توجد في السينما العالمية عشرات الأفلام السينمائية التي تتحدث عن وقائع وبشاعة الحروب على أنواعها، ولكن من خلال قصص تتمحور حول مصائر الأطفال كضحايا لهذه الحروب، والذين يؤدون في هذه الأفلام دور الشخصية الرئيسة أو « البطولة المطلقة» حسب المصطلح السينمائي الشائع. من أشهر هذه الأفلام العالمية نذكر على سبيل المثال لا الحصر الفيلم الأميركي « إمبراطورية الشمس» للمخرج ستبفن سبيلبرغ، والفيلم البريطاني « أمل ومجد» للمخرج جون بورمان، وهما فيلمان ينتميان إلى السينما التي تولي للحدث أهمية أساسية، وكذلك، وخصوصا، الفيلم السوفياتي « طفولة إيفان» تحفة وباكورة أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي الذي ينتمي، على الرغم من مادته الحديثة، إلى السينما التي تنحو نحو الشعر.

يجيء أحدث هذه الأفلام التي تركز على موضوع الطفولة والحرب بتوقيع مخرج لبناني يقيم ويعمل في السويد هو جوزيف فارس، وهو فيلم «زوزو» الذي تم إنتاجه في العام 2005.

لكن ما سنتناوله هنا ليس موضوع الطفولة والحرب بحد ذاته، بل طريقة معالجته في فيلم «زوزو»، إذ إنه يوجد في فيلم « زوزو» نسبة لا بأس بها من المقاربة المشتركة نوعا ما المتعلقة بأسلوب معالجة هذا الموضوع مع فيلم تاركوفسكي «طفولة إيفان» تحديدا.

ترتبط بفيلم «طفولة إيفان» حكاية مفادها أن مشروع الفيلم عرض على أكثر من مخرج معروف، قدم كل منهم نصه الخاص للسيناريو. غير أن ما من نص حظي بالموافقة، فقد كانت الحكاية الأصلية المرتبطة بمصير الطفل إيفان، الذي تحول إلى محارب شرس أثناء الحرب العالمية الثانية، تفتقد عنصرا ما يجعلها متميزة ولم يكتشفه أي من المخرجين المحترفين. جاء اكتشاف الحل «الدرامي» السحري، البسيط في آن، فقط على يد مخرج تخرج حديثا في معهد السينما هو أندريه تاركوفسكي ورشحه أستاذه في المعهد لتولي عملية إخراج الفيلم، وسرعان ما نال هذا المخرج المبتدئ موافقة لجنة النصوص، مع أنه لم يقترح لتطوير وتعميق الموضوع الأصلي أكثر من فكرة بسيطة، وهي أن يضيف إلى الحكاية مشاهد من أحلام الطفل إيفان وذكريات طفولته السعيدة في أحضان أمه.

هذا الحل بالذات، مع اختلاف التفاصيل، هو ما نعثر عليه في فيلم «زوزو»، وهو ما يشحن الفيلم بعاطفة خاصة ليست موجودة أصلا في وقائع الحكاية التي تفتقر بحد ذاتها إلى الإثارة، ويبرر بعض نواحي الضعف في بنية الحكاية، خصوصا في النصف الأول من الفيلم الذي تجري أحداثه في لبنان في فترة متأخرة من زمن الحرب الأهلية، زمن ما تزال تتساقط فيه القذائف العشوائية على أحياء المدينة.

يتوزع فيلم «زوزو» على مرحلتين متعاقبتين. تجري أحداث المرحلة الأولى في بيروت في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، حيث يعيش زوزو مع عائلته في انتظار إتمام إجراءات الهجرة إلى السويد للانضمام إلى الجدة والجدة اللذين سبقوهم إلى هناك. وفي اليوم المنشود وأثناء الاستعداد للذهاب إلى المطار تسقط قذيفة عشوائية على المنزل تودي بحياة والد ووالدة زوزو وشقيقته، فيما ينجو هو وشقيقه من الموت. ثم أن شقيق زوزو الأكبر يترك زوزو وحيدا بعد أن يخفيه عن أعين مسلحين في قبو منزل مهجور ويعده بالعودة إليه، غير انه يختفي إلى الأبد من أحداث الفيلم. وهذه حكاية ناشزة وكان يمكن الاستغناء عنها كليا.

يتبع ذلك حكاية ناشزة أخرى ترتبط بعلاقة غير مبررة منطقيا وسرديا ودراميا بين زوزو وصبية صغيرة تتعرف عليه صدفة، ثم تأويه سرا في غرفتها وتقرر الهجرة بمعيته إلى السويد، حيث أن بحوزته وثائق السفر وتذاكر الطائرة الخاصة بالعائلة، غير أن والدها يلحق بهما إلى المطار ويعود بها، وبهذا تنتهي قصتها.

تجري أحداث المرحلة الثانية في السويد، حيث يلتحق زوزو بجده وجدته ويدخل المدرسة ويصادق تلميذا سويديا، لكنه بالمقابل يعاني من التفرقة العنصرية التي يمارسها عليه بقية أقرانه السويديين في الصف.

لا يحتوي النصف الأول من الفيلم على أفكار ذات أهمية، ولا يبدو أن المخرج معني بقول فكر ما بقدر ما هو معني بوصف حالة وبتقديم بلاغ. كما لا يحتوي الفيلم على أحداث مثيرة مبنية على قاعدة الصراع الدرامي، فمثلا لا يعرض المخرج أية أحداث تعكس ردود فعل الطفل المباشرة على مقتل عائلته واختفاء شقيقه، ولا يصور عواطفه تجاه الحدث، وكأنه غير معني بالأمر.

تبدو الأمور في النصف الثاني من الفيلم في حال أمتن سرديا وأفضل بكثير من حيث الخطاب، ففيه فكر ضد عنصرية الغرب، وفيه دعوة لمجابهة مصاعب الحياة بشجاعة، وفيه أيضا رفض لمبدأ استخدام العنف في العلاقات بين الناس.

يتضح من هذا السرد الشديد الإيجاز لوقائع الفيلم انه يفتقر إلى ما يسمى في المصطلح النقدي ب «الحلول الدرامية»، وهذه الحلول تعتبر عادة من أساسيات مهارة كتابة السيناريو، وحتى مهارة عملية الإخراج.

غير أن هذا السرد الموجز يغفل مشاهد كثيرة في الفيلم، في نصفيه الاثنين، مشاهد خيالية تعوض عن هذا النقص في تقديم الحلول الدرامية السردية الطابع، لأنها تقدم حلولا أخرى، حلولا فنية وشعرية الطابع. وهذه المشاهد هي التي تتعلق بأحلام الطفل زوزو واستعادته للحظات حنان أمه، وتخيلاته، ومنها تخيله في الجزء الأول من الفيلم للمحادثة المتبادلة بينه وبين صوص عثر عليه في الطريق وهو داخل الوطن وصار صديقا له، وأراد تكرار التجربة، وهو في حالة من الحزن في الغربة، مع حمامة وقفت بقربه، غير أن الحمامة لا تستجيب وتبتعد عنه.

وهذه المشاهد المتخيلة، المتناوبة دراميا مع المشاهد السردية، تؤكد حضور الأسلوبية الفنية المجاورة، لكن المغايرة للأسلوبية الواقعية التي اعتمدها مخرج الفيلم لتصوير أجواء بيروت والسويد وإخراج مشاهد تساقط القذائف العشوائية والدمار الناجم عنها (وهو بالمناسبة صور هذه المشاهد الواقعية ببراعة وحرفية متقنة، وكذلك فعل بالمشاهد الخيالية)، تلعب دورا في تحويل البنية السردية الدرامية للفيلم إلى بنية شعرية درامية، عن طريق استبدال الحل الفني، أي المقارنة بين بشاعة الحرب وبراءة الطفولة، بالحل الدرامي القائم على صراع الشخصيات وتقلبات الأحداث، بما يؤدي إلى إحلال الفكرة والتأثير العاطفي محل الإثارة الحدثية.

* ناقد سينمائي أردني

الرأي الأردنية في 14 سبتمبر 2006

 

تظاهرات المؤسسة العامة للسينما في سورية:

هل تعيد أطياف الشجن احياء الطقس السينمائي الغائب منذ السبعينات؟

يارا بدر 

دمشق ـ القدس العربي تعود المؤسسة العامة للسينما لتقدّم تظاهرة سينمائية جديدة، تستمر من 6/9 ولغاية 18/9/2006 تحت عنوان علي بساط السينما.. أطياف الخيال والشجن ، وتعرض فيها ما يتجاوز الأربعين فيلماً.

علي عادة مثل هذه التظاهرة فالغلبة فيها للانتاج الامريكي، وتتراوح الأفلام ما بين الرعب والكوميديا الرومانسية، مع بعض الأفلام الاستثنائية، وحضور لفيلم من تقنية الانيميشن بعنوان العروس الميتة .

واحد من أبرز الأفلام هو فيلم ليلة سعيدة وحظاً سعيداً للممثل والمخرج الامريكي جورج كلوني، المعروف بمواقفه السياسية المعادية لسياسية الرئيس بوش . كلوني الذي رُشح عن هذا الفيلم لجائزة أفضل مخرج، كما نال هذا العام في حفل توزيع جوائز الأكاديمية الامريكية للعلوم السينمائية أوسكار أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم سيريانا Syriana وفي كلا العملين تحضر السياسة بقوة.

الي جانبه كان فيلم بلاد الشمال North Country الحائز علي أوسكار أفضل ممثلة، النجمة الجنوب أفريقية تشارليز ثيرون في دور أعادها من جديد الي قائمة المرشحين للأوســــكار بفئة أفضل ممثـــــلة بدور رئيسي، عن امرأة في منتصف القرن الماضي العشرين تثير أثناء بحثها عن لقمة العيش قضايا تحرر المرأة وعملها وحق مساواتها بالرجل، هذا الباب الذي فتحته نورا بنص أوغست سترندبرغ المسرحي منذ بدايات ذاك القرن، ولم يغلق حتي اليوم.

البرهان Proof فيلم عن العقل ومتاهاته الفكرية وراء الحسابات الرياضية والمشاعر الانسانية، حين تغيب الذاكرة وتسحب معها عبقرية عالم الرياضيات أنطوني هوبكنز مفسحة المجال لشيخوخة قاسية في اضطرابها، تحاول ابنته غوينث بالترو اعادة لملمة الماضي وضبطه، لكن البرهان يبقي حاسماً لكل الالتباسات.

وهنا نذكر بأنّ المخضرم هوبكنز بطل أفلام غدت خالدة مثل أساطير الخريف، اتلانتس، صمت الحملان... وسواها، كرمته أكاديمية العلوم السينمائية بأوسكار فخري عن مُجمل أعماله، قدمته له النجمة الحائزة علي الأوسكار 1999 عن دورها في شكسبير عاشقاً غوينث بالترو. أفلام أخري سنتوقف معها لاحقاً، تأتي من خارج امريكا، وأبرزها ميلاد مجيد .

يعيدنا فيلم الافتتاح تاريخ العنف الي السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي الدولي، هذه السعفة التي ما زالــــت تحاول الحفاظ علي تاريخها العريق كشعار يتألق للتفوٌّق السينمائي خارج سيطرة الحـــــسابات الســياسية، بعد الاضطــــــراب الـذي عانته علي هذا المســــتوي منذ أحداث 11/9 التي لم تغب.

ذكر محمد الأحمد المدير العام للمؤسسة العامة للسينما بدمشق تعليق المخرج الكبير أمير كوستاريكا الذي ترأس بنجاح الدورة الماضية لمهرجان كان السينمائي الدولي (2005)، حول هذا الفيلم حين سئل عن سبب اختياره لجائزة لجنة التحكيم الخاصة، فقال: انه فيلمٌ عن الحب .

ويكمل الأستاذ محمد: هو فيلمٌ عن الحب الذي يتجاوز العشق بين المرأة والرجل، الي حب الأسرة والمنزل، والتباسات أشكال الحب .

ديفيد كروننبرغ المخرج الامريكي الذي يعرفه البعض بأفلام مثل منطقة الموت The Dead Zone 1984 الحائز علي جائزة النقاد في مهرجان افورياز الدولي للأفلام الخيالية، و العنكبوت (2002) يقدم فيلمه الجديد تاريخ العنف المأخوذ عن رواية جون فاجنر وفنيس لوكيه ، فيلم عن عائــــــلة أميركية من الطبقة الوسطـــــي، توم الذي يلعب دوره الممــــــثل الامريكي فيجو موتنسن بطل ثلاثية مملكة الخواتم الشهيرة، هو رب العـائلة وصاحب مطعم صغير في أحد المناطق الامريكية التي تعرف بالضواحي، أو هي تشبه القرية الصغيرة التي يعرف أبناؤها بعضهم بعضاً بشكل ٍ جيد، يعيشون حياة ً بسيطة ويدافعون عن بعضهم بشراسة. يتعرّض مطعمه في أحد المرّات لهجوم شابين لا يوصفان بأقـل من القتلة الذين يستلذون بالقتل، فيضطر للدفاع عن مملكته وسكانها، مما يفتح أبواب دفاعات أكبر وأعمق، دفاعات ٍ لردع الماضي من العودة، للحفاظ علي سكون الحياة الآن وهدوئها، وأخيراً لانهاء الماضي بالشكل الصحيح.

في تصريح لصحيفة لو فيغارو الفرنسية، يقول المخرج كروننبرغ : أنا لم أشعر بالتشاؤم من فكرة الفيلم أو مشكلة العنف، كما قيل في الصحف، ولكن بما أنني مخرج درامي في الأساس فقد جذبتني للغاية الصراعات الموجودة في القصة، فالصراعات كما يقول جورج برناردشو وقود الدراما، ويكمل: (لم يعجبني السيناريو الأصلي، فطلبت من السناريست جون وينر اجراء تغييراتٍ علي القصة، حين أعدنا الصياغة جذبتني البساطة في تناول الأحداث، فتظهر القصة وكأنها قصة انسانية مليئة بالمشاعر علي الرغم من أنها قائمة علي العنف والصراع). وفي لقاء ٍ آخر يقول: (الانسان مزيج من الخير والشــــــر، وفي هذا الفيلم كنت مهتماً باظهار نوع ٍ من التوازن في الشخصيات، فأنت اذا صفقت للعنف بذاته لاقتناعك بدوافعه، ستصفق في النهاية لنتائجه المؤلمة).

دقة عالية وايقاع هادئ في التنفيذ، مع براعة احترافية في التعامل مع الكاميرا والفضاء، كل هذا ساعد المخرج ليرسم ساحة الصراعات الداخلية، التي تعصف بقوّة ولا تظهر الي الخارج الا في لحظاتٍ، آخذة مختلف الأشكال، بدءاً من القتل الي الحب العميق الخائف الذي قد يأتي في لحظة انفجار علي شكل العنف الجسدي الملامس لحدود الاعتداء، الي التوتر الداخلي الملموس في الحركات والتنفس، في سيمياء الجسد ومساحاته، وصولاً الي الكوابيس مروراً بالنظرات واللغة.. وفي النهاية يبقي الجسد البشري علي صلابته وهشاشته حاملاً وهدفاً لكل تمظهرات العنف.

الا أنّ النموذج الامريكي لأفلام الاثارة والتشويق الذي يفرض ماهيته الخارقة بشخص البطل السوبرماني ، هذه الروح تؤثر سلباً علي ايقاع الفيلم وانسجامه الهارموني، فمظاهر العنف الداخلي تنجح في كثير من الأحيان في فرض مصداقيتها المؤلمة علي الأبطال وعلي المشاهدين، حتي تأتي اللحظات السوبرمانية للبطل توم التي تعيدنا بازعاج الي أفلام أرنولد تشوارزنيغر ، وتكسر الحالة الانسانية التي تلامس بشفافيتها أعماق المتلقي الهادئة منها والصاخبة، حتي لتغدو ماريا بيلو في دورها كزوجة تـــــــوم، هي البطل الحقيقي التي تلتقط ماهية العنف المطروح وتعكسها برقة انسانية وأداء تمثيلي عالٍ.

يؤكد كروننبرغ أنّ ما يعرضه الفيلم هو صورة حقيقية لما يحدث في امريكا، (هو مرآة تعكس العنف الامريكي في نواح مختلفة، حتي لو كنت تناولته بشكل فانتازي، الا أنه يجسّد جزءاً من السياسة الامريكية والعنف الجاري) بمعني دفاع الرئاسة الامريكية عن مملكتها- الآمنة!!- يخولها حق ممارسة سلسلة قاسية من الانتهاكـــــات الانسانية الوحشية بحق الكثيرين من البشر، هذا المنطق في الحماية والدفاع يرفضه ديفيد كروننبرغ برؤيته السينمائية الخــاصة، ويعيد من ناحية أخري الي الأذهان مجموعة كبيرة من الأفلام الاستثنائية التي تناولت اشكالية العنف الانساني الفردي والجماعي في امريكا، اذ غدا العنف شكلاً من أشكال الوجود اليومي للمـــــواطن الامريكي، أفلام ذات انتاج هـــــوليوودي كفيلم أوليفر ستون: قتلة بالفطرة أو ذات انتاج مستقل كفيلم غاس فان سينت: الفيل .

في الختام، نذكر بأنّ التظاهرات السينمائية العديدة التي شهدتها دمشق المنسية/ الغائبة، ونذكر منها تظاهرة السينما الأوروبية ، تظاهرة عيد السينما العالمي التي سبق للقدس العربي أن تحـــــدثت عنها، هذه التظـــاهرات المجانية التي تستضيفــــها سينما راميتا بدمشق، وترعاها وزارة الثقافة، هدفت الي اعادة احياء الطقس السينمائي الغائب، ونتساءل والاستعدادات قد بدأت تتسارع لمهرجان دمشق السينـــــــمائي بدورته العام القادم، هل تكفي هذه التظاهرات وحدها، مع غياب الصالات، ونوعــــــية الأفلام المتوسطة التي تعرضها الصالة اليتيمة اللائقـــــة سينما الشام ، ومع ارتفـــــاع أسعار بطــــــاقات هذه السينما نسبة ً لدخل المواطن السوري وحاجاته، دون أن ننسي ضعف الانتاج السينمائي السوري، وتوفر الامكانيات التقنية كالـ D.V.D وC.D وسواها.... مع كل هذا وذاك، بل وأكثر، هل يعود الطقس السينمائي؟!

يبقي الأمل، والشكر للأستاذ محمد الأحمد الذي ما زال يعمل علي هذا الأمل، رغم خفوته الشديد.

القدس العربي في 15 سبتمبر 2006

رومان بولانسكي ينزح إلى الأدب مجددا

عرض غير معلن لثلاثة أفلام

محمد رضا 

عرض غير معلن تم لثلاثة أفلام في مهرجان تورنتو هذا العام هي “الجنرال روفير”، للمخرج الإيطالي الكبير الراحل روبرتو روسيلليني حققه سنة 1959 وحصد به جائزة مهرجان “فانيسيا” الأولى في ذلك العام، وهو واحد من 24 فيلماً سيعرضها “السينماتيك الكندي” احتفاء بالمخرج الملقّب عن جدارة ب “أبو الواقعية الجديدة”.

الفيلم الثاني هو “حياة ساكنة” الذي خطف الجائزة الأولى من فانيسيا هذه السنة. والفيلم الثالث نسخة كاملة لفيلم المخرج رومان بولانسكي “أوليفر تويست”. النسخة التجارية كانت جالت عدداً محدوداً من العواصم هذا العام، لكن النسخة التي شوهدت هنا تردد أنها خاصّة بالمهرجان وبمثابة هدية. لكن في الحالتين هناك اسئلة أثارها النقاد الذين شاهدوا هذه النسخة أو تلك.

أحد الاسئلة التي كررها العديد من نقاد الغرب هو “لماذا هذا الفيلم؟”. إنه سؤال بالغ الغباء حتى ولو كان الفيلم رديئاً. أما وأنه ليس فيلماً رديئاً فإن السؤال غبي وسخيف في آن. “أولير تويست” لا يكون إنجازاً فنياً متساوياً لدى الجميع، لكنه عمل آخر من عند المخرج بولانسكي يعمد فيه الى إظهار تقديره وحبّه للروايات الأدبية الجادة، تلك التي أخرج منها حتى الآن عدّة أعمال جيّدة. فيه يؤم المخرج كل التفاصيل الفنية للعمل بإتقان جيّد، وينقل الأحداث التي وصفها المؤلف تشارلز ديكنز بأمانة لمعظم الوقت. الى ذلك، هو فيلم نموذجي آخر يتسلل فيه رومان بولانسكي الى الشأن الذي لا يكاد يفارق أعماله: العنف في البشر.

تسلل العنف الى معظم ما أخرجه رومان بولانسكي من أفلام منذ تحقيقه فيلمه الروائي الطويل الأول “سكّين في الماء” سنة ،1962 إلى اليوم. في السنوات الخمس عشرة الأولى من مهنته، تجلّى هذا العنف بصرياً كما تشرّبه الموضوع وشخصياته، لكن في السنوات اللاحقة والى اليوم، فإن هذا العنف بات أكثر توغلاً في الموضوع منه ظاهرياً. و”أوليفر تويست” فيلم سوداوي عنيف. هذا العنف موجود في عالم تشارلز ديكنز ولم يكن على بولانسكي الا أن يتبعه بأمانة، وهو كان موجوداً في “ماكبث” حينما اقتبسه بولانسكي سنة 1971 عن مسرحية شكسبير. الرابط بين الفيلمين المتباعدين زمنياً هو اهتمام بولانسكي بالأعمال الأدبية، “ماكبث” كان الأول، “أوليفر تويست” الأخير (الى الآن) وبينهما “تس” (1979 - عن رواية توماس هاردي)، “البوّابة التاسعة” (1999 - عن “نادي دوما” لأرتيرو بيريز - رييرت) و”عازف البيانو” (2002 - عن رواية لاديسلا شبيلمان). و”عازف البيانو” و”أوليفر تويست” يتميّزان عن باقي الأفلام التي اقتبسها بولانسكي عن الأعمال الروائية الكلاسيكية في أن السيناريو لهما وضعه ابن ال 17 سنة شباباً رونالد هاروود: أمين للنص، مخلص للعمل ومتوغّل في التفاصيل الرئيسية. لكن إن كان شغل بولانسكي على “عازف البيانو” يبدو بالمقارنة مع هذا الفيلم أكثر اتصالاً بالخاص، فلأن الهولوكوست مسألة يتحسسها بألم كونه يهوديا ما يضيف ثراء الذات على الموضوع المنتخب. رغم ذلك، “أوليفر تويست”، وعلى عكس ما ذهب اليه بعض النقاد الغربيين، هذا الفيلم لا يخلو كذلك من صلة شخصية وإن كانت غير عاطفية (ولمعظم الوقت غير تعاطفية) ففي “أوليفر تويست” شخصية الشرير اليهودي فاجن (بن كينجسلي) الذي يدير عصابة الأولاد اللصوص. وكما أن بولانسكي مارس ضبط نفس رائعاً في “عازف البيانو” مستغنياً عن تحقيق فيلم عاطفي باهت وساذج عن الهولوكوست، مفضّلاً العميق على الدعائي، مارس ضبطاً موازياً هنا. فاغِن لا يزال اليهودي الذي لا تبرير لأفعاله المشينة، لكنه ليس شخصاً مُنمّطاً على إثارة الكره او الرعب. هذا تنازل عن الرواية كما عن الشخصية كما رسمها دييد لين وأدّاها إليك جينس في نسخة 1948 في نهاية “أوليفر تويست” الحالي، عندما يزور أوليفر فغان في السجن، يعطي بولانسكي أوليفر عبارة صغيرة ليست موجودة في الرواية تقول “كنت حنوناً معي”. قراءة بولانسكي بذلك تختلف عن قراءة المؤلّف لها، لكنها ما زالت، درامياً وسينمائياً، مقبولة تبعاً للحرية المحسوبة التي يستطيع المخرج التمتع بها إذا ما أراد ممارسة رؤيته هو لما ينقله عن الكتاب.

“أوليفر تويست” ذلك صبي في حوالي الحادية عشرة من العمر، يدخل مؤسسة رعاية ترأسها حثالة من القساة يبيعونه للعمل في منزل رجل ميسور حيث يُهان ويتعرّض للضرب على يدي من هم دون رب البيت الذي لا يريد أن يرى، فيهرب ويمشي الطريق الطويلة الى لندن. يكاد يقضي لولا نجدة امرأة عجوز تطعمه وتحاول أن تؤويه، لكنه يهرب مرة أخرى وبوصوله الى لندن جائعاً ووحيداً يلتقطه صبي أكبر منه ويعرّفه على فاجن (كينجسلي) الذي يضمّه لحفنة الأولاد التي يديرها للسرقة والنشل. حين يلجأ أوليفر لبيت أحد ميسوري المدينة اسمه براونلو ويستقبله بالإحسان، تستردّه العصابة التي يشارك إدارتها رجل شرير الى الحد الأقصى هو بل سايكس (جامي فورمان) الذي يهدد أوليفر بالقتل إذا لم يمتثل لأوامر العودة الى ذلك البيت للمساعدة في سرقته لكن الفتاة الشابّة نانسي (ليان راو) تتدخل لإنقاذ حياة الصبي وصولاً للنهاية التي تشهد مقتل سايكس.

أوراق ناقد ... الفيلم ثم الفيلم

أمس، عند الساعة التاسعة مساء، كان عليّ الاختيار بين أن أقف في صف الانتظار لدخول فيلم “هانا” الياباني وأن أحضر حفلة أقيمت لأعضاء “مراسلي هوليوود الأجانب” من قبل مجلة “إن ستايل” الأمريكية.

إنها ليست حفلة مثل كل الحفلات، هذه أكبر، المدعوون إليها منهم النخبة وبينهم نجوم سينما ومخرجون ومنتجون، وتُقام على شرف الجمعية التي أنا عضو فيها. الى ذلك، حين الخروج تستلم حقيبة مليئة بالهدايا.

الحفلة تبدأ في التاسعة ليلاً وتنتهي في الساعة الثانية بعد منتصف الليل. وكان عندي اختيار من اثنين. أن أؤم الفيلم على الحفلة بداعي أنه فيلم لن يعرض تجارياً في أي مكان وأن عملي الذي أقتات منه ليس حضور الحفلات بل مشاهدة الأفلام، أو أن أؤم الحفلة على أساس أن العمل بلا راحة ليس جيّداً وأن كل مهني عليه أن يلهو ويرتاح ويستمتع بالحياة التي تجري بين الأصابع.

فكّرت لخمس دقائق بعدها توجّهت الى الفيلم طبعاً. وقفت في الصف الذي كان يزداد طولاً. وجاءت مسؤولة في الساعة التاسعة والثلث إلى الصالة لتخبرنا أن موعد العرض تأخر نصف ساعة بسبب أن الفيلم الذي قبله تأخر أيضاً. كانت هذه هي فرصتي لأعيد النظر. أعدت النظر. لكني بقيت واقفاً في مكاني.

بعد قليل نظرت الى مدة عرض الفيلم. وجدته مؤلفاً من ساعتين. أي إذا دخلنا بعد نصف ساعة (العاشرة الا عشر دقائق) وبدأ الفيلم في العاشرة فإني سأخرج في الثانية عشرة في منتصف الليل. أستطيع - قلت في نفسي- التوجه الى الحفلة. أكون بذلك حضرت الفيلم والحفلة. ابتسمت لهذا الخاطر لثلاث دقائق ثم تذكّرت أن عندي الصفحة اليومية التي أكتبها ل “الخليج” عن المهرجان، وهذه - تبعاً لفارق الوقت - عليها أن تُكتب وتُرسل قبل التاسعة صباحاً. إذاً، الفيلم، ثم الفندق، ثم الكتابة، ثم -في التاسعة والنصف صباحاً- الفيلم الأول لليوم التالي.

“م.ر”

الخليج الإماراتية في 15 سبتمبر 2006

 

«لسعة حامض» في الافتتاح.. والمناسبة تسعى لتصحيح مفهومها

17 دولة تشارك في مهرجان الفيلم المتوسطي القصير

طنجة ـ حسين قطايا 

انطلقت مساء الاثنين الماضي فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان طنجة السينمائي للفيلم القصير المتوسطي، بمشاركة 17 دولة ومئة فيلم، 90 منها في المسابقة الرسمية، و12 عملاً في مسابقة سينما الهواء الطلق الخاصة بالأفلام المغربية، التي سيعرض لها أيضاً، فيلم في نشاط مواز تحت عنوان «بانوراما»، علماً أن كل الأعمال المعروضة هي من إنتاج السنة الحالية.

وحضر حفل الافتتاح الذي أقيم برعاية الملك المغربي محمد السادس شخصيات إدارية وثقافية وفنية كثيرة، إضافة إلى النجم الرياضي هشام الكروج صاحب ذهبيات عدة في الألعاب الأولمبية، وافتتح العروض فيلم «لسعة حامض»

من إخراج جون فرنسوا أميكي السويسري، واشتركت في المسابقة الرسمية، إسبانيا، البانيا، الأردن، البرتغال، الجزائر، اليونان، إيطاليا، تركيا، تونس، فرنسا، فلسطين، لبنان، كرواتيا، مالطا، والمغرب الذي اشترك في المسابقة الرسمية بثلاثة أفلام فقط.

تكريماً للسينما اللبنانية وللشعب اللبناني، بعد محنته جراء العدوان الإسرائيلي الأخير عليه، منحت إدارة مهرجان طنجة اليوم الأول من عروض المسابقة الرسمية إلى الأفلام اللبنانية الثلاثة المشاركة في المهرجان، فعرض فؤاد ورنا سالم «أول طابق على اليمين»،

الذي بدا عملاً مدرسياً وهو في الأصل كذلك، ولم توفق لجنة الاختيار بوضعه في المسابقة الرسمية، والحال ذاته ينطبق على «بدكن شي..ت»، ووحده بين الأعمال اللبنانية يستحق الذكر هنا في طنجة «إلى اللقاء» للمخرج فؤاد عليوان، وهو عن حياة عائلة لبنانية مهاجرة إلى سويسرا.

لسعة حامض

فيلم الافتتاح للمخرج السويسري جون فرنسوا اميكي صور بالأبيض والأسود في 91 دقيقة من حياة ممثل يهدده المرض فجأة بفقدان بصره، فيقرر المواجهة بالرفض كان يعيش في الماضي عبر استرجاعه له وتغيير معالمه المحزنة واستبدالها بالسعادة، في مرافعة عن الذات وعن ملكية الانسان لحواسه المهددة على الدوام بالفقدان والموت.

واختار مخرج الفيلم رؤية جريئة لتصوير «لسعة حامض»، فاستمد الأبيض والأسود كرمز بصري للذاكرة، وأدار كاميرته كأنها تلتقط صوراً فوتوغرافية، كمقابل مع فقدان البصر، يبدو الفيلم كثلاثة رؤوس في رأس واحد، يضم الماضي والحاضر بوصفهما مستقبلاً،

و«الممثل» وعلاقته مع الذات جسدا وروحاً، والكاميرا كعين تتأثر ببصيرتها الداخلية.«لسعة حامض» يشي بأن ولادة لسينما ممتازة تتوفر على الدوام، إذا كان الصانع ينتمي بصدق إلى قضية السينما.

أفلام المسابقة

أما الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية فهي: «واجب في الفصل» (ايطالي) من إخراج دانييل كاسيلا، 30 سنة من المغرب إخراج محمد طريق، «الستيرنة» من إخراج التونسي الاسعد وسلاتي، خطوات جان، للفرنسي نيكار دجفادي، قطرات من الثلج (اسبانيا) إخراج روبير بودينا، «ريح الشمال» للتركي بيلما باس، «ياسمين تغني» من فلسطين،

إخراج نجوى نجار، «صوت الموج» إخراج انغونسيوس ساموراكس، «الغذاء» من البرتغال، اخراج خيديون نيل، «بدون ذاكرة» اخراج ايما نويل بوكليس، «حابة فلوس» (تونسي) إخراج أنيس الأسود، «الندي يتوجب فعله» من الجزائر اخراج كريم موساوي، (انسجام) اخراج خوسي ماري كويناكا، «مولد» اخراج ليوناردو نوافو، «بدون دعابة» حميد سايجي، «ذات اليد اليمنى»البيرتو سانتوس،

«فطير بالشوكولا» ماريو إبينوزا «الجناح 66» «مالطا» إخراج مشترك بين انجليك مولرخ وكاثلين تانتي، «خدم» (كرواتيا) إخراج دورافكو موتساك، «عن قرب» إخراج يوسف هشام من مصر، «وراء الوجوه» إخراج أيهم عرسان من سوريا، «مشنقة نوفمبر» إخراج يان لومينيو، نوافذ الجزائر» إخراج حسن فرحاني، «متأخر» إخراج إيمان النجار،

«القميص الأزرق» إخراج نيكوس تزير مارسيس، «ثتان» علا طبري، «جنحة من دون قصد» إخراج لوك ووترز، «السرير» إخراج حمادي مرافة»، «القبطان ريزا» إخراج تولكا ديلز، «صباح الفل» شريف البندري، «ماذا عن الحب في الجبل» يونس إمراي فريت، «حياة موازية» فرنشسكو بالدينو، «شعرك الأسود إحسان» تالا حديد، «كازا» علي بنكيران، «ياسمين» ماريو كاروفالو، و«شرار» من الأردن إخراج صالح قاسم وحازم بيطار وعمار قطينة.

«القصيرة» فن مستقل

الأفلام القصيرة نوع سينمائي له خصوصيته وشروطه الفنية، وليس كما يفهمه البعض على أنه حالة قاصرة عن إنجاز الفيلم الطويل، وهذا خطأ شائع «شعبي» يخلط مثلاً بين القصة والرواية، وبين كاميرا التلفزيون والكاميرا السينمائية، برؤية مسطحة للأمور في البلدان العربية وغيرها،

مما يفتقدون للفنون البصرية الراسخة، ففي أوروبا ينتج سنوياً ما يقارب ثلاثة آلاف فيلم قصير سنوياً، وأكثرها مدعومة من القطاعات السينمائية الرسمية والخاصة، وكذلك تعرض هذه الأفلام في صالات معدة لهذه النوعية الثقافية في الغرب،

بسبب أن هذه السينما ليست تجارية البتة، ولا تهتم بالسوق من ناحيته الاقتصادية، فبالنسبة لها السوق يساوي الجمهور، الذي يجب عليه أن يسعى للوصول إلى هذه السينما كما هي تسعى للوصول إليه من دون وسائط وقنوات اقتصادية، فالعرض هو محض ثقافي وفني بالضرورة.

البيان الإماراتية في 14 سبتمبر 2006

 

سينماتك

 

فيلم «زوزو»

نموذج حلول فنية لموضوع درامي

بقلم : عدنان مدانات

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك