دخل المخرج المصري داوود عبد السيد عالم الفن السابع مع هزيمة حزيران (يونيو) 1967، إذ حصل - آنذاك - على دبلوم المعهد العالي للسينما - قسم الإخراج، لكنه لم يتمكن من إكمال مشروع تخرجه بسبب ظروف النكسة التي طرحت أسئلة مريرة، وأدخلت الشك إلى القناعات الراسخة. هذه المصادفة القاسية أضفت، لاحقاً، على أعماله السينمائية بعداً خاصاً تعذر معه التخلص من التداعيات النفسية والأخلاقية، لتلك الحرب. فالمخرج الذي ولد بحي شبرا في القاهرة العام 1946، ونشأ مع بروز التيارات القومية، واليسارية، وتصاعد أصوات حركات التحرر الوطني في العالم، الطامحة إلى بناء عالم أجمل وأكثر بهاء... عاش انكسار الأحلام، وخيبة الآمال، فازدحمت الأسئلة في ذهنه، وهو راح يترجمها على نحو فني عبر سبعة أفلام روائية طويلة، هي الحصيلة النوعية المسجلة حتى الآن في «فيلموغرافيا» عبد السيد. وهذه الأفلام هي: «الصعاليك» (1985)، و «الكيت كات» (1991)، و «البحث عن سيد مرزوق» (1991)، و «أرض الأحلام» (1993)، و «سارق الفرح» (1995)، و «أرض الخوف» (2000)، و «مواطن ومخبر وحرامي» (2001). وهو أنجز خلال السبعينات أفلاماً تسجيلية قصيرة، منها «رقصة من البحيرة» و «تعمير مدن القنال» و «عن الناس والأنبياء والفنانين» وعمل مساعداً مع عدد من المخرجين، أبرزهم يوسف شاهين وكمال الشيخ.

نال عبد السيد عدداً من الجوائز، واحتفي به في مختلف المهرجانات العربية والدولية، فقد فاز فيلمه «الكيت كات» بفضية مهرجان القاهرة وذهبية مهرجان دمشق، وقطف فيلمه «مواطن ومخبر وحرامي» جائزة افضل إخراج من المهرجان القومي للسينما المصرية، وحصلت أفلامه الأخرى على جوائز عدة، كما أقيمت أسابيع لأفلامه في بعض العواصم العربية، وقد كرم في مصر بمنحة جائزة التفوق من المجلس الأعلى للثقافة في العام 2004، وهو لا يحتفظ بأي أرشيف يحصي تواريخ الجوائز التي منحت له ويوثقها، بل يرى بأن إعجاب الجمهور بأعماله هو الجائزة التي يتطلع إليها دائماً. والواقع أن هذا الجمهور يكن تقديراً عميقاً لهذا المخرج الذي استلهم من الواقع قصصاً مؤثرة، ليعيد صوغها بلغة سينمائية مدهشة، فهو الذي يكتب السيناريو لأعماله، ثم ينجزها في قالب جمالي، وبصري لافت.

مجانية

لدى حضوره، أخيراً، فعاليات مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة آثرت «الحياة» أن تسجل جانباً من آرائه حول السينما وقضاياها، وكانت البداية من السينما المصرية التي غرقت في السنوات الأخيرة في إنتاج أفلام تجارية تخلو من الفن وتقترب من الميلودراما المجانية التي تسعى سينما عبد السيد وقليل من نظرائه إلى تقديم نقيض فني لها. يعلق عبد السيد على طغيان هذه الموجة بالقول: «يتوافر في السينما المصرية، وعلى الدوام، الجانب التجاري، وما يحدد مستواه هو الثقافة والذوق السائد في المجتمع»، مشيراً إلى أن «موجة السينما التجارية تصعد حيناً، وتهبط أحياناً، والمرحلة الحالية تتميز بطغيان هذه الموجة على حساب الصناعة السينمائية الحقيقية المتمثلة في أفلام ذات مستوى فني عال تنطوي على الجرأة والفضول والخوض في عوالم غير مكتشفة».

وأضاف عبد السيد في ما يشبه التبرير: «لا يمكن أن نأخذ لحظة من التاريخ ونعتبرها ثابتة، فحتى مع هيمنة موجة السينما التجارية المغلقة الأفق هذه، نجد، بين الحين والآخر، تجارب مميزة تبرز نتيجة طفرات تحدث في شركات الإنتاج، وهذا النوع الأخير يظهر في مراحل معينة لا يمكن التنبؤ بها»، كاشفاً عن زيف مقولة «الجمهور عاوز كده» التي تحمل وجهين متناقضين - بحسب رأيه - فالوجه الصحيح هو أن هناك «مستوى ثقافياً معيناً في المجتمع، وظروفاً اجتماعية واقتصادية وسياسية تقود إلى ميل نحو نوعيات محددة من الأفلام»، أما الوجه المزيف للمقولة فهو «الترويج بأن الجمهور لا يريد شيئاً مختلفاً، فهذا الشعار، إذاً، ينطوي على نوع من المصادرة، وإغلاق النوافذ أمام الجديد والمغاير»، وهو ما أسميه بـ «الكسل التجاري»، فالتاجر لا يغامر بل يبحث عن السلعة المضمونة الربح، ولكن التاجر الشاطر والنبيه يجب أن يأخذ في الحسبان أن أذواق الجمهور متغيرة، وهي ليست كتلة واحدة بل هي متنوعة، ليصل إلى استنتاج يقول بأن «المشكلة تكمن في إغلاق الأبواب أمام أي نوع من أنواع التجريب بسبب الاحتكارات السائدة وسوء التوزيع».

وحول انحسار الطقس السينمائي في حياتنا يقـول عبد السيد ان هذا «يتوقف على تعريفك للسينما، بمعنى ألا نختزلها في الطقس السينمائي، فأنت ترى السينما، الآن، في الفضائيات والفيديو والإنترنت، وما يحـدث في مصر هو أن أعـداد مـرتـادي السينما في ازديـاد. السيـنما لم تعد تـقـتـصر في الذهـاب إلى صالة العـرض ورؤيـة الفـيلم مع مجموعة معينة في صالة معتمة، هناك جوانب أخرى، ولعل أهم هذه الجوانب هو أن العمل السينمائي هو عمل فني».

وحول ظاهرة الحجاب التي انتشرت بين مجموعة من الممثلات المصريات يرى عبد السيد ان «المد الديني استطاع أن يحوّل الحجاب كظاهرة دينية إلى ظاهرة اجتماعية بغرض الإعلان أو التعبير عن أهداف ومقاصد لا مجال هنا للخوض فيها»، لافتا إلى أن «المد الديني يرغب في جعل كل النساء محجبات، فيكسب الحجاب - عندئذ - بعداً اجتماعياً اكثر منه دينياً»، وفي الجانب السياسي يرى أن «هذه الظاهرة لم تأتِ في شكل تلقائي، بل في شكل سياسي مخطط ومدروس عبر استخدام الدين سياسياً. وإذا كانت الممثلات يعتقدن أن ثمة ما يستدعي التوبة عن عملهن ويجب أن يتحجبن فهذه مشكلة تتعلق بثقافتهن، ومن حق أي أحد أن «يتوب» إذا اعتقد بأنه عاص، لكن المفارقة أن محجبات يعملن في التلفزيون، وأنت تلاحظ بأن الكثير من المسلسلات أبطالها محجبات، وهذه ظاهرة مختلقة بغرض نقل الحجاب من التلفزيون إلى الشارع، وهذا الأمر يحمل أبعاداً سياسية واجتماعية بعيدة من الدين».

رضا مفقود

وأعرب عبد السيد عن عدم رضاه من الواقع السيـنمائـي في مصر والبلاد العربية، طارحاً السؤال على نحو اشمل: «هل نحن راضون عن الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والتربوي والتعليمي...؟ أنا غير راض! لأننا متخلفون، ونعيش الكثير من الصراعات، ولعل أخطرها الصراع الديني السياسي، وهذا كله ينعكس في شكل سلبي على الفنون ومن ضمنها السينما»، موضـحاً بأن «الواقـع برمته بائس، ولكون السينما جزء من هذا الـواقـع فأنا غـيـر راض عنـها، وغـير راض، كذلك، عن مستوى النقد، وعن التحرر الفكري، وعن الضمير الإنساني، وعن الأداء السياسي، وعن المشهد الثقافي وإن كنا نحاول جعله افضل عبر المساهمات التي نقدمها سواء في السينما أو في غير ذلك من المجالات».

ورداً على سؤال حول التجارب السينمائية التي لفتت انتباهه في السنوات القليلة الأخيرة يشيد عبد السيد بفيلم «بحب السيما» لأسامة فوزي، وبفيلم «ملك وكتابة» لكاملة أبو ذكري، وفيلم «عمارة يعقوبيان»، ولكنه يقول إن «هذه التجارب فردية ولم تتحول إلى ظاهرة».

وفي ما يتعلق بمشاريعه السينمائية المقبلة يقول عبد السيد: «أنا اعمل دائماً على هامش السينما التجارية، ولو شعرت في لحظة أنني أفلست وليس لدي جديد أقدمه، فسأكون سعيداً بأن انهي حياتي الفنية بالاعتزال. المشكلة لديك جديد وليس لديك القدرة على تحقيقه وإنجازه. الاحتكارات تبحث عن الإيرادات الكبيرة، وهذه الإيرادات التي قد تحققها نوعية معينة من الأفلام استبعدت التجارب الجديدة، فطغت موجة معينة تحقق أرباحاً كبيرة ومضمونة، ما أدى إلى الاحتكار والتحكم، وتنميط النجوم ضمن تصورات مسبقة، أما بالنسبة إليّ فأنا أحاول أن اقدم شيئاً مختلفاً. لا أعمل على نمط واحد، ويمكنك استنتاج ذلك من الأفلام التي أخرجتها. أنا اعمل على إنجاز مشروع سينمائي شخصي، فإذا نجح فيلم من أفلامي يريد المنتج أن اقدم شيئاً مماثلاً، أي مطلوب مني أن ابني على نجاحات سابقة واستنسخ من تجربة ناجحة، سابقة، وهنا، بالضبط، تنتهي المبادرة الفنية، والمغامرة، ليطغى الجانب التجاري الذي يستبعد أي شيء جديد، وهذا يفقر السينما بوصفها فناً، والفن، بحسب فهمي له، هو أن تسلك، دائماً، طرقاً جديدة، وتكتشفها، وتبتكر رؤى مغايرة لتصل إلى ذرى أعلى، ومن هنا ترى أن أفلامي السبعة لا تتشابه، وما هو موجود نقيض للفن الذي أتطلع إليه، الفن الذي يقتحم المجهول، ويسعى إلى ما هو مبدع ومختلف».

الحياة اللندنية في 13 أكتوبر 2006

 

قراءة في فيلم «أطلال» لغسان سلهب...

مصاصو دماء على الطريقة اللبنانية

باريس – ندى الأزهري 

تنتاب المشاهد الحيرة أمام «أطلال» غسان سلهب أو «رجله» الأخير، فهذا العمل الثالث للمخرج اللبناني يترك المجال مفتوحاً أمام المعاني والاحتمالات.

الفيلم الذي يتخذ بيروت مكاناً لأحداثه يتطرق إلى موضوع، قد يكون استثنائياً في السينما العربية وهو موضوع مصاص الدماء الذي كان الجزائري عبدالكريم بهلول طرقه قبل سنوات في فيلم «مصاص دماء في الجنة». البطل طبيب ناجح في عمله وفي علاقاته الغرامية، وهو يحب إضافة إلى النساء، الغوص في البحر. يتعرض لاعتداء غامض يسبب له حساسية من الضوضاء والضوء، وأوجاعاً تحمله على القيام بأفعال غريبة. يبتعد عن الآخرين ويتهرب من عشيقاته ويبدأ بالتغيب عن عمله، في الوقت الذي تشهد المدينة حوادث مريبة. جثث تتوالى على المستشفى التي يعمل فيها «الحكيم» يجمع بينها أثر عضة على الرقبة، موت تحوطه الشبهات، يحقق فيه الأمن من دون جدوى. يبدأ الفيلم في هذا الجو الواقعي، الخيالي مع إشارات ذات دلالة كاللون الأحمر مثلاً الحاضر في معظم المشاهد (قارب يدهن باللون الأحمر»لون العفريت»، عين الحكيم أثناء فحصه للبحث عن أسباب آلامه..).

تثير مشاهدة الفيلم أسئلة عدة وقراءات. فمصاص الدماء الذي يقوم عليه، هو بحسب الأسطورة، الميت الذي يخرج من قبره ليمص دماء الأحياء، ولتصبح ضحاياه بدورها، بحسب ما هو متداول في التقاليد، من مصاصي الدماء. إنها مفرغة من دمائها لكن العدوى قد أصابتها.

مصاص الدماء لا يقدر على الحياة إلا من خلال ضحيته، يقتلها ويأخذ مادتها، إنها طوق نجاته. وهو يرمز إلى شهية الحياة المستمدة من حياة الآخرين، المنهكة والمحطمة للذات. فالكائن يتمزق وينهش نفسه طالما لم يعترف بمسؤوليته الشخصية عن فشله الذاتي ككائن غير خالد، مقبل على الفناء. إنه يتخيل ويتهم «آخر»، وفي الحقيقة ينقل إلى هذا « الآخر» ذلك الجوع المفترس. لكن حين يكون الإنسان متحملاً أو متقبلاً لنهايته بالفناء، فإن الهامة التي يعتقد أنها تفارق القبر ليلاً لتمتص دماء النائمين ستضمحل وستتلاشى. ثمة تأويلات أخرى تشير إليها الكتب لفكرة مصاص الدماء وهي وجود مشكلة لم تحل بعد في التأقلم مع الذات، أو مع الوسط الاجتماعي. وعندها ينخرنا الوجع نتآكل من الداخل، يضنينا الألم ونصبح عذاباً لنا وللآخرين. وهنا يرمز المصاص إلى انقلاب القوى النفسية ضد الذات. وكل هذه المواصفات «تتحلى» بها شخصية دراكولا في فيلم سلهب.

ولكن ثمة سؤالين، يدوران في الذهن في شكل خاص بعد رؤية العمل.

هل يجب تحليل أي فيلم لبناني على أساس لبنانيته؟ وهل بوسع المخرج أو الكاتب طرح تساؤلاته الشخصية «غير اللبنانية»؟ أي أن يبدع كانسان ينتمي إلى هذا العالم بغض النظر عن جنسيته، كما يحصل مثلاً مع الفيلم الفرنسي الذي لا يربط في شكل دائم بالمجتمع الفرنسي.

والسؤال الثاني الذي تثيره مشاهدة الفيلم هي، في حال تحليله بناء على جنسية مخرجه: فهل «اللبنانية» هي في الإعادة الدائمة إلى الحرب؟ هل يمثل هذا الفيلم الحرب أو يتحدث عنها في شكل غير مباشر؟ ألا يحق للمخرج، وهو هنا كاتب السيناريو أيضاً، الكلام عن شيء آخر غير الحرب؟

من الممكن قراءة الفيلم على أنه عن مصاصي الدماء، وأنه نظرة سلهب الشخصية ورؤيته الخاصة للمعاناة الإنسانية أو نظرته كلبناني على الموضوع. وهنا نورد مثالاً فيلم مورناو الصامت عن دراكولا» نوسفيراتو». فهذا الفيلم ينظر إليه كعمل إنساني عالمي، وهو لم يحلل فقط قياساً إلى الثقافة أو المجتمع الألماني، ولو نظر إليه على أنه مجرد تعبير عنهما، فسيكون في هذا انتقاصاً له. إنه يعبر عن رؤية المخرج الشخصية لهذه الفكرة.

ونعود إلى النقطة الثانية، وهي هل للفيلم علاقة بالحرب اللبنانية؟

الحرب حاضرة؟

إذا رغبنا في إيجاد تلك العلاقة فسنجدها حتماً من خلال الأثر المدمر التي تتركه أي حرب على البشرية عامة وعلى بعضهم في شكل خاص وهو «الحكيم» هنا الذي ليس سوى أطلال لهذه الحرب.

في أي مستوى من القراءة يجب النظر إلى الفيلم؟ من الصعب التأكيد لأنه يترك المجال على وسعه أمام قراءات عدة محتملة. كأن ننسى أن المخرج لبناني. أو نتذكر أنه فيلم لبناني، وننسى الحرب على أساس أنها حالة وليست هي لبنان، أو نقرر أن الفيلم يتحدث عن الحرب من دون أن يتحدث عنها حقاً.

ولكل مما سبق محاسنه وعيوبه. فمن غير الممكن نسيان أن غسان سلهب هو لبناني فهذا يعني إخراج هذا العمل من سياقه الثقافي. والثاني يعني مغبة السقوط في شرح عمل ما فقط بناء على ما نعرفه من الانتماء الثقافي والوطني لصاحبه، والثالث يدفعنا إلى حالة مصطنعة وكأننا لا نستطيع عزل أي لبناني عن الحرب! وفي جميع الأحوال فإن قيمة أي عمل تكمن في عدم اختزاله في الوسط الذي خرج منه. فالمخرج لم يقرر «أريد عملاً لبنانياً» بل عملاً إنسانياً، والفنان يقوم بعمل ما لأنه أراد القيام به. وقد اختار بيروت نعم، لكن فيلماً آتياً من باريس صور بعد الحرب الثانية لا يحلل دائماً وكأنه عن الحرب سوى عندما يتحدث صراحة عنها.

حيرة يتركنا فيها هذا العمل للمخرج اللبناني غسان سلهب الذي سبق وحقق فيلمين للسينما «أشباح بيروت» (1998) و «أرض مجهولة» (2002)، وها هو يعود هذا العام بـ «الأطلال» أو «الرجل الأخير» بحسب الترجمة الفرنسية، والذي قام بدور البطولة فيه كارلوس شاهين (في أداء لافت)، ومي سحاب وعوني قواص، وساهمت في إنتاجه القناة الفرنسية آرت وقامت بعرضه، كما شارك في مهرجان لوكارنو.

الحياة اللندنية في 13 أكتوبر 2006

 

تأملات مستعادة في حيوية جمهور السينما في العراق... تجربة فريدة احترقت بنار الحرب والاحتلال ... على مراحل

بغداد - ماجد السامرائي

جاء اغلاق دور العرض السينمائي في بغداد ومدن عراقية اخرى، وتوقفها كلياً عن تقديم عروضها، اعلاناً لنهاية «جمهور السينما» في هذا البلد الذي ظل، الى عهد قريب، إحدى الحواضن العربية الكبرى للفنون والآداب... وهو أمر يثير قضيتين هما، بازاء ما نال هذا البلد من تخريب ودمار منذ حل الاحتلال الأميركي فيه، من القضايا الجديرة بالتأمل... وهما: دور العرض السينمائي (في بغداد تحديداً) وما اعتمدت من تقاليد شكلت جزءاً من ثقافة المشاهد. ثم الجمهور المشاهد نفسه الذي نستطيع وصفه بالجمهور المثقف، في ما كان له من بناء ذاتي حدد توجهاته في هذا المجال من مجالات الفن، محددين البداية بالستينات من القرن الماضي... لسببين: الاول كونها الحقبة التي عشتها وعايشتها وانطلقت منها في بناء تجربتي في القراءة والمشاهدة... والكتابة ايضاً. والثاني إنها، كما أنظر اليها اليوم من بعيد في الزمان، كانت حقبة ثقافية بامتياز، سواء في مشاغلها واهتماماتها، او في ما قدمت مما يعد إضافات ثقافية فعلية وحقيقية.

دور عرض شبه متخصصة

كانت دور العرض السينمائي الرئيسة في بغداد اقرب الى التخصص في ما تقدم من عروض لجمهور متعدد المشارب والتوجهات، فأوجدت لنفسها «تقاليدها» الخاصة بها من خلال عروضها. فسينما النصر، مثلاً، كانت مهتمة بالافلام العربية اكثر من سواها، وكان لهذه الافلام جمهورها الواسع الذي تجده يتابع، ولا يدع فرصة يعرض فيها فيلم جديد إلا وكان من مشاهديه، بينما كانت سينما «سميراميس» تقدم كل جديد، ومهم، من الافلام العالمية، ما كان يحظى بجمهور له خصوصيته الثقافية في هذا المجال، في حين كانت سينما الخيام تقدم خليطاً من الافلام العربية والاجنبية، وان كان الغالب على عروضها «افلام رعاة البقر» التي كان لها جمهورها من بين الشباب وطلبة المدارس الاعدادية، وبعض طلبة المعاهد والجامعات... الذين كانوا يجدون متعة بالغة في مشاهدة مثل هذه الافلام بما تعتمد من روح المغامرة وابراز مظاهر القوة لدى الممثلين، في الوقت الذي كانت «سينما النجوم» تقدم تنوعاً من الافلام ذات البعد الروائي، العربية منها والاجنبية، على حد سواء.

أما يوم الجمعة - بصفته عطلة نهاية الاسبوع – فكانت له «طقوسه الخاصة» في دور العرض هذه، إذ كانت غالباً ما تختار لهذا اليوم بالذات افلاماً ذات خصوصية، فناً وموضوعاً، يكون لها جمهورها الخاص، وغالبيته من المثقفين والموظفين وطلبة الجامعات.

الجمهور من الخارج ... الجمهور من الداخل

«جمهور السينما» هذا الذي كان له حضوره الفعلي، وان تعددت مستوياته الثقافية وتباينت، كان المشارك الأكبر، وربما الأهم، في إرساء مثل هذه التقاليد، من دون ان نهمل الإشارة الى دور المشرفين على دور العرض هذه، وسواها، ومعظمهم ممن كانت لهم خبراتهم ومعارفهم في مجال السينما، فهم على صلة بمراكز الانتاج والتوزيع، وعلى اطلاع دائم، وأولاً بأول، على ما ينتج، وتقدير قيمته الفنية وأهميته بالنسبة الى هذا الجمهور الذي كان يقبل على معظم تلك العروض بحماسة كبيرة.

وهذا الجمهور لم يكن واحداً في كل العروض، من حيث مواعيد تقديمها... فقد كان ينقسم الى ثلاث فئات رئيسة بحسب مواعيد العروض:

- ففي العرض الأول، الذي عادة ما يكون بين الساعة الرابعة عصراً والسادسة مساء، غالباً ما يكون الجمهور عائلياً، ونسبة النساء والفتيات فيه غير قليلة.. فضلاً عن وجوه أخرى تجمع بين الطلبة وشرائح من الموظفين.

- بينما في العرض الثاني، الذي يكون بين السابعة والتاسعة مساء، فتكون صورة الجمهور أوضح: فهناك الى جانب العوائل - من فئة الموظفين أو الصحاب الأعمال الحرة - تجد طلبة الجامعات بغالبية واضحة، والمثقفين، والموظفين، الذين تشعر وأنت تتأملهم خارجين من العرض انهم جمهور اكثر اهتماماً بالسينما بما هي موضوعات وفن. وغالباً ما كانت تعقب عملية المشاهدة جلسات عفوية، في المقاهي او النوادي التي يكملون فيها سهراتهم، تناقش الفيلم من زوايا مختلفة، لنقرأ في الأسبوع ذاته آراء ووجهات نظر بهذا الفيلم أو ذاك منشورة في إحدى الصحف المحلية، التي لم يكن الكثير منها يخلو من صفحة اسبوعية خاصة بالسينما، وقد يجمع بعضها بينها وبين المسرح في صفحة أسبوعية واحدة.

- أما العرض الثالث، والأخير، فيكون بين العاشرة والثانية عشرة ليلاً، ويجمع جمهوراً لو حضرت العرض معه أو شاهدته وهو يغادر الدار فإن أول ما تلحظه عليه هو الوقار... وغالبيته من شباب الموظفين الذين يفضلون قضاء سهرتهم في مشاهدة فيلم عن ارتياد احد النوادي الليلية. ونادراً ما تجد امرأة في هذا العرض الأخير... الأمر الذي يجعلنا نقف على ما يمكن ان نعده «تقاليد ثقافية» لها وجهها الاجتماعي في عملية ارتياد دور العرض هذه.

وكان ما يعرض يخضع للرقابة التي كانت تقف موقفاً متشدداً من كل ما تجده «مخلاً بالآداب العامة»، بحسب معاييرها الرقابية.

مجتمع يتمزق ... وجمهور ينفرط

غير ان هذا الجمهور الذي كان في مقدورك تمييزه، فئات وتوجهات، على امتداد عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، اخذ بالتراجع والانحسار مع حلول عقد الثمانينات... لينفرط كلية بحلول عقد التسعينات، فصرت ترى «جمهوراً هلامياً» لا هوية ثقافية له... بل فوق ذلك أضحت قاعات العرض تعج، في أثناء تقديم عروضها، بالصفير، وتبادل التعليقات البذيئة بصوت عال... وكان السبب الأول في ذلك هو نشوب الحرب العراقية - الايرانية (1980-1988) التي استوعبت اكثر من فئة عمرية من الشباب، سواء من كان منهم في سلك الوظيفة، أو من الأفواج المتخرجة في الجامعات والمعاهد العليا. وكما ذهبت طاحونة الحرب بالكثيرين منهم فإنها بددت آمال البقية الباقية، محولة أحلامها الى كوابيس... فضلاً عن هجرة أعداد كبيرة من الشباب المثقف هرباً من نار حرب لم تخلف سوى الدمار في النفوس والأبدان، والرماد على ارض الواقع.

نهاية تجربة: العودة الى البيت

الا ان النهاية الفعلية لهذه التجربة ستكون بفعل الحرب الاميركية – الاطلسية – العربية التي شنت على نظام صدام حسين بداعي إخراج قواته من الكويت عام 1991. لقد قوضت هذه الحرب كل شيء كان قائماً على ارض الواقع، وفتحت الأبواب أمام حالات التراجع. وكان للحصار الشامل الذي فرضته قوى هذه الحرب على البلد وتأثيراته القاتلة لكل شيء: من روح الانسان الى الحياة العامة. كما كان لضيق مجالات العيش امام النسبة الأعظم من مواطنيه ان استلبت منهم مثل هذه «الرغبات الحية»... هذا الى جانب الهجرة بين هذا الشباب المثقف الذي وجد سبل الحياة، والمستقبل، مغلقة بوجهه... فراح يهاجر افواجاً، حتى بلغت اعداد المهاجرين من العراقيين بين 1991-2002 (بحسب التقديرات الأولية) حوالى الأربعة ملايين، معظمهم في عمر الشباب، وبينهم طاقات ثقافية وعلمية فعلية... ما جعل مجالات ثقافية عدة، في مقدمها السينما والمسرح، تعيش ما هو اقرب الى «حالة التصحر».

ثم جاءت «ضربة النهاية» في الحرب الاميركية الثانية التي أسقطت نظام صدام عام 2003، واضعة حداً لحياة السينما بين أمور أخرى، ومسلمة جزءاً كبيراً من المجتمع الى الموت... الذي لم يكن بطيئاً في هذه المرة: من السينما، والمسرح، الى الثقافة في كل مجالاتها... فضلاً عن «نشر الموت» في كل مكان، ليصبح «الخوف من الآتي» هو اكثر ما يحيط بإنسان هذا البلد من حالات، وأصبحت «العودة الى البيت»، أو الهجرة، هي فعل الأمان النسبي الذي يرجوه الإنسان العراقي لنفسه.

وهنا أغلقت دور السينما أبوابها، إذ لا أحد يخاطر بحياته في «مشاهدة العرض».

الحياة اللندنية في 13 أكتوبر 2006

«أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها» لهالا العبدالله وعمّار البيك ... مرثية لزمان ضاع من عمر أناس قادرين على البكاء

روما - عرفان رشيد 

على رغم كون سوريّة في صلب دوّامة سياسية تعصف بالشرق الأدنى منذ حادث اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، أتاح فيلم سينمائي لهذا البلد العربي أن يجد علمه يرفرف على سطح أعرق مهرجان سينمائي في العالم، مهرجان البندقية السينمائي الدولي. وعلى رغم أن شريط هالا عبدالله وعمّار البيك «أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها» يسجّل ربع قرن من الهموم والعذاب لمجموعة من المثقفين والمناضلين السوريين ومحاولة لأرشفتها، فقد كان الفيلم مناسبة للحديث عن سورية «الأخرى»، سوريّة الثقافة والفعل الإيجابي الرامي الى التغيير.

يبدأ الفيلم بمشهد خريفي بارد تعصف فيه ريح مُهدّدة يندمج صفيرها بهدير مياه النهر وبنعيق غراب بعيد يقترب بينما تصوّر الكاميرا بقلق كبير وارتعاش مقصود قدمين تمران على جسر صُفّت عليه الألواح المتحركة. إنه شبيه بتلك الجسور التي تُقام إبان الحروب لمرور القطعات العسكرية وناقلات الجند، لكنها تظل في مواقعها حتى عندما تضع الحرب أوزارها. لا حرب، وحديد الجسر متآكل بالصدأ الذي قطّع أوصاله عن بعضها بعضاً. ما يربط بين تلك الأوصال هي شباك عنكبوت. وهو، أي العنكبوت، لم تتمكّن الريح من اقتلاعه فبقي نقطة سوداء في بحر الرمادي الذي يقتحم المشهد بأسره.

فيلم «أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها» قُدّم ضمن برنامج «آفاق» في الدورة الأخيرة في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي ونال جائزة «اتحاد الوثائقيين الإيطاليين». المخرجان سعيدان لحضور فيلمهما ضمن البرنامج الرسمي للمهرجان وبكونه نال جائزة «اتحاد الوثائقيين» الإيطاليين، إلاّ أنهما لم يخفيا أساها أمام غياب تغطية الإعلام السوري لهذا الحدث «أمعقول أن يسارع الإعلام السوري إلى نشر أخبار المهرجان وحتى رئاسة لجنة التحكيم من دون أن يُشير إلى الحضور السوري الأول في هذا المهرجان العريق!» تعاتب هالا العبدالله.

هالا العبدالله أنجزت الفيلم مع المخرج السوري الشاب عمّار البيك. جيلان وتجربتان مختلفتان ومتباينتان. وتقول هالا العبدالله عن هذه «الشراكة»: «أنا لم أختر عمّار كما لم أختر هذه اللحظة لإنجاز الفيلم. ما حدث جاء مندون تخطيط وهو ذو شيء صلة بالأحاسيس والحدس وذو صلة بالفيلم نفسه الذي قرر أن يكون بهذه الطريقة وبرفقة هذا المخرج. هذه قناعتي في هذه اللحظة بعدما اشتغلنا ما يربو على سنة لإنجاز العمل. خلال هذه السنة تساءلت كثيراً عن السبب الذي لم أنجز فيه الفيلم الذي رغبت بإنجازه طوال خمس وعشرين سنة حيث كانت لدي فرص كثيرة، كما كانت لدي فرص، لأعمل مع آخرين ينتمون إلى جيلي أو هم قريبون من ذلك الجيل ومن طريقتي في العمل ولعقليتي. لكنني، ربما أحب التحريض أيضاً وأحب الاستفزاز والتحدي ورأيت أن في إمكان العمل مع عمّار أن يوفّر كل ذلك».

خلافات

ما يظهر من وصف العلاقة بين المخرجين أثناء العمل ليس مؤشراً على أن الأوضاع جرت من دون سجالات أو خلافات طبيعية بين رؤيتين وجيلين. يقول عمّار البيك: «الحقيقة اننا اختلفنا كثيراً وتشاجرنا كثيراً لكنه كان اختلافاً يوصل إلى نتائج إيجابية للعمل. لذا كان مثمراً. هناك أمر مهم في هذا العمل وهو أننا اخترنا أن نُنجزه في إمكانات بسيطة للغاية، إذ فرضت علينا ظروف عمل صعبة للغاية. فمثلاً أنجزنا المونتاج في بيت هالا وكنّا نعمل بينما كانت هالة منشغلة بأمور المنزل وعائلتها».

ما صوّرته هالا العبدالله في فترات متباعدة وشهادات لزوجها الفنان يوسف عبدلكي ولأم يوسف ومشاهدات للحظات مهمة في حياتهما وحياة أسرتهما، كمشهد عودة يوسف عبدلكي إلى سورية بعد سنين طويلة من الغربة والاحتفال الكبير والمثير للمشاعر الذي أقامه له أصدقاؤه وذووه في مطار دمشق. كما تسجّل هالا في الفيلم سلسلة من الحوارات مع أصدقائها وصديقاتها من النساء اللاتي تقاسمن وإيّاها مرارات السجن والغربة والقهر والابتعاد من الوطن أو الغربة في داخله. غير أن الشريط ليس سجل ذكريات نسوياً بل هو جزء من سجل ذكريات طويلة امتدت لربع قرن فيها كل أبطال حياة هالة العبدالله بأجيالها المختلفة من صديقات وزوج وابنة وحماة وأم تنتظر بفارغ الصبر عودة ولدها يوسف.

النساء في الفيلم، سواء أم يوسف عبدلكي أو الأخريات، نساء قويّات، مبدعات ومنتجات وفاعلات في المجتمع. وعلى رغم أن قهر سني السجون يقتحم عيونهن فتذرفن دمعاً ساخناً، إلاّ أنهن لا ينكسرن. تقول هالا العبدالله: «كلنا مصائبنا كبيرة، لكن من المؤكد ان مصائب المرأة أكبر بكثير لأن عليها في الحياة مسؤولية أكبر من مسؤولية الرجل أو أن عليها شروط حياة أكثر قسوة من شروط حياة الرجل.

في الفيلم مقارنة لهذا الجانب من معاناة الرجل ومعاناة المرأة في شكل سريع. وفي رأيي أن إمكانات التعبير محدودة في شكل كبير في بلادنا وهي أكثر محدودية بالنسبة الى المرأة وهذا الشوق وهذه الحاجة وهذا الألم الداخلي الموجود عند المرأة للتعبير عن نفسها وعن رغباتها وطموحاتها هو مضغوط للداخل وعميق في شكل كبير بعمق الجرح. بينما الرجل تظل لديه فرص التعبير عن همومه. في الفيلم مثلاً نجد شخصية مثل يوسف عبدلكي نشعر انه على رغم وجوده في الغربة منذ 25 سنة قد حقق في شكل ما الاستقرار النفسي الداخلي، لأنه يتمكن من التعبير عن همومه بعمله ويعبّر حتى عن هذا الجانب لأنه وجد لنفسه هامشه بينما النساء الموجودات في الفيلم، وعلى رغم وجودهن في البلد وفي حياة مستقرة نسبياً، فإن لديهن في أعماقهن ألماً وشوقاً الى الوصول إلى حلم لم يتمكنّ من تحقيقه. أو الى الوصول إلى الرغبة في التعبير عن شيء لم يتمكنّ من إنجازه في هذه الفترة من حياتهن. لكل هذه الأسباب كانت لدي رغبة لإنجاز هذا الفيلم ليس بصفتي امرأة في الغربة فقط بل بصفتي امرأة تمكّنت من أن تعيش هذا الوضع وأن تشعر بصديقاتها. أنا مقتنعة بأن وضع نسبة كبيرة من النساء في العالم شبيه بما رويت في الفيلم. لذا لم يكن إنجاز الفيلم قراراً فكرياً أو نظرياً بقدر ما كان أحاسيس معاشة كنت أحب التعبير عنها».

ويضيف عمّار البيك قائلاً: «لا بد من الاتفاق سلفاً على بأن المرأة مقهورة في مجتمعاتنا عبر التاريخ إلاّ اننا لم نفكر بإنجاز الفيلم لأن القضية مطروحة في الإعلام في شكل واسع وكبير بل حاولنا أن نوجز 25 سنة من عمر هالا».

فكرة الفيلم ابتدأت لديهما من عنوان هو «استطلاع الحب والموت» لكنه تغيّر عبر مراحل العمل وبما أن روحية الشاعرة السورية الراحلة دعد حدّاد وشعريتها كانت حاضرة في كل لحظة فقد استقر بهما القرار على شطر «أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها» وهي جملة من قصيدة معروفة لدعد وبدت هنا عنواناً أليماً ومملوءاً بالمرارة لكنه في الوقت ذاته يسخر من الموت ولا يهابه. ولا غرابة في أن تكون هالا العبدالله قرأت القصيدة بصوتها في نهاية الفيلم بينما هي تسجّل بكاميرتها سرباً من الطيور التي تحلّق في الهواء وهي ترسم أشكالاً فيها من رشاقة الحياة وحيويتها الكثير وترسم في خاتمة المشهد صورة رمح منطلق. بالضبط كما تقول دعد حداد في القصيدة ذاتها.

هالا العبدالله وعمّار البيك لم يجمّلا في المادة المصوّرة ولم يكن المونتاج لديهما إلاّ ربطاً بين المشاهد المصوّرة في أوقات وأزمان متباعدة ومن دون تخطيط أو سيناريو. وقد شكّل هذا الاختيار تعباً لبعض المشاهدين المعتادين على الصورة المجمّلة، إلاّ أن اختيار المخرجين بدا وكأنهما سلّما إلى المشاهد دفتر ذكريات كُتب بخط اليد وفيه الكثير من الشطب والتغيير والتحوير تاركين لكل مشاهد حرية إجراء عملية تحرير النص بنفسه.

الحياة اللندنية في 13 أكتوبر 2006

 

«رائدات السينما في مصر» لمجدي عبدالرحمن... لكن المرأة لم تستفد كثيراً من تلك لتجارب الشجاعة

القاهرة - خالد عزب 

منذ أن صدر كتاب «الرائدات السينما في مصر» ضمن سلسلة مكتبة الاسكندرية، والمرء لا يسعه إلا أن يقف أمامه متسائلاً حول دور المرأة المصرية الحقيقي في بعث الحركة الفنية في مصر، ولا شك في أن هذا الدور قد شابه الكثير من اللغط والشوائب، بعضها كان له بعد أخلاقي، والبعض الآخر كان له بعد يتعلق بثقافة المجتمع التقليدية، لكن الباحث (مجدي عبدالرحمن) آثر أن يقدم لنا في كتابة هذا تسجيلاً لدور رائدات السينما في مصر، لم يكن له بعد عميق بقدر ما أتى عبارة عن سرد يبني عليه بعد ذلك دراسات نقدية.

استدعى المؤلف في بداية الكتاب ذاكرة التاريخ ليقدم مسيرة كفاح هذه المرأة في محاولة منه لربطها بكفاح المرأة المصرية في مجال السينما، للتأكيد على ان الفيلم الأول كان من اخراج امرأة (عزيزة أمير)، غير أن الكثير من النقاد السينمائيين يرون أن فيلم «الباشكاتب» يعد أول فيلم صورت المرأة فيه راقصة تسلب موظف حكومي أمواله. هذه الصورة أخذت وقتاً طويلاً لكي تخرج السينما المصرية عن قالبها.

كان مطلع القرن العشرين يحمل في ثناياه كل مثالب القرون السابقة التي عانت من ظاهرة الحريم وتفشت في المجتمع المصري وقللت بالتالي من مكانة المرأة المصرية وأكدت على امتياز الذكر المصري في المجتمع المصري المعاصر.

ولقد كانت صورة المرأة المصرية التقليدية السائدة وقتها صورة الأم التي لا تهتم بشؤون البيت ورعاية الزوج والأولاد كما كانت سيدة المنزل المحمية وكان يشار فيها بلقب «السيدة المصرية والجوهرة المكنونة».

لكن الأمر لم يستمر على هذا المنوال طويلاً فقد بدأ انتشار المدارس النسوية لتعليم الفتيات على رغم وجود نيابة الرجل في كل ما يخص المرأة. وألقت كتب رفاعة الطهطاوي ومنها «المرشد الأمين للبنات والبنين» ودعوته لتعليم المرأة وتربيتها أرضاً خصبة للمضي في هذا الطريق، كما كان ظهور باحثة البادية «ملك حفني ناصف» ثم ظهور قاسم أمين وجهوده في تحرير المرأة، ما عجل كثيراً بظهور شخصيات نسائية مصرية لها عظيم الأثر مثل هدى شعراوي التي كانت شعلة متوهجة من التأجج الفكري ولم تتوقف طاقتها المتدفقة عن العطاء والكفاح لدرجة أن المثال محمود مختار أطلق عليها اسم ايزيس لما كانت تنفقه على تعليم كثير من الفتيات.

ومن الغريب أن السينما المصرية شهدت نهضتها الحقيقية على يد سيدات مصريات فاضلات اقترن الإنتاج السينمائي بأسمائهن، وبرز منهن أربعة قمن إضافة الى ذلك بإخراج تلك الأفلام بأنفسهن.

كانت أولاهن فاطمة رشدي والتي ظهرت على المسرح مع فرقة عبدالرحمن رشدي، وقد مثلت في بداية حياتها فيلم «فاجعة فوق الهرم» إخراج إبراهيم لاما (1928)، ثم مثلت فيلم «تحت ضوء الشمس» من إخراج وداد عرفي ولكنه كان سيئاً لدرجة أنها ذكرت أنها قد أحرقته وقامت بعد ذلك بإخراج فيلم «الزواج» والذي عرض (1933) ومثل أمامها فيه محمود المليجي ويروي الفيلم قصة الفتاة المغلوبة على أمرها والتي زوجها أبوها على غير ما تهوى فكانت نهايتها الموت.

أما الثانية فهي عزيزة أمير والتي عملت في فرقة رمسيس ثم حاولت أن تدرس السينما وقامت بإنتاج فيلم «ليلى» (1927) وقد قامت (1933) بإخراج فيلم «كفري عن خطيئتك».

أما الثالثة فهي بهيجة حافظ التي حصلت على دبلوم في الموسيقى من باريس ولعبت دور البطولة في فيلم «زينب» الصامت إخراج محمد كريم وكونت شركة إنتاج هي وزوجها وأنتجت فيلم «الضحايا» الصامت أيضاً (1932) من إخراج إبراهيم لاما ولكنها أعادت إخراجه ناطقاً (1935).

والأخيرة هي أمينة محمد والتي التحقت أيضاً بفرقة رمسيس وقامت بالرقص في الملاهي الليلية ثم قامت بإنتاج وإخراج فيلم «تيتا وونج» بطولة حسين صدقي والذي قام بمساعدتها فيه عدد كبير من السينمائيين المشهورين أمثال كمال سليم والسيد بدير وصلاح أبو سيف واحمد كامل مرسي وحلمي حليم ومحمد عبد الجواد ومحمود السباع وغيرهم.

وهكذا استطاعت أربع سيدات مصريات أن يقمن بما لم تفعله المرأة الأوروبية أو الأميركية إلا بعد ذلك بعشرات السنين، وهي شجاعة يُحسدن عليها وثقة في النفس لا تنكر على المرأة المصرية، ولكنهن بالقطع لم ينصفن المرأة في الدراما التي قدمتها وعذرهن إنهن وقعن تحت سطوة دولاب الإنتاج السينمائي الذي لا يرحم، كما يفيدنا مجدي عبدالرحمن في هذا الكتاب الرائد واللافت.

الحياة اللندنية في 13 أكتوبر 2006

 

موجه للعرض في الغرب... «من أجل هذا ...» توثيقي للعدوان على لبنان

دمشق – محمد الخضر 

اختار المخرج السينمائي الفرنسي كريستيان بيل توثيق العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان بطريقة مختلفة عن السائد استندت الى توثيق الدمار المادي الذي طاول الجسور والمباني والبنى التحتية من دون الإتيان على صور الجثث والمجازر في ما يبدو انه تفضيل للتعاطي مع الرمز الذي عبر عنه مشهد طير مذبوح وألعاب أطفال مرمية وسط الركام.

الفيلم الوثائقي الذي اختار بيل «من أجل هذا...» تسمية له يدور بين بيروت حيث مسرح الجريمة ودمشق التي استضافت عشرات آلاف العائلات اللبنانية المهجرة خلال الحرب.

في المكان الأول الذي يشتمل على الجزء الأعظم من 50 دقيقة مدة العمل تدور الكاميرا على أمكنة الدمار في الضاحية الجنوبية وتلتقي أطفالاً ونساء ورجالاً من ذوي الشهداء وبين هؤلاء صحافيتان أجنبيتان، وكلهم يتحدثون عن حجم الدمار الذي طاول المدنيين مكذبين روايات الإسرائيليين ومبرراتهم للحرب.

تعمد المخرج الذي أعلن إسلامه العام الماضي وأطلق على نفسه اسم عيسى أبو الهدى الابتعاد عن مشاهد الضحايا، يرجعه منتج العمل الدكتور فايز صندوق الى العقلية الغربية التي لا تتقبل تلك المناظر، خصوصاً أن الفيلم معد للعرض في أوروبا والولايات المتحدة كما يطمح بيل وصندوق. وأضاف صندوق في المؤتمر الصحافي الذي أعقب العرض الأول للفيلم في دمشق بحضور الصحافيين وبعض المدعوين من الفعاليات الفكرية والاجتماعية والدينية السورية أن الفيلم أنتج بثلاث نسخ عربية وإنكليزية وفرنسية ويجرى العمل حالياً على نسختين بالإسبانية والعبرية. وكشف عن وجود موزعين في سورية ولبنان سيقومون بتوزيع الفيلم فيما تجرى الاتصالات مع المحطات الفضائية ووسائل الإعلام الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة لنشر العمل.

ورأى بيل ان الصور التي عرضت في أوروبا والولايات المتحدة للعدوان شوهت كثيراً، وكشف أنه للمرة الأولى سيقدم فيلماً لم تشوه فيه الصور والحقائق، مضيفاً أنه حاول تقديم عمل «ليس وثائقياً تقليدياً» بل انه «أقرب الى الفيلم الدرامي كي يهتم الآخرون به وتمر رسالته في شكل أفضل».

وأشار بيل الى أن كل شيء مختلف، ولا سيما الفكرة التي يعبر عنها أشخاص يقولون الأشياء نفسها. هؤلاء اخترناهم من الشارع من الحياة اليومية هناك في الضاحية مما يعطي الرسالة صدقية حقيقية.

وأمل المخرج الفرنسي أن تقوم المحطات الفضائية العربية بعرض العمل لأن كثراً من الاميركيـين بـاتـوا يـتـابعون بعض تلك المحطات. كما اعتبر أن العمل هو «البداية» لمجموعة أعمال تتكلم على «ضحايا العدوان الذي تقوده أميركا في أمكنة كثيرة حول العالم»، داعياً المنتجين والكتاب وكل من يريد الإسهام بأعمال كهذه الى تقديم أفكاره.

الحياة اللندنية في 13 أكتوبر 2006

 

سينماتك

 

المخرج داوود عبد السيد:

السينما المصرية تغلق الأبواب أمام كل جديد ومختلف

الإسماعيلية - إبراهيم حاج عبدي

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك