، ويقتلنا ليعذبنا، وهو يعلق صورنا أمامه على حائط الغياب، فما فعلته أمه بالنص في غيبته هو تكرار لفعلته عندما قرر أن يغادر الصورة في رحلة غير معلومة لا تستعاد...!!

المستقبل اللبنانية في 15 أكتوبر 2006

لا يختار دوره لكنهم ينتقونه له ومن الجنون أن يختار الممثل دوره

محمود حميدة: بدأنا مع السينما العالمية لكننا لا نعرف كيف نصدر فيلماً واحداً

محمد الحمامصي  

حقق الفنان محمود حميدة على مدار سنوات تاريخه الفني حضورا فنيا متميزا وفريدا على شاشة السينما العربية بشكل خاص من خلال عدد كبير من الأعمال المهمة، سواء تلك التي انفرد ببطولتها أو تلك التي شارك فيها كبار الفنانين، منها أفلامه (الآخر) و(الرجل الثالث) و(المهاجر) و(الباشا) و(رغبة متوحشة) و(عصر القوة) و(حرب الفراولة) و(المصير) و(جنة الشياطين)، و(ملك وكتابة)، وفي هذا الحوار الذي أجري معه أثناء متابعته لأحد المؤتمرات الثقافية بمكتبة الإسكندرية أكد أنه كثيرا ما يتابع المؤتمرات الثقافية المهمة التي تجري في القاهرة أو الإسكندرية. نتعرف على جوانب شخصيته الفنية وكذا آرائه في صناعة السينما والفن في العربية.

·         كيف كانت النشأة وما مدى تأثيرها على تشكيل عالمك الفني؟

} نشأتي توزعت بين مجتمعين، مجتمع الفلاحين الذين يمثلون أهل أبي ومجتمع المدينة الذي يمثله أهل أمي، الأمر الذي جعلني أعيش المجتمعين بنفس الدرجة من الانخراط، فكما عرفت الجلوس للآكل في الغيطان وأكل البتاوي والمش والسريس والجعضيض، عرفت في المقابل الجلوس على السفرة والأكل بالشوكة والسكينة.. هذا مثال توضيحي وقد التقط مكونات المجتمعين التي شكلت منها مخزوني الإنساني مما كان له أثره البعيد العمق على تكويني.

استفدت من خبرات المجتمعين من علاقات الأعمام والأخوال والخالات وأبنائهم وأصحابهم بالمدينة والقرية والذين أعتبرهم مربين شاركوا في تكوين شخصيتي كل منهم بنصيبه، وربما لم أع دورهم ويتضح لي تأثيرهم إلا بعد أن تجاوزت الأربعين من عمري وأنا أنظر في حياتي السابقة لكي أرى انعكاسات مجتمع النشأة على التكوين ومجموعة الصدف المتعاقبة التي جعلتني أقابل شخصا لم أكن لألتقيه تحت أي ظرف من الظروف، لكني قابلته والتصقت به واتخذته أستاذا ومثلا، وفي الجامعة كان عندي تجربة طويلة لأن دراستي في الجامعة استمرت 11 سنة منها 7 سنوات في كلية الهندسة وفشلت فيها، حصلت على إعدادي هندسة وأمضيت بعدها 6 سنوات لا أدخل الامتحانات في سنة أولى، كنت أعمل بالمسرح في فرقة الفنون الشعبية التابعة للجامعة وكنت عضواً في فريق التمثيل بكلية الهندسة ومن بعده في منتخب الجامعة في التمثيل، ثم عملت راقصا محترفا لمدة طويلة سواء في مسرح القطاع الخاص أو في شارع الهرم، أشياء كثيرة لا تحصى ساهمت في تكويني، هذا التكوين الذي حتم علي التوجه للتمثل وكأنني مدفوع إلى ما أفعل وليس مجرد اختيار، وحتى اللحظة إذا توجهت لأمر لا أرتدع، عندما أتوجه نحو هدف وأذهب إليه أستمر فيه مهما كانت المخاطر والصعوبات حتى لو كان هدفا في البحر والموج عاليا، لا يهمني شيء، والتمثيل (هو الشغلانة اللي من أول ما بدأتها لم أتوقف عنها عدا كافة الأشياء الأخرى التي عملت بها وهي كثيرة، قد لا تخطر على بال شخص إلا التمثيل منذ أن بدأت وأنا سني خمس سنوات ما بطلتش الشغلانه دي )..

وأيضا تنوعت مصادر المعرفة لدي، بدأت تحصيل المعرفة في البداية بشكل عشوائي مثلا أقابلك لتعطيني كتابا و تقولي أنا قرأت هذا الكتاب وهو كتاب حلو، أقرأاه، أو أسمع عن مفكر أو روائي أو فيلسوف أو شاعر يردد الناس اسمه فأقوم بشراء كتبه وأقرأها، وبالنسبة للسينما كنت أتابع جديدها أولا بأول منذ سن مبكرة وكذلك بالنسبة للمسرح، وفي مرحلة متقدمة ذهبت إلى مصادر معرفة غربية في ما يخص المسرح والتمثيل، وبدأت مشواري مع التمثيل...

عندما أتممت عامي الثلاثين بدأت أحصل المعرفة بطريقة منهجية لا بطريقة عشوائية، وأحرص على أن يكون لدي مشروع قراءة، أريد أن أعرف مثلا ما الأدب الروسي فأقوم بشراء كل الأعمال المترجمة من الأدب الروسي إلى العربية وأعكف على قراءتها في إطار مشروع يستمر ستة أشهر أو سنة أو سنتين تتخلله قراءات خفيفة خارج السياق، ومن ثم كانت لي مشروعات قراءة في الشعر والرواية والفكر أو كاتب بعينه كالدكتور زكي نجيب محمود الذي قرأته كله في إطار مشروع، وهذا بخلاف مقاله الذي كان يكتبه في الأهرام كل يوم ثلاثاء.

أنا <أجراتي>

·         لكن هل نستطيع أن نحدد تأثيرات بعينها انعكست على رؤيتك الفنية واختياراتك لموضوعات أفلامك؟

} ليست هناك اختيارات أنا بالنسبة للأفلام أنا <أجراتي> وقد صرحت بهذا من قبل، أنا لا أختار لكن يتم اختياري عبر آخرين، (الممثل ما ينفعش يختار)، الممثل يكلف بصنع شخصية إذا رأى الآخرون أنه يصلح ومناسب لهذه الشخصية في الدراما المزمع تصويرها سواء كانت فيلما أو مسرحية أو مسلسلا. الممثل لا يختار دوره بل إنني أعتبر اختياره لأدواره ضربا من الجنون، هل يصلح أن تقرأ الرواية وتقول أنا نفسي أعمل الدور الفلاني في الرواية الفلانية، أنا أعتبر ذلك ضربا من الجنون (لأنه ما ينفعش في الحقيقة).

·         لكن المتابع لأعمالك الحديث منها خاصة يستشعر أن هناك اختيارا؟

} ما تراه اختيارا أراه شيئا آخر، ولو أني لا يحق لي أن أقول هذا الكلام، وهو أنني أحكم صنع الشخصية إلى درجة أن المشاهد يقول والله هذا الممثل يحسن أو يعرف كيف يختار أعماله، لكن واقع الأمر هو لا يختار، لا يوجد ممثل يختار أعماله، ولا يصح أن يأتي مخرج ليقول هناك شخصية سيد وهناك شخصية حسين أنت ستلعب شخصية سيد، وعندما أقرأ أجد شخصية حسين أحلى فأقول إنني سألعب شخصية حسين، هذا لا يصح ولا يكون إلا في عمل مختل من الأساس، عمل يعتريه الخلل من أوله إلى آخره.

يمكن أن يكون الرابط شيئا آخر ولكني لا أدري به، مثلما كنت أظن في يوم من الأيام أن لدي سر المهنة ومخبيه على الناس حتى لا يكتشفوه، أتاري الناس قعدين ومكتشفين الموضوع ده، وأنا متصور أن ما أقوم به ينطلي على السيد المشاهد ولكن في حقيقة الأمر لا ينطلي عليه، وهذا الموضوع وهو أنني عندما أبدأ في رسم شخصية بعد أول لقطة أرجع لغرفتي الخاصة أو المكان المخصص لي وأقيس الفارق بين ما كنت أرسمه في الخيال عن الشخصية والذي قمت بتسجيله وأقارن بينهما، وأنا عندي شوط في كل فيلم هو أساس الشخصية، وأتصور أنني وضعت فيه سر المهنة وكأني فتى قوي فإذا بشخص بسيط يستوقفني في الشارع و يقول لي (أنا شفتك امبارح فيلم كذا، واسأله عجبك مثلا أو ما عجبكش يقول لي بس فيه الحته اللي انت بتقول فيها كذا) فإذا بملاحظته تمثل المشهد الأساسي للشخصية، وأبدا لا تخيب مع الجمهور (فاكتشفت اني راجل اهبل لما بخبي علي الجمهور).. ومع ذلك تستطيع القول ان لدي طريقة في الشغل، طريقة في الصنع، أسلوبا، إنني لا أقدم الشخصية كيفما اتفق لكن عندي أسلوبا، فالنجار لديه أسلوب في عمله، هناك أساس لصنع الكرسي، هذا الأساس هو عبارة عن خطوات للصنع هذا في ما يخص صناعة الشخصية، أما الإبداع في صنع الشخصية فموضوع آخر، وليس له علاقة بالأسلوب وهذا يتبع تكوين الممثل وهكذا ينتقل الممثل من درجة إلى درجة، حتى أننا نستطيع أن نتكلم عن ممثلين باعتبارهم مفكرين أو باعتبارهم فلاسفة، فلا أستطيع أن أتكلم مثلا عن نجيب الريحاني إلا باعتباره ممثلا بدرجة مفكر لديه أطروحة فكرية عبر الشخصيات التي يرسمها أو شخص ماهر يستطيع صنع الشخصية ويسلمه للمخرج وهو رب العمل ليضعها في مكانها بالعمل.

·         تقول ان الممثل يتم اختياره لأداء الدور ماذا بعد اختيارك للدور؟

} أرفض أو أقبل.

·         على أي أساس تقبل وترفض؟

} الأساس الأول هو العمل نفسه ومن بعده عناصره ومسألة الشخصية هذه مفروغ منها، لا تغريني الشخصية للعبها، يعني لا يصلح أن يأتيني واحد يقول لي ان عنده شخصيه لازم أعملها ولا يصلح أيضا تغريني بلعبها لأني في الأساس صانع ولاعب شخصيات.. موضوع العمل في الأساس مهم أهم حاجة عندي ثم المخرج طبعا.

·         هل تفضل أن تعالج أدوارك قضايا حية داخل المجتمع أم قضايا تأخذ شكل الظاهرة؟

} يجوز للكاتب أن يدعي هذا الادعاء لكن لا يجوز للممثل ذلك، فالشخصية كخطاب كوسيط ناقل، وهذا موضوع آخر، وعندما أقول لك اني أضمن هذا النوع من الخطاب للمشاهد فهذا كذب.

أهم حاجه عندي أن المشاهد يتسلى والتسلية فقط، وقد ربط البعض التسلية بالتدني مدعين أنهم يعلمون المشاهد، وهذا غير صحيح، أنا أوصل رسالة، تعرف تسلي الجمهور وتكون على قد المقام العالي ولا ما تعرفش.

·         ما رأيك في ما يقدمه الفنانون الجدد؟

} ما دام المنتج تم صنعه وثم عرض وقام الناس بشرائه خيرا، لأن هذا معناه أن مجموعة العاملين في الصناعة لا زالوا يشتغلون يعني يعيشون على هذه الصناعة، نحن فقط ننظر إلى عناوين الصناعة، ومن هم عناوين الصناعة النجوم الكبار، نجوم الشباك، المخرجون الكبار والمنتجون والموزعون الكبار هؤلاء هم من يتصدرون الصورة أمامنا وهؤلاء وراءهم جيوش من العاملين وعلى الرغم مما قلته من أن الصناعة في تدهور، لكن ما يحدث في مصر هو معجزة بكل المقاييس، وليس هناك صناعة سينما في العالم بدأت مثل صناعة مصر واستمرت وأكملت حتى في إنكلترا أو في كندا وهما قلعتان من قلاع صناعة السينما في جزء منها وهو ما بعد الإنتاج وصناعة الفن هي ما قبل الإنتاج، وهي العمليات التطويرية على الفيلم بعد ان يحصل التصوير، كندا تملك نصف سوق ما بعد الإنتاج في العالم كله، والعالم يذهب إليها لتطوير
أفلامه، وكندا نفسها لا تنتج أكثر من 10 أفلام. والصناعة في الهند تملك قانونا ويعملون من زمان وعندهم ثلث السوق العالمية بسبب وجود قانون يتم بمقتضاه وفي إطاره التطوير والإحلال ويقدمون 1000 فيلم في السنة، الصين واليابان يقدمان أفلاما من زمان ولم تعرف إلا عندما أصدرا قانوناً لصناعة السينما حيث بدأ إنتاجهما يزدهر والناس تعي ما يقدمونه وهما حاليا يصدران أفلامها في السوق العالمية، أما نحن الذين بدأنا أصلا مع السينما العالمية فلا نعرف كيف نصدر فيلما واحدا، وإذا صدرت لا تحصل على حقوقك (تتآكل عليك) لأنك لا تملك قانونا ولا اتحاد منتجين، (حاجات كتير يضيع عليك الحق يبقى مش حترجع تنتج تاني حتقعد لغاية ما يعدي واحد بالصدفة يقولك أنت قاعد ليه يا فلان خد قرشين انتج لك فيلم خدهم واخسر واكسب ونام علي المكسب و خلصنا على كده هو ده الحل)..

الموجة الجديدة

·         يرى البعض أن تأثير الموجة الجديدة من الأفلام إلى حد كبير كان تأثيرا سلبيا على المجتمع المصري؟

} كلام غير دقيق.. كم عدد رواد السينما الذين يذهبون الى قاعات العرض السينمائي؟!.. ليس عددا كبيرا ولا نسبة كبيرة، عدد كراسي قاعات العرض على افتراض أنها امتلأت، هذا العدد ليس هو النسبة المعمول بها أصلا، عندما نحسب نقول ان رواد السينما يمثلون نصف القاعة 50? من الكراسي ولنفترض أنهم 100? فهو يظل عدداً ضئيلاً جداً قياسا لتعداد السكان، المهتمون فقط هم الذين يتوهمون أن هذا الحصر يمثل المجتمع كله.. هل جميع الناس ينطلي الزور عليهم، بالطبع لا، نحن فقط نخاف.. يقولون لك (العيال بيروحوا يتفرجوا على أفلام هلس، ما يتفرج يا عم وماله خليه يتفرج.. احنا بس بنقوم بتنصيب أنفسنا مسؤولين ونعطي أنفسنا سلطات ليست لنا ومن ثم نحكم على جموع لا ندريها فيخرج عليك واحد يقول لك أصل الجمهور ذوقه هابط، هذه قلة أدب)..

لا تستطيع أن تقول ان هناك أفلاما تؤثر بالإيجاب، وليس لأحد الإمكانية لعمل هذا الحصر، من الذي يستطيع تقصي أثر القطعة الفنية أيا كانت سينما أو شعرا أو رواية أو مسرحا، هذه أوهام كنا نعيش بها ونحن أطفال صغار وكبرنا بها، مثلا نروح نعمل مسرحية النار والزيتون في مسرح الطليعة وبعد عرض المسرحية تخرج مظاهرة هنا أو هناك، فتجد من يقول المسرحية أثرت في الناس.. أوهام وكلام فاضي، أو يقول لك انه عمل فيلم لأجل أن يعالج ظاهرة تعاطي المخدرات، هو موهوم وعنده مشاكل في دماغه وقس على هذا..

·         لكن الكثير من النقاد يرون أن ما تقدمه الأجيال الجديدة مجرد تسلية؟

} التسلية مهمة جدا نحن نتسلى، نتسلى عن همومنا، أنا أخلع رداء الهموم بعدما أقطع تذكرة السينما وأبقى لوحدي مع الشاشة، لو تسليت أصبح في الواقع وعاء فارغا من الهموم مستعدا لاستقبال هموم جديدة، فالتسلية أهم شيء وهدف أسمى بالنسبة لي أنا أسلي السيد المشاهد فقط..

·         حتي وإن كان يفتقد إلى الموضوعية والقصة والسيناريو الجيد؟

} هذا من وجهه نظرك أنت، ولكن من وجهه نظر صانعيه ليس كذلك. من وجهه نظر صانعيه أنه يحمل فكرا وله موضوع، وهم مقتنعون به ولديهم قناعة تامة بأن هذا العمل كبير، وهذا حقهم، وليس هناك عمل من الأعمال لا يحمل فكرا، كل الأعمال تحمل فكرا، نحن نصنفها علي مزاجنا. أنا رجل تربيت تربية معينة وتعودت على التلقي بمستويات معينه فلا أفرض مستواي الذي افترضت أصلا انه عال ولا أعرف لماذا. وأصلا ليس من حق الشخص أن يفترض أن مستواه أعلى من الآخر حتى يناقشه وهذا مبدئيا.

·         ما طبيعة علاقتك بالوسط الثقافي المصري من كتاب وشعراء؟

} أحب أن أجاور هؤلاء الناس الذين يتمتعون بقدر من العلم والمعرفة، فالجلوس بجوار هذا الشخص العالم يضيف إليك الكثير، فعند استماعك مثلا إلى حسن حنفي وهو يتكلم حتى لو لم تكن تفهم كل كلامه ستخرج بالكثير مما يضيف لرؤيتك، وأنا أرى أن هذا مفيد لرؤيتي ويعزز المسيرة التي ارتأيتها لنفسي، إنني الآن أعرف تماما ما يصلح لي وما لا يصلح، أعرف ما أحتاج إليه معرفيا وثقافيا لتحقيق هدفي في هذه المرحلة وفي كل مرحلة، ولا أقبل بالتنازل مهما كان الأمر، إن لي هدفا أحترمه كما أحترم أهداف الآخرين..

السينما بخير

·         في ضوء هذا كيف ترى وضع السينما؟

} السينما بخير لكن صناعة السينما ليست بخير، هذه الصناعة وضعها مترد، ممثل، مخرج، منتج، موزع، مونتير، سينارست هؤلاء هم الأشخاص العاملون في هذه الصناعة، ولا يوجد قانون ينظم عملهم، ومن ثم فهذه صناعة محكوم عليها بالفشل منذ إنشائها ولكن لا أحد يدري ولا أحد يريد أن يعترف، يقولون لك نحن لدينا قانون غرفة كلام فاضي، هذه صناعة يغيب عنها القانون وستظل هكذا، وهي في تدهور منذ إنشائها وهذا الكلام أكرره دائما لأن التطور لا يحدث إلا عبر القانون والقانون وحده، فإذا غاب القانون لا تتوقع تطورا يعني لا تنتظر في غياب القانون إلا التدهور وهذا ليس له علاقة بالسينما، وعندما أسأل عن السينما أقول دائما بخير، ولكن صناع السينما هم الذي ليسوا بخير وليسوا بخير من وجهة نظري لغياب القانون الذي ينظم العلائق بين شخوص الصناعة الواحدة وبين الهيئات التي تعمل في نفس الصناعة بما يسمح مثلا بتعليم منضبط ويسمح بتغذية الصناعة والإحلال والتجديد والتطوير..

·         لكن للدولة دورا قويا في دعم هذه الصناعة، وهناك أيضا أفراد يدعمون؟

} كلام فاضي.. عشوائية، يعني إيه يأتي أحدهم ويقول والله يا ناس أنا بحب السينما جدا وأنا عايز أعمل شوية أفلام للناس المتميزين أو اللي أنتو بتقولوا عليهم متميزين وأنت مش لاقيين منتجين أنا سأضحي ب100 مليون عشانكم، هذا لا يحدث تطورا لأنه يتم بشكل عشوائي.

·         في فيلم جنة الشياطين قمت بدور ميت طيلة الفيلم كيف استطعت أن تجسد ذلك؟

} هي تجربة بالنسبة لي أن أشتغل على قدرة الطاقة فيّ على التأثير وأصدرها للمشاهد دون الحركة الاعتيادية وعبر حركة ساكنة، أنت تنظر إلى الجثة وتقول مات فكيف عرفت أنه ميت وكان نوعا من التجريب الجديد عبر اللا حركة كيف تصدر الطاقة كممثل وتؤثر بها على المشاهد..

·         فيلمك الأخير ملك وكتابه تجربة جديدة مع مخرجة شابة كيف كانت هذه التجربة؟

} سيناريست الفيلم جديد ومخرجته جديدة ومدير تصوير جديد ومجموعة من الأبطال جداد وأنا المنتج، أنا بحب أعمل كده، صحيح أني خسرت أموالا كثيرة لكني مبسوط بذلك وأنا أنتجته لحساب جهاز السينما وليس لي حقوق فيه كمان يعني بأعمل الشغلانه وبعدين أسلمها للمالك فأنا ليس عندي أي حقوق في هذا الفيلم والدافع لعمله العناصر الجديدة اللي فيه..

·         كان لك تجربة مهمة في الصحافة الفنية وهي إصدار مجلة الفن السابع.. لكنها توقفت؟

} وجدت أن هناك افتقادا لمطبوعة تعرف بصناعة السينما وآلياتها، وتقوم على طرح قضايا جدية لها اعتبارها، ومن هنا جاءت وبالفعل في رأيي ورأي الكثيرين ساهمت مساهمة حقيقية في خلق نوع من المعرفة بفن صناعة السينما.

وتوقفت المجلة بسبب الترخيص الذي كان من قبرص، وحصلت مشكلة مع تراخيص قبرص وتم إعلاننا أنه لا بد من التوقف لتوفيق الأوضاع وأعطونا مهلة، وأعلنت في العدد الأخير أنني سوف أتوقف لثلاثة أشهر لحين الحصول على ترخيص آخر، وحصلت على ترخيص من كندا ولكن لم أنفذه بعد أن عدت إلى الهيكل التمويلي للمطبوعة فوجدت الأمر صعبا، فقفلتها.

السفير اللبنانية في 13 أكتوبر 2006

 

سينماتك

 

المخرج الأميركي جايمس لونغلي عن فيلمه "العراق في أجزاء":

ليست هناك أفلام عن العراق بل عن الجنود الأميركيين في العراق

أشعر بمسؤولية مدنية تجاه أفعال حكومتي وبضرورة القيام بعمل مضاد

ريما المسمار

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك