تحت وطأة الافلام الهزيلة والهزلية التي تدعي صفة الكوميدية والتي سادت المشهد السينمائي المصري عبر السنوات السبع الفائتة اصبحنا ننظر الى الافلام التي كنا نعتبرها متوسطة الجودة في عقد الثمانينات مثلاً، باعتبارها افضل ما في الامكان ونستقبلها بترحاب وحفاوة شديدين، على رغم أن الثمانينات لم تكن تخلو من اعمال هابطة لكنها لم تكن ابداً بمثل هذه التفاهة ولم يحدث ان منتجيها تهافتوا على تقديم التفاهات كما يحدث الآن.

وينطبق هذا التوجه على فيلم «واحد من الناس» الذي إذا ما وضع في مقارنة مع افلام انتجت في ذلك العقد، لكان حظي بنقد اقل كثيراً مما يحظى به الآن من الناحية النقدية على الاقل. ففي ذلك العقد عرض «احلام هند وكاميليا» (1988) لاحلام الفقراء المجهضة في شكل افضل، وعالج كل من «سواق الاتوبيس» (1983) و»أهل القمة» (1981) الضغوط الاقتصادية والمتغيرات الاجتماعية في صورة انضج، وحتى على مستوى سينما الاثارة والحركة كانت هناك نظرة فلسفية اعمق في «ضربة شمس» الذي نفذ قبل ربع قرن بتقنيات اضعف بكثير مما هو متاح الآن.

لا تتجنى هذه المقدمة على «واحد من الناس» فقط إنما هي تشمل معظم الافلام القليلة اصلاً التي مُدحت نقدياً خلال السنوات الأخيرة، ومنذ ان بدأت موجة التهريج، في إطار ذلك المفهوم الذي نرضى فيه بالقليل تحت سيادة العشوائيات السينمائية التي تجعل اي ناقد يأنف من الكتابة عن السينما المصرية·

فيلم «واحد من الناس» بحد ذاته يحسب له انه اعطى مفهوم الانتقام بعداً جماعياً وليس فردياً أو شخصياً كما في «دائرة الانتقام» (1976) ومن قبله «امير الانتقام» (1950) المأخوذين ايضاً عن قصة الانتقام الشهيرة «الكونت دي مونت كريستو»، ما أكسبه قوة أكبر واهمية مضاعفة وتفاعلاً متزايداً من قبل المشاهدين. فالذين ظلموا محمود بطل الفيلم وقهروه وحطموا حياته واحلامه واحلام زوجته البسيطة في امكانهم تحطيم حياة اي واحد من الناس «الغلابة» بنفوذهم وعلاقتهم القائمة على سطوة المال وفساد الرشوة وشراء ذمم وضمائر شخصيات مؤثرة مثل الضابط رئيس المباحث (محمد شومان). وفي امكانهم التخلص من اي شخص يقف في طريق تحقيق مخططاتهم كما فعلوا مع المذيعة التي تنشد اظهار الحقيقة فأصابوها بعاهة ومع المجند الذي قتلوه بعد تراجعه عن اتفاقه الشيطاني معهم.

اقتصاد فني

من خلال ثلاث لقطات ممتزجة ومتراكبة، وبعد أن يترك محمود ليقرر إما أن يشهد بشهادة الحق أو الزور التي يريدها الكبار الفاسدون، يعبر المخرج الشاب احمد جلال ببلاغة واقتصاد فنيين عن ان ما حدث لمحمود يمكن أن يحدث لأي مواطن آخر، وذلك عندما يصور اللقطة الاولى من زاوية مرتفعة تضم حشداً من المواطنين البسطاء السائرين في أمان لتزداد اللقطة الثانية ارتفاعاً وتضم حشدا أكبر، ثم تأتي اللقطة الثالثة بمجموع غفير من هؤلاء الناس.

في بداية الفيلم نتعرف الى محمود (كريم عبدالعزيز) الشاب الصالح الذي، على رغم حصوله على شهادة جامعية، يعمل مديراً لأمن احد مرائب الفنادق الكبرى، كما نتعرف الى زوجته الشابة الحامل، منة شلبي، وابيه العطار محمود الجندي، والثلاثة يعيشون معاً في سعادة واستقرار في شقة الأب في حي الازهر الشعبي.

خلال إحدى ليالي عمله، يشهد محمود مشاجرة بين شابين من أولاد الاثرياء المدللين تنتهي بقتل احدهما الآخر بسبب صراعهما على فتاة. وتبين أن القاتل هو ابن أحد رجال الأعمال الكبار والمرموقين اجتماعياً: كمال ابو العزم (عزت ابو عوف). يلجأ محامي أبو العزم المخضرم والفاسد (احمد راتب) الى رشوة رئيس المباحث الفاسد ايضاً بمليون جنيه فيتفق هذا بدوره مع المجند (سليمان عيد) الذي يعمل في أمن المرأب نفسه مع محمود على أن يعترف أمام المحكمة أنه هو الذي أصاب القتيل بمسدسه من طريق الخطأ مقابل حصوله على خمسين ألف جنيه.

وكان لا بد من أن يشهد محمود زوراً بأن هذا هو ما حدث لكي تتم هذه العملية التلفيقية خصوصاً أن الضابط يخبره انه سيخرج من قسم الشرطة إما شاهداً أو متهماً.

لاحقاً حين يعلم المجند بخبر موت أمه التي اضطر من لإلصاق التهمة بنفسه ليجري لها جراحة تنقذ حياتها، يقوم بتغيير أقواله أمام النيابة ما يدفع ضابط المباحث والفاسدين معه الى شنقه داخل السجن ليبدو الأمر وكأنه أقدم على الانتحار.

هنا فقط يصر محمود من دون تردد على قول الحقيقة ضارباً عرض الحائط بكل الاغراءات المادية والتهديدات الجادة، لكن ثمن شجاعته كان فادحاً اذ يقتل رجال ابو العزم زوجته البريئة بعد أن وضعت طفلها، وعندما يحاول الانتقام بشكل ساذج بخطف بندقية أحد الجنود وتوجهه لقتل كمال ابو العزم للقضاء عليه، يتهم بسرقة «سلاح ميري» ومحاولة القتل، ويحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات. داخل السجن يتعرف الى حوت آخر من رجال الأعمال زج به من السجن حوت أكبر منه يدعى (المنوفي) وهو على شاكلة كمال ابو العزم، ولأنهما يتقاسمان الظلم نفسه يخططان للانتقام المدمر الذي سينفذه محمود بعد خروجه بمساعدة أموال رجل الأعمال المسجون وترتكز خطة الانتقام على أحداث الوقيعة بين رجلي الأعمال.

نصف ثان

من هنا يبدأ النصف الثاني من الفيلم الذي تتبدى فيه قدرات بلال فضل وموهبته في الكتابة السينمائية التي لا ندري لماذا أهدرها في اعمال مثل «حاحا وتفاحة» و»صايع بحر» و»عودة الندلة» و»وش إجرام»، فهذا النصف الثاني من السيناريو يترك المشاهد في حال متابعة وتركيز لتجميع الخطوط الدرامية المترامية لكنه لا «يتوه» ويخفي عنه حقائق ومواقف ستشفي غليله عندما يكتشف ماهيتها وعلاقتها بخطة الانتقام في نهاية الفيلم.

أحمد جلال مخرج واعد لا بد له من أن يختط لنفسه خطاً خاصاً ذا بصمة شخصية أي على العكس من والده المخرج نادر جلال الذي يعمل بحرفية وكفاءة كبيرتين في كل الأنواع الفيلمية المختلفة لكن من دون تلك البصمة، استطاع جلال التحكم جيداً في ايقاع الفيلم على رغم مدة عرضه الطويلة نسبياً على العكس من زميله الشاب والواعد ايضاً مروان حامد في «عمارة يعقوبيان». كما أنه لم يستعرض بالكاميرا سوى في لقطة واحدة لم يكن لها مبرر درامي أو حتى جمالي وهي تلك التي تحركت فيها الكاميرا على مستوى ملاصق لأرضية المرأب وكأن عين الكاميرا هنا عين حشرة زاحفة الى أن وصلت الى المائدة الصغيرة التي يجلس اليها محمود وزميله المجند. ومن اللقطات الدالة درامياً والتي تتعلق بذكاء فني بصري تلك التي صورت شجرة كبيرة مترامية الافرع في مقدمة الكادر وفي الخلفية أحد الجسور التي تسير عليها السيارات بحركة أسرع من الحركة العادية لتقول إن القيم الاصلية كقيم محمود وأبيه وزوجته هي قيم ثابتة مهما كانت سرعة تغير المجتمع وتحولاته الى الاسوأ.

لكن على طريقة الأفلام الأميركية التجارية افرط جلال في استخدام الحركة البطيئة ولولا الاستخدام الأخير لها مع مشهد إلقاء رجال النيابة العامة القبض على ضابط البوليس المرتشي لكان من الممكن استخدامها في صورة درامية ودالة بشكل أفضل وأهم، بحيث تصبح «ملازماً» لشعور محمود بالخطر من حوله. أوحت الاستخدامات الثلاثة الاولى للحركة البطيئة فعلاً بذلك الميل، فكانت المرة الاولى اثناء واقعة القتل من المرأب والثانية عند تلقي محمود اتصالاً هاتفياً من المذيعة تقول له فيه انها تعلم أنه قام بتغيير أقواله، والثالثة عندما يعلم بوفاة زوجته ويقرر خطف السلاح من الجندي.

كلها بدت من تأثيرات الأسلوب الأميركي التقني، ولكنها نفذت هنا في شكل جيد وطبيعي وهذا هو المهم فأثناء اشتباك محمود مع قوات حراسة فيلا كمال ابو العزم تأتي لقطة لمحمود وهو يستلقي مصاباً على نقالة الاسعاف فيما يكون المشهد ما زال دائراً على الشاشة.

اما شخصية ضابط الشرطة المرتشي بالصورة التي جاءت عليها وبأداء شومان لها فهي من المؤكد متأثرة بنمط الشرطي الأميركي المرتشي المتطرف. وكما يفعل البطل الأميركي المنتقم والمسالم اصلاً بذهابه الى قبر زوجته قبل البدء في تنفيذ خطته ووعده لها بالأخذ بالثأر وهي صورة متكررة في أفلام هوليوود كان أحدثها في فيلم «الصخرة» عندما يذهب اد هاريس الي قبر زوجته واضعاً عليه نيشان بزته العسكرية قبل إقدامه على الانتقام، يذهب محمود الى قبر زوجته واضعاً على قبرها بطاقة بريدية تصور الشلالات عين السلين بالفيوم التي كانت تأمل في زيارتها وكان هذا أكبر حلم في حياتها.

لكن بعد كل تلك المشاهد الكبيرة والمكلفة والمنفذة على مستوى أميركي جيد لإحراق سيارات معرض المنوفي، وكما يقول المثل الشعبي القديم ان «الطبنجة باظت بسب حبة ملح» نجد لافتة على قبر الزوجة مكتوب عليها ولدت العام 1979 وتوفيت العام 2006 والواقع أنها توفيت عام 2003 حيث ان محمود قضى في السجن ثلاث سنوات كاملة بعد مقتلها مباشرة إلا اذا كانت احداث الفيلم تدور في فترة مستقبلية العام 2009 مثلاً. حبة الملح ايضاً بخل بها صناع الفيلم على الاهتمام بالصحف التي كان يقرأ محمود داخل السجن اخبارها عن رجل الأعمال السجين قبل لقائه اذ جاءت هذه الأخبار على ورق ابيض ملصوقاً على صفحات الجرائد أكثر من خمس مرات في صورة واضحة ومستفزة اخذت كثيراً من صدقية الجهد المبذول في العمل ككل.

وعلى طريقة افلام هوليوود بمبالغاتها السلبية ففي مشهد ما قبل النهاية من سيارة ابو العزم التي امطرها رجال المنوفي بطلقات الرصاص واحترقت عن آخرها يخرج محمود حياً سالماً كالشعرة من العجين.

من ناحية أخرى يبدو أن بلال وجلال تذكرا فجأة أن المذيعة بسمة يجب أن تكون تأثرت جسدياً بذلك الانقلاب الكبير الذي حدث لسيارتها في الطريق السريع على أيدي الشرطي ورجال ابو العزم فاظهروها في آخر مشهد لها وهي تسير بنوع خفيف من العرج حتى لا يعلق أحد.

هذا ليس تصيداً لاخطاء الفيلم بقدر ما هو نوع من اللوم لصنّاعه على الاستسهال والاستعجال لكي يلحق الفيلم بموسم الصيف. فهذه الاشياء البسيطة تقلل من قيمة العمل وفي الوقت ذاته كان يمكن معالجتها من اجل الحفاظ على صدقيته، بعض ملامح هذا الاستسهال وردت على لسان ابو العزم في المشهد الأخير داخل سيارته عندما يقول لمحمود «يجب ان تشكرني لانني ادخلتك السجن وإلا لما كنت ستصبح على هذا المستوى من الذكاء» ويقصد الذكاء الذي خطط به للانتقام. هل هذه الجملة كافية لجعل المشاهد يقتنع بان تجربة السجن هي التي منحت هذا الشاب البسيط العادي كل ذلك الذكاء وتلك العقلية الدقيقة والمدبرة في التخطيط والتنفيذ؟

وعلى المنوال نفسه، ولأنه لا يمكن التخلص من البطل مبكراً وإلا فلن يكون هناك فيلم، يقول المحامي لابو العزم في استسهال فج، بل استخفاف بذكاء المشاهدين: «اننا لن نستطيع التخلص من محمود لأن ليس لديه سيارة (كالمذيعة) وليس لديه دافع للانتحار (كالمجند الذي شنقوه)» وكأن هؤلاء الطغاة، بعد كل ما رأيناه منهم على الشاشة وما نسمع عنه كل يوم في الواقع، يمكن ان يقف أمامهم أحد.

الحياة اللبنانية في 15 سبتمبر 2006

 

«واحد من الناس» حقق أعلى الإيرادات والقضايا تلاحقه... بلال فضل متهم بالسطو على سيناريو «تحت الحزام»

القاهرة – أحمد فايق 

تقدم الفنان عباس أبو الحسن بشكوى الى نقيب السينمائيين المصريين ممدوح الليثي ضد المؤلف بلال فضل والمنتجة والموزعة إسعاد يونس والفنان كريم عبدالعزيز والمخرج أحمد نادر جلال، اتهمهم فيها بسرقة سيناريو فيلم «واحد من الناس» من سيناريو فيلمه «تحت الحزام» الذي كتبه منذ سنوات، وسيبدأ تصويره قريباً مع المخرج عادل أديب. وأرفق أبو الحسن بالشكوى نسخة من سيناريو فيلم «تحت الحزام» المرخص له رقابياً، وصورة من التعاقد مع شركة «العدل جروب» على انتاج الفيلم سابقاً وصورة من التنازل في الشهر العقاري، ومقارنة بين سيناريو فيلم «تحت الحزام» وفيلم «واحد من الناس». وطالب عباس أبو الحسن بإثبات واقعة السرقة، وقال عن التشابه بين الفيلمين إن الموضوع يصل الى التطابق في الخط الدرامي للانتقام الذي بُني عليه فيلم «واحد من الناس» مع الخط الدرامي لسيناريو فيلم «تحت الحزام». وطالب عباس أبو الحسن بتشكيل لجنة من أمين عام المجلس الأعلى للثقافة الدكتور جابر عصفور والمخرج علي بدرخان والمخرج خيري بشارة والمخرج شريف عرفة والسيناريست تامر حبيب، والسيناريست محمد حفظي والمخرج رأفت الميهي، والناقد علي أبو شادي رئيسالرقابة على المصنفات الفنية والناقد سمير فريد لقراءة السيناريوين وإثبات واقعة السرقة. وأكد عباس أبو الحسن في مذكرته أن المنتجة إسعاد يونس سبق واطلعت على سيناريو فيلم «تحت الحزام» وأبدت إعجابها به، ولكنه فوجئ بسرقة الفيلم لمصلحة المؤلف بلال فضل. وعقد عباس أبو الحسن مقارنة بين السيناريوين قائلاً في شكواه ان «فيلم «تحت الحزام» يتناول قصة شخص وقع عليه ظلم معين وعجز عن الحصول على حقه لفساد سلطة التحقيق المتمثلة في رئيس المباحث، لذلك سيلجأ لأن ينتقم لنفسه بنفسه». أما فيلم «واحد من الناس» فيتناول شخصاً وقع عليه ظلم وعجز عن الحصول على حقه لفساد سلطة التحقيق المتمثلة في رئيس مباحث فاسد فيقرر أن ينتقم لنفسه بنفسه.

ولخص عباس أبو الحسن التشابه بين السيناريوين في ست نقاط: تطابق شخصيتي رئيس المباحث الفاسد من دون حصول البطل على حقه بالقانون، وسبب الانتقام في سيناريو «تحت الحزام»: مقتل خطيبة البطل، وفي «واحد من الناس» مقتل زوجة البطل، ثم ان قوى الشر في الفيلمين تحركها مجموعة من رجال الأعمال الفاسدين، وتأتي إثر ذلك خطة انتقام البطل من قوى الشر التي بُنيت على فكرة «الانتقام الذكي» وهدم إمبراطورية الشر بإيقاع أطرافها في بعضهم بعضاً بالخديعة والتحايل من دون ظهور البطل في الصورة، وخامساً: ظهور شخصية نسائية صغيرة السن وجذابة تعاون البطل في إثبات الحقيقة، وتحاول قوى الشر إيقاع الأذى بها، وتظهر على شكل محامية في «تحت الحزام» وصحافية في «واحد من الناس»، وأخيراً للبطل أخ في سن العاشرة، وبينهما علاقة خاصة في «تحت الحزام» وفي «واحد من الناس» أيضاً.

وفي المقابل صرح السيناريست بلال فضل لـ «الحياة» بأن ما فعله عباس أبو الحسن طبيعي بالنسبة إليه لأنه «من أعداء النجاح». وأكد فضل أنه قدم شكوى الى نقابة السينمائيين ضد عباس أبو الحسن وقام برفع دعوى قضائية ضده متهماً إياه فيها بالسب والقذف، خصوصاً بعد محاولة الأخير توزيع منشورات تفيد بأن الفيلم مسروق، أثناء العرض الخاص بنقابة الصحافيين. وقال بلال فضل: «ما يثبت أن ما قاله عباس أبو الحسن ليس له أساس من الصحة أنه قال إن بطل فيلم «واحد من الناس» له أخ في العاشرة من عمره وبينهما علاقة خاصة، وهذا غير حقيقي فلبطل الفيلم ابن لا أخ، كما أن الفيصل بيني وبينه هو الفنان كريم عبدالعزيز الذي سبق ورفض فيلم عباس أبو الحسن أربع مرات، فهل كريم عبدالعزيز من الغباء الذي يجعله يرفض فيلماً ويوافق على نص مسروق منه؟».

وأضاف فضل: «التشابه الوحيد بين الفيلمين هو موضوع الانتقام وهذا الموضوع موجود في السينما العالمية وإلا لكان من حق كاتب فيلم «الكونت دي مونت كريستو» مقاضاة واتهام كل أفلام الانتقام الأخرى، أو خرج أنور وجدي من قبره ليطالب بسجن كل المؤلفين الذين أخذوا تيمة الانتقام من فيلم «أمير الانتقام»، وأضاف فضل: «في فيلمي يتورط البطل في شهادة أمام محكمة قتل فيها ابن أحد كبار رجال الأعمال، وحينما يشهد بالحق يقتل رجل الأعمال ابنه وفي فيلم «تحت الحزام» «يُعري» مجموعة جزارين خطيبة البطل ويحاولون اغتصابها ويقتلونها فأين التشابه هنا؟ النجاح يفرض ردود أفعال وحقد لدى البعض وأنا متأكد من أن القانون سيعطيني حقي، مثلما حدث قبل ذلك في فيلمي «أبو علي» و «صايع بحر»...».

ويعلّق صاحب النص عباس أبو الحسن على تصريحات بلال فضل قائلاً: «أعلم أن موضوع الانتقام أو أي مواضيع درامية أخرى ليست حكراً على مؤلف بعينه وإتمام دراستي السينمائية في أرقى الجامعات الأميركية – جامعة نيويورك قسم الإخراج السينمائي – يجنبني الوقوع في زلة الخلط الساذج بين استخدام الآخر للتيمة نفسها وبين ثبوت سرقة روح النص الأصلي، بتغيير أسماء الشخصيات وبعض الأحداث لإبعاد التشابه وإثبات واقعة السرقة الفنية، وما فعله معي بلال فضل سرقة فنية».

ويؤكد أبو الحسن لـ «الحياة» إنه في السنوات العشر الأخيرة لم يظهر سوى فيلم وحيد بموضوع الانتقام كفكرة أساسية للدراما. وأضاف: «وإذا افترضنا جدلاً بتوافر حُسن النية فإن قانون الملكية الفكرية حسم هذه النقطة بالاحتكام الى أولوية التسجيل في الجهات الرقابية، لأن من الوارد تشابه أفكار المبدعين، وتوارد الخواطر ليس مستحيلاً وبالتالي فالحقوق محفوظة للكاتب الأصلي وجريمة السطو وقعت.

يذكر أن فيلم «واحد من الناس» لاقى قبولاً جماهيرياً ونقدياً واسعاً، بسبب حديثه عن الطبقة العليا في المجتمع المصري، والفساد الذي استشرى فيها وتسبب في حنق الطبقة الكادحة. ويحذر الفيلم من فكرة أن الطبقة الكادحة في مصر ستنفجر في أحد الأيام في وجه السلطة ورجال الأعمال الفاسدين. كما يدعو الى ثورة المهمشين في المجتمع المصري. وحقق الفيلم حتى منتصف أسبوعه الثاني إيرادات تقدر بسبعة ملايين جنيه، في حين بلغت كلفته 12 مليوناً.

الحياة اللبنانية في 15 سبتمبر 2006

"واحد من الناس".. سينما ضد الفساد

محمد ممدوح**  

قليلة هي الأفلام المصرية التي تعرض في فصل الصيف دون أن تصنع وفق الوصفة الجاهزة لما يسمى موجة "أفلام الصيف"، وفيلم "واحد من الناس" لكل من المخرج "أحمد جلال" والمؤلف "بلال فضل" هو أحد هذه الأفلام القليلة جدا؛ فهو فيلم حمل مغامرته على كتفه ومشى درب منافسة الصيف الوعرة، وعلى الرغم من اختلافه بل وتناقضه الواضح مع اتجاهات أفلام الصيف الكوميدية الخفيفة أو حتى الأفلام ذات الإنتاج والدعاية الضخمة فإنه حقق نجاحا جماهيريا كبيرا وتقديرا نقديا واسعا.

المغامرة الفنية من صناع الفيلم ليست هي أهم ما يقال عنه، بل ربما الأهم هو أن الفيلم قصيدة سينمائية شجية بها كثير من العمق والرؤية النافذة التي تسبر أغوار المجتمع، وتقدم كشفا عنيفا للتغيرات التي طرأت على المجتمع المصري في العقد الأخير.

حادثة "أركاديا"

يستوحي الفيلم الحادثة الشهيرة التي وقعت في المركز التجاري "أركاديا" في نهاية التسعينيات في القاهرة حينما أطلق أحد الشباب من رجال الأعمال الرصاص على شاب آخر وأرداه قتيلا من أجل صراعهما على إحدى الفتيات. تلك الحادثة التي أفزعت المجتمع المصري وقتها وأيقظته على واقع جديد بلغ فيه نفوذ بعض رجال الأعمال والسياسة قدرا هائلا، وتحول هذا النفوذ تدريجيا إلى تجاهل واحتقار كاملين للقانون في مصر.

لم تكن بشاعة الجريمة أو علانيتها هي سبب فزع الناس بل كان إدراك الوعي الجمعي المصري آنذاك لما تمثله هذه الحادثة وما تشير له من واقع جديد يتشكل، ودولة خاصة بأصحاب النفوذ توجد فوق الدولة. ومن خلال هذا الخيط وعبر مده حتى نهايته قام "بلال فضل" بكتابة قصة الفيلم.

تدور قصة الفيلم حول محمود (كريم عبد العزيز) عامل "الجراج" في أحد المراكز التجارية، خريج الجامعة والمتزوج من فتاة بسيطة تضاءلت أحلامها حتى تلخصت في تغيير ستائر البيت والسفر ليس للخارج بل لمدينة "الفيوم" لتستمتع بشلالات "وادي الريان" (منطقة تقع بالقرب من القاهرة).

يشاهد محمود جريمة قتل يقوم بها ابن أحد الأثرياء (عزت أبو عوف)، ويتم التفاوض مع محمود من رئيس المباحث (محمد شومان) على الشهادة بأن الجاني هو جندي الأمن المركزي صديقه مقابل حصوله على مبلغ من المال، لكن الجندي الفقير الذي رضي بأن يتحمل التهمة من أجل سداد نفقات علاج والدته المريضة يشعر بألا جدوى لاعترافه على نفسه عندما يعلم بوفاة والدته، وعندها يقرر أن يقول الحقيقة، لكنه يقتل في السجن مشنوقا في زنزانته، وقيل إنه انتحر.

على أثر ذلك يقرر "محمود" أن يقول الحقيقة، إلا أن المجرم الحقيقي يقوم بخطف زوجته (منة شلبي) كي لا يكشف سره، فيصر محمود على قول الحقيقة في المحكمة، ولكن المجرم الحقيقي يقوم بقتل زوجته، وعندما يحاول الانتقام من أجل زوجته يتم القبض عليه وسجنه، وهناك يتعرف على أحد ضحايا "كمال أبو العزم" ويتفق معه أن ينتقم من "أبو العزم"، برحلة انتقام طويلة بعدد من الحيل والألاعيب.

"تيمة" الانتقام

يعتمد الفيلم على تيمة الانتقام، وهي تيمة كلاسيكية مستمدة من رواية "ألكسندر دوماس" "الكونت دي مونت كريستو" والتي استلهمتها أعمال سينمائية عالمية ومحلية عدة، مثال ذلك محليا: "أمير الانتقام" و"أمير الدهاء" و"دائرة الانتقام" و"الثأر" وغيرها.

وإذا كانت الأفلام التي تعتمد على تيمة الانتقام تكشف عن صراع ذات مع ذوات أخرى عادة ما تكون أكثر عددا وقوة ونفوذا من أجل تحقيق الانتقام، وهو ما يعني شكلا من أشكال ترجمة الوجود والمساواة بينه وبين الفعل العنيف ونفي وجود الذوات الأخرى الموجودة على الطرف الآخر من الصراع؛ فإن "واحد من الناس" برسمه الجيد لأبعاد حلف المصالح الفاسدة بين السلطة السياسية الممثلة في رئيس المباحث الفاسد الذي يكون مستعدا لفعل أي شيء في سبيل المال، وسلطة رأس المال الممثلة في رجل الأعمال أبي القاتل الحقيقي، مع رجل القانون الذي يستغل ثغرات القانون لصالحه وصالح موكليه حتى لو بشكل غير مشروع أو تقديم الرشاوى.

وهو ذات الحلف الذي أفسد حياة محمود وحولها إلى جحيم فتحولت عبره الرغبة الفردية في الانتقام إلى صرخة مجموعة كبيرة من الشرائح والطبقات الصامتة التي سجنها الفساد واستغلال النفوذ ومجموع الظروف الاجتماعية والاقتصادية داخل زنازين من قهر وظلم تضيق جدرانها الأربعة عليهم حتى حطمت أحلامهم وسحقت عظامهم لكنها لم تسحق رغبتهم في الانتقام.

تمجيد الحل الفردي

الفيلم يقدم انتقادا وهجاء شديدا للسلطة الممثلة في "الشرطة"؛ فبجوار الممارسات غير الإنسانية من تعذيب أو التلويح باستخدام التعذيب، فإن الفيلم يقدم رئيس المباحث مرتشيا، وعلى الرغم من أن تاريخ السينما المصرية مليء بصور النقد إلى الشرطة بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنه في الفترة الأخيرة فقط بدأ تصوير انحراف الضباط على مستوى الفساد فيما يتعلق بالذمة المالية.

ومن الملامح المهمة في الفيلم هو تمجيده للحل الفردي كطريقة لانتزاع الحقوق وإنزال العقاب، وهو ملمح تميزت به سينما الثمانينيات مثل: "أنا اللي قتلت الحنش"، و"الغول"، و"كتيبة الإعدام"، و"الهروب" وغيرها، وهي أعمال فنية اعتبرت ردا على المتغيرات في البناء القيمي المصري بفعل سياسات الانفتاح الاقتصادي وما زامنها من حراك اجتماعي واقتصادي في مواقع الطبقات والشرائح الفاعلة، والتي عملت على سيطرة طبقة معينة بقيمها التي تنكرت للقانون وللأخلاق.

ففي مثل تلك الظروف كما ظروف مصر الحالية، يكون الفعل الفردي هو الحل والترياق، بل إن حقبة الثمانينيات قد بدأت بواحد من أضخم وأكبر الحلول الفردية تمثل باغتيال السادات.

احتمالان

السؤال المهم هنا: هل يعتبر صعود هذه التيمة إشارة لتشابه الظروف الاقتصادية والاجتماعية أم أن الأمر هو محض رغبة في تقديم سينما مختلفة؟ هنا للاحتمالين وجاهتهما؛ فعلى مستوى الظروف الاقتصادية والاجتماعية يتشابه واقع الثمانينيات مع واقع اليوم تماما، فمن الفساد والقيم الاستهلاكية والتحلل الأخلاقي وسياسات "الانبياع" وهو ما يعكس الانفتاح أمام تيار العولمة. كما يعد الاحتمال الثاني متمما للأول، فصناع الفيلم متشبعون بسينما معينة انتصرت دوما للحل الفردي كسينما "عادل إمام" وهذا يظهر في الفيلم عبر مشاهد اقتناص لمجموعة من مشاهد لعادل أمام من فيلم "الحب في الزنزانة"، وهي مشاهد البطل وهو يدخل عالم السجن لأول مرة بدءا من طوابير حلاقة الشعر انتهاء بطوابير قضاء الحاجة.

وهي مجموعة مشاهد تكشف عن براعة المخرج في إدارته لتفاصيل الفيلم خاصة التصوير، حيث حافظ بمساعدة مدير تصويره "إيهاب محمد علي" على صورة تضمن المتعة البصرية وتأدية الدور الدرامي؛ فهذه الكاميرا التي تقترب بنعومة من تفاصيل البيت في أول الفيلم، ومن لقاءات البوح بين الزوجين ما تلبث أن تقترب من الوجوه لاستكشاف الانفعالات خاصة في مشهد رؤية محمود لطفله لأول مرة على جهاز الأشعة التلفزيونية وفي لحظات الحوار، ولكن سرعان ما تصبح محمولة تتحرك بسرعة وباهتزاز في تسريع لما يسمى إيقاع ما داخل الكادر حينما تنعطف أحداث الفيلم نحو المطاردات والمعارك.

إلا أن ذلك الوعي في حركة الكاميرا وتكوين الكادرات وصنع التأثير البصري لم يمنع أن تتحرك الكاميرا في بعض اللقطات في حركات بها الكثير من المبالغة غير المبررة كانت عبارة عن استعراض فني وتقني لم تقبله العين، ولفت الانتباه للكاميرا أكثر ما لفت الانتباه للموضوع.

هذا التأثير العكسي للتقنية لم يقتصر على بعض حركات الكاميرا أو زواياها، بل لحق الأمر أيضا ببعض التقنيات الإخراجية مثل الحركة البطيئة Slow Motion التي اختارها المخرج ليؤكد على معنى درامي معين أو يوجه من خلالها المخرج انتباه وانفعال المشاهد. فقد أسرف المخرج في استخدام هذه التقنية بما لم يكن في صالح الفيلم.

سينما مختلفة

"واحد من الناس" ليس فيلما عبقريا ولا يحمل من المغامرة الفنية أو الجمالية سوى جرأة الاختلاف عما هو سائد في السوق السينمائية الحالية.

غير أن الفيلم يطرح نقطتين: الأولى: تتعلق بتيمة ومضمون العمل السينمائي، والثانية: بنوعية الفيلم في موسم أفلام الصيف.

سيكتشف المشاهد أن بطل الفيلم "محمود" الذي يمكن أن نرمز له "دون كيشوت" نجح في محاربة طواحين الفساد داخل العمل الفني، وانتصر على الفساد والظلم، لكن الحقائق التي تفرض نفسها على الأرض تؤكد أنه لا يمكن لحل فردي أن ينجز خلاصا للمجتمع المصري؛ فأكثر الحلول فردية راوحت مكانها في الفشل والتراجع لصالح قطاعات عريضة في المجتمع.

النقطة المهمة التي يثيرها "واحد من الناس" مع تحقيقه، عند كتابة هذا المقال، لأكثر من 10 ملايين جنيه إيرادات أن الجماهير على استعداد لتتقبل سينما مختلفة جادة تتعاطى مع مشاكلهم وتحلل الواقع وتكشف فساده، وهو ما حاول صناع الأفلام الكوميدية الخفيفة نفيه وجحده.

ولكن هنا ومن خلال لغة الأرقام التي يتحدث الجميع بها نرى أن "واحد من الناس" في المرتبة الثالثة في مجموع الإيرادات في الأفلام المعروضة في موسم الصيف الذي ظل لفترات ملعبا وعرشا لأفلام الصيف الخفيفة فقط لا غير.

** ناقد سينمائي مصري.

إسلام أنلاين في 26 أغسطس 2006

 

سينماتك

 

فيلم على الطريقة الهوليوودية لكنه يسقط في مبالغاتها...

«واحد من الناس».. المقهورون حين ينتقمون من الطغاة

القاهرة - ايمن يوسف

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك