طوال الأيام الخمسة الماضية، حاول "أيام بيروت السينمائية"أن يكون مهرجاناً سينمائياً وحسب. عروض لأفلام وثائقية وروائية وقصيرة من العالم العربي أو عنه، قدمت قسطاً وفيراً من النتاج الفيلمي العربي خلال العامين الفائتين وعرضان لبنانيان لفيلمي "أطلال" و"فلافل" منحا الدورة الرابعة خصوصية محلية وكرسا مكانة "الأيام" في المشهد السينمائي المحلي. الا ان قرابة ساعة ونصف الساعة من عروض "فيديو تحت الحصار" سرقت الاضواء آخذة المهرجان الى تخوم الواقع المبتور والاحلام المسروقة والى ما كان قبل شهرين يومياً معيشاً. انها الذاكرة القريبة او ما تحول ذاكرة على شاشة من خلال تلك الافلام.

* * *

كان من المثير ان يفرد الجالس في الصالة مساحة من تركيزه ليراقب ردود فعل المشاهدين. الحشود التي افترشت الأرض والممرات وقوفاً وقعوداً واستناداً الى الحوائط، تحولت كتلة شبه متجانسة مع بدء توارد الصور على الشاشة. أجل توارد الصور لأن ما شاهدناه وان كان مركباً من نحو عشرين فيلماً متفاوتة الشكل واساليب التعبير، الا انه شكل فيضاً من الصور المتسلسلة والمترابطة في أذهان متلقيه. لا تمنع خصوصية المقاربة (فيديو آرت) أوالشكل (تحريك مثلاً) ذلك الإحساس بأن ثمة ما يربط بين تلك الافلام ليحولها أشبه بذاكرة مصورة مولفة من مئات الافكار التي عبرت الرؤوس في لحظات او ايام وتقاربت وتجانست تماماً كما يتجانس البشر إزاء الخوف والرعب والتهديد. تلك التجربة الجماعية التي عاشها اللبنانيون ابان الحرب الاخيرة عادت الى الشاشة على شكل ومضات وافكار وخطابات أحياناً، واعية او تلقائية، تأملية او خطابية، ذهنية او عاطفية... على اختلاف المقاربات، اجتمعت تلك الافلام ـ وإن كان بعضهم يشكك بتسميتها افلاماً ـ حول الحدث (الحرب) والقرب منه. كلها شرائط أُنجزت بين الثاني عشر من تموز والخامس عشر من آب (باستثناء واحد صور جزء منه في 24 آب) أي بعد يومين على وقف اطلاق النار. ومعظمها تمحور حول فكرة او رؤية عبرت عن كتلة من المشاعر في قالب من رد الفعل المباشر او شبه المباشر. بعضها استلهم صوراً قديمة، اكتسبت في ظل الحرب معنىً مختلفاً. كما فعل اكرم الزعتري وجوانا حاجي توما وخليل جريج ودانييل عربيد وتينا باز في "مطار1" و"مطار2"، جاعلين من أرشيف خاص لاقلاع الطائرة من مطار بيروت اشارة من اربعين ثانية مصحوبة بجملة تفسيرية مكتوبة على الشاشة "لن ترى بيروت بعد ذلك على هذه الشاكلة". وبعضها الآخر حمل كاميراه ووجهها الى آثار الحدث او فعله. وثمة من وجه الكاميرا الى داخله ليبوح بأحاسيس تلك المرحلة وتأثيرها في نفسه. أشرطة مختلفة، اقتربت أحياناً من الريبورتاج وأحياناً من التمرين الفني وغالباً من الأرشفة او توثيق المرحلة.

التوثيق، اليوميات والاستشفاف

في ثلاثة أفلام، "14 آب، الضاحية الجنوبية" و"15 آب، مدرسة رمل الظريف" و"بنت جبيل 1"، حاولت رانيا استيفان التقاط "كواليس الحرب" من صور وحوارات لا تدخل في "الماينستريم". حوار بين ثلاثة أطفال يتبارون فيه على التباهي بالمرض والمعاناة او شاب يتموضع امام الكاميرا مردداً شعارات ومبدلاً أعلام او رجل أبكم يقول بالاشارات ما عاشه وخبره في تلك الحرب. كلها حكايات خارج الماينستريم، تلعب على وجهين: الاول خصوصية الحالة وفرديتها والثاني علاقتها بالواقع. بمعنى آخر، تتعاطى استيفان مع الشخصيات كحالات انسانية تاركة للمشاهد ان يستشف ما هو أبعد لجهة عكسها وجهاً آخر للواقع يتعارض مع احادية النظرة التي تعممها وسائل الاعلام والخطاب السياسي. ففي "بنت بنت جبيل" و"مريم" و"غلطة بصرية"، يتخذ عمر نشابة وماهر ابي سمرا وأحمد غصين تباعاً من الحدث مادة بصرية توثق لانتشال امرأة مسنة أمضت ثلاثة ايام تحت الدمار في الاول او عودة شابة للمرة الاولى الى قريتها لتفقد منزلها في الثاني او اعادة بناء لقطة سابقة لسيدة امام منزلها تتحدث عن اجتياح 1982 لنراها في تموز 2006 في نفس الزاوية انما من دون بيت خلفها (في الثالث). في مجموعة ثالثة، نشاهد ما يشبه اليوميات البصرية: "الشرفة" لمونيكا ماورر وآن دو مو يصور امسية من امسيات الحرب من على شرفة المنزل بينما القذائف تنهمر على بيروت؛ "بدون عنوان" لعلي شري يقدم تسجيلاً لرسالة وجهته دولة اسرائيل الى اللبنانيين مخترقة موجة احدى الاذاعات اللبنانية بينما كانت تبث أغنية "بتتلج الدني" لفيروز. "أتذكر لبنان" لزينة ابو الحسن يولف صوراً التقطتها للبنان في آخر زيارة لها اليه و"قبل، بعد" لايلي يزبك يستخدم فيديو منزلي لطفلته قبل الحرب وبعدها. اما ميشال كمون فيقارن بين دمار الحرب الأهلية ردمار الحرب الأخيرة متخوفاً من ان يعيد التاريخ نفسه وكذا يفعل جريج وحاجي توما وباز في "بيروت الأرض صفر" الذي يبدأ من نقطة قريبة لصورة جادة لتتوسع العدسة ببطء كاشفة عن مشهد دمار كامل.

"الحرب كما يراها الأطفال" لسمر مغربل اعادة بناء لمشهدية الحرب برسوم الاطفال وتعليقاتهم. وفي اطار مشابه، قدم سمير عبد الله "هل يوجد أحد؟" تاركاً لطفل امام الكاميرا ان يدلي بفلسفته ومفهومه للحرب. وقدمت لينا مرهج "رسم الحرب" الذي يستعيد بالخطوط ذاكرة الحرب الاهلية ونظرتها اليها. بينما أنجزت سابين شمعة فيلم التحريك "أسود على أبيض" الذي يبث رؤيتها الانطباعية للحرب.

وفي إطار واحد، أنجزت الرسالتان البصريتان "من بيروت ليللي بيحبونا" و"من بيروت ليللي بدن يسمعونا" (كلتاهما من تنفيذ بيروت دي سي) تتوجهان الى العالم بالارقام والتعبير عن الأحاسيس واللوم والعتاب واعلان موقف ما من الحرب. في تجربة مختلفة، يقوم غسان سلهب في "وقت ميت" بمحاولة لالتقاط نبض الحياة الموازية للحرب التي قد تبدو عادية لولا الأصوات التي تتناهى الى سمع المشاهد من نشرات الأخبار وتعليقات السياسيين. ومثله يفعل روي سماحة في "فيديو الى آخر الزمن" محيداً عن الحدث ومشتغلاً أكثر على تداعياته في النفس كأن نشاهد على الشاشة صوراً أعيد تركيب عناصرها واصوات متداخلة تُبنى في اتجاه تصاعدي بركاني لتصل الى ذروة "ابوكاليبتية". انها القيامة يراها سماحة في تلك الحرب.

الحرب في وصفها ماضياً

تفاعل الجمهور مع الافلام بقوة. هذا ما أمكن تحسسه ولعل ذلك ما منح تلك الاعمال "شرعية" في ظل الاختلاف على تسميتها وقيمتها. فهذا الجمهور الذي كان ليتوقف ربما طويلاً عند "معنى" هذه الومضات او التعبيرات البصرية في ظروف أخرى، وجدها تعبر عنه تماماً عندما مست تجربة جماعية. بل يمكن القول ان جمع تلك الافلام وعرضها في خانة واحدة وتحت عنوان جامع، سمح للافلام الاقل مباشرة ان تجد صداها لدى مشاهد في مزاج ليختبر مشاعره ربما من مسافة قصيرة عن الحدث. الجمهور الذي كان يعبر بالتصفيق او الضحك او حبس الانفاس كان يبحث حتماً عن اجابات لتساؤلاته او عن نقاط تشابه بين تجربته وتجربة صاحب العمل. صور الدمار القليلة في الافلام اعادت الى الاذهان مشاهد مألوفة، تلقفها الحضور بترقب وربما بخوف من ان يعاد المسلسل التلفزيوني نفسه الذي اقتات عليه خلال فترة الحرب. اما الشخصيات والمواقف "الطريفة" فكانت الأكثر قبولاً وجذباً، تعلو عليها الضحكات كأنها تعلن ان ما تراه انما يأتي من زمن آخر انتهى.

في الحوار الذي تبع العرض مع عدد من المخرجين الذين شاركوا في الامسية بأعمالهم، أبدى المخرج أكرم الزعتري دهشته من الاقبال الشديد على الفيلمين القصيرين اللذين أنجزهما مع المجموعة. فقد بيعا لمحطات تلفزة اوروبية لم تبدِ من قبل اهتمامها بأفلام اي من المخرجين انفسهم. لقد اعتبر الزعتري ان العملين "ليسا فيلمين بل اشارتان بصريتان عبرتا عن أحاسيسنا وحالتنا العاطفية وقتذاك" وهم بعيدون عن الحدث في باريس.

لعل ما يمكن قوله عن تلك الافلام مجتمعة انها بمعظمها تكاتفت لتعلن الحرب ماضياً. ومن هنا تنبع اشكالية تلك الاعمال. كيف يمكن الصورة في حالة الحرب ان تجمع بين الحدث من جهة وبين القدرة على ان تكون صورة حية للحاضر والمستقبل؟ باستثناء فيلمين او ثلاثة، تحولت الافلام صوراً تسكن الماضي، عبرها الوقت بسرعة. ربما هنا تجد اشارة ماهر ابي سمرا مكانها عندما اعتبر ان الجزء الاهم في تلك الافلام قيمتها التوثيقية. الا ان قبول عرضها امام جمهور يحولها اعمالاً مفتوحة على النقاش والنقد. لقد اسرت تلك الافلام الحرب الأخيرة في اطار الذاكرة او الاحرى خلقت ذاكرة لتلك المرحلة تنتمي الى الماضي. لعله من غير العدل ان نحمل تلك الاعمال مسؤولية استشفاف الحاضر والمستقبل لأنها تنتمي الى وقتها. ولكن بهذا المعنى، الى اي حد تصلح لتكون مرآة لوقتها في ظل التغيرات العظيمة التي تطرأ على الزمن وتحيله كتلة متحولة لا تثبت على وجه؟

انطلاقاً من تلك الاعتبارات، اكتسب كلام الزعتري أهمية في تحديده الامور على نحو ما قال من ان الافلام الجيدة تطلع من حاجة ومن مسافة صاحبها من الحدث: "ما شاهدناه كان افلاماً مصنوعة بعجلة، يسيطر على معظمها هاجس البطولة والتعبئة ونشوة الانتصار وهذا امر يدعو الى القلق اذا ما قارناه بسينما الحرب في العالم العربي. التلفزيون يقوم بذلك الدور التعبوي على أكمل وجه. للسينمائي هامش الحرية الذي يجب ان يصب في النقد الذاتي لمجتمعه وتحولاته." وأشار الزعتري الى ان عالمنا يخاف من النقد لأن الاخير يكسر الفكر الاحادي وأحادية وجهة النظر لافتاً الى ان "المخرج عمر اميرالاي قضى نهاراً كاملاً في التحقيق في سوريا ليس لأنه أهان اسرائيل!"

المخرج برهان علوية الذي تحدث في بداية النقاش اعتبر ان "الافلام تردد افكاراً مشابهة ولا تتوجه الى أحد ويلزمها ان تشتغل أكثر على لغتها" وهو ما توافق عليه الآخرون من دون ان يبخسوا الافلام التي طلعت في ظل الحرب حقها وقيمتها كفعل فردي وكمادة توثيقية. وفي حين انطلق النقاش من فكرة طرحتها ايليان راهب (مديرة المهرجان الفنية ومديرة النقاش) حول الشبه الذي يمكن استشفافه بين تلك الافلام وافلام الستينات والسبعينات التي اندرجت في اطار سينما المقاومة او السينما النضالية، لم يتوقف المخرجون كثيراً عند تلك الفكرة اذ نفى علوية الذي انتمى الى جيل من السينمائيين الذين استخدموا السينما وسيلة مقاومة ان يكون هناك شبه بين التجربتين. واشارت حاجي توما الى ان كل الافلام التي اشتغلت عليها مع خليل جريج ومثلها أنشطة مثل "اشغال منزلية" هي نضالية ومقاومة لجهة اتجاهها غير السائد.

أفلامهم في عيونهم

قبل امسية عرض "فيديو تحت الحصار" تحدث بعض مخرجيها (لـ"المستقبل") عن خصوصية تجربته في صنع فيلمه والطريق التي سلكها للوصول اليها. سلهب الذي اعتبر ان تسمية "رسالة بصرية" أو ْمُُّّمٌ ُملىًّ مناسباً لهذا العمل، شرح كيف انه صنع "وقت ميت" كرسالة فيديو "لأن فيلمي "أطلال" كان سيعرض في مهرجان لوكارنو ولم يكن ممكناً ان اسافر، فقررت ارسال رسالة بصرية بدلاً من حضوري. فكرة الرسالة محور الفيلم. هي رسالة من فرد صدف انه مخرج، يوجهها من الداخل المحاصر الى الخارج. ولكن التصوير بدأ قبل ذلك وبدون هدف صنع فيلم. في اليوم الثالث للحرب، بدأت أختنق وكاد العجز ان يقتلني. لست مقاتلاً ولا مناضلاً ولكنني شعرب بالحاجة الى فعل شيء. فبدأت أصور فقط لأتمكن من التعامل مع ذلك العجز. لاحقاً عندما شعرت ان القصة ستطول، قررت عمل رسالة فيديو. كانت الفكرة تصوير الحياة لا الدمار رداً على صور التلفزيون الذي يدمر الدمار. الشهيد في تلك الحرب مات مرتين، مرة في الحرب ومرة ثانية عن طريق عرضه في الميديا. ثمة فرق بين ان نشهد الموت وان نعرضه اي ان نحوله استعراضاً. لذلك ابتعدت من صور التلفزيون وذهبت الى تصوير ذلك الوقت الغريب المعلق وفراغ الشارع وثقله كأن الحياة فيه شجرة اقتلعت بقوة من الزمن. بعد 12 تموز، صرنا في مساحة زمنية أخرى. اليوم نحن مطالبون ان نعود الى الزمن العادي.

استخدمت نصوص لبول سيلون الذي يقول "من يشهد للشاهد؟" الشهيد شاهد وانا شاهد. ولكن من يشهد لي؟ هل الفيديو يشهد للشاهد؟"

يوافق سلهب على ان "الفيلم كان ردة فعل، الفعل جاء خلال المونتاج. كان ردة فعل على العجز وعلى ما اراه في التلفزيون. مشكلة التلفزيون انه يصل الى امكنة لا نصلها نحن ولكن لا يقوم بما يجب القيام به. التلفزيون لا يثق بعيون المشاهد وبقدرته على التقاط الاشياء فيعلمه كيف يجب ان يرى. والتلفزيون لا يسمع فيخاف الصمت والفراغ ويعبئه دائماً." وعما اذا كانت تلك الافلام فعل مقاومة قال: "أعتبر السينما التي أصنعها مقاومة في وجه الامتثال والخضوع للأعراف المطلقة والفكر الأحادي" مضيفاً " لا أرى نفسي في هذه الفترة في الروائي او المتخيل. الواقع دخل أحلامنا وابتلعها."

عن "من بيروت ليللي بيحبونا" تحدث جاد ابي خليل احد المشاركين في صنعه قائلاً: ""تزامنت بدايات الحرب مع انعقاد مهرجان السينما العربية في معهد العالم العربي. طلب الينا مخرجون وأصدقاء ان نصور شيئاً ونرسله. اتفقنا على اننا لا نريد ان نكرر صور الدمار والقتل. صورنا انفسنا في هذا المكان (جمعية بيروت دي سي). نجلس امام الكاميرا ونستمع الى نص باسم الذي رافق الفيلم. كان الفيلم رسالة بكل معنى الكلمة موجهة الى كل من سيشاهد العمل. لنقول ان هناك اناساً محاصرون ولكنهم صامدون. هذا النوع من الشغل هو مقاومة وصمود على الرغم من ان هذه الكلمات باتت مطاطة. ولكن المقصود بها ليس المعنى الايديولوجي وانما الانساني. آلة الدمار تمنعنا من الحب ولكننا مصرون على ان نعطي ونحب.

لعل هذا الشكل من الشغل البصري هو المتاح في ظل ظروف الحرب. نحن عموماً صناع افلام وثائقية ولكن الفيلم الوثائقي لا يصنع تحت الصدمة. يستلزم الوقت والتفكير. لذلك اسمي هذا العمل رسالة بصرية اما الفيلم فيأتي نتيجة تفكير وتحليل للحدث من زوايا مختلفة. في الحرب يصبح هم الحياة اهم من هاجس تصوير الحياة."

اما باسم فياض الذي شارك في "من بيروت ليللي بيحبونا" وكتب النص المرافق له فقال: "هو ردة فعل بالدرجة الاولى وحاجتنا بالدرجة الثانية الى الاحساس بأننا نشارك في مكان ما. وثمة بعد ثالث عاطفي مركب يتأتى من احساسي كمنتمٍ الى هذه القضية وهذا العالم وأحلامي وتوقعاتي في ضوء ذلك. يسهل الآن القول اننا كنا نشارك بما يجري. ولكن الامر بالنسبة الي كان تعبيراً عن لحظة ذروة عاطفية.

أعتقد ان قيمة هذا النوع من الشغل محصورة بوقتها، اي انه شغل وليد لحظته وتنبع أهميته من مستويين: الحاجة في ظروف الحرب الى الانتماء الى مجموعة وحاجة المجموعة الى عمل شيء ما. العمل هو حجة الوجود.

عندما يتهددك الموت جسدياً وروحياً فإن اي نوع من الانتاج هو مضاد لذلك التهديد وهو فعل مقاومة. وثقافة المقاومة هذه هي المطلوبة خسارتها.

لم نرد ان نقتل معنى الصورة أكثر لذلك نرى صور القتل والدمار ومضات سريعة.

الفيلم هدفه التوجه الى جمهور اعاتبه على تخليه ووقوفه متفرجاً بينما انا مطعون بانسانيتي."

عن تجربته "غلطة بصرية" يقول أحمد غصين: "الفيلم تحية الى أمي. هذا البيت يعني لها الكثير. عاشت فيه سنوات طويلة وكل ذكرياتها وصورها فيه. امام الكاميرا، وإزاء منظر البيت المهدم، لم تستطع الكلام. القصص كثيرة في الجنوب عن عبثية الموت المعتاد ولكنها تحتاج الى الوقت. الفيديو الحالي تعبير مباشر ولحظوي. هذه الافلام تدخل في الميديا أكثر منها في الفيلم او الفيديو. قصص التلفزيون تندرج في اطار الـٌُّوَّ أو العرض وليست نظرة شخصية. أربكني في هذا العمل أنني أوثق محو الذاكرة. فدمار البيت هو محو لذاكرة أمي على الأقل وهذه مفارقة ان نوثق محو الذاكرة. الحرب موت ودمار صحيح ولكنها أيضاً محو للذاكرة. لقد أذهلني منظر كثيرين يبحثون بين الركام عن صورهم قبل أي شيء آخر."

"لا": صرخة الفلامنكو

في رد فعل مختلف التعبير والادوات، أدت يلدا يونس رقصة فلامنكو في عنوان "لا" على توليف صوتي وموسيقي لزاد ملتقى. لعبت الأخيرة دور آلة الحرب من خلال اصوات الدبابات وطلقات الرصاص ودوي القذائف. في مواجهة تلك، وقف الجسد كأنه كما جاء في أغنية مارسيل خليفة "أحمد العربي" الجسد الاسوار "جسدي هو الاسوار فليأتِ الحصار"... لقد كان جسد "يلدا" هو الرادع ولكنه أيضاً الجسد الهش الذي ينتهك بالخوف والرعب فيرتجف على اصوات القصف. ولكنه سرعان ما يستمد من خوفه وارتعاده قوة تعبيره. يبدأ بحركة تتبع ايقاع الاصوات الخارجية ثم لا يلبث ان يخلق ايقاعه الداخلي ليعلو فوق ايقاعات العالم الخارجي وليسمو الجسد فوق خوفه وأخيراً ليواجه آلة الحرب في حركة تصاعدية تستمد من انفعالات الداخل قوة تعبيرية فائضة رافضة للعنف الذي يستبيح انسانية الجسد.

المستقبل اللبنانية في 23 سبتمبر 2006

 

بيروت السعيدة تحتفل باستحالة الأمل

يوسف بزي 

"أيام بيروت السينمائية 2006"، انها الدورة الرابعة لهذا المهرجان السينمائي الذي يجمع مخرجين لبنانيين وعرباً وأجانب في بيروت ما بين 16 و23 أيلول.

دورة جديدة بالهدف ذاته، أي رسم فسحة واسعة للسينما المستقلة. أربعون فيلماً في اطلالة جَماعية على جمهور المدينة ما يؤلف مشهداً عريضاً للثقافة البصرية وصنّاعها.

يأتي ذلك بعد انصرام الحرب مباشرة، بعد فصل صيفي من الموات وحلول الكارثة واستقرار الخواء في شوارع العاصمة كما في روحها المحبطة.

لكن الذَهاب الى سنتر صوفيل، في الاشرفية، لمتابعة هذا الحدث السينمائي، ليس خروجاً من حال القنوط إلى عالم افتراضي مبهج، قد نظنه في الافلام المعروضة. ذلك ان فيلم "فلافل" يروي عن بيروت أيضا في ليلة صيفية، ليلة في حياة شاب لبناني يتجول بين العائلة والأصدقاء والحب. وهو، اذ يسعى إلى الانتشاء بالحياة، سُرعان ما يكتشف ان العيش بطريقة طبيعية في هذا البلد أمر مستحيل.

فبعد مرور 15 عاماً على انتهاء الحرب لا يزال البركان كالقنبلة الموقوتة قابعاً في جوف المدينة وقد ينفجر في أي لحظة.

غسان سلهب في فيلمه "أطلال" (وعنوانه بالفرنسية "الانسان الاخير") يروي قصة طبيب يعمل في بيروت (نموذج المواطن المثالي، حسب مخيلة اهل رأس بيروت) وهو محاصر يومياً بأخبار فلسطين والعراق وجنوب لبنان، وبالتلوث وبالفوضى العمومية وبالانحلال الاخلاقي فتبدأ عوارض وحالات غريبة تظهر عليه بالتزامن مع مسلسل جرائم وضحايا يبدو ان قاتلها يمص دماءها، دراكولا بيروتي سنكتشف ببطء انه هو المواطن المثالي، الطبيب الهادئ والدمث.

وبهذا المعنى يصح عنوان الفيلم بصيغته الفرنسية كتوصيف عن تلاشي الامل بحياة طبيعية، بمدينة طبيعية. فيلم كابوسي بسوداويته، حيث تتحول بيروت الى مدينة لا تطاق والى مكان تتحرك فيه كائنات عالقة بين الفوضى والعبث والخواء والموت والتفاهة.

يشتغل سلهب بحِرفية رفيعة إخراجاً وتصويراً، مع اهتمام بالغ بأثر الصوت والصمت. قوة الصوت استثنائية، وبلاغة تشكيلية في الظلال والعتمة وفي الضوء الباهر والساطع للبحر واللقطات الواسعة. لكن ايقاع الفيلم كابوسي ايضاً، بسبب البطء المستمر والملل الثقيل الذي يحل على مشاهده.

بعد "فلافل" و"اطلال" سنجد أيضاً في الافلام القصيرة الكوابيس الاخرى. لينا غيبة مع "يا ولدي" تروي "المدينة ممتلئة بأشباح المفقودين وأم وحيدة تنتظر". كذلك فيلم وائل نور الدين "من بيروت مع أطيب التمنيات": بيروت في حرب مع نفسها. هنا، لا تجد المشاكل حلولاً أبداً، ولا يمكن اصلاح أي جدار".

قاعة سنتر صوفيل ممتلئة بجمهور شاب. بضيوف عرب وأجانب، بسحن نضرة، حيوية تصنع زاوية في بيروت ما بعد الحرب فيها الألق والبهجة والصخب الثقافي المديني. لكن ذلك ليس صورة مغرية للتصوير. ليس إلا إضاءة جانبية وضعيفة على عتمة المدينة.

الأفلام لم تخرجنا من حال بيروت الآن. ومهرجانها ليس فعلاً مضاداً لليأس، بقدر ما هو "استعراض" سينمائي لهذا اليأس والخراب المادي والروحي. المفارق أيضاً، أننا في الصالة كنا نترقب أخبار توقيف المخرج السينمائي السوري عمر أميرالاي في دمشق.

بعد 12 تموز و"الوأد" المؤقت الذي عاشته العاصمة كان لا بد من البحث عن انطلاقة جديدة، وعن إشعال النبْض في الشارع وفي الكواليس. بالتأكيد عادت العجقة الى كورنيش المنارة ـ عين المريسة، لكننا ونحن هناك كنا نتمشى متخيلين أن هذا الحشد غير المبتسم البليد، السوداوي الوجوه، كأنه بات حشداً من "الزومبي" (الأموات الأحياء).

بالتأكيد عاد السهر الى مونو والجميزة، لكن الليل هناك يبدو مليئاً بالكدمات النفسية، وبالخمود. مشهد المدينة وصالاتها وساحاتها كأنه فائض بالكآبة.

ونحن شلة الشبان الذين داومنا على حانة الشعر وأمسياته، إذ قررنا أن "نستأنف الحياة"، ونستأنف الشعر في حانة "جدل بيزنطي". رفعنا هذا الاستئناف الى مصاف الشعار. كأننا مضطرون للعمل والسعي لتحقيق "عيش عادي". كأننا "نناضل" للوصول الى سوية انسانية، كأننا نخترع من جديد مدينة ورصيفاً ومسكناً ويوميات عادية.

بهذا المعنى، الحفل الموسيقي هنا، المسرحية هناك، الأمسية الشعرية، المهرجان السينمائي، تبدو كلها واقعة في رواية الكابوس. أي في اللحظة التي تحاول فيها تأليف الحياة والضوء، تكتب الموات والعتمة.

شباب السينما في مهرجانهم، في الصالة الأنيقة، في الشارع الأنيق، فعل استثنائي يشبه مراسيم "إعادة افتتاح بيروت" بعد إغلاقها القسري. لكن ما يصوّره هؤلاء الشباب في أفلامهم، هو الموت والانطفاء واستحالة الأمل. إنهم يبشرون بالمستقبل على هذا النحو: بيروت تذهب الى فنائها.

هذا ما يقوله الفن في اللحظة الاحتفالية، الافتراضية، "بعودة بيروت الى طبيعتها".

المستقبل اللبنانية في 24 سبتمبر 2006

هل يتحول مهرجان بيروت السينمائي إلى مهرجان ساراييفو آخر؟

دعم موللر وتمويل "لي وغاند" يضمنان دورة قوية نصفها العربي غائب

ريما المسمار 

عاد مهرجان بيروت السينمائي باسمه القديم وبصفته الدولية اللذين انطلق بهما في العام 1997. هذه الدورة تنعقد في ظروف استثنائية كما هي حال مهرجانات أخرى عانت ما عانته بسبب الحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان. لم يعد السؤال، بهذا المعنى، حول اسم المهرجان مهماً لأن العنوان الأكبر هو انعقاده في ظل الظروف الحالية. كذلك السؤال حول أهدافه مموه. الهدف الاسمى في هذه اللحظة التعبير عن الصمود والانتفاض من الموت والخراب. تقول كوليت نوفل، مديرة المهرجان، ان سينما المنطقة (اي الشرق الاوسط) هي التي يسعى المهرجان الى احتضانها. ولكن خطأً ارتُكب بحسن نية خلال الاعلان عن استمرار المهرجان في الدورة الاخيرة لمهرجان البندقية أعيد المهرجان الى اسمه العتيق. ذلك ان الترويج للدورة الحالية في الصحف الاجنبية والاخبار المتناقلة عنه نسبت اليه صفة "نهرجان بيروت السينمائي" ببديهية من يظن ان لبيروت مهرجان واحد كسائر المدن في العالم. ناهيك عن ان التمسك باسم بيروت في العنوان هو ضرب من التأكيد على ان المهرجان ينطلق من المدينة التي شهدت خراباً وموتاً حتى تاريخها القريب. يضيف المهرجان بهذه الدورة فصلاً اضافياً الى حكايته المتشعبة. فقبل ان يتمكن مهرجان بيروت السينمائي من تكوين هوية خاصة وقبل ان يستطيع تثبيت قدميه في المشهد السينمائي المحلي، ناهيك عن العربي او العالمي كما كان ادعي القيمون عليه بإضافة وصف "الدولي" الى العنوان.. قبل كل ذلك، تم توقيفه من قبل ادوار عون الذي أطلقه من خلال "الشركة الدولية للمعارض" وترأس دوراته بين 1997 و2001. وحيث ان نوفل استساغت ادارة مهرجان سينمائي خلال الاعوام الماضية وأفادت خلال السنوات تلك بتوطيد علاقاتها بشركات الانتاج وبالمنتجين، قررت الاستمرار بالمهرجان في صورة مختلفة هي الصبغة الشرق اوسطية التي تتيح انضمام سينمات ايران وتركيا وباكستان والمغرب العربي والخليج الى انتاجات دول المنطقة واقامت دورة يتيمة في العام 2003 وان كانت قد حملت الرقم ستة بما يعني انها استكمال للمهرجان الاساسي.

حتى اندلاع الحرب في 12 تموز الفائت، كانت التحضيرات للمهرجان قائمة على قدم وساق بحسب ما ذكرته نوفل لـ"المستقبل": "بدأنا التحضير للدورة منذ بداية العام.. جلت مهرجانات عدة وآخرها "كان" حيث وقع اختياري على فيلمي المودوفار volver ومروان حامد "عمارة يعقوبيان". عندما وقعت الحرب كنا قد انهينا قرابة ثمانين بالمئة من البرنامج وبدأنا عملية ترجمة الافلام." في ظروف عادية، كانت الدورة الحالية لتتضمن مسابقة للأفلام الروائية العربية الطويلة والقصيرة حيث ان اتفاقاً بين نوفل ومحمد هاشم مدير مهرجان بيروت للفيلم الوثائقي كان قد سبق التحضيرات على ان يستغني مهرجان بيروت عن الفيلم الوثائقي ويهتم بالروائي فقط. كذلك تضمن البرنامج الاولي تحية للسينما البرازيلية ولجنة تحكيم برئاسة جون مالكوفيتش. "مع اندلاع الحرب، توقف كل شيء ولكنني لم أقم بأي إعلان لا بتوقيف المهرجان ولا باستمراره. كنت أنتظر ككل اللبنانيين." الا ان اتصالاً من مدير البندقية ماركو موللر غيّر مجرى الامور. "اتصل بي ماركو بعد اسبوعين من اندلاع الحرب وعرض ان نقوم بحملة ترويجية للمهرجان في البندقية. عندها وجدت الشجاعة لأقول ان المهرجان مستمر." وفي ضربة حظ أخرى للمهرجان، عرضت مؤسسة "لي وغاند" السينمائية المهتمة بتمويل مشاريع سينمائية في المنطقة تمويل الدورة السابعة. هكذا أصبح المهرجان في حيز الوجود. ولكن ماذا في البرنامج؟

"كان الهدف جلب أفضل أفلام العام" تقول نوفل في وصف البرنامج الذي يبتعد تماماً من الصبغة شرق الاوسطية او حتى العربية وتضيف "الفضل في ذلك يعود الى ماركو موللر وجورج غاند". تعترف نوفل بأن إلغاء المسابقة لأسباب تتعلق بضيق الوقت واعتذار اعضاء لجنة التحكيم وحتى بعض مخرجي الافلام أثرت هلى هوية المهرجان العربية "هذه الدورة بمثابة موقف فأن ينوجد المهرجان بعد الحرب هو هدف بحد ذاته."

ينجح المهرجان، بجهود أبويه الروحيين، موللر وغاند، في استقطاب انتاجات أجنبية ذات سمعة جيدة ولكنه يفشل على مر السنوات في اقامة صلات مع السينمائيين المحليين. انها مفارقة لا تقلق نوفل ولا تحمل فيها المهرجان مسؤولية في هذا التباعد. " لعل بعض السينمائيين اللبنانيين بات يتضايق من المهرجان لأننا لا نقبل كل ما يصلنا بل نختار الأفضل." او ربما ما يبعد السينمائيين اللبنانيين عن المهرجان هو ذلك القلق الذي اكتنف دوراته السابقة وتقطعها. برغم ذلك، نقع في البرنامج على فيلمين لبنانيين كليهما من اخراج كاتيا جرجورة. "موضوعا الفيلمين في اختيارهما" أحدهما عن الاحداث التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري والثاني عن الحرب الاخيرة. ماذا عن الانتاجات اللبنانية الأخرى؟ "لم تصلنا افلام أخرى".

الافتتاح والافلام

لعل تلخيص هدف المهرجان بجلب أفضل انتاجات العام هو طموح كبير لمهرجان صغير ولكنه برهن انه ليس مستحيلاً تماماً اذا كان هناك من يدعمه. فدعم موللر لمهرجان بيروت لا يختلف عن دعمه لمهرجان ساراييفو السينمائي الذي تأسس في خضم الحرب في يوغوسلافيا وها هو يحظى بمساندته منذ عشر سنوات. اذا كان مهرجان بيروت او مهرجان الشرق الاوسط يطمح الى تقديم السينما العربية وشرق الاوسطية فإن الدورة الحالية بهذا المعنى هي نصف دورة بارتكازها على الافلام الأجنبية بالدرجة الاولى وقلة من الافلام العربية. بعيداً من الأسئلة الجوهرية حول توجه المهرجان وأهدافه وصبغته وتمسكاً بالسؤال السينمائي فقط وفرصة مشاهدة افلام مغايرة، يضع البرنامج الحالي هذه الدورة في طليعة دورات المهرجان خلال السنوات الاخيرة. فهو يجمع نخبة من الافلام المميزة التي ما كانت لتجد طريقها الى العرض المحلي في اطار آخر.

حقق المهرجان انطلاقة قوية بفيلم بيدرو المودوفار Volver الخارج لتوه من كواليس "كان" بجائزتي السيناريو لالمودوفار والتمثيل النسائي مناصفة بين ممثلاته الخمس وعلى رأسهم بينيلوبي كروز. كذلك اختيار الفيلم المصري "عمارة يعقوبيان" للإختتام جاء في مكانه إذ ان الفيلم لم يُعرض بعد في الدول العربية. بين الافتتاح والاختتام، تحفل العروض بثمانية عشر فيلماً معظمها حازت اعجاباً نقدياً وجالت مهرجانات كبرى. من جورجيا، يقدم المخرج جيلا بابلواني فيلمه الروائي الطويل الاول 13 Tzametti عن شاب تقوده رسالة غريبة الى عوالم سرية اقرب الى الكوابيس. عرض الشريط في مهرجان روتردام الدولي الاخير مع شريط آخر سيعرضه المهرجان هو The Beat that my Heart Skipped للفرنسي جاك اوديار عن شاب يقوم بعمليات بيع عقارات مشبوهة ويتابع في الوقت عينه حلمه في ان يصبح عازف بيانو شهيراً. من المكسيك، يأتي فرانسيسكو فارغاس كويفيدو حكاية مقاومة شعب تارة بالسلاح وطوراً بالموسيقى وحيناً بالصمود للوصول الى حياة عادلة. اما برينت هامر فيقدم اقتباساً لرواية تشارلز بوكوفسكي في فيلمه Factotum عن شاب سكير وزير نساء وساحر من بطولة مات ديلن. ويعود المخرج الكردي هينر سليم الى بيروت بفيلمه الثاني Kilometer Zero بعد ان عرض فيلمه الاول Vodka Lemon في ايام بيروت السينمائية العام 2004. الشريط الحالي تدور أحداثه في العراق 1988 اثناء الحرب بين ايران والعراق عن رب عائلة يجبر على الالتحاق بجيش صدام حسين. الاميركي جوشوا مارستن يحكي في فيلم يعود انتاجه الى العام 2004،aria Full of Grace، عن شابة كولومبية تطمح بالسفر الى اميركا فترضى بابتلاع كبسولات هيروين لتهريبها الى الولايات المتحدة الاميركية. من السينما الايرانية، يعود جعفر باناهي بجديده Offside عن ست شابات ايرانيات يتنكرن بزي رجال ليتمكن من مشاهدة مبارة كرة قدم. ويعرض المهرجا ايضاً للبريطاني مارك دورنفورد ماي صاحب U-Carmen فيلمه Son of Mna المستوحاة من حياة المسيح انما في اطار معاصر في افريقيا. اما مواطنه ستيفن فريرز صاحب Dangerous Liaisons وHero فيقدم شريطه The Queen عن وفاة الاميرة ديانا. المخرج الايطالي ايمانويل كرياليزي الذي شاهد له الجمهور المحلي Respiro في آخر دورة للمهرجان يعرض The Golden Door عن رحلة عائلية من صقلية الى الاراضي الاميركية في العام 1910.

يتضمن البرنامج ايضاً أربعة افلام روائية طويلة هي، الى فيلم الاختتام ،"يوم جديد في صنعاء القديمة" لليمني بدر بن حرصي و"ملك وكتابة" لكاملة ابو ذكري وMarock للمغربية ليلى مراكشي عن الشباب المغربي اليوم. اما الافلام القصيرة فثلاثة : "ترمينايتر" و"بيروت ما بتموت" للبنانية كاتيا جرجورة و"انا التي تحمل الزهور الى قبرها" للسوريين هالة العبد الله وعمار البيك.

"عودة" المودوفار

صحيح ان المودوفار صنع فيلمه "كل شيء عن امي" قبل سبع سنوات ولكن يصح القول ان volver هو الفيلم الذي يحمله كل شيء عن امه وطفولته. فهو عودة (ترجمة العنوان الى العربية "عودة")الى جذور الطفولة في "لامنشا" حيث وُلد العام 1951 وترعرع. يجمع المخرج حكايات امه (رحلت في العام 1999) عن القرية وأهلها لاسيما نساءها الذي يتيح للسينمائي دخول عالمهن مجدداً ذلك العالم الذي جذبه دائماً وسحبه في تياراته ودوراه، فخرجت منه افلامه كالسحر، متحسسة بخصوصية وحسية ذلك العالم كأنها الدم الذي يجري في عروقه والرعشة التي تصيب الجلد اذ تتدفق تحته الدماء. هنا يتغذى المودوفار من الاسطورة والتقاليد والعصرنة للخروج بفيلم يشبه كل الأزمنة الماضية والحاضرة. او لعله خارج الزمان ذلك انه لولا تفاصيل صغيرة كالهاتف النقال حذيث الصنع لكنا نسينا ان هناك زمناً يمر. المخرج نفسه يمعن في خلط الحدود الزمنية كأنه يحفظ ذكريات طفولته في قالبها الزمني الأول تماماً كما يموه الخط بين الموت والحياة.الافتتاحية مشهد مزيج من السوريالية والسحر والفيللينية (نسبة الى فيديريكو فيلليني) بلقطة متحركة تمر على نساء منهمكات بغسل القبور وتنظيفها وسط هواء عاصف. مشهد جماعي أشبه بالاحتفال، يجسد فرحاً نفهمه لاحقاً. فتجاور الحياة والموت من معتقدات القرية الراسخة، وعودة ارواح الذين ماتوا لإحاطة من هم في وحدتهم بالعناية والحب امر اكيد. الاموات لا يموتون في فيلم المودوفار. من تلك الخلفية، تتناسل حكايات اربع نساء: "رايموندا" وابنتها "باولا" واختها "سولي" وامها "ايرينا" التي يفترض انها ماتت مع زوجها قبل سنوات طويلة. تشكل العلاقات المتحولة بين النساء عصب الفيلم وديناميته على خلفية البوح بالمشاعر المكبوتة وكشف الاسرار النائمة. كعادته، يقصي المودوفار الرجال الى عالم آخر موازٍ لعالم النساء. يشتغل على ابراز روح التعاطف والتكاتف والكفاح في سبيل العيش. هنا، لا متع جسدية ولاجنس. العلاقات الاجتماعية تحل في مكان العلاقات الجسدية في ما هو تحول اساسي عن افلام المودوفار السابقة. تستقي نساؤه المتعة من الطبخ وتبادل الخدمات الصغرى والاسرار الكبرى. على هذا المنوال، يتشكل عالم صغير من خيوط العنكبوت يحتفل فيه المودوفار بالعلاقات الانسانية وكعادته يخطف من ممثلاته اروع الاداءات لا سيما بينيلوبي كروز.

المستقبل اللبنانية في 6 أكتوبر 2006

 

أفلام في المدينة البحرية انتصاراً للسينما الأخرى...

التوجهات منصفة لكن أين الخلفيات والمعلومات؟

فجر يعقوب 

أكثر من 1000 فيلم تسجيلي وقصير من 80 دولة وصل الى لجنة اختيار الأفلام في مهرجان الإسماعيلية الدولي العاشر، تم منها برمجة 66 فيلماً لمسابقات الدورة المختلفة وعروضها المتنوعة.

لا شك في ان عدد الأفلام الراغبة بالمشاركة، كما أعلن عنه رئيس المهرجان الناقد السينمائي علي أبو شادي، يكشف عن تطور كبير في مسار المهرجان نفسه، فهو يعلن صراحة عن تحوله الى قطب استقطاب لأفلام تبحث في هذه النوعية من المهرجانات عن متنفس واضح وصريح للتعريف بها، حتى وان جاءت من أماكن نائية وبعيدة.

والحق أن مهرجان الإسماعيلية لا يحمل بوادر أزمة من أي نوع، لكن هناك مشكلة مع هذا «الهجوم الانتحاري» من قبل السينمائيين عليه. فان بدت بعض الأفلام ضعيفة ومترددة مثل «يوم في حياة الطفل ايفان دينوسوفيتش» للروسية جوليا مازاروفا، والذي يروي قصة مملة ومرهقة عن طفل محبوس في غرفة، فإن السؤال الذي يضغط في مثل هذه الحال ويثير الشهية الى النقاش هو ما يتعلق بلجان الاختيار، وليس في تخصيص الموازنات الحكومية (وزارة الثقافة - محافظة الإسماعيلية - المركز القومي للسينما) فالمهرجان تحول الى محطة كبيرة في الشرق الأوسط لهذه النوعية من الأفلام، ولهذا قد يجدي التساؤل هنا عن نوعية العلاقة المتبادلة التي ينبغي المحافظة عليها بين الجمهور والنقاد واللجان القائمة على المهرجان.

منذ عشر سنوات خلت، وهذا قد يبدو منطقياً في حالة مهرجان الإسماعيلية بدا أن هناك توجهات ثقافية سينمائية منصفة انطلقت أساساً من «الدمقرطة» السينمائية التي توسع المهرجان على أساسها، لذلك جاء توسيع الأهداف التي انطلق المهرجان من أجلها كما لو أنه يكمن في تطوير البنى الثقافية للبلد المضيف، وفي الترويج لحب السينما نفسها، فقد دار بعض العروض لبعض أفضل الأفلام المشاركة في المهرجان، في المقاهي الشعبية لمدينة الإسماعيلية، وبعضها لقي ترحيباً واستحساناً من الناس العاديين الذين حضروا بالصدفة.

أين المتابعة

66 فيلماً، بعضها اقترب من قضايا حارة وملتهبة مثل قضايا العداء للعرب والمسلمين في أوروبا، كما في فيلمي «الحبل» للايطالي ليو أليساندرو ليوني ويروي قصة سيدتين، واحدة عربية والأخرى ايطالية وتعيشان مقابل بعضهما في شرفتين متقابلتين، وفيلم «العبور» للفرنسية اليزابيث لوفري ويتناول هواجس جزائريين مبحرين باتجاه الشواطئ الفرنسية. لسنا نعرف شيئاً عن مصير هذه النوعية من الأفلام، فليس هناك دراسات تعقبية ان جاز التعبير، ولا تعريفات لاحقة، حتى ولو بهدف إجراء مقارنة، فالمنتجون، وان تواجد بعضهم في أروقة المهرجان، لا يقدمون أي معلومات في ندوات خاصة عن مصير هذه الأفلام، لأن الندوات غالباً ما تدور حول عناوين براقة أكثر، كما حدث في ندوة هذه الدورة التي حملت عنوان «شعرية الفيلم التسجيلي والقصير».

طبعاً قد لا ينجح منتجو هذه النوعية من الأفلام في تمرير أفلامهم عبر التلفزيونات في الوقت الذي تحصل عليه برامج تلفزيونية من نوع reality show في أماكن كثيرة من العالم على تزكيات بوصفها «تحفاً» فنية ابداعية، والكثير من المعلومات يؤكد أن منتجي هذه النوعية من البرامج يحصلون على مساعدات مالية من المراكز الثقافية في بلدانهم توازي ما قد يحصل عليه مخرجون كبار في بلدان كثيرة.

أخي عرفات

وهنا لا بد من وقفة مع مشكلة الفيلم الذي عرض في الافتتاح، أي فيلم «أخي عرفات»، فهذه المشكلة تكمن أساساً في الزاوية التي أراد المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي أن ينظر من خلالها الى الرئيس ياسر عرفات، حيث الشقيق فتحي ليس هو المقصود، فرئيس الهلال الأحمر الفلسطيني لا يحمل أي دراما في حياته «حتى لو بنى أكثر من خمسين مستشفى للفلسطينيين»، ولو كانت هناك دراما من أي نوع لما دار الفيلم (52 دقيقة) في زمن مستقطع ومكرور لم يسعف المخرج بمحاولة جذب فيلمه نحو افتراضات ظلت مطوية في ذهنه هو، فهو لا ينفك يذكرنا بمنعه من العودة الى رام الله «المدينة التي يسجن فيها الرئيس عرفات»، وما ان يغادرها حتى يعود الى مشاهد من فيلمه الروائي «انتظار»، وكان في وسعه القطع هنا من دون هذه العودة التي لم تكن ملحة فقد أثقلت على «أخي عرفات»، وهو الثقل الذي لم يفلح الطبيب المصاب بالسرطان فتحي عرفات بتبديده حتى وهو يغني أغنية لمحمد عبد الوهاب في أحد أجمل مشاهد الفيلم.

على العكس منه جاء فيلم «دفتر أحوال شوتكا» للمخرج الصربي الكسندر ماليتش (وقد فاز بالجائزة الكبرى للمهرجان وأعيد عرضه في الختام) وهو يستحق قراءة نقدية لجمالياته المبهرة حيث انه يغوص بين غجر قرية مقدونية ويسأل عن أحوالهم وأحوال اللقى السحرية التي طالما أهّلتهم للصمود في وجه الاندثار الذي عاندوه عبر الأزمنة الكثيرة التي تعاقبت عليهم.

الحياة اللندنية في 29 سبتمبر 2006

 

سينماتك

 

ساعة ونصف ساعة تسرق أضواء "أيام بيروت السينمائية" وتعلن 12 تموز ماضياً

"فيديو تحت الحصار" أو عندما يبتلع الواقع الأحلام وتصادر الحرب الزمن

ريما المسمار

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك