بدأ الكتابة منذ السبعينات، ولم يكن معروفاً إلا على مستوى النقاد والمبدعين، وفى العام 1985 جاء مسلسل "الشهد والدموع" علامة فارقة فى مشوار الدراما التليفزيونية، فبدأت الجماهير تنتبه إلى اسم "أسامة أنور عكاشة"الكاتب أو المؤلف، بعد أن كان اهتمامهم قاصراً على الفنانين فقط، ولأنه كاتب قصة ورواية، فقد كانت طموحاته منصبة على تقديم عمل تليفزيونى راقٍ فى شخصياته وعباراته وأحداثه، وبالفعل استطاع أن يحقق "أدب" الدراما التليفزيونية، ما حقق له نجاحات غير مسبوقة على المستويين الشعبى والنقدي. نلتقى هنا مع الكاتب المبدع أسامة أنور عكاشة فى حوار صريح جداً يتناول البدايات حتى الوصول إلى القمة، ويعّرج فيه على السياسة والمجتمع، وإليكم نص الحوار: * كنت صحفياً بجانب كونك روائياً، فهل أثرت الأولى على الثانية؟ - لكل من الصحافة والرواية أسلوب خاص وطابع مميز، فالصحافة لها قواعدها، مثل أن تواكب الأحداث اليومية أولاً بأول، بينما تحتاج الرواية لصبر طويل من الكاتب حتى يهضم الأحداث، ثم يصيغها بشكل أدبى أو درامى بعدها بفترة طويلة، حتى يلم بكافة جوانبها وتفاصيلها، ويضع الإسقاطات المناسبة والتشبيهات وتفاصيلها، ويضع الإسقاطات المناسبة والتشبيهات غير المباشرة، حتى يشغل المتلقى عقله، لأن أضعف أنواع الفن هو الفن المباشر. * لكن تألقك التليفزيونى لا ينسينا أعمالك الأدبية الرائعة مثل رواية "منخفض الهند الموسمي" حدثنا عن ذلك؟ - أنا قادم من أرض الأدب أساساً، لذلك عندما وجدت أن الدراما تسببت فى تقصيرى عن أداء دورى الأدبي، قررت أن أنجز أعمالى الروائية حتى أؤدى واجبى الأدبي، من هنا قدمت روايتين فى عامين متتالين هما "منخفض الهند الموسمي" و"وهج الصيف"، وتم نشرهما على حلقات فى جريدة الجمهورية، ثم تم تجميعهما فى كتب، ثم قررت أن أواصل أداء دورى الأدبى من خلال كتاباتى فى جريدة "الأهرام" كل أسبوعين فى شكل أدبى جديد هو "المقال القصة". سوق رخيص * وما رأيك فى الفن المعاصر بمفهومه السريع، والذى لم يعد قاصراً على السينما فقط بل امتد للأعمال التليفزيونية؟ - للأسف الشديد هذا مستجد طارئ على الدراما التليفزيونية بدأ منذ حوالى أربع أو خمس سنوات، وأعتقد أن الجمهور شاهد على المساخر التى تحدث فى رمضان، حيث ظهرت مستجدات حولت الاهتمام من الكم إلى الكيف، وأصبحت المسلسلات عبارة عن فواصل تمثيلية بين الإعلانات، أى أعمال درامية تصلح أن يأتى عليها إعلانات باسم النجم أو النجمة، ودخول الإعلان حول الدراما إلى تجارة بحتة، تباع فى سوق رخيص مما تسبب أن تكسب الأعمال السورية أرض الدراما التى فقدناها، لأنهم يقدمون أعمالاً تعتمد على الكيف وتهتم بالمستوي. * وما دورك كأحد المبدعين لوقف هذه المساخر؟ - أبذل قصارى جهدى من جانبى للارتقاء بأعمالى الدرامية وأهاجم أى عمل سطحي، وأحب أن أقول إننى لا أهتم بتقديم أعمالى فى رمضان، ولو كان الأمر بيدى لطلبت عدم إذاعتها فى هذا التوقيت ما دامت الأعمال الرمضانية بهذا المستوى المتدني. * وبرأيك كيف تتم هذه المساخر ؟ - يأتى سمسار الإعلانات إلى الجبهة المنتجة للمسلسل ويحدد أسماء النجوم وعدد الدقائق الإعلانية التى يمكن أن يجلبها كل نجم فى الحلقة، فتذهب الجهة الإنتاجية للنجم أو النجمة وتطلب منه اختيار أى عمل درامى على مقاسه أو على مقاسها، ثم يحضرون المؤلف الترزى حتى يفصل عملاً دراميًا على المقاس، وهذا ما حدث مع محمود عبد العزيز، ويسرا ونورالشريف ثم يبيع المنتج المنفذ "التفصيلة الدرامية" لسمسار الإعلانات ويأخذ كل طرف فى هذه البيعة عمولته ويعطون النجم مبالغ مالية عالية، وهكذا تحولت الدراما لسوق رخيص تعرض فيه المساخر. * وكيف ينجرف الإعلام المصرى بهذه الصورة؟ - انجرف عندما وافق على تقديم مثل هذه الأعمال على شاشته، وبدلاً من أن يقدم رسالته قرر أن يتاجر بأعماله، وأجر شاشته شقة مفروشة وأصبح غيرجدير لأن يقود أو يتزعم. * والعلاج من وجهة نظرك؟ - العلاج عن طريق تغيير عقد البيع والمتاجرة والرجوع لاتباع سياسة الكيف، وليس الكم وقيادة العملية التثقيفية وإعطاء اتجاهات سليمة للجمهور .. فما نفعله الآن هو الرقص على السلم، فإما أن نخصخص التليفزيون ونعطيه لمن يملك ويقدر على الإنتاج الجيد، أو نجعله أداة تقدم الخدمة والفكر. خصخصة التليفزيون * وماذا سيحدث إذا تمت خصخصة التليفزيون ؟ - عندها سيهتم أصحاب التليفزيون بإنتاج أرقى الأعمال، لأنهم سينتجونها من أموالهم الخاصة، وبالتالى لن يجرؤ أحد أن ينتج عملاً تافهاً ويصرف عليه ملايين الجنيهات، لأنه لو فعل ذلك ستعرض عنه الجماهير ويخسر نقوده أما ما يحدث الآن فهو اتباع المنتج المنفذ الذى يأخذ الملايين لإنتاج عمل فنى فيسرق نصفها وينتج عملاً تافهاً بالنصف الآخر. * وماذا يعنى المسرح لأسامة أنور عكاشة؟ - أعترف بأننى تأخرت فى المسرح وأحاول تعويض ذلك باشتراكى فى كل موسم حيث قدمت "الناس اللى فى التالت" و"فى عز الظهر" وغيرهما لكننى لا أْعمل بمسرح القطاع الخاص. * أنت معروف بجرأتك فى النقد، ألا يسبب لك ذلك بعض المشاكل مع زملائك؟ - كنت ملتزماً بعدم التعرض لأعمال غيري، والكتابة عنها إلا إذا كانت تستحق المدح، وكنت أبتعد عن ذم الأعمال السيئة إلا فى أعمال رمضان قبل السابق، حيث لم أستطع أن أتمالك نفسى بعد أن طفح بى الكيل وقلت "اللى يزعل يزعل" لأننى أدافع عن فن أنا أنتسب إليه، ويهمنى أمره، لذلك قلت رأيى حتى أنبه الكبار الذين انزلقوا. * وما رأيك فى ظاهرة الفضائيات العربية ؟ - هى سلاح فعال لم نستغله بعد لصالحنا، فهل صنعنا الفضائيات لنخاطب أنفسنا، أم لمخاطبة الآخر حتى نعطيه خلفية عن حضاراتنا ولغتنا وتراثنا وثقافتنا بلغته، بل ومواجهةأنفسنا. فى أوروبا والدول المتقدمة ظاهرة تدعى "الجنون بمصر" حتى أنهم احتفوا بالريس "متقال" بتاع الربابة، وبالفنان محمد منير كما أنهم يعشقون حضاراتنا، فهل استخدمنا الفضائيات للاستفادة من ذلك؟ * تكاد تكون متحدثاً باسم نخبة ثقافية والمثقف غالباً مواقفه متغيرة، هل تشعر بأنك تغير من قناعاتك مع معطيات المرحلة الراهنة؟ - تحولات المثقفين وتغييرهم آراءهم ظاهرة نشأت فى العالم الثالث، لأن المثقف فى أحوال كثيرة مستغرب وليس مغترب، أى هو منسلخ عن ثقافة وطنه وأحياناً يكون فى اتجاه معاكس مضاد للسلطة، ولكن فى الغالب هو متمرد، ولذلك كانت كلمة " جوبلز وزير دعاية هتلر كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسى لأن المثقف لا تنطلى عليه ألاعيب السلطة، لكن السؤال الأهم هو: عن أى مثقف نتحدث؟ هل هو المثقف الترفي، كما تنظر إليه المؤسسة الرسمية، أم المثقف المقاتل الذى يقاتل لمبدأ ويتغير لمبدأ ولا ينقلب على قناعاته، هناك تغييرات تحدث ولكنها تأتى فى إطار الجدل الذى تفرضه اتجاهات مختلفة نتعامل مع معطيات الواقع ولا تتجاوزه، مثلاً فى الماضى كانت لى قناعات اشتراكية، ثم قناعات ناصرية، رغم أننى كنت مع الثائرين على سلبيات الثورة، لكنى لم أنقلب عليها، وحين ضحك علينا السادات بمبادئ براقة مثل: دولة المؤسسات، وسيادة القانون، والديمقراطية، التى كانت وقتها بلا أنياب، كان بحثى ولا يزال عن شخصية مصر، وكان إيمانى بدور المثقف كبيراً، حتى ولو كانت قضيته هى محور الأمية فى مجتمعه. المثقف والسلطة * هل ذلك يفترض بالضرورة وجود علاقة بين المثقف والسلطة؟ - لا بد من وجود حواف تماس بينه وبين قضايا وطنه. * ولكن هناك كتاب وأدباء تبدلوا وفقاً لمعطيات المرحلة؟ - هذا ليس تبدلاً أو تغييراً سياسياً بل ميكافيلية وانتهازية. * وأنت بالتحديد ما الذى دفعك إلى التغيير؟ - أحداث كثيرة بدأت منذ حرب الخليج، ثم غزو العراق، ثم استقطاب المثقف داخل الخطيرة الرسمية .. مثقفون كثيرون اليوم يعملون فى المؤسسات الثقافية، ثم قضية التحول الديمقراطى وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني. * هل من الممكن أن تضيف قضية السجال المصرى السورى حول الدراما؟ - أرجو أن نتخلى عن ترديد عبارات من عينة تراجع الدراما المصرية أو تفوق الدراما السورية، فهذا بخس لتاريخنا، ولكن علينا أن نواجه أنفسنا سواء فى نظم الإنتاج أم غلبة الإعلان على الإعلام وأشياء أخرى كثيرة يجب تصحيحها، ولكن لا بد أن نعترف بوجود وحدة فنية وثقافية عربية حققناها بالكتاب والأغنية والفيلم والآن بالدراما. العرب أنلاين في 18 سبتمبر 2006 |
ألف وجه لألف عام - «أميركي في باريس» لجورج غرشوين: قصيدة سيمفونية قبل الفيلم ابراهيم العريس منذ ما كان يسمى بـ «سنوات باريس المجنونة»، وحتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، على الأقل، كانت «الرحلة الباريسية» أشبه برحلة الى الجذور يجب أن يقوم بها كل مثقف أميركي ولا سيما اذا كان من أبناء «الشاطئ الشرقي»، أي أبناء الفئات الأكثر ثقافة وارتباطاً بأوروبا. فباريس كانت في ذلك الحين «عيد دائم» بحسب تعبير ارنست همنغواي في واحد من أجمل كتبه. وهي كانت عتبة العالم بالنسبة الى الأوروبيين، لا يحسنون اكتشاف العالم إلا عبر المرور بها. ومن هنا كان هناك أدب أميركي طويل عريض مرتبط بالرحلة الباريسية وبالإقامة في العاصمة الفرنسية. وهذا الأدب كان هو الذي ساهم في جعل أسماء أماكن مثل «مونمارتر» و «بيفال» و «المولان روج» و «الغولي بيرجير» و «مونبارناس» واسعة الشهرة لدى الأميركيين. > واذا كان هذا كله قد تجلى، خصوصاً، في الأدب، فإن الفنون الأخرى لم تتأخر على أن تحذو حذو الأدب، وسرعان ما وجدت المسرحيات والأفلام واللوحات والأعمال الموسيقية التي عالجت، بشكل خاص، نظرة الأميركيين الى فرنسا وباريس. والطريف في الأمر أن هذه النظرة بدأت دائماً وكأنها ترتكز الى اثنين: هنري جيمس وارنست همنغواي، نظرة تهتم أول ما تهتم برسم الفوارق في الذهنيات والسلوك بين أميركيين يزورون القارة العتيقة وأوروبيين يقيمون فيها وعينهم تظل، ولو من بعد، على القارة الجديدة. وجورج غرشوين، الذي كان يعتبر واحداً من كبار الموسيقيين الأميركيين خلال النصف الأول من القرن العشرين، ما كان في امكانه أَلاّ يدنو بعمله من باريس، هو الذي طويلاً ما اتسمت أعماله الموسيقية، سواء أكانت من نوع الأوبرا، أو الأعمال الأوركسترالية، أو حتى موسيقى الأفلام بطابع أوروبي واضح بدا في أحيان كثيرة شبيهاً ببعض أرقى أنواع الموسيقى الكلاسيكية الفرنسية. ومن هنا كان ثمة عمل لجورج غرشوين يمكن اعتباره واحداً من أجمل أعماله الموسيقية، قبل أن يعتبر أشهر أعماله على الإطلاق ولكن هذه المرة بفضل السينما. هذا العمل هو «أميركي في باريس». واذا كان هذا العمل قد اشتهر بفضل الفيلم الذي حققه جين كيلي وستانلي دونن، فإن ما لا يعرفه كثر من متفرجيه ومحبيه هو أن غرشوين لم يكتب موسيقى للفيلم، بل ان الفيلم هو الذي اقتبس عن العمل الموسيقي الذي كان كتب، في الأصل، للمسرح. ونفتح هنا هلالين لنذكر أن مثل هذا الخلط طاول دائماً أعمالاً فنية تنقلت بين الأدب والشاشة، من دون أن يُعرف أين كان، الأصل وأين كانت الصورة على نطاق واسع: كثر يعتقدون فيلم «الرجل الثالث» مأخوذاً عن رواية لغراهام غرين، لكن الحقيقة هي ان غرين كتب العمل السينمائي أولاً ثم حوله الى رواية. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن فيلم «شباب امرأة» لصلاح أبو سيف الذي يعتقد كثر أن أمين يوسف غراب كتبه رواية أولاً حولها نجيب محفوظ سيناريو للفيلم، لكن الحقيقة هي أن غراب باع فكرة لأبو سيف ومحفوظ حولت الى سيناريو، وبعد ذلك عاد وحولها هو نفسه الى رواية. > المهم في الأمر، اذاً، هو أن «أميركي في باريس» وقبل أن تكون فيلماً، كانت عملاً موسيقياً خالصاً، كتبه غرشوين بشكل أولي اثر رحلة قام بها الى باريس في شبابه المبكر، أوائل عشرينات القرن العشرين، ثم عاد وأنجز صياغة جديدة ناضجة له خلال زيارة ثانية قام بها الى العاصمة الفرنسية في العام 1928. وفي تلك الأثناء لم يكن من الواضح لجورج غرشوين، نوع العمل الموسيقي الذي سينسب اليه قطعته هذه: هل تكون قصيدة سيمفونية أو «غنائيات» أو مجرد حركات سيمفونية. مهما يكن فإن العمل استقر على شكله النهائي الذي نعرفه، بعد الرحلة الباريسية الثانية التي قام بها غرشوين هذه المرة وقد أضحى فناناً معروفاً مرموقاً، اذ بين الرحلتين كان الفرنسيون قد تعرفوا الى اثنين من أعماله المبكرة: «رابسودي باللون الأزرق» و «كونشرتو من مقام فا». والحقيقة أن الرحلة الثانية كانت ممتعة لغرشوين، خصوصاً أنه ارتبط خلالها بصداقة مع كبار موسيقيي فرنسا في ذلك الحين، من داريوس ميلو الى ستراننسكي، ومن فرانسيس بولنك الى موريس رافيل وبروكوفييف،علماً بأن بعض هؤلاء كان من أعلام الحياة الموسيقية الفرنسية حينها، مع أنه كان، مثل غرشوين، أجنبياً. غير ان «أميركي في باريس» اذ اكتملت بصورتها النهائية، كشفت كم ان تأثر غرشوين بإقامته في فرنسا كان عميقاً ومثمراً. فهو –على عكس الآخرين – ظل ذا إحساس بالغربة في هذه المدينة، موروث من رحلته الأولى وهو شاب. ذلك ان موضوع العمل في حد ذاته، يتحدث عن موسيقي أميركي شاب يصل الى باريس ليقوم فيها بجولة تقوده من حي الى آخر، ومن ذاكرة الى أخرى، فيتفاعل مع هذا التحرك، حزيناً حيناً، فضولياً حيناً، غريباً في بعض الأحيان مندمجاً في بعضها الآخر. وعلى هذا بدا العمل في نهاية الأمر وكأنه ترجمة شعورية موسيقية ليوميات الجولة في باريس. > اذاً، ما يرويه لنا غرشوين هنا هو باريس بين الحربين منظوراً اليها بعينين فضوليتين تعرفان كيف تترجمان كل حي وكل شعور، بحسب الحال التي تلبست الفنان في اللحظة المعنية. ومن هنا لا يكفي للحديث عن «أميركي في باريس» الحديث عن موسيقى سياحية – وصفية ترسم المشاعر البرانية بشكل كان معتاداً في ذلك الحين، بل يتعين التوقف عند ذلك المزج الخلاق الذي حققه غرشوين بين مشاعره وأحوال المدينة. وهذا يلوح واضحاً منذ النزهة الأولى، حين يخرج الفنان الفتي من «الكلاريدج» ليعبر جادة الشانزيليزيه. هنا لا يكون ثمة أي حنين بعد الى الوطن، بل انبهار بضجيج الجادة وصخب العابرين وأبواق السيارات العنيفة، وسرعة الحركة بشكل عام... ويتخلل ذاك كله وقفة للفتى عند باب حانة يصله من داخلها صوت موسيقى لاتينية صاخبة. ومن الشانزيليزيه الى «الفران باليه» (القصر الكبير) في الجولة الثانية التي تبدو وكأنها حوار مع الجولة الأولى. واثر هذا نقطع نهر السين مع الجولة الثالثة متجهين جنوباً، ما يضعنا في قلب الجولة الثالثة داخل ما كان يشتهر في ذلك الحين باسمه الساحر «الحي اللاتيني» أو «الضفة اليسرى» للنهر. هنا تقف بنا الموسيقى عند مقهى رصيف حيث يؤدي سماع الموسيقي الشاب لعزف على الكمان إثارة حنينه لحبيبته التي تركها في الوطن. وبعد هذا سرعان ما نراه يستبد به حنين ثان ولكن الى الوطن نفسه هذه المرة، ما يفسح لغرشوين المجال كي يدخل فقرات من موسيقى «البلوز» تجعل العمل كله يبدو من الآن فصاعداً أشبه بحوار موسيقي بين عالمين: عالم الكلاسيكية الأوروبية، وعالم حداثة «الجاز» و «الشارلستون» و «البلوز» الأميركية. أما مقطع الشارلستون نفسه فإنه يطل حين يلتقي الموسيقي الشاب بمواطن له يتجول مثله، ومن خلال هذا اللقاء تقفز الموسيقى الأميركية الراقصة الصاخبة. غير ان صخب الشارلستون سرعان ما يطرد كل أثر لحنين محزن، وتلوح موسيقى أوروبية من جديد تقود خطى الصديقين الأميركيين نحو مونمارتر، في حركة سرور متسارعة وقد آلى الصديقان على نفسيهما أن يتمتعا بمذاق عاصمة النور. لم يكتفِ جورج غرشوين (1898 – 1937) بأن يكتب هذا العمل الغريب والطريف بنفسه مرة اثر مرة، بل انه أصر منذ البداية على أن يصمم التوزيع الموسيقي بنفسه، ما أتاح له أن يحقق في طريقه حلماً قديماً من أحلامه وهو إفراد زمن طويل نسبياً لعزف على الطبول أتى صاخباً، لكنه تجاوز الدور الإيقاعي للطبول لبطل في حركة لحنية مميزة كانت شديدة الغرابة في ذلك الحين. أما التقديم الأول لـ «أميركي في باريس» فكان أواخر العام 1928 تحت قيادة والتر رامروش، علماً بأن توسكانيني هو الذي قدم لاحقاً، معظم عروض هذا العمل، الذي سيحول بعد سنوات الى ذلك الفيلم السينمائي الذي يعتبر من أروع آيات الكوميديا الموسيقية الهوليوودية. الحياة اللبنانية في 18 سبتمبر 2006
نتائج مرتقبة للاختيار.. "عمارة يعقوبيان" يمثل مصر في الأوسكار
القاهرة - اختارت لجنة مصرية عينها وزير الثقافة المصري فاروق حسني الاثنين فيلم "عمارة يعقوبيان" لتمثيل مصر في الدورة التاسعة والسبعين لجوائز الاوسكار الاميركية. وقال رئيس اللجنة رئيس اتحاد الكتاب المصريين في مؤتمر صحفي في المجلس الاعلى للثقافة ان "اللجنة اختارت الفيلم" الذي اخرجه مروان حامد وقام بتأليفه والده وحيد حامد استنادا الى قصة كتبها الروائي علاء اسواني بالعنوان نفسه. واضاف ان "هذا الاختيار جاء استنادا على اساس محض فني لا علاقة له بالقصة والتمثيل بقدر ما له علاقة بالصوت والصورة والاضاءة الى جانب العناصر الاخرى في الفيلم". وجاء اختيار اللجنة للفيلم بعد تصفية اولى شملت 33 فيلما واستقرت على ستة افلام هي "ملك وكتابة" و"دم الغزال" و"اوقات فراع" و"واحد من الناس" و"ليلة سقوط بغداد" و"عمارة يعقوبيان". وفي التصفية الثانية بقيت افلام "ملك وكتابة" و"دم الغزال" و"عمارة يعقوبيان". وكتب الفيلمان الآخران وحيد حامد وقد بقيا في المنافسة الاخيرة بعد ان اسقطت اللجنة امكانية تمثيل فيلم "ملك وكتابة" مصر في جوائز الاوسكار. وكان المدير التنفيذي لجوائز الاوسكار بروس ديفيز وجه خطابا لمهرجان القاهرة الدولي للسينما لاختيار فيلم يمثل مصر في الدورة التاسعة والسبعين لجوائز الاوسكار. وعلى هذا الاساس تم تعيين لجنة مصرية خاصة للاختيار تضم الى جانب رئيسها الفنانين ليلى علوي ومحمود ياسين ومحمود قابيل والمخرجين ايناس الدغيدي وسمير سيف والناقدين رفيق الصبان واحمد صالح والصحافي لويس جريس. واشار سلماوي الى ان "موضوع الفيلم الذي يعالج قضية محلية مصرية يمكن ان ينتقل الى العالمية بعد ان استطاع الروائي الكبير الحائز على جائزة نوبل للاداب (1988) نجيب محفوظ حل هذه المعضلة في تحويله من ادب مغرق في محليته يتحدث عن عالم الحارة المصرية الى ادب عالمي". واثار فيلم "عمارة يعقوبيان" العديد من الحوارات حوله وهاجمه بعض النقاد باعتباره مسيئا للدين مثل رئيس تحرير اسبوعية "الاسبوع" مصطفى بكري، واعتبره نقاد آخرون مسيئا لمصر لاحتوائه مشاهد حول الشذوذ الجنسي. ومع ذلك استطاع الفيلم ان يجذب جمهورا كبيرا محققا دخلا وصل الى حوالى عشرين مليون جنيه (3.5 مليون دولار تقريبا)، وهو من الافلام عالية التكلفة في مصر اذ بلغت موازنة انتاجه حوالي 22 مليون جنيه (اربعة ملايين دولار). ميدل إيست أنلاين في 18 سبتمبر 2006
|
أسامة أنور عكاشة: المثقف الآن لا تنطلى عليه ألاعيب السلطة حازم خالد |