سوف تتذكر بيروت والضاحية الجنوبية والنازحون في حديقة الصنائع بأن الممثلة رغدة كانت الشخص العربي الأول الذي قصدها عن طريق البر رغم كل ما كان يحيط بالطرقات من مخاطر. أتت رغدة الي بيروت وهي تحمل الكاميرا لتعاين حقيقة ما جري ويجري في لبنان. سبقت حتي وزراء الخارجية العرب. أمضت أياماً في الضاحية الجنوبية تصور ما خلفته آلة الدمار الاسرائيلية من وحشية في أحيائها. التقت النازحين، زارت المستشفيات، وشعرت عن قرب بأهمية الصمود الذي أحرزه الشعب اللبناني ومقاومته.

مع الفنانة رغدة كان هذا الحوار قبل عودتها الي القاهرة:

·         حملت الكاميرا وجئت الي بيروت وهي تواجه أعتي عدوان صهيوني لماذا؟

وجودي ضروري في بيروت في هذه اللحظات بالتحديد، وليس من الضروري أن آتي الي بيروت للاصطياف والتسوق. بيروت تنادينا لنكون معها في مناخ العزة والكرامة الذي عاشته وتعيشه. كما أنا هنا لتسجيل فيلم عن ما ألحقته آلة الدمار الاسرائيلية بالضاحية الجنوبية ولبنان بشكل عام. لديّ اتفاق مع بعض المحطات التلفزيونية الأوروبية لبث الفيلم الذي سجلته. تسجيل هذه المرحلة وتعريف الناس بها مهم جداً. ومن جهة أخري شعرت بأن وجودي بحد ذاته بين الناس في الشوارع علي درجة من الأهمية. ربما يكون ذلك احساساً بالمؤازرة علي المستويين النفسي والمعنوي. في اعتقادي أن الشارع اللبناني يحتاج هذه المؤازرة من الجميع.

·         وماذا طرأ عــلي رغدة علي الصعيد النفسي والسياسي في خلال وجودها في بيروت؟

منذ دخلت الحدود اللبنانية من جهة البر شعرت بالأمان. ويمكنني القول بأني كنت تعبة جداً خلال وجودي في القاهرة. لكني أمضيت الوقت في العمل الجدي بحثاً عن تأمين الحاجات الضرورية للأطفال ومنها الأدوية والتي تم تأمين كميات منها وصلت علي متن أول طائرة مساعدات مصرية الي بيروت. فنحن منذ بدء العدوان شكلنا لجنة من السيدات والرجال وبدأنا العمل.

·         في مواقفك هذه هل تتحركين كفنانة أم كانسانة؟

لست أتحرك كفنان وان كان الفنان يفيدني في مثل هذه المواقف. أن يكون الفنان في قلب الحدث فهذا ما يحرك أجهزة الاعلام فتكشف الكثير من الذي يدور في دائرة هذا الفنان. انه في الحقيقة موقف انتماء لهذه الأرض العربية كلها. لقد علمتني والدتي أن الحياة وقفة عز رحمها الله.

·         في تاريخك أيضاً زيارات للعراق حين كان محاصراً وكذلك زيارات لليبيا لماذا؟

انها فرصتي لأقف وقفة عز جديدة. في يوم من الأيام كان الشعب العراقي في حال من الألم لاحساسه بالتخلي من قبل الاخوة العرب. كان هذا الشعب يجد الضيف القادم اليه منة من السماء. كذلك هو الأمر بالنسبة لبيروت ولبنان الذي قطّعت اسرائيل أوصاله. بالأمس عندما كنت أصور شاطئ الرملة البيضاء الذي أصبح أسود قال لي الشباب الذين التقيتهم هناك أنهم يشعرون بعمق مشاركتي معهم. المشاركة تقليد عربي أصيل في الفرح والحزن، وهو احساس مطلوب لأنه يعزز موقف الأخر.

·         الي متي يعود ارتباطك الوثيق بالقضايا القومية؟

وعيت القضية الفلسطينية منذ سنة 1967وكنت حينها في عمر الطفولة. عندما وقعت الحرب تركنا منزلنا قسرا وأفترقنا أنا واخوتي وبقيت مع عائلة لا أعرفها في قرية شِلّف. هناك عانيت الكثير، في تلك المرحلة شعرت بأن طفولتي أغتصبت معنوياً. مخزون طفولتي مرير وهو الذي أدي بي الي مثل هذه المواقف والمواقع.ومن ثم تراكمت الثورة وكبرت كثيراً بمقدار تضخم الظلم اللاحق بشعوبنا.

·         هل تمكنت من التعبير فنياً عن هذا الغضب؟

كفنانة عبرت قدر المتاح لأني لست منتجة. كان لي شرف المشاركة في أفلام منسجمة مع موقفي النفسي والانساني. أنا محظوظة لأن أول ظهور لي علي شاشة التلفزيون كان في مسلسل بعثة الشهداء وذلك سنة 1981 وهو يحكي ما يحدث اليوم علي أرض لبنان. ثم كانت لي مشاركة في ليلة سقوط غرناطة وهو مسلسل من حوار محفوظ عبد الرحمن ويتحدث عن كيفية بيع غرناطة في سوق الجواري.

·         كما تم بيع لبنان في هذه الحرب؟

وقبله العراق، وقبلهما فلسطين والأتي ربما يكون مخيفاً أكثر. وهنا أعود للفن لأقول بأن فرصة جاءتني لم أسأل فيها عن أجر. لقد نفذت فيلم الحدود من دون عقد. كذلك فيلم التقرير . وكذلك مسرحية سالومي التي كانت ناقوس الخطر لمعاهدة كمب ديفيد. ثم قدمت فيلم ظل الشهيد وفيه كتبت مشهداً حيث الأم تضرب ابنها بقبضتها وتقول له لو حطيت ايدك بايدهم ح أحفر قبرك بايدي دون أن تنزل لي دمعة ، وهي تقصد مصافحة الصهاينة. هذا الفيلم نفذ بهدف مناهضة التطبيع. كذلك أذكر الأفلام التسجيلية الكثيرة التي شاركت بها وقد عرضت في أوروبا أكثر مما عرضت في الدول العربية. لدي بعض الأصدقاء في الغرب متحمسين لقضيتنا العربية أكثر من العرب أنفسهم ومنهم النائب جورج غالاوي. وهؤلاء يساعدوني في بث أفلامي الوثائقية في كل أوروبا وذلك علي نطاق ندوات ومحاضرات. في حين أن بعض المحطات العربية ترضي ببث هذه الأفلام لكن في توقيت ميت علي صعيد المشاهدة.

·         اذا كـــنا جميعاً نحــــمل غضباً من موقف الحـــكام فهـــل أنت مرتاحــــة لمواقــف الشعوب؟

الشعوب العربية تدخل أحياناً في الكوما ومن ثم تستفيق منها. مع بداية الانتفاضة الأولي في فلسطين زالت هذه الكوما. الانتصارات كانت ومضات، حتي مجيء المقاومة في لبنان حيث كان الجميع مهنياً. هذه المقاومة حفرت مجري أكثر اتساعاً في الوجدان العربي. النصر يحتاج الي تراكمات، لكن المقاومة اللبنانية كانت طلقة صحوة أصابت مرماها. وما حصل في لبنان في هذه الحرب يشعر العربي لأول مرة أنه ليس من الضرورة أن يكون صاحب ترسانة من الأسلحة بعد أن أثبتت كل الترسانات بأنها عبارة عن استعراضات، وبامكانيات محدودة لدي المقاومة اللبنانية أصبنا الاسرائيليين وسياحتهم واقتصادهم واستقرارهم.

·         ما رأيك بتحرك الفنانين في مصر حيال العدوان علي لبنان؟

لقد كان تحركاً استثنائياً فعلاً نتيجة الحدث الكبير والافرازات التي خلفها لهذا كانت الصرخة مختلفة جداً. أحي الزميل حسين فهمي لأنه تخلي عن صفته كسفير للنوايا الحسنة في الأمم المتحدة. كما كان عادل امام في الطليعة وهو قادر علي تحريك جمهور واسع خلفه.

·         هل أنت محاصرة فنياً نتيجة مواقفك القومية؟

أعمالي تخضع للمقاطعة من بعض الدول العربية التي تحكمها كونداليزا رايس ومن سبقها من وزراء خارجية في الولايات المتحدة. هم أغبياء في ذلك لأن أكثر أعمالي سينمائية والسينما ذاكرة وليست كما المسلسل التلفزيوني، لذلك ولأن السماء تعج بالمحطات الفضائية فأفلامي موجودة والشعوب تتابعني حتي وان كانت حكوماتها تقاطعني. قاطعوني علي الأرض لكنهم لم يستطيعوا محاصرتي في السماء. وأتوقع أن تزداد المقاطعة.

·         هل تعتقدين أن السينما سوف تؤرخ صمود المقاومة والشعب اللبناني؟

أكيد، ثورة 23 تموز (يوليو) تم تأريخها من وجهات نظر مختلفة وهي موجودة في ذاكرة الشرفاء.

·         ما الذي ستحمله ذاكرتك من بيروت؟

ذاكرتي تحمل ما رأيته في عيون شباب المقاومة من تحد حقيقي. أمس قلت لأحدهم أن هناك من يردد بأن انزالاً للعدو سوف يحدث في الشمال وفي الجنوب. قال لي بهدوء تام ليجربوا. هذا الايمان هو الذي ثبت يقيني بأن هذه المقاومة حقيقية.

القدس العربي في 28 أغسطس 2006

 

طارق الشناوي يكتب عن علامات علي طريق السينما:

«أوقات فراغ» يفتح مسارا جديدا للسينما المصرية 

< تفوق علي «حليم» الذي حصل علي دعاية غير مسبوقة وسيتلوه سيل من الأفلام علي شاكلته

< كان الحسنة الوحيدة في موسم الصيف المليء بالسيئات!  

هل يستطيع فيلم أن يغير مسار السينما المصرية؟

الإجابة هي بالقطع لا.. الفيلم فقط من الممكن أن يتحول إلي مؤشر ويحدد الاتجاه إلي طريق ولكن هذا الطريق إذا لم يواصل السير فيه عدد آخر من الأفلام سوف يتحول إلي خرابة مهجورة!!

أولا تغيير المسار لا يعني بالضرورة أن الاتجاه الجديد هو الأفضل ولكن فقط هناك ملمح ما مختلف قد يعقبه رواج سينمائي ونهوض أو لا يحقق أي منهما مثلا عندما قدم فيلم «الكرنك» عام 1975 بطولة سعاد حسني ونور الشريف فتح الطريق لما يعرف بسينما مراكز القوي وقدمت عشرات الأفلام التي اختارت نفس الطريق.. فيلم «الباطنية» لحسام الدين مصطفي عام 1980 بطولة نادية الجندي ومحمود يس وأحمد زكي فتح الطريق علي مصراعيه إلي سينما المخدرات والدخان الأزرق أي أن النجاح الطاغي كان هو السبب سواء كنا بصدد فيلم سياسي مثل «الكرنك» أو فيلم تجاري مثل «الباطنية» الإيرادات الضخمة التي حققهما الفيلمان هي التي أعادت توجيه بوصلة المخرجين ومن الممكن مثلا في عام 1997 أن نقول إن فيلم «إسماعيلية رايح جاي» لكريم ضياء الدين بطولة محمد فؤاد ومحمد هنيدي لعب هذا الدور قبل قرابة 10 سنوات وفتح زاوية رؤية شركات الإنتاج والتوزيع التي اكتشفت أن هناك جيلا آخر من النجوم الجدد أطلقوا بعدها عليهم المضحكون الجدد هذا الجيل كان ينبغي أن يحصل علي فرصته كاملة.. كان هؤلاء المضحكون يتم الرهان عليهم ولكن علي استحياء وقبل إسماعيلية بعام واحد شارك أغلب هؤلاء هنيدي وعلاء وآدم وأشرف في العديد من الأفلام في أدوار صغيرة وفي بعض هذه الأفلام زادت المساحة واقتربت من حافة البطولة مثل «سمكة وأربع قروش» لشريف شعبان و«حلق حوش» لمحمد عبدالعزيز ولكن كان دائما هناك بطلة ينسب لها النجاح التجاري وفي العادة تتدخل هذه البطلة لكي يتحول الفيلم إلي مشروع خاص بها يدعم نجاحها هي ويحسب لها هي فقط في «سمكة» كانت البطلة جالا فهمي.

< انقلاب سينمائي

وفي «حلق» البطلة ليلي علوي والفيلمان في النهاية يدعمان موقف جالا وليلي علي الخريطة وكل من المخرجين شعبان أو عبدالعزيز كانا يراعيا أولا ما تريده البطلة ولهذا فإن التجربتين رغم نجاح المضحكين الجدد في الفيلمين إلا أنهما لم يفجرا الانقلاب السينمائي بينما هذا الدور تحقق مع «إسماعيلية» ليس لأن مخرج الفيلم كريم أراد ذلك ولكن لأن بطل الفيلم محمد فؤاد لم يمارس أي نوع من الكبت علي محمد هنيدي.

كان فؤاد يعتقد أن نجاح الفيلم الجماهيري منسوبا إليه وأنه يشبه عبدالحليم حافظ في الأفلام الغنائية التي شاركه في بطولتها عبدالسلام النابلسي ولا يمكن لأحد أن يقول إن شارع الحب أو حكاية حب أو يوم من عمري هي أفلام النابلسي وأن الجمهور هو جمهور النابلسي ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن وفوجئ فؤاد أن النجاح يحصده محمد هنيدي الذي غني مع فؤاد «كامننا» الناس تعلقت بهنيدي وشعرت أن هذا هو النبض الجديد وأنه وجيله يعبرون عن هذا التوجه القادم في الضحك.

< ما بقي من التجربة

ولهذا صعد نجم هنيدي وانطلق إلي «صعيدي في الجامعة الأمريكية» ثم «همام في أمستردام» وبعد ذلك بدأت خطوات آدم وعلاء وهاني وحلمي وسعد نعم تباين النجاح بين نجم وآخر وتعثرت خطوات البعض إلا أن ما يتبقي في التجربة هو أن نجاح إسماعيلية التجاري صنع اتجاها وفي موسم صيف 2006 نستطيع أن نعثر علي مؤشر جديد من الممكن أن يغير مسار السينما إنه فيلم «أوقات فراغ» ليس لأنه مختلف عما هو سائد ولا لأننا بصدد عمل فني غير مسبوق ولكن السر هو أن «أوقات فراغ» الذي أخرجه محمد مصطفي قد حقق إيرادات تجاوزت 5 ملايين جنيه تفوقت مثلا علي فيلم «حليم» الذي حصل علي دعاية غير مسبوقة بينما أوقات فراغ لم يدعمه أحد بل ناصبه بعض أصحاب دور العرض العداء لأن أصحاب دور العرض هم أيضا منتجون يقدمون أفلاما لكبار النجوم بينما «أوقات فراغ» يضرب في مقتل مشروعات النجوم.

< نجاح ملفت

النجاح لم يكن طاغيا لأوقات فراغ لكنه نجاح ملفت بقدر ما هو مفاجئ وهو نجاح مغر بالتكرار ولهذا سوف يفتح أوقات فراغ مجري جديدا للسينما المصرية ليس معني ذلك أن الأفلام التي تقدم بلا نجوم شباك كما حدث مع أوقات فراغ سوف تحتل الشاشة الفضية بالطبع لا.. سيظل هناك أفلام نجوم الشباك لها جمهورها وهي تشكل النسبة الأكبر لكن بجوارها سوف يصعد تيار، السينما التي من الممكن أن نطلق عليها مستقلة عن النمط الإنتاجي السائد، سينما ترفض هيمنة النجوم شاهدنا قطرة في موسم هذا الصيف وأنتظر معي سيل الأفلام القادمة ولو كانت هذه الحسنة الوحيدة في سينما 2006 فإن حسنة واحدة تكفي لأنها من المؤكد بعشرة أمثالها من السيئات التي حفل بها الموسم!!

جريدة القاهرة في 29 أغسطس 2006

في 'الدفنات الثلاث لميلكاديس إيسترادا'...

رؤية اخراجية غامضة ونقد شديد للحضارة الغربية

عرض وتحليل: عماد النويري

هذه ليست المرة الأولى التي يتقدم فيها ممثل كبير لخوض تجربة الإخراج بجانب التمثيل فقد سبق الكثير من الممثلين تومي لي جونز في تقديم تجارب إخراجية ناجحة ونذكر هنا كلينت ايستوود وميل غبسون ودانزل واشنطن وروبرت دي نيرو، ويمكن القول ان كل واحد من هؤلاء استطاع ان يحقق قدرا كبيرا من النجاح. وقبل الخوض في الحديث عن الفيلم هناك إشارة لابد منها لشركة السينما التي أصبحت تغامر بتقديم أفلام غير تجارية وانما تنتمي الى تيارات سينمائية مختلفة عما يزدحم به السوق السينمائي التجاري، وهنا نشير الى عرض فيلم 'زوزو'، والى عرض فيلم تومي لي جونز 'الدفنات الثلاث لميلكاديس ايسترادا' الذي حقق لتومي جائزة مهرجان كان عام 2005 كأفضل ممثل.

علاقة صداقة

الصداقة والوفاء واالتسامح هي المحاور الأساسية في فيلم 'الثلاث دفنات لميلكاديس ايسترادا'. ميلكاديس هذا هو شاب في العقد الرابع يأتي من المكسيك مهاجرا للبحث عن عمل وفي قرية حدودية على الجانب الأميركي يقابل بيت 'تومي لي جونز' وتنشا بين الاثنين صداقة عميقة تتخللها نزهات خلوية ومغامرات نسائية. بطريق الصدفة يقتل ميلكاديس، والقاتل هو احد جنود دوريات الحدود ويدفن ميلكاديس، من دون تحقيق في الجريمة ، ويقرر بيت ان يخرج صديقه من قبره ليقوم بدفنه في موطن راسه في المكسيك بناء على وصية قديمة تعهد بتنفيذها. ومع جثة الصديق ايسترادا يعتقل بيت الجندي القاتل ويأخذه معه في رحلة طويلة وشاقة لعبور الحدود. في الرحلة يحاول الجندي الهرب اكثر من مرة وبعد مطاردات كثيرة ينجح بيت في الوصول الى القرية الجميلة التي تخيلها صديقه ايسترادا لتكون هي مثواه الاخير.

الحديث عن شخصيات متماسكة او موضوع متماسك في الفيلم يمثل نوعا من التفاؤل الشديد فانت حتى النصف الأول من الفيلم لا تعرف حقيقة الموضوع ولماذا تتصرف الشخصيات على هذا النحو او ذاك. هناك الكثير من الامور الملتبسة.

ومنذ بداية النصف الثاني من الفيلم والنهاية ستجد نفسك في غابة من الأسئلة التي لن تجد لها إجابات شافية ومقنعة. لماذا يقوم بيت بتحمل كل هذه المشاق لدفن صديقه على رغم ان المقدمات لاتوضح عمق العلاقة بين الصديقين؟. ومن هو بيت اصلا حيث ان الفيلم يبدأ وينتهي ولانتعرف على هذة الشخصية بشكل كاف؟ ولماذا يعتقل بيت الجندي ويأخذه معه في هذة الرحلة الطويلة لعبور الحدود على رغم ان الجندي لم يقصد قتل ايسترادا وكان يمكن تبرئته لو جرى عقد محاكمة عادلة له؟ ثم في النهاية لم يدفن ايسترادا في قريته كما طلب وانما دفن في مكان تخيله ايسترادا في عقله ليكون موطنه الاخير.

قيم وتحية

في الاجابة عن الأسئلة لابد ان نضع في الاعتبار ان تومي لي جونز استهوته الافكار قبل ان تستهويه فكرة بناء الشخصية واذا اعتبرنا ان هذا هو المدخل الحقيقي للاقتراب من الفيلم يمكن القول اذن ان بيت (تومي لي جونز) اراد ان يوجه انتقادا عنيفا للحضارة الغربية في تعاملها مع المهاجرين واصر في الفيلم ان ياخذ معه الجندي الذي قتل ايسترادا في رحلة شاقة وعامله بقسوة كنوع من الانتقام من المؤسسة العسكرية التي لا تلقي اي اعتبار للمهاجرين البسطاء الذين يعبرون الحدود بحثا عن لقمة العيش. من ناحية اخرى أراد تومي لي جونز ان يؤكد قيمة الصداقة في المطلق ويقدم تحية للروابط بين البشر من دون اعتبار لحواجز الحدود ونوع الجنسية، واراد ايضا ان يقدم تنويعة مختلفة من افلام رعاة البقر التي تعودت على تقديم الصورة الباهرة لراعي البقر الاميركي الذي يحقق دائما الانتصارات الكبرى على الهنود الحمر المتوحشين الذين يرغبون في احتلال الارض وهم اصحاب الارض الحقيقيين. واذا كانت هناك مشكلة في الفيلم فهي عدم الوضوح في رسم الشخصيات فأنت ضد شخصية جندي الحدود الذي يمارس القسوة في عمله وانت في الوقت ذاته متعاطف معه لانك تعلم انه لم يقصد قتل ايسترادا مع سبق الاصرار والترصد وانت مع بيت ومتعاطف معه لانه يحب صديقه ويرغب في تنفيذ وصية دفنه في موطن رأسه وفي الوقت ذاته انت ضد بيت وما يمارسه من قسوة شديدة مع جندي الحدود. والمشكلة انه في النهاية من الممكن ان تشعر ان الجميع قضاة وجلادون وضحايا في الوقت ذاته.

رؤية مخرج

ولد تومي لي جونز عام 1946 في سان سابا بولاية تكساس الاميركية ودرس في مدرسة سان ماركي الثانوية في تكساس وفي عام 1969 تسلم شهادته في الأدب الإنكليزي من جامعة هارفارد ثم انتقل للعيش في نيويورك وبدأ التمثيل في المسرح في برودوي وكانت أولى أدواره على شاشة السينما في فيلم Love Story عام 1970، في فيلمه 'الدفنات الثلاث لميلكاديس ايسترادا) يمكن الحديث عن تمثيل راق وموسيقى تصويرية معبرة ومونتاج متلائم مع طبيعة الموضوع الفلسفية لكن كان من المهم في النهاية ان يعمل المخرج تومي لي جونز على فيلمه بطريقة افضل لكنها في النهاية رؤية مخرج اراد تقديمها بأسلوب مغاير وهذا من حقه وليس من حقنا أن نرى الفيلم من وجهة نظرنا.

في كل الأحوال شكرا لشركة السينما على مغامرتها الجميلة بتقديم فيلم مختلف على امل ان تستمر هذه المغامرات في المستقبل.

القبس الكويتية في 29 أغسطس 2006

 

جونز عن السينما و"ميليكياديس استرادا":

عشق السينما يعني أن تتخلى عن كل أحلامك في الاستقرار المادي او العاطفي 

نشرت مجلة "سايت اند ساوند" البريطانية في عدد نيسان/ابريل حواراً قصيراً مع الممثل والمخرج تومي لي جونز بمناسبة خروج فيلمه الاخير "جنازات ميليكيادس استرادا الثلاث" في الصالات البريطانية. هنا ترجمة للحوار بالتزامن مع اطلاق تجربة جونز الاخراجية الاولي في الصالات المحلية.

***

·         ما هي خلفية فيلمك؟

ـ كل شيء بدأ عندما كنت ورفيقي الصيد، الكاتب غويليرمو أرياغا والمنتج مايكل فيتزجيرالد، نقوم بنزهة في تلك المنطقة الحدودية. فكرت ان هناك شخصيات كثيرة ومتنوعة وثرية تعيش هناك فلماذا لا أصنع فيلماً؟ تحمس رفيقاي ومن ثم غادرنا المكان. ثم بدأ العمل الفعلي عندما جاء غويليرمو بواحدة من القصص اليومية على الحدود والتي يعرفها جيداً بحكم اصوله المكسيكية. وكانت عن مراهق تقتله دورية شرطة اميركية مكافحة للمخدرات بينما هو يحرس قطيع الماعز. لقد كانت نقطة الاهتمام الرئيسة بالنسبة الى غويليرمو وال ايضاً تلك المنطقة الحدودية التي يتشاركها الاميركيون والمكسيكيون وتتداخل فيها الثقافتان وعاداتهما.

·         للفيلم مظهر قاسٍ بسبب الطبيعة والقصة والشخصيات. هلا شرحت ذلك قليلاً؟

ـ بحثت عن الحدود الأكثر خشونة. انا نفسي ترعرعت في منطقة حدودية وكنت أعرف معنى ذلك. أنتمى الى الجيل الثامن من عائلة "تكساسية" وانا حالياً مزارع أملك مزرعة في سانت انتونيو استخدمناها للتصوير. عند اختيار فريق العمل، شددت على ضرورة القوة البدنية واخترت كريس منغيس مديراً للتصوير بسبب خصوصية المكان. أذكر انه في اليوم الاخير بدا التصوير مستحيلاً إذ كنا في حفرة وعرة يزيد عمقها عن تسعة أقدام تحت الماء. أستطيع القول بأن تصويرالفيلم فرض خطورة جسدية ولكننا محترفون ومهتمون بخلق الوهم.

·         شاركت في كتابة السيناريو. فهل كتبت لنفسك دوراً لطالما حلمت بلعبه؟

ـ بمعنى ما، هذا صحيح. ألعب شخصية صامتة ومتحفظة في التعبير لرجل يعمل في مزرعة بتكساس قرب الحدود المكسيكية. خارج التمثيل، هذه حدودي. انها حكاية خلاص تستكشف الحياة على جانبي "ريو غراندي" وتسأل: "ما هو الشيء الصواب الذي يجب فعله؟" ما أحب ان يأخذه المشاهد من الفيلم هو ان يدرك ان باستطاعته ان ينظر عبر النهر وان يرى نفسه.

·         كيف صورت مشهد سقوط الحصان عن التلة؟

ـ كانت لقطة مهمة صورناها بخمس كاميرات. سألني المصور عند اسفل التلة اين يجب ان يضع الكاميرا فقمت بإلقاء كيس رمل وطلبت اليه ان يمركزها مكان سقوط الكيس. فعلوا ذلك ولكن الحصان الصناعي الذي صممناه للمشهد وقع على الكاميرا وكسر العدسة.

·         ما الذي أخذك الى الدراما؟

ـ تخرجت من هارفرد حيث كنت زميل آل غور في الغرفة. مثلت منذ كنت مراهقاً وواظبت على ذلك في الجامعة كنشاط امارسه بعد انتهاء موسم كرة القدم. اكتشفت انني كنت جيداً في التمثيل وفكرت في المضي به بدلاً من اتخاذ عمل حقيقي. يبدو انني انجرفت فيه أبعد مما ظننت. والدي كان يريدني ان اصبح مهندس بترول في تكساس. ولكن صدف انني ارتدت مدارس جيدة مع بعض الاساتذة الجيد وقرأت بعض الكتب الجيد.

·         ما موقفك حيال ادوارك؟

ـ كمخرج، أعتبر أنني ممثل جيد لأنني أقوم بكل ما أطلبه من نفسي. أحب ان امنح أدواري بعداً عملياً وليس فلسفياً. لقد قرأت فرويد وحتماً أقول لنفسي "وماذا اذاً؟".

·         هل تستمتع بالاخراج؟

ـ احب التمثيل والاخراج ولكن عليك في هذا الوضع ان تتخلى عن كل أحلامك في الاستقرار المادي او العاطفي. الاخراج مهنة صعبة المنال بمنأى عن رغبتك الشديدة بها. لقد درست تاريخ العمارة والرسم ولدي اهتمام خاص بالصورة ولذلك أحب الاخراج. حتى انني احب المعدات السينمائية لاسيما "بانافيجن". لتكون ممثلاً تحتاج الى الحظ. ولتكون مخرجاً تحتاج الى حذاء مريح كما تقول صديقتي باربرا سترايسند لأنك ستعمل 14 ساعة في اليوم. ولكن أعتقد أن لدي أشياء أقولها في هذا العالم الممزق وأعتقد ان السينما هي الوسيلة الابرز لاستدراج أكبر عدد ممكن من الناس الى رؤية واحدة.

المستقبل اللبنانية في 25 أغسطس 2006

 

سينماتك

 

الشخص العربي الوحيد الذي جاء لبنان اثناء الحرب عن طريق البر

رغدة: مخزون طفولتي المرير يجعلني اشعر بضرورة الوقوف ضد الظلم

بيروت ـ القدس العربي ـ من زهرة مرعي:

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك