في شريط للنجم "عادل إمام" عنوانه "الإرهاب والكباب" ـ عرض عام 1992 في السينما ـ يقترب رجل متطرف، ملتح، يرى الأشياء بعين التحريم، من فتاة الليل "يسرا"، يستثنيها من بين كل السيدات المحتجزات داخل "مجمع التحرير" ـ تلك البناية التي تحتشد فيها المصالح الحكومية في ميدان التحرير بقلب القاهرة ـ ليقول لها برغم مظهرها الفاضح: "مش ناقصك إلا الحجاب وتبقى من الفاضلات"!

ويبدو أن فريقاً من نجمات الدراما المعتزلات في مصر رفعن هذا الشعار، لدى عودتهن إلى الشاشة الصغيرة، ليقدمن المسلسلات ذات الإنتاج الضخم التي تعرض على شاشة شهر رمضان المبارك، شهر المشاهدة الأول في مصر والعالم العربي، يرفعن هذا الشعار ليس تطبيقاً على أنفسهن، بل على الدراما ذاتها، تلك التي كن اعتزلنها وركلنها وذهب بعضهن إلى تحريمها. ولكن حين قررن العودة إلى التمثيل، ما كان منهن سوى إلباس الدراما الحجاب، فأصبحت الدراما "فاضلة" لا غبار عليها ولا تثريب، وأموالها حلال ومشاهدتها حلال، بخاصة إذا تدخلن فيها كرقيبات يمسكن بمقص الرقيب، ليقتطعن من السياق ما يخدش حجابهن، ويمسحن من الشريط الدرامي ما يهز صدقية حجابهن لدى الجمهور..!

وإذا كان 30 مسلسلاً انتجها التليفزيون المصري تسابقت على العرض في رمضان، فإن 5 مسلسلات منها قامت ببطولتها أو شاركت بالتمثيل فيها ممثلات محجبات. ولا نحتسب هنا الدراما التاريخية أو الدينية لأن الممثلات "بطبيعة الحال" فيها يجب أن يرتدين الحجاب، وهو أمر معمول به قبل انتشار الحجاب في المجتمع المصري ذاته. إذن، ارتدى عدد لا بأس به من مسلسلات رمضان الحجاب، وهي مسلسلات اجتماعية لا علاقة لها بالدين أو بالتاريخ، ولم تكتف نجمات هذه المسلسلات بالإصرار على "دراما المحجبات"، بل امتد إصرارهن إلى "تحجيب الدراما"، وأمسكت كل منهن بتلابيب مسلسلها تحذف منه ما لا يتناسب مع وقار شعرها المخبوء!

أنواع من الحجاب

تتنوع المسلسلات الرمضانية التي قامت المحجبات ببطولتها هذا العام في رمضان، من حيث الحجاب ذاته. وكما قلنا ثمة أعمال تاريخية دينية لا تحتسب ضمن دراما المحجبات، لكن ثمة نوعاً ثالثاً وهو الدراما الاجتماعية التي اضطرت بطلاتها إلى ارتداء الحجاب لأسباب درامية لا تقبل التغيير أو التعديل!

أما المسلسلات الاجتماعية التي تم تحجيبها لصالح نجمات معتزلات، آثرن ألا يعدن للفن إلاَّ بالحجاب فعلى رأسها "قلب حبيبة" للمثلة الكبيرة العائدة سهير البابلي، و"حبيب الروح" لسهير رمزي و"كشكول لكل مواطن" لصابرين، و"أصعب قرار" لشيرين سيف النصر وعبير صبري و"أولاد الشوارع" لحنان ترك. هذه المسلسلات لم تكتب خصيصاً لبطلات محجبات، ولا يشترط فيها التطور الدرامي من إخفاء شعر رأس البطلة، بل إن البطلات هن اللائي قررن تحجيب الدراما، ويختلف هذا النمط عن المسلسلات الأخرى التي اقتضت أن ترتدى بطلاتها الحجاب لأسباب درامية..!

مثلاً، ترتدى النجمة الشابة مي عز الدين الحجاب في مسلسل من بطولتها بعنوان "بنت بنوت"، وهي ترتديه هنا بشعور شابة أحست بالذنب، وأن عليها الوقوف بباب الأولياء الصالحين وأن "تتوب" فترتدي الحجاب وتبكي وتبتهل إلى الله!

كذلك ترتدي الراقصة سابقاً والممثلة المتفرغة حالياً "فيفي عبدو" الحجاب لا لشيء سوى أنها تاجرة خضراوات في "سوق العبور" (سوق جديدة في شرق القاهرة، أنشئت كبديل عن سوق روض الفرج بشمال القاهرة.. والعبور أكبر مجمع لتجار الخضر بالقاهرة الآن).

ولا يمكن لامرأة تناطح الرجال في سوق خضراوات أن تكشف شعرها، أو أن تظهر زينتها للناس وإلا أكلها هؤلاء الذين يحيطون بها في الأسواق! هكذا اضطرت مي عز الدين وفيفي عبدو ـ على ما بين قصتي المسلسلين من تباعد، وعلى ما بين النجمتين من اختلاف في الشكل والسن، إلى ارتداء الحجاب لأسباب درامية بحتة!

الرقيبة الجديدة!

لم تكتف بطلات تحجيب الدراما بأن تفرض حجابها على الأحداث، بل فرضت رقابتها الداخلية من بعد رقابة التلفزيون! ولفهم هذه الجزئية يجب أن نقول أن ثمة رقابتين على الفن في مصر، الأولى هي الرقابة على المصنفات الفنية وهي التي يرأسها الناقد على أبو شادي "وتختص بالنظر في الأشرطة السينمائية والمسرحيات والأشرطة الأجنبية والألبومات الغنائية"، ولا سلطان لها ـ البته ـ على المسلسلات ومجمل المواد التي تبثها الإذاعة أو يبثها التلفزيون!

أما المواد التلفزيونية فلها رقابة خاصة هي رقابة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهذه هي التي تحذف المشاهد وتضع الملاحظات وتقترح التعديلات على مسلسلات رمضان وغيرها من المسلسلات والكليبات والمسرحيات والأغنيات والبرامج التي يبثها التلفزيون!

ورقابة التلفزيون أتاحت مسلسلات المحجبات من دون ملاحظات ـ إلا قليلاً ـ والمثير للغرابة أن نجمات هذه المسلسلات هن اللائي حذفن المشاهد وبدلن في الدراما..!

مثلاً، مسلسل سهير رمزي العائدة بعد 10 سنوات من الاعتزال وهو "حبيب الروح" حذفت منه رقابة التلفزيون ثلاثة مشاهد لورود إيحاءات جنسية في جمل حوارية فيها، ولكن سهير رمزي كانت ملكية أكثر من الملك، فحذفت 25 مشهداً من المسلسل بعد محذوفات الرقابة، وقالت إنها لا يمكن أن تقوم ببطولة مسلسل يحتوى مشاهد تسيء إلى حجابها ووقارها..!

والأطرف، أن سهير رمزي ـ وزوجها هو منتج مشارك للتلفزيون في هذا المسلسل ـ سعت لأكثر من عام لاستقطاب مخرج ذى اسم كبير ليخرج لها مسلسلها، فطاردت "مجدي أحمد علي" و"خيري بشارة" و"محمد خان"، كلهم جميعاً رفضوا التعاون معها!

وفيما رفض بشارة العمل مع سهير رمزي قبل العمل مع سهير البابلي، وعلل ذلك بأن البابلي لها تاريخ فنى مشرف بين المسرح والسينما، وبالفعل انتهى بشارة من تصوير مسلسل سهير البابلي ومونتاجه قبل رمضان، لكنه لم يرفض تدخلات سهير البابلي..!

مثلاً رفضت سهير البابلي أن تؤدى مشهداً تحتضن فيه ابنها (الممثل فتحي عبد الوهاب) وألغت هذا الاحتضان بل رفضت استبداله حتى بالمصافحة باليد وقالت ـ وبالنص ـ إن فتحى يجوز لها في الحقيقة ـ كزوج ـ وبالتالي لا يصح شرعاً أن تحتضنه ولا أن تصافحه. والغريب أن خيرى بشارة الذي يعرف بأنه من أكثر المخرجين تشدداً أو تمسكاً برؤيته الفنية، تقبل تدخل سهير في هذا المشهد ـ وأربعة مشاهد أخرى ـ وترك التجارة تمر على رأي الفرنسيين! وبالنسبة لأحدث المحجبات في الوسط الفني حنان ترك، فإنها اشترطت لكي تلعب دور البطولة في مسلسلها الجديد "أولاد الشوارع" أن يتم تحجيب شخصية البطلة..!

كانت حنان ترك قد تعاقدت على بطولة المسلسل قبل اتخاذها قرار ارتداء الحجاب، ووجد التلفزيون نفسه في ورطة، وخشي المسؤولون استبعادها.. أولاً لكونها ذات اسم كبير، وثانياً ـ وربما يكون هذا أهم ـ لأن حجابها صنع دوياً كبيراً في الوسط الفني والثقافي، ولاقى انتقادات من الكتاب والنقاد ممن علقوا على حنان أملاً كبيراً طوال الوقت لكى تصبح نجمة استثنائية في السينما، وبالتالي خشي بعض المسؤولين من أن استبعادها سيفسر بوصفه عقاباً لها على الحجاب!

دخلت حنان ترك تجربة "أولاد الشوارع" بمنطق حاولت ترويجه، هو إعجابها بالسينما الإيرانية التي صارت عالمية ولم يقف الحجاب أمام بروزها الدولي، ولا صار عقبة تجاه دخولها في أية قضايا اجتماعية! كما أن الدور ـ بطلة مسلسل أولاد الشوارع ـ يجوز فيه للبطلة أن تتحجب، فهذا لا يتعارض مع الخط الدرامي العام للمسلسل!

دراما حميدة

تقسم نجمات "مسلسلات الحجاب" الدراما إلى حميدة وخبيثة (التعبير حقيقي لا بلاغي، وحكته السيدة سهير البابلي شخصياً في إحدى الفضائيات)، والحق أن المسلسلات التي قامت ببطولتها المحجبات في رمضان حميدة للغاية..!

فمسلسل سهير البابلي يدور كله في أجواء الانتماء الاسرى وقيمة "الأمومة" في المجتمع الشرقي في مواجهة متغيرات العولمة والنزعة الفردية للعصر.

ومسلسل "قلب حبيبة" يدور حول زوجة تحاول احتواء نزوات زوجها رجل الأعمال، وهي لا تتوقف عن وعظه طوال الوقت، وإخباره بحلال الأمور من حرامها، وتنجح في النهاية في هدايته إلى سواء السبيل!

أما "كشكول لكل مواطن" لصابرين، فهو مواعظ متصلة، عبارة عن 30 حلقة تتناول ـ افتراضاً ـ سلبيات المجتمع وفي كل حلقة ظاهرة جديدة، تتصدى لها البطلة صابرين والبطل أشرف عبد الباقي بالنصح للآخرين المخطئين!

ويفترض في "أصعب قرار" أن عبير صبري ـ الممثلة التي تحجبت قبل 6 سنوات ـ هي زوجة وفية لزوجها وحريصة على ارتداء الحجاب طوال الوقت "بداية ضرورة درامية" وهي وفية أيضاً لصديقتها شيرين سيف النصر، وهي ـ حتى رقصتها التي حذفتها الرقابة ـ ترقص لزوجها وهي مرتدية الحجاب..!

وفي "أولاد الشوارع" نرى الخط الدرامي الذي باتت حنان ترك تطالب المؤلفين به وهو يتبنى قضايا اجتماعية كبرى ولكن من وجهة نظر أخلاقية، وهي على حد قولها ـ "دراما ثواب لله"، وهي تحسب لها في ميزان حسناتها يوم القيامة "والتعبير أيضاً لها". والقضايا التي تطرحها حنان في المسلسل هي هؤلاء الأطفال المشردون في الشوارع، فارين من أهلهم، ومن التعليم... "بلا مأوى ولا عائل"، يتشردون ويضيعون في متاهات المجتمع، وكيفية احتواء الأطفال هؤلاء، وتحويلهم إلى قوة خيرة لصالح المجتمع، وعلى ما في هدف المسلسل من النبل، إلا أن العلاج الذي يطرحه المسلسل لا يقوم إلا على فكرة مثالية هي الجمعيات الخيرية والملاجئ والتحصين بالمبادئ الدينية، من دون أي توجه اجتماعي اقتصادي عام تلعب فيه الدولة أية أدوار..!

سنوات الحجاب

إذا طرحنا السؤال: "لماذا تمتلئ الشاشة الرمضانية ببطلات محجبات هذا العام؟" تكون صيغة السؤال عرجاء غير معبرة عن الحقيقة! والصيغة الأقرب إلى الواقع هي: لماذا تعود البطلات المحجبات إلى الشاشة بعد طول اعتزال؟

قضت سهير البابلي 13 عاماً بعيدة عن الأضواء، وقضت سهير رمزي 10 سنوات، أما صابرين فابتعدت 6 سنوات، فيما ابتعدت عبير صبري 4 سنوات، ولم تبتعد حنان ترك لحظة واحدة!

وتمثل حنان ترك منفردة، ذلك أنها لم تقل يوماً بتحريم الفن، ولا أعلنت يوماً رغبتها في الاعتزال، فقط أعلنت أنها ستمثل أدواراً مختلفة تتلاءم في الشكل والمضمون، مع حجابها الجديد!

أما الأخريات فلهن ظروف مختلفة.. فالحجاب الذي وضعته البابلي ورمزي وصابرين وصبري، ابعدهن بالفعل عن الأضواء. وإذا كن جميعاً متزوجات من أثرياء ولسن بحاجة إلى مكاسب الفن المادية ـ وهي مكاسب مالية باتت ضخمة بالفعل ـ فإن الابتعاد عن الضوء بلا مقابل معنوي آخر يبدو صعب التحمل..

سهير البابلي كانت أكثر صراحة من الأخريات حين صرحت بأنها تشعر بالملل وبأن التفرغ للعبادة ليس كل شيء وأن الإنسان لا يستطيع أن يجلس طوال الوقت من دون عمل،وإلا فقد روحه ، وأن الموهبة في حد ذاتها ليست حراماً، أما الحرام فهو سوء استغلالها! وليست كل فنانة محجبة هي "شادية"، فشادية ابتعدت عن الأضواء 19 عاماً لم تظهر في لقطة واحدة ـ حتى على صفحات الصحف ـ لكن حب الجمهور ازداد حجمه، وصعدت شعبيتها حتى عدها محبوها من الأولياء الصالحين. لكن عبير صبري وسهير رمزي وصابرين لم يترك اعتزالهن وارتداؤهن الحجاب أثراً لدى الجمهور، ولم يبك أحد على أي منهن، ولا افتقدهن الجمهور، وكلما طال ابتعادهن عن الضوء، ازداد نسيان الجمهور لهن، وازداد شوقهن إلى الأضواء، ويبدو أن الحنين للأضواء علة نفسية كما قال بذلك بعض العلماء من قديم. ويبدو أيضاً أنها العلة الجديدة في الدراما المصرية، التي شهدت ـ وستشهد ـ دراما معقمة "حميدة" محكوم برقابتين: رقابة التلفزيون ورقابة بطلاتها المحجبات، وشاشة رمضان الحالي ستكون أول محكّ لهذا النمط الدرامي الجديد...!

المستقبل اللبنانية في 24 سبتمبر 2006

"يـــا نـــوســــك" لإيــــلـي خــــلـيــفــــة

فـي الـغــــرام أســــخـــر مـن المـــأســــــاة ولا أبـكـــي عـــــلــيــــهـا

هوفيك حبشيان  

في احد شوارع الاشرفية المكتظ بالبيوت والمباني المتلاصقة، صوّر ايلي خليفة الفصول الاخيرة من فيلمه الطويل الاول "يا نوسك" (انتاج لبناني - سويسري). بسيطة هي الحبكة الروائية لهذا الفيلم الناطق بالانكليزية (ستون في المئة) والعربية (اربعون في المئة)، اذ تتمحور على مغامرات شاب سويسري يقرر الاستقرار في لبنان وفتح محل للبيتزا. بحسب المخرج، افلام اوروبية كثيرة تطرقت الى المشكلات التي يتعرض لها لبنانيون في فرنسا أو اتراك في المانيا، لذا اراد ان يعكس المرآة، ليُظهر ما قد يعانيه اوروبي اثناء اقامته في بيروت. اختار ان يكون هذا الاوروبي سويسرياً لانه يجسد نقيض الشخصية اللبنانية.

بات معروفاً عن ايلي خليفة انه يعالج المآسي اللبنانية على الطريقة الايطالية. وما أحوجنا في هذه البلاد الى الطرافة والضحك. منذ "تاكسي سرفيس" و"ميرسي ناتيكس" واخيراً "فان اكسبرس"، حاول الهزء بالمآسي التي عالجها بعضهم بالكثير من الادعاء والتكبّر الفارغ. الى الآن كان يرمي نظرته على الناس البسطاء الذين يتدبرون امورهم كيفما اتفق، في اجواء عبثية تثير الضحك والشفقة في الحين نفسه. على قاعدة شر البلية ما يضحك. اليوم ينتقل الى هموم اخرى: العلاقات الغرامية في لبنان التي وجد فيها مرة اخرى مادة دسمة للقهقهة. طريف مثل شخصيات مسرح الدمى، لا يزعل اذا قلت لخليفة ان افلامه القصيرة تمنحك شعوراً بعدم الاكتفاء، وتخرج من الصالة كأنك فقدت شيئاً ثميناً. لا يجد غير المزاح ليراعي مشاعرك، ويردف: "هذا كي تتحمس لمشاهدة فيلمي الآتي".

اللافت عنده، النبرة والسهل الممتنع. تذكّروا افلام رواد التراجيكوميديا الايطاليين في فترة السبعينات: دينو ريزي، ماريو مونيتشيللي وايتوري سكولا. احذفوا منها نجوم تلك الحقبة، واضيفوا اليها مشكلات مجتمعنا المستعصية، تحصلوا على ما قد يشبه فيلماً يحمل توقيع خليفة. هل هذا يعني انه في امكاننا منذ الآن الحديث عن بصمة، كون الافلام الثلاثة التي أخرجها تأتي كلها في المزاج عينه؟ يقول خليفة: "تأثرت كثيراً بالافلام الايطالية التي انتجت في السبعينات. عندما درست السينما في المعهد، شاهدت هذه الافلام كلها. أشعر ان لبنان ما بعد الحرب مثل ايطاليا ما بعد الحرب. انا ميال الى هذا النوع من الافلام الذي يتطرق الى مشكلة اجتماعية، وتبنى عليه قصة طريفة باسلوب ساخر".

اذاً، يفضل خليفة ان يسخر من المأساة بدلاً من ان يبكي عليها. ليس التحدي في تحويل امور جدية مهزلة بالامر السهل. تلزمه موهبة، هو ليس بمنأى عنها. ما يميزه عن سائر السينمائيين اللبنانيين، اختياره الزمن المعاصر مسرحاً لمغامرات شخوصه البهلوانية. دائماً، يستوحي افكاره من مشاهدات يومية قد تكون عادية او بلا قيمة. اي انها لا تهمّ الآخرين، اقلّه لا يستخدمونها لتحويلها افلاماً (!). مثلاً: مشهد على الاوتوستراد ألهمه فكرة "فان اكسبرس". رأى فتاة مثيرة على الرصيف تنتظر سيارة تقلّها، ثم لفتته سيارة "فان" في الشارع. بسرعة ألّف السيناريو في رأسه، و"ركّب" الفيلم. في حين اتته فكرة "مرسي ناتيكس" عندما تعرف الى عائلة في قرية لبنانية، كانت تشاهد مسلسلاً مكسيكياً على التلفزيون، ولم تكن مهتمة الا بما تشاهده. أما "تاكسي سرفيس"، فأطلق عنان مخيلته بعدما قرأ بضعة أسطر في الجريدة عن رجل اتهم بالجنون. بهذه السهولة تأتيه الافكار. يكفي ان ينظر من حوله.

مما لا شك فيه ان الكلمة السر الى افلام خليفة الثلاثة هي العبثية. يرى اننا نعيش في بلاد تحفل بالعبثية، وربما لذلك يحبها. لم تكن الظروف التي دار فيها تصوير "يا نوسك" أقل عبثية من الحوادث التي يحلو لخليفة تصويرها في افلامه. فالوعكة الصحية التي تعرض لها والده، جعلته في وضع لا يحسد عليه، اذ لم يعد يعرف ماذا يفعل: تائه بين الواجب الانساني من ناحية، والالتزام المهني من ناحية اخرى. "كنت اصور فيلماً كوميديا، لكن كل ما يحيط به كان تراجيدياً"، يعترف المخرج بعد أن يبدو انه تصالح مع الوضع وتخطى الازمة.

الشيء الذي لا يستطيع متابع عملية التصوير ان يكون لا مبالياً ازاءه، هو السهولة التي تجري فيها الامور، أقله في اللقطات التي كنا شهوداً عليها. خليفة لم يكن يعيد الكرّة كثيراً. يكتفي ببضع لقطات قبل ان ترى علامات الرضا على وجهه. مثلاً، في احد مشاهد الحركة اعاد اللقطة ثلاث مرات. في الاولى صوّر فحسب. في الثانية منح التعليمات ثم شغّل محرك الكاميرا. اما الثالثة فكانت ثابتة. يعزو المخرج هذه السهولة في العمل الى حقيقة انه انجز 80 في المئة من الفيلم قبل أول ضربة "مانيفيل". الاختيار الموفق للممثلين يساعده في ان يرتاح على البلاتو، فيشعر أنه ضمن عائلة صغيرة تتألف من نحو 12 تقنياً وفنياً، والعدد نفسه من الممثلين الذين جال بعضهم في مخيلة الكاتب حين كان يؤلف السيناريو، فاختاره على "العمياني"، والبعض الآخر "تفركش" به خليفة أثناء التصوير، بحسب تعبيره. نصيحته الوحيدة لهؤلاء كانت: "السيناريو الذي بين أيديكم ليس منزلاً من السماء. ما من مشكلة اذا نسيتم جملة او كلمة. المهم ان تمنحوا المشهد المعنى الذي يرمز اليه".

في المقابل، كان اختيار الممثل الالماني سيغفريد تيربورتن، أكثر تعقيداً: "كنت ابحث عن ممثل اوروبي في سويسرا. شاهدت نحو 60 فيلماً بالايقاع السريع. لفتني ممثلان اثنان، أحدهما لم يرغب في المجازفة لأن السيناريو لم يكن جاهزاً، اما سيغفريد فكان متجاوباً معنا". "لا اعرف شيئاً عنك، لكني اعدك بأني سأكون في بيروت في شهر آذار 2006"، قال لي في لقاءنا الاول. لاحقاً ارسلتُ اليه افلامي ونسخة من السيناريو الذي منحني في خصوصه بعض النصائح. هكذا، تقربنا أحدنا من الآخر. اللافت انه لا يعرف شيئاً عن الشرق الاوسط ولا عن البلدان العربية، في حين أني اعمل على مسألة الحوار بين الثقافات لا التصارع في ما بينها. كان يهمّني ممثل يدهشه ما يراه. في اعتقادي، انه حين وصل الى بيروت، كان ثمة شيء في باله، لكنه اكتشف شيئاً آخر. قد يكون انعكس هذا الجانب من سلوكه على الفيلم. سيغفريد شخص ميال الى الانفتاح. اخترته لان فيه شيئاً من تيرنس هيل. ومظهره الخارجي يليق للكوميديا".

يعزو خليفة تأخره عن تقديم فيلمه الطويل الاول لكثرة عمله على أفلام لمخرجين آخرين. عمل معاوناً لبرهان علوية في فيلمه الاخير الذي لم يصدر بعد، وفي فيلم دانيال عربيد، "معارك حب"، كان المنتج المنفذ اللبناني، اما في فيلم جان شمعون وميشال كمون الاخير ("فلافل")، فكان مصور بلاتو. "احب مساعدة اصدقائي المخرجين في افلامهم، لاني، بكل بساطة، احب السينما. اكتسب منهم اشياء كثيرة. جميلٌ الشعور ان تكون مشاركاً في عمل لمخرج آخر من دون ان تكون متورطاً فيه تماماً. ثم الافلام التي ارغب في انجازها لا تتلقى دوماً دعم الخارج الذي يميل الى افلامنا عن الحرب الاهلية. فهم، من زاويتهم، يتطلعون الينا من هذا المنظار. كثر في الغرب سيُصدمون عندما يشاهدون "يا نوسك". اردت صورة على نقيض ما نراه على الـ"أورونيوز"، مع العلم ان الصورتين موجودتان في الواقع".

لم يصوّر خليفة فيلمه بالـ35 ملم لاسباب لها علاقة بالموازنة المتوافرة بين يديه لكن الضئيلة جداً. ففي المقابل تلقى دعماً من وزارة الثقافة، اذ حرّك الوزير طارق متري المساعدة التي كان موعوداً بها منذ عام 2003. "عندما تصور فيلماً في عشرين يوماً، ليس كما لو كنت تصوره بثلاثة اشهر. لكي ارتاح، كان يجب ان احظى بشهرين لاتمامه. لا يعني ذلك اني انجزت عمل شهرين بـ20 يوماً، لكني ضحيت بأمور كثيرة في السيناريو"، الذي غيّره كلياً اثناء التصوير، جراء الاخذ والرد بينه وبين الممثلين.

قبل ان يفكر بمنطق انجاز فيلم لبناني جيد، يرغب خليفة بعمل لائق فحسب، معترفاً بأن هدفه ليس ان يقتفي خطى تاركوفسكي ولا أن يحدث ثورة في عالم السينما، انما اضحاك الناس وتسليتهم، متناسياً ان من الحبة تولد الشجرة.

النهار اللبنانية في 25 سبتمبر 2006

 

سينماتك

 

فيفي عبدو ترتدي الحجاب في رمضان...

"الدراما التلفزيونية الفاضلة" محجّبة بلا قُبَل ولا أحضان...

القاهرة ـ حمدي رزق

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك