< لاشئ يغفر لهذا الفيلم ألا يكون جيدا في وجود إحسان وبلال وهنيدي

< الفيلم لن يساعد هنيدي علي الاحتفاظ بمكانته في جدول الكوميديانات الجدد

< لايوجد أي مبرر منطقي للإشارة لعلاقة رجل الأعمال بالمخابرات الأجنبية

< زيزي مصطفي عادت من اعتزالها بدور لا لون له ولاطعم ولارائحة  

في العام الفائت.. كانت إعلانات فيلم (أنا وخالتي) تملأ أرجاء المدينة .. وكنا نري فيها وجه محمد هنيدي.. وقد ارتدي زي امرأة وتزين بمنديل بلدي.. ووضع علي وجهه مكياجا ثقيلا. كان وجه الهنيدي يملأ الاعلان لوحده.. دون أن يترك الحق .. لأي اسم سواه أن يظهر إلي جانبه.. وفي هذا الموسم .. بل في هذا الوقت بالذات .. يطل علينا اعلان فيلم هنيدي الجديد (وش اجرام) وهو كالعادة أيضا.. يحتل الإعلان كله.. ويظهر هنيدي.. بوجه تغلب عليه القسوة وقد وضع علي عينيه نظارة.. يخفي وراءها ما يشبه نظرة تهديد إلي من يراه.. رغم الطابع الطفولي الذي يميز وجه الكوميديان.. والإحساس المرح الذي يحاول أن يخلقه من حوله. لاشئ يغفر لوش إجرام ألا يكون فيلما جيدا.. فكاتبه بلال فضل كاتب يتميز بحس كوميدي واضح ويعرف كيف يكتب حوارا لاذعا يثير الضحك حتي لو اضطر احيانا للابتذال .. ووائل إحسان .. أثبت في أفلامه الأخيرة انه قد وصل الي مرحلة النضج واصبح قادرا علي الإمساك بدفتي أي فيلم بخبرة وذكاء.. وهنيدي نفسه وصل إلي مرحلة حرجة من مسيرته الفنية.. عليه فيها أن يحافظ علي مكانته وجماهيريته.. وإلا فإن طريق الهبوط أصبح ماثلا للعيان.

ضربة بوكر

إذن .. فوش اجرام.. هو ضربة (بوكر) من المحتم عليها أن تصيب.. ما دامت كل الاستعدادات لنجاحها .. قد تأمنت وجهزت التجهيز الكافي.

ولكن يبدو ان (المحتم) ليس قاعدة أساسية في السينما.. وان ما تعقد عليه الآمال الكثيرة قد يخفق في لحظة لاينتظرها أحد.

من متابعة أحداث (وش إجرام) يشعر المتفرج انه امام أفلام ثلاثة وليس أمام فيلم واحد، وأن صانعيه بدأوا التفكير باتجاه.. ثم تغيرت أفكارهم.. فاختاروا وجهة أخري.. ثم وجهة ثالثة.. مما انعكس بصورة واضحة علي بناء الفيلم الدرامي.

فنحن في البداية نشعر أننا أمام فيلم يعالج مشكلة البطالة.. من خلال شاب يعمل في مطعم للبيتزا.. وأب طرد من شغله بشكل تعسفي وتحت شعار (المعاش المبكر) .. وبالطبع فإن الشاب مرتبط بفتاة يحبها ويحلم بالزواج منها.. ولكن الظروف الاجتماعية والاقتصادية تحاصره بشدة.

كل هذا ليس بالأمر الجديد.. ولكن بإمكان حوار ذكي.. ومواقف مدروسة.. وأداء ضاحك أن ينق ما يمكن إنقاذه.. ولكن الأمر تطور مباشرة بعد ثلث الفيلم أو نصفه.. عندما نجح (الهنيدي) في أن يجد عملا.. كعامل بوفيه في أحد البنوك.. ويشهد عملية سطو علي البنك.. ويؤخذ كرهينة عندما تكتشف العصابة انه يعلم موقع صكوك أو سندات تدين رجل أعمال كبير. ولايتوقف الفيلم عند هذا المقطع.. الذي يحتوي علي مطاردات بالسيارات وعلي مواقف متشابكة تحاول أن تنتزع الضحكة انتزاعا من المتفرج.. وحيث يحاول هنيدي بأقصي طاقته أن يتلاعب بالإفيهات اللفظية.. وحركات وجهه المطاطية.. وسذاجته المفتعلة ليحقق أكبر قدر من التسلية والترفيه لجمهوره.

لماذا الأجانب

ثم ينحرف الفيلم ثالثا.. ليصور لنا مأساة ضابط بوليس شريف اقتنع بما يقوله الهنيدي عن انحراف رجل الأعمال الكبير وتلاعبه (وهنا يدخل الفيلم كالعادة اشخاص أجانب ليشير إلي علاقة رجل الأعمال بالمخابرات الأجنبية.. دون أي مبرر منطقي).

ورغم نجاح الهنيدي في سرقة الوثائق التي تدين رجل الأعمال وتكشف ألاعيبه وخياناته .. إلا أن الفيلم ينتهي بمرارة حقيقية (عرف بلال فضل كيف يغلفها بإطار ساخر).

عندما تأتي الأوامر العليا بالإفراج عن رجل الأعمال .. وترك الرجال البسطاء الشرفاء وعلي رأسهم الهنيدي يضربون أخماسا في أسداس.. ويغنون أغنية واقعية تعبر عن ألمهم ويأسهم وإحباطهم.. الهنيدي يمسك بالفيلم من أوله إلي آخره.. دون أن يترك لأحد سواه .. حق الظهور .. أو حق النطق بإفيه واحد.. انه ملك الفيلم المطلق .. والجميع من حوله كومبارس.. حتي لو كانوا في حجم (لبلبة) التي لم أر سببا واحدا يقنعني بقبولها مثل هذا الدور الذي لايضيف اليها شيئا .. بل علي العكس يأخذ منها أشياء.

كذلك لم أفهم سببا لعودة الراقصة المعتزلة (زيزي مصطفي) في دور لا لون له ولاطعم ولارائحة.. الوحيدة التي حاولت أن تخرج عن إطارها المعتاد لتقدم دورا جديدا عليها كانت (بشري) التي يبدو انها تحاول جاهدة أن تجد لنفسها مكانا في دائرة الوجوه الجديدة التي بدأت تطل علينا من الشاشة المصرية.

لايساعد هنيدي

لا اعتقد رغم الرغبة الحقيقية للهنيدي بأن يحافظ علي مكانته الرفيعة في جداول (الكوميديانات) الجدد أن (وش إجرام) سيساعده كثيرا علي تحقيق هذا الهدف.. إذ يخيل لي أن تدخله المستمر سواء عن طريق التأثير علي كاتب السيناريو أو المخرج قد أبعده عن المسار الصحيح.. الذي كان عليه أن يحافظ عليه بعد أن توصل اليه (ربما عن غير قصد منه) بفيلمه الجيد (فول الصين العظيم) الذي أعاد لنا الثقة الكبيرة فيه كممثل ضاحك يعرف كيف يوظف نفسه أو أن يترك للآخرين العارفين بشئون المهنة مهمة توظيف مواهبه واستغلالها بالشكل الملائم.

لاأحد يمكنه أن ينكر أن محمد الهنيدي يملك طاقة كوميدية واضحة يساعده علي إظهارها وجه لازال يتسم بتعابير طفولية محببة.. وجسم صغير يستطيع أن يستغله في خلق مواقف كوميدية فيها الكثير من الإنسانية والبعد الفني.

ولكن يبدو أن الهنيدي .. يفكر بطريقة أخري .. طريقة يعتقد انه بواسطتها سيحتفظ بجمهوره إلي الأبد..

حسنة جيدة بالفيلم لابد من الإشارة اليها.. وهي أن الهنيدي لأول مرة منذ زمن طويل.. لم يتنكر في زي امرأة في أي مشهد من مشاهد (وش إجرام) وإن كان قد لجأ للتنكر بزي رجل إفريقي منبوش الشعر.. لاندرك تماما إن كان رجلا أم امرأة.. وكيف انه رغم هذا التنكر فإن الجميع قد عرفه فورا دون أي جهد.

حسنة أخري.. لفتت النظر.. وهي أن الهنيدي لأول مرة في أفلامه يقبل فتاة علي شفتيها بشكل عابر.. وكأنه يغمز لنا عن رأيه بالسينما النظيفة..
وهكذا .. فإن فيلم (وش إجرام) آخر الأمر لا يخلو من الحسنات.. أليس كذلك..

جريدة القاهرة في 22 أغسطس 2006

 

سمير الجمل يتحدث عن نجوم ليسوا «وش أفلام»

هنيدي سقط كما صعد وسعد في الطريق.. وعبلة كامل في «شارع عبدالعزيز» السينمائي!  

< «وش إجرام» اسكتشات متفرقة سقطت بالفيلم فوق رأس المتفرج

< هنيدي الذي كان يتلقي الصفعات أصبح له الحق الآن في تلطيش الزملاء والكومبارس!

< عبلة في «الندلة» هي عبلة في «كلم ماما» و«خالتي فرنسا» و«سيد العاطفي»  

منذ سنوات وبعد صعوده الاستثنائي حذرت محمد هنيدي من السقوط الاستثنائي لأنني رأيت ومعي عدد كبير من أهل الاختصاص في السينما إنه يكرر نفسه ويدور في دائرة ضيقة يكاد يختنق داخلها وهو مستسلم لها.

أحب فيه الناس الوجه الطفل الروح البريئة وقدرته علي إطلاق كاتيوشا النكتة من منصة موهبة القبول وقلتا أنا وغيري أن الاعتماد علي الضحك فارغا من المحتوي أو الموقف يقصف عمر الممثل مهما كانت قدراته وهذا ما جري هذا العام وسوف يطال.

«كتكوت» أو محمد سعد فمهما جمع من إيرادات لن يحطم أرقاما قياسية وإن بلغها واقترب من إيرادات الأعوام الماضية لن يستطيع بسهولة أن يكررها لأن دائرة المنافسة لم تعد قاصرة علي الكوميديانات فقط وقد تنوعت قصص وموضوعات الأفلام وثبت أن «العشق والهوي» له جمهوره وأيضا «واحد من الناس» وقد حققا أرقاما لا بأس بها رغم الزحام الرهيب علي كعكة الإيرادات وهي في المتوسط 100 مليون لموسم الصيف وقد أنفق الجمهور منها حتي الآن ما يزيد علي 60 مليون ذهب ثلثها إلي «عمارة يعقوبيان» بينما انفرد سعد في الموسم الماضي بربع الكعكة وحده.

اسكتشات متفرقة

في «وش إجرام» يحاول هنيدي جاهدا البحث عن ضحكة ولأن المشاهد عبارة عن اسكتشات متفرقة بلا معمار درامي وأعمدة تستطيع أن ترفع الموضوع وتسنده ينهار الفيلم فوق رأس المتفرج. وينهار معه الحلم بطرح جديد يضيف إلي هنيدي من خلال سيناريو لكاتب هو الآن من نجوم الساحة «بلال فضل» عنده رصيد ثقافي وحياتي يستطيع به أن يقول «حاجة» لكنه علي ما يبدو يستسلم لمتطلبات هنيدي وما يسمي زورا وبهتانا بأن السوق عايزة كده بدليل أن ساندرا نشأت بفيلمها «ملاكي إسكندرية» ضربت العديد من أفلام الهزار الماسخ علي قفاها وقد سقطت وسقط معها من كان شغلهم الشاغل البحث عن بطولة علي أفيش وهم مجرد ريش علي مفيش.. مع أن الأمر يتطلب منا أن نرحب بأسماء جديدة في كافة ميادين السينما وأن نهلل لتنوع الموضوعات ولكن الواقع يقول غير هذا بالمرة وعلي ما يبدو أصبح لزاما علينا أن ننشيء شارعا افتراضيا في السينما نسميه شارع عبدالعزيز علي غرار ما يحدث في دنيا الأجهزة الكهربائية التي تباع من تحت لتحت في هذا الشارع بعنوان تجاري هو «الحرق» بطرحها بأقل من ثمنها في المحلات والأسواق.

< في الشارع

في هذا الشارع سنجد من المحاريق ماجد الكدواني ومحمد عطية وروبي وعامر منيب، وللأسف انضمت إليهم هذا الموسم عبلة كامل عن طريق «الندلة» فقد قدمت نفسها في إشارة الفيلم بنفس ثوب ومنظر وأسلوب «كلم ماما» «سيد العاطفي» «خالتي فرنسا» أي المرأة بنت البلد الخنشورة خفيفة الظل.

وأخشي أن ينضم هنيدي إلي الطابور بعد «وش إجرام» وإن كنت أتمني له ولعبلة أن يصبحا «وش أفلام» بالبحث عن موضوعات تليق بموهبة كل منهما ودرجة قبوله المميزة عند مستويات مختلفة من الناس، لقد حزنت بالفعل وأنا أحصي عدد المتفرجين في صالة دار العرض بحفلة منتصف الليل بعد أيام قليلة من نزول فيلم هنيدي وكان عددهم 42 وقد عرفت أن دور العرض تنقل جمهور سعد إلي الصالات التي يتواجد بها فيلم هنيدي وتسحبه لتعرض نسختين من «كتكوت» لأن الإقبال عليه أكثر وليس معني هذا أنه الأفضل بل يظل الرهان أن صلاحية سعد ممتدة أكثر ولكنه لو استمر علي نفس النحو ستنتهي حتما صلاحيته وهو أيضا طاقة هائلة لم يتم اكتشافها بعد.

وأنهم يلعبون في المضمون من حيث نجحوا خوفا علي ما وصلوا إليه والفن أساسه المغامرة والاقتحام، إنهم يكررون نفس اللعبة علي غرار من سبقوهم.

< الضرب والتلطيش

هنيدي الذي كان فيما مضي يضرب بالأقلام، الآن بحكم البطولة يحق له التلطيش في الكومبارس وزملاء العمل تلك الميزة التي يتمتعون بها إلي جانب الأجور العالية وينسون أن زعيم الكوميديا عادل إمام كتب لنفسه الاستمرار واحتل الصدارة لأنه عند مرحلة معينة تحول وقدم، حتي لا يطير الدخان، الإنس والجن، اللعب مع الكبار، حب في الزنزانة، كراكون في الشارع، وغيرها من العلامات البارزة التي جمعت أحيانا بين الضحك والموضوع.

ولم يلق بنفسه إلي أحضان مؤلف بعينه فقد كان يبحث عن الموضوع بصرف النظر عن مؤلفه.

من حق هنيدي وجيله وهو مفتاح الحظ لهم جميعا من حقهم أن يفرحوا بنجاحهم وقد ذاقوا الأمرين لكن من حق المتفرج عليهم أن ينظروا أبعد من تلك النظرة الضيقة التي يكتفون بها حتي الآن.

جريدة القاهرة في 22 أغسطس 2006

 

د. وليد سيف يكتب عن تحدي هنيدي «لرامبو»:

«وش إجرام» .. فيلم من مواقع النكت علي النت!  

استلهام رديء لمسرحية نجم دمر هنيدي وبلال ووائل معاً!

هنيدي تعامل مع المخرج والسينارست باعتبارهما تميمة حظ لإعادته إلي نجوميته التي كانت

لبلبة حاولت بخبرتها الطويلة.. لكن ماذا تفعل وسط هذا الطوفان من الاستظراف والتصنع؟  

تعرض حالياً من حين لآخر علي قنوات الدراما مسرحية «عبده يتحدي رامبو» بطولة الفنان محمد نجم، ويمكن أن تلتقط من خلال هذه المسرحية النموذج الأمثل الذي يسترشد به نجومنا لصنع أفلامهم، ويأتي هنيدي بالتأكيد ضمن هؤلاء النجوم بعد أن قرر صرف النظر تماماً عن كوميديا الموقف الاجتماعية مع فشل فيلم «صاحب صاحبه» مما جعله يتخبط ويتعثر في «عسكر في المعسكر» الذي كاد يطيح به من قائمة النجوم ثم «فول الصين العظيم» الذي أنقذته حرفية المخرج ثم كوميديا «يانا ياخالتي» المبتذلة التي نجحت إلي حد ما في مخاطبة قطاع من جمهور هذه النوعية.. وبذلك تتوقف مسيرة الأفلام الجيدة مع هنيدي عند حدود فيلم «جاءنا البيان التالي» الذي لم تسبقه أعمال جديرة بالمشاهدة للنجم إلا «صعيدي في الجامعة الأمريكية» و«همام في امستردام».

في مسرحية «عبده يتحدي رامبو» ينحصر دور كل الشخصيات في إعطاء الفرصة للبطل للسخرية منهم جميعاً بما في ذلك رامبو نفسه.. والمفترض أنه طبقاً لقواعد اللعبة فرامبو هذا يمثل الجانب الشرير المخيف الذي سيتغلب عليه عبده بالذكاء والحيلة ولكن في ظل سيطرة أجواء النكات والإفيهات يتقلص دور رامبو البطل الثاني في مشهدين لا ثالث لهما.. وهو يظهر في هذين المشهدين ليتلقي صامتاً نكات عبده علي طوله الفارع ونحافته المفرطة وحذائه الذي يشبه سيراميك الحمام.. نفس الشيء يفعله هنيدي أو طه في فيلم وش إجرام مع غريمه البطل الشرير الذي لا يظهر إلا للحظات قليلة، فخالد زكي أو رجل الأعمال الشرير يحيل والد طه إلي المعاش المبكر مما يتسبب في معانة الأسرة ثم يسعي هو أيضاً من خلال رجاله إلي قتل الابن الذي حصل علي مستندات إدانته.. ولا يتواني السيناريو عن السخرية من كل الشخصيات ويهينوه بينما لا يملك البطل سوي إطلاق النكات علي والده من الوضع معلقاً إلي جواره.. ثم نري الأب قبل النهاية وهو يشعر بمرارة شديدة لأن أعوان رجل الأعمال ضربوه والمطلوب أن نتأثر لبكائه ونتعاطف معه ومع ابنه الذي جاءته نوبة جدية فجائية ستستمر لبضع دقائق حتي نري رجل الأعمال وهو يخرج من الحكاية بقوة الحصانة ليلقي البطل موعظة فيلمه السياسية والأخلاقية تماماً كما فعل عبده في مسرحية نجم وتقريباً بنفس المعاني التي ذكرها عن ضرورة ملاحقة اللصوص الكبار الذين تحميهم الحصانة وإن اللي يسكت عن المجرم يبقي مجرم.. لكن ماذا عن اللي يسكت عن هذه الأعمال الرديئة الملفقة؟

كيف تكتب السيناريو بدون معلم؟

واستخلاص قصة فيلم «وش إجرام» وسط أكوام التهريج والإسفاف هو أمر بالغ الصعوبة فالمشاهد تتوالي أمامك دون أي ارتباط أو ترتيب أو معني.. كل الحكاية باختصار أن شريط الفيلم هو فرصة للفنان هنيدي لتصوير مجموعة النكت التي أعجبته طوال العام، وهذه النكت يمكن أن نراها في مشاهد تمثيلية تشغل معظم مساحة الفيلم.. أو يقوم البطل بإلقائها بشكل مباشر مثل المشه الذي اجتمع فيه مع رجال العصابة يتعاطون المخدرات أثناء اختطافه.. الفنان هنيدي يتصور أن متابعة مواقع النكات علي النت كفيل بأن صنع فيلماً وهو يمارس هذه الهواية منذ نكبته الفاشلة «بلية ودماغة العالية» ولم يتخل عنها إلا مرة و احدة بشكل استثنائي مع فيلمه الناجح الوحيد منذ بلية حتي الآن «جاءنا البيان التالي».

في ظل هذه الظروف ينمحي أي وجود لأي ممثل أخر.. ولكن لابد من وجو بطلة ولا مانع من أن يتم وضع بعض الملامح الكوميدية لها وطالما أنه ليس هناك نجمة تقبل العمل مع هنيدي حالياً لاحظ أن هذه المسألة مستمرة من بعد فيلم جاءنا البيان التالي فلا مانع من وجه جديد صاعد واعد مثل بشري ولا مانع من إضفاء سمات خاصة عليها من باب التجديد لتكن بطلة رياضية مسترجلة وعنيفة ولكن كيف تؤدي بشري الشخصية فلنجعلها تضحك ببلاهة وتؤدي بتصنع علي طريقة التمثيل في حلقات «السيد كوم» التي تجيدها.. ولكن ربما يري التوزيع أن الأفيش يخلو من أي أسماء معروفة إلي جوار هنيدي فيتم اللجوء إلي لبلبة التي تقوم بدور الأم فتؤدي بجدية بعيداً عن التهريج لأنها تعلم بخبرتها الطويلة أن الآداء الجاد هو الذي يصنع الكوميديا ولكن ماذا تفعل لبلبة وسط هذا الطوفان من الاستظراف والتصنع؟

إشكالية احترام المؤلف واحتقار النص أصبح من الطبيعي جداً أن يتعامل المنتجون والنجوم مع كاتب السيناريو باعتباره تميمة تجلب الحظ والنجاح بفضل إيرادات أفلامه السابقة، وهو ما أري أنه يتحقق مع كتاب مثل أحمد البيه وأحمد عبد الله و بلال فضل.. وربما يحظي هؤلاء الكتاب بالأجور التي يستحقونها والتقدير الأدبي الذي يتناسب مع ما يحققونه من نجاح، ولكن هل يتم التعامل مع نصوصهم بنفس القدر من الاحترام.. أنا لا أتصور أن هناك أي شخص في الدنيا له علاقة بالكتابة من قريب أو من بعيد يمكنه أن يكتب ما نراه علي شاشاتنا حالياً حتي بالمقاييس البسيطة لصناعة الأفلام الهزلية فمن الواضح أن مسألة الكتابة أصبحت منفصلة تماماً عن الكاتب.. و أنه أصبح من حق أي أحد أن يتعامل مع النص بدءاً من المنتج إلي المخرج إلي النجوم إلي صغار الممثلين ولكن أخر شخص يسمح له بالتدخل إذا جاز العبير في النص هو كاتبه..

ومن ناحية أخري يواصل هنيدي اعتماده علي مخرجين كبار علي أمل أن يخرج من كبوته وأن يستعيد موقعه المتقدم في قائمة النجوم بعد أن أصبح في ذيلها، وهاهو يلتقي مع وائل إحسان وهو ألمع أبناء جيله وأنجحهم في الأفلام الكوميدية، ولكن يبدو أن هنيدي وصناع الفيلم وهي صفة يمكن استثناء المخرج منها حالياً حاولوا أن يتعاملوا مع وائل إحسان بنفس منطق تعاملهم مع المؤلف باعتباره أيضاً مجرد تميمة نجاح وجالب للحظ أما صناعة الكوميديا فهي مسألة من اختصاص الأستاذ هكذا يطلق علي بطل الفيلم حالياً في موقع التصوير- هنيدي.

صراع بين المخرج والممثل

ومن المؤكد أن وائل إحسان حاول أن يفلت كثيراً من هذا الفخ إلي حد إعلان إنسحابه النهائي من الفيلم قبل أن يتم استرضاؤه وإقناعه بالعودة بتدخل أطراف متعددة ولكن الشيء الذي غاب عن أذهان الجميع هو أن وائل يصنع نجاحه عادة مع نجوم يعتمدون علي كوميديا الحركة والتي يجيد وائل التعبير عنها وتوظيفها سينمائياً وقد وصل إلي أقصي درجات التمكن منها في فيلمه الأخير «ظرف طارئ».. علي الجانب الأخر يمثل هنيدي نوعية أخري تماماً في الآداء فهو يعتمد علي صوته و علي كوميديا اللفظ بشكل أساسي حيث تنحصر قدراته في التعبير.. ولا يجد وائل أمامه إلا استخدام الحيل المختلفة لإبراز قصر قامة هنيدي بصورة مبالغ فيها مقارنة بالآخرين ثم يعود ليستهلك كل مشاهد الضرب بمختلف أنواع الأطعمة ثم سقوط وتكسير الأكواب والزجاجات ولكن كل هذا يبدو مقحماً وغير مؤثر إلي جوار حكايات وحواديت ونكت هنيدي التي تشغل معظم مساحة الفيلم.. ولكن المخرج مصمم علي أن يثبت و جوده فيصر علي استعراض عضلاته بتنويع الزوايا والعدسات واستخدام الكرينات والشاريوهات في أغنيات ليس لها داع ولا ضرورة بل إنها تزيد من طول الفيلم وتضفي علي إيقاعه المزيد من الفتور.. ويتفتق ذهن المخرج عن وسيلة وحيدة ليوجد لنفسه مكاناً وذلك من خلال مشاهد مطاردات تخرج تماماً عن شكل الفيلم وأسلوبه إذا كان له أسلوب أصلاً ولكنها مجموعة من المشاهد يمكن أن تراها في أي فيلم أكشن أو بوليسي عادي جداً.. وعلي أي حال تبدو هذه المنطقة عموماً خارجة عن سياق الفيلم تماما.

إن مشاهدة فيلم هنيدي بقدر ما تصيبك بالغيظ والحزن و المرارة علي انحدار مستوي السينما بقدر ما هي درس مفيد جداً لمن يريد أن يعرف كيف يمكن أن تتحد عناصر العمل لإفشال فيلم مهما كانت هذه العناصر موهوبة ومبشرة وواعدة.

جريدة القاهرة في 15 أغسطس 2006

عدد رواد السينما يتراجع من خمسين ألفاً الى خمسة آلاف في الاسبوع والأفلام الجديدة تعود

تومي لي جونز يفتتح العروض بحكاية حدودية أبطالها شرطي هش وجثة مكسيكية وراعي بقر أخلاقي

ريما المسمار  

بعد أكثر من شهر على توقف نشاط دور العرض السينمائي في بيروت وخارجها، عادت الصالات المحلية قبل اسبوع الى افتتاح ابوابها واستقبال روادها. ولكن العودة لم يُقدر لها ان تكون عادية في ضوء التطورات الأمنية والاحساس السائد بضبابية الامور. في سلسلة إحصاء الخسائر، قد لا تكون لدور العرض الاولوية. غير ان تلك الخسارة تندرج في اطار آخر حياتي وانساني. فحركة دور العرض هي، من بين أخرى، المؤشر على استعادة الحياة اليومية طبيعتها وديناميتها وعلى عودة الناس الى تفاصيل حياتها الصغيرة بمقابل الهموم الكبرى التي تسيطر في اوقات الأزمات. لا تنحصر خسارة الصالات السينمائية بسلبها ذلك الدور الحيوي اليومي. فهناك خسارة مادية تزداد وطأتها في ضوء تنبهنا الى ان شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس هما ذروة الموسم السينمائي المحلي وغالباً ما يحتشدان بالعناوين السينمائية الكبيرة والمنتظرة. بهذا المعنى، فإن الافلام التي كان منوي اطلاقها خلال تلك الفترة وتأجل بسبب الحرب، باتت اليوم تعاني في مأزق آخر. فالمرحلة الحالية حذرة وارتياد السينما قد يشكل بالنسبة الى بعضهم اليوم ضرباً من المجازفة او فعلاً لا ينسجم واولوياتهم. ومن ذلك ان عدد رواد الصالات خلال الاسبوع الفائت لم يجاوز الخمسة آلاف شخص في الصالات مجتمعة في حين ان معدل رواد السينما خلال اسبوع في الاوقت العادية لا يقل عن خمسين الف متفرج!

برغم ذلك، بدأ الموزعون بالافراج عن افلامهم عل ذلك يسهم في ترك انطباع ايجابي بحياة طبيعية عند الناس. أمس أطلقت الصالات مجموعة أفلام في مقدمها "الجنازات الثلاث لميلكياديس استرادا" لتومي لي جونز والجزء الثاني من "قراصنة الكاريبي" مع جوني ديب. بينما تأجل اطلاق "سوبرمان يعود" الى منتصف شهر ايلول المقبل بعد ان مقرراً منتصف آب الجاري.

هنا قراءة لشريط تومي لي جونز الحائز جائزتي التمثيل (جونز) والكتابة (غويليرمو أرياغا) في مهرجان كان 2005.

لا يبدو تومي لي جونز في فيلمه الأخير "الجنازات الثلاث لميلكياديس استرادا" وكأنه يقوم بخطوة مستغربة في مسيرته السينمائية. في حالات أخرى، كان التحول الى الاخراج بعد نيف وثلاثة عقود من التمثيل ليطرح تساؤلات كثيرة وتحليلات. ولكن مع جونز يختلف الأمر. انه في مكانه الطبيعي تمثيلاً وإخراجاً. ليس وافداً جديداً ولا هاوياً ولاساعياً الى اثبات ما لم يتحقق له في التمثيل ولا الى محاكاة من سبقوه في تبديل الاماكن بين خلف الكاميرا وأمامها. انه ببساطة ينتمي الى ذلك العالم السينمائي بامتياز، مدفوعاً الى صنع الفيلم ليس بفكرة او لقطة بل بحياة كاملة راكمتها السنوات. وعلى الرغم من ان جونزبتحوله الى الاخراج يسلك طريقاً طبيعياً مكملاً لمسيرته، الا انه يقدم مثالاً على مقولة ربما لم تعد ذات أهمية او اولوية اليوم. انه يختزل معنى خوض تجربة الاخراج مؤكداً بخياراته ان تلك النقلة يجب ان تترافق مع الرغبة في قول شيء وفي اضافة أشياء وان تُدمغ ببصمة ذاتية. فإذا بجونز السينمائي يتخذ من تجربته الاولى وسيلة للبوح وللظهور بمظهره الحقيقي ليس انطلاقاً من أخلاقيات الصدق وانما ايماناً بأن السينمائي يتحدث من موقعه وانطلاقاً من حياته.

أمران لا ثالث لهما استدرجا جونز الى هذا العمل: قرية على الحدود بين تكساس الاميركية والمكسيك وشخصية راعي بقر صموت رابط الجأش. انهما كل ما يمثله جونز في الواقع. فهو ينتمي الى ذلك المكان حيث يملك مزرعة ويدرك معنى العيش على الحدود. على ان الفيلم لا ينأى بنفسه عن مجموعة أخلاقيات يبدو جونز مدفوعاً اليها كأنما لتصحيح مسار طويل من الامور المغلوطة والنظرة العنصرية في الافلام التي تناولت حكايات تدور على الحدود. يصر جونز على التكافؤ الثقافي بين جهتي الحدود ومنذ العنوان. فافتتاحية الفيلم تعلن عن اسم الفيلم باللغتين الانكليزية والاسبانية في وقت واحد. واذ يتساوى طول العنوانين على الشاشة، يتحقق بصرياً ذلك التساوي لينسحب على جهتي الحدود. ومع تداعيات الأحداث في الفيلم، يكمل ذلك المنحى المتوازي فنشاهد الحدث المركزي­مقتل ميلكياديس استرادا­ من وجهتي النظر او من جهتي الحدود: اولاً من وجهة نظر شرطي الحدود الاميركي ولاحقاً من وجهة نظر الضحية. كذلك ترتكز موسيقى الفيلم لماركو بيلترامي على مزيج من موسيقى لاتينية وأخرى محلية خاصة بتكساس.

أبعد من ذلك، يستقي الفيلم تعدده الثقافي المتوازي من شراكة حونز اخراجاً وتمثيلاً وانتاجاً مع المكسيكي غويليرمو ارياغا كتابةً لتثمر حكاية مثيرة تدور على الحدود وتحليلاً اجتماعياً للتراجيديا الاميركية المكسيكية المتمثلة بالهجرة غير الشرعية. أرياغا هو الآخريأتي من خلفية بارزة وان فتية. فلا أحد يتوقعن عملاً أقل من هذا لصاحب السيناريوات الدينامية من مثل Amores Perros و21 Grams. بل يمكن ان نفهم تماماً كيف يكمل Estrada هذه المجموعة الكتابية التي تتشارك على أرضية الشخصيات المضطربة التي تعيش على طرفين متواجهين سواء أكانا طرفي حدود او مأساة او مكانة اجتماعية... وكما هي حال الفيلمين المذكورين، يبدأ Estrada بتركيبة مبعثرة من عناصر درامية متداخلة وتفاوت زمني يدفع بالمشاهد الى بذل بعض الجهد لاعادة ترتيبها وتجميعها ويمهد الارضية لرحلة طويلة ستستغرق لاحقاً نحو ثلثي الفيلم.

على الرغم من ان الفيلم يبدأ بالحدث المركزي لمقتل شاب مكسيكي، الا ان ملابسات الحادثة لا تأتينا على طبق جاهز بل تُترك جانباً بانتظار ان يبني الفيلم خلفية الحادثة المكانية والزمانية. يعود الى المكان الذي هو الشخصية الرئيسية في هذا الفيلم. فأي كلام على أحداث الفيلم لا يستوي من دون تحديد المكان وفهم مواصفاته. انها بمعنى آخر حكاية لا تنطبق على كل زمان ومكان بل تتخذ خصوصيتها من الزمان والمكان المحددين. في تلك القرية الحدودية الفقيرة بكل المعاني، يسهل رصد الشخصيات: جونز هو بيت بيركنز صاحب المزرعة الذي يتصادق مع استرادا المهاجر المكسيكي غير الشرعي متشاركين حبهما لاسلوب رعاة البقر في العيش. ومعاً يخوضان المغامرات العاطفية مع نساء البلدة حيث لا معنى للحياة من دون اضافةعصر المغامرة. يصل القرية الزوجان الشابان: الشرطي في الدورية الحدودية "مايك" وزوجته الاشبه بباربي "لو". ينم مظهر الاول عن هشاشة واضحة يستعيض عنها بخشونة مصطنعة وسلوك ذكوري يدفعانه في لحظة يشعر فيها بأنهما، اي الخشونة والذكورة، مهددتان الى اطلاق النار بما يؤدي الى قتل "استرادا". فأثناء قيامه بالاستمناء خلال نوبة حراسته على الحدود، يسمع طلقاً نارياً يقطع عليه لذته فيعمد الى اطلاق النار مستعيضاً عن بلوغ الذروة بطلق ناري بديل من القذف. على الرغم من محاولات محقق البلدة التغطية على فعلة "مايك"، يكتشف "بيت" الامر فيقوم بخطف الاول واجباره على اخراج جثة "ميلكياديس" من القبر ومرافقته في رحلة شاقة مكبلاً وحافياً لدفنه في قريته المكسيكية.

يتخذ الفيلم معناه من تلك الرحلة التي تجمع "بيت" و"مايك" وجثة "ميلكياديس". الاخيرة بتحللها تعبر عن اسطورة البطل المفككة وتعريها. واذا كان في ذلك ما يذكر ببعض أفلام الويسترن لاسيما آخر افلام سام بيكينباه، الا ان جونز يحافظ على نبرة "ملتزمة" بخلاف عدمية بيكينباه. ففي نهاية الرحلة، يعثر ميلكياديس على مرقده الاخير ،يحقق "بيت" شيئاً من العدالة على الارض والسلام الداخلي وكذلك يتطهر "مايك" من وحشيته في تلك البراري الشاسعة قابضاً على خيوط انسانيته الضائعة. تستدعي تلك الرحلة صوراً كثيرة من سينما الويسترن الكلاسيكية ولكنها في العمق لا تخلو من عبثية الموقف كأن يقوم "بيت" مثلاً بالاعتناء بجثة صديقه وتنظيفها وطرد الحشرات عنها او ان يتبادل "مايك" الموقع مع "ميلكياديس" عندما يلبس حذاءه ويشرب من كوبه ويتسلل عبر الحدود كما فعل الاول في السابق. هنا ايضاً يلعب الفيلم على التوازي بين شخصية مكسيكية واخرى اميركية هي "مايك". اما "بيت" فهو وسيط بين الاثنين. واذا كانت حكاية "ميلكياديس" تُروى بموته وتُختزل بإرجاعه الى مسقط رأسه لاستعادة انسانيته، فإن رحلة "مايك" للعثور على انسانيته تبدو أشد وطأة. فهذا الشاب الذي يتخذ من سلطته غطاءً يقصيه عن العالم، نراه يتصل به مرتين. الاولى عن طريق قتل الشاب المكسيكي. اما الثانية ففي مشهد جنسي مع زوجته الساهمة تشاهد مسلسلاً عاطفياً. فهو إذ يأتيها من الخلف ويبلغ الذروة، تختفي عيناه داخل محجريه ولا يظهر منهما سوى بياض مخيف يشي ليس فقط باللذة وانما بطغيان "الأنا".

في توازٍ آخر، يشاهد "مايك" المشهد نفسه من المسلسل العاطفي في حانة مكسيكية بين جمع لا يفهم اللغة. يضحك عالياً قبل ان ينخرط في توبة بكاء. انه هذا التحول لدى مايك من الغضب الى اليأس الى القبول بتبعات فعلته هو القوس الذي يحدد مسار أحداث الفيلم. على صعيد آخر، يقدم جونز شخصية "ميلكياديس" بحساسية عالية مانحاً اياه من خلال مشاهده القليلة حياً ومن خلال اداء جوليو سيزار سيديللو في الدور مزيجاً من البراءة والاذعان والحب. هذه هي صورة المكسيكي عند جونز وتلك الرحلة الى المكسيك كأنها أرض موعودة وجنة مفقودة وطقوس التطهر بالماء تعمل مجتمعة لخلق صورة للمكسيك مضادة للصورة السائدة المختزلة بصفات الهمجية والدموية العنيفة والبدائية. وبذلك ينشق جونز بفيلمه عن الويسترن الذي كرس بمعظمه تلك الصورة الاخيرة. ولكن الفيلم لا يستكين الى تمجيد المكسيك عامداً الى تقديم اهلها اناساً عاديين يتآكلهم الملل ويقضون نهاراتهم تحت رحمة التلفزيون ما لا يختلف كثيراً عن يوميات البلدة الاميركية على الجانب الآخر للحدود. حتى اعتذار "مايك" من عائلة "ميلكياديس" هو رمزي كأنه يسجل اعترافاً بذلك المهاجر غير الشرعي.

أحياناً يبدو جونز وكأنه المنقذ في ثوب الرجل الابيض الليبرالي المؤمن بالتعددية وبحقوق الاقليات. ولكن فيلمه ينبع ليس من هناك بل من غضب حقيقي وتجربة شخصية كأنه من خلاله يحقق عهداً قطعه قبل نحو عشر سنوات. ففي العام 1997 تعهد بتكريم موت الشاب المكسيكي ابن الثماني عشرة سنة ايسيكويل هرنانديز الذي قتل برصاص شرطة مكافحة المخدرات بينما كان يحرس قطيع ماعز من دون ان يحامن قتلته. لعل هذا الفيلم هو التكريم ورحلة اعادة "ميلكياديس" الى مسقط رأسه بجنازة لائقة هي جنازة رمزية لهرنانديز.

المستقبل اللبنانية في 25 أغسطس 2006

 

سعيد شعيب حزين على موهبة بلال فضل ويكتب:

فيلم وش إجرام مجرد مصيبة جديدة من مصائب هنيدى فى السينما 

يؤكد فيلم وش إجرام ظنى -وليس كل الظن إثماً- أن الفنان محمد هنيدى من الصعب أن ينتقل من خانة المهرج إلى خانة الممثل، وبالطبع لا أقصد هنا الإساءة إلى هذه المهنة، فهى عمل محترم وله مقومات وأصول، مثلها مثل مهنة المنولوجيست الذى يلقى بالنكت المصحوبة بالغناء، ولكن هذه مهن مختلفة تمام الاختلاف عن السينما. ومشكلة هنيدى مثل مشكلة محمد سعد هى أنهما يتصوران أن الشريط السينمائى مهمته الوحيدة هى توصيل نكت وافيهات، وهذا بالطبع غير صحيح.

المشكلة الثانية لدى هنيدى انه أصبح عبداً للصورة التى كونها عن نفسه، فقد تصور أن نجاح انطلاقته الأولى فى فيلم صعيدى فى الجامعة الأمريكية سببها هو شخصياً، وحده، دون باقى عناصر الفيلم من سيناريو وحوار وتصوير وإخراج وغيرها. ومن هنا فستجد القاسم المشترك لأعماله من بعدها هو أن باقى العناصر السينمائية مجرد تكأة أو حيلة ليقدم نكتاً وافيهات، وليست عملاً فنياً متكاملاً هو جزء منه. ومن هنا فهو لم يعد مشغولاً بأن يكون ممثلاً يؤدى شخصية لها تركيبة محددة، ولكنه فى الحقيقة يؤدى شخصيته هو الثابتة، فهو كما قلت لا يعترف بالتمثيل، بل يقدم دور المهرج أو المنولوجيست.

صحيح أن أفلامه تحقق نجاحات متفاوتة، وصحيح أيضاً أنك تسمع ضحكة هنا أو هناك فى صالة العرض، ولكن كل هذا ليس سببه أن هناك عملاً فنياً كوميدياً، ولكن سببه نكتة أو مجموعة نكات حفظها هنيدي، ثم حشرها حشراً فى سيناريو متهالك أعاد فكه وتركيبه على هواه، ولو وقف ب شحمه ولحمه وقالها أمام الجمهور فسوف يضحك أيضاً، دون أن يوجع رأسه ورأسنا بمخرج وكاميرات وأكشن واستوب .. الخ.

والغريب أن هنيدى لم يتعظ مما يفعله ولم يعد التفكير فيما يقدمه، رغم هبوط أسهمه حتى فى الشباك، ورغم أن منحنى الإيرادات التى يحققها تتفاوت تفاوتاً شديداً.. ولكنه الإصرار النرجسى الفظيع الذى يجعله لا يرى سوى نفسه.. وإذا كان كما قلت أصبح عبداً لصورة صنعها عن نفسه، أى أن مجرد وجوده فى فيلم كاف لنجاحه التجاري.. فلابد أن يتصور أنه يفهم فى الإخراج أكثر من المخرجين وفى التأليف أكثر من المؤلفين وهكذا.. ولا أندهش حين اسمع أنه هو الذى يقرر كل شيء.

كما يدهشنى أكثر عدم استفادته حتى من أفلامه التى كان فيها حد أدنى لسبب أو آخر.. مثل فيلمه فول الصين العظيم والذى كان وراءه مخرج كبير هو شريف عرفة .. ولكنه الإصرار على عبادة الذات.

وربما يكون هذا مرضا مصريا، ليس قاصراً على السينما وحدها، ولكنه منتشر فى كل جنبات حياتنا. ومنها مثلاً الصحافة، فعندما تنجح صحيفة يتصور رئيس تحريرها أنه هو وحده سبب النجاح. وعندما يقوم أى وزير بعمل أى شيء ناجح، فلابد أن يكون هذا بناء على توجيهات الرئيس.. وهو نفس ما تجده فى المعارضة، فكل شيء منسوب للزعيم الملهم رئيس الحزب، فلا يوجد احترام لفكرة أن كل هذه أعمال جماعية، قد يكون للقائد دور بارز فيها، ولكنه لم ولا يستطيع أن يصنعها وحده.

لماذا لم أتناول الفيلم نقدياً؟

الحقيقة أن السبب هو شعورى أننى سأكرر ذات الكلام الذى قلته على أفلام أخرى لهنيدى مثل فيلمه مثلاً قبل الأخير يا أنا يا خالتي. هى ذات العيوب وذات الطريقة، وربما لذلك الأهم من وجهة نظرى هو الآلية أو منهج التفكير الذى ينتج مثل هذه الأعمال، إنه منهج عبادة الذات، وصناعة الديكتاتور النجم الذى يتحفنا بهذه المصائب الفنية.

وإذا كنت حزيناً على إهدار موهبة استثنائية مثل محمد هنيدي، فإننى حزين أكثر على صديقى السيناريست بلال فضل.. فربما ألتمس العذر لهنيدى ولمن هم مثله، ولكنى بصدق لا أجد أى عذر لبلال بموهبته الفذة.. فإذا كان فى البداية قد صنع أفلاما من أجل الانتشار، فقد حقق ما يريد وأصبح مشهوراً وله وزن ضخم فى السوق السينمائي، بل ويستطيع الآن بعد كل ما حققه أن يفرض الحد الأدنى من شروطه الفنية، فلماذا يقدم أفلاما مثل وش إجرام وحاحا وتفاحة وغيرهما؟!!

الحقيقة أننى لا أجد إجابة، فهو ليس مثل البعض، والذين اعتقد أن هذا أقصى ما يستطيعون تقديمه، فهو الذى قدم أفلاما هامة منها مثلاً صايع بحر وواحد من الناس وخالتى فرنسا ..من الممكن أن يكون هناك تحفظ هنا أو هناك، ولكنها فى النهاية أفلام لها قيمة ما. كما أنها حققت نجاحا جماهيرياً.. فلماذا يقبل بلال ?الذى أحبه وأظن أنه متأكد من ذلك- على نفسه أن تكون له أفلام بكل هذا السوء وهو الذى لم يعد محتاجاً لا شهرة ولا فلوس.

كما أن بلال ليس مجرد سيناريست موهوب، ولكنه مثقف ثقافة رفيعة، ومن النوع الذى بذل جهداً مع نفسه حتى يصل الى هذا المستوي، ناهيك عن مواقفه السياسية، والتى ربما اختلف مع بعضها، ولكننى احترمها وأراه من القليلين الذين يحاولون عدم الوقوع فى الغوغائية والديماجوجية السياسية .. ولكن كيف يتسق كل هذا مع بعض أفلامه؟!!

الحقيقة أننى لا أجد إجابة..

وأتمنى أن أجدها عند صديقى الموهوب بلال فضل.

العربي المصرية في 20 أغسطس 2006

 

سينماتك

 

رفيق الصبان يكتب

«وش إجرام» .. ثلاثة أفلام سيئة!

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك