جون بيلجر، الكاتب الصحافي، والمخرج والكاتب المسرحي يمثل صنفا من البشر علي حافة الانقراض، البشر المثقفين والملتزمين بقول الحقيقة والبحث عن طرق لنشرها. وما يهم جون بيلجر مثل روبرت فيسك ونعوم تشومسكي هو قول الحقيقة والتأكد من معرفة الناس، الجماهير، بالاجندة السرية لحكومات بلادهم. وعندما يكتب جون بيلجر ويعلق فهو يستند علي تجربة اربعين عاما من الحرب الخاصة التي خاضها علي الاعلام الرسمي الذي يمثله روبرت ميردوخ وهيئة الاذاعة البريطانية وشبكات التلفزة الامريكية، وافلام جون بيلجر التي شهدت الاسبوع الماضي تظاهرة فنية خاصة في مركز باربيكان في وسط لندن تلاحق عددا من القضايا، فالمخرج هنا يبحث دائما عن القصة الاخري ويناقش مأساة الديمقراطية الغربية التي شرعت في السنوات الاخيرة في قتل وتعذيب السجناء في غوانتانامو وابو غريب، وهو معني بالضرورة بكشف الستار عن العلاقة بين ما يعرف بالديمقراطية الغربية والانظمة الشمولية وكيف ان عبارات مثل الحرية والتحرير ونشر الديمقراطية فقدت معناها بل صارت مثارا للسخرية من كثرة ما رددها كل من الرئيس الامريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير. جون بيلجر معني بديمقراطية تختلف عن ديمقراطية حكومتي لندن وواشنطن، فهو يعرف ان هذه الديمقراطية لن تتحق الا عندما تتخلي الدول الغربية عن طموحاتها الاستعمارية واستغلالها للثروات الوطنية لغيرها. وقد امسكت كاميرا بيلجر بالكثير من مآسي العالم ومشاكله، وكان اخر افلامه سرقة أمة عن الطريقة التي تآمرت فيها امريكا وبريطانيا علي مجتمع وادع في المحيط الهندي لسرقة وتنظيف جزيرتهم دييغو غارسيا وتهجيرهم الي موريشوس التي لم يعودا اليها منذ عقود لان امريكا ارادت الجزيرة نظيفة من سكانها لبناء اكبر قاعدة عسكرية فيها ومطارات لهبوط واقلاع الطائرات الحربية والتي من خلالها تم ضرب كل من افغانستان والعراق. عايش بيلجر، الصحافي ومخرج الافلام التسجيلية، عددا من الاحداث العالمية بدأت من الخمسينيات من خلال تسجيله للمغامرة الامريكية في فيتنام، وتعاون امريكا في صناعة ظاهرة بول بوت في كمبوديا والذي قتل من ابناء وطنه مليون شخص، كما عايش الانتفاضتين الفلسطينيتين، وانتبه لاثر العمولة علي سكان الدول الفقيرة في فيلمه المعروف حكام العالم الجدد كما ركز انتباهه لازمة الاعلام المعاصر وفن الفيلم التسجيلي السياسي وتأثره باعلام ميردوخ. قبل 28 عاما اخرج جون بيلجر فيلمين عن فلسطين حملا عنوان فلسطين لا زالت القضية حيث اكد ان شيئا لم يتغير علي حياة الفلسطينيين، وحرص بيلجر علي استخدام نفس العنوان في الفيلمين لان الفلسطينيين كما اظهرت عدسته لا زالوا يعيشون في نفس الظروف الاحتلالية، وسجل بيلجر في فيلمه الاخير اثار الحملة الاسرائيلية علي رام الله ومدن الضفة الغربية في نيسان (ابريل) 2000. صناعة الفيلم السياسي ليست الا وجها من الوجوه لهذا المخرج الاسترالي المهاجر الي بريطانيا، فالشجاعة السياسية هي ما يميز افلامه، لان قول الحقيقة غالبا ما يؤلب الكثيرين علي الذين يحاولون مساءلة الرواية الرسمية، فعندما يقول بيلجر في احدي المقابلات ان انتقاد العالم لافعال اسرائيل جاء متأخرا بعد ان شاهد الوجه الحقيقي لها في ضرب لبنان، ويربط هذا التجاهل مع ما اسماه الضمير الشرير لاوروبا، حيث يقول ان نقد اسرائيل كان يجب ان يحدث منذ زمن طويل. فما عمل علي اليهود في زمن مضي هو سبب الصمت العالمي لما يحدث للفلسطينيين. وأكد بيلجر في نفس المقابلة علي التفريق بين ارهاب جماعة صغيرة، تتزود يوميا وتزداد قوة من احتلال العراق ومن كل السياسات التي اجترحها بوش، اي القاعدة وبين ارهاب الدولة، وقال ان الارهاب الذي يضرب المدنيين والذي تمارسه الدولة يجب ان يقلقنا. يعرف بيلجر مثل غيره من المثقفين الباحثين عن الحرية والحقيقة ان العراق ولبنان وحتي افغانستان هي عناوين للاستغلال، وبالذات العراق الذي يحتوي علي سدس احتياط العالم، ولكنه يقول ان الفلسطينيين والعرب يعرفون انه ما دام الجرح الفلسطيني دائما فلن يتحقق السلام في المنطقة. ويقول بيلجر ان الفلسطينيين الان يطالبون بخمس وعشرين بالمئة من فلسطين التاريخية ولو اعطيت لهم لحل السلام، لكن انبياء الاستعمار والعولمة لهم رأي اخر. الحرب علي الارهاب التي اعلنها بوش ليست جديدة، فمنذ عام 1946 تمت الاطاحة بخمسين نظاما سياسيا في كل انحاء العالم والطريقة التي اطيح بها تمت من خلال الارهاب. بيلجر يعتقد ان الحرب علي الارهاب يجب النظر اليها من خلال منظور الطموحات الاستعمارية والسيطرة علي الثروات، ويشير الي اخر الامثلة كيف قامت امريكا الامبريالية بالتعاون وبدعم اسرائيل من اجل ضرب لبنان لكي تقترب من هدفها وهو توجيه ضربة لايران، فالحرب علي ايران ليس علي النفط وحده ولكن للسيطرة علي المصادر الاستراتيجية وابعاد بقية القوي العظمي عنها، فما يزعج امريكا هو صعود الصين والتي قد لا تتورع اي امريكا علي ضربها. اذا ظهرت في السينما ظاهرة الافلام البديلة فنحن الان امام ديقمراطية بديلة عن الديمقراطية الامريكية والغربية، وفي الفيلم الاخير لبيلجر الحرب علي الديمقراطية يزور المخرج فنزويلا وعدداً من دول امريكا اللاتينية مثل بوليفيا والتشيلي لكي يكتشف كيف قامت هذه الدول ببناء ديمقراطيتها البديلة، او المستقلة عن الديمقراطية الغربية. بيلجر، مثل تشومسكي، لا يكتفي بالتصريحات العامة للسياسة الامريكية بل يربط بين الاحداث ويقرأ بين السطور كما اشار الي ذلك احد الصحافيين التشيك الذين التقاهم في اثناء الحرب الباردة من ان الشعوب في تلك المنطقة لا تصدق ما تقرأ او تسمع ولكنها تعودت علي القراءة بين السطور، وبمقاربة حرب بوش التي كشف انها قامت علي الكذب يجد بيلجر ان هذه الحرب تشبه الحرب السرية وفرق الموت التي اقامتها امريكا في امريكا الوسطي، فقط استبدل التهديد السوفييتي بتهديد القاعدة، فلا فرق اذن بين حرب ريغان علي الانظمة اليسارية في هذه المنطقة من العالم وحرب بوش الحالية علي الارهاب. كولن باول، وزير الخارجية الامريكية كذب عام 2003 امام مجلس الامن وكذبته فتحت الطريق امام احتلال العراق، وقبله ريغان كذب وهاجم نيكاراغوا وغواتيمالا.. في العراق كذبة باول ادت لمقتل اكثر من 100 الف عراقي وفي امريكا الوسطي كذبة ريغان قتلت 300 الف. والجديد في العراق انه تم استيراد فرق الموت التي ترمي كل يوم في شوارع بغداد خمسين جثة او يزيد، فرق الموت صناعة امريكية في امريكا الوسطي. مع مهرجان افلام جون بيلجر، معرض يستمر حتي نهاية الشهر الحالي عن صور الحرب او تغطية الحرب ويقدم المعرض بانوراما للاحداث التي غطاها بيلجر مع عدد من اهم مصوري الحرب، وفي المعرض تبدو الصور التي التقطوها في كمبوديا حيث وصل بيلجر مع مصورين وكان الخمير الحمر قد دمروا البنك الوطني في بنوم بنه، كما احتوي علي عدد من الصفحات التي كبرت من اعداد من صحف ميرور، والغارديان، ونيوستيسمان، بما فيها الصور التي التقطت والتقرير الخاص الذي كتبه بيلجر من بنوم بنه عام 1979 بعد ان هرب الخمير الحمر من العاصمة وتركوها للجيش الفيتنامي، وتحت التقرير الذي كتبه بيلجر صور لثلاث جماجم التقطها صديق المخرج اريك بايبر حيث تحدث المخرج عن العودة الي عهد العبودية. عندما وصل بيلجر الي بنوم بنه وشاهد كيف قام السكان الفقراء بجمع وتجفيف الاوراق النقدية التي نثرتها رياح الخماسين في مجاري العاصمة. ما يثير في هذا المعرض ان بيلجر، يقدم شهادة غير رسمية وعفوية عن الاشخاص الذين عمل معهم وصوروا مآسي العالم التي جاءت بسبب الامبريالية. كان بيلجر من اوائل المخرجين التسجيليين الذين فتحوا اعيننا علي العلاقة بين الطموح الاستعماري واستغلال الفقراء، ففي واحد من افلامه عن تيمور الشرقية يظهر كيف قامت استراليا المعجبة بنفسها ورئيس وزرائها الذي يفتخر باللقب الامريكي له شريف جنوب شرق آسيا باستخدام التعابير الفجة والمكررة عن حقوق الانسان والديمقراطية، لاستغلال الغاز الطبيعي في هذه الدولة الصغيرة. واشار في واحد من مقالاته الي الدور الاسترالي في الاطاحة برئيس الوزراء في هذه الدويلة مرعي الكثيري الذي كان مع تحرير الاقتصاد الوطني. علي العطاس، وزير الخارجية الاندونيسي، ومندوبها السابق للامم المتحدة سجل اخطاء السياسة الاندونيسية في تيمور الشرقية في كتاب لافت صدر حديثا تحت عنوان حصوة في الحذاء حيث اشار الي ان اندونيسيا ظلت آمنة من الشجب العالمي حتي نجح مصور بريطاني بتصوير عملية قمع تظاهرة في مدينة دلي العاصمة، وعندها لم يعد بامكان اندونيسيا الدفاع عن وجودها في تيمور الشرقية.. بالعودة الي معرض الصور الذي يقدم بعض الملامح الشخصية للمصورين وانطباعاتهم الشخصية. بمناسبة مهرجان افلامه، كتب بيلجر مقالا في صحيفة الغارديان الجمعة الماضية تحدث فيه عن الاحياء الذي يعيشه الفيلم التسجيلي السياسي، في السينما وليس التلفاز. وقال انه مثل بقية مخرجي هذا النوع من الافلام فان اعماله عرضت في كل انحاء العالم باستثناء الولايات المتحدة، واشارالي محاولته عرض بعض افلامه، خاصة فيلم عام الصفر عن كمبوديا، والذي قدمه لشبكة انباء بي بي اس التي قررت عرض الفيلم علي مراسل سابق في كمبوديا، وبعد ذلك قررت عدم عرضه لانه كما قال مسؤول المؤسسة كان سيورطها مع ريغان، خاصة ان الفيلم يتعرض للدور الذي لعبته ادارة ريغان في تربية ودعم بول بوت. ويقدم هذا الحادث كمثال عن الطريقة التي يقوم بها صناع الافلام التسجيلية المستقلة بالالتفاف علي من اسماهم حراس الحقيقة الرسمية . ويعتقد بيلجر انه علي الرغم من ان الفيلم التسجيلي يعود لمحاولات الامريكي روبرت فلاهرتي نانوك (1922) ، وافلام البريطاني جون غييرسون، الا ان الكثير من الافلام الجريئة عملت في الفترة الاخيرة، بحيث تعتبر شهادة علي قوة وقدرة الفيلم التسجيلي السياسي. واشار الي فيلم جون ويلدينغ ويومياتها عن العراق حيث غطت عملية ضرب مدينة الفلوجة. ومع ايمانه بقوة الفيلم السياسي الا انه يري ان هذا النوع من الافلام يواجه الان، وفي ظل حكومة بلير معضلة مواجهة محرر برامج شؤون الساعة ورقابتهم ولهذا فان الكثير منها لا يجد طريقه للعرض في محطات التلفزة البريطانية. ويري ان السينما ودور السينما تمثل الان الامل الباقي للفيلم السياسي التسجيلي الطابع. ولكن العرض في السينما يضع علي المخرج شرط المزاوجة بين النجاح التجاري وان تكون شعبية كما في افلام مايكل مور الامريكي. ويدعو بيلجر الي تسويق افلام قادرة علي كسب الجمهور، و مواطنون ينتجون افلاما كما تفعل جوي ويلدينغ وجوليا غيست، حيث تنظران في المرأة لمجتمعاتنا المتحضرة وتصوران انهار الدم الطويلة فيها. ويقول ان الفيلم التسجيلي يعود بالجائزة اخيرا عندما ينجح في الامساك بتلابيب المشاهد كما فعل بيتر ديفيس في فيلمه التسجيلي الذي حاز علي الاوسكار عام 1974 والذي قدم لقطتين كلاسيكيتين، الاولي لولد يبكي والده الذي قتله الامريكيون وتعليق جنرال امريكي قائلا ثمن حياة الشرقي لا تساوي ثمن حياة الغربي اما الثانية فصورة فتاة عارية تخرج من حقل الغام النابالم، جسدها محروق، تتبعها امرأة تحمل ابنها الذي انفصل جلده عن جسده، فيلم قلوب وعقول هو فيلم عن بربرية الحرب وقدرة الفيلم التسجيلي علي تسجيل وتوثيق فظائعها. ويقول بيلجر ان هناك جوعاً للفيلم الوثائقي لانه وحده قادر علي تقديم الحقيقة، بدون خوف او مواربة. ويشير هنا الي الفيلم الذي قام بعمله الان فرانفويتش الصليب المزدوج المالطي ـ لوكربي الذي قدم ادلة غير تلك الادلة عن تورط جهة اخري غير ليبيا في تفجير الطائرة الا ان الفيلم لم يعرض في امريكا، وهددت الحكومة البريطانية باتخاذ اجراءات قضائية لمنع عرضه في مهرجان لندن السينمائي الا ان النائب تيم دالايل قام بتحدي الحكومة وعرضه عام 1995 في مجلس العموم. افلام بيلجر، سجلت تاريخ اربعين عاما او يزيد من القتل والتدمير، والطموحات الاستعمارية الجديدة، وقدمت الام المعذبين في الارض الذين باتوا يكافحون ضد انبياء الحرب وانبياء العولمة، هي شهادة عن القرن الماضي الكئيب وصورة عن الحاضر الحالي المليء بالقتل والتدمير في لبنان وافغانستان والعراق. ولد جون بيلجر في استراليا عام 1939، وبدأ العمل في الصحافة عام 1958 ويعرف بيلجر في حقل افلام التحقيق الصحافية، والتي قام بكتابتها وانتاجها، خاصة عن كمبوديا وتيمور الشرقية، وعمل كمراسل حرب في فيتنام وكمبوديا ومصر والهند وبنغلاديش واثناء حرب البيافرا في نيجيريا، والتيمة الرئيسية في اعماله كانت دائما هي انتقاد السياسة الخارجية للدول الغربية خاصة امريكا. وكان بيلجر واحداً من المثقفين الذين رحلوا عن استراليا في نهاية الخمسينات من القرن الماضي مثل الاعلامي والروائي كلايف جيمس والناشطة، الناقدة النسوية جيرمين غريير، و باري همفريز. وكان بيلجر قد دخل معجم اوكسفورد للغة الانكليزية عندما انتقده اوبرون واو الذي نحت فعل من اسمه ليعني اعطاء معلومات مثيرة من اجل الوصول الي نتائج معروفة وقديمة، وقد تدخل بيلجر وطلب من المعجم حذف الوصف عام 1991. ويري نعوم تشومسكي ان السبب الذي جعل بيلجر محط انتقاد هو انه كان يواجه الجمهور بالحقيقة المرة. وعمل بيلجر في اكثر من مكان ومع اكثر من صحيفة وتلفزيون حيث غطي لصالح ديلي تلغراف، والميرور، وعمل ككاتب حر في ايطاليا، كما عمل في وكالة رويترز في الشرق الاوسط في الستينات من القرن الماضي، كما انشأ وعمل محررا ورئيسا لـ نيوز اون صاندي ، وعمل في برنامج وورلد اون اكشن لصالح محطة غرنادا، وعمل منتجا ومخرجا لصالح شركة كارلتون. من اهم اعمال بيلجر عام الصفر: الموت الصامت لكمبوديا عام 1979، وعام الصفر: الموت الصامت لكمبوديا (1979)، اليابان خلف القناع (1987)، موت امة: مؤامرة تيمور الشرقية (1994)، فيتنام المعركة الاخيرة (1995)، في داخل بورما: ارض الخوف (1996)، الابارتيد الذي لم يمت (1998)، اهلا بك في استراليا (1999)، يدفعون الثمن: قتل اطفال العراق (2000)، فلسطين لا زالت القضية (2002)، كسر الصمت: الحقيقة والاكاذيب عن الحرب علي الارهاب (2003)، سرقة امة (2004). كما اصدر عددا من الكتب منها، الايام الاخيرة (1975)، ما بعد الكفاح الكمبودي الفيتنامي (1981)، ابطال (1986)، البلد السري (1989)، اصوات بعيدة (1992،1994)، الاجندة السرية (1998)، حكام العالم الجدد (2002)، لا تقل لي اكاذيب: التحقيق الصحافي وانتصاره ( 2004)، واخر كتبه حرية في المرة القادمة (2006). وكتب مسرحية اليوم الاخير (1983)، وحصل علي عدد من الجوائز مراسل العام (1967)، صحافي العام (1967)، المراسل الدولي لعام 1970 ، جائزة الامم المتحدة للاعلام عام 1980، وجائزة ايمي الامريكية عام1991، وجائزة معهد الفيلم البريطاني المكرسة لريتشارد ديمبلبي عام1991، وجائزة الجمعية للتلفزيون لعام 2004/2005. ناقد من اسرة القدس العربي القدس العربي في 18 سبتمبر 2006
وقفة وفاء.. الراحلة عائشة إبراهيم: ثلاثون عاما من العطاء والتميز كتب صالح الغريب: ولدت الفنانة الراحلة عائشة ابراهيم وعاشت طفولتها في منطقة القبلة، وفي الخمسينات انتقلت مع اسرتها الى منزل آخر في الصالحية. درست عند المطوعة وضحة في منطقة القبلة ثم انتقلت الى منطقة الشرق ودرست في اكثر من مدرسة نظامية حتى المرحلة الثانوية ثم انتسبت الى معهد تدريب الفتيات التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لمدة ثلاث سنوات وعندما تزوجت كانت في السنة النهائية وقد انتقلت من منطقة الشرق الى منطقة خيطان (عش الزوجية). كانت تمارس النشاط التمثيلي في المعهد في عام 1959م وبدأت حياتها الفنية عام 1963م اول عمل تشارك فيه هو مسرحية بعنوان 'حظها يكسر الصخر'، توقفت بعد ذلك لفترة قصيرة حيث بريق التلفزيون جرها للعمل فيه من خلال برنامج 'ديوانية التلفزيون' الذي كان يكتبه محمد النشمي وحسين الصالح الحداد من إخراج خالد الصديق، واول اجر لها في المسرح 40 دينارا وفي التلفزيون 6 دنانير وفي الاذاعة ديناران. وفي المسرح كذلك اختارها الفنان القدير سعد الفرج لتشارك معه في مسرحية 'عشت وشفت' وقدمتها فرقة المسرح العربي من اخراج حسين الصالح الدوسري في عام 1964 مع مريم عبدالرزاق وغانم الصالح وعلي البريكي. وشاركت بعد ذلك مع فرقة المسرح العربي في عدة اعمال منها 'اغنم زمانك' و'الكويت سنة 2000'، و'حط حيلهم بينهم' و'24 ساعة' و'من سبق لبق' و'الليلة يصل محقان' و'عالم نساء ورجال' و'مطلوب زوج حالا' و'30 يوم حب'. ومن مشاركاتها في المسرح الاهلي والخاص: 'العلامة هدهد' مع فرقة المسرح الكويتي، ومسرحية 'شاليه السعادة' مع مسرح الخليج العربي ومسرحية 'صبيان وبنات' مع المسرح الشعبي ومسرحية 'فرحة أمة' مع مسرح الفنون ومسرحية 'أولاد جحا' مع مسرح النشمي ومسرحية 'ارض وقرض' مع مسرح الجزيرة. مهرجانات وجوائز - شاركت في عدد من المهرجانات المحلية والخارجية منها: مسرحية 'من سبق لبق' مع فرقة المسرح العربي التي قدمتها في مهرجان دمشق المسرحي الاول للفنون المسرحية عام .1969 - وفي عام 1989م شاركت في بطولة مسرحية 'إذا طاح الجمل' مع مسرح الجزيرة في مهرجان الكويت المسرحي في دورته الاولى تأليف محمد الرشود. ونالت الراحلة عدة جوائز منها: - في فبراير 1977 حصلت على درع نجم المسرح العربي الاول في يوم المسرح العربي لتكريم الفنان المسرحي. - في 21 فبراير 1980 حصلت على جائزة فضية (ب) عن دور ممثلة ثانية في مسرحية 'شاليه السعادة' التي قدمت في 1979/8/21م مع فرقة مسرح الخليج العربي من اعداد احمد رضوان واخراج عبدالعزيز المنصور في احتفال يوم المسرح العربي لتكريم الفنان المسرحي. - في مارس 1989م حصلت على جائزة افضل ممثلة في مهرجان الكويت المسرحي الأول. آخر أعمالها آخر عمل فني شاركت فيه الفنانة الراحلة عايشة ابراهيم قبل وفاتها مسلسل 'الماضي وخريف العمر' من 13 حلقة تلفزيونية عن قصة وسيناريو وحوار نادر خليفة واخراج محمد السيد عيسى واعداد منى الشمري مع سعد الفرج وبوسي وباسمة حمادة وابراهيم الحربي وزهرة الخرجي وعبدالامام عبدالله. وانتقلت الى رحمة الله في السابع عشر من شهر سبتمبر 1992 بعد معاناة طويلة مع مرض عضال، قدمت خلال مشوارها الطويل الكثير من الاعمال المسرحية والاذاعية والتلفزيونية الجميلة وتتميز الراحلة بأنها انسانة عطوفة ورحيمة وكريمة ومتواضعة واجتماعية. القبس الكويتية في 19 سبتمبر 2006 |
صلاح هاشم يكتب: عن حياة وعمل سينمائي مقاوم: إيليا سليمان: فقط في السينما.. تستطيع أن تقصف دبابة بنواة مشمش!
القاهرة - صلاح هاشم من أجمل الافلام التي عرضها مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي 22، فيلم " يد الهية " للمخرج الفلسطيني ايليا سليمان، الذي حصل به علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان " كان : السينمائي الدولي، وكان المهرجان نظم خلال دورته المنصرمة في الفترة من 5 الي 10 سبتمبر، تظاهرة خاصة ب " سينما المقاومة " ، عرض فيها الي جانب الفيلم المذكور مجموعة كبيرة من الافلام التي تحمل طابع المقاومة : مقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين، ومقاومة الاستبداد بكافة اشكاله وأساليبه، من ضمنها فيلم " كفر قاسم " للبناني برهان علوية ، و " المخدوعون " للمصري توفيق صالح ، وفيلم " عرس الجليل " للفلسطيني ميشيل خليفي وغيرها، كمانظم المهرجان ايضا ندوة "حول سينما المقاومة " حضرها المخرج اللبناني المتميز جان شمعون الذي عرض له المهرجان فيلمه التسجيلي الطويل " أرض النساء "، وبمشاركة مجموعة من كتاب ونقاد السينما، وربما كانت هذه الندوة، بالجمهور الواعي الذي استقطبته، والمحاور والقضايا التي ناقشتها، من أهم أحداث المهرجان في دورته 22.في هذا الحوار الذي اجرته مجلة " تليراما " الاسبوعية الفرنسية، التي تعد الاكثر توزيعا في فرنسا، يتحدث المخرج الفلسطيني ايليا سليمان، وبمناسبة اختياره عضوا في لجنة تحكيم مهرجان " كان " الثامن والخمسين، يتحدث عن سينما المقاومة، ويوضح مايعنيه عندما يقول ان الفلسطيني يمكن ان يكون اي انسان، في اي بلد، ولايعني بالضرورة ان يكون من مواليد فلسطين او حاملا للجنسية الفلسطينية،كما يتحدث عن مفهومه لسينما المقاومة التي لاشك عنده تبدأ من طرح سؤال الهوية ، ولقد ارتأيت أن اترجمه عن الفرنسية بالكامل لجريدة " القاهرة " لأهميته في الكشف عن الطريقة التي يفكر بها ذلك المخرج الفلسطيني " المقاوم " المتميز ، ومنهاجه في صنع الافلام، و" رؤيته " لبعض القضايا المطروحة علي الساحة السينمائية الدولية في الوقت الراهن، وهي جميعها اشياء تدعو الي التأمل والتفكير، في عصر حضارات الاستهلاك الكبري، و تدمير كل تلك القيم والفضائل التي كان يفاخر بها الانسان، ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر ومع انتهاء الثورة الصناعية، ووفقا لمخطط أو نظام " كوني " جديد، كما ينوه ايليا سليمان في حواره الشيق.. في بداية الحوار الذي نشرته تليراماTelerama في عددها2940 الصادر في 17 مايو 2006 يسأل الناقد لوران ريجوليه ايليا سليمان : · في نهاية تصوير فيلم " يد الهية " قلت انك وجدت ان مهنة المخرج السينمائي مهنة جد عسيرة ، لأنها تخلق توازنا صعبا للغاية بين لحظات المتعة والشغف ولحظات التعب والعذاب والألم. كيف يكون الحال اذن عندما لاتعمل، وكيف تجد الحياة ؟ انا لا افكر في هذه المسألة الآن الا قليلا، لأني مشغول بكتابة سيناريو فيلمي الجديد في شقتي في باريس وعلي وشك الانتهاء منه، لكني افكر فيها طول الوقت عندما لايكون هناك ما يشغلني. افكر كيف يستطيع المرء ان ينجو بجلده من هذا العبث الذي صارت اليه حياتنا، والخروج من الارض الخراب. افكر كيف استطيع الخروج من حالة يأس واحباطات مابعد الميلاد ( ميلاد الفيلم ) التي تأتي في اعقاب الانتهاء من عمل الفيلم وخروجه للعرض. وصدقني لقد عشت تلك الحالة بعدما عرض " يد الهية " في " كان " وحصل علي الجائزة الخاصة للجنة التحكيم، ووقع ذلك " الانفجار " الذي لم اكن اتوقعه او احسب له حسابا وكانت له تأثيراته المدمرة وأضراره " السعيدة " علي وجودي. كنت انتهيت من الفيلم قبل ان يبدأ مهرجان " كان " بقليل،ولم أحسب حسابا لأي شيء، واذا بي فجأة أجد الجميع يتدافعون لشرائه والاستفادة من الضجة الاعلامية التي احيطت به بعد حصوله علي تلك الجائزة لعرضه علي الناس وتحقيق اكبر مكاسب مالية في الحالة وقبل ان تتلاشي تلك الضجة وتختفي. فجأة صار الفيلم مثل موجات متتابعة متلاحقة تبحر فوق بحر السينما والافلام في العالم ، بل لقد عرض في بلدان لم اتوقع ابدا ان يكون له فيها جمهور، وطلب مني بسبب الفيلم أن اسافر الي جميع أنحاء العالم وأن أتنقل مابين مطاراته للدعاية للفيلم في كل مكان فأخذت أسافر لمدة عام ونصف العام من دون توقف. وكان يبدو لي من الاهمية بمكان ان اتنقل مع الفيلم في رحلاته عبر العالم وكانت سعيد جدا بالنجاج " النقدي " المهم الذي حققه، لكن كان الشيء الاساسي لحظة التقاء الجمهور بالفيلم، اللحظة التي يغادر فيها المتفرج بيته كي يتوجه لمشاهدة لفيلم، حيث اعتبر ان عمل المخرج السينمائي لاينتهي الا بالمشاهد عند تلك اللحظة. ولو ان المتفرج ادار ظهره للفيلم وعاد الي بيته فكأنك لحظتئذ لم تحقق شيئا علي الاطلاق. والحقيقة انني اتعلم الكثير الكثير من خلال لقاءاتي مع الجمهور وأتبين من خلال مناقشاتهم معي ما كنت اسعي ومن دون وعي او ادراك مني ، ما كنت أسعي الي تحقيقه وما كنت احاول اظهاره في " يد الهية "... والكشف عنه.. · هل شعرت في لحظة ما بالضياع اثناء تجوالك مع فيلمك ؟ بعد فترة سوف تشعر بأنك قد افرغت كل ما في جعبتك وانك ضائع وقد تاه منك السبيل ولاتعرف الي أين ستكون وجهتك، عندما تبدأ مضيفة الطائرة تنادي علي ايليا سليمان فتتساءل من هو هذا الايليا سليمان الذي تزعجنا المضيفة بالنداء عليه مرارا وتكرارا وأين يكون. اللعنة. ولا تعد تتذكر حتي أسمك أو الجهة التي تقصدها وتميل علي جارك وتسأله، وتروح تراجع خريطة الطريق التي حملتها معك وتنتابك حالة توهان فظيع عندما تصل الي المطار وتري احدهم يحمل يافطة عليها اسمك وتصحبك المسئولة الصحفية التي حضرت لاستقبالك وتجلس الي جوارك في التاكسي الذي يحملك بسرعة الي الفندق ومنه الي مؤتمر صحفي تروح تجيب فيه علي ذات الاسئلة التي وجهت اليك من قبل مئات المرات، ثم يصحبك موزع الفيلم بعدها الي الغداء في مطعم ولو انك سألتني اليوم ان كنت مازلت اتذكر واقعة ما او حدثا لاكتشفت ان الامور والذكريات والاحداث اختلطت بعضها ببعض ولم اعد استطيع ان اتذكر بدقة شيئا محددا.. · هل تعتبر انها فترة صالحة للكتابة ايضا ؟ لقد دونت بعض الملاحظات الصغيرة هنا وهناك اثناء سفري وتجوالي مع الفيلم، غير ان سعادتي الحقيقية تحققت من خلال لقاءاتي مع الجمهور، التي تحرك فيك ذلك الدافع الخلاق الغامض المبهم وتعززه وتقويه: أنت مثلا تواجه بالعديد من التحديات مثل كيف تحافظ علي لياقتك وطزاجتك عندما تكون هي المرة الالف التي تجيب فيها علي ذات السؤال الذي يطرح عليك في أماكن متباعدة ومختلفة علي سطح كوكبنا،. انها ليست قضية التزام اخلاقي تجاه الجمهور فقط ، بل هي قضية التزام تجاه جسدك ونفسك وروحك ايضا. احاول اثناء مداخلاتي وحواراتي مع الجمهور والحوارات التي تجري معي، أحاول أن اخترع وابتكر وأعيد اختراح عباراتي وجملي من جديد، من أجل استكشاف مناطق جديدة، وهي عملية متعبة وشاقة للغاية، لكنها تمنحني قدرا كبيرا من السعادة حين تصبح تلك المداخلات اقرب ماتكون الي ابداع الشعر، أوالانزلاق عبر جدران اللغة من اجل الامساك بتجليات اللحظة وبكل مافيها من طاقة توليد علي طبخ مصطلحات وعبارات وجمل جديدة شفافة لاعطاء اجابات مغايرة ومتجددة في كل مرة يطرح فيها ذات السؤال..ولسوف تكتتشف حينئذ كيف تستطيع ان تخلق حلما وتجعل الآخرين يحلمون معك وهي عملية شبيهة في رأيي بعملية صنع الافلام، عملية خلق مستمرة. فلو انك وصلت موقع التصوير في صحبة سيناريو مكتوب منذ سنة مضت وأردت تصويرالكلام المكتوب بحذافيره لاكتشفت انك لا تتكلم بصيغة الحاضر المضارع بل بصيغة الماضي الذي عفي عليه الزمن وانقضي ولا تستطيع بالتالي ان تخلق جديدا ولسوف تفقد عندئذ كل امكانيات التعبير في الزمن الحاضر.يجب ومن دون توقف ان تخترع كل شيء من جديد. انا احاول ذلك في كل مرحلة من مراحل صنع الفيلم، حتي يحس و يشعر المتفرج بأن هناك شيئا ما يحدث له هو ايضا في الخفاء لكنه لايدري كنهه في صلب الفيلم.. · تري هل يتعلم المخرج شيئا يجهله عن عمله اثناء لقاءاته مع الجمور ؟ ان لقاءاتي مع الجمهور تضعني في مواجهة تناقضاتي وتحيلني كثيراالي قضية الوطنية او القومية كمخرج فلسطيني، في الوقت الذي اعتقد اني احارب فيه كمخرج كل النزعات القومية الضيقة واني ضد الحدود بكافة انواعها وكل مايمت بصلة من قريب او بعيد الي القبلية، واظن ان امامي مسافة طويلة مازال علي ان اقطعها قبل ان اتخلص من تلك الانتماءات التي تشدني اليها واجدها ماثلة في كل مداخلاتي. علي كمخرج ان اطرح تساؤلات مستمرة علي طبيعة وهوية ذلك الانتماء وبخاصة عندما التقي ب " اخوتي " الفلسطينيين. وعندما اقول فلسطيني، فاقصد بها ان تكون صورة استعارية ليس الا، اذ يمكنك ان تكون فلسطينيا وانت في البلاد الاسكندنافية او في امريكا الجنوبية، لأن الفلسطينيين عندي تجمعهم وحدة تضامن ومبدأ مقاومة النظام " الكوني " الجديد.. وفي خلال تلك اللقاءات يكتشف المخرج اخطءئه وعثراته لكن لابد من الثقة بالنفس قبل ان تشرع في نقد الذات. وذات مرة في امريكا وجدت ان الجمهور لم يجد في الفيلم مايبعث علي الانتقاد فسارعت انا نفسي الي انتقاد الفيلم فحكيت لهم عن الاخطاء الفنية الصغيرة التي يجهلونها وعن المشاهد التي لاتصلح وعن ومشاكل الايقاع في الفيلم واخذت اهاجم ايليا سليمان المخرج اهاجم نفسي.وكنت علي حق في الهجوم علي الفيلم لاني في النهاية معذور، حيث اني لا استطيع بحكم شروط الانتاج التي خضعت لها ان اصنع السينما التي احب، وربما لو توافرت مستقبلا شروط انتاج اخري لكنت صنعت فيلما مغايرا وبه مشهد تأمل في لوحة جميلة يستغرق عرضه نصف ساعة ، لكن الي ان يأتي زمن تلك الظروف سوف نستمر في صنع افلام ليست معصومة ابدا من الخطأ، وعلي في كل وقت اثناء صنع الفيلم ان افكر في الجمهور وان اخلق " روابط " و" جسور " و " تنقلات " مابين اللقطات والمشاهد والفصول وانا اكتب سيناريو الفيلم واكتشف انني لن استطيع ابدا ان اصل الي ما اريد التعبير عنه تماما ومهما كانت محاولاتي.. علي الرغم من الحروب والدمار نستطيع ان نحكي عن فرح الحياة في قصيدة · ما هو موضوع السيناريو الذي تكتبه حاليا ؟ بعد تصويري لغربة الفلسطينيين وضياعهم في وطنهم اكتب حاليا سيناريو فيلم يعبر عن حيرتي وغربتي وضياعي في هذا العالم الواسع ولكن ليس لدي طاقة او بنزين بالبلدي كفاية. لا اعرف اين اعيش ولا اعرف اين اذهب ولقد كنت ابحث طوال الوقت عن مكان اشعر فيه اني في بيتي, ولفترة اثناء تسويق الفيلم عشت في باريس ثم انتقلت للعيش في لبنان وفكرت انني استطيع ان اجعل منه وطنا فهو قريب من مدينة الناصرة حيث ولدت في فلسطين وله ذات العبق وفيه استنشق ذات الهواء ثم ان هناك ايضا البحر والطعام والاصدقاء لكني لم انجح، فبمجرد الاستقرار في اي مكان يضيع مني الوحي والالهام في التو ولا اعد قادرا علي الكتابة, وتبينت ان هناك تناقضا بين الصور التي اريد ان اكتبها وبين الرغبة في الاستقرار في مكان ما وهي مشكلة تؤرقني.. اعتقد اننا نعيش فترة غريبة عصيبة حرجة في تاريخنا ولا نستطيع الا ان نطرح العديد من التساؤلات علي انفسنا كمخرجين مثل ماهو مكاننا في العالم ، وما هي قيمة الافلام التي نصنعها وهل لهذه الافلام اي تأثير او سلطة وهل تستطيع ان تغير استقرار الانظمة الثابتة المستقرة ثم كيف نساهم في تغيير تلك الاوضاع الراهنة التي نعيشها اليوم ومن دون ان نقع في المصيدة و تلك الشراك المنصوبة من حولنا، وهي تساؤلات جد مهمة وخطيرة والحقيقة اني احسد كثيرا المخرجين الذين يخرجون علينا كل سنة بفيلم جديد وأتساءل كيف يتسني لهم صنع تلك الافلام وكيف يجدون دوما مايقولون لنا في افلامهم. عجيب. من النظر في ملاحظاتي اكتشفت اني اريد ان اكتب شيئا عن عالم اليوم عن السياسة العالمية عن السرعة الرهيبة التي تتراجع بها الاشياءفي عصرنا الحالي وبالنظر الي حقب وعصور أخري، حيث اني اعتبر اننا نعيش في قلب برنامج أطلق منذ القرن 18 برنامج اسمه كيف ندمر العوالم التي نعيش فيها ونمحوها من الوجود، وقد بدأنا بالفعل في عملية التدمير منذ نهاية عصر الثورة الصناعية: دمرنا مناطق السكن المأهولة بالعمران، ثم أتينا من بعدها علي الطبيعة ودمرناها ثم اننا رأينا عملية التطور التاريخي هذه تتسارع بشكل مذهل منذ الحادي عشر من شبتمبر 2001 بحيث ان التساؤل حول صنع فيلم لتغيير العالم في اطار تلك الظروف بات تافها، غير اني علي يقين بأننا في وسط الدمار واليأس نستطيع أن نحول أشد كوابسنا قتامة وحزنا دمارا ووحشية الي براعم من الامل. نستطيع أن نكتب وسط كل هذا الدمار وبربرية الحروب، نستطيع ان نكتب قصيدة ونحكي عن فرح الحياة في فيلم.. ايليا سليمان:
جريدة القاهرة في 19 سبتمبر 2006
فيلم "حياة ساكنة".. مباراة المهارة. والقوة في مهرجان البندقية الدولي.. كتب جاسم المطير: هل توجد سينما صينية متطورة؟ سؤال راود الكثيرين خلال نصف قرن مضى داخل قاعات السينما الصينية وفي العالم ايضا. بعض الدارسين والنقاد يقولون ان السينما الصينية قد وصلت الى مستوى عميق بعد ان تاسست فيها بنية تحتية قبل مائة عام. بعضهم من النقاد العالميين يقول ان السينما الصينية لم تستطع اجتياز فترة التحول ولم تتفجر فيها إبداعات متميزة. · فأي النظرتين اصوب؟ جاء الجواب مباشرة من البندقية (ايطاليا) حيث انتشرت افكار كثيرة عن الفيلم الصيني 'حياة ساكنة' بوصفه طاقة إبداعية كبيرة وإشعاعا جديدا في الفن السينمائي من خارج هوليوود ومن خارج استديوهات السينما في العالم الراسمالي المتقدمة. ليس هذا فحسب بل ان درجة حرارة السباق بين الافلام المتسابقة استحثت خطاها لتمنح جائزة 'الاسد الذهبي' لهذا الفيلم الصيني بالذات، الذي هو من إخراج 'جيا شانغكي'، في الدورة الثالثة والستين لمهرجان البندقية السينمائي الدولي. في الحقيقة ان هذا الفوز ليس شيئا اعتياديا بالنسبة إلى السينما الصينية، بل جاء تتويجا ومتطابقا مع الموجات الصوتية التي كانت قد تصاعدت في يوليو الماضي داخل ندوة سينمائية شاملة عقدت بمناسبة مئوية السينما الصينية بجامعة بكين والتقى فيها قرابة ثلاثمائة خبير سينمائي من الصين والخارج. وعنوان الندوة وصوتها كانا : 'السينما الصينية والسينما الاسيوية في سياق العولمة'. واجتذبت خبراء من البر الصيني وهونغ كونغ والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا واستراليا واليابان والهند. وكانت موضوعات الندوة تتعلق بتاريخ السينما الصينية والاسلوب الخاص بها والبناء الثقافي لها والنقد الذي يمارسه النقاد بشأن تطورها والجيل الجديد من المخرجين الصينيين وافلامهم. وركزت الندوة على محادثات حول الافلام النسائية وافلام هونغ كونغ وتايوان والكونغ فو و'السينما المفرطة في النشاط' وصناعة السينما الصينية. كانت الندوة تلميحا لتطور صناعة السينما في بلاد الصين وتعميما لتطور الكثير من اساليب المخرجين الصينيين. وقد تناول فيلم 'حياة ساكنة' الوقائع المضطربة لحياة قرية غمرتها المياه نتيجة بناء سد والنتائج التجريبية في حياة الارض وعلاقات الناس الناتجة عن ذلك ولا شك في ان هذا الموضوع كان نموذجا للإثارة في رؤية المشاهدين والنقاد ولجان التحكيم، ليؤكد حقيقة سينمائية مدهشة في الصين حدثت بشكل خاص وحاد خلال السنوات الخمس العشرة الاخيرة حيث برزت السينما الصينية الجديدة بقوة على خريطة السينما العالمية. وقد لفتت الافلام الصينية الجديدة انظار النقاد والسينمائيين في العالم كله، باصالتها في التعبير وقدرتها المدهشة على استلهام الموروث الشعبي وتعاملها الخاص مع التاريخ الصيني وإعادة النظر في الكثير من القيم والعادات والتقاليد الصينية الموروثة ومحاولة فهمها ونقدها معا، وقد فتحت السينما الصينية الجديدة شهية السينمائيين في العالم على مدرسة جديدة في التعبير والاداء والتصوير والإخراج. وحققت افلام هذه المدرسة نجاحا كبيرا اينما عرضت وحصلت على عشرات الجوائز فى المهرجانات السينمائية الدولية كما نالت إعجاب مشاهدي السينما في العواصم العالمية الكبرى. لم يكن طريق الفوز سهلا امام الفيلم الصيني 'حياة ساكنة' فقد كانت الافلام المنافسة كثيرة ومنها فيلم 'ذي كوين' الذي حصل على جائزة افضل سيناريو والذي نالت فيه الممثلة الانكليزية هيلين ميرين ذات الأعوام الستين جائزة افضل ممثلة عن تجسيد شخصية الملكة إليزابيث، حيث استطاعت ان تسحر لجنة التحكيم التي ترأستها الممثلة الفرنسية كاترين دونوف بتجسيدها الرائع لشخصية الملكة إليزابيث الثانية في 'ذى كوين' الذي يقدم صورة قبيحة للعائلة المالكة البريطانية في مواجهة مأساة موت الاميرة ديانا صيف 1997 لم يكن فيلم 'ذي كوين' هو الفيلم المنافس القوي الوحيد بل كان هناك فيلم اميركي شديد الإثارة وهو فيلم 'هوليوود لاند' الذي فاز فيه النجم الاميركي 'بن افليك' على 'كاس فولبي' لافضل ممثل في الدورة الثالثة والستين لمهرجان البندقية السينمائي الدولي 'لا موسترا' عن دوره في فيلم 'هوليوود لاند' للمخرج الاميركي الن كولتر. ويجسد بن افليك في هذا الفيلم شخصية جورج ريفز بطل فيلم 'سوبرمان' الذي عثر عليه ميتا والارجح نتيجة انتحاره عام 1959 في ظروف غامضة يسعى مفتش الشرطة لويس سيمو الذي يقوم بدوره ادريان برودي إلى كشفها. المخرج الفرنسي الان رينيه حصل على الاسد الفضي لافضل إخراج عن فيلم 'كور' (قلوب) الحالم المليء بالشجن الذي يروي حياة الوحدة التي يعيشها ستة اشخاص يتقاطع مصيرهم في باريس الغارقة تحت الثلوج المتساقطة. وهكذا يكون الان رينيه مخرج 'نوي ايه برويار' (ليل وضباب) عام 1955 و'هيروشيما مون امور' (هيروشيما حبي انا) عام 1959 قد حصل وهو في الرابعة والثمانين على ثاني جائزة له من 'لا موسترا' بعد 45 سنة من حصوله على الاسد الذهبي عام 1961 على فيلم 'لانيه درنيار اه مرينباد' (العام الماضي في مرينباد). اما مفاجاة المهرجان فكان الفيلم التشادي 'دارات' للمخرج محمد صالح هارون (46 سنة) الذي حصل على الجائزة الخاصة للجنة التحكيم بعد سبع سنوات من حصوله على جائزة افضل عمل اول عن فيلم 'باي باي افريكا'. يروي الفيلم قصة الصبي عتيم ذي ال16 ربيعا الذي يعطيه جده سلاحا ناريا ويرسله ليقتل الرجل الذي قتل والده خلال الحرب الاهلية التي شهدتها البلاد. داخل هذا الحجم الكبير من المنافسة الاميركية ـ الانكليزية ـ الفرنسية - الايطالية وغيرها لم تستطع لجنة التحكيم ان تغفل الفيلم الصيني 'حياة ساكنة'، فظل متحركا خلال ايام مهرجان البندقية السينمائي الدولي في مدار النجاح الاول محققا استقراره في نهاية مطاف المهرجان المتعدد الاطياف لينال جائزة الاسد الذهبي ليكون متاحا امام السينما الصينية ان تفخر بمنجزها امام العالم كله. القبس الكويتية في 19 سبتمبر 2006
|
احتفالية لجون بيلجر: الفيلم التسجيلي السياسي والبحث عن الحقيقة:
ابراهيم درويش |